المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وصف أكابر الخلق بالعبادة - العبودية

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ وصف أكابر الخلق بالعبادة

القَوْل بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال وَلَا تكن من الغافلين * إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ} .

وَهَذَا وَنَحْوه مِمَّا فِيهِ‌

‌ وصف أكَابِر الْخلق بِالْعبَادَة

وذم من خرج عَن ذَلِك مُتَعَدد فِي الْقُرْآن وَقد أخبر أَنه أرسل جَمِيع الرُّسُل بذلك فَقَالَ تَعَالَى [25 الْأَنْبِيَاء] : {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} وَقَالَ تَعَالَى [36 النَّحْل] : {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت} وَقَالَ تَعَالَى لبنى إِسْرَائِيل [56 العنكبوت] : {يَا عبَادي الَّذين آمنُوا إِن أرضي وَاسِعَة فإياي فاعبدون} [41 الْبَقَرَة] : {وإياي فاتقون} وَقَالَ [21 الْبَقَرَة] : {يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم وَالَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} وَقَالَ [56 الذاريات] : {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} وَقَالَ تَعَالَى [11-15 الزمر] : {قل إِنِّي أمرت أَن أعبد الله مخلصا لَهُ الدَّين * وَأمرت لِأَن أكون أول الْمُسلمين * قل إِنِّي أَخَاف إِن عصيت رَبِّي عَذَاب يَوْم عَظِيم * قل الله أعبد مخلصا لَهُ ديني * فاعبدوا مَا شِئْتُم من دونه} .

وكل رَسُول من الرُّسُل افْتتح دَعوته بِالدُّعَاءِ إِلَى عبَادَة الله كَقَوْل نوح وَمن بعده عليهم السلام فِي سُورَة الشُّعَرَاء وَغَيرهَا [59 الْأَعْرَاف] : {اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} .

ص: 77

وَفِي " الْمسند " عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " بعثت بِالسَّيْفِ بَين يدى السَّاعَة حَتَّى يُعبد الله وَحده لَا شريك لَهُ وَجعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي وَجعل الذلة وَالصغَار على من خَالف أمرى ".

وَقد بَين أَن عباده المخلصين هم الَّذين ينجون من السَّيِّئَات الَّتِي زيّنها الشَّيْطَان قَالَ الشَّيْطَان [39-40 الْحجر] : {قَالَ رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} قَالَ تَعَالَى [41-42 الْحجر] : {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم * إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} وَقَالَ [82-83 ص] : {فبعزتك لأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} وَقَالَ فِي حق يُوسُف [24 يُوسُف] : {كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من عبادنَا المخلصين} وَقَالَ تَعَالَى [159-160 الصافات] : {سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ * إِلَّا عباد الله المخلصين} وَقَالَ تَعَالَى [99-100 النَّحْل] : {إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه وَالَّذين هم بِهِ مشركون} .

ص: 78

وبالعبودية نعت كل من اصْطفى من خلقه فِي قَوْله [45-47 ص] : {وَاذْكُر عبادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أولي الْأَيْدِي والأبصار * إِنَّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدَّار * وَإِنَّهُم عندنَا لمن المصطفين الأخيار} وَقَوله [17 ص] : {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد إِنَّه أواب} . وَقَالَ عَن سُلَيْمَان [30 ص] : {نعم العَبْد إِنَّه أواب} . وَعَن أَيُّوب [44 ص] : {نعم العَبْد} . وَقَالَ عَنهُ [41 ص] : {وَاذْكُر عَبدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه} . وَقَالَ عَن نوح عليه السلام [3 الْإِسْرَاء] : {ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا} . وَقَالَ عَن خَاتم رسله [1 الْإِسْرَاء] : {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} - وَهُوَ أولى الْقبْلَتَيْنِ، وَقد خصّه الله بِأَن جعل الْعِبَادَة فِيهِ بخمسمئة ضعف، وَالْمَقْصُود بمضاعفة الْحَسَنَات هُوَ الْمَسْجِد الَّذِي حرقه الْيَهُود، عَلَيْهِم لعنة الله، ويظن الْبَعْض أَن الْمَسْجِد الْأَقْصَى هُوَ الصَّخْرَة والقبة المحيطة بهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك - وَقَالَ [19 الْجِنّ] : {وَأَنه لما قَامَ عبد

ص: 79

الله يَدعُوهُ} وَقَالَ [23 الْبَقَرَة] : {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا} وَقَالَ [10 النَّجْم] : {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} وَقَالَ [6 الْإِنْسَان] : {عينا يشرب بهَا عباد الله} وَقَالَ [63 الْفرْقَان] : {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا} وَمثل هَذَا كثير مُتَعَدد فِي الْقُرْآن.

فصل [فِي التَّفَاضُل بِالْإِيمَان]

إِذا تبين ذَلِك فمعلوم أَن النَّاس يتفاضلون فِي هَذَا الْبَاب تفاضلا عَظِيما وَهُوَ تفاضلهم فِي حَقِيقَة الْإِيمَان وهم ينقسمون فِيهِ إِلَى عَام وخاص وَلِهَذَا كَانَت إلهية الرب لَهُم فِيهَا عُمُوم وخصوص.

وَلِهَذَا كَانَ الشّرك فِي هَذِه الْأمة " أخْفى من دَبِيب النَّمْل ". وَفِي " الصَّحِيح " عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: " تعس عبد الدِّرْهَم تعس عبد الدِّينَار تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش إِن أعطي رَضِي وَإِن منع سخط ".

فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عبد الدِّرْهَم وَعبد الدِّينَار وَعبد القطيفة وَعبد الخميصة وَذكر مَا فِيهِ دُعَاء وخبرًا وَهُوَ قَوْله: " تعس وانتكس وَإِذا شيك فَلَا انتقش " والنقش إِخْرَاج الشَّوْكَة من الرجل والمنقاش مَا يخرج بِهِ الشَّوْكَة.

وَهَذِه حَال من إِذا أَصَابَهُ شَرّ لم يخرج مِنْهُ وَلم يفلح لكَونه

ص: 80