الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} ثمَّ قَالَ: {قل الله} أنزلهُ ثمَّ ذَر هَؤُلَاءِ المكذبين {فِي خوضهم يَلْعَبُونَ} .
وَمِمَّا يبين مَا تقدم مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ وَغَيره من أَئِمَّة النَّحْو: أَن الْعَرَب يحكون بالْقَوْل مَا كَانَ كلَاما لَا يحكون بِهِ مَا كَانَ قولا. فَالْقَوْل لَا يحْكى بِهِ إِلَّا كَلَام تَامّ أَو جملَة اسمية أَو جملَة فعلية وَلِهَذَا يكسرون (إِن) إِذا جَاءَت بعد القَوْل، فَالْقَوْل لَا يحْكى بِهِ اسْم؛ وَالله تَعَالَى لَا يَأْمر أحدا بِذكر اسْم مُفْرد وَلَا شرع للْمُسلمين.
وَ
الِاسْم الْمُجَرّد لَا يُفِيد شَيْئا من الْإِيمَان
بِاتِّفَاق أهل الْإِسْلَام وَلَا يُؤمر بِهِ فِي شَيْء من الْعِبَادَات وَلَا فِي شَيْء من المخاطبات.
وَنَظِير من اقْتصر على الِاسْم الْمُفْرد مَا يذكر: أَن بعض الْأَعْرَاب مر بمؤذن يَقُول: (أشهد أَن مُحَمَّدًا رسولَ الله) بِالنّصب فَقَالَ: مَاذَا يَقُول هَذَا؟ هَذَا الِاسْم، فَأَيْنَ الْخَبَر عَنهُ الَّذِي يتم بِهِ الْكَلَام؟
وَمَا فِي الْقُرْآن من قَوْله [8 المزمل] : {وَاذْكُر اسْم رَبك وتبتل إِلَيْهِ تبتيلا} وَقَوله [1 الْأَعْلَى] : {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَقَوله [14-15 الْأَعْلَى] : {قد أَفْلح من تزكّى * وَذكر اسْم ربه فصلى} وَقَوله [74 الْوَاقِعَة] : {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} وَنَحْو ذَلِك لَا يقتضى ذكره مُفردا.
بل فِي " السّنَن " أَنه لما نزل قَوْله: {فسبح باسم رَبك الْعَظِيم} قَالَ: " اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم " وَلما نزل قَوْله: {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} قَالَ: " اجْعَلُوهَا فِي سُجُودكُمْ ". فشرع لَهُم أَن يَقُولُوا فِي الرُّكُوع: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم) وَفِي السُّجُود (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) . وَفِي " الصَّحِيح " أَنه كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه: " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم " وَفِي سُجُوده " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " وَهَذَا هُوَ معنى قَوْله: " اجْعَلُوهَا فِي ركوعكم وسجودكم " بِاتِّفَاق الْمُسلمين.
فتسبيح اسْم ربه الْأَعْلَى وَذكر اسْم ربه وَنَحْو ذَلِك هُوَ بالْكلَام التَّام الْمُفِيد كَمَا فِي " الصَّحِيح " عَنهُ صلى الله عليه وسلم: أَنه قَالَ: " أفضل الْكَلَام بعد الْقُرْآن أَربع وَهن من الْقُرْآن: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ". وَفِي " الصَّحِيح "
عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم ".
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " من قَالَ فِي يَوْمه مائَة مرّة: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، كتب الله لَهُ حرْزا من الشَّيْطَان يَوْمه ذَلِك حَتَّى يُمْسِي وَلم يَأْتِ أحد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رجل قَالَ مثل مَا قَالَ أَو زَاد عَلَيْهِ ". و " من قَالَ فِي يَوْمه مائَة مرّة: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم، حطت عَنهُ خطاياه وَلَو كَانَت مثل زبد الْبَحْر ". وَفِي " الْمُوَطَّأ " وَغَيره عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " أفضل مَا قلته أَنا والنبيون من قبلي: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير "
وَفِي " سنَن ابْن مَاجَه " وَغَيره عَنهُ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " أفضل الذّكر لَا إِلَه إِلَّا الله وَأفضل الدُّعَاء الْحَمد لله ".
وَمثل هَذِه الْأَحَادِيث كَثِيرَة فِي أَنْوَاع مَا يُقَال من الذّكر وَالدُّعَاء.
وَكَذَلِكَ مَا فِي الْقُرْآن من قَوْله تَعَالَى [121 الْأَنْعَام] : {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ} وَقَوله [4 الْمَائِدَة] : {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} إِنَّمَا هُوَ قَول: بِسم الله، وَهَذِه جملَة تَامَّة، إِمَّا اسمية على أظهر قولي النُّحَاة، أَو فعلية وَالتَّقْدِير: ذبحي بِسم الله أَو أذبح بِسم الله. وَكَذَلِكَ قَول الْقَارئ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، فتقديره قراءتي بِسم الله أَو اقْرَأ باسم الله. وَمن النَّاس من يضمر فِي مثل هَذَا: ابتدائي بِسم الله أَو ابتدأت بِسم الله، وَالْأول أحسن؛ لِأَن الْفِعْل كُله مفعول باسم الله لَيْسَ مُجَرّد ابْتِدَائه، كَمَا أظهر الْمُضمر فِي قَوْله [1 العلق] :
{اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق} وَفِي قَوْله [41 هود] : {بِسم الله مجريها وَمرْسَاهَا} وَفِي قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " من كَانَ ذبح قبل الصَّلَاة فليذبح مَكَانهَا أُخْرَى وَمن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله ". وَمن هَذَا الْبَاب قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح لربيبه عمر بن أَبى سَلمَة: " يَا غُلَام سم الله وكل بيمينك وكل مِمَّا يليك " فَالْمُرَاد أَن يَقُول: باسم الله، لَيْسَ المُرَاد أَن يذكر الِاسْم مُجَردا وَكَذَلِكَ قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح لعدي بن حَاتِم:" إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله فَكل " وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِذا دخل الرجل منزله فَذكر اسْم الله عِنْد دُخُوله وَعند خُرُوجه وَعند طَعَامه قَالَ الشَّيْطَان: لَا مبيت لكم وَلَا عشَاء " وأمثال ذَلِك كثير.
وَكَذَلِكَ مَا شرع للْمُسلمين فِي صلَاتهم وأذانهم وحجهم وأعيادهم من ذكر الله تَعَالَى إِنَّمَا هُوَ بِالْجُمْلَةِ التَّامَّة كَقَوْل الْمُؤَذّن: (الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله) وَقَول الْمُصَلِّي: (الله أكبر سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيم سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى سمع الله لمن حَمده رَبنَا وَلَك الْحَمد التَّحِيَّات لله) وَقَول الملبي: (لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك) وأمثال ذَلِك.
فَجَمِيع مَا شَرعه الله من الذّكر إِنَّمَا هُوَ كَلَام تَامّ لَا اسْم مُفْرد وَلَا مظهر وَلَا مُضْمر.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسمى فِي اللُّغَة (كلمة) كَقَوْلِه: " كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم " وَقَوله: " أفضل كلمة قَالَهَا الشَّاعِر كلمة لبيد: أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [5 الْكَهْف] : {كَبرت كلمة تخرج من أَفْوَاههم} الْآيَة وَقَوله [115 الْأَنْعَام] : {وتمت كلمة رَبك صدقا وعدلا} .
وأمثال ذَلِك مِمَّا اسْتعْمل فِيهِ لفظ (الْكَلِمَة) من الْكتاب وَالسّنة بل وَسَائِر كَلَام الْعَرَب فَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْجُمْلَة التَّامَّة
كَمَا كَانُوا يستعملون الْحَرْف فِي الِاسْم فَيَقُولُونَ: هَذَا حرف غَرِيب أَي لفظ الِاسْم غَرِيب.
وَقسم سِيبَوَيْهٍ الْكَلَام إِلَى اسْم وَفعل وحرف جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل، وكل من هَذِه الْأَقْسَام يُسمى حرفا لَكِن خَاصَّة الثَّالِث أَنه حرف جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل.
وسمى حُرُوف الهجاء باسم الْحَرْف وَهِي أَسمَاء.
وَلَفظ الْحَرْف يتَنَاوَل هَذِه الْأَسْمَاء وَغَيرهَا كَمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه فَلهُ بِكُل حرف عشر حَسَنَات أما إِنِّي لَا أَقُول {ألم} حرف وَلَكِن ألف حرف وَلَام حرف وَمِيم حرف " وَقد سَأَلَ الْخَلِيل بن أَحْمد أَصْحَابه عَن النُّطْق بِحرف الزَّاي من زيد؟ فَقَالُوا: (زَاي) فَقَالَ: جئْتُمْ بِالِاسْمِ وَإِنَّمَا الْحَرْف (زَ) .
ثمَّ إِن النُّحَاة اصْطَلحُوا على أَن هَذَا الْمُسَمّى فِي اللُّغَة
بالحرف يُسمى كلمة وَأَن لفظ الْحَرْف يخص لما جَاءَ لِمَعْنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل كحروف الْجَرّ وَنَحْوهَا.
وَأما أَلْفَاظ حُرُوف الهجاء فيعبر تَارَة بالحرف عَن نفس الْحَرْف من اللَّفْظ وَتارَة باسم ذَلِك الْحَرْف وَلما غلب هَذَا الِاصْطِلَاح صَار يتَوَهَّم من اعتاده أَنه هَكَذَا فِي لُغَة الْعَرَب ومنم من يَجْعَل لفظ الْكَلِمَة فِي اللُّغَة لفظا مُشْتَركا بَين الِاسْم مثلا وَبَين الْجُمْلَة وَلَا يعرف فِي صَرِيح اللُّغَة من لفظ (الْكَلِمَة) إِلَّا الْجُمْلَة التَّامَّة.
وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْمَشْرُوع فِي ذكر الله سُبْحَانَهُ هُوَ ذكره بجملة تَامَّة وَهُوَ الْمُسَمّى بالْكلَام وَالْوَاحد مِنْهُ بِالْكَلِمَةِ وَهُوَ الَّذِي ينفع الْقُلُوب وَيحصل بِهِ الثَّوَاب وَالْأَجْر ويجذب الْقُلُوب إِلَى الله ومعرفته ومحبته وخشيته وَغير ذَلِك من المطالب الْعَالِيَة والمقاصد السامية.
وَأما الِاقْتِصَار على الِاسْم الْمُفْرد مظْهرا أَو مضمرا فَلَا أصل لَهُ فضلا عَن أَن يكون من ذكر الْخَاصَّة والعارفين.
بل هُوَ وَسِيلَة إِلَى أَنْوَاع من الْبدع والضلالات وذريعة إِلَى تصورات وأحوال فَاسِدَة من أَحْوَال أهل الْإِلْحَاد وَأهل الِاتِّحَاد.
كَمَا قد بسط الْكَلَام عَلَيْهِ فِي غير هَذَا الْموضع.