الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
سورة آل عمران
…
سورة آل عمران:
177-
ذكر سبب نزول صدرها:
أخرج ابن أبي حاتم1 من طريق أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: أن النصارى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في عيسى بن مريم، فادعوا الكذب، وقالوا: من أبوه2؟ فقال3 لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ " قالوا: بلى، قال:"ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟ " قالوا: بلى، قال:"ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلأه ويحفظه ويرزقه؟ " قالوا: بلى، قال:"فهل يملك عيسى شيئا من ذلك؟ " قالوا: لا. قال: "ألستم تعلمون أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ " قالوا: بلى، قال:"أفكذلك عيسى؟ " 4قالوا: لا. قال: "فإن ربنا صير عيسي في الرحم كيف شاء 5، ألستم تعلمون أن أمه حملته كما تحمل المرأة ووضعته كما تضع المرأة ثم غذي بالطعام 6 كما يغذى الصبي
1 "ج2 ق1 ص20-21""18".
وهذا القسم حققه وخرج أحاديثه الدكتور حكمت بشير ياسين الحاصل على شهادة الدكتوراه في الكتاب والسنة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو ينتهي بالآية "167" من هذه السورة.
وأخرجه الطبري "6/ 154""6544".
2 النص في التفسيرين: "
…
من أبوه؟ فقالوا على الله الكذب والبهتان، لا إله إلا الله لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا".
3 من هنا إلى قولهم: "بلى" الأولى من "تفسير الطبري"، ولا وجود له في ابن أبي حاتم، فكأنه سقط منه!
4 النص في التفسيرين: "فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلا ما علم؟ ".
5 طوى المؤلف هنا كلامًا متصلًا بهذا السؤال وهو: "ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث؟ " قالوا: "بلى" ثم يأتي ذلك السؤال.
6 لم ترد هذه الكلمة في التفسيرين.
ثم كان يطعم الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث والله بخلاف ذلك؟ " 1 قالوا: بلى، قال: "فكيف الذي زعمتم؟ " 2 فعرفوا ثم أبوا إلا جحودًا، وأنزل الله عز وجل {ألم، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} إلى3 قوله: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
وأخرجه الطبري4 من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق5 عن محمد6 بن جعفر بن الزبير نحوه وأتم منه وفيه تسمية رؤساء وفد نجران.
178-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا 7 بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الآية: 4] .
قال مقاتل بن سليمان8: "نزلت في اليهود9 منهم حيي وجدي وأبو ياسر بنو أخطب وكعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وزيد بن التابوت10".
179 -
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا 11 الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
1 قوله: "والله بخلاف ذلك" لا وجود له في التفسيرين.
2 النص في التفسيرين: فكيف يكون هذا كما زعمتم.
3 من هنا إلى الأخير لم يرد في التفسيرين.
4 "6/ 151-154""6543".
5 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 574-576".
6 هو من رجال الستة، ذكره البخاري في "الأوسط" في فصل من مات بين "110 إلى 120". انظر "الكاشف""3/ 25" و "التهذيب""9/ 93".
7 في الأصل: يكفرون وهو خطأ.
8 "1/ 158-159".
9 نص مقاتل: "بآيات الله: يعني القرآن وهم اليهود كفروا بالقرآن منهم
…
".
10 في مقاتل: التابوه.
11 في الأصل: وأما وهو خطأ.
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [الآية: 7] .
1-
قال ابن الكلبي1 عن أبي صالح عن ابن عباس: المتشابه حروف التهجي في أوائل السور، ولك أن رهطًا من اليهود حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف ونظراءهما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له حيي: بلغنا أنه أنزل عليك "ألم"2 أنشدك الله أأنزلت عليك؟ قال: "نعم"، قال: فإن كان ذلك حقا فإني أعلم مدة ملك أمتك هو إحدى وسبعون سنة فهل أنزل عليك غيرها قال: "نعم المص " 3 قال: هذه أكثر من تلك هي إحدى وستون ومئة سنة فهل غيرها؟ قال: نعم "الر" 4 قال: هذه أكثر هي مائتان وإحدى وثلاثون سنة فهل غيرها؟ قال: نعم "المر" 5 قال: هذه أكثر هي مائتان وإحدى وسبعون سنة ولقد خلطت علينا فلا ندري بقليله نأخذ أم بكثيره؟ ونحن لا نؤمن بهذا فأنزل الله عز وجل {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} الآية".
1 قال السيوطي "2/ 146": "أخرج البخاري في "التاريخ"، وابن جرير من طريق ابن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: مر أبو ياسر
…
" فذكره.
قلت: أخرجه البخاري "2/ 52" عن زياد وسلمة عن ابن إسحاق، ولابن إسحاق طريقان عن محمد بن أبي محمد وهذا كثير الذكر هنا، وقد قرن بابن عباس جابرًا، وعن الكلبي وقد جعل ابن عباس عن جابر" وانظر "سيرة ابن هشام" "1/ 545-547".
ملاحظة: تحرف "رئاب" في "الدر" إلى رباب، وفي "البحر المحيط""2/ 381" إلى "دئاب" وأخرجه الطبري في تفسير الآية "1" من سورة البقرة انظر "1/ 216-218" وتكلم الشيخ أحمد شاكر على إسناده متوسعًا فراجعه.
2 هذه مطلع السور الآتية: البقرة وآل عمران، وهما مدنيتان، والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة وهن مكيات.
3 أول سورة الأعراف.
4 هذه مطلع السور المكية الآتية: يونس-هود-يوسف-إبراهيم-الحجر.
5 أول سورة الرعد.
وقال مقاتل بن سليمان1 في قوله: {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} قال: هي الكلمات الأربع "ألم والمص والمر والر" شبه على اليهود كم2 تملك هذه الأمة من السنين قال3 {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} هم عبد الله بن سلام وأصحابه يقولون: {آمَنَّا بِهِ} وهم الذين قالوا: {رَبَّنَا لا تُزِغْ} إلى قوله: {الْمِيعَادَ} .
2-
قول آخر: قال مقاتل بن حيان4: هم وفد نجران خاصموا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى فقالوا: ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال: "بلى" قالوا: فحسبنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية".
3-
قول آخر5: أخرج البخاري من طريق يزيد بن إبراهيم عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} إلى {أُولُو الْأَلْبَابِ} وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم".
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود ثلاثتهم عن القعنبي عن يزيد6.
وأخرج ابن أبي حاتم7 عن أبيه عن أبي الوليد عن يزيد وحماد بن سلمة عن
1 في تفسيره "1/ 160".
2 في الأصل: لم وقد تكرر من الناسخ عدم كتابة الكاف.
3 "1/ 160" وفي النقل تصرف.
4 لم أجد أحدًا نقله وقد رجعت إلى "الطبري وابن أبي حاتم وابن كثير والسيوطي".
5 لا أجد في هذا القول سبب نزول فتأمل.
6 انظر "صحيح البخاري" كتاب التفسير "الفتح""8/ 209" و"صحيح مسلم"، كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن "4/ 2035" و"سنن أبي داود" كتاب "السنة"، باب مجانية أهل الأهواء "4/ 198".
7 "2/ 1/ 64""103" وحكم محققه عليه بأن رجاله ثقات وإسناده صحيح، وبين من أخرجه أيضًا.
ابن أبي مليكة بلفظ: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} فقال: "إذا رأيتم"، فذكره".
وأخرجه الترمذي1 عن بندار2 عن أبي الوليد، بدون ذكر حماد وقال3: تفرد يزيد بذكر القاسم فيه بين عائشة وابن أبي مليكة ورواه [غير] 4 واحد ابن أبي مليكة [عن عائشة ولم يذكروا فيه] 4 القاسم.
قلت: وقد وافقه حماد بن سلمة في إحدى الروايتين عنه كما تقدم من طريق [ابن] 5 أبي حاتم6.
وكذا أخرجه الطبري7 من طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة. وقد أغرب الوليد بن مسلم فرواه عن حماد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، [عن عائشة] أخرجه الطبري8 من طريقه. ومن طريقه9 أيضًا عنه عن نافع بن عمر10 عن ابن أبي ملكية عن عائشة، والذي يظهر أن حماد بن سلمة كان يتنوع في إيراده،
1 "الجامع" كتاب التفسير "5/ 207".
2 هو محمد بن بشار.
3 "5/ 208" والنقل بتصرف.
4 طمست في الأصل، واستدركتها من الترمذي.
5 سقطت من الأصل.
6 ومثل هذا في "الفتح""8/ 210".
7 "6/ 195""6615" وقد حكم الشيخ أحمد شاكر على سنده بالصحة.
8 "6/ 192-193""6611" وقد حكم عليه الشيخ أحمد كذلك بالصحة.
9 أي: طريق الوليد بن مسلم انظر "التفسير""6/ 193""6612" وتعليق مخرجه.
10 في الأصل: محمد وهو خطأ صححته من التفسير وهامشه بتعليق الشيخ أحمد شاكر "وفتح الباري""8/ 210".
فإن كان حفظه فالطرق كلها صحيحة. وأخرج الإمام أحمد1 عن أبي كامل2 عن حماد بن سلمة عن أبي غالب سمعت أبا أمامة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} قال: "هم الخوارج"3.
وأخرجه ابن أبي حاتم4 وابن مردويه من طريق حميد الخياط عن أبي غالب عن أبي أمامة5 كذلك.
وأصله عند الترمذي6 وغيره7 من حديث أبي أمامة وفيه قصة نصب رؤوس الخوارج على درج دمشق8، وهذا من علامات النبوة، فإن الخوارج أول من
1 انظر "المسند""5/ 262" مسند أبي أمامة الباهلي.
2 في الأصل: "بابل" هكذا بدون تنقيط وأثبت ما في "المسند" وهو الصواب وأبو كامل هو مظفر بن مدرك الخرساني الحافظ روى عن حماد انظر "التهذيب""10/ 183".
3 وللحديث تتمة انظرها في "المسند".
4 "2/ 1/ 60""96" وانظر "الدر المنثور""2/ 148".
5 في الأصل: "سما، ووضع الناسخ عليه إشارة لحق، وفي الهامش:
…
! " وصححته من تفسير ابن أبي حاتم" و"المعجم الكبير" للطبراني "8/ 325""8046" و"السنن الكبرى" للبيهقي "8/ 188".
6 انظر "الجامع"، كتاب التفسير "5/ 210" "3000" وقال:"هذا حديث حسن، وأبو غالب يقال اسمه: حزور، وأبو أمامة الباهلي اسمه صدي بن عجلان وهو سيد باهلة".
7 انظر من خرجه غير الترمذي فيما علقه الدكتور حكمت بشير ياسين على "تفسير" ابن أبي حاتم" "2/ 1/ 62" وكتابه "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 259".
8 روى البيهقي في "السنن الكبرى" كتاب "قتال أهل البغي"، باب الخلاف في قتال أهل البغي "8/ 188" عن أبي غالب قال:"كنت بالشام فبعث المهلب ستين رأسًا من الخوارج، فنصبوا على درج دمشق وكنت على ظهر بيت لي، إذ مر أبو أمامة فنزلت فاتبعته، فلما وقف عليهم دمعت عيناه، وقال: سبحان الله ما يصنع الشيطان ببني آدم. ثلاثا كلاب كلب جهنم كلاب جهنم، شر قتلى تحت ظل السماء، ثلاث مرات، خير قتلى من قتلوه، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، ثم التفت إلي فقال: يا أبا غالب أعاذك الله منهم. قلت: رأيتك بكيت حين رأيتهم! قال: بكيت رحمة، رأيتهم كانوا من أهل الإسلام! هل تقرأ سورة آل عمران؟ قلت: نعم؟ فقرأ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاب} حتى بلغ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} وإن هؤلاء كان في قلوبهم زيغ، وزيغ بهم، ثم قرأ {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} إلى قوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} قلت: هم هؤلاء يا أبا أمامة؟ قال: نعم. قلت: من قبلك تقول أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني إذًا لجريء، بل سمعته، لا مرة، ولا مرتين، حتى عد سبعا، ثم قال: إن بني إسرائيل تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة تزيد عليهم فرقة، كلها في النار إلا السواد الأعظم. قلت: يا أبا أمامة ألا ترى ما يفعلون؟ قال: عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم".
تبع1 ما تشابه منه وابتغوا بذلك الفتنة فقتلوا من أهل الإسلام ما لا يحصى كثرة، وتجنبوا قتل أهل الشرك، وأخبارهم في ذلك شهيرة، ولذلك ورد في عدة أحاديث صحيحة أنهم شر الخلق والخليقة2. وذكر الخوارج نبه به الحديث المذكور على من ضاهاهم في اتباع المتشابه وابتغاء تأويله فالآية شاملة لكل مبتدع سلك ذلك المسلك.
قال ابن جرير3: المراد بالذين في قلوبهم زيغ كل مبتدع بدعة تخالف ما مضى
1 في الأصل: يتبع وهو غير مناسب أظنه من الناسخ.
2 قال البخاري في "صحيحه"، كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم"، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم:"وكان ابن عمر يراهم شرار خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين" وقال الحافظ في "شرحه""12/ 286": وصله الطبري في مسند علي من "تهذيب الآثار" من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟ قال: كان يراهم شرار خلق الله، انطلقوا إلى آيات الكفار فجعلوها من المؤمنين. قلت: وسنده صحيح، وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم "في كتاب "الزكاة" باب الخوارج شر الخلق والخليقة "2/ 750"" من حديث أبي ذر في وصف الخوارج:"هم شر الخلق والخليقة. وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج فقال: "هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي". وسنده حسن، وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا: "هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة". وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: "هم شر البرية"، وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم "كتاب "الزكاة"، باب التحريض على قتل الخوارج "2/ 749":"من أبغض خلق الله إليه". وفي حديث عبد الله بن خباب -يعني عن أبيه- عند الطبراني: "شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض
…
"، وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم.
3 "6/ 198" وقد نقل بالمعنى.
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأول1 بعض الآيات المحتملة التأويل ما يشيد به بدعته2.
ثم3 أسند عن قتادة نحو ذلك4.
ثم5 أسند من طريق الحارث6 بن يعقوب، عن أيوب، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَات} الآية كلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله 7 فاحذروهم".
ورجح الطبري8 قول من قال من المفسرين: "إن المراد باتباع الفتنة في الآية اتباع الشبهات واللبس، ليروج بذلك الباطل الذي ابتدعه" وأطلق على ذلك فتنة
1 هكذا رسم الفعل في الأصل ولم ينقط.
2 بدأ بن جرير كلامه بقوله: "وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله بدعة فمال قلبه إليها
…
إلخ".
3 لو قال: "وكان أسند" لكان أصح، وقد سبق لاستعماله هذا نظائر وعلقت عليه في سورة الفاتحة.
4 انظر "6/ 187-188""6603".
5 لاحظ الهامش ما قبل السابق وانظر "تفسير الطبري""6/ 191""6609".
6 لم يذكر الطبري أباه، وقد ترجمه الشيخ أحمد شاكر على أنه الحارث بن بنهان -بالنون ثم بالباء- وقد عكسا في المطبوع -وهو ضعيف، وقد رجعت إلى ترجمة الحارث بن يعقوب في "تهذيب الكمال" للمزي "5/ 309-310" فلم أره ذكر رواية له عن أيوب ولا رواية ابن وهب عنه، وقد ذكر في ترجمة الحارث بن نبهان "5/ 288" فكان الحافظ سبق خاطره والله أعلم! وابن يعقوب ثقة، ويقول الشيخ أحمد "6/ 192":"وعلى الرغم من ضعف الحارث هذا، فإن أصل الحديث صحيح، بالأسانيد الأخر، السابقة واللاحقة".
7 بعد هذا في الطبري: "أولئك الذين قال الله، فلا تجالسوهم".
8 "6/ 197" والنقل بالمعنى.
لأنه يؤول إليها نسأل الله السلامة والعافية.
180-
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَاد} [الآية: 12] .
1-
قال ابن إسحاق في "المغازي" رواية يونس بن بكير عنه1. حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع، فقال: "يا معشر اليهود احذروا من الله ما نزل بقريش يوم بدر، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم"، فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} الآية.
وقال ابن إسحاق أيضًا2 في رواية سلمة بن الفضل عنه عن عاصم بن عمر بن قتادة قال:
فلما أصاب الله قريشا يوم بدر جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود في سوق بني قينقاع حين قدم المدينة، فذكر نحوه.
وفي "تفسير" سنيد3: حدثني حجاج عن ابن جريج عن عكرمة في هذه الآية
1 انظر "سيرة ابن هشام""2/ 47" و"تفسير الطبري""6/ 227""6666" و"الأسباب" للواحدي "ص91-92" وما ذكره الحافظ موافق لنصه تمامًا. وقد عزاه السيوطي في "اللباب""ص51" إلى أبي داود في "سننه" والبيهقي في "الدلائل".
2 رواه عنه الطبري "6/ 228""6667" وأشار أحمد شاكر إلى وجوده في "سيرة ابن هشام"، والموجود فيها السند دون هذا المتن.
3 رواه عنه الطبري "6/ 228""6670".
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} قال: فنحاص اليهودي في يوم "بدر"1: لا يغرن محمدا2 إن غلب قريشا وقتلهم أن قريشا لا تحسن القتال فنزلت.
وقال ابن ظفر: يحسن أن يقال: لما شمت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم ستغلبون وتحشرون إلى جهنم3 يعني على القراءة بالياء4 المثناة التحتانية فيهما5.
قول آخر: وقال الثعلبي: قال الكلبي6: عن أبي صالح عن ابن عباس، وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة، ومن طريق مجاهد، قالا: أنزلت في محمد وأصحابه، ومشركي قريش يوم بدر، أن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم رسول الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى، ونجده في كتابنا بنعته وصفته، وأنه لا ترد له راية. وأرادوا اتباعه، فقال بعضهم: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب7 أصحابه شكوا وقالوا: ما هو به، فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبينه عهد، فنقضوه وانطلق كعب بن الأشرف إلى أبي سفيان بمكة فوافقهم أن يكونوا كلمة واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة فنزلت8.
1 سقطت من الأصل واستدركتها من الطبري.
2 في الأصل: محمد.
3 لا بد من القول أن في السورة فصلا تاما يتحدث عن وقعة أحد يبدأ بالآية "121"، فنزل آية بعد الوقعة ووضعها هنا يبدو غريبا ولا بد له من إسناد يصلح للاحتجاج، وأما القول المرسل فلا يصح هنا.
4 في الأصل: بالتاء، وهو تحريف.
5 قال ابن مجاهد في كتاب "السبعة""ص202": "قرأ حمزة والكسائي: {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُون} و {يَرَوْنَهُم} بالياء ثلاثتهن وانظر "معجم القراءات القرآنية" "2/ 9".
6 نقله الواحدي عن الكلبي ولم يذكر الثعلبي "ص91" واختلافه عما هنا يسير، أرى أنه من المؤلف.
7 لم تنقط في الأصل، وقد اتبعت ما في الواحدي.
8 لاحظ ما علقته قريبا على قول ابن ظفر.
وقال مقاتل بن سليمان1 في قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} : نزلت في بني قينقاع من اليهود توعدوا2 المسلمين بالقتال فنزلت.
181-
قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} الآية والتي بعدها 14-15.
قال ابن ظفر: قيل: إن وفد نجران لما دخلوا المدينة تزينوا بأحسن زي فتشوقت نفوس رجال من فقراء المسلمين إليهم فنزلت.
وقال ابن إسحاق3 عن محمد بن جعفر بن الزبير: دخلوا المسجد العصر وهم في جمال رجال بني الحارث وعليهم الحبرات4.
182-
قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُم} الآية15 5.
أخرج ابن أبي حاتم6 من طريق عطاء بن السائب عن أبي بكر بن حفص قال: لما نزلت {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} الآية قال عمر: الآن يا رب زينتها7 لنا، فنزلت:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ} 8.
1 "1/ 161" والنقل بالمعنى.
2 في الأصل: فوعدوا وهو تحريف.
3 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 574".
4 الحبرات جمع حبرة: ضرب من برود اليمن انظر "القاموس""ص472".
5 كانت هذه الآية بعد الآية "18" فقدمتها إلى موضعها.
6 "2/ 1/ 101""175".
7 في ابن أبي حاتم: حين زينتها.
8 فيه زيادة: الآية كلها.
وقال محققة: "الإسناد ضعيف، وله متابعات كما سيأتي في الأثر القادم حيث رواه المصنف بإسناد حسن
…
" فانظر "ص102" "176".
وهذا الأثر أخرجه الطبري "6/ 244""6695" وإليهما عزاه السيوطي "2/ 160".
183-
قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} الآية 18.
ذكر الثعلبي عن ابن الكلبي1 قال: قدم2 حبران من أحبار الشام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم3 الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا عليه عرفاه بالصفة والنعت فقالا: أنت محمد؟ قال: "نعم" قالا: وأنت أحمد؟ قال: "أنا محمد وأحمد"، قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك قال: "سلا" قالا: فأخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل فأنزل الله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُو} فأسلم الرجلان".
184-
قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} الآية19 4.
1-
أخرج الطبري5 من طريق الربيع بن أنس في هذه الآية قال: قال أبو العالية: {بَغْيًا} أي: طلبا للملك، قال الربيع: وذلك أن موسى عليه السلام لما حضره الموت دعا سبعين6 حبرا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة، وجعلهم أمناء [عليه] 7 كل حبر جزءا منه واستخلف موسى يوشع بن نون، فلما مضى القرن الأول
1 وعنه نقله الواحدي "ص92" ولم يذكر الثعلبي، والاختلاف يسير.
2 النص في الواحدي: "لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، قدم عليه حبران
…
".
3 ما بين الهلالين لم يرد في الواحدي، وإسقاطه أولى.
4 في الأصل بدل الآية: "الحديث" ووضع الناسخ عليها: كذا فأثبت ما ترى.
5 "6/ 277""6767 و6769" وفي النقل تصرف.
6 في الأصل: "لسبعين" ووضع الناسخ عليها: ط، وكتب في الهامش:"سبعين" وهو الصواب الموافق لما في الطبري.
7 من الطبري.
والثاني والثالث وقعت الفرقة بينهم من أبناء السبعين [حتى اهراقوا الدماء بينهم، ووقع الشر "والاختلاف" وكان "ذلك" كله] 1 من قبل الذين أوتوا العلم بغيا بينهم على الدنيا وطلبا لسلطانها وزخرفها فسلط الله عليهم الجبابرة.
2-
قول آخر: أخرج الطبري2 من طريق ابن إسحاق3 عن محمد بن جعفر ابن الزبير في هذه الآية قال: المراد بهم النصارى4. وسيأتي بقية كلامه في التي بعدها.
3-
ونقل الثعلبي عن بعضهم: إن المراد أهل الكتاب في نبوة محمد بعد أن وجدوا نعته وصفته في كتبهم فكفروا به حسدًا5.
4-
قول آخر: نقل الثعلبي عن ابن الكلبي قال: نزلت في اليهود والنصارى حين تسموا بهذين الاسمين وتركوا اسم الإسلام.
185-
قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [الآية: 20] .
1 ما بين المعقوفين وقع فيه في الأصل طمس فاستعنت على حله بالطبري، وما بين الهلالين مزيد كان المؤلف أسقطه في نقله.
2 "6/ 278""6770" وفي النقل تصرف.
3 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 577" في قصة وفد نجران.
4 في ابن هشام: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُم العِلْم} -أي: الذي جاءك، أي: أن الله الواحد الذي ليس له شريك- بغيا بينهم" وقد نقل الطبري هذا وزاد: "يعني بذلك النصارى" وقال الشيخ أحمد شاكر عن القول الأخير: "ليس في ابن هشام، وكأنه من تفسير الطبري للخبر" قلت: الظاهر هذا لأن السياق فيهم وقد قال ابن هشام في مورد خبر الوفد "1/ 576": "فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم، واختلاف أمرهم كله، صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها
…
".
5 ليس فيما ذكر هنا سبب نزول، وأما القول الرابع فيحتمل.
قال ابن الكلبي: لما نزلت: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} قالت اليهود والنصارى: لسنا على ما تسمينا به يا محمد إنما اليهودية والنصرانية ليست لنا، والدين هو الإسلام ونحن عليه، فأنزل الله تعالى:{فَإِنْ حَاجُّوكَ} أي: خاصموك في الدين: {فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ} قال: فقالوا: أسلمنا، فقال لليهود:"أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله، فقالوا: لا فنزلت: {وَإِنْ 1 تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ} 2".
186-
قوله تعالى: {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} [الآية: 21]3.
أخرج عبد بن حميد والطبري4 من طريق ابن أبي نجيح عن معقل بن أبي مسكين قال: كان الوحي يأتي بني إسرائيل، ولم يكن يأتيهم كتاب، فيقوم الذين يوحى إليهم فيذكرون قومهم فيقتلونهم فيقول رجال ممن5 اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم، فيقتلونهم، فنزلت فيهم6 {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ
1 في الأصل: فإن وهو خطأ.
2 هذا القول غريب جدا، ويكفي في رده ذكر الكلبي في أوله!.
3 ليس في المذكور هنا سبب نزول، وإنما هو تفسير.
4 "6/ 285""6777" وفي النقل تصرف.
وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم "2/ 1/ 163""278" ولكن زاد ذكر مجاهد بين أبي نجيح ومعقل، وذكره وهم انظر ما علقه المحقق.
وفات السيوطي عزوه إليه ولكنه زاد ابن المنذر انظر "الدر المنثور""2/ 169" و"تفسير مجاهد""1/ 123-124".
5 في الأصل: {مِنَ الَّذِينَ} وأثبت ما في الطبري وابن أبي حاتم والسيوطي.
6 ليس في المصادر المذكورة: "فنزلت فيهم" وإنما النص فيها: "عن معقل بن أبي مسكين في قول الله: {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ} قال: كان الوحي. فهم: الذين يأمرون بالقسط من الناس.
النَّاسِ} 1.
قال مقاتل بن سليمان2: كان الذي يصنع ذلك ملوك بني إسرائيل. وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قتلت بنو إسرائيل في ساعة واحدة من أول النهار ثلاثة وأربعين نبيا، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبادهم فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار من ذلك اليوم فهم الذين ذكر الله في كتابه وأنزل الآية فيهم".
أخرجه الطبري3 وابن أبي حاتم4 والثعلبي كلهم من طريق محمد بن حمير5 الحمصي.
عن أبي الحسن مولى بني أسد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب عنه، وقد ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه ما نصه "أبو الحسن الأسدي روى عنه أبو كريب مجهول6" فما أدري هو هذا أو غيره7؟
1 قال محقق ابن أبي حاتم: "معقل
…
ما وجدت له ترجمة" وبحثت أنا كذلك فلم أجد.
2 "1/ 163" وفي النقل تصرف.
3 "6/ 285-286""6780" وفي النقل اختصار وتقديم وتأخير.
4 "2/ 1/ 161-162""276" وفيه "فقام مائة رجل وسبعون رجلا
…
".
5 تصحف في "تفسير ابن أبي حاتم" إلى "حمزة" وترجمة المحقق على أنه "محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام
…
" وهذا سهو منه، فهو شيخ عمر بن حفص، وعمر بن حفص إنما يروي عن محمد بن حمير انظر "الجرح والتعديل" "6/ 103" و"التهذيب" "7/ 434".
ملاحظة: جاء في "تفسير ابن أبي حاتم": "عمر بن حفص يعني ابن ثابت بن زرارة الأنصاري" وفي رفع النسب نظر طويل.
6 انظر "الجرح والتعديل""9/ 357" ونصه: "أبو الحسن الأسدي: روى عن مسعود بن سليمان عن حبيب بن أبي ثابت، روى عنه أبو كريب، سألت أبي عنه فقال: هو مجهول".
وكذلك في "الميزان" للذهبي "4/ 514": "أبو الحسن الأسدي: حدث عنه أبو كريب مجهول".
7 تردد ابن حجر هنا في كون أبي الحسن الذي أخرج حديثه الطبري وابن أبي حاتم هو الذي ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" ونقل عن أبيه أنه مجهول.
ولكنه جزم في "لسان الميزان" بأنه هو فقال "7/ 33" معلقا على كلام الذهبي: "ولم ينفرد عنه أبو كريب، بل روى عنه أيضا محمد بن حمير الحوضي وقال في روايته: مولى بني أسد عن مكحول أخرج حديثه الطبري وابن أبي حاتم وذكره أبو أحمد الحاكم فيمن لا يعرف اسمه ووقع في النسخة: مولى أبي أسيد والله أعلم".
187-
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الآية23.
1-
قال ابن إسحاق في "المغازي"1 رواية يونس بن بكير عنه عن محمد عن سعيد و2عكرمة عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدراس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله، فقال له نعيم3 بن عمرو والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟ فقال: "على ملة إبراهيم ودينه"، فقالا: إن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهما:"فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم"، فأبيا عليه فأنزل الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَاب} الآية".
أخرجه الطبري [و] 4 هكذا ذكره الثعلبي5 عن سعيد وعكرمة عن ابن عباس والصواب أن هذه الرواية ترد دائما بالشك وهو من ابن إسحاق أو من شيخه محمد بن أبي محمد "253".
1 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 552-553" و"تفسير الطبري""6/ 288-289" من طريق أبي كريب "6781" وابن حميد "6782" وقد عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم "2/ 1/ 165""286" وابن المنذر انظر "اللباب""ص51".
2 في الأصل: أو أثبت ما في الطبري -الرواية الأولى- وهو الصحيح هنا وهو ما سينتقده المؤلف.
3 في "السيرة" وابن أبي حاتم: نعمان وانظر هامش الطبري "6/ 288".
4 زيادة مني رأيتها لازمة.
5 والواحدي أيضًا "93".
2-
قول آخر: نقل الطبري1 عن قتادة وابن جريج أن المراد بالكتاب القرآن ثم ساق الرواية عنهما بذلك2 ولفظهما3: "الكتاب وهو يحتمل أن يراد به التوراة4 فيرجع إلى الأول"، نعم وقع في تفسير جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في هذه الآية قال: جعل الله القرآن حكما فيما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهدى فأعرضوا عنه وهم يجدونه مكتوبا عندهم.
3-
قول آخر: أخرج الطبري من طريق السدي5 قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال له نعمان بن أبي6 أوفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار7 فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل بن سليمان8: نزلت في كعب بن الأشرف و9كعب بن أسيد ومالك بن الصيف10 ونعمان بن أبي11 أوفى وبحري12 بن عمرو وأبو13 نافع بن
1 "6/ 289".
2 انظر "6783" و"6785".
3 أي: جاء في لفظهما "الكتاب" ولم يقولا: "القرآن".
4 ولكن سياق لفظيهما يرد هذا الاحتمال فعد إليه.
5 لم أجد هذا في "تفسير الطبري"، ولا نقله عنه ابن كثير "1/ 355" ولا السيوطي "2/ 170" وقد ذكره الواحدي "ص92-93" عن السدي ولم ينسبه إلى مصدر.
6 ليس في الواحدي: أبي.
7 تتمة النص في الواحدي: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل إلى كتاب الله"، فقال: بل إلى الأحبار فأنزل.
8 "1/ 163-164" وفي النقل اختصار.
9 في مقاتل: أو.
10 لم ينقط في الأصل، وفي مقاتل: الضيف.
11 ليس في مقاتل: أبي.
12 لم ينقط في الأصل، وهو معروف له ذكر في "السيرة"، وفي مقاتل:"يحيى" وهو تحريف وقد ذكر فيه قبل نعمان.
13 كذا في الأصل بالرفع.
قيس وأبو1 ياسر بن أخطب، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:"أسلموا " 2 فقالوا3: نحن أهدى وأحق بالهدى منكم، وما أرسل الله نبيا بعد موسى، فقال:"أخرجوا التوراة نتبع نحن وأنتم ما فيها" فأبوا فنزلت هذه".
4-
قول آخر: قال ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس4: إن رجلا وامرأة من أهل خيبر زنيا، فذكر القصة الآتية في سورة المائدة، وفيها: فحكم عليهما بالرجم، فقال له نعمان بن أبي أوفى وبحري بن عمرو: جرت علينا يا محمد، فقال: بيني وبينكم التوراة، القصة، وفيها ذكر ابن صوريا، وفي آخرها فأنزل الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} إلى قوله: {وَهُمْ مُعْرِضُونَ} .
188-
قوله تعالى: {قَالُوا 5 لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة 6} [الآية: 24] .
تقدم في تفسير سورة البقرة7.
189-
قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الآية: 26] .
قال إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد جميعا عن روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في
1 كذا في الأصل بالرفع.
2 في مقاتل زيادة: تهتدوا، ولا تكفروا.
3 في الأصل: فقال، ووضع الناسخ عليها: كذا وكتب في الهامش: فقالوا.
4 نقل الواحدي هذا القول عن الكلبي باختصار ولم يرفع السند انظر "ص93".
5 في الأصل: وقالوا وهو خطأ وأول الآية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا} .
6 في الأصل: معدودة، وهو نص آية البقرة.
7 انظر الآية "80".
أمته، فأنزل الله عز وجل هذه الآية1.
وبهذا جزم مقاتل بن سليمان2 فقال: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن يجعل له ملك فارس والروم في أمته.
وذكر الثعلبي3 عن ابن عباس قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قال المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم؟ فنزلت.
وذكر الثعلبي4 هنا حديث عمرو بن عوف المزني في قصة ضرب الصخرة بالخندق وفي آخره: ونزل قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} 5. في ذلك ونزل قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} في ذلك.
قلت: وحديث عمرو أخرجه البيهقي6 وغيره، وليس في آخره: ونزل قوله
1 وأخرجه الطبري "6/ 300" من طريقين كلاهما عن قتادة، ومن طريق ابن أبي جعفر عن أبيه عنه: ابن أبي حاتم "2/ 1/ 171""304" والواحدي من طريق إسحاق انظر "ص93-94" وانظر "الدر""2/ 171". وروح ثقة فاضل من رجال الستة انظر "التقريب""ص211".
2 في تفسيره "1/ 164".
3 والواحدي أيضًا "ص93" بغير سند!.
4 والواحدي أيضا من طريقه "ص94-96".
5 سورة الأحزاب: "12".
6 في كتابه "دلائل النبوة" باب ما ظهر في حفر الخندق من دلائل النبوة وآثار الصدق "3/ 418-420" وهو من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده قال في "الميزان" "3/ 407":"قال ابن معين: ليس بشئ، وقال الشافعي وأبو داود: ركن من أركان الكذب، وضرب أحمد على حديثه، وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن حبان: له عن أبيه، عن جده نسخة موضوعة".
لكن ابن حجر يقول في "التقريب""ص460": "ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب". أما البيهقي فهو الحافظ العلامة الثبت الفقيه شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن الحسين ولد في سنة "384" وتوفي سنة "458" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "18/ 163-170".
تعالى: {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} ونورده1 في تفسير سورة الأحزاب.
190-
قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية: 28] .
1-
ذكر الثعلبي2 عن ابن عباس: كان الحجاج بن عمرو وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء اليهود واحذروا لزومهم ومباطنتهم لا يفتنوكم عن دينكم فأبى أولئك النفر مباطنتهم وملازمتهم فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية.
2-
قول آخر قال مقاتل بن سليمان3: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره كانوا يظهرون المودة لكفار مكة فنهاهم الله عن ذلك.
3-
قول آخر قال الكلبي4 عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت في عبد الله ابن أبي وأصحابه كانوا يتولون اليهود والمشركين ويأتونهم بالأخبار يرجون أن يكون لهم الظفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنون عن مثل5
1 وضع الناسخ على هذه الكلمة إشارة لحق، ووضع في الهامش:
…
ولا أدري لم!!
2 والواحدي "ص96" ومن قبلهما الطبري في التفسير "6/ 314""6826" من طريق ابن إسحاق بسنده المتكرر.
3 "1/ 165".
4 ونقله عنه الواحدي "ص96".
5 فراغ في الأصل، وضع فيع الناسخ إشارة لحق، وفي الهامش:
…
واستدركت الساقط من الواحدي.
فعلهم.
4-
قول آخر ذكر جويبر1 في "تفسيره" عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو2، فأنزل الله عز وجل:{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} الآية.
191-
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [الآية 31] .
1-
قال الكلبي3 عن أبي صالح عن ابن عباس: إن اليهود لما قالت: نحن أبناء الله وأحباؤه، أنزل الله تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الآية، فلما نزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا أن يقبلوها.
وقال مقاتل بن سليمان4: لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن الأشرف وأصحابه إلى الإسلام قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه ولنحن أشد حبا لله مما تدعونا إليه فنزلت: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} .
2-
قول آخر: قال محمد بن إسحاق في "المغازي"5 حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: نزلت في نصارى أهل نجران وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده
1 نقله عنه الواحدي "ص96-97"، ولم يذكر "تفسيره".
2 وضع الناسخ هنا إشارة لحق، وفي الهامش:
…
ولا أدري لم فالعبارة تامة، وهي في الواحدي كذلك بزيادة هي:"وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهر بهم على العدو".
3 ونقله عنه الواحدي "ص97".
4 "1/ 165-166".
5 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 578-579" في قصة وفد نجران.
و"تفسير الطبري""6/ 323""6849". وإليه عزاه السيوطي "2/ 178" ولم يذكر ابن إسحاق.
حبا لله وتعظيما له فقال الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ} 1.
3-
قول آخر: ذكر سنيد في "تفسيره"2 عن حجاج عن ابن جريج قال: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله، فقالوا: يا محمد إنا نحب ربنا، فنزلت وجعل اتباع نبيه علما لحبه.
4-
قول آخر ذكر جويبر3 في "تفسيره" عن الضحاك عن ابن عباس قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش، وهم في المسجد الحرام، وقد نصبوا أصنامهم، وعلقوا عليها بيض النعام، وجعلوا في آذانها الشنوف4 وهم يسجدون لها، فقال:"لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل" فقالوا: يا محمد إنا نعبد هذه حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى.
فقال: "أنا رسول الله إليكم وأنا أولى بالتعظيم من الأصنام".
قلت: وهذا من منكرات جويبر فإن آل عمران مدنية، وهذه القصة إنما كانت بمكة قبل الهجرة، ولعل الذي نزل فيهما في أوائل الزمر5.
1 النص في "السيرة": {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} ، أي: إن كان هذا من قولكم "يعني: في عيسى" حقا حبا لله وتعظيما له: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي: ما مضى من كفركم.
وكذلك اللفظ في "التفسير" وما بين الهلالين زيادة منه. ولكن الحافظ ذكر لفظ الواحدي انظر "ص97-98".
2 ورواه عنه الطبري "6/ 323""6847".
وذكره الواحدي "ص97" عن ابن جريج، وفيه زيادة على ما هنا قليلة.
3 ونقله عنه الواحدي "ص97" ولم يذكر "تفسيره".
4 في الأصل: السيوف وهو تحريف، وأثبت ما في الواحدي، والشنوف: جمع الشنف وهو القرط الأعلى أو معلاق في خوف الأذن
…
وأما ما علق في أسفلها فقرط انظر "القاموس""ص1067".
192 -
قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الآية 32] .
1 -
نقل الثعلبي أن عبد الله بن أبي لما نزل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} قال لأصحابه: إن محمدا -يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نعبده كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم فنزلت: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُول} الآية.
2-
وقال مقاتل بن سليمان1: نزلت في اليهود2.
قلت: وهذا هو الراجح.
193-
قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [الآية 59] .
قال عبد بن حميد: حدثنا روح بن عبادة عن عوف الأعرابي عن الأزرق بن قيس قال: جاء أسقف نجران والعاقب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام، فقالا: قد كنا مسلمين قبلك فقال: كذبتما منع الإسلام منكما ثلاث: قولكما اتخذ الله ولدا، وسجودكما للصليب، وأكلكما لحم الخنزير، قالا: فمن أبو عيسى؟ فلم يرد عليهما، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [الآية: 3] .
وعن سعيد عن قتادة: ذكر لنا أن سيدي أهل نجران قالا: لكل آدمي أب فما بال عيسى لا أب له؟ فنزلت4.
1 "1/ 166".
2 نص مقاتل: "قل -لليهود-
…
".
3 رجاله ثقات من رجال التهذيب -وقد مر الأولان- ولكنه مرسل فالأزرق من تابعي البصرة انظر "مشاهير علماء الأمصار" لابن حبان "ص92".
وقد عزاه السيوطي إلى ابن سعد في "الطبقات" انظر "اللباب""ص53".
4 أخرجه الطبري "6/ 469""7162".
وأسند الطبري1 وابن أبي حاتم2 من طريق العوفي عن ابن عباس قال: إن رهطا من أهل نجران فيهم السيد والعاقب قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما شأنك تذكر صاحبنا أي: عيسى تزعم أنه عبد الله قال: "أجل إنه عبد الله" قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل بأمر الله فقال: قل لهم إذا أتوك: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} الآية".
ومن طريق مغيرة3 عن عامر هو الشعبي قال: كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى في عيسى قولا فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فنزلت.
ومن طريق أسباط4 عن السدي قال: لما سمع أهل نجران بالنبي صلى الله عليه وسلم أتاه منهم أربعة نفر من خيارهم منهم العاقب والسيد وماسرجس5 وما ربحن6 فسألوه ما تقول في عيسى؟ فقال: "هو عبد الله وروحه وكلمته" فقالوا: ولكنه هو الله نزل من ملكه فدخل في جوف مريم، ثم خرج منها فأرانا قدرته وأمره فهل رأيت قط إنسانا خلق من غير أب؟ فنزلت.
وأخرج سنيد7 عن حجاج عن ابن جريج: بلغنا أن نصارى أهل نجران قدم
1 "6/ 468-469""7161" وفي النقل اختصار.
2 "2/ 1/ 307""667".
3 "تفسير الطبري""6/ 468""7160". ومغيرة هو ابن مقسم ثقة وقد مر.
4 "6/ 469-470""7163".
5 لم ينقط في الأصل، وأثبت ما في الطبري، وللأستاذ محمود شاكر تعليق جيد على هذا الاسم فانظره.
6 لم ينقط في الأصل، ولم يذكر في أسماء رجال الوفد المذكورين في ابن هشام "1/ 575"، وهو في الطبري: ما ربحز وفي "الدر المنثور""2/ 228": ما ربحر ويقول محمود شاكر: لم أعرف ضبطه وأظنه غير صحيح.
7 ورواه عنه الطبري "6/ 470""7164" وفي النقل هنا اختصار وتصرف. وعزاه السيوطي إليه وإلى ابن المنذر انظر "الدر""2/ 228" وهو في "الأسباب" للواحدي "ص98" ولكن بلفظ: "قال المفسرون" وذكره.
وفدهم فيهم السيد والعاقب وهما سيداهم يومئذ فقالا: يا محمد فيم تشتم صاحبنا عيسى تزعم أنه عبد؟ فقال: "أجل إنه عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم". فغضبوا وقالوا: إن كنت صادقا فأرنا عبدا يحيي الموتى ويبرئ الأكمه ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه لكنه الله، فسكت حتى أتاه جبريل فقال: يا محمد: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَم} 1 فقال: يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى فقال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} الآية.
ومن طريق سلمة بن الفضل2 عن ابن إسحاق3 عن محمد بن جعفر بن الزبير قال:
فإن قالوا: كيف خلق عيسى من غير ذكر فقد خلقت آدم من تراب بتلك4 القدرة من غير ذكر ولا أنثى. فكان كما جاء عيسى لحما ودما وشعرا وبشرا فليس خلق عيسى من غير ذكر بأعجب من خلق آدم. وأخرج ابن أبي حاتم5 من طريق مبارك بن فضالة سمعت الحسن البصري يقول: أتى راهبا نجران رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحو رواية الأزرق بن قيس لكن قال: فنزل عليه: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ
1 المائدة "17 و72".
2 "تفسير الطبري""6/ 470-471""7165".
3 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 582".
4 في الأصل: بذلك وهو تحريف.
5 "2/ 1/ 304-305""663" وحكم المحقق على إسناده بالحسن. وإليه وحده عزاه السيوطي "2/ 227"، ورواه الواحدي من هذا الطريق أيضًا انظر "ص98".
الْحَكِيمِ، إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} الآية إلى:{الْمُمْتَرِينَ} .
وسمى مقاتل بن سليمان1 فيهم الحارث وقيسا وابنيه وخالدًا وخليدًا وعمرًا.
194-
قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ} [الآية: 61]2.
قال ابن إسحاق في "السيرة الكبرى"3 رواية يونس بن بكير عنه: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، فذكر قصة وفد أهل نجران وما قالوه، ونزل فيهم:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} إلى قوله: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيْهِ} إلى قوله: {بِالْمُفْسِدِينَ} قال: فلما أتى رسول الله الخبر من الله وفصل القضاء بينه وبينهم وأنهم إن ردوا ذلك لاعنهم [دعاهم إلى ذلك4] فقالوا: يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فانصرفوا عنه، ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا لنبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه الاستئصال منكم إن فعلتم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة عليه فوادعوا هذا الرجل، وانصرفوا. فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد رأينا ألا نلاعنك، فذكر قصة بعثه معهم أبا عبيدة بن الجراح ليفصل بينهم في أمور اختلفوا فيها من أموالهم.
ولابن إسحاق في هذه القصة سند آخر موصول أخرجه أبو بكر بن مردويه في
1 "1/ 174".
2 ما ذكره المؤلف هنا جرى بعد نزول الآية ففي ذكره نظر!.
3 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 583-584". و"تفسير الطبري""6/ 479""7181" من رواية سلمة بن الفضل.
4 من السيرة والتفسير.
"التفسير" من طريق أخرى عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر القصة، وفيها: أن أشرافهم كانوا اثني عشر رجلا1.
وأخرج البخاري أصل هذه القصة في "الصحيح" في أواخر المغازي2 من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة3 بن زفر عن حذيفة قال: جاء السيد والعاقب صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل فوالله إن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: نعطيك ما سألتنا فابعث معنا رجلا أمينا الحديث.
وأخرج الحاكم في "المستدرك"4 من طريق علي بن مسهر وابن شاهين5 وابن مردويه في "التفسير"6 من طريق بشر بن مهران كلاهما عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيب7 فدعاهما
1 رجاله ثقات، عاصم مر في الآية "89" من سورة البقرة ومحمود بن لبيد ورافع بن خديج صحابيان والأول صحابي صغير قال في "التقريب" "ص522":"وجل روايته عن الصحابة".
2 انظر "فتح الباري""8/ 93" وفي النقل خلاف يسير.
3 في الأصل: صد وهو تحريف.
4 في كتاب "التاريخ:" ذكر نبي الله وروحه عيسى "2/ 593-594" وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، ولكن ابن كثير عقب عليه -على الحاكم- بقوله "1/ 371":"هكذا قال".
5 هو الشيخ الصدوق الحافظ العالم، شيخ العراق وصاحب التفسير الكبير أبو حفص، عمر بن أحمد البغدادي ولد سنة "297" وتوفي سنة "385" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "16/ 431-435" وفيها كلام على تفسيره أنه في نيف وعشرين مجلدا كله بأسانيد، وكلام الدارقطني فيه، وقول الذهبي "ت748هـ":"وتفسيره موجود بمدينة واسط اليوم".
6 عزاه إليه ابن كثير أيضا "1/ 370-371".
7 وضع الناسخ على هذا الاسم: كذا وكأنه شك بصحته، ولكنه في الرواية كذلك.
إلى الملاعنة فوعداه على أن يغادياه1 الغداة فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا وأقرا له بالخراج فقال: "والذي بعثني بالحق لو قالا 2 لأمطر عليهم الوادي نارا"، قال جابر: فيهم نزلت: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} الحديث3.
ولأخره شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم في أثناء حديث4 أصله البخاري5 والترمذي والنسائي6.
ولفظه عند الحاكم: ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون إبلا ولا مالا.
ولفظ معمر: لو خرج الذين يباهلون مثله7.
1 في ابن كثير: أن يلاعناه.
2 في ابن كثير: لو قالا: لا لأمطر.
3 هذا لفظ ابن مردويه، وقد أورده ابن كثير "1/ 370-371" أولا ثم قال:"وهكذا رواه الحاكم بمعناه" ويؤخذ على الحافظ أنه جمع بين الحاكم وابن مردويه مع أن الفرق بينهما كبير.
4 لم أجد هذا الحديث في "المستدرك" وقد مررنا عليه كله فالظاهر أنه في "التاريخ".
5 أخرج البخاري في "التفسير" سورة اقرأ عن ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو فعله لأخذته الملائكة"، قال الحافظ، "8/ 724":"زاد الإسماعيلي في آخره من طريق معمر بن عبد الكريم الجزري قال: قال ابن عباس: "لو تمنى اليهود الموت لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله -صلى الله لعيه وسلم- لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا".
6 أخرجه الترمذي في "التفسير""5/ 413-414" وقال: "حديث حسن صحيح غريب" وكذلك النسائي انظر "التفسير""ص29" الرقم "81" عزاه إليه في "التحفة""5/ 148".
وأخرجه أحمد في "المسند""1/ 248" من طريق فرات عن عبد الكريم عن عكرمة بلفظ الإسماعيلي "في الأصل: فرات بن عبد الكريم وهو تحريف" انظر "مرويات الإمام أحمد بن حنبل في التفسير""1/ 81".
7 أخرجه الطبري "6/ 482""7186" عن عبد الرزاق عنه.
وفي "تفسير سنيد"1 عن ابن جريج: والذي نفسي بيده لو لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم منهم أحد إلا أهلكه الله.
وأخرج البيهقي في "دلائل النبوة"2 قصة وفد نجران والملاعنة مطولة في نحو ورقة كبيرة من طريق يونس بن بكير في "المغازي" من زياداته على ابن إسحاق قال يونس عن سلمة بن عبد يسوع3 عن أبيه عن جده -وكان نصرانيا- فأسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجران يدعوهم إلى الإسلام. وفيه إرسالهم وفدًا اختاروهم وفيه فساءلهم وسألوه إلى أن انتهت به المسألة أن قالوا: ما تقول في عيسى؟ فقال: "أقيموا حتى أخبركم"، فافتتح الصلاة وأنزل4 الله عليه {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} إلى قوله:{فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} فقصها عليهم5 فأبوا أن يقروا بذلك، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له، وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة فذكر أنهم رضوا أن يحكموه، ورضوا بما حكم به عليهم من المال في كل سنة.
1 أخرجه عنه الطبري "6/ 482""7188".
2 "5/ 385-391" في الحديث عن الوفود "باب وفد نجران وشهادة الأساقفة لنبينا صلى الله عليه وسلم بأنه النبي الذي كانوا ينتظرونه" وقال ابن القيم في "زاد المعاد""3/ 631": "وروينا عن أبي عبد الله الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير
…
" وأورده، ونقله ابن كثير في "تفسيره" "1/ 369-370" وقال: "فيه فوائد كثيرة وفيه غرابة".
3 لم ينقط في الأصل وفي "الزاد" و"التفسير"، وهو في "الدلائل": يشوع.
وبحثت عن ترجمة له في "التهذيب" وفروعه ومن قبله "التاريخ الكبير" للبخاري و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم ومن بعده "الميزان" للذهبي فلم أجد، ثم وقفت على قول محققي "زاد المعاد" الأستاذين شعيب وعبد القادر الأرنؤوط:"سنده ضعيف لجهالة سلمة بن يسوع فما فوقه فلم نقف لهم على ترجمة".
4 النص في "الدلائل" و"زاد المعاد" وابن كثير: "فأصبح الغد وقد أنزل".
5 ليس هذا في الكتب الثلاثة.
ومن مستغربات مقاتل بن سليمان1 أنه نقل في هذه القصة أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
لو لاعنتهم بيد من كنت تأخذ؟ قال: "بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة".
وقد ساق الطبري2 آخر هذه القصة بما فيها من الزيادة عما قبلها، فأخرج من طريق مغيرة عن عامر وهو الشعبي قال: فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملاعنتهم بقوله: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيه} فتواعدوا أن يلاعنوه الغد، فانطلق السيد والعاقب ومن تبعهما إلى رجل منهم عاقل فذكروا له ما عزموا عليه فقال: بئس3 ما صنعتم وندمهم4 وقال: إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يعصيه5 الله فيكم، وإن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم6، قالوا: فكيف بنا وقد واعدنا! قال: إذا غدوتم عليه فعرض عليكم الملاعنة فقولوا: نعوذ بالله فلعله يعفيكم قال: فغدا النبي صلى الله عليه وسلم محتضنا حسينا آخذا بيد الحسن7 وفاطمة تمشي ملتفة8 فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس، فقالوا: نعوذ بالله ثم دعاهم فقالوا: نعوذ بالله مرارًا قال: "فإن أبيتم فأسلموا فإن أبيتم فأعطوا
1 انظر تفسيره "1/ 176".
2 "6/ 478-479""7180" وفي النقل تصرف واختصار.
3 قوله: بئس ليس في الطبري.
4 علق السيد محمود شاكر على هذا اللفظ بقوله: "قوله""ندمهم""مشددة الدال" لامهم حتى حملهم على الأسى والندم. وهذا لفظ عربي عريق قل أن تظفر في كثير من كتب اللغة".
5 في الطبري: لا يغضبه وما هنا أرجح.
6 في الأصل: "لا لستبقيكم" هكذا بدون تنقيط، وعلى الفعل إشارة لحق ولكن الهامش ذهب في التصوير، وأثبت ما في الطبري.
7 الاسمان في الطبري بالعكس.
8 في الطبري بدل "ملتفة" خلفه. ولعل ما هنا تحريف.
الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء فقالوا: لا طاقة لنا بحرب العرب، ولكن نؤدي الجزية، قال: فجعل عليهم ألفي حلة: ألفا في رجب، وألفا في صفر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تموا على الملاعنة".
ومن طريق السدي1 قال: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد الحسن والحسين وفاطمة وقال لعلي: اتبعنا فلم يخرج النصارى وصالحوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو خرجوا لاحترقوا". ومن طريق علباء2 بن أحمد اليشكري3: فقال شاب منهم: لا تلاعنوا أليس عهدكم بالأمس بإخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟
195-
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [الآية: 64] .
قال الثعلبي: قال المفسرون: قدم وفد نجران فالتقوا مع اليهود، فاختصموا في إبراهيم، فقالوا يا محمد إنا اختلفنا في إبراهيم، فزعمت اليهود أنه كان يهوديا وهم على دينه، وهم أولى الناس به، وزعمت النصارى، أنه كان نصرانيا وهم على دينه، وهم أولى الناس به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان حنيفا ومسلما" فقالت اليهود: يا محمد ما نريد أن نتخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى ربا فأنزل الله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُم} انتهى. وإطلاقه على قائل هذا -مع ضعفه- أنه قول المفسرين مما ينكر
1 "6/ 481""7183" وفي النقل اختصار.
2 "6/ 482""7190".
3 في الأصل: العسكري وهو تحريف وعلباء من التابعين في خراسان انظر "مشاهير علماء الأمصار""ص125" وقال الذهبي في "الكاشف""2/ 241": "وثقوه" ولكن ابن حجر قال في "التقريب""ص397": "صدوق".
عليه، فإن هذه الآية1 الأولى أنزلها الله في قصة وفد نجران قبل أن يقع اجتماعهم باليهود، فلما أبوا وبذلوا الجزية واطمأنوا اجتمعوا بيهود المدينة عند النبي صلى الله عليه وسلم أو فيما بينهم، فتجادلوا إلى أن ذكروا إبراهيم ونزلت الآيات التي بعدها في إبراهيم وسيأتي سياق ذلك واضحا في الذي بعده.
196-
قوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ} إلى قوله: {وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [الآيات: 65-67] .
1-
قال ابن إسحاق في "السيرة"2: دعا النبي صلى الله عليه وسلم أهل نجران إلى النصف وقطع3 عنهم [الحجة] . {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} إلى قوله: {مُسْلِمُون} فأبوا فنزل ما بعدها.
ثم4 أسند عن محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال:
اجتمعت نصارى نجران و [أحبار] يهود عند النبي صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقال الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فنزلت: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم} 5.
1 أي: قوله: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
…
} .
2 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 583". و"تفسير الطبري""6/ 484""7194" و"تفسير ابن أبي حاتم""2/ 1/ 317""695".
3 وضع الناسخ عليها: كذا، وقد أصاب لسقوط ما بين المعقوفين، وقد استدركته من المصادر المذكورة.
4 من الأولى أن يقول: وكان أسند. انظر "سيرة ابن هشام""1/ 553" و"تفسير الطبري""6/ 490""7202" وما بين المعقوفين منه.
5 قال السيوطي في "اللباب""ص53": أخرجه البيهقي في "الدلائل".
ومن طريق السدي1 نحوه ولم يذكر مكان اجتماعهم.
2-
وأخرج عبد بن حميد والطبري2 من طريق قتادة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء وهم الذين حاجوه في إبراهيم وزعموا أنه كان يهوديا فأكذبهم الله تعالى ونفاهم منه فقال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيم} .
وأخرج ابن أبي حاتم3 من طريق مقاتل بن حيان قال: قال كعب -يعني ابن الأشرف- وأصحابه4: إن إبراهيم منا وموسى منا والأنبياء منا فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا} الآية وبنحوه ذكر مقاتل بن سليمان وقال5: قال رؤساء اليهود كعب بن الأشرف وأبو ياسر وأبو الحقيق وزيد بن تابوت6 ونصارى نجران كان إبراهيم والأنبياء على ديننا، القصة.
وأخرج سنيد من طريق ابن جريج قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دعا يهود المدينة إلى الإسلام وقوله تعالى: {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ 7} فأبوا عليه فجاهدهم أخرجه الطبري8.
1 رواه عنه ابن أبي حاتم "2/ 1/ 319""701" وإليه وحده عزاه السيوطي "2/ 236".
2 "6/ 491""7204" وانظر "تفسير ابن أبي حاتم""2/ 1/ 321""709" و"الدر المنثور""2/ 236".
3 "2/ 1/ 322-323""717" وقال لمحققه: إسناده حسن.
4 في ابن أبي حاتم زيادة: ونفر من النصارى.
5 "1/ 176" وفي النقل تصرف.
6 في مقاتل: التابوه.
7 طمست هذه الكلمة وكلمات أخرى في آخر الأسطر من هذه الصفحة استدركتها من المصادر ولم أشر اختصارًا.
8 وأخرجه عن الطبري "6/ 484""7193" وفي النقل تصرف.
ومن طريق الربيع بن أنس1 ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى كلمة السواء. واختار الطبري2 أنها نزلت في الفريقين معا يهود المدينة وأهل نجران.
وقال الطبري3 حدثني إسحاق بن شاهين نا خالد الواسطي عن داود هو ابن أبي هند عن عامر هو الشعبي قال: قالت اليهود: إبراهيم على ديننا. وقالت النصارى: إبراهيم على ديننا فأنزل الله {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا} فبرأه الله منهما.
197-
قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ} [الآية 68] .
1-
نقل الثعلبي والواحدي4 عن ابن عباس: إن رؤساء اليهود قالوا: يا محمد لقد علمت أنا أولى بإبراهيم منك ومن غيرك وأنه كان يهوديا وما بك إلا الحسد، فأنزل الله تعالى {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ} الآية.
2-
وأخرج عبد بن حميد5 من طريق شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم6:
أنه لما أن خرج أصحاب رسول الله صلة الله عليه وسلم إلى النجاشي انتدب لهم عمرو بن
1 "6/ 484""7192".
2 "6/ 485".
3 "6/ 494""7211" وفي النقل اختصار وتصرف. وذكر الشيخ أحمد شاكر أنه لم يجد لإسحاق ترجمة. وسائر رجاله ثقات.
4 "ص100".
5 عزاه إليه وحده السيوطي "2/ 237-238" وفي النقل اختصار.
6 قال في "التقريب""ص348": "مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين مات سنة "78".
العاص وعمارة بن أبي معيط -كذا قال وإنما هو عمارة1 بن الوليد بن المغيرة2- أرادوا عنتهم3 والبغي عليهم، فقدموا على النجاشي فأخبروه أن هؤلاء الرهط الذين قدموا عليك من أهل مكة، إنما يريدون أن يخبلوا4 عليك ملكك، ويفسدوا عليك أرضك، ويشتموا ربك، فأرسل إليهم، فذكر القصة مطولة، وفيها: إن الذي خاطبهم من المسلمين حمزة وعثمان بن مظعون فقال النجاشي لما سمع كلامهم: لا دهوره5 -أي: لا خوف6- على حزب إبراهيم فقال عمرو: من هم حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده، ومن اتبعه، فأنزلت ذلك اليوم يوم خصومتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيّ} الآية.
قلت: وقصة عمرو بن العاص وجعفر بن أبي طالب عند النجاشي مروية من طرق متعددة:
منها في "السيرة"، لابن إسحاق من طريق [محمد بن مسلم الزهري]7.
1 قال الحافظ في "الإصابة" القسم الرابع "3/ 171": "مات كافرا؛ لأن قريشا بعثوه إلى النجاشي فجرت له معه قصة فأصيب بعقله وخام مع الوحش وقد بينت أنه ممن دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم من قريش لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي". وأما ابن أبي معيط فقد أسلم في "الفتح" انظر "الإصابة""2/ 516".
2 وبهذا الاسم ورد في "المنتخب من مسند عبد بن حميد" انظر: ص193" والرواية فيه هنا ليست من طريق شهر.
3 في الأصل: غير منقط سوى نقطة قبل الهاء! وأثبت ما في "الدر".
4 أي: يفسدوا انظر "القاموس""ص1280".
5 في "الدر": فلا دهونه.
6 قوله: "لا خوف" سقط من "الدر". وقد يكون من شرح الحافظ.
7 كان هنا في الأصل فراغ بمقدار أربع كلمات وضع الناسخ في وسطه: كذا، واستدركته من "سيرة ابن هشام" "1/ 334" وتتمة السند: "عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال
…
". وانظر "السير والمغازي" لابن إسحاق "ص213".
ومنها في الثعلبي مطولة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
ومنها في الطبراني من طريق [جعفر بن أبي طالب]1.
وليس في شيء منها نزول هذه الآية في هذه القصة، وقد خلط الثعلبي رواية الكلبي برواية شهر مع رواية ابن إسحاق، وساقها بطولها مساقا واحدا2 وهو من عيوب كتابه حيث يخلط الصادق بالكاذب بالمحتمل، فيوهم أن الجميع من رواية الصادق وليس كذلك.
198-
قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} [الآية: 69] .
تقدم في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} الآية3، حكاه الثعلبي. وقال مقاتل بن سليمان4: نزلت في عمار بن ياسر وحذيفة، وذلك أن اليهود جادلوهما ودعوهما إلى دينهم وقالوا: إن ديننا خير من دينكم ونحن أهدى سبيلا فنزلت5.
1 فراغ في الأصل بمقدار كلمتين، وفيه أيضا: كذا، وملأته من "المعجم الكبير" للطبراني "2/ 110-111" "1478" وفي سنده أسد بن عمرو ومجالد بن سعيد قال في "المجمع" "6/ 30":"كلاهما ضعيف وقد وثقا".
وأخرجه الطبراني أيضا من طريق ابن إسحاق عن أم سلمة عن جعفر "2/ 111-112""1479" الطبعة الثانية وقال في "المجمع""6/ 30": "رواه الطبراني من طريقين عن ابن إسحاق وهو مدلس" والروايتان في كتابه "الأحاديث الطوال" المطبوع في الجزء "25" من "المعجم""ص197-199".
2 وكذلك فعل الواحدي "ص100-103" والظاهر أنه نقل من شيخه.
3 الآية "109" وكذلك أحال عليها الواحدي انظر "الأسباب""ص104".
4 "1/ 177".
5 وانظر لزاما الكلام على الآية "109" من سورة البقرة.
199-
قوله تعالى: {يَا 1 أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [الآية: 71] .
قال محمد بن إسحاق في "السيرة"2: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عبد الله بن الصيف3 وعدي بن زيد "266" ولا الحارث بن عوف بعضهم لبعض: تعالوا نجيء4 نؤمن بما أنزل الله على محمد وأصحابه، غدوة ونكفر به عشية، حتى نلبس عليهم دينهم، لعلهم يصنعون كما نصنع ويرجعون عن دينهم، فأنزل الله تعالى فيهم {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} .
وقال مقاتل بن سليمان5: قال كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف6 لسفلة اليهود: آمنوا معهم نهارا. فذكر القصة.
200-
قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} [الآية: 72]7.
أخرج الطبري8 وابن أبي حاتم9 من طريق أسباط عن السدي قال: كان أحبار
1 كتب في الأصل هنا: "وقالت طائفة من" ثم شطب، وما شطب جزء من الآية الآتية.
2 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 553" ورواه عنه الطبري "6/ 504""7223" وابن أبي حاتم "2/ 1/ 335""755" وزاد السيوطي "2/ 240" نسبته إلى ابن المنذر.
3 في الأصل غير منقط، واختلفت نسخ "سيرة ابن هشام" فيه وهو في الطبري وابن أبي حاتم: بالصاد، وفي "الدر": بالضاد.
4 لم يذكر هذا الفعل في المصادر المذكورة.
5 "1/ 178" في تفسير الآية الآتية.
6 في مقاتل: الضيف اليهوديان.
7 لو جمع المؤلف بين هذه الآية وبين التي قبلها لكان أحسن فهما يعالجان أمرا واحدا والسبب المذكور فيهما واحد، والتعدد بالأشخاص لا غير.
8 "6/ 507""7233".
9 "2/ 1/ 337""764". وإليهما عزاه السيوطي "2/ 241"، وذكره الواحدي عن الحسن والسدي "ص104".
قرى1 عربية2 اثني عشر حبرا، فقالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا نشهد أن محمدا حق صادق، فإذا كان آخر النهار فاكفروا به، وقولوا: إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا أنه كاذب، وليس على شيء3 وإنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم، لعلهم يشكون يقولون هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم؟ فأخبر الله عز وجل رسوله بذلك.
ومن طريق أبي مالك الغفاري4 نحوه باختصار، وفي آخره فاطلع على سرهم وأنزل:{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية.
وأخرجه ابن أبي حاتم5 من طريق إسرائيل عن السدي عن أبي مالك نحو الأول بتمامه.
ومن طريق ابن أبي نجيح6 عن مجاهد نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم7 من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: كانوا يكونون مع النبي صلى الله عليه وسلم أول النهار يكلمونه ويمارونه8 فإذا أمسوا وحضرت الصلاة
1 وضع الناسخ هنا إشارة لحق، وفي الهامش.
2 هكذا في الطبري وابن أبي حاتم والسيوطي، ولكن في الواحدي:"حبرا من يهود خيبر وقرى عرينة".
3 هذه الجملة ليست في المصادر.
4 "6/ 570""7234".
5 "2/ 1/ 337""766".
6 "تفسير الطبري""6/ 508""7235" و"تفسير ابن أبي حاتم""2/ 1/ 339""774" و"الدر المنثور""2/ 241" و"تفسير مجاهد""1/ 128-129".
7 "2/ 1/ 338و339""769" و"775". وقد جمع الحافظ بين الموضعين وقال محققة: "وفي إسناده قابوس فالإسناد ضعيف".
8 النص في ابن أبي حاتم: "كانوا يكونون معهم أول النهار يمارونهم ويكلمونهم".
كفروا به وتركوه1.
ومن طريق العوفي2 عن ابن عباس: قال طائفة من اليهود لبعضهم إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا وإذا كان آخر النهار فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهو أعلم منا لعلهم ينقلبون عن دينهم.
201-
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الآية: 73] .
أخرج الطبري3 من طريق أسباط عن السدي: قال الله تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} تقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من إكرامه4 حتى أنزل المن والسلوى، فنزل:{إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} .
202-
قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [الآية: 75] .
قال مقاتل بن سليمان5: الفرقة الأولى: مؤمنو أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه، والفرقة الثانية: كفار اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه يقول: منهم من يؤدي الأمانة ولو كثرت، ومنهم من لا يؤدي الأمانة ولو قلت.
1 زاد السيوطي "2/ 241" نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه والضياء في "المختارة".
2 أخرجه الطبري "6/ 508""7237" وابن أبي حاتم "2/ 1/ 339-340""776" وذكره الواحدي "ص104" عن مجاهد ومقاتل والكلبي بلفظ مغاير قليلًا أوله: "هذا في شأن القبلة، لما صفت إلى الكعبة، شق ذلك على اليهود لمخالفتهم، فقال كعب بن الأشرف وأصحابه: آمنوا
…
".
3 "6/ 513""7251" وكذلك ابن أبي حاتم "2/ 1/ 343""792". وفي نقل الحافظ تصرف واختصار.
4 في التفسيرين: الكرامة.
5 "1/ 178" وفيه تصرف.
وعن جويبر بن الضحاك عن ابن عباس: الأول عبد الله بن سلام أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأداه إليه فمدحه الله، والثاني فنحاص بن عازورا أودعه رجل من قريش دينارا فخانه فيه1.
وقال الثعلبي: قال أكثر المفسرين: نزلت في اليهود وقد علم أن الناس كلهم كذلك فيهم الأمين والخائن، وإنما حذر الله المؤمنين أن يغتروا بأهل الكتاب لأنهم يستحلون مال المؤمن.
قلت: وسيأتي بيان ذلك في الذي بعده قال: وفي بعض التفاسير إن الذي يؤدي الأمانة هم النصارى، وإن الذي لا يؤديها هم اليهود2.
203-
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الآية: 75] .
أخرج الطبري3 من طريق العوفي عن ابن عباس: إن أهل الكتاب كانوا يقولون: ليس علينا جناح فيما أصبنا من أموال هؤلاء؛ لأنهم أميون.
1 قال الأستاذ محمد عزة دروزة في "تفسير الحديث""8/ 116": "ومن الجدير بالذكر أن عبد الله بن سلام الذي ذكرت إحدى الروايات أنه المعني بالفقرة الأولى من الآية الأولى كان قد أسلم واندمج في الإسلام، ولم يعد متصفا بصفة كونه من أهل الكتاب وحسب". وقد عد دروزة الآيات "75 -76 -77" فصلا واحدا.
2 قال السيوطي في "الدر""2/ 234" في تفسير هذه الآية: "أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة في قوله: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْك} قال: هذا من النصارى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْك} قال: هذا من اليهود: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} قال: إلا ما طلبته واتبعته".
3 "6/ 532""7271".
أخرج سنيد1 من طريق ابن جريج قال: بايع اليهود2 ورجال في الجاهلية، فلما أسلموا تقاضوهم ثمن بيوعهم، فقالوا: ليس لكم علينا أمانة ولا قضاء لكم عندنا؛ لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم قال الله تعالى:{وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يعني اليهود.
وهو عند مقاتل بن سليمان3 بنحوه.
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ} يعنون من ليس من أهل الكتاب أخرجه الطبري4 من طريقه هكذا مختصرا. ومن طريق سعيد بن أبي عروبة5 عن قتادة: قالت اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل.
ومن طريق السدي6: كان يقال له: مالك لا تؤدي أمانتك فيقول: ليس علينا حرج في أموال العرب قد أحلها الله لنا.
ومن طريق القمي7 [عن جعفر] عن سعيد بن جبير: لما نزلت: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذب أعداء الله كل شيء
1 أخرجه عنه الطبري "6/ 523""7272".
2 في الأصل: النهار، ووضع الناسخ عليها: كذا، وفي الهامش كلمة ذهبت في التصوير إلا آخر حرف وهو دال فكأنه "اليهود" وهو ما جاء في الطبري.
3 "1/ 179".
4 "6/ 522""7267".
5 "6/ 522""7266".
6 "6/ 522""7268".
7 "6/ 522""7269" وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم "2/ 1/ 349""812" وزاد السيوطي "2/ 244" نسبته إلى عبد حميد وابن المنذر، وقد حكم الشيخ أحمد شاكر على الإسناد بأنه جيد، والدكتور حكمت بأنه ضعيف!
موضوع إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر 1 والفاجر ".
204-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [الآية: 77]2.
1-
قال مقاتل بن سليمان3: يعني رؤوس اليهود.
وقال الحسين بن داود المعروف بسنيد في "تفسيره"4 حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة} الآية في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب5 وغيرهم من رؤوس اليهود كتموا ما عهد الله إليهم في التوارة من نبوة محمد، وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا أنه من عند الله، لئلا تفوتهم المآكل التي كانت لهم على اتباعهم.
2-
وبه إلى ابن جريج قال6: وقال آخرون: إن الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض كانت في يده لذلك الرجل، أخذها بتعززه في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل:"أقم بينتك" فقال: ليس يشهد لي أحد على الأشعث! قال: "فلك يمينه" فقدم الأشعث يحلف، فأنزل الله هذه الآية، فنكل الأشعث وقال: إني أشهدكم الله وأشهد له إن خصمي صادق فرد إليه أرضه، وزاده من أرض
1 في الأصل: للبر وأثبت ما في الطبري.
2 الظاهر أن هذه الآية نزلت في اليهود فإن السياق قبلها وبعدها فيهم.
3 "1/ 179".
4 وأخرجه عنه الطبري "6/ 528-529""7278" وذكره الواحدي "ص107-108" عن عكرمة دون سند.
5 ما بعد هذا لا يوجد في الطبري، وهو في الواحدي، والخلاف يسير.
6 وأخرجه عنه الطبري "6/ 531""7281" والخلاف يسير.
نفسه زيادة كثيرة مخافة أن يبقى في يده شيء من حقه فهي لعقب ذلك الرجل بعده".
قلت: كذا وقع في هذه الرواية المرسلة، والحديث مخرج في "الصحيحين" و"السنن الأربعة" و"مسند أحمد"1 من طرق عن منصور والأعمش وغيرهما عن شقيق عن الأشعث منها2 لأحمد: نا أبو معاوية3 نا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر، الحديث فقال الأشعث: في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "ألك بينة"؟ قلت: لا، فقال لليهودي:"احلف"، فقلت: يا رسول الله إذا يحلف فيذهب بمالي! فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية.
1 رواه البخاري في مواضع متعددة من "صحيحه" أولها في كتاب "المساقاة" باب الخصومة في البئر والقضاء فيها "الفتح 5/ 33" وفي هذا الموضع إشارة إلى ذكر مواضعه الأخرى ومنها كتاب التفسير "الفتح""8/ 212-213" وانظر "تحفة الأشراف""1/ 76-77" ورواه مسلم في "الصحيح"، كتاب "الإيمان" باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة "1/ 122-123" وأبو داود في كتاب "الأيمان والنذور" باب فيمن حلف يمينا ليقتطع بها مالا لأحد "3/ 220-221" وانظر كتاب "الأقضية" باب إذا كان المدعي عليه ذميا أيحلف؟ "3/ 311-312"، والترمذي كتاب "البيوع" باب ما جاء في اليمين الفاجرة يقطع بها مال المسلم "3/ 569" وكتاب التفسير "5/ 208-209" والنسائي في "القضاء" وفي التفسير في "الكبرى" كما في "التحفة""1/ 77" انظر التفسير "ص29-30" الرقم "82" وابن ماجه كتاب "الأحكام" باب البنية على المدعي واليمين على المدعى عليه "2/ 778" و"مسند أحمد" حديث ابن مسعود "1/ 379" وحديث الأشعث بن قيس "5/ 211-212"، وقد روى الواحدي "ص105-106" ثلاثة أحاديث في البخاري، وأحدها عزاه إلى مسلم أيضًا.
2 في الأصل "مسما" وعليه إشارة لحق، وليس في الهامش شيء، فرجحت أن يكون الصواب ما أثبت.
3 في الأصل: معونه وهو تحريف.
وفي رواية عاصم1 عن شقيق فجاء الأشعث، فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن فحدثناه فقال: كان في والله هذا الحديث خاصمت ابن عم لي. فذكره وفيه: في بئر بدل أرض. وفيه: مالي بينه وإن تجعلها بيمينه يذهب ببئري، إن خصمي رجل فاجر قال: فقال: "من اقتطع مال امرئ مسلم"، الحديث وقرأ هذه الآية.
ووقع نحو ذلك في حديث عدي بن عميرة عند النسائي2 ولفظه3 خاصم رجل من كندة امرأ القيس بن عابس الحضرمي في أرض، الحديث، وفيه: فقال الحضرمي: أمكنته من اليمين يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب أرضي ورب الكعبة، فذكر الحديث، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} الآية وفي آخره فقال امرؤ القيس: ما لمن تركها يا رسول الله؟ قال: "الجنة": قال: فأشهدك أني قد تركتها4".
وهكذا في أكثر الطرق5 أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية عقب الحديث، وصرح في
1 لم أجدها في الكتب الستة. وهي في "مسند أحمد"، حديث الأشعث بن قيس "5/ 212".
2 هو في كتاب القضاء في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف""7/ 285-286". وانظر "الفصل للوصل المدرج في النقل" للخطيب البغدادي "مخطوط الورقة 78" ففيه كلام عنه.
وزاد السيوطي "2/ 245" نسبته إلى "أحمد "4/ 191-192" وعبد بن حميد وابن جرير "6/ 530 "7280"" وابن المنذر والطبراني "180 /17 "265""، والبيهقي في "الشعب" وابن عساكر. وقد تحرف فيه "عميرة" إلى: "بحيرة". وقال الهيثمي في "المجمع" "4/ 178": "رواه أحمد والطبراني في "الكبير" ورجالهما ثقات".
3 انظر ما سبق في الآية "188" من سورة البقرة.
4 جاء هنا في الأصل: "وقال مقاتل بن سليمان: قوله: {وَإِنَّ مِنْهُمْ} يعني اليهود: {لَفَرِيقًا} أي: طائفة يعني كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وأبو ياسر وحيي ابنا أخطب وسعية بن عمرو: {يَلْوُون} أي: يحرفون، كتبوا غير نعت محمد، وحذفوا نعته يقولون: هذا النعت من عند الله، وما هو من عند الله" وورود هذا النص هنا غريب، ولا شك في أنه مقحم، وهو تابع للآية الآتية المرقمة بـ"78" وسينقل المؤلف فيها بعضه فيها بعضه فانظره ثم، ولذلك حذفته هنا.
5 إن إراد بقوله: "أكثر الطرق" حديث عدي بن عميرة فمسلم، وإن أراد حديث عبد الله بن مسعود والأشعث فلا، والطرق التي نصت على "التلاوة" في البخاري "الفتح""13/ 423" ومسلم "1/ 123". وأحمد "5/ 212".
رواية الأعمش بقوله: فأنزل الله تعالى1 وكذلك2 ذكرها جرير عن منصور عن شقيق عند البخاري3 وغيره، كما صرح في رواية عكرمة4 المرسلة بذلك، وللمتن شواهد من حديث أبي داود5 وأبي أمامة بن ثعلبة6 وغيرهما ليس فيه سبب النزول.
1 انظر "الفتح""5/ 33-73-279" والمواضع المشار إليها من الخمسة وأحمد.
2 في الأصل: ولذلك وقد ذكرت أن هذا وقع من الناسخ في مواضع متعددة.
3 في الأصل: "السدي" وهو تحريف والصواب" ما أثبته، فقد أخرج البخاري هذا الطريق من جهتين انظر "الفتح" "5/ 145 و280".
4 لعله يقصد رواية ابن جريج المرسلة، فلا ذكر لعكرمة في هذا الحديث.
5 لم أعرف من هو أبو داود هذا ولعله محرف عن "وائل" فقد قال الترمذي في كتاب "البيوع" باب ما جاء في اليمين الفاجرة بعد أن أورد حديث الأشعث بن قيس "3/ 569": "وفي الباب عن وائل بن حجر، وأبي موسى، وأبي أمامة بن ثعلبة الأنصاري وعمران بن حصين".
وحديث وائل بن حجر أخرجه مسلم "1/ 123-124" وأبو داود "3/ 221" والترمذي "3/ 625" ونص مسلم: "قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله: إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة؟ " قال: لا. قال: "فلك يمينه". قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه. وليس يتورع من شيء، فقال: ليس لك منه إلا ذلك. فانطلق ليحلف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أدبر: "أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما ليلقين الله وهو عنه معرض" وثم بعده لفظ آخر فانظره.
6 روى حديث مسلم "1/ 122" والنسائي في كتاب "أداب القضاة في قليل المال وكثيره""8/ 246""5419" وفي "الكبرى" أيضًا كما في "التحفة""2/ 8" في "ومن مسند إياس بن ثعلبة أبي أمامة الأنصاري" وابن ماجه "2/ 779""2324" ونص مسلم: "عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة". فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا، يا رسول الله؟ قال:"وإن قضيبا من أراك". وزاد السيوطي "2/ 247" نسبيته إلى مالك وابن سعد وأحمد.
3-
سبب آخر: أخرج البخاري1 وأحمد2 والطبري3 من طريق العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا4 أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع رجلًا من المسلمين فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} 5.
وله شاهد مرسل أخرجه الطبري6 من طريق الشعبي بسند صحيح إليه أن رجلا أقام سلعة أول النهار فلما كان آخره جاء رجل يشتري فحلف لقد منعها أول النهار من كذا ولولا المساء ما باعها به فأنزل الله هذه الآية. وبه7 إلى داود عن رجل عن مجاهد نحوه.
4-
سبب آخر: قال ابن الكلبي8 عن أبي صالح عن ابن عباس: إن أناسا من علماء اليهود أولي فاقة كانوا ذوي حظ من علم التوراة فأصابتهم سنة فأتوا كعب بن
1 في كتاب "الشهادات""الفتح""5/ 286" والتفسير "الفتح""8/ 213" ومن طريقه أخرجه الواحدي "ص107".
2 لم أجده في "المسند".
3 لم أجده في "تفسيره" في هذا الموضع ولم يعزه إليه السيوطي في "الدر" انظر "2/ 245" وقد عزاه إلى عبد حميد والبخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم "2/ 1/ 355""823"".
4 لم يذكر دين الرجل والظاهر من لفظ الحديث ومن تنزيل الآية عليه أنه غير مسلم ولعله يهودي، وإذا صح هذا فيحتمل في قصته أن تكن مما أشارت إليه الآية.
5 قال الحافظ في "الفتح""8/ 213" عن حديثي الأشعث وابن أبي أوفى: "
…
لا منافاة بينهما، ويحمل على أن النزول كان بالسببين جميعا ولفظ الآية أعم من ذلك، ولهذا وقع في صدر حديث ابن مسعود ما يقتضي ذلك" ومثل هذا سبق في "5/ 287" من "الفتح" أيضاً.
6 "6/ 533""7283" وفي النقل تصرف.
7 أي: بسند الطبري "6/ 533""7284".
8 ونقله عنه الواحدي "ص107"، وقال الحافظ في "الفتح" "8/ 213":"وقص الكلبي في تفسيره في ذلك قصة طويلة، وهي محتملة أيضا، لكن المعتمد في ذلك ما ثبت في الصحيح".
الأشرف يستميرونه، فسألهم كعب هل تعلمون أن هذا الرجل -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابكم؟ قالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا قالوا: فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله قال كعب: لقد قدمتم علي وأنا أريد أن أميركم وأكسوكم، فحرمكم الله خيرًا كثيرًا، قالوا: فإنه شبه لنا فرويدا حتى نلقاه، فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه ثم رجعوا إلى كعب فقالوا: قد كنا نرى أنه هو فأتيناه فإذا هو ليس بالنعت الذي نعت لنا وأخرجوا النعت الذي كتبوه ففرح كعب بذلك، ومارهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وسبق نظيرها في البقرة:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّار} 1.
5-
وقال ابن الكلبي2 أيضا عن أبي صالح باذان عن ابن عباس: نزلت في امرئ القيس ابن عابس استعدى عليه عيدان بن أشوع3 في أرض ولم يكن له بينة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف، الحديث.
205-
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَاب} [الآية 78] .
1-
نقل الثعلبي عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: نزلت في اليهود والنصارى حرفوا التوراة والإنجيل وضربوا كتاب الله بعضه ببعض وألحقوا به ما ليس منه وأسقطوا منه الدين الحنيف.
2-
وأخرج الطبري4 من طريق قتادة: إنهم اليهود حرفوا كتاب الله وابتدعوا
1 "174".
2 اربط بما مر في الآية "188" من سورة البقرة.
3 لم ينقط في الأصل، وقد مر في الآية المشار إليها.
4 "6/ 536""7292".
فيه وزعموا أنه من عند الله.
ومن طريق الربيع بن أنس مثله1.
ومن طريق العوفي2 عن ابن عباس نحوه، وقال: كانوا يزيدون في كتاب الله ما لم ينزل الله.
وقال مقاتل بن سليمان3: هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف4 وأبو ياسر وحيي ابنا أخطب5 وسعية6 بن عمرو يلوون ألسنتهم بالكتاب يحرفونه كتبوا غير نعت محمد وحذفوا نعته، ويقولون: هو من عند الله وما هو من عند الله.
206-
قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّه} [الآية: 79] .
1-
أخرج الطبري7 من طريق ابن إسحاق8 عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو نافع9 القرظي حين اجتمعت الأحبار
1 "6/ 536""7293".
2 "6/ 536""7294".
3 "1/ 179" وفي النقل تصرف.
4 في مقاتل: الضيف والأصل بالمهملة انظر "سيرة ابن هشام""1/ 514".
5 فيه: "وأبو ياسر جدي بن أخطب".
6 فيه. وشعبة وهو تحريف فمن أسمائهم: سعية وقد مر.
7 "6/ 539""7296" وزاد السيوطي "2/ 250" نسبته إلى: ابن المنذر وابن أبي حاتم "2/ 1/ 369-370""875" والبيهقي في "الدلائل""5/ 384" وقال الواحدي "ص108": "قال ابن عباس في رواية الكلبي وعطاء" وأورده.
8 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 544".
9 في السيرة والطبري و"الدر" و"لباب النقول""ص54": "رافع"، وانفرد ابن أبي حاتم بـ "نافع".
من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام: أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى؟ فقال رجل من أهل نجران يقال له الرئيس1: أو ذاك تريد يا محمد وإليه تدعونا فقال: "معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غيره! ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني"، أو كما قال فأنزل الله في ذلك من قولهما:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ} .
وذكره الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس نحوه فقال: "معاذ الله أن نعبد غير الله، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني" فنزلت.
2-
ومن طريق سنيد2 ثم3 عن ابن جريج: كان ناس من يهود يتعبدون الناس من دون ربهم، بتحريفهم كتاب الله عن موضعه فنزلت.
3-
قول آخر: أخرج عبد بن حميد4 عن روح عن عوف عن الحسن: بلغني أن رجلًا قال: يا رسول الله: نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: "لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله"، فأنزل الله عز وجل هذه الآية إلى قوله:{بِأَنَّا مُسْلِمُون} 5.
1 في "السيرة": "يقال له: الريبس، "ويروى: الريس، والرئيس"، وبالأول جاء في الطبري والواحدي، وبالثالث جاء في ابن أبي حاتم و"الدر المنثور" وانر تعليق محمود شاكر عليه.
2 ونقله عنه الطبري "6/ 540""7300" وابن أبي حاتم "2/ 1/ 364""854" وإليهما عزاه السيوطي "2/ 250".
3 عبر بـ "ثم" لأن سنيدًا يروي عن حجاج عن ابن جريج.
4 لم ينسبه السيوطي في "الدر""2/ 250" إلى غيره واقتصر في "اللباب""ص54" على عزوه إلى عبد الرزاق في "تفسيره" وأورده الواحدي "ص108" معزوا إلى الحسن وسياقه سياق الحافظ.
5 رجاله ثقات -وقد مر هذا السند- لكنه مرسل، وانطباقه على الآية بعيد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس إلى عبادته، وظاهر الآية يخاطب أهل الكتاب:{بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب} ولم يذكر عن الرجل مقترح السجود أنه منهم.
4-
قول آخر: قال مقاتل بن سليمان1: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} يعني عيسى بن مريم و {الْكِتَاب} الإنجيل2. ونقل الثعلبي3 عن الضحاك نحوه، وزاد: نزلت في نصارى نجران.
207-
قوله تعالى: {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْر} [الآية: 80] .
يعني بعبادة عيسى وعزير.
قال مقاتل: نزلت ردًا على كردم بن قيس والأصبغ بن زيد4.
208-
قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} [الآية: 83] .
نقل الثعلبي5 عن ابن عباس: اختصم أهل الكتاب6 إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم، كل فرقة زعمت أنه أولى بدينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم"، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك، ولا بدينك،
1 "1/ 179" وفي النقل اختصار.
2 في مقاتل: يعني التوراة والإنجيل.
3 وكذلك الواحدي "ص108".
4 أخذ الحافظ هذا من مقاتل ولكن نصه "1/ 180": {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا المَلَائِكَةَ وَالنَّبِيّينَ أَرْبَابًا} -يعني عيسى والعزيز، ولو أمركم بذلك لكان كافرا فذلك قوله:{أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْر} يعني بعبادة الملائكة والنبيين: {بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} يعني مخلصين له بالتوحيد. فقال الأصبغ بن زيد وكردم بن قيس: أيأمرنا بالكفر بعد الإيمان فأنزل الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} . والظاهر من هذا أن الآية "81" هي التي نزلت ترد على المذكورين لا الآية "80".
ملاحظة: في الأصل ومقاتل: أصبع -بالعين المهملة- ولكن من أسمائهم: أصبغ -بالغين المعجمة- فأثبته كذلك.
5 وكذلك الواحدي "ص108".
6 في الواحدي: الكتابين.
فأنزل الله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} 1".
209-
قوله تعالى {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [الآية 84] .
قال ابن ظفر: لما تكلم اليهود بما قالوه، والنصارى بما ليس لهم، أمر الله نبيه أن يقول للمسلمين2:{قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} الآية فأخبر أنهم يؤمنون بجميع الأنبياء ولا يفرقون بين أحد منهم3.
210-
قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه} [الآية 85] .
أخرج الطبري4 من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِين 5} الآية فأنزل الله بعد ذلك: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه} 6.
وقال مقاتل7: نزلت في طعمة بن أبيرق من الأوس ارتد عن الإسلام ولحق بكفار مكة.
1 لم يذكر سند هذا القول إلى ابن عباس، وقد ردت الآيات الماضية "65-68" على هذا الجدال فلا موضع له هنا.
2 لا أجد مسوغا في الحصر القول للمسلمين، والظاهر أنه إعلان لجميع بما في ذلك اليهود والنصارى الذين فرقوا بين أنبياء الله.
3 هذا القول أقرب إلى التفسير منه إلى سبب النزول.
4 "6/ 571-572""7359".
5 الآية "62" من سورة البقرة. وقد جاء قوله: {وَالنَّصَارَى} بعد {وَالصَّابِئِينَ} سهوًا من المؤلف أو الناسخ.
6 انظر الكلام على هذه الرواية في الآية "62" من سورة البقرة.
7 في تفسيره "1/ 181".
211-
قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِم} [الآية 86] .
1-
أخرج النسائي1 والطبري2 وصححه ابن حبان3 والحاكم4 من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رجل5 من الأنصار أسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين، ثم ندم فأرسل إلى قومه سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فسألوا فقالوا: إن صاحبنا قد ندم، وإنه قد أمرنا أن نسأل هل له توبة فنزلت:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم} فأرسل إليه فأسلم.
وفي رواية6 فلما قرئت عليه قال: والله ما كذبني قومي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذب رسول الله، والله تعالى أصدق الثلاثة فرجع تائبًا فقبل منه.
1 في "تحريم الدم": باب "توبة المرتد""7/ 107""4068" وفي التفسير "ص33" الرقم "85" عزاه إليه في "تحفة الأشراف""5/ 133" ورجال سنده ثقات كما سيأتي عن البوصيري.
2 "6/ 572-573""7360" وكذلك ابن أبي حاتم "2/ 1/ 382""914" و"2/ 1/ 385""924".
3 انظر "الإحسان"، كتاب "الحدود"، "باب الردة" "10/ 329" "4477" وقال محققه الأستاذ شعيب:"إسناده صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم غير بشر بن معاذ العقدي، فقد روى له أصحاب "السنن" وهو ثقة".
4 انظر "المستدرك"، كتاب "قسم الفيء" "2/ 142" وكتاب "الحدود" "4/ 366" وقال في المكانين:
"صحيح الإسناد ولم يخرجا" ووافقه الذهبي، وأخرجه كذلك أحمد في "المسند" وانظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير""1/ 280" والبيهقي في "الكبرى""8/ 195" وانظر "الإصابة""1/ 280".
5 هذه الرواية، ورواية أخرى بعدها تذكر:"رجلا" والآية تقول "قوما" فتأمل.
6 هذه رواية الواحدي عن خالد وداود عن عكرمة عن ابن عباس "ص109".
هذا لفظ1 الطبري عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن يزيد بن زريع عن داود.
وأخرجه البزار2 عن ابن بزيع هذا فقال في أوله: إن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون فذكره.
والبزار كان يحدث من حفظه فيهم3، والمحفوظ ما رواه ابن جرير ومن وافقه.
وقال عبد بن حميد نا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة: أن رجلا ارتد عن الإسلام فذكر نحوه ولم يذكر ابن عباس.
- وروى حميد الأعرج عن مجاهد قال: كان الحارث بن سويد قد أسلم وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لحق بقومه وكفر، فأنزل الله تعالى:{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا} الآية فحملها إليه رجل من قومه فقرأهن عليه فقال الحارث: والله إنك ما علمت لصادق
1 في هذا نظر، وإنما هو لفظ الواحدي، وقد روى الطبري "6/ 573" "7361" عن ابن المثنى قال: حدثني عبد الأعلى، قال حدثنا داود عن عكرمة
…
-ولم يرفعه إلى ابن عباس- إلا أنه قال: فكتب إليه قومه، فقال: ما كذبني قومي! فرجع.
2 لم يصل المطبوع من "مسنده" إلى مسند ابن عباس.
3 قال السيوطي "2/ 258" بعد أن أورد هذا: هذا خطأ من البزار وكأنه استفاده من ابن حجر. وفي "سير أعلام النبلاء" للذهبي في ترجمة البزار "13/ 556":
"ذكره أبو الحسن الدارقطني، فقال: ثقة، يخطئ ويتكل على حفظه. وقال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن".
وقال الحاكم أبو عبد الله: "سألت الدارقطني عن أبي بكر البزار فقال: يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظا، ينظر في كتب الناس، ويحدث من حفظه، ولم يكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة"، وانظر "تاريخ بغداد" للخطيب "4/ 335" ومقدمة "البحر الزخار" للدكتور محفوظ عبد الرحمن زين الله "1/ 15-16".
ولكن هل أخطأ هنا حقا؟ إني أرى روايته أقرب إلى الآية والله أعلم.
وإن رسول الله لصدوق، وإن الله لأصدق الثلاثة، ثم رجع فأسلم إسلامًا حسنا، أخرجه مسدد1 في "مسنده"2، وعبد الرزاق في "مصنفه"3.
وأخرجه الطبري4 من طريق عبد الرزاق جميعًا5 عن جعفر بن سليمان عن حميد به6. وذكر ابن إسحاق في "السيرة الكبرى": [إن الحارث بن سويد بن صامت كان منافقا، فخرج يوم أحد مع المسلمين، فلما التقى الناس غدا على مسلمين فقتلهما، ثم لحق بمكة بقريش، ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة، فأنزل الله فيه هذه الآيات، وذكر] 7 إن المقتول هو المجذر بن ذياد وقيس بن زيد من بني ضبيعة،
1 هو الإمام الحافظ الحجة أبو الحسن مسدد بن مسرهد البصري ولد في حدود الخمسين ومائة وتوفي سنة "228" انظر ترجمته في "السير""10/ 591-595" و"تذكرة الحفاظ""2/ 421-422"، وله مسندان من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس""ص108" وقد تتبع زوائده في "المطالب العالية" انظر "1/ 3-4". وهذا الأثر أخرجه الواحدي من طريقه انظر "الأسباب""ص109".
2 أورده عنه الحافظ في "المطالب العالية" كتاب التفسير "3/ 314-315" وعلق عليه محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي بقوله: "أهمله البوصيري، وأتى عوضه بحديث ابن عباس في هذا المعنى، وفي هذه القصة وقال: رواه ابن منيع والنسائي في "الكبرى" بسند رواته ثقات".
3 لم أقف عليه في "المصنف" وقد عزاه الحافظ في "الإصابة""1/ 280" إلى "تفسيره" وتفسير سورة آل عمران ساقط من النسخة الخطية التي وقفت عليها، وسكت السيوطي في "اللباب""ص55" فلم يذكر المصدر.
4 "6/ 573""7363".
5 يقصد مسددا وعبد الرزاق والطبري.
6 زاد في "الإصابة""1/ 280" فيمن خرجه: "البارودي وابن منده" وأسقط السيوطي "2/ 257" ابن مندوه وزاد ابن المنذر. ومن طريق مسدد أخرجه الواحدي "ص109-110".
وجعفر بن سليمان: صدوق زاهد كما في "التقريب""ص140" وحميد هو ابن قيس الأعرج من رجال الستة وفي "التقريب""ص182""ليس به بأس".
7 زدت هذا من "سيرة ابن هشام""1/ 520 و2/ 89" ليتصل السياق، وكأنه سقط من الناسخ، فلو كان السقط في الخط الحافظ لأشار إلى ذلك.
وتعقب ابن هشام1 ذكر قيس بن زيد فإنه لم يعد في قتلى أحد2.
وأورد الطبري3 من طريق أسباط عن السدي نحو رواية حميد الأعرج.
ومن طريق ابن أبي نجيح4 عن مجاهد قال: هو رجل من بني عمرو بن عوف، فذكره مختصرًا ولم يسمه.
وذكر سنيد5 عن حجاج عن ابن جرير عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: لحق رجل بأرض الروم فتنصر6 ثم كتب إلى قومه: أرسلوا لي هل لي من توبة؟! الحديث.
وبه إلى ابن جريج قال: قال عكرمة: في أبي عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى أهليهم هل لنا من توبة فنزلت: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} .
وساق مقاتل بن سليمان7 من أسماء الاثني عشر طعمة بن أبيرق -أوسي-
1 انظر الموضعين المشار إليهما من السيرة.
2 وعن مصير الحارث بن سويد بعد قتله المجذر والخلاف فيه انظر "سيرة ابن هشام""2/ 89" و"الإصابة" في ترجمته "1/ 280" وترجمة المجذر "3/ 364" و"الباهر في حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالباطن والظاهر" للسيوطي "ص56-57".
ملاحظة: لا يخلو وضع خبر ابن إسحاق في هذا الموضع من نظر، فما نقله بعده عن حميد الأعرج، متعلق بما نقله قبله عن حميد أيضا فلاحظ هذا شيء والشيء الآخر هو أن قتل الحارث للمجذر كان يوم أحد وسيأتي الفصل الخاص بهذه الواقعة بعد فوضع آيات تتحدث عن شيء وقع بعدها يحتاج إلى دليل صالح للاحتجاج.
3 "6/ 573-574""7364" وعزاه السيوطي "2/ 257" إلى عبد بن حميد أيضًا.
4 "6/ 574""7365".
5 أخرجه عنه الطبري "6/ 574""7367" وابن المنذر كما في "الدر""2/ 257".
6 في الأصل: فنصر وأثبت ما في الطبري و"الدر".
7 "1/ 182".
ومقيس بن صبابة1، ليثي، وعبد الله بن أنس بن حنظل2، تيمي، ووحوح3 بن الأسلت، أوسي، وأبو عامر الراهب، أوسي، والحارث بن سويد، أوسي، ثم ذكر ندم الحارث بن سويد ومكاتبته أخاه الجلاس.
2-
قول آخر أخرج الطبري4 من طريق العوفي عن ابن عباس: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا} الآية: هم أهل الكتاب عرفوا محمدا ثم كفروا به.
وبسند حسن عن الحسن5 قال:
اليهود والنصارى نحوه وزاد: عرفوه فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فكذبوه وأنكروه.
ومن طريق معمر6 عن الحسن نحوه باختصار.
212-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [الآية: 90] .
أخرج الطبري7 من طريق عباد بن منصور عن الحسن قال: هم اليهود والنصارى.
1 في مقاتل: ضبابة أي: -بالعجمة.
2 فيه: خطل.
3 فيه: وجوج أي: -بالمعجمة فيها.
4 "6/ 574""7368" وكذلك ابن أبي حاتم "2/ 1/ 383""915" وإليهما عزاه في "الدر""2/ 258".
5 "6/ 575""7369" و"7370" و"7371". وأورده ابن أبي حاتم "2/ 1/ 383""916" بعد خبر العوفي قال: "وروي عن الحسن نحو ذلك" وعاد المحقق في قوله إلى الطبري وحكم على الأسانيد بالحسن.
6 هو "7371".
7 "6/ 578""7372" وعباد ضعيف وقد مر في الآية "104" من سورة البقرة.
ومن طريق معمر1 عن قتادة نحوه قال2: وقال عطاء الخراساني مثل ذلك. وذكره الثعلبي عن عطاء الخراساني بلفظ: نزلت في اليهود كفروا بعيسي ثم ازدادوا كفرا بمحمد3.
وأخرج عبد بن حميد عن روح عن الثوري عن داود عن أبي العالية، وعن روح عن سعيد عن قتادة هم اليهود، نحو الأول، قال أبو العالية: تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الكفر.
وأخرجه الطبري4 من طريق داود بن أبي هند عن رفيع وهو أبو العالية قال: {ازْدَادُوا كُفْرًا} ازدادوا ذنوبا وهم كفار فلن تقبل توبتهم من تلك الذنوب ما كانوا على كفرهم وضلالتهم.
- وأخرج سنيد5 من طريق ابن جريج عن مجاهد: {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} تموا على كفرهم قال ابن جريج: لن تقبل توبتهم يقول: إيمانهم أول مرة لن ينفعهم.
وأخرج الطبري6 من طريق السدي: {ازْدَادُوا كُفْرًا} أي: ماتوا وهم كفار وعند موته لا تقبل توبته7.
وقال ابن الكلبي: نزلت في الأحد عشر رفقة الحارث بن سويد لما رجع الحارث
1 "6/ 579""7374".
2 أي: معمر.
3 قال الواحدي "ص110": "قال الحسن وقتادة وعطاء" ثم أورد هذا القول.
4 "6/ 579""7376".
5 وعنه الطبري "6/ 581""7382".
6 "6/ 581""7383".
7 في الأصل: توبتهم وأثبت ما في الطبري.
قالوا: نقيم بمكة ما بدا لنا فمتى أردنا رجعنا فنزل1 فينا ما نزل في الحارث، فلما افتتحت مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلت توبته ونزلت فيمن مات منهم كافرا هذه الآية2.
ونقل مقاتل بن سليمان3 نحوه لكن في آخره فأخرجوا من مكة4.
213-
قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} [الآية: 92] .
يؤخذ من قصة إسرائيل في تحريمه على نفسه أحب الطعام إليه وأحب الشراب إليه كما سيأتي في الذي بعده أنه كان في شرعهم التقرب بترك بعض المباحات تحريما فشرع الله تعالى لهذه الأمة أن يتقربوا إلى الله بالصدقة بما يحبون فيحصل التوافق في الترك لكن كان أولئك إذا حرموه اقتصروا على عدم تناوله من غير أن يقترن بذلك بذله لغيرهم فيحصل لهم6 ثواب ذلك الإنفاق مضافًا إلى التورع عن تناول ذلك، ومن هنا يظهر أن مجرد ترك المباح لا يستقل بالاستحباب وبالله التوفيق.
214-
قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاة} [الآية: 93] .
أخرج الطبري7 من طريق أسباط عن السدي قال: قالت اليهود: إنما نحرم ما
1 في الأصل: فنزلت وهو تحريف.
2 وعلى هذا أن الأية تأخر نزولها إلى ما بعد فتح مكة! مثل هذا يحتاج إلى دليل صحيح.
3 "1/ 182".
4 لم أجد هذا في آخره!.
5 ما قاله المؤلف هنا لفته أصوليه استطرادية وليس لما قاله علاقة بسبب النزول.
6 أي: للأمة المحمدية.
7 "7/ 7-8""7399" وفي النقل تصرف.
حرم إسرائيل على نفسه، وإنما حرم إسرائيل العروق1، وكان يأخذه عرق النساء، كان يأخذه بالليل ويتركه بالنهار فحلف لئن الله عافاه منه لا يأكل عرقا أبدا فحرمه الله عليه [ثم قال:] 2 {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يعني فإن فيها أنه ما حرم عليكم هذا غيري ببغيكم3 على أنفسكم وأنتم تحرمونه كتحريم إسرائيل له وهو كقوله في سورة النساء: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} 4.
هذا قول السدي: وقد خالفه الضحاك في بعضه، وأخرجه الطبري5 أيضا من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك، فذكر صدر الكلام في تحريم إسرائيل ثم قال: كان ذلك قبل نزول التوراة فسأل نبي الله صلى الله عليه وسلم اليهود: "ما هذا الذي حرم إسرائيل على نفسه؟ " فقالوا: نزلت التوراة بتحريم الذي حرم. فقال الله لمحمد: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاة} إلى قوله: {هُمُ الظَّالِمُونَ} فكذبوا وافتروا لم6 أنزل7 التوراة بذلك.
ومن طريق العوفي8 عن ابن عباس فذكر نحو الضحاك لكن قال: لئن عافاني الله منه لا يأكله لي ولد. وليس تحريمه مكتوبًا في التوراة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا من أهل الكتاب فقال: "ما شأن هذا حراما عندكم؟ " قالوا: هو حرام علينا من قبل التوراة.
1 العروق جمع العرق وهو كما في "القاموس""ص1172": "العظم بلحمه، فإذا أكل لحمه فعراق، أو كلاهما لكليهما". وانظر "النهاية" لابن الأثير "3/ 220".
2 من الطبري.
3 في الأصل: بلعلم وعليه أشارتا لحق، وذهب الهامش في التصوير، وأثبت ما في الطبري.
4 الآية "160".
5 "7/ 9""7400".
6 في الأصل: بم من غير نقط وأثبت ما في الطبري.
7 في الطبري: تنزل، وكلاهما جائز.
8 "7/ 10""7401" وفي النقل تصرف.
فأكذبهم الله فقال: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ} الآية.
وأخرجه سنيد1 عن حجاج عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس. فذكر نحوه وفيه: فقال اليهود نزلت التوراة بتحريمه، كذبوا، ليس في التوراة.
ثم ذكر الطبري2 بسند صحيح إلى ابن عباس في قوله تعالى: {إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} قال: كان به عرق النساء فجعل على نفسه لئن شفاه الله منه لا يأكل لحوم الإبل قال: فحرمته اليهود وتلا: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: أن هذا كان قبل التوراة. ومن هذا الوجه أيضًا3 كان حرم العروق على نفسه ولحوم الإبل وكان أكل من لحومها فبات ليلة4 [يرزقو] فحلف أن لا يأكله أبدًا.
ونقل الثعلبي5 عن الكلبي وأبي روق: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: "أنا على ملة إبراهيم" قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان ذلك حلا لإبراهيم فنحن نحله"، فقالت اليهود: كل شيء نحرمه فإنه كان محرمًا على نوح وإبراهيم وهلم جرا6 حتى انتهى إلينا، فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا} ".
ونقل أيضًا من طريق جويبر عن الضحاك: إن يعقوب كان نذر إن وهب الله
1 وعنه الطبري "7/ 10""7402".
2 "7/ 14""7417" وسنده هو "حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال: حدثنا سعيد عن ابن عباس".
3 7/ 14" "7418".
4 في الأصل: سلناه، ووضع الناسخ عليها إشارة لحق، وفي الهامش:
…
، وأثبت ما في الطبري، وزدت منه ما بين المعقوفين، ويزقو أي: يصبح. انظر "القاموس""ص1667".
5 والواحدي "ص110"، والظاهر أنه نقل من شيخه.
6 ليس في الواحدي: وهلم جرا.
[له] 1 اثني عشر ولدا وأتى بيت المقدس صحيحا أن يذبح آخرهم، فتلقاه ملك، فقال له يعقوب: هل لك في الصراع؟ فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه، وغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النساء من ذلك وقال له: أما أني لو شئت أن أصرعك لصرعتك ولكني غمزتك هذه الغمزة؛ لأنك كنت نذرت إن أتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولدك، وقد جعل الله لك بهذه الغمزة مخرجا، فلما قدمها يعقوب أراد ذبح ولده، ونسي قول الملك، فقال: له قد وفيت بنذرك فدعه لا تذبحه.
تنبيه:
تقدم في أوائل البقرة في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} الآية2 شيء يتعلق بقصة يعقوب في تحريمه لحوم الإبل وألبانها وأنه كان أحب الطعام إليه لحمان الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها فنذر إن شفاه الله أن يحرمهما، وبذلك جزم مقاتل بن سليمان3، ينبغي أن يستحضر هنا.
214أ4- قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [الآية: 96] .
ذكر الثعلبي وتبعه الواحدي5 وابن ظفر عن مجاهد: تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود: بيت المقدس أفضل؛ لأنه مهاجر الأنبياء وفي الأرض المقدسة، وقال المسلمون: مكة6 أفضل فأنزل الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّة} الآية.
1 زيادة مني.
2 هي الآية "97" فانظر ما سبق.
3 "1/ 183".
4 كرر الرقم سهوا، فميزته بـ: أ.
5 "ص110".
6 في الواحدي: الكعبة.
هكذا ذكره الثعلبي بغير إسناد، ولم أر له عن مجاهد ذكرا1، وإنما ذكره مقاتل بن سليمان2.
فقال: إن المسلمين واليهود اختصموا في أمر3 القبلة فقال المسلمون القبلة: الكعبة، وقالت اليهود: القبلة بيت المقدس، فأنزل الله عز وجل أن الكعبة أول مسجد كان في الأرض، والكعبة قبلة لأهل المسجد الحرام، والمسجد الحرام قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض.
215-
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [الآية: 97] .
أخرج الفاكهي في "كتاب مكة" من طريق ابن جريج: عن عكرمة، ومن طريق ابن أبي نجيح سمعت عكرمة قال: لما نزلت: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} 4 قالت اليهود: فنحن على الإسلام، فما يبتغي منا محمد؟ فأنزل الله عز وجل حجا مفروضا:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} الآية فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "كتب عليكم الحج".
زاد ابن أبي نجيح عن عكرمة: فقال الله تعالى لنبيه: حجهم، أي: اخصمهم، فقال لهم:"حجوا" فقالوا: لم يكن علينا فأنزل الله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} فأبوا وقالوا: ليس علينا حج.
1 قال السيوطي "2/ 266": "أخرج ابن المنذر والأزرقي عن ابن جريج قال: بلغنا" وذكره. ولم يرفعه إلى مجاهد!.
2 "1/ 184".
3 في الأصل: "ابن" من غير تنقيط وهو تحريف وأثبت ما في مقاتل.
4 من آل عمران "85".
وهو عند الفريابي وعبد بن حميد والطبري1 من طريق ابن أبي نجيح2 [عن عكرمة] ولفظه: لما نزلت [ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِينًا} ] قال الملل3: نحن مسلمون فنزلت4، فحج المسلمون وقعد الكفار.
وقال سعيد بن منصور في "السنن"5 نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عكرمة فذكره إلى قوله قيل لهم: حجوا فإن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلا، فقالوا: لم يكن علينا وأبوا أن يحجوا قال الله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} .
ومن طريق ليث بن أبي سليم1 عن مجاهد قال: آية فرقت بين المسلمين وأهل الكتاب لما نزلت: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} قالت اليهود: [قد أسلمنا] 7 فنزلت: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} الآية فقالوا: لا نحجه أبدًا
1 "6/ 571""7356" و"7518" وإليهما عزاه السيوطي "2/ 276" وفاته العزو إلى الفريابي. وما بين المعقوفين منهما وهو لا بد منه.
2 انظر "تفسير مجاهد""1/ 130".
3 في الأصل: الكل وهو تحريف وأثبت ما في الطبري و"الدر" وفي "تفسير مجاهد": قال أهل الملل كلهم.
4 أي: الآية {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
…
} .
5 نقله ابن كثير "1/ 386" عنه ولم أجده في القسم المطبوع منها، وقد عزاه السيوطي إليه "2/ 276" وزاد عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في "سننه".
6 الظاهر أن هذا الطريق في "سنن سعيد بن منصور" أيضا فلم أجده في الطبري ولم ينقله ابن كثير، وليث كما في "التقريب" "ص464":"صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك" وفي "الكاشف""3/ 13": "فيه ضعف يسير من سوء حفظه، كان ذا صلاة وصيام وعلم كثير وبعضهم احتج به".
7 هنا سواد في التصوير اذهب بعض الكلمات، وما بين المعقوفين هو ما ترجح عندي، وفي "الدر المنثور" "2/ 276":"فنحن مسلمون".
[ومن طريق ليث] 1 ابن أبي سليم2 أيضا: لما قالوا: إن إبراهيم كان على ديننا، قال لهم صلى الله عليه وسلم:"إن إبراهيم كان يحج البيت وأنتم تعلمون ذلك". فنزل [في ذلك] قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ".
[وروى] 3 أبو حذيفة [النهدي] من "تفسير سفيان الثوري" عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن جعفر قال: قال سعيد بن المسيب: نزلت في اليهود حيث قالوا: الحج إلى مكة غير واجب فأنزل الله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 4.
وأخرج الطبري5 من طريق جويبر عن الضحاك قال: لما نزلت آية الحج [جمع] 6 رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال: يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فآمنت به ملة واحدة وهم من صدق به وآمن، وكفرت به خمس ملل قالوا: لا نؤمن به ولا نستقبله ولا نصلي إليه، فأنزل الله تعالى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 7.
216-
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} إلي قوله: {صِرَاطٍ مُسْتَقِيم} [الآيات: 98-101] .
1 أظن أن الذاهب هذا؛ لأنه سيقول: "أيضا".
2 في الأصل: "ابن سليمان" وترجح عندي أنه تحريف عما أثبت بدلالة قوله: أيضًا.
3 زيادة مني، وقد وضع الناسخ على "أبو حذيفة": كذا، لسقوط ما زدت.
4 لم أجد هذه الرواية في "تفسير سفيان" المطبوع.
5 "7/ 49-50""7515".
6 ذهبت في السواد. واستدركتها من الطبري.
7 قال المناوي في "الفتح السماوي""1/ 389": "وهو معضل وجويبر متروك الحديث ساقط. قاله الحافظ بن حجر" في "الكافي الشافي""ص29" كما بينه المحقق و"1/ 391" من طبعته مع "الكشاف" نشر دار الكتاب العربي.
قال الطبري1: ذكر أن هاتين الآيتين: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ} 2 وما بعدهما إلى قوله: {وَأُولَئِكَ 3 لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 4 نزلت في رجل من اليهود حاول الإغراء5 بين الأوس والخزرج بعد الإسلام، ليراجعوا ما كانوا عليه في الجاهلية من العداوة والبغضاء، فعنفه الله تعالى بفعله ذلك، وقبح له ما فعل، ونهى عن الافتراق وأمرهم بالاجتماع.
ثم ساق6 من طريق محمد بن إسحاق7: حدثني الثقة عن زيد بن أسلم8 قال: مر شأس بن قيس وكان شيخا عظيم الكفر قد عسا9 في الجاهلية، شديد الضغن على المسلمين، والحسد لهم، بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من إلفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ ابني قيلة10 بهذه البلاد، ولا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار فأمر فتى
1 "7/ 54" وفي النقل تصرف.
2 في الأصل هنا "والتي بعدها" وهي زيادة لا داعي لها وليست في الطبري.
3 سقطت في الكلمة من الأصل.
4 أي: إلى نهاية الآية "105"، وما قاله الطبري هو المتسق مع السياق.
5 في الأصل: الإغواء وهو تحريف، وأثبت ما في الطبري.
6 "7/ 55-56""7524" وفي النقل تصرف، وقد نقله الحافظ في "الإصابة" في ترجمة أوس بن قيظي "1/ 87" من تفسير أبي الشيخ عن ابن إسحاق وقال:"إسناده مرسل وفيه راو مبهم" وإلى أبي الشيخ عزاه السيوطي في "اللباب""ص55".
7 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 555-557".
8 ذكره الواحدي "ص111-112" عن زيد من دون سند، وفي آخره زيادة ليست في "السيرة" ولا في "التفسير"، وعزاه المناوي في "الفتح السماوي""1/ 391" إلى الثعلبي أيضا. ولعله مصدر الواحدي.
9 أي: كبر كما في "القاموس""ص1690".
10 قيلة: أم الأوس والخزرج. انظر "القاموس""1359".
شابا من يهود وكان معه فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث وما كان وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث1 اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس ففعل، فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان على الركب وهما أوس بن قيظي من الأوس، وجبار بن صخر2 من الخزرج، فقال أحدهما لصاحبه: إن شئتم والله رددناها جذعة3 وغضب الفريقان جميعا وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح موعدكم الظاهرة -والظاهرة الحرة-4فخرجوا إليها وتحاوز5 الناس فانضمت الأوس بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم في من معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم فقال:"يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله إلى الإسلام وألف به بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفارا؟! " فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم شأس بن قيس وما صنع. وفي [شأس بن قيس و] 6 أوس بن قيظي وجبار بن صخر
1 في الأصل: بغاث -بالغين المعجمة- والمشهور الآن: بعاث -بالمهملة وكلاهما جائز. قال في "القاموس": "بعاث، وبالعين وبالغين، كغراب، ويثلث: موضع بقرب المدينة، ويومه معروف".
2 ترجمته في "الإصابة""1/ 220" ولم يذكر فيها هذا الخبر اكتفاء بما ذكره في ترجمة أوس.
3 قال في "القاموس""ص915": "الجذع، محركة: قبل الثني، وهي بهاء، اسم له في زمن وليست بسن تنبت أو تسقط "وقال الأستاذ محمود شاكر: نردها جذعة: أي: جديدة كما بدأت، والجذع والجذعة: الصغير السن من الأنعام، أو ما يستطاع ركوبه، يعني أعدناها شابة فتية".
4 هذا البيان في أصل الخبر.
5 في الأصل: تحاور وصوابه بالزاي، وفي "القاموس" "ص655":"تحاوز الفريقان: انحاز كل واحد عن الآخر".
6 تصرف الحافظ في النقل، فكان لا بد من هذه الزيادة.
[نزلت] 1 الآيات المذكورات الخبر2 بطوله، وفي آخره3: قال جابر4: ما كان من طالع أكره إلينا منه5 فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله ما بيننا فما كان شخص أحب إلينا منه وما رأيت يوما قط أوحش6 أولا ولا أطيب وأحسن آخرا من ذلك اليوم.
217-
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} [الآية: 99] .
تقدم في نظيرتها7 أنها نزلت في حذيفة وعمار بن ياسر حين دعوهما إلى دينهم8.
218-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [الآية: 100، وما بعدها] .
تقدم ما فيه قبل. فصل9 وأخرج إسحاق بن راهويه في "تفسيره"10
1 تصرف الحافظ في النقل، فكان لا بد من هذه الزيادة.
2 في الأصل: الخبرين وهو الخطأ.
3 يوهم هذا التعبير أن المؤلف طوى شيئا هنا، والواقع غير ذلك، فقد نقل خبر ابن إسحاق بكامله.
4 هذا من الواحدي "ص112".
5 في هذا القول غرابة ظاهرة.
6 وضع الناسخ إشارة لحق، وفي الواحدي: فما رأيت يوما أقبح ولا أوحش.
7 انظر الآية "69" وهناك أحال على الآية "109" من سورة البقرة.
8 قلت: إن هذه الآية من فصل كامل يعالج حدث الإغراء بين الأوس والخزرج يمتد من الآية "98" إلى "105"، فاعتراضه بهذا القول غريب جدًّا، ولا يلزم من تشابه آيتين أن نعيد في الثانية سبب الأولى فتأمل!.
9 كذا في الأصل، وكأنه غريب على المقام!.
10 والواحدي من طريقه "ص111" وما بين المعقوفين منه.
عن مؤمل [بن إسماعيل] 1 وعبد بن حميد عن سليمان بن حرب2 وابن أبي حاتم3 عن أبيه عن "عارم" محمد بن الفضل4 ثلاثتهم عن حماد بن زيد5 عن أيوب عن عكرمة قال: كان بين هذين الحيين الأوس والخزرج قتال في الجاهلية فلما جاء الإسلام اصطلحوا، وألف الله بين قلوبهم فجلس يهودي مجلسا فيه نفر من الأوس والخزرج فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الآخرون: قد قال شاعرنا يوم كذا: كذا وكذا، فقالوا: تعالوا نرد الحرب جذعة كما كانت فنادى هؤلاء يا للأوس، ونادى هؤلاء يا للخزرج، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا6 للقتال فنزلت {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} 7 الآية فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فرفع صوته يقرؤها، فلما سمعوا صوته أنصتوا وجعلوا يستمعون له، فلما فرغ ألقوا السلاح، وعانق بعضهم بعضا وجثوا يبكون.
طريق آخر قال: عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن حميد الأعرج عن
1 قال في "التقريب""ص555": "مؤمل، بوزن محمد
…
صدوق سيء الحفظ، مات سنة "206".
2 ثقة من رجال الستة. انظر "التهذيب""4/ 178".
3 "2/ 1/ 445""1078" ورجاله ربجال الصحيح.
4 في الأصل: سليمان بن حرب وهو خطأ، كأن الناسخ سبق نظره إلى الاسم السابق، والتصحيح من المصدر المذكور، وقد ذكر فيه محمد بن الفضل بلقبه "عارم" وانظر "التقريب""ص502".
5 تردد الدكتور حكمت بشير في المقصود من حماد، إذ لم يصرح باسم أبيه في الأصل، والتصريح باسمه من فوائد الحافظ. وبذلك ارتقى السند درجة؛ لأن البخاري لم يخرج لحماد بن سلمة إلا تعليقا انظر "التقريب""ص178".
6 في الأصل: "فاصطفوا" والواو أنسب كما في الواحدي.
7 في "التفسير ابن أبي حاتم" أن النازل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} الآية "102" وكأنها آية مما نزل في تلك الحادثة، هذا وقد أورد ابن أبي حاتم الخبر باختصار شديد.
مجاهد قال: كان بين الأوس والخزرج حرب وشنآن ودماء، حتى من الله عليهم بالإسلام وبالنبي صلى الله عليه وسلم، فأطفأ الله الحرب التي كانت بينهم، وألف بين قلوبهم فبينا رجل من الأوس، ورجل من الخزرج، يتحدثان ومعهما يهودي جالس، فذكرهما أيامهما حتى استبا ثم انفتلا1 فنادى هذا قومه وهذا قومه فخرجوا بالسلاح، وصفوا للقتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم [شاهد] 2 بالمدينة يومئذ فجاء فلم يزل يمشي بينهم ليسكتهم3 حتى رجعوا ووضعوا السلاح، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأخرجه الطبري4 من طريقه.
طريق آخر: الأشجعي5 في "تفسير" سفيان الثوري عن سفيان6.
وأخرجه الطبري7 وابن أبي حاتم8 من طريق قيس بن الربيع كلاهما عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان الأوس والخزرج يتحدثون فغضبوا حتى كان بينهم حرب فأخذوا السلاح ومشى بعضهم إلى بعض فنزلت {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} إلى قوله: {فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} .
وفي رواية قيس بن الربيع: 9شر في الجاهلية، فذكروا ما بينهم فثار بعضهم إلى
1 في الطبري: اقتتلا وما هنا أولى وأحسن.
2 من الطبري.
3 في الطبري: ليسكنهم وهو أحسن.
4 "7/ 59""7530" وفي النقل تصرف. وجعفر وحميد مرا في الآية "86" من هذه السورة.
5 هو عبيد الله بن عبيد الرحمن الكوفي لخص الحافظ شرح حاله في "التقريب""ص373" بقوله: "ثقة مأمون أثبت الناس كتابا في الثوري، مات سنة "182" "روى له الستة ما عدا أبا داود. وانظر التفصيل في "التهذيب""7/ 34" و"تذكرة الحفاظ""1/ 311". ومن طريقه أخرجه الواحدي "ص113".
6 لم أجده في تفسيره برواية أبي حذيفة النهدي.
7 "7/ 63-64""7535" وفي النقل تصرف.
8 "2/ 1/ 439""1069" وقد حكم المحقق على إسناده بأنه حسن لغيره.
9 أخرجها الواحدي "ص113". وفي قيس خلاف انظر "الكاشف""2/ 347" ومر في الآية "96" من البقرة.
بعض بالسيوف، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إليهم فنزلت.
وأخرجه الفريابي عن قيس بن الربيع أيضا1.
سياق آخر أخرج الطبري2 من طريق أسباط عن السدي قال: في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} الآية: نزلت في ثعلبة بن عنمة الأنصاري كان بينه وبين أناس من الأنصار كلام فمشى بينهم يهودي من بني قينقاع فحمل بعضهم على بعض حتى همت الطائفتان من الأوس والخزرج أن يحملوا السلاح فيتقاتلوا، فأنزل الله هذه الآية:
سياق3 آخر ذكر الثعلبي عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: "يا معشر المسلمين مالي أوذى في أهلي"؟ يعني عائشة في قصة الإفك فذكر الحديث ومراجعة السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فثار الحيان حتى هموا أن يقتتلوا، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سكنهم4 فأنزل الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} 5 إلى قوله:{فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} 6.
1 وذكره السيوطي في "الدر""2/ 79" وتحرف فيه "أبو نصر" إلى "أبي نعيم"، وزاد نسبته إلى الطبراني. قلت: أورده الهيثمي في "المجمع""6/ 326-327" وقال: "رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن أبي الليث وهو متروك".
2 "7/ 58-59""7529".
3 لعل الأصح: سبب آخر.
4 طمست في الأصل.
5 الآية "102".
6 انظر التفصيل دون ذكر نزول الآية في "صحيح البخاري" كتاب "المغازي"، باب حديث الإفك "الفتح""7/ 433" وكتاب "التفسير"، سورة النور "الفتح""8/ 453-454" وقد أورده في مواضع أخرى ليس من غرضنا بيانها. وتوسع الحافظ في تخريجه فعد إليه "8/ 455-456".
وأخرج ابن أبي حاتم1 من طريق ابن جريج قال: نزل قوله {إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُم} 2 فيما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة.
وأخرجها الطبري من هذا الوجه أتم منه3.
وأخرج الطبري4 من طريق أسباط عن السدي: قال نزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِه} الآية بعد الآيات المذكورة قال: فتقدم5 إلى المؤمنين من
1 "2/ 1/ 456-457""1112" من طريق ابن ثور وقد تكلم المحقق على السند "ص281" وفيه "علي بن المبارك" شيخ المؤلف لم يجد له ترجمة!
2 في الأصل: بينكم ووضع الناسخ عليها "كذا" وهو من سهو المؤلف رحمه الله.
3 إن كان يقصد رواية ابن جريج فلم أجدها في تفسيره ولم ينسبها السيوطي "2/ 287" إلى غير ابن أبي حاتم ولا ذكرها ابن كثير.
نعم روى عن عكرمة "8/ 82""7589" قال: "فلما كان من أمر عائشة ما كان، فتثارو الحيان، فقال بعضهم لبعض: موعدكم الحرة! فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
…
} الآية، فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يزل يتلوها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضا، وحتى أن لهم لخنينا -يعني البكاء".
وعلق المحقق على هذا بقوله: "لم أجد ذكر هذا الخبر في كتاب، ولم أجد في كتب "أسباب النزول" أن هذه الآية نزلت في شأن عائشة رضي الله عنها، ولا ما كان يومئذ بين الأوس والخزرج. ولم يذكر ذلك أبو جعفر مصرحا في هذا الموضع، ولا ذكر ذلك في تفسير سورة النور
…
".
قلت: ولو وقف على "العجاب" لما قال ما قال، وصدق من قال:"إنه لا يغني كتاب عن كتاب ولا تستجمع كل المحاسن في نقاب".
وفي إطلاقه هذا نظر أيضا فقد نقل ابن كثير "1/ 389" قول عكرمة ولم ينسبه إلى مصدر، وهو أمامه!.
أقول هذا مع إني أرجح السبب الأول، فوضع هذا الفصل هنا يدل على إن ذلك حدث قبل أحد، ونزاع الأوس والخزرج في شأن السيدة عائشة متأخر وقد نزل في ذلك ما نزل في سورة النور.
4 "7/ 67""7550" وفي النقل تصرف أدى إلى هذا التكرار الذي جعلته بين هلالين.
5 في الطبري: ثم تقدم إليهم، يعني إلى....
الأنصاري فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وما بعدها1.
219-
قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [الآية: 103]2.
قال عبد الرزاق3 عن معمر عن أيوب عن عكرمة: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من الأنصار فآمنوا به، وصدقوه، وأراد أن يذهب معهم، فقالوا: يا رسول الله إن بين قومنا حربا وإنا نخاف إن جئت على هذه الحال أن لا يتهيأ لك الذي تريد، فواعدوه العام المقبل، وقالوا: نذهب يا رسول الله لعل الله يصلح تلك الحرب، ففعل4 فأصلح الله تلك الحرب وكانوا يرون أنها لا تصلح أبدا، يعني بعد يوم بعاث5، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم [سبعين] 6 رجلًا فذلك قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} قال7 فهداهم الله إلى الإسلام من الضلال ووسع عليهم في الرزق ومكن لهم في البلاد.
وقال الثعلبي: يشير بذلك إلى قصة إسلام الأوس والخزرج ومبايعتهم
1 ليس فيه: "وما بعدها" وإنما فيه: "أما حق تقاته، يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر".
2 ليس فيما ذكره الحافظ هنا سبب نزول مباشر، وإنما هو حكاية حال الأوس والخزرج قبل إسلامهم، وقد وقع في الآية التذكير به في سياق معالجة الفتنة اليهودية، فالفتنة هذه هي السبب.
3 أخرجه عنه الطبري "7/ 81-82""7587" وبين النصين خلاف يسير.
4 في الطبري: ففعلوا.
5 في الأصل بالغين المعجمة.
6 سقط هذا من الأصل والنص في الطبري: "فلقوه من العام المقبل سبعين رجلا قد آمنوا، فأخذ عليهم النقباء اثنى عشر نقيبا، فذلك
…
".
7 من هنا إلى الأخير لا وجود له في الطبري.
النبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة، ثم ساقها بطولها من السيرة النبوية.
وقد ذكر قبله الطبري1 وأخرج القصة من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق2 حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه، فذكرها، وفي أولها: إن إبتداء ذلك أن سويد بن الصامت أحد3 بني عمرو بن عوف من الأوس قدم مكة حاجا أو معتمرا فتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع منه4 فدعاه إلى الإسلام فقال: لعل الذي معك مثل الذي معي؟ فقال: "وما الذي معك"؟ قال: حكمة لقمان فعرضها عليه فقال: "إن هذا لكلام حسن ولكن معي أفضل من هذا: قرآن أنزله الله علي نورا وهدى" وتلا عليه فقال: إن هذا القول [حسن] 5 ولم يبعد من الإسلام، فانصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتله الخزرج قبل يوم بعاث6 وكان قومه يقولون: إنه أسلم ثم قدم7 أبو الحيسر أنس بن رافع ومعه فتية من بني عبد الأشهل من الأوس أيضا فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على الخزرج، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إليهم، وقال لهم:"هل لكم إلى خير مما جئتم فيه؟ " فذكر لهم أن الله أرسله وأنزل عليه الكتاب، ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال: إياس بن معاذ، وكان غلاما حدثا: أي: قوم هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر كفا من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال: دعنا عنك فلعمري لقد جئنا لغير هذا
1 "7/ 78-79""7585" وفي النقل تصرف.
2 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 425-427".
3 في "السيرة" و"التفسير": "أخو"؛ لأن النص فيهما: قدم سويد
…
4 النص فيهما: فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به.
5 من السيرة والتفسير.
6 في الأصل بالغين المعجمة.
7 من هنا يبتدئ خبر آخر رواه ابن إسحاق عن الحصين بن عبد الرحمن عن محمود بن لبيد. انظر "سيرة ابن هشام""1/ 427-428" و"تفسير الطبري""7/ 79-80".
فسكت عنه، وانصرفوا إلى المدينة فكانت وقعة بعاث فحج1 نفر من الأوس والخزرج فلقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كعادته في الموسم يعرض نفسه على القبائل، فلقي ستة نفر منهم أسعد بن زرارة فجلس معهم وكلمهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن، وكان مما صنع الله أنهم كانوا أصحاب أوثان ومعهم ببلادهم طوائف من اليهود أهل كتاب وعلم فإذا كان بينهم منازعة قالوا لهم: إن نبيا يبعث قد أظل زمانه فإذا بعث تبعناه ونقتلكم معه قتل عاد. فلما كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: وهذا والله النبي صلى الله عليه وسلم الذي توعدنا به يهود، فاستبقوهم إليه ففعلوا، فسمعوا منه القرآن، ودعاهم إلى الإسلام فأسلموا وأذعنوا وأراد أن يتوجه معهم إلى بلادهم2 وقالوا له: إنا تركنا وراءنا قوما لا قوم بينهم من العداوة والبغضاء والشر ما بينهم، فعسى الله أن يجمعهم بك وسندعوهم إليك، فإن أجابوا فلا رجل أعز منك، ثم انصرفوا مسلمين فدعوا قومهم إلى الإسلام فلم يبق دار3 من دور الأوس والخزرج إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم اثنا عشر رجلا فيهم عبادة بن الصامت وغيره من الخزرج وعويم بن ساعدة وغيره4 من الأوس، وفيهم من الستة الأول أسعد بن زرارة
1 ومن هنا إلى قوله: "وكان مما صنع" من تعبير الحافظ، وما بعده من رواية ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أشياخ من قومه، وقد حذف الحافظ منه وزاد وتصرف كثيرا. انظر "سيرة ابن هشام""1/ 428-429"، و"تفسير الطبري""7/ 80".
وقد يوهم هذا التعبير أنه لقي نفرا من الأوس والخزرج، والذي قاله ابن إسحاق: "فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرًا
…
" ثم عدد أسماءهم وهم:
1-
أسعد بن زرارة. 2- عوف بن الحارث.
3-
رافع بن مالك. 4- قطب بن عامر.
5-
عقبة بن عامر. 6- جابر بن عبد الله.
2 لم تذكر هذه الإرادة في خبر ابن إسحاق.
3 في الأصل: دور وهو خطأ.
4 وهو أبو الهيثم بن التيهان، فلم يشهدها منهم سوى اثنين انظر "سيرة ابن هشام""1/ 533".
وغيره1، فاجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بالعقبة فبايعوه وهذه هي العقبة الأولى ثم رجعوا ففشا الإسلام في المدينة.
ثم2 وافى الموسم أهل العقبة الثانية ليدعوا من استطاعوا من عشائرهم إلى الإسلام فدعوهم وهم اثنان وسبعون رجلا فبايعوه وأرسل معهم مصعب بن عمير3 يفقههم فنزل على أسعد بن زرارة ثم دخل في الإسلام أكابر الأوس ثم الخزرج4 وأذن الله لنبيه في الهجرة فهاجر المسلمون أولا فأولا إلى أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول فجمع الله على دينه الأوس والخزرج وأزال الشر الذي بينهم وارتفعت الحرب والشر والبغضاء عنهم، و5صاروا إخوانا متآلفين بعد الفرقة فوقعت الإشارة في الآية إلى ذلك.
وأخرج عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة6 في هذه الآية {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} الآية قال: كان هذا شأن العرب أبين الناس ضلالة وأشقاه عيشا وأعراه جلدا، وأجوعه بطنا فزال ذلك عنهم كله بالإسلام.
220-
قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ} [الآية: 105]7.
1 في الأصل: "وعسرة" من غير تنقيط، وأثبت ما رأيته الصواب، وقد حضر من الستة خمسة، وغاب جابر بن عبد الله فقط. انظر "سيرة ابن هشام""1/ 431-433".
2 من هنا إلى الأخير تعبير الحافظ.
3 أي: للمرة الثانية.
4 هذا السياق غير دقيق، فقد كان إسلام أكابر الأوس ثم الخزرج قبل العقبة الثانية. انظر "سيرة ابن هشام""1/ 431-438".
5 الواو مطموسة في الأصل.
6 وأخرجه الطبري عن سعيد عنه "7/ 87-88""7591" بأبسط من هذا وأبين.
7 المذكور هنا تفسير وليس بسبب نزول، والسبب ما تقدم من الفتنة اليهودية.
قال الثعلبي: قال أكثر المفسرين: هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم: هم المبتدعة من هذه الأمة.
قلت: أخرج الطبري الأول عن الربيع بن أنس والحسن والبصري وغيرهما1. وأخرج الثاني عن السدي بمعناه2.
ومن طريق أبي غالب3 عن أبي أمامة قال: هم الخوارج.
221-
قوله تعالى: {فَأَمَّا 4 الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [الآية: 106] .
قال يونس بن أبي مسلم سألت عكرمة عنها فقال: لو فسرتها لم أخرج من تفسيرها ثلاثة أيام، ولكن سأجمل لك: هؤلاء قوم أهل من الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم وبمحمد قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به ذكروا الثعلبي.
وأخرجه الفريابي عن قيس بن الربيع عن يونس عن أبي سلمة قال: قدم علينا عكرمة فأمرني رجل أن أسأله عن هذه الآية فقال: لو فسرتها لم أتفرغ من تفسيرها ثلاثة أيام ولكني سأجمل لك: هؤلاء قوم من أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم مصدقين لهم5 وبمحمد فلما بعث كفروا به فذلك قوله تعالى: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} .
1 انظر "7/ 92-93""7598" و"7600".
2 انظر "7/ 94""7602".
3 في الطبري "7/ 94""7603": مجالد، والذي يروي هذا الحديث عن أبي أمامة: أبو غالب، انظر الكلام على الآية "7" من هذه السورة.
4 في الأصل: "وأما" وهو خطأ.
5 لعل الأولى: بهم.
قال أبو سلمة: فأخبرت الذي أرسلني بذلك فقال: صدق1.
222-
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [الآية 110] .
قال الثعلبي2: قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله هذه الآية.
قلت: أما عكرمة فأخرجه سنيد في "تفسيره"3 عن حجاج عن ابن جريج قال: قال عكرمة: نزلت، فذكره ولم يذكر: وذلك أن مالك بن الصيف إلى آخره.
أما مقاتل فإن لفظه4 بعد أن ذكر الآية: وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا قالا لعبد الله بن مسعود إلى آخره فعلى هذا فنسبة الكلام إلى عكرمة ومقاتل المراد بها التوزيع فإن كلا منهما ذكر النصف، وهو خلاف ما يتبادر والله المستعان5.
وأخرج أحمد6 والترمذي وحسنه7 وابن ماجه8 وصححه الحاكم9
1 يلاحظ أن المذكور هنا تفسير ولم يذكر سبب نزول مباشر.
2 وكذلك الواحدي "ص113-114".
3 أخرجه عنه الطبري "7/ 101""7609"، وذكره المؤلف في "الفتح" "8/ 225" وقال:"وهذا موقوف فيه انقطاع" وتحرف فيه الطبري إلى "الطبراني".
4 "1/ 187".
5 ما بعد قوله هذا استطراد فيه بيان وتوضيح ولا علاقة له بسبب النزول.
6 انظر "المسند""5/ 3" حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
7 انظر "الجامع"، كتاب "التفسير""5/ 211".
8 "السنن"، كتاب "الزهد"، باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم "2/ 1433" وليس فيه ذكر الآية.
9 انظر "المستدرك" كتاب "معرفة الصحابة"، ذكر فضائل هذه الأمة على سائر الأمم "4/ 84" ووافقه الذهبي على تصحيحه.
والطبري1 كلهم من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل 2 ".
وأخرج الطبري3 من طريق قتادة قال: بلغنا أن عمر حج فرأى من الناس رعة4 [سيئة] 5، وقرأ هذه الآية:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثم قال: قال من سره أن يكون منهم فليؤد شرط الله فيها.
223-
قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} [الآية: 111] .
قال مقاتل بن سليمان6: عمد رؤساء اليهود كعب -يعني ابن الأشرف7 وعدي8 وبحري والنعمان وأبو رافع9 وأبو ياسر وكنانة10 وابن صوريا- إلى عبد الله بن سلام ومن أسلم من اليهود فآذوهم بالقول، لكونهم أسلموا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
1 "7/ 104""7622".
2 ذكره المؤلف في "الفتح""8/ 225" وقال: "هو حديث حسن صحيح
…
".
3 "7/ 102""7612".
4 في الأصل: دعة وهو تحريف. وقال الأستاذ محمود شاكر: هي بمعنى: الشأن والأمر والأدب.
5 زيادة لا بد منها من الطبري.
6 "1/ 188" ونقله عنه الواحدي "ص114" وفي نقل المؤلف تصرف.
7 فيه: كعب بن مالك! وفي الواحدي: "كعب".
8 هذا أقرب ما يكون إلى الرسم، ولم يذكر في الواحدي، وفي مقاتل:"وشعبة" وعلق المحقق بقوله: "في أ: سفيه، ول: شعبه" ولم يفصل، والظاهر أنه: سعية.
9 في مقاتل: أبو نافع.
10 سقط ذكره من الواحدي.
والمراد بالأذى: الطعن باللسان أو الدعاء إلى الضلال فإن المسلم يتأذى بسماع ذلك، وأما لو اتفق بينهم قتال فإنهم يخذلون.
224-
قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءَ} [الآية: 113] .
قال الثعلبي1 عن ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعية2 وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت اليهود: ما آمن بمحمد إلا شرارنا وقالوا لابن سلام وأصحابه: لقد خسرتم حين استبدلتم بدينكم وقد عاهدتم الله أن لا تتركوا دينكم، فنزلت.
قلت: أما مقاتل فهو موجود في "تفسيره"3.
وأما ابن عباس فأخرجه الطبري4 من طريق العوفي عنه بنحوه.
وأخرج الطبري أيضًا5 من طريق محمد بن إسحاق6 عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة وأسيد ابنا سعية7 وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود، قال أهل الكفر من
1 والواحدي "ص1149" والظاهر إنه نقل من شيخه، وأورده الهيثمي في "المجمع" "6/ 327" وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات وعزاه السيوطي في "اللباب""ص56" إلى ابن أبي حاتم وابن منده في الصحابة أيضا.
2 تحرف في "مجمع الزوائد" إلى شعبة.
3 انظر "1/ 188" ونصه: "قالوا لابن سلام وأصحابه
…
".
4 "7/ 123""7653" ونصه: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} ، يقول: أمة مهتدية، قائمة على أمر الله، لم تنزع عنه وتتركه كما تركه الآخرون وضيعوه.
5 "7/ 120-121""7644".
6 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 557".
7 تحرف في ابن كثير "1/ 397" إلى شعبة.
أحبارهم: ما آمن بمحمد ولا تبعه إلا شرارنا، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله عز وجل {لَيْسُوا سَوَاءَ} الآية.
ونقل الثعلبي عن عطاء قال: نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران من العرب، واثنين وثلاثين من الحبشة، وثمانية من الروم، كانوا على دين عيسى، فلما بعث محمد صدقوا به: وكان في الأنصار منهم عدة قبل الهجرة، منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة، وصرمة بن قيس، كانوا موحدين ويغتسلون من الجنابة ويقومون بما عرفوا من الحنيفية.
وأخرج سنيد1 عن حجاج عن ابن جريج قال: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} هم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سلام أخوه، وسعية ومبشر وأسد وأسيد ابنا كعب.
225-
قوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَة} [الآية: 113] .
1-
قال ابن جرير2: مقتضى كلام ابن عباس وقتادة وابن جريج إن الكلام فيما يتعلق بأهل الكتاب تم عند قوله: {لَيْسُوا سَوَاء} وإن قوله: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} خبر مبتدأ عن مدح من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
2-
وأخرج أحمد3 والنسائي4 وصححه ابن خزيمة5 من طريق عاصم6 عن
1 أخرجه عنه الطبري "7/ 121""7647".
2 انظر "7/ 122" والنقل بالمعنى.
3 في مسنده "1/ 396".
4 في "التفسير""ص35" الرقم "93" عزاه إليه في "تحفة الأشراف""7/ 25".
5 لم أجد الطريق المذكور في "صحيحه" كتاب "الصلاة" باب استحباب تأخير صلاة العشاء
…
"1/ 176" وإنما فيه الحديث عن ابن عمرو، وليس فيه نزول آيات!
6 وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة كما في "الفتح السماوي""1/ 398" والطبري "7/ 128""7662"، وابن أبي حاتم "2/ 1/ 486-487" "1226" وابن حبان كما في "موارد الظمآن" "ص91" والواحدي "ص114-115" وزاد السيوطي نسبته في "الدر المنثور" "2/ 297" إلى البزار وأبي يعلى وابن المنذر والطبراني وقال:"رجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به. وانظر "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 295".
زر1 بن حبيش عن ابن مسعود قال: أخر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: "أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم". قال: ونزلت هذه الآيات2 {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} إلى قوله: {بِالْمُتَّقِينَ} .
وأخرجه الفريابي عن قيس بن الربيع عن عاصم وقال فيه: لا أعلم أحدا من أهل الأديان. إلى آخره.
وأخرجه ابن جرير3 من طريق ابن وهب عن يحيى4 بن أيوب عن عبيد الله بن زحر5 عن سليمان عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: احتبس عنا رسول الله
1 تحرف في "تفسير النسائي" إلى ذر!
2 في الأصل: الآية وفي "مسند أحمد" والواحدي: "الآيات" وهو الأولى.
3 "7/ 127""7661".
4 في الأصل: محمد وهو تحريف والصواب ما أثبت وهو كذلك في الطبري. انظر ترجمته في "التهذيب""11/ 186" وترجمة شيخه عبيد الله "7/ 12".
5 وضع الناسخ تحت الحاء: حاء صغيرة خشية التحريف وهو كذلك قال في "التقريب""ص371": "بفتح الزاي وسكون المهملة" وقال: "صدوق يخطئ" وفي "الكاشف""2/ 197-198""فيه اختلاف، له مناكير، ضعفه أحمد وقال س: لا بأس به" وقد تحرف فيه زحر إلى زجر. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد""1/ 312": "رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني في "الكبير"
…
وفي إسناد الطبراني عبيد الله بن زحر. وهو ضعيف".
وقال السيوطي "2/ 297": "وأخرج
…
الطبراني بسند حسن
…
" وهذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف في عبيد الله.
ذات ليلة عند بعض أهله ونسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل، فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا فقال: إنه لا يصلي أحد هذه الصلاة من أهل الكتاب فأنزلت {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} إلى قوله {يَسْجُدُونَ} 1.
سياق آخر: أخرج الطبري2 من طريق منصور بن المعتمر3: بلغني أنها نزلت في قوم يصلون فيما بين المغرب والعشاء. رجاله ثقات وهو مقطوع أو موقوف.
226-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} إلى قوله: {وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الآيتان: 116-117] .
قال مقاتل بن سليمان4: وهي نفقة سفلة اليهود على علمائهم ورؤسائهم كعب بن الأشرف وأصحابه.
1 قلت: لا بد من القول: أن الآيات النازلة توافق النبي صلى الله عليه وسلم أو تخالفه، فإن قلنا: إنها توافقه فلا بد من تفسير "الكتاب" بالقرآن، وتفسير "أمة قائمة" بالمسلمين الذين كانوا ينتظرون خروج النبي للصلاة، وفي هذه الحالة سنبتعد عن السياق جدا، فنص الآية السابقة على هذه الآية -موضوع البحث-:{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} يعني اليهود وبعدها: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
…
} والضمير راجع إليهم أي: منهم من كفر بمحمد ومنهم من آمن.
وإن قلنا: إن الآيات تخالفه فسنقع في إشكال، فكأن الآيات -عندئذ- تنص على وجود طائفة من أهل الأديان قائمة يتلون آيات الله. إلخ وقد وعدوا الوعد الحسن وهم ليسوا بمسلمين!!!
2 "7/ 129""7663" وابن أبي حاتم "2/ 1" وزاد السيوطي "2/ 298" نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
3 من رجال الستة مات سنة "132" انظر "الكاشف""3/ 156".
4 "1/ 189" وفي النقل تصرف.
وقال ابن ظفر: لما تضمن قوله تعالى فيما قبله وصف المؤمنين، ذكر بعدها ما اعتمده الكفار وأهل الكتاب من إنفاق أموالهم في الصد عن سبيل الله وإن ذلك لا يغني عنهم شيئا.
وعن مجاهد: المراد نفقات الكفار وصدقاتهم، أخرجه الطبري1.
وعن يمان بن المغيرة: نفقة أبي سفيان وأصحابه ببدر وأحد على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم2.
227-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [الآية: 118] .
قال محمد بن إسحاق3: عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: نزلت في قوم مؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجالًا من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاعة، فنزلت هذه الآية،
1 "7/ 135""7667" وإسناده صحيح وابن أبي حاتم "2/ 1/ 493""1245" وإسناده حسن كما قال المحقق وزاد السيوطي "2/ 299" نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر. ونصه: نفقة الكافر في الدنيا.
2 رجعت إلى "تفسير الطبري" و"ابن أبي حاتم" و"أسباب الواحدي" و"تفسير ابن كثير" والسيوطي وكتابه "لباب النقول" فلم أجد هذا القول! والظاهر أن ابن حجر من ابن ظفر ثم إن الآية ذكرت الأموال والأولاد، ومعركة أحد لم تكن وقعت والسياق في أهل الكتاب. انظر "تفسير الطبري""7/ 133" و"التفسير الحديث""8/ 147-148".
3 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 558".
وأخرجه الطبري من طريق سلمة "7/ 141""7680" وكذلك ابن أبي حاتم "2/ 1/ 499""1273".
وقال الواحدي "ص115": "قال ابن عباس ومجاهد" وذكره -وهو نص المؤلف-. وزاد السيوطي "2/ 299" نسبته إلى ابن المنذر.
فنهوا عن مباطنتهم خوف الفتنة1 عليهم.
وأخرج عبد بن حميد2 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نزلت في المنافقين من أهل المدينة، ينهى المؤمنين أن يتولوهم.
وأخرج الطبري3 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نزلت هذه الآيات في المنافقين.
وأخرج سنيد4 عن حجاج عن ابن جريج قال: كانوا إذا رأوا من المؤمنين جماعة وائتلافا ساءهم ذلك، وإذا رأوا منهم افتراقا واختلافا فرحوا. وقال مقاتل بن سليمان5: دعا اليهود منهم أصبغ ورافع ابنا حرملة وهما من رؤوسهم عبد الله بن أبي ومالك بن دخشم6 إلى اليهودية وزينا لهم ترك الإسلام، حتى أرادوا أن يظهروا الكفر فأنزل الله تعالى هذه الآية يحذر من اتباع اليهود، ويبين عداوتهم لهم.
228-
قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [الآية: 121] .
قال يحيى بن عبد الحميد الحماني7 في "مسنده": نا عبد الله بن جعفر
1 في الأصل: العنت وهو تحريف وأثبت ما في المصادر المذكورة.
2 والطبري "7/ 141""7681" وابن أبي حاتم "2/ 1/ 497""1266" وابن المنذر كما في "الدر""2/ 300".
3 هو نفس الأثر السابق.
4 وعنه الطبري "7/ 156""7707" قاله في تفسير الآية "120".
5 "1/ 189" وفي النقل تصرف.
6 في الأصل: دحشم -بالحاء المهملة- وفي مقاتل بالمعجمة، وهو الصواب وقد ضبطه المؤلف في "الإصابة" "3/ 343" في ترجمته بقوله:"بضم المهملة والمعجمة بينهما خاء معجمة" وهو بدري رضي الله عنه.
7 هو كما وصفه الذهبي: الحافظ الإمام الكبير أبو زكريا
…
صاحب "المسند الكبير" ولد نحو الخمسين ومئة ومات في "228". انظر ترجمته واختلاف المحدثين فيه في "السير""10/ 526-540" وفيها: "قلت: قد تواتر توثيقه عن يحيى بن معين، كما قد تواتر تجريحه عن الإمام أحمد مع ما صح عنه من تكفير صاحب". وفي "فتح الباري""3/ 404": "الحماني ضعيف". ومسنده من مرويات الحافظ. انظر "المعجم المفهرس""ص116".
المخرمي عن ابن عون عن المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خال أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد قصتنا {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} إلى قوله: {مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} 1.
أخرجه ابن أبي حاتم2 والواحدي3 من طريقه وليس في هذا سبب نزول، وإنما كتبته تبعا له4.
229-
قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [الآية: 122] .
أخرج البخاري5 ومسلم6 وغيرهما7 من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو
1 هي الآية "154"، وهكذا قال، والفصل الخاص بأحد يمتد أكثر حتى يصل إلى الآية "171".
2 "2/ 1/ 513""1327" وحكم المحقق على السند بأنه حسن.
3 "ص115-116" وعزاه السيوطي في "اللباب""ص56" إلى أبي يعلى أيضا وزاد في "الدر""2/ 302" إلى ابن المنذر.
4 إن قصد أنه ليس فيه سبب نزول جزئي فنعم وإلا فهذا الفصل نزل بسبب المعركة وأحداثها وذلك واضح.
5 في "صحيحه" كتاب "المغازي" باب غزوة أحد "الفتح""7/ 357" وكتاب التفسير "الفتح""8/ 225".
6 في "صحيحه"، كتاب "فضائل الصحابة"، باب من فضائل الأنصار "4/ 1948".
7 كالطبري "7/ 167""7728" وابن حاتم "2/ 1/ 511""1320" و"514""1330".
وزاد السيوطي "2/ 305" نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "الدلائل".
ابن دينار سمعت جابر بن عبد الله يقول: فينا نزلت: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} قال: نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سلمة1، وما نحب أنها لم تنزل لقول الله {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} .
وأخرج عبد بن حميد2 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال: هم بنو حارثة، وكانوا من3 نحو أحد، وبنو سلمة، وكانوا من3 نحو سلع، وذلك يوم الخندق، كذا قال.
ومن طريق قتادة: كان ذلك يوم أحد4.
وقال الطبري5: اختلف في [يوم] التبوئة الذي عني بقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} .
ثم أسند6 من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان ذلك يوم أحد.
ومن طريق ابن أبي نجيح7 عن مجاهد قال: مشى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليوم على رجليه8.
1 بكسر اللام انظر "القاموس""ص1448".
2 والطبري "7/ 166""7220" وأشار إليه ابن أبي حاتم "2/ 1/ 512""1322" ونقله محققه من الطبري وقال: إسناده صحيح. وزاد السيوطي "2/ 306" نسبته إلى ابن المنذر.
3 لم ترد: "من" في الطبري والسيوطي.
4 أخرجه الطبري "7/ 166""7721" وعبد بن حميد كما في "الدر""2/ 306".
5 "7/ 159" والنقل بالمعنى. وما بين المعقوفين زيادة لازمة منه.
6 "7/ 160""7711" وهو في ابن أبي حاتم "2/ 1/ 510""1313".
7 "7/ 160""7708" وكذلك ابن أبي حاتم "2/ 1/ 509""1311" وعبد بن حميد وابن المنذر كما في "الدر""2/ 303" وقال الدكتور حكمت عن إسناد الطبري: صحيح، وعن إسناد ابن أبي حاتم: حسن.
8 في الأصل: راحلته وهو هنا تحريف.
ومن طريق قتادة1 ومن طريق الربيع بن أنس2: غدا النبي صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أحد. ومن طريق أسباط عن السدي نحوه3.
ومن طريق عباد بن راشد4 عن الحسن البصري: كان ذلك يوم الأحزاب، ويوافقه قول مجاهد الآتي بعد.
وبذلك جزم مقاتل بن سليمان فقال5:
قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} أي: على راحتلك يوم الأحزاب توطن6 للمؤمنين مقاعد في الخندق قبل أن يسبق إليه الكفار ثم قال: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا} قال: هما حيان من الأنصار من بني حارثة ومنهم أوس بن قيظي وأبو عمير7 بن أوس و8 ابن يامين، ومن بني سلمة بن جشم هما بترك المركز من الخندق.
كذا قال! ورجح الطبري الأول، فإنه لا خلاف بين أهل المغازي أن الطائفتين اللتين همتا9 أن تفشلا كان ذلك يوم أحد10.
1 "7/ 160""7709".
2 "7/ 160""7710".
3 "7/ 160""7712".
4 "7/ 160-161""7714" وكذلك ابن أبي حاتم "2/ 1/ 511""1317" وقال محققه عن إسناد الطبري: حسن.
5 "1/ 191" وفي النقل تصرف.
6 في نسخة من "تفسير مقاتل": توطئ.
7 في مقاتل: عربة ولم أجد الرجل في "الإصابة" بكلا الكنيتين.
8 ليس في مقاتل: و.
9 في الأصل: هما.
10 انظر "7/ 161"، وفي نقل الحافظ تصرف واختصار.
وقال ابن إسحاق في "المغازي"1: حدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين2 بن عبد الرحمن بن عمرو وغيرهم من علمائنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم راح حين صلى الجمعة إلى أحد وقد لبس لأمته3، وكان المشركون نزلوا بأحد يوم الأربعاء، فأقاموا به إلى أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم فوصل إلى الشعب يوم السبت النصف من شوال، وكان استشار أصحابه في الخروج إليهم فقال أكثر الأنصار: اقعد يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن دخلوا علينا قاتلناهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين، وقال من كان غاب عن بدر وهو يرغب في الشهادة: اخرج بنا إليهم. فخرجوا فندموا وسألوا أن يقيم، فقال:"لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل".
وأخرج الطبري4 من طريق أسباط عن السدي نحو ذلك، وعندهما5: إن الذين خرجوا معه كانوا ألفا فرجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلاثمائة6 فناداهم عبد الله بن عمرو بن حرام ليرجعوا وناشدهم فأبوا وقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم، وقالوا: لترجعن معنا، وكان كل من عبد الله بن أبي، وعبد الله بن عمرو من الخزرج، فهمت بنو سلمة وهم من الخزرج، وبنو حارثة وهم من الأوس أن يرجعوا أيضا، ثم قوى الله
1 انظر "السير والمغازي""ص322". و"سيرة ابن هشام""2/ 60-63" و"تفسير الطبري""7/ 161-162""161". وفي النقل تصرف كثير.
2 قال الذهبي في "الكاشف""1/ 175": "ثقة" وفي "التهذيب""2/ 381": "ذكره ابن حبان في ثقات اتباع التابعين فكأن روايته عن الصحابة عنده مرسلة، وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: حسن الحديث، وقال أبو داود لما ساق حديثه عن أسيد بن الحضير: ليس بمتصل" وكان رأيه فيه في "التقريب""ص170""مقبول"!
3 في "القاموس""ص1492": "لبس اللأمة، للدرع".
4 "7/ 162-163""7717".
5 أي: عند ابن إسحاق -انظر "سيرة ابن هشام""2/ 64"-والطبري انظر "تفسيره""7/ 166""7723" من رواية أسباط عن السدي.
6 عرا اللفظتين سواد، وهذا ما رجحت أن تكونا.
عزمهم فمضوا إلى أحد.
230-
قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} إلى قوله: {أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ} [الآية: 123] .
أخرج الطبري1 وابن أبي حاتم2 من طريق داود بن أبي هند عن عامر وهو الشعبي قال: حدث المسلمون يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي3 يمد المشركين، فشق ذلك على المسلمين فقيل لهم {أَلَنْ 4 يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ} الآيات: قال: فبلغت كرزا الهزيمة فرجع فلم يمدوا بالخمسة5 ولا بالثلاثة6.
ومن طريق عبيد الله بن موسى7 عن أبي إدام8 سليمان عن عبد الله بن أبي أوفى قال: حاصرنا قريظة9 ما شاء الله فلم تفتح لنا فرجعنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل فهو يغسل رأسه إذ جاءه جبريل فقال: وضعتم أسلحتكم ولم تضعها الملائكة! فلف رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ثم نادى فينا فقمنا كالين حتى أتينا قريظة فيومئذ أمدنا الله بثلاثة آلاف من الملائكة، وفتح الله لنا:[فَتْحًا] 10 يسيرا فانقلبنا بنعمة من الله
1 "7/ 173""7743".
2 "2/ 1/ 520""1350" وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة وابن المنذر كما في "الدر""2/ 308".
3 في الأصل: الحارثي. وهو تحريف.
4 في الأصل: ألم وهو خطأ.
5 أين سبب النزول في هذه الرواية؟
6 قوله: "ولا بالثلاثة" لم يرد في الطبري وابن أبي حاتم والسيوطي.
7 أخرجه الطبري "7/ 178""7758" وفي النقل اختصار، وعلق عليه الشيخ أحمد شاكر بما لا يخلو من نظر.
8 ضعيف وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، كذاب، ليس يسوى حديثه فلساً. انظر "التهذيب""4/ 193" و"التقريب""ص251" وقد تحرف "إدام" في "التهذيب" إلى آدم.
9 في الطبري زيادة هنا وفي الذي بعدها: "والنضير" وهذا غريب!!
10 من الطبري.
وفضل1.
وأخرج سنيد2 عن حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال: لم يصبروا يوم أحد، فلم يمدوا بالملائكة ولو مدوا بالملائكة لما انهزموا.
قال3 وحدثنا ابن بشار نا عبد الرحمن هو ابن مهدي انا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت عكرمة يقول: لم يمدوا بملك واحد.
ومن طريق عبيد بن سليمان4 عن الضحاك قال: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد إن المؤمنون صبروا أمددتهم بخمسة آلاف من الملائكة ففروا فلم يمدوا.
ومن طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم5: شرط عليهم إن صبروا أن يمدهم فلم يصبروا.
ورجح الطبري هذه المقالة، ثم قال6:
إن في القرآن دلالة على أنهم أمدوا يوم بدر بألف بخلاف أحد فإن الظاهر أنهم وعدوا بالمدد بشرط فلما تخلف الشرط لم يوجد المدد.
231-
قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [الآية: 128] .
1-
الجمهور على أنها نزلت في الدعاء على المشركين.
1 ما بعد هذا كله تفسير وليس فيه سبب نزول.
2 وعنه الطبري "7/ 179""7759" وفي النقل تصرف.
3 أي: الطبري "7/ 180""7760".
4 "7/ 180""7761" وفي النقل تصرف. وعبيد صدوق وقد مر في "الفصل الجامع".
5 "7/ 180""7762".
6 انظر "7/ 180-181" والنقل بالمعنى.
أخرج البخاري1 والنسائي2 من طريق معمر عن الزهري حدثني سالم -هو ابن عبد الله- ابن عمر عن أبيه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الثانية من الفجر: "اللهم العن فلانا وفلانا" بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد"، فأنزل الله تعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} الآية.
زاد البخاري3: وعن حنظلة بن أبي سفيان عن [سالم] 4 بن عبد الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام. فنزلت.
هكذا ذكره مرسلاً5 ووصله أحمد6 من طريق عمر بن حمزة عن عمه7 سالم عن أبيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم العن صفوان بن أمية"، فنزلت، قال: فتيب عليهم كلهم.
ومن طريق محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر نحوه، وقال: فهداهم الله
1 في كتاب "المغازي والتفسير والاعتصام" كما في "التحفة""5/ 394"، وانظر "الفتح "8/ 225-226".
2 في كتاب "الصلاة" باب لعن المنافقين في القنوت "2/ 203" وفيه: "يدعو على أناس من المنافقين" وفي "التفسير""ص36" الرقم "96" عزاه إليه في "التحفة""5/ 394-395". وأخرجه الواحدي من هذا الطريق، وفيه هذه الجملة انظر "ص117".
3 في كتاب "المغازي"، باب غزوة أحد "الفتح""7/ 365".
4 من البخاري.
5 وقد رد على من قال أنه معلق في "تغليق التعليق""4/ 109" و"فتح الباري""7/ 366" وبين أن قوله "عن حنظلة" معطوف على حديث معمر، والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك. والذي قال عنه معلق: الحافظ ابن كثير "1/ 403".
6 انظر "المسند""2/ 93" وقال الحافظ في "التغليق""4/ 110": "وإسناده حسن".
7 ليس في "المسند": عن عمه، فهي من إضافة الحافظ لزيادة الفائدة.
للإسلام1.
وفي رواية: كان يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى نزلت2.
سياق آخر: قال أحمد3: حدثنا هشيم نا حميد عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته4 حتى سال الدم على وجهه فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ " فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} .
وأخرجه الفريابي عن أبي بكر بن عياش5 عن حميد عن أنس: لما كان يوم أحد، فذكره، وفيه: فقال وهو يمسح الدم عن وجهه: كيف، فذكره.
وأخرج مسلم6 من رواية حماد عن ثابت عن أنس نحوه.
وأخرج الطبري7 من طريق مطر الوراق عن قتادة قال: كسرت رباعيته
1 انظر "المسند""1/ 104" وعزاه إليه ابن كثير "1/ 402" وكذلك الحافظ في "الفتح""8/ 226"، وانظر "تفسير الطبري""7/ 199""7818" وتعليق الشيخ أحمد شاكر.
2 قال ابن كثير "1/ 402": "قال البخاري: قال محمد بن عجلان
…
" وأورد المذكور هنا، وقد رجعت إلى "تحفة الأشراف" "6/ 229" فلم أجد عزاه إليه، ولم أجد من رواه بعد.
3 في "مسنده""3/ 99" ورواه الواحدي "ص116" من طريق عبيدة بن حميد عن حميد
…
4 في الأصل: وشج في وجهه وهو تحريف وأثبت ما في المسند.
5 في الأصل: عباس وهو تحريف. وانظر "تفسير الطبري""7/ 196""7808". وهو ثقة مر ذكره في الآية "200" من سورة البقرة.
6 في "صحيحه"، كتاب "الجهاد والسير"، باب غزوة أحد "3/ 1417".
7 "7/ 197""7812" وفيه تصرف يسير، وهو ابن طهمان، أبو رجاء السلمي مولاهم. قال عنه في "الكاشف" "3/ 132":"قال أحمد هو في عطاء ضعيف، قال ابن معين، هو صالح" وفي "التقريب""ص534": "صدوق كثير الخطأ" وقد أخرج له الستة وأما البخاري فتعليقا.
وفرق1حاجبه، وعليه درعان والدم يسيل فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح الدم فأفاق وهو يقول:"كيف بقوم فعلوا هذا بنبيهم؟ " فنزلت".
وأخرج عبد بن حميد عن روح عن عوف عن الحسن: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف عنه أصحابه يوم أحد وكسرت رباعيته وجرح وجهه قال وهو يصعد على أحد: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم 2 ".
وأخرج الطبري3 من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وقد شج في وجهه وكسرت رباعيته فهم أن يدعو عليهم وقال: كيف يفلح إلى آخره وهم أن يدعو عليهم فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} فكف عن الدعاء عليهم.
ونقل الثعلبي نحوه عن ابن الكلبي، وزاد: لعلمه أن كثيرا منهم سيؤمن.
قلت: هذا مردود لما ثبت في الصحيح أنه دعا عليهم.
وقد أخرج الطبري4 من طريق مقسم: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي وقاص يوم أحد حين كسرت رباعيته: "اللهم لا تحل عليه الحول حتى يموت كافرًا. فما حال عليه الحول حتى مات كافرًا".
وأخرج سنيد5 عن حجاج عن ابن جريج قال عكرمة: أدمى عبد الله بن قمئة
1 في الأصل: وفوق وهو تحريف، وفرق: فصل. انظر "القاموس""ص197".
2 رجاله ثقات ولكنه مرسل وقد مر مرات.
3 "7/ 197-198""7813".
4 "7/ 198-199""7816" من طريق عبد الرزاق. ومقسم هو ابن بجرة صدوق مر في الآية "194" من البقرة.
5 ولم أجده في الطبري.
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعى عليه فكان حتفه أن سلط الله عليه تيسا فنطحه فقتله.
ويمكن الجمع بأن المنفي الدعاء على الجميع بهلاك يعمهم1. والثابت دعاء على قوم منهم بغير الهلاك وذلك بين في الذي بعده.
سياق آخر: أخرج الشيخان2 من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية قال: "اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة ابن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة. اللهم اشدد وطأتك على مضر". الحديث.
وفي رواية يونس بن يزيد3 عن الزهري عن سعد وأبي سلمة عن أبي هريرة: وكان يقول حين يفرغ في صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه ويقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد: اللهم انج الوليد.."، فذكره، وزاد:" اللهم العن فلانا وفلانا" 4 لأحياء من العرب. وفي لفظ: "اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله" قال: ثم بلغنا5 أنه ترك ذلك لما نزل الله عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} الآية.
قلت: وفي هذا نظر6 لأن ظاهر الآثار الماضية أن الآية نزلت أيام أحد وقصة بئر
1 ويشهد لهذا ما نقله أبو جعفر النحاس في "معاني القرآن""1/ 473" في تفسير هذه الآية: "وقيل: استأذن في أن يدعو باستئصالهم، فنزل هذا؛ لأنه علم أن منهم من سيسلم، وأكد ذلك الآية بعدها".
2 "صحيح البخاري"، كتاب "التفسير""الفتح""8/ 226" و"صحيح مسلم"، كتاب "المساجد ومواضع الصلاة" باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة "1/ 467".
3 عند مسلم "1/ 466-467".
4 لم أجد هذه الزيادة في مسلم.
5 للحافظ كلام على هذا البلاغ وإنه لا يصح انظر "الفتح""8/ 227".
6 أي: في الدعاء على لحيان
…
ومن قبله رد ذلك الرازي انظر "تفسيره""8/ 238".
معونة متراخية عن ذلك بمدة، لكن يمكن الجمع بأن نزولها تأخر حتى وقعت بئر معونة فكان يجمع في الدعاء بين من شج وجهه بأحد ومن قتل أصحاب بئر معونة، فنزلت الآية في الفريقين جميعا فترك الدعاء على الجميع، وبقي بعد ذلك الدعاء للمستضعفين، إلى أن خلصوا وهاجروا، وهذه أولى من دعوى النزول مرتين1.
2-
وقد جزم مقاتل بن سليمان2 بأن قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إنما نزلت في القراء أصحاب بئر معونة ولفظه: "نزلت هذه الآية في أهل بئر معونة"3 وكانت في صفر سنة أربع بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلموا الناس فقتلوا، وهذا سبب آخر.
وقال الزبير بن بكار4 في ترجمة بني نوفل بن عبد مناف من كتاب "النسب"5 ومطعم وأم طعيمة بن عدي بن نوفل فاختة بنت عباس بن عامر من بني
1 وقد ذكر التراخي في كتابه "الفتح"، شرح كتاب "المغازي" "7/ 366" قم قال:"والصواب أنها نزلت في شأن الذين دعا عليهم بسبب قصة أحد، والله أعلم. ويؤيد ذلك ظاهر قولة في صدر الآية، ليقطع طرفا من الذين كفروا، أي: يقتلهم، أو يكبتهم، أي: يخرجهم، ثم قال: أو يتوب عليهم، أي: فيسلموا، أو يعذبهم، أي: إن ماتوا كفارا". وأكد هذا في "8/ 227" وبين إن بلاغ الزهري لا يصح كما سبقت الإشارة قريبا.
2 انظر "1/ 192".
3 ليس هذا اللفظ مقاتل وإنما قال: "وذلك أن سبعين رجلا من أصحاب الصفة فقراء كانوا إذا أصابوا طعاما فشبعوا منه تصدقوا بفضله، ثم إنهم خرجوا إلى الغزو محتسبين إلى قتال قبيلتين من بني سليم: عصية وذكوان، فقاتلوهم فقتل السبعون جميعا فشق على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قتلهم، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوما في صلاة الغداة فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ
…
} .
4 قال الذهبي: العلامة الحافظ النسابة قاضي مكة وعالمها أبو عبد الله بن أبي بكر مولده في سنة "172"، توفي سنة "256" انظر "السير""12/ 311-315".
5 طبع منه الجزء الأول سنة "1381" بعنوان: "جمهرة نسب قريش" شرحه وحققه الأستاذ محمود محمد شاكر، وفيه الكلام على "بني أسد بن عبد العزى" وقد وصفه الذهبي بأنه "كتاب كبير نفيس"، وهو من مرويات الحافظ انظر "المعجم المفهرس""ص162".
رعل بن عوف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم، وكان بنو رعل وأخوتهم بنو ذكوان أنجدوا عامر بن الطفيل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ببئر معونة من أجل قتل طعيمة يوم بدر.
قال الزبير: ولقتل أصحاب بئر معونة دعا رسول الله أربعين ليلة على رعل وذكوان وعصية حتى نزلت عليه {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} فأمسك عنهم.
3-
سبب آخر نقل الثعلبي عن عبد الله بن مسعود: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المنهزمين عنه من أصحابه يوم أحد فنهاه الله عن ذلك وتاب عليهم وأنزل هذه الآية1.
4-
سبب آخر: ذكر ابن إسحاق وغير واحد: إن المسلمين لما رأوا ما صنع المشركون بمن قتل من المسلمين من جدع أنوفهم وغير ذلك حزنوا وقالوا: لئن أدالنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها واحد من العرب بأحد فأنزل الله هذه الآية2.
وحكاه الثعلبي أيضا عن الشعبي وغيره.
5-
سبب آخر: ذكر الثعلبي عن عطاء3 قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد أربعين يوما يدعو على أربعة من ملوك كندة: حمد ومشرح ونحى4 والمعمودة -وهي أختهم- وعلى بطن من هذيل، يقال لها: لحيان، وعلى بطون من سليم هم رعل وذكوان وعصية والقارة، فأجاب الله دعاءه وقحطوا فلما انقضت الأربعون، نزلت هذه
1 نقله أبو الليث السمرقندي في "تفسيره""2/ 147" عن الكلبي.
2 انظر "سيرة ابن هشام""2/ 96".
3 لم أجد هذا القول فيما رجعت إليه من التفاسير وهي "تفسير مقاتل" والطبري وابن أبي حاتم وأبي جعفر النحاس والماوردي وابن الجوزي والرازي والقرطبي وأبي حيان والسيوطي.
4 لم ينقط في الأصل.
الآية1.
232-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [الآية: 130] .
أخرج أبو داود2 من طريق حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عمرو بن أقيش3 كان له ربا في الجاهلية فكره أن يسلم حتى يأخذه فجاء يوم أحد فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحد. قال: فأين فلان؟ قالوا بأحد قال: فلبس لأمته وركب فرسه وتوجه قبلهم فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح فحمل إلى أهله جريحا، فجاء سعد بن معاذ فقال لأخته: سليه4 حمية لقومك وغضبا لهم أو5 غضبا لله عز وجل فقال: بل غضبا لله ورسوله قال: فمات، فدخل الجنة وما صلى لله صلاة.
قلت: ما زلت أبحث عن مناسبة ذكر آية الربا في وسط ذكر قصة أحد حتى وقفت على هذا الحديث، فكأنها نزلت فيه فترك الربا وخرج إلى الجهاد فاستشهد، أو أن ورثته طالبوا بما كان له من الربا فنهوا عنه بالآية المذكورة6.
1 إذا كان الله أجاب دعاءه فما معنى نزول: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ؟
2 في "سننه" كتاب "الجهاد" باب في من يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله "3/ 20".
3 ترجمته في "الإصابة""2/ 526"، وأقيش: جده، واسم أبيه ثابت، وقد نقل الحافظ فيها الحديث عن أبي داود وزاد نسبته إلى الحاكم، وقال: هذا إسناد حسن.
4 تحرف هذا في "الإصابة" إلى: لأخية سلمة!
5 كذا هنا وفي "الإصابة"، وفي أبي داود "أم" وهو الوجه.
6 قلت: لم يتضح لي كيف تنزل فيه فيترك الربا ويخرج إلى الجهاد مع أن الآيات بعد انتهاء الوقعة، وأما الرأي الثاني فهو تخريج جيد، وكان القرطبي قد قال في "الجامع" "4/ 130":"هذا النهي عن أكل الربا اعتراض بين في أثناء قصة أحد. قال ابن عطية: ولا أحفظ في ذلك شيئا مرويا" ولم يقف الأستاذ محمد عزة دروزة على تخريج فقال في "تفسيره""8/ 157" من كلام: "إن النهي عن أكل الربا أضعافا مضاعفة في الآيات لا يبدر متصلا بشيء من ذلك".
أقول: ويمكن القول أن مناسبة اقتضت الكلام على الربا فنزلت هذه الآيات، عقب المعركة فوضعت في هذا المكان مراعاة للتسلسل الزمني، ثم نزلت الآيات التي تعالج آثار المعركة، وهي آثار لابد أنها امتدت زمنا فوضعت بعد المقطع السابق ومن الواجب على المؤمن التأني في الحديث عن كتاب الله.
233-
قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الآية: 133]1.
قال إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد في "تفسيريهما"2: أنا روح بن عبادة نا محمد بن عبد الملك بن جريج عن أبيه عن عطاء: إن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم3 أصبحت كفارة ذنبه4 في عتبة بابه مكتوبة: أجدع أذنك، افعل كذا! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُم} الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم ألا أخبركم بخير من ذلكم"؟ فقرأ هذه الآيات".
وهذا سند قوي إلى عطاء5.
وقد ذكره6 الثعلبي عن عطاء بغير إسناد ولكن قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة} أي: سابقوا إلى الأعمال التي توجب المغفرة.
1 الأحسن أن يقول: الآيات؛ لأن الآية التي ستذكر في الرواية الأولى هي الآية "135" وقد عنون هو بالآية "133".
2 رواه عن إسحاق الواحدي "ص119" في الكلام على الآية "135" الآتية".
3 في الأصل: "أذنبوا" وأثبت ما في الطبري والواحدي.
4 في الأصل: ذنبهم وأثبت ما في المصدرين السابقين.
5 لربط هذه الآيات بسياق الكلام على وقعة أحد -إذ تبدو غير متصلة به- أقول: لعل سؤال المسلمين كان عن كفارة ما وقع منهم يوم أحد.
6 في الأصل: ذكر.
وجدته في "تفسير سنيد"1 عن حجاج عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح فذكره إلى قوله: [فنزلت: {وَسَارِعُوا] 2 إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير من ذلك؟ " فقرأ هؤلاء الآيات".
وأخرج سنيد أيضا3 عن عمر بن [أبي] 4 خليفة عن علي بن زيد بن جدعان قال: قال ابن مسعود: كانت بنو إسرائيل إذا أذنبوا أصبح مكتوبا على بابه5 الذنب وكفارته، فأعطينا خيرا من ذلك هذه الآية.
234-
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [الآية: 135] .
1-
نقل الثعلبي عن عطاء6 قال: نزلت هذه الآية في نبهان التمار، وكنيته أبو مقبل، أتته امرأة حسناء تبتاع منه تمرا فقال لها: إن هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فهل لك فيه؟
قالت: نعم فذهب بها إلى بيته فضمها إلى نفسه وقبلها، فقالت له: اتق الله فتركها وندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له ذلك، فنزلت هذه الآية.
قلت: وهو من رواية موسى بن عبد الرحمن الصنعاني وهو كذاب7.
1 أخرجه عنه الطبري "7/ 219""7849" في "تفسير" الآية "135".
2 زيادة توضيحية من الطبري.
3 وعنه الطبري "7/ 219-220""7850".
4 سقط من الأصل، وعمر من رجال التهذيب قال في "التقريب" "ص412":"مقبول". وعلي ضعيف مر في الآية "207" من البقرة.
5 كذا في الطبري.
6 قال الواحدي "ص118": "قال ابن عباس في رواية عطاء" وذكره باختصار.
7 وهكذا قال في "الإصابة" في ترجمة نبهان "3/ 550" وزاد: "وأورد هذه القصة الثعلبي والمهدوي ومكي والماوردي في تفاسيرهم بغير سند" ولم أجدها في "تفسير الماوردي""1/ 344"!
والمشهور في هذه القصة نزول {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وسيأتي في تفسير هود1.
2-
وذكره2 مقاتل بن سليمان فقال3: خرج رجل غازيا4 وخلف في أهله رجلا، فتعرض له الشيطان فهوي المرأة فكان منه ما ندم عليه فأتى أبا بكر فذكر ذلك له فقال: أما علمت أن الله يغار للغازي! فأتى عمر فذكر له، فقال له مثل ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزل الله هذه الآية، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إنك ظلمت نفسك فاستغفر الله" ففعل.
ثم قال: وقيل5 نزلت في عمر بن6 قيس ويكنى أبا مقبل قصة تأتي في سورة هود.
3-
سبب آخر عن الثعلبي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار، والآخر من ثقيف، فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على نفسه، فاشترى لهم اللحم ذات يوم، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها، فدخلت
1 انظر التفصيل في "فتح الباري""8/ 356-357".
2 كذا ولعل الصواب: وذكر.
3 "1/ 193-194" وفي النقل اختصار وفي "الإصابة""3/ 550": "ذكر مقاتل بن سليمان في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس
…
" وأورد سياقا يختلف عن هذا السياق هنا وسمى الرجل نبهان التمار، والذي رأيته في "تفسير مقاتل" هو ما نقله هنا.
4 إذا افترضنا أنه خرج في غزوة أحد اتضحت لنا حكمة وجود هذه الآيات في هذا السياق الخاص بأحد والله تعالى أعلم.
5 سقط هذا من "تفسير مقاتل" المطبوع.
6 وضع الناسخ هنا: "كذا" والاسم كذلك في مقاتل. ولم يذكر هذا الاسم في "الإصابة" بأقسامها وأبوابها.
المرأة بيتا، فتبعها فاتقته بيدها، فقبل يدها، ثم ندم وانصرف فقال له1: والله ما حفظت غيبة أخيك، ولا نلت حاجتك، فخرج الأنصاري، ووضع التراب على رأسه، وهام على وجهه، فلما رجع الثقفي لم يستقبله الأنصاري، فسأل امرأته عن حاله فقالت: لا أكثر الله في الإخوان مثله، ووصفت له الحال والأنصاري يسيح في الجبال تائبا مستغفرا فطلبه الثقفي حتى وجده، فأتى به أبا بكر رجاء أن يجد عنده راحة وفرجا فقال له الأنصاري: هلكت! قال: وما أهلكك؟ فذكر له القصة فقال له أبو بكر: ويحك أما علمت أن الله يغار للغازي ما لا يغار للمقيم؟ ثم لقيا عمر فقال مثل ذلك، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثل مقالتهما، فأنزل الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} الآية.
وذكره الكلبي2 عن أبي صالح عن ابن عباس أن رجلين أنصاريا وثقفيا آخى بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانا لا يفترقان، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، وخرج معه الثقفي، وخلف الأنصاري في أهله وحاجته، فكان يتعاهد أهل الثقفي، فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها، فوقعت في نفسه، فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم، واستحيا فأدبر راجعا فقالت: سبحان الله خنت أمانتك، وعصيت ربك، ولم تصب حاجتك! فندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتقرب إلى الله من ذنبه حتى وافى الثقفي، فأخبرته أهله بفعله، فخرج يطلبه حتى دل عليه فوفقه3 ساجدا وهو يقول: رب ذنبي قد خنت أخي. فقال له يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجا وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة فكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل بتوبته، فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 كذا في الأصل ولعل الصواب "فقالت له" ولاحظ ما سيأتي عن الكلبي.
2 نقله الواحدي عنه "ص118-119" ولم يرفع سنده.
3 في الأصل: فوفعه.
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة} إلى قوله: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين} فقال عمر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاص هذا به1 أم للناس عامة؟ قال: "بل للناس عامة في التوبة".
235-
قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [الآية: 139] .
أخرج الطبري2 من طريق ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال: كثر في أصحاب محمد القتل والجراح حتى خلص إلى كل امرىء منهم اليأس، فأنزل الله تعالى القرآن فآسى فيه المؤمنين3 بأحسن ما أسى به قوما من المسلمين كانوا قبلهم من الأمم الماضية فقال {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا} إلى قوله تعالى:{لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} 4.
236-
قوله تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [الآية: 139] .
أخرج سنيد5 عن حجاج بن محمد عن ابن جريج في قوله: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} قال: انهزم الصحابة في الشعب، فنعى بعضهم بعضا وتحدثوا أن النبي صلى الله عليه وسلم6 [قد قتل] فكانوا في هم وحزن، فبينا هم كذلك إذ علا خالد بن الوليد الجبل بخيل المشركين فوقهم وهو أسفل [في الشعب. فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم فرحوا، وقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا قوة لنا إلا بك، وليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر] " 7.
1 في الأصل: بك وهو تحريف وفي الواحدي: "أخاص هذا لهذا الرجل".
2 "7/ 234""7884" وإليه وحده عزاه السيوطي "2/ 330"، ورجاله ثقات من رجال التهذيب.
3 في الأصل: بالمؤمنين.
4 الآية: "154" أي: نزل خمس عشرة آية.
5 وعنه الطبري "7/ 235""7890" وابن أبي حاتم "2/ 1/ 566""1505" وابن المنذر من طريق ابن ثور كما في "الدر""2/ 330" ونقله عن ابن عباس الواحدي "ص120".
6 وضع الناسخ هنا إشارة لحق، واستدركت الساقط من الطبري.
7 استدراك مهم من الطبري.
وثاب نفر [فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم] 1 فصعدوا الجبل وفيهم رماة فرموا خيل المشركين حتى أزاحوهم2 وعلا المسلمون الجبل ونزلت {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} .
وعند الطبري3 من طريق العوفي عن ابن عباس: أقبل خالد بن الوليد لما [انهزم الصحابة] 4 يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا يعلون علينا [اللهم لا قوة لنا إلا بك وثاب نفر من المسلمين"] 4 فأنزل الله تعالى {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} 5.
237-
قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [الآية: 140] .
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم6 من رواية الحكم بن أبان عن عكرمة قال: ندم المسلمون كيف خلوا بينه7 وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم [الجبل] 8 فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد الحرب سجال، الحديث، قال: ونام
1 ما بين المعقوفين لم يرد في الطبري، وكأنه من تصرفات الحافظ.
2 في الطبري: حتى هزمهم الله.
3 "7/ 236""7892".
4 ما بين المعقوفين لم يرد في الطبري.
5 إن المقصود من العلو الغلبة قال ابن الجوزي في "زاد المسير""1/ 466": "قال ابن عباس: يقول: أنتم الغالبون فآخر الأمر لكم" فما ورد هنا من سبب يجعل العلو مكانيا بعيد.
6 "2/ 1/ 567-568""1507" وقال محققه: "إسناده ضعيف، وهو مرسل، لكن له شواهد تقويه". ومن قبله أخرجه الطبري بنحوه "7/ 240""7908" رفعه إلى ابن عباس.
والحكم قال عنه الذهبي في "الكاشف""1/ 181": "ثقة" ونقل في "الميزان""1/ 569" توثيقه عن الأكثر، وعن ابن المبارك: الحكم بن أبان وحسام بن مصك وأيوب بن سويد: ارم بهؤلاء ثم قال في نفس الكتاب "4/ 213": "ليس بالثبت"! ومال ابن حجر في "التقريب""ص174" إلى أنه "صدوق عابد وله أوهام" ورمز له بـ "ز4" وتحرف هذا في "الكاشف" إلى "ع" وقد مر شيء عنه في الآية "76" من سورة البقرة.
7 كذا الرواية لم يذكر المقصود صريحا.
8 من الطبري وابن أبي حاتم.
المسلمون وبهم كلوم ففيهم نزلت: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} .
وذكر الثعلبي عن راشد بن سعد1: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد كئيبا حزينا جعلت المرأة تجيء بزوجها وأبيها وابنها2 وهي تلتدم3 [فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهكذا يفعل برسولك"] 4 فنزلت.
238-
قوله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [الآية: 140] .
قال ابن أبي حاتم5 عن أبيه عن موسى بن إسماعيل عن وهيب6 عن أيوب عن عكرمة: لما أبطأ الخبر على النساء بالمدينة خرجن يستقبلن فإذا رجلان مقتولان على بعير فقالت امرأة [من الأنصار] : من هذان؟ قالوا: فلان [وفلان] أخوها وزوجها أو [زوجها و] ابنها فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حي، قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء قال: فنزل القرآن على وفق ما قالت: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} .
هذا مرسل رجاله من رجال البخاري.
239-
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [الآية: 142] .
1 ونقل عنه الواحدي "ص120" ولم يذكر الثعلبي. وراشد: ثقة كثير الإرسال مات سنة "108". انظر "التقريب""ص204".
2 في الواحدي: بزوجها وابنها مقتولين.
3 التدمت المرأة: ضربت صدرها في النياحة. انظر "القاموس""ص1494".
4 استدراك من الواحدي.
5 "2/ 1/ 573""1524" وما بين المعقوفين مستدرك منه.
6 هو وهيب بن خالد من رجال الستة ترجمته في "التهذيب""11/ 169" وقد تحرف في تفسير ابن أبي حاتم إلى: وهب.
قال مقاتل بن سليمان1: سببها أن المنافقين قالوا للمؤمنين يوم أحد بعد الهزيمة: لم تقتلون أنفسكم وتهلكون أموالكم فإن محمدا لو كان نبيا لم يسلطوا عليه! فنزلت.
240-
قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} [الآية: 143] .
أخرج ابن أبي حاتم2 من طريق العوفي عن ابن عباس: إن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد، أو ليت لنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ونبلي فيه خيرا ونلتمس الشهادة والجنة والحياة3 والحياة والرزق فأشهدهم الله أحدا فلم يثبتوا4 إلا من شاء الله منهم يقول الله عز وجل:{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} .
وأخرج عبد بن حميد من طريق فضيل بن مرزوق5 عن عطية نحوه، ليس فيه ابن عباس.
وعند الفريابي6 من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد7: غاب رجال عن بدر فكانوا يتمنون مثل يوم [بدر] 8 ليصيبوا من الأجر والخير، فلما كان يوم أحد ولى من
1 "1/ 196" وفي النقل اختصار.
2 "2/ 1/ 577""1539" وأخرج الطبري عن الضحاك "7916" نحوه.
3 في الأصل: أو الخير وأثبت ما في المصدرين.
4 في ابن أبي حاتم: فلم يلبثوا وهو تحريف.
5 مر في الآية "88" من البقرة وأزيد هنا ما قاله في "التقريب""ص488": "صدوق يهم ورمي بالتشيع".
6 والطبري "7/ 248-249""7930".
7 انظر "تفسير مجاهد""1/ 137".
8 من "تفسير مجاهد" والطبري.
ولى منهم، فعاتبهم الله بذلك.
وأخرجه عبد بن حميد أيضا، ومن طريق سعيد1 عن قتادة: كان ناس من المسلمين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطى الله أهل بدر من الشرف والفضل فذكر نحوه.
وأخرجه الطبري من هذه2 الطرق كلها3 ومنها طريق ابن جريج4 قال ابن عباس: كانوا يسألون الشهادة فلقوا المشركين يوم أحد فاتخذ منهم شهداء.
ومن طريق الربيع بن أنس نحو رواية قتادة5.
ومن طريق هوذة6 عن عوف عن الحسن البصري قال: بلغني أن رجالا7 من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم -يعني عدوا8- لنفعلن ولنفعلن، فابتلوا بذلك، فوالله ما كلهم صدق، فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
ومن طريق أسباط9 عن السدي: كان ناس من الصحابة لم يشهدوا بدرا قالوا: اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر. نحوه.
1 أخرجه الطبري "7/ 249""7932".
2 استدركت في الهامش.
3 في هذا الإطلاق نظر فلم أجد فيه طريقي العوفي!
4 انظر "تفسير الطبري""7/ 243""7915".
5 انظر "7/ 249""7934".
6 "7/ 249-250""7935"، وهوذة هو ابن خليفة جاء في "الكاشف" "3/ 200" و"التقريب" "575":"صدوق" وقال في "التهذيب""11/ 75": "قال ابن سعد: طلب الحديث وكتب، فذهبت كتبه لوم يبق عنده إلا كتاب عوف الأعرابي وشيء يسير لابن عون وابن جريج.
7 في الأصل: رجلا.
8 هذا التوضيح من الحافظ.
9 "7/ 250""7936" وفي النقل اختصار.
وقال مقاتل بن سليمان1: نزلت في الذين قالوا: يا نبي الله أرنا يوما مثل يوم بدر، فأراهم الله يوم أحد فانهزموا فعاتبهم الله.
241-
قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [الآية: 144] .
أخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة2 ومن طريق الربيع بن أنس3، قالا: لما فقدوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وتناعوه4 قال: ناس لو5 كان نبيا ما قتل! وقال ناس: قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم [حتى] 6 يفتح الله عليكم أو تلحقوا به فنزلت7.
زاد الربيع: ذكر أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط8 في دمه فقال: أشعرت أن محمدًا قتل! فقال الأنصاري: إن كان محمد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزلت.
ومن طريق أسباط9 عن السدي: لما كان يوم أحد، فذكر القصة، وفيه: وفشا في الناس أن محمدا قد قتل فقال بعضهم: ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي يأخذ
1 "1/ 196".
2 "7/ 253""7941".
3 "7/ 253""7942" وفي النقل تصرف واختصار.
4 في "الدر""2/ 335": وتداعوا، وهو تحريف.
5 أذهبا في الأصل بياض.
6 من الطبري.
7 أورد الواحدي نحو هذا عن عطية العوفي انظر "ص120".
8 قال في "القاموس""ص869": "شحطه تشحيطا: ضرجه بالدم، فتشحط: تضرج به واضطرب فيه".
9 "7/ 254-255""7943" وفي النقل اختصار وتصرف.
لنا أمانا من أبي سفيان! يا قوم ارجعوا إلى قومكم قبل أن تقتلوا، فقال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على دينكم وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الصخرة فاجتمع عليه ناس فنزل في الذين قالوا: إن محمدا قد قتل {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} .
ومن طريق ابن إسحاق1 حدثني القاسم2 بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري من بني عدي بن النجار أن أنس بن النضر مال إلى نفر من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله! فما تصنعون بالحياة بعده؟ موتوا على ما مات عليه، ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل.
ومن طريق جويبر3 عن الضحاك: لما انهزم الصحابة نادى مناد إن محمدا قتل فأنزل الله الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم4 من طريق الربيع بن أنس نحوه.
وذكر مقاتل بن سليمان5 نحوه ووقع في النسخة التي نقلت منها من رواية الهذيل أبي صالح عنه: "بشر بن النضر عم أنس" وهو تحريف وإنما هو أنس6.
1 "7/ 256-257""7946" وفي النقل اختصار. وانظر "سيرة ابن هشام""2/ 83".
2 لم أجد له ترجمة وقد رجعت إلى "تهذيب الكمال" وفروعه و"التاريخ الكبير" للبخاري و"مشاهير علماء الأمصار"، نعم ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" "7/ 113" ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا وجاء فيه بياض بعد قوله:"روى عن"!.
3 "7/ 257""7947" وقد اختصره.
4 "2/ 1/ 581-582""1554".
5 "1/ 196".
6 انظر عن هذا الصحابي الجليل ما رواه البخاري في "صحيحه"، كتاب "المغازي" باب غزوة أحد "الفتح""354-355" وترجمته في "الإصابة""1/ 74" وترجمة أخته الربيع "4/ 301".
242-
قوله تعالى: {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} .
قال ابن ظفر: روى سفيان بن عيينة عن الزهري قال: لما نزلت {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} 1 قالوا: يا رسول الله قد علمنا أن الإيمان يزيد فهل ينقص؟ قال: "أي والذي بعثني بالحق". فقيل: هل لذلك دلالة؟ قال: فتلا هذه الآية {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [فالانقلاب نقصان، ولا كفر]2.
243-
قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} .
أخرج الطبري من طريق أسباط3 عن السدي قال: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين نحو مكة ندموا فقالوا: بئس ما صنعتم أنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم فقذف الله في قلوبهم الرعب، فلقوا أعرابيا فجعلوا له جعلا وقالوا4 له: إن لقيت محمدا فأخبره5 ما قد جمعنا لهم، فأخبر الله رسوله فطلبهم حتى بلغ حمراء الأسد فأنزل الله في ذلك يذكر أبا سفيان حين أراد أن يرجع وما قذف في قلبه من الرعب {سَنُلْقِي 6 فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} 7.
1 سورة الفتح: "4".
2 عزاه السيوطي "2/ 338" إلى ابن المنذر، وما بين المعقوفين منه. والأثر منقطع من أعلاه ومن أسفله! وليس فيه سبب نزول إنما قال "فتلا"!
3 "7/ 280""8003" ونقله الواحدي عنه "ص121".
4 في الأصل: فقالوا، وأثبت ما في الطبري.
5 في الأصل: فأخبرهم، ووضع الناسخ على "محمدا":"كذا" وأثبت ما في الطبري وبه يستقيم النص.
6 في الأصل: سألقي وهو من وهم المؤلف أو الناسخ.
7 يلاحظ أن الآية تبدأ بـ"سين" الاستقبال فهذا وعد رباني أريد منه -والله أعلم- تهوين أمر الكفار وتخفيف صدمة ما حدث يوم أحد، ولو كانت الآية تذكر أبا سفيان لكان التعبير بصيغة الماضي.
وذكر مقاتل بن سليمان نحوه1 فقال: ألقى الله في قلوب المشركين الرعب بعد هزيمة المسلمين فرجعوا إلى مكة من غير شيء2.
244-
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [الآية: 152] .
أخرج الطبري3 من طريق الربيع بن أنس قال: لما كان يوم أحد قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستظهرون فلا أعرفن ما أصبتم من غنائمهم شيئا حتى تفرغوا".
فتركوا أمره الذي عهد إليهم، وتنازعوا فوقعوا في الغنائم، وتركوا العهد الذي عهد إليهم، فانصرف4 عليهم عدوهم من بعد ما أراهم فيهم ما يحبون.
ومن طريق العوفي5 عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسا فكانوا من ورائهم فقال: "كونوا ههنا فردوا وجه من نفر 6، وكونوا حرسا لنا من قبل ظهورنا". ولما هزم المشركون رأوا النساء مصعدات في الجبل، ورأوا الغنائم فقالوا: انطلقوا ندرك الغنيمة قبل أن نسبق إليها، وقالت طائفة: بل نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونثبت مكاننا فذلك قوله: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} فلما تنازعوا وخالفوا الأمر جدلوا7، قال: فالذين انطلقوا يريدون الغنيمة هم أصحاب الدنيا.
1 لم أجد في تفسيره شيئًا من ذلك.
2 الموجود في التفسير المطبوع "1/ 198": "فانهزموا إلى مكة من غير شيء".
3 "7/ 286""8011" وفي النقل تصرف وزيادة.
4 هكذا في الأصل، وأراها قلقة، ولعل الصواب: فانتصر، أو: فانصرف إليهم.
5 "7/ 290-291""8024" وفي النقل تصرف وتغيير.
6 انظر عن هذه الكلمة المصدر المنقول منه. لعلها: فردوا وجه من يفر.
7 هكذا في الأصل وهو من تعبير الحافظ، وفي الطبري:"فكان فشلا حين تنازعوا بينهم" فلعل صواب: جدلوا: جبنوا، والفشل هو الجبن.
والذين قالوا لا نخالف الأمر أرادوا الآخرة، فنزلت الآيات في ذلك.
ومن طريق عبيد بن سليمان1 عن الضحاك نحوه وزاد: فكان ابن مسعود يقول: ما شعرت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يوم أحد، ومن طريق السدي2 عن عبد خير عن ابن مسعود نحوه. ومن طريق العوفي3 عن ابن عباس قال: كان ابن مسعود يقول فذكره.
وأخرج البخاري4 من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: أجلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد جيشا من الرماة وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال: "لا تبرحوا و5 إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا 6 تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا". فلما لقيناهم هزموا حتى رأينا النساء يسندن7 في الجبل8 يرفعن عن سوقهن قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة. فقال لهم عبد الله بن جبير: عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ألا نبرح فأبوا فصرف الله وجوههم، فأصيب منهم سبعون قتيلا وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال: لا تجيبوه فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: لا تجيبوه، فقال: إن هؤلاء قتلوا ولو كانوا أحياء
1 "7/ 294""8032".
2 "7/ 295""8035".
3 "7/ 296""8038".
4 في "صحيحه"، كتاب "المغازي"، باب غزوة أحد "الفتح""7/ 349-350" وفي النقل تصرف.
5 ليس في البخاري: و.
6 في الأصل: ولا، وأثبت ما في البخاري وهو الصواب.
7 لم ينقط هذا الفعل في الأصل وقد روي بأكثر من وجه: يشتددن، وهو الأكثر، ويسندن، كما هنا، ويشددن وغير ذلك، يقال: أسند في الجبل إذا صعد انظر "الفتح""7/ 350".
8 في الأصل: الخيل وهو تحريف.
لأجابوا فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله فقد أبقى الله لك ما يخزيك، فقال: أعل هبل الحديث.
وأخرج عبد بن حميد1 من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن عبد الرحمن بن أبزى2 قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين من الرماة يوم أحد وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا خوات3 وأقعدهم إزاء خالد بن الوليد، وكان على خيل المشركين، فلما انهزم المشركون قال طائفة منهم: نلحق بالناس لا يسبقونا بالغنائم، وقالت طائفة: عهد إلينا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نزيغ4 من مكاننا حتى يأتينا أمره، فمضى أولئك فرأى خالد رقتهم5 فحمل عليه فقتلهم ونزلت {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهَ} الآية، وكانت معصيتهم توجههم عن مكانهم وقوله:{مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} ، أي: الغنيمة {وَالْآخِرَة} الشهادة.
ومن طريق عطية العوفي نحوه6.
وأخرج أحمد7 والطبري8 والحاكم9 من طريق ابن أبي الزناد عن أبيه عن
1 وابن المنذر كما في "الدر""2/ 348"، وبين النص والنص هناك اختلاف.
2 جعفر ثقة وقد مر في الآية "831" من البقرة، وأما عبد الرحمن فقد قال عنه في "التقريب" ص336":"صحابي صغير، وكان في عهد عمر رجلا، وكان على خراسان لعلي" وحديثه في الكتب الستة.
3 انظر ترجمة خوات في "الإصابة""1/ 457".
4 في الأصل: نربع ولم أعرف لها وجها ورأى الأستاذ الدكتور محيي هلال السرحان أنها نزيغ فأثبت ما رأى، والمعنى على هذا: لا نميل، وفي "الدر المنثور": أن لا نريم.
5 في الأصل: "ومنهم" من غير تنقيط وأثبت ما في "الدر" وهو الصواب.
6 انظر "تفسير الطبري""7/ 290-291""8024".
7 في "مسنده""1/ 287-288" وانظر مرويات الإمام أحمد في "التفسير""1/ 308-309".
8 "7/ 287""8013" ولم يذكر سوى: "إذ تحسونهم: قال: القتل".
9 في "مستدركه"، كتاب "التفسير" "2/ 296-297" وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وقد تصرف الحافظ -على عادته- ولم يلتزم بالنص.
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: ما نصر الله في موطن كما نصر في يوم أحد.
قال: فأنكرنا ذلك، فقال: بيني وبين من أنكر ذلك كتاب الله {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} والحس القتل {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} وإنما عنى بهذا الرماة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع ثم قال: احموا ظهرنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا، فلما انهزموا أكب1 الرماة في العسكر ينهبون، وانتشب العسكران -وشبك بين أصابعه- فدخلت خيل المشركين من ذلك الموضع، فضرب بعضهم بعضا وقتل من المسلمين ناس كثير، وصاح الشيطان: قتل محمد، وشكوا أنه حق فذكر قصة أبي سفيان. وأخرج أحمد2 من طريق حماد عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن مسعود قال: كان3 النساء يوم أحد خلف المسلمين يجهزن على جرحى المشركين فلو حلفت يومئذ رجوت أن أبرأ أنه ليس أحد منا يريد الدنيا حتى نزلت الآية، فلما خالف الرماة4 ما أمروا به "يعني
1 هذا لفظ المسند وفي الأصل: أكفت، وعبارة المستدرك:"انكشف الرماة جميعا فدخلوا في العكسر ينتهبون" ولولا الهمزة لكان لـ "أكفت" وجه، ففي "القاموس" "ص203": "كفت الطائر وغيره كفتا
…
أسرع في الطيران والعدو، وتقبض فيه. ورجل كفت وكفيت: سريع، خفيف، دقيق" فالله أعلم.
2 في "مسنده""1/ 463"، وقد نقله ابن كثير "1/ 412" وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" في كتاب "المغازي" "6/ 110":"رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط" وأورد قول ابن مسعود: "ما كنت أرى أن أحدا من أصحاب رسول الله
…
" في كتاب "التفسير" وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وأحمد في حديث طويل -تقدم في وقعة أحد- ورجال الطبراني ثقات" وهو في كتاب "مرويات الإمام أحمد في التفسير" "1/ 310-311".
3 لفظ المسند: إن وكذلك نقله ابن كثير، وتصرف الحافظ هذا عور الطريق على من يريد كشفه في الفهارس إلا أن يقرأ الأصل، وفي هذا وجه إحسان رحمه الله.
4 عبارة المسند: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وانهزم الناس"1 أفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسعة، سبعة من الأنصار ورجلين من قريش وهو عاشرهم [الحديث]2.
وفي حديث عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر عند3 [النسائي] 4 والبيهقي في "الدلائل"5: انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبقي معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة.
245-
قوله تعالى: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَم} .
قال مقاتل بن سليمان6: لما تراجع المسلمون من الهزيمة حصل لهم غم عظيم لما أصابهم من الهزيمة، ولما فاتهم من الفتح7 والغنيمة، فأشرف عليهم خالد بن الوليد من الشعب في الجبل8 فلما عاينوه أنساهم ما كانوا فيه من الغم الأول، فأنزل الله تعالى:{لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ} قال: وغشى النعاس سبعة منهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة وسهل9 بن
1 من شرح الحافظ.
2 زيادة مني.
3 عليه في الأصل إشارة لحق، وفي الهامش:
…
مما يدل على خلل، وهذا الخلل هنا سقوط:"النسائي" وإليه وإلى البيهقي عزا الحافظ هذا الحديث في "الفتح""7/ 360" في شرح كتاب "المغازي" باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا
…
".
وقال إسناد جيد.
4 في كتاب "الجهاد" باب ما يقول من يطعنه العدو "6/ 29""3149" ولم يعزه المزي إلى سواه انظر "التحفة""2/ 335".
5 انظر باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على القتال يوم أحد: "3/ 236".
6 "1/ 198-199" وفي النقل تصرف.
7 في الأصل: الهم وهو تحريف.
8 لا يصح هذا إلا إذا قلنا: إن هذا الإشراف غير الإشراف الأول الذي سبب الهزيمة.
9 في الأصل: شريك وهو تحريف. انظر ترجمته في "الإصابة""2/ 87".
حنيف1 ورجلين من الأنصار أيضا.
قلت: ثبت في الصحيح ذكر أبي طلحة فيمن غشيه النعاس وهو أنصاري2.
246-
قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [الآية: 154] .
قال الزبير بن بكار: قائل ذلك هو معتب بن قشير3 شهد عليه بذلك الزبير بن العوام. هكذا أخرجه الطبراني4 عن علي بن عبد العزيز عن الزبير بن بكار.
قلت: وأخرج ابن إسحاق5 عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أنه حدثه عن أبيه عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره! قال: فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير ما أسمعه إلا كالحلم يقول: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا6!
وأخرجه إسحاق بن راهويه وابن أبي حاتم7 من هذا الوجه.
1 في مقاتل: ضعيف وهو تحريف.
2 انظر "صحيح البخاري"، كتاب "المغازي"، باب غزوة أحد، "الفتح""7/ 365"، وكتاب "التفسير""الفتح""8/ 228"، و"تفسير الطبري""7/ 317-319"، و"تفسير ابن كثير""1/ 418".
3 قلت: لفظ الآية يفيد أنهم طائفة فلعل معتب بن قشير هو أول من قال هذا فتابعه آخرون.
4 لم أجد هذا في "المعجم الكبير" ولا "الصغير" فلعله في "الأوسط" ونظرت في "مجمع الزوائد" كتابي "المناقب والتفسير" فلم أجد شيئا كذلك.
5 وعنه الطبري "7/ 323""8094".
6 ذكر قوله هذا في "سيرة ابن هشام""1/ 522" تحت عنوان "من اجتمع إلى يهود من منافقي الأنصار" ولم يذكر في أحداث أحد.
7 "2/ 1/ 620-621""1697" وقد حكم المحقق على إسناده بالحسن وذكر من أخرجه أيضا فانظره.
247-
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} [الآية: 155] .
قال عبد بن حميد1:
حدثنا يوسف بن بهلول2 عن عبد الله بن إدريس3 عن محمد بن إسحاق قال: قال عكرمة مولى ابن عباس: جاءت [فاختة] 4 بنت غزوان امرأة عثمان بن عفان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي يغسلان السلاح من الدماء، فقالت: ما فعل ابن عفان؟ أما والله لا تجدونه ألأم5 القوم. فقال لها علي: ألا إن عثمان فضح الذمار6 اليوم. فقال: له رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مه] 7 وكان ممن ولى دبره يومئذ عثمان بن عفان وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان -إخوان من الأنصار من بني زريق8- حتى
1 ذكر ما رواه: الإمام الرازي في "تفسيره""9/ 63"، باختلاف يسير، ولم ينسبه إلى مخرج، على عادته.
2 ثقة، توفي سنة "218". انظر "التقريب""ص610".
3 ثقة من رجال الستة توفي سنة "192" انظر "التقريب" أيضا "ص295".
4 زدته للتوضيح من "التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان" لمحمد بن يحيى الأشعري "ص19" وقد ذكرها الحافظ في "الإصابة""4/ 374" ولم يزد على قوله: "أخت عتبة، تقدم نسبها في ترجمته وكانت من المهاجرات".
وظاهر هذا أنها كانت عنده مع السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تزوج أم كلثوم في ربيع الأول سنة ثلاث وماتت عنده في شعبان سنة تسع. انظر "الإصابة""4/ 489"، وفي الرازي "امرأة عثمان" ولم يبين من هي.
5 في الرازي: إمام وهو تحريف.
6 لم تنقط الكلمتان في الأصل، ونقطتهما بما ترى، والذمار كما جاء في "القاموس" "ص508":"ما يلزمك حفظه وحمايته"، وفي الرازي: الزمان وهو تحريف.
7 ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، استدركت من الرزاي وفيه هنا أيضًا:"وروي أنه قال حينئذ: أعياني أزواج الأخوات أن يتحابوا".
8 انظر ترجمتها في "الإصابة" الأول "في "2/ 31" والثاني في "2/ 490" وقد أشار إلى خبر الهروب في ترجمة الثاني فقط إشارة سريعة.
بلغوا1 الجلعب2، فرجعوا بعد، فقالت: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ذهبتم بها عريضة" 3، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} 4.
وأخرجه الطبري5 من رواية سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق6 وقال في روايته: الجلعب7 جبل8 بناحية المدينة مما يلي الأحوص أقاموا به ثلاثا ثم رجعوا9.
وأخرج سنيد10 عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: قال عكرمة {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} نزلت في رافع بن المعلى وغيره من
1 في الأصل: "بلغت" وهذا يحتاج إلى تقدير، أي: بلغت هزيمتهم، ورجحت أن يكون الصواب ما أثبت.
2 في الأصل: الحلف، تحريف. وهو جبل بناحية المدينة. انظر "معجم البلدان" لياقوت "2/ 154" وسيعرف به قريبا.
3 قال ابن الأثير في "النهاية""3/ 210": أي: واسعة.
وقال الأستاذ محمود شاكر في "التعليق" على رواية الطبري التي نقلها المؤلف من هذه الرواية: "والضمير في قوله: "فيها" إلى "الأرض" يقول: لقد اتسعت منادح الأرض في وجوهكم حين فررتم، فأبعدتم المذهب، يتعجب من فعلهم هذا".
4 ليس في الرازي ذكر الآية.
5 "7/ 329""8103" وكذلك ابن المنذر كما في "الدر""2/ 355-356".
6 لم أجده في "سيرة ابن هشام".
7 في الأصل: "اطلعب" هكذا من غير تنقيط، وهو محرف.
8 في الأصل: حنل وهو تحريف.
9 في "الطبري" و"الدر" زيادة: "فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقد ذهبتم فيها عريضة" وليس في الطبري قوله: فزعموا.
10 وعنه الطبري "7/ 329""8102".
الأنصار وفي أبي حذيفة بن عتبة وآخر {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} [إذ لم يعاقبهم]1.
248-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ} [الآية: 156] .
أخرج الطبري2 من طريق أسباط عن السدي قال: هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي.
ومن طريق ابن أبي نجيح3 عن مجاهد نحوه.
وجزم مقاتل بن سليمان4 بأن الذي قال ذلك عبد الله بن أبي.
249-
قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُم} 5.
اتفقوا6 على أنها نزلت في حق الذين انهزموا يوم أحد، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يغلظ على الذين خالفوا أمره، حتى كانوا سببا لقتل من قتل من المسلمين.
250-
قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} .
قال مقاتل بن سليمان7:
1 في الطبري.
2 "7/ 331""8107".
3 "7/ 331""8108".
4 في "تفسيره""1/ 200".
5 هذا المقطع والذي بعده جاءا في الأصل بعد الآية "161" فقدمتهما رعاية لتسلسل الآيات، وموضعهما في الأصل المخطوط في الصفحة "316".
6 في قوله: "اتفقوا" نظر، فإن الطبري "7/ 340"، وابن الجوزي في "الزاد""1/ 485" وابن كثير "1/ 419" لم يذكروا هذا نعم ذكره آخرون منهم الرازي "9/ 62"، والقرطبي "4/ 160"، ونقله أبو حيان في "البحر""3/ 97-98".
7 نقل قول مقاتل هذا -كما هو هنا- القرطبي "4/ 161" وعزاه إليه وإلى قتادة والربيع، ونص مقاتل في "تفسيره" "1/ 201": "إن العرب في الجاهلية كان إذا أراد أن يقطع أمرا دونهم ولم يشاورهم شق ذلك عليهم
…
" والفرق بين النصين واضح.
"كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر الله نبيه أن يشاور أصحابه إكراما لهم، فيكون أطيب لأنفسهم".
251-
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [الآية: 161] .
1-
أخرج عبد بن حميد والترمذي1 والطبري2 وأبو يعلى3 وابن أبي حاتم4 من طريق خصيف عن مقسم: حدثني ابن عباس5 إن هذه الآية نزلت: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: أخذها محمد وأكثروا في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .
لفظ الطبري6 وفي رواية أبي يعلى7: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين، فقال ناس: لعل رسول الله أخذها! فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قال خصيف: فقلت لسعيد بن جبير: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
1 في "جامعه"، كتاب "التفسير""5/ 214" من طريق عبد الواحد بن زياد.
2 "7/ 348""8136" من طريق عبد الواحد.
3 في "مسنده""5/ 60""2651" ورواه في "4/ 327""2438" عن خضيف عن عكرمة عن ابن عباس، وكذلك الواحدي في "الأسباب""ص121-122".
4 "2/ 1/ 637""1760" عن عكرمة بدل مقسم وكذلك رواه الطبراني في "المعجم الكبير""11/ 364" وابن عدي في "الكامل" في ترجمة خصيف "3/ 942" وأعله به قال المناوي في "الفتح السماوي""1/ 414": "فالحديث ضعيف ووهم من حسنه كالجلال السيوطي "في حاشيته على البيضاوي" اغترارا بتحسين الترمذي له".
5 فاته أن يذكر: أبا داود فقد أخرجه في "السنن"، كتاب "الحروف والقراءات""4/ 31".
6 وله طريق آخر عن عتاب بن بشير عن خصيف انظر "7/ 349""8138".
7 هي رواية عكرمة "2438".
يَغْلُلَّ} 1 يعني بفتح الغين2 فقال: بل يغل ويقتل3.
وفي رواية الطبري4: قلت5 لسعيد بن جبير: كيف تقرأ أن يغل أو يغل؟ قال: أن يغل -يعني بضم الغين- قد كان والله يغل ويقتل.
قال الترمذي: "حسن غريب وقد رواه عبد السلام بن حرب عن خصيف".
قلت: هي رواية الطبري6 من طريقه.
قال7: "ورواه بعضهم عن خصيف [عن مقسم] فأرسله".
قلت: هي رواية شريك عنه عند عبد بن حميد.
وأخرج الطبراني8 من طريق أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ أن يغل "يعني بفتح الغين"9 ويقول: كيف لا
1 حركها محقق "مسند أبي يعلى" بضم الغين، وهو هنا خطأ.
2 قال ابن مجاهد في "السبعة""ص218": "قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {أَنْ يَغُلّ} بفتح الياء وضم الغين. وقرأ الباقون: "يُغَلّ" بضم الياء وفتح الغين".
ونسبت القراءة الثانية إلى ابن مسعود والحسن. انظر "معجم القراءات القرآنية""2/ 81" ونسبها الطبري "7/ 353" إلى معظم قرأة أهل المدينة والكوفة.
3 حركها محقق أبي يعلى بضم الغين والتاء واللامين في الفعلين. وهو هنا خطأ مكشوف.
4 "7/ 348-349""8137".
5 هذا أقرب ما بقي إلى الرسم، وفي الطبري: سألت سعيد.
6 لم أجدها في "تفسير الطبري" في هذا الموضع، وخشيت أن يكون "الطبري" محرفا عن الطبراني فرجعت إلى "المعجم الكبير" و"مجمع الزوائد" للهيثمي فلم أجدها أيضا فالله أعلم.
7 أي: الترمذي في الموضع المذكور قريبا، وما بين المعقوفين منه.
8 في "المعجم الكبير""11/ 101""11174" وفي النقل تصرف. ومن طريقه أخرجه الواحدي "ص122"، وهو لفظ المؤلف هنا فالظاهر أنه نقله منه!
9 من إضافة الحافظ.
يكون له أن يغل وقد كان يقتل! قال الله عز وجل: {وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ 1} لكن المنافقين اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة، فأنزل الله عز وجل:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} .
وأخرجه الطبراني2 من وجه آخر عن خصيف فقال: عن عكرمة، بدل مقسم.
وفي رواية3 عن عكرمة وسعيد بن جبير، والرواية المفصلة أثبت.
وأخرجه4 من طريق حميد الأعرج عن سعيد بن جبير قال: نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، لم يذكر ابن عباس.
قال الطبري5: في ذكر وعيد أهل الغلول في بقية الآية دليل واضح على صحة قراءة الجمهور:
قلت: أخرج عبد الرزاق6 عن معمر عن قتادة: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قال: يغله أصحابه.
وأخرجه الطبري7 من طريق سعيد عن قتادة قال: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} "بضم أوله"8.
1 آل عمران: "112".
2 في "الكبير""11/ 364""12028" و"12029".
3 أخرجها الطبري "7/ 350""8140".
4 أي: الطبري "7/ 350""8141".
5 انظر "7/ 354" والنقل بالمعنى.
6 وعنه الطبري "7/ 353""8153".
7 "7/ 353""8152".
8 من الحافظ.
أن1 يغله أصحابه الذين معه، ذكر لنا2 أن هذه الآية أنزلت يوم بدر، وقد غل طوائف من المسلمين3.
وكذا4 أخرجه الطبري5 من طريق الربيع بن أنس، ثم شرع الطبري في رد هذه القراءة6 واستشهد للمشهورة بحديث أبي هريرة المخرج في الصحيح: ألا هل عسى7 رجل منكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة الحديث8.
2-
قول آخر: أخرج ابن أبي حاتم9 من طريق العوفي عن ابن عباس {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} أي: يقسم لطائفة من المسلمين ويترك طائفة فيجور في القسمة، ولكن يقسم بالعدل، ويأخذ فيه بأمر الله، فإذا فعل ذلك استنوا به.
3-
قول آخر: أخرج الطبري10 من طريق سلمة بن نبيط عن
1 في الأصل: كان وهو تحريف.
2 في الأصل: أما وهو تحريف.
3 في الطبري: أصحابه، وهذا من تصرف الحافظ وتلطفه ومفاضلته بين الألفاظ رحمه الله.
4 في الأصل: ولذا، وقد بينت سابقا أنه تكرر من الناسخ.
5 "7/ 353-354""8154".
6 انظر "7/ 354-355".
7 في الأصل: "قل عن" وعلى قل إشارة لحق وفي الهامش، وقد أصاب الناسخ فهذا تحريف، صوابه ما أثبت.
8 رواه البخاري في كتاب "الجهاد" باب الغلول "الفتح""6/ 185" وانظر "تفسير الطبري""7/ 356-357".
9 "2/ 1/ 637-638""1763" ومن قبله أخرجه الطبري "7/ 351""8143" وفي النقل اختصار.
10 "7/ 351""8145" وكذلك الواحدي "ص122"، ونقل المؤلف سياق الواحدي ولم يشر، وليس في سياق الطبري هذا التفصيل، وعزاه السيوطي في "الدر""2/ 362"، والمناوي في "الفتح السماوي""1/ 415" إلى ابن أبي شيبة.
الضحاك بن مزاحم قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طليعة، وغنم النبي صلى الله عليه وسلم فقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا، وقدمت الطلائع فقالوا: لم يقسم لنا فنزلت {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قرأها1 بضم الغين -أي: يعطي غير من قاتل-2.
4-
قول آخر: ذكر جويبر عن الضحاك3 عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وقعت في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل في مخيط، فنزلت.
قلت: وهذا من تخليط جويبر، فإن هذه الآية نزلت في يوم أحد اتفاقا4.
5-
قول آخر: قال مقاتل بن سليمان5: نزلت في الذين طلبوا الغنيمة يوم أحد -يعني الرماة- فتركوا المركز وقالوا: نخشى أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ شيئا فهو له ونحن ها هنا وقوف فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألم أعهد إليكم أن لا تبرحوا من المركز حتى يأتيكم أمري؟ " قالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفا قال: "أو ظننتم أنا نغل؟ " فنزلت {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} ".
وكذا ذكره الكلبي6 في "تفسيره" بنحوه لكن قال: فقالوا: نخشى أن لا يقسم الغنائم كما لم يقسمها يوم بدر وزاد بعد قوله: إنا نغل: ولا نقسم لكم.
1 أي: الضحاك كما في الواحدي.
2 في الأصل: قال وهو تحريف.
ملاحظة: ما بين الهلالين من الحافظ وكأنه استفاده من الروايات عن الضحاك التي أخرجها الطبري "7/ 351""8144" و"8146" و"8147".
3 نقله عنه الواحدي "ص122".
4 وهذا يرد الأقوال الأخرى ومنها القول بنزولها يوم بدر!
5 "1/ 201".
6 نقله الواحدي "ص123" عن الكلبي ومقاتل معا.
252-
قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [الآية: 165] .
1-
قال الثعلبي: روى عبيدة بن عمرو السلماني1 عن علي قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسرى وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا فتضرب أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشائرنا وإخواننا! لا بل نأخذ فداءهم فنتقوى به على عدونا، ويستشهد منا عدتهم، وليس في ذلك شيء نكره، فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلا، عدة أسارى أهل بدر".
قال الثعالبي: فمعنى قوله على هذا التأويل {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي: بأخذكم الفداء واختياركم القتل.
قلت: حديث علي هذا أخرجه الحسين بن داود المعروف بسنيد في "تفسيره" عن إسماعيل بن علية عن ابن عون وعن حجاج بن محمد عن جرير بن حازم كلاهما2 عن محمد بن سيرين عنه.
وأخرجه الطبري3 من طريق سنيد. وأصله عند الترمذي4 والنسائي5 من رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن الثوري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين6 ولفظه: أن جبريل هبط عليه فقال له: خيرهم في أسارى بدر، القتل أو الفداء
1 ذكر أول مرة في المقدمة.
2 أي: ابن عون وجرير.
3 "7/ 376""8191".
4 في "جامعة"، كتاب "السير"، باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء "4/ 114""1567".
5 في "السير" في "الكبرى"، كما في "التحفة""7/ 430-431".
6 أي: عن عبيدة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن
…
".
على أن يقتل منهم قابل مثلهم، قالوا: الفداء ويقتل منا.
قال الترمذي: "حسن غريب من حديث الثوري، ورواه أبو أسامة عن هشام نحوه، وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة بن عمرو1 مرسلًا".
قلت: أخرجه الطبري2 عن الدورقي3 عن ابن علية عنه مرسلا، ومن طريق أشعث4 بن سوار عن ابن سيرين كذلك.
وقد وصل سنيد رواية ابن عون كما ترى، وزاد رواية جرير، وخالف في سياق المتن5 وقد تكلموا فيه.
حديث آخر: قال الإمام أحمد6 وأبو بكر بن أبي شيبة7 في "مسنديهما"
1 أي: عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في "تحفة الأشراف""7/ 430" ولكن جاء في "الجامع""4/ 115": "عن عبيدة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا"!.
2 "7/ 376""8190".
3 هو يعقوب بن إبراهيم، ولم يذكر الطبري نسبته، وإنما هي من فوائد الحافظ. وهو ثقة من رجال الستة توفي سنة "252" انظر "التقريب""ص607".
4 "7/ 375-376""8189". وأشعث قال عنه في "الكاشف""1/ 82": "صدوق، لينه أبو زرعة" وفي "التقريب""ص113": "ضعيف".
5 ولا بد من القول أن هذه المخالفة ليس فيها مغايرة لما أخرجه الترمذي {لم أذكر النسائي؛ لأن سياقه ليس تحت يدينا} وإنما هي زيادة فقط.
6 في "مسنده""1/ 30-31" وعنه ببعضه أبو داود في "الجهاد" باب في فداء الأسير بالمال "3/ 61""2690" وعزاه السيوطي في "اللباب""ص60" إلى ابن أبي حاتم.
7 ترجمه الذهبي فقال: "عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة
…
الإمام العلم سيد الحفاظ وصاحب الكتب الكبار "المسند والمصنف والتفسير
…
" مات سنة "235". انظر "السير" "11/ 122-127" ومسنده من مرويات الحافظ. انظر "المعجم المفهرس" "ص112" وقد وقع له كاملًا. وأخرج زوائده في "المطالب العالية".
جميعا: حدثنا قراد1 أبو نوح واسمه عبد الرحمن بن غزوان ثنا عكرمة بن عمار نا سماك الحنفي حدثني ابن عباس حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوضوا بما صنعوه يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون وفر القوم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على [رأسه] 2 وسال الدم على وجهه، فأنزل الله عز وجل {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} بأخذكم الفداء.
لفظ أبي بكر، وسياق أحمد أتم، وأصل الحديث في "صحيح مسلم" من هذا الوجه3، وأوله4: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين! الحديث بطوله، وفيه: فقتلوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استشار أبا بكر وعمر في الأسرى، وفيه: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، وأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} 5 وسيأتي في سورة الأنفال.
حديث آخر مرسل: أخرج ابن أبي حاتم6 من طريق عباد بن منصور سألت
1 بضم القاف وتخفيف الراء، ثقة له أفراد مات سنة "187" انظر "التقريب""ص348"، وعكرمة وسماك من رجال مسلم.
2 من "المسند".
3 انظر "صحيح مسلم"، كتاب "الجهاد والسير"، باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم "3/ 1383-1384" "1763" وأخرج الترمذي بعضه في كتاب "التفسير" "5/ 251-252" وقال: "حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمر إلا من حديث عكرمة بن عمار عن أبي زميل، وأبو زميل اسمه سماك الحنفي
…
".
4 أي: أول حديث مسلم.
5 الآية "67".
6 "2/ 1/ 652""1822" وفي إسناد رجل موسى بن محكم لم يجد المحقق له ترجمة وعباد: ضعيف. ذكر أول مرة في البقرة الآية "78".
الحسن عن قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} قال: لما رأوا من قتل منهم يوم أحد قالوا: من أين هذا؟ 1 ما كان للكفار أن يقتلوا منا، فأخبرهم الله تعالى إن ذلك بالأسرى الذين أخذوا منهم الفداء يوم بدر فردهم الله بذلك وعجل لهم عقوبة ذلك في الدنيا ليسلموا منها في الآخرة.
2-
قول آخر2: قال الطبري3 في المراد بقوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} قال بعضهم: تأويله ما وقع من خلافكم على نبيكم حين أشار عليكم فأبيتم إلا أن يخرج ويصحر لهم، ويقاتلهم.
ثم أسند عن قتادة قال4: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنا في جنة حصينة". فقال أناس من الأنصار، فذكر القصة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"ما كان لنبي أن يلبس لأمته ثم يضعها حتى يقاتل".
253-
قوله تعالى: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [الآية:167] .
اتفقوا على أنها نزلت في عبد الله بن أبي وأتباعه الذين رجعوا قبل القتال.
254-
قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [الآية: 169] .
1 قلت: إن قولهم هذا هو سبب النزول، ولم يذكر في الأحاديث السابقة أنهم قالوا ذلك، وقد صرح به في الآية.
2 لا يصح أن يعد هذا قولًا أخر؛ لأن سبب النزول قولهم: "أنى هذا" فأما الكلام على سبب ما وقع بهم فهو تفسير لا غير.
3 "7/ 372" وفيه تصرف.
4 "7/ 372-373""8179" وفي النقل اختصار وتصرف.
1-
قال إسحاق بن راهويه1 أنا وكيع عن سفيان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وغيرهما يوم أحد، ورأوا ما رزقوا من الخير، قالوا: ليت إخواننا علموا ما أصبنا من الخير كي يزدادوا رغبة في الجهاد فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} إلى قوله: {أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} أخرجه الطبراني2 من طريق أبي سعيد مولى بني هاشم عن سالم الأفطس به.
وأخرج أبو داود3 وعبد بن حميد والطبري4 وأبو يعلى5 والحاكم6 من طريق ابن إسحاق7 عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ قال الله: أنا أبلغهم عنكم قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآية ".
1 أخرجه عنه الواحدي "ص125".
2 قال الهيثمي في "المجمع""6/ 328-329": "رجاله ثقات إلا أنه مرسل".
3 في "سننه"، كتاب "الجهاد"، باب في فضل الشهادة "3/ 15""2520".
4 "7/ 384-385""8205".
5 في "مسنده""4/ 219" وقال محققه الأستاذ حسين أسد: "رجاله ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد "1/ 266" وقد عزاه إليه السيوطي في "اللباب" "ص60".
6 في "مستدركه""2/ 297-298" وقال: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
7 وكذلك أخرجه البيهقي في "الكبرى""9/ 163" والواحدي "ص123-124".
طريق آخر: أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن دينار عن سعيد بن جبير قال:
لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة قالوا: يا ليت إخواننا في الدنيا يعلمون ما نحن فيه فإذا شاهدوا القتال باشروه بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبهم ما أصبنا من الخير، فأخبر الله تعالى نبيه بأمرهم، وما هم فيه من الكرامة، فاستبشروا بذلك.
طريق أخرى: قال الفريابي: نا قيس بن الربيع أنا1 سعيد بن مسروق عن أبي الضحى في هذه الآية قال: نزلت في قتلى أحد: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش، وشماس بن عثمان، وهؤلاء الأربعة من المهاجرين، ومن الأنصار ستة وستون رجلًا نزل فيهم {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} .
وعن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال: لما أصيبوا فرأوا الرزق والخير تمنوا أن أصحابهم يعلمون بما هم فيه ليزدادوا رغبة في الجهاد فقال الله: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله هذه الآية2.
وأخرجه عبد بن حميد عن أبي الوليد عن أبي الأحوص وابن أبي حاتم من طريق إسرائيل كلاهما عن سعيد بن مسروق.
حديث آخر: أخرج الترمذي3 وابن ماجه4 وابن خزيمة5 وابن حبان6
1 في الأصل: ابن وهو تحريف.
2 انظر الرواية في "الأسباب" للواحدي "ص125".
3 في "جامعه"، كتاب "التفسير""5/ 214-215""3010".
4 في "سننه"، كتاب "الجهاد"، باب فضل الشهادة في سبيل الله "2/ 236""2800".
5 ليس في القسم المطبوع منه.
6 انظر "الإحسان"، كتاب "أخباره صلى الله عليه وسلم عن مناقب الصحابة"، ذكر البيان بأن الله جل وعلا كلم عبد الله بن عمرو بن حرام بعد أن أحياه كفاحًا "15/ 490-491" وعلق عليه محققه الأستاذ شعيب الأرنؤوط بقوله:"إسناده جيد".
والحاكم1 والطبراني2 من طريق موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري: سمعت طلحة بن حراش يقول: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لي أراك منكسرا؟ " قلت: يا رسول الله توفي أبي، استشهد بأحد، وترك علي دينا وعيالا! قال:"أفلا يسرك بما لقي الله به أباك؟ " قال: بلى يا رسول الله قال: "يا عبدي تمن علي قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون" قال: فأنزلت هذه الآية".
قال الترمذي3: "حسن غريب، وقد رواه علي بن عبد الله وغيره من الكبار عن موسى وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئا من هذا".
قلت: رواية علي في الطبراني4، ورواية ابن عقيل عن أحمد5 وأبي يعلى6
1 في "مستدركه"، كتاب "معرفة الصحابة"، ذكر مناقب عبد الله بن عمرو "3/ 203-204".
وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وسكت الذهبي ووقع في كلام الأستاذين حسين أسد وشعيب الأرنؤوط أن الذهبي ووافقه ولم أجد في هذه الموافقة.
2 لم أجده في "الكبير" ولا "الصغير" وليس "الأوسط" تحت يدي.
3 في "جامعه" بعد أن أورد الحديث المذكور، وفي نقل الحافظ تصرف.
4 لم أجده في "المعجم الكبير" وفي "مجمع الزوائد""9 /317": "رواه الطبراني والبزار من طريق الفيض بن وثيق عن أبي عبادة الزرقي وكلاهما ضعيف". وهذا طريق آخر وهو الذي أورد الحاكم الحديث عنه في "المستدرك""3/ 203" ومع ذلك صححه. فرد عليه الذهبي بقوله: فيض كذاب.
وأخرجه الواحدي "ص124"، والبيهقي في "دلائل النبوة""3/ 298-299" وانظر "الدر المنثور""2/ 371-372".
5 في "مسنده""3/ 361" مختصرًا.
6 في "مسنده""4/ 6" وقال محققه: إسناده حسن.
والطبري1 وغيرهما2 ولفظه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعلمت أن الله أحيا أباك فقال: ما تحب يا عبد الله؟ قال يا رب أحب أن تردني إلى الدنيا فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى".
وأخرج سنيد3 عن حجاج بن محمد بن ابن جريج عن محمد4 بن قيس بن مخرمة قال: قالوا "يعني شهداء أحد5": يا رب لا6 رسول لنا يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أعطيتنا؟ قال7 الله: "أنا رسولكم". فأمر جبريل أن يأتي بهذه الآية {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآية8.
وأخرج مسلم9 وغيره10 أصل الحديث عن عبد الله بن مسعود قال: "أرواح الشهداء عند الله 11 كطير خضر 12 لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث
1 "7/ 388-389""8214" وقال مخرجه: إسناده ضعيف قال: وقد ورد معناه عن جابر بإسناد آخر صحيح ثم أورد رواية أحمد المشار إليها.
2 كالحميدي في "مسنده""2/ 532""1265".
3 وعنه الطبري: 7/ 390" "8217".
4 قال في "التقريب""ص503": "يقال له: رؤية، وقد وثقه أبو داود وغيره".
5 التوضيح من الحافظ.
6 في الطبري: إلا.
7 فيه: "فقال" وهو الوجه.
8 فيه: "الآيتين".
9 في "صحيحه"، كتاب "الإمارة"، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة. وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون "3/ 1502-1503".
وفي النقل تصرف واختصار.
10 كالترمذي في "جامعه"، كتاب "التفسير" "5/ 215-216" وقال:"هذا حديث حسن صحيح" وابن ماجه في "الجهاد"، باب فضل الشهادة في سبيل الله "2/ 936".
11 ليس في المصادر.
12 في الأصل: خطر وهو تحريف، وهذا التعبير لابن ماجه. والعبارة في مسلم:"أرواحهم في جوف طير خضر" ولم ترد "جوف" في الترمذي.
شاءت فاطلع ربك طلاعة فقال: ما تشتهون؟ قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا فنقاتل في سبيلك مرة أخرى".
وفي رواية عند عبد الرزاق: تقرئ عنا نبينا السلام وتخبره أن قد رضيت عنا ورضينا. وليس في شيء من طرقه ذكر نزول الآية.
2-
قول آخر أخرج الطبري1 من طريق الربيع بن أنس: ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا يوم أحد.
ومن طريق قتادة نحوه2.
3-
قول آخر3 ذكر ابن إسحاق في "المغازي"4 قصة قتلى بئر معونة مطولا، وأصلها أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة5 قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فقال: إن أمرك هذا الذي تدعو إليه حسن جميل، فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد رجوت أن يستجيبوا لك فقال:"إني أخشى عليهم". فقال أبو براء: أنا لهم جار فبعث المنذر بن عمرو الساعدي في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة6 وحرام بن ملحان وعروة بن أسماء ونافع بن بديل
1 "7/ 390""8216".
2 "7/ 389-390""8215". وقد ذكر الطبري الخبر عن قتادة أولا ثم ساق الخبر عن الربيع وقال: بنحوه
…
ولا أدري لم يلجأ الحافظ إلى هذا التقديم والتأخير!
3 ذكر الواحدي "ص125" هذا القول وعزاه إلى جماعة من أهل التفسير وقال: "قصتهم مشهورة ذكرها ابن إسحاق في "المغازي".
4 انظر "سيرة ابن هشام""2/ 183-189" وفيها سند الخبر.
5 في الأصل: السنة، وصوبت في الهامش، هو لقب مشهور قال الحافظ في كتابه "نزهة الألباب في الألقاب" "2/ 195": "ملاعب الأسنة: عامر بن مالك
…
يقال له صحبة".
وعامر بن فهيرة فذكر قصة قتلهم بإشارة عامر بن الطفيل لطائفة من بني سليم، قال: فأنزل الله تعالى في شهداء بئر معونة قرآنا: بلغوا عنا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناها زمانا وأنزل الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} الآية.
وأخرج الطبري1 من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثني أنس في قصة أصحاب بئر معونة [قال] 2: لا أدري أربعين أو سبعين وكان على الماء عامر بن الطفيل فخرج أولئك النفر حتى أتوا الماء فقالوا: أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج "يعني حرام بن ملحان خال أنس3" حتى أتى حواء4 منهم فاحتبى5 أمام البيوت ثم قال: يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج رجل من كسر بيت برمح، فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال: الله أكبر فزت ورب الكعبة! فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه فقتلوهم قال أنس: إن الله أنزل فيهم قرآنا. فذكره وفيه: فرفعت بعد أن قرأناها6 زمنا وأنزل7 الله {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} .
وأصل هذا الحديث عند مسلم8.
1 "7/ 392-393""8224". وقد تكلم الشيخ أحمد شاكر على إسناده وخرجه فعد غليه.
2 من الطبري.
3 من إضافة الحافظ وتصرفه وفي الطبري: "فقال -أراه ابن ملحان الأنصاري- أنا
…
".
4 في الطبري: حيا.
5 في الأصل: فاختبأ وهو تحريف.
6 في الطبري: رفع بعد ما قرأناه زمانا.
7 في الأصل: فأنزل، وأثبت ما في الطبري.
8 في "صحيحه"، كتاب "الإمارة"، باب ثبوت الجنة للشهيد "3/ 1511" وحديثه هذا لم يروه غيره كما في "تحفة الأشراف""1/ 126".
وفي "الصحيحين"1 من حديث أنس في قصة القنوت وفي آخره ما في آخر هذا الحديث2.
4-
قول آخر: نقله الثعلبي3 عن بعضهم ولم يسمه: أن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور، وأمواتنا في القبور، فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيسا لهم، وإخبارا عن أحوال قتلاهم.
255-
قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [الآية:172]4.
روى البخاري5 من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُول} إلى آخرها قالت لعروة: يا ابن أختي6، كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، فقال:"من يذهب في أثرهم"؟ فانتدب منهم سبعون رجلا، كان فيهم أبو بكر والزبير.
1 انظر "صحيح البخاري"، كتاب "المغازي" باب غزوة الرجيع
…
"الفتح""7/ 385-386" و"صحيح مسلم"، كتاب "المساجد ومواضع الصلاة" باب استحباب القنوت في جميع الصلاة "1/ 468".
2 ولكن من غير ذكر هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ
…
} في المواضع الثلاثة.
3 وكذلك الواحدي "ص125" قال: "وقال آخرون" وأورده، والظاهر أنه نقله من شيخه! ونقله ابن الجوزي في "زاد المسير" "1/ 501" وقال: ذكره علي بن أحمد النيسابوري.
4 كل ما سيورده المؤلف هنا كان قد أورده ابن كثير "1/ 428-430".
5 في "صحيحه"، كتاب "المغازي""الفتح""7/ 373"، ومن طريقه أخرجه الواحدي "ص126"، وأورده ابن كثير "1/ 429" وقال:"هكذا رواه البخاري منفردا بهذا السياق" والحديث مختصرا في "صحيح مسلم"، كتاب "فضائل الصحابة"، باب من فضائل طلحة والزبير "4/ 1881" من طريق البهي.
6 في الأصل: يا ختي. وكتب الناسخ عليه: "كذا" وفيه سقط واضح.
هكذا أخرجه البخاري، وأخرجه الحاكم1 من طريق أبي سعيد المؤدب عن هشام به وهم في استدراكه2. وأخرجه3 من طريق البهي4 عن عروة عن عائشة مختصرا وأخرجه سعيد بن منصور في "السنن"5، والحميدي6 في "المسند"7 كلاهما عن سفيان بن عيينة عن هشام.
وأخرج الطبري8 من طريق العوفي عن ابن عباس في قصة وقعة أحد وكانت في شوال قال: ألقى الله في قلب أبي سفيان الرعب، فسار بمن معه إلى مكة، وكان التجار يأتون بدرا الصغرى في ذي القعدة، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لما شاع بين الناس أن الناس قد جمعوا لكم، فانتدب معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير و [سعد] 9 وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وابن مسعود وحذيفة في سبعين حتى بلغوا الصفراء فلم يلقوا كيدًا فأنزل الله عز وجل:{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} الآية.
1 في "مستدركه"، كتاب "التفسير" "2/ 298" وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وفيه "إنها قالت لعبد الله بن الزبير" والرواية في البخاري ومسلم أن القول لعروة.
2 ومن قبل المؤلف أورده ابن كثير "1/ 429" وعقب على بقوله: "كذا قال".
3 أي: الحاكم في "مستدركه"، كتاب "معرفة الصحابة"، ذكر مناقب حواري رسول الله "3/ 363" وقال:"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ولا وجود له في "تلخيص الذهبي".
4 هو عبد الله البهي -بفتح فكسر فتشديد- مولى مصعب بن الزبير، يقال: اسم أبيه يسار، صدوق يخطئ، كما في "التقريب""ص230" وقد تحرف في ابن كثير "1/ 429" إلى "التميمي".
5 لا وجود له في القسم المطبوع من "سننه".
6 هو الإمام الحافظ عبد الله بن الزبير، مات سنة "219" انظر ترجمته في "السير" للذهبي "10/ 616-621".
7 انظر "1/ 128""263".
8 "7/ 401-402""8238" وفي النقل تصرف واختصار.
9 من الطبري.
وقد ذكر ابن إسحاق1 أن أبا سفيان ومن معه ندموا على تركهم الإيقاع بالمسلمين وقالوا: أصبنا حدهم2 وأشرافهم ثم نرجع ولم نستأصلهم، وهموا بالرجوع، وإن معبد بن أبي معبد الخزاعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد [فعزاه] 3 فيمن أصيب من أصحابه، وأمره أن يقصد أبا سفيان ويخذله4 عن الرجوع، فرجع معبد إلى بلاده، فلقي أبا سفيان، فقال: ما وراءك؟ قال: محمد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع ما رأيت مثله يتحرقون عليكم، وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه، وندموا وأنشده في ذلك شعرًا5 فانثنى رأي أبي سفيان ومن معه عما هموا به واستمر ذهابهم لمكة.
وقد ذكر ابن إسحاق القصة مطولة، وفي آخرها: أن أبا سفيان [مر به] 6 ركب من عبد القيس فذكر القصة التي بعد هذه.
256-
قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [الآية: 173] .
ذكر ابن إسحاق متصلًا بالقصة التي قبل هذه قال: ومر به أي: بأبي
1 انظر "سيرة ابن هشام""2/ 120-103"، والنقل بالمعنى، وقد أخرجه عن ابن إسحاق الطبري "7/ 406-409""8243" والبيهقي في "دلائل النبوة""3/ 314" ونقله ابن كثير "1/ 429".
2 في "ابن هشام": "أصبنا حد أصحابه وأشرافهم وقادتهم".
وفي "القاموس""ص352": "الحد: الحاجز بين شيئين، ومنتهى الشيء، والحد من كل شيء، حدته، والحد منك بأسك". فالمراد: أصبنا حدتهم وبأسهم، وفي ابن كثير "1/ 429":"أصبنا محمدا وأصحابه وقادتهم وأشرافهم" ولفظ "محمدا" هنا -فيما رأى- تحريف والله أعلم.
3 أذهبها بياض التصوير، وهذا أقرب ما بقي من الرسم.
4 لم تنقط في الأصل، وهذا ما ترجح عندي.
5 انظر الشعر في ابن هشام والطبري وابن كثير.
6 سقط من الأصل واستدركته من المصادر المذكورة، وسيأتي قريبا على الصواب.
سفيان ركب من عبد القيس فقالوا: نريد المدينة نمتار منها. فقال: فجعل لهم جعلا على أن يبلغوا المسلمين رسالة عنه أنه يقول لهم: قد أجمعنا المسير إليكم لنستأصل بقيتكم، فمر الركب بالمسلمين وهم بحمراء الأسد، فأخبروه بما قال أبو سفيان فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال1 مقاتل بن سليمان2: لما انصرف أبو سفيان ومن معه من أحد ولهم الظفر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني سائر في أثر القوم" وكان [النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد على بغلة شهباء] 3 فدب4 ناس من المنافقين إلى بعض المؤمنين فقالوا: أتوكم في دياركم فوطؤكم قتلا، فكيف تطلبونهم وهم عليكم اليوم أجرا، وأنتم اليوم أرعب؟ " فوقع في نفوس المؤمنين فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لأطلبنهم ولو بنفسي"، فانتدب معه سبعون رجلا حتى بلغوا صفراء بدر فبلغ أبا سفيان، فأمعن السير إلى مكة ولقي نعيم بن مسعود الأشجعي متوجها إلى المدينة فقال: يا نعيم بلغنا أن محمدًا في أثرنا فأخبره أن أهل مكة قد جمعوا جمعًا كبيرًا من قبائل العرب وأنهم لقوا أبا سفيان فلاموه على رجوعه حتى هموا به فردوه قالوا: يا نعيم فإن أنت رددت عنا محمدًا فلك عندنا عشرة ذود5 من الإبل، تأخذها إذا رجعت إلى مكة، فلقي نعيم النبي صلى الله عليه وسلم بالصفراء فذكر له ذلك
1 من هنا إلى "القوم" وعبارة أخرى هي "فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" جاء في الأصل بعد الآية مباشرة، قبل "ذكر ابن إسحاق" وكأن عليه إشارة شطب فحذفته إذ هو تكرار، ومكانه الصحيح هنا، ولعله من سهو الناسخ.
2 في "تفسيره""1/ 205-207" وفي النقل تصرف.
3 استدركت هذا من مقاتل وكان الناسخ قد ترك فراغا بمقدار كلمة ووضع فيه إشارة لحق، وليس في الهامش شيء.
4 في الأصل: فدر وهو تحريف.
5 قال في "القاموس""ص359": "مؤنث، ولا يكون إلا من الإناث، وهو واحد وجمع، أو جمع لا واحد له، أو واحد".
وقال: أتاكم الناس فقال النبي: حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} يعني نعيم بن مسعود: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الجموع، الآيات.
وأخرج الطبري1 من طريق السدي قال: لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للمسير إلى بدر الموعد لميعاد أبي سفيان أتاهم المنافقون فقالوا: نحن إخوانكم الذين نهيناكم عن الخروج إليهم فعصيتمونا، وقد أتوكم في دياركم فقاتلوكم وظفروا فإن توجهتم إليهم لا يرجع منكم أحد فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وذكر الثعلبي عن أبي معشر أن وفدا من هذيل قدموا المدينة فسألوهم عن أبي سفيان فقالوا: قد جمعوا لكم جموعا كثيرة فاخشوهم فنزلت. واشتهر في كتب الأصول قصة نعيم بن مسعود، وذكر الثعلبي2 أن عكرمة ومجاهدا وافقا مقاتلا.
قلت: أما عكرمة فأخرج سفيان بن عيينة في "تفسيره"3 ومن طريق ابن أبي حاتم4 فقال: عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: كانت بدر متجرا في الجاهلية فلما كان يوم أحد قال أبو سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: موعدك عام قابل بدر فقال: "هو موعد لك". فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لموعدهم لقيهم رجل فقال: إن بها جموعا من المشركين فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة التجارة وأهبة القتال، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. ثم خرجوا حتى جاؤوها فتسوقوا بها ولم يجدوا عندها أحدا فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الآية.
1 "7/ 409""8245".
2 ذهب بعض الاسم في التصوير، وترجح عندي ما أثبت.
3 هو من مرويات الحافظ، انظر "المعجم المفهرس""ص86".
4 وكذلك الطبري "7/ 412""8250"، وسعيد بن منصور وابن المنذر كما في "الدر""2/ 389"، وهنا أطول مما في الطبري والسيوطي.
وأما رواية مجاهد فأخرجها الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح1 عن مجاهد ذكر الآية فقال: هذا أبو سفيان قال لمحمد: موعدك بدر حيث قتلتم أصحابنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عسى أن ننطلق". قال: فذهب2 لموعده حتى نزلوا بدرا فوافوا السوق فابتاعوا فذلك قوله: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} .
وأخرج عبد بن حميد من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال:
جعل أبو سفيان للقوم جعلا على أن من لقي منهم أصحاب محمد يخبرهم أن أبا سفيان قد جمع لكم جموعا فإذا قالوا لهم ذلك قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل3.
وأخرج أبو بكر بن مردويه4 من طريق عبد الرحيم5 بن محمد بن زياد6 السكري عن أبي بكر بن عياش عن حميد عن أنس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
1 وأخرجه الطبري "7/ 411""8248" عن عيسى عنه.
وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر""2/ 389".
وورقاء: هو ابن عمر اليشكري من رجال الستة وفي "التقريب""ص580""صدوق في حديثه عن منصور لين".
2 في الطبري والسيوطي: "عسى، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعده".
3 رجاله ثقات مر ذكرهم وابن أبزى: هو عبد الرحمن وقد عزاه السيوطي "2/ 388" إلى ابن سعد فقط.
4 في الأصل: "أبو بكر بن جرير" ولم أعرفه، ورجحت أن يكون كما أثبت؛ لأني رأيت هذه الرواية في "الدر المنثور""2/ 389" عن أنس معزوة إلى ابن مردويه وإلى الخطيب.
5 لم أجد له ترجمة في غير "تاريخ بغداد""11/ 86"، وقد روى عنه الحديث المذكور هنا، ونقل عن الدارقطني أنه قال: ثقة بغدادي.
6 في "تاريخ بغداد": زيد ولم أجزم بوجه لكثرة ما في طبعة التاريخ من تحريف!
قلت: والمحفوظ عن أبي بكر بن عياش ما أخرجه البخاري1 عن شيخه أحمد بن يونس عن أبي بكر عن أبي حصين عن أبي الضحى عن ابن عباس قال:
حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الآية.
وكذا أخرجه النسائي2 من رواية يحيى بن أبي بكير عن أبي بكر.
وأخرج سنيد3 عن حجاج عن ابن جريج قال: عمد4 رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان فجعلوا يلقون المشركين، و5يسألونهم عن قريش، فيقولون: قد جمعوا لكم! يكيدونهم بذلك، يريدون أن يرعبوهم، فيقول الرسول6:"حسبنا الله ونعم الوكيل" حتى قدموا بدرا فوجدوا أسواقها عافية "أي: خالية من التجار"7 فلم ينازعهم فيها أحد، وقدم رجل من المشركين، فسألوه عن المسلمين8، فقال9:
1 في "صحيحه"، كتاب "التفسير""الفتح""8/ 229".
2 في "التفسير" وفي "عمل اليوم والليلة" كما في "التحفة""5/ 238"، وانظر "التفسير""ص38" الرقم "101".
3 وعنه الطبري "7/ 411""8249".
4 في الطبري: "لما عبى" وحذف "لما" هنا من عمل المؤلف، وتغيير عمد إلى عبى هناك من عمل المحقق الأستاذ محمود شاكر. انظر هامشه.
5 العطف في الأصل بالفاء، وأثبت ما في الطبري.
6 في الطبري: المؤمنون.
7 الشرح من الحافظ.
8 في الطبري: بدل هذه العبارة: وأخبر أهل مكة بخيل محمد عليه السلام وقال في ذلك.
9 هو معبد الخزاعي والأبيات في "سيرة ابن هشام""2/ 210"، و"تاريخ الطبري" أيضًا "2/ 560".
قد نفرت من رفقتي محمد
…
وعجوة من يثرب كالعنجد1
تهوي على دين أبيها الأتلد2
…
قد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان3 لها4 ضحى5 الغد6
257-
قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ} .
تقدم قبل [هذه] 7 عن مجاهد وغيره.
258-
قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ} [الآية: 175] .
بقية القصة التي تقدمت.
1 في الأصل: كالعسجد وأثبت ما في المصادر الثلاثة: السيرة والتفسير والتاريخ.
2 سقط من الأصل استدركته من المصادر.
3 في الأصل: بصحبتان من غير تنقيط ولعله يريد قصر ماء أي: ما بضجنان وقد أثبت ما في المصادر.
4 في الأصل: عن وهو تحريف.
5 فراغ في الأصل استدركته من المصادر.
6 معنى هذا الرجز:
إن ناقته نفرت من الأنصار والمهاجرين المرافقين للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن تمر المدينة المنورة الذي هو كالزبيب الأسود.
وإنها تسرع على عادة أبيها القديم، وموعدها: ماء قديد بين مكة والمدينة. وماء ضجنان -وهو جبل على طريق المدينة من مكة، وبينه وبين قديد ليلة-. انظر هامش المصادر الثلاثة.
7 فراغ في الأصل، انظر الكلام على الآية السابقة.
259-
قوله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} .
تأتي في تفسير سورة المائدة1.
260-
قال الثعلبي: في هذه الآية إشارة إلى أن الذي وقع للمسلمين من الهزيمة يوم أحد كان لتمييز من اندس فيهم من المنافقين فأظهر القتال نفاقهم و {يَمِيزَ الْخَبِيثَ} وهو المنافق {مِنَ الطَّيِّبِ} وهو المؤمن ورجح أن الخطاب للمؤمنين، وأن المراد بما كانوا2 عليه اندساس المنافقين واختلاطهم بهم وتوقعهم3 بهم الجوائح فميزهم الله بالوقعة المذكورة4.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي5 قال: حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن أمته عرضت عليه كما عرضت على آدم قال: فأعلمت بمن يؤمن بي ومن يكفر بي فبلغ ذلك المنافقين فقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن
1 يقصد عند قوله تعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ
…
} الآية "41" ولكن هل يلزم من تشابه آيتين أن يكون سببهما واحدا؟
2 كذا في الأصل ولعل الصحيح: أنتم.
3 لم بنقط الفعل في الأصل، ووضع الناسخ عليه إشارة لحق، ولم أجد شيئا في الهامش، ورجحت ما أثبت، وكذلك الجوائح لم تكن منقطة!
4 ما قاله الثعلبي تفسير، ولكن بما أنه يربط الآية بوقعة أحد، فتكون الوقعة هي سبب النزول، والله أعلم.
5 نقله عنه الواحدي "ص127" دون أن يبين من أخرجه، وكذلك نقل قول الكلبي الآتي.
يكفر به ونحن معه ولا يعلم بنا! فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: قالت قريش: يا محمد تزعم أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان، ومن اتبع على دينك فهو في الجنة، والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فنزلت.
وقال مقاتل بن سليمان1: قال الكفار إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن منا ومن يكفر فنزلت.
ونقل الثعلبي2 عن أبي العالية أنه قال: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} الآية.
261-
قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ} [الآية: 180] .
1-
قال الواحدي3: أجمع جمهور المفسرين على أنها نزلت في مانعي الزكاة4.
1 "1/ 208".
2 وكذلك الواحدي "ص127"، والظاهر أنه نقله منه.
3 "ص127-128".
4 رد الحافظ في "الفتح""8/ 230" فقال: "وفي صحة هذا النقل نظر، فقد قيل: أنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة محمد، قاله ابن جريج، واختاره الزجاج. وقيل: فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد، وقيل: على العيال وذي الرحم المحتاج، نعم الأول هو الراجح وإليه أشار البخاري" وتقدم مثله في "الفتح""3/ 271" أيضا وعزا هناك القول الأخير إلى مسروق.
قلت: والأحاديث المذكورة هنا تنص على "تلا" وليس فيها: "فنزل" وبعضها لا يذكر الآية أصلا وعلى هذا فلا يفهم منها أن منع الزكاة هو السبب المباشر، والآية تشمل هذا وغيره ولكن لا بد من البحث عن خصوص السبب.
قال: وروى عطية العوفي1 عن ابن عباس أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ونبوته، والبخل على هذا كتمان العلم2.
وأخرج البخاري3 من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار [عن أبيه] 4 عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: "من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا 5 أقرع له زبيبتان يطوقه 6 يوم القيامة فأخذه بلهزمتيه -يعني شدقيه- يقول: أنا مالك أنا كنزك" ثم تلا هذه الآية: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية".
وأخرجه النسائي7 من طريق عبد العزيز8 بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر نحوه. قال النسائي: هذا أثبت من رواية عبد الرحمن9.
1 أخرجه عنه الطبري "7/ 432""8279".
2 العبارة الأخيرة للواحدي، أخذها من الثعلبي كما سيظهر قريبا، ولم يشر، واللفظ لابن حجر.
3 في "صحيحه"، كتاب "الزكاة"، باب إثم مانع الزكاة "الفتح""3/ 268"، وكتاب "التفسير""الفتح""8/ 230" وغير ذلك، والنسائي في كتاب "الزكاة"، باب مانع زكاة ماله "2/ 39""2482" وأحمد في "المسند""2/ 355"، والبيهقي في "السنن الكبرى""4/ 81".
4 سقط من الأصل.
5 في الأصل "شجاع" وأثبت ما في المصادر الأربعة وهو الوجه.
6 في الأصل: يطوه وهو تحريف، وفي "الفتح" "3/ 270":"يطوقه -بضم أوله وفتح الواو الثقيلة- أي: يصير له ذلك الثعبان طوقا".
7 في الموضع السابق "5/ 38-39""2481".
8 في الأصل: عبد الله وهو خطأ.
9 لم أجد قول النسائي في "السنن الصغرى"، ونقله عنه المزي في "التحفة" "5/ 459" بلفظ:"رواية عبد الرحمن أشبه بالصواب، وعبد العزيز أثبت عندنا من عبد الرحمن".
ونقل الحافظ فيه نظر، وقد ترتب عليه فهمه أن النسائي يرجح رواية عبد العزيز، وكلام النسائي واضح في أن رواية عبد الرحمن أشبه بالصواب هنا، وإن كان عبد العزيز أثبت.
قلت: بل له أصل من رواية أبي صالح فقد أخرجه ابن حبان1 من رواية الليث عن محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم2 عن أبي صالح3. وله طريق أخرى عن أبي صالح4.
وابن أبي سلمة سلك الجادة. وهذا من دقيق نظر البخاري ويحتمل أن يكون
1 انظر "الإحسان"، كتاب "الزكاة" باب الوعيد لمانع الزكاة "8/ 50" "3258" وقال محققه: "إسناده قوي رجاله ثقات غير ابن عجلان، وهو صدوق أخرج له مسلم متابعة والبخاري تعليقا
…
وأخرجه النسائي في "الكبرى" كما في "التحفة""9/ 444" عن قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن يعقوب بن عبد الله الأشج، عن القعقاع بهذا الإسناد. وهذا السند صحيح على شرط مسلم".
2 تحرف في "الفتح""3/ 269" إلى: حلية.
3 عن أبي هريرة موقوفا عليه.
4 قال الحافظ في "الفتح""3/ 269-270" عن عبد الرحمن:
"وتابعة زيد بن أسلم عن أبي صالح عند مسلم وساقه مطولا، وكذا رواه مالك عن عبد الله بن دينار "موقوفا" ورواه ابن حبان من طريق ابن عجلان
…
وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أخرجه النسائي ورجحه، لكن قال ابن عبد البر: رواية عبد العزيز خطأ بين؛ لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح أصلا انتهى.
وفي هذا التعليل نظر، وما المانع أن يكون له فيه شيخان؟ نعم الذي يجري على طريقة أهل الحديث أن رواية عبد العزيز شاذة؛ لأنه سلك الجادة، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه".
قلت: وهذا رسم الإسنادين لتتضح الصورة:
أبو هريرة
ابن عمر
أبو صالح
عبد الله بن دينار
عبد الله بن دينار
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة
البخاري
النسائي
ومعنى سلك الجادة: أن عبد الله بن دينار هو مولى ابن عمر وقد روى عنه انظر "التهذيب""5/ 201" فالجادة الرواية عنه، ومن عدل عنها دل على مزيد حفظه.
عند عبد الله بن دينار بالوجهين ويؤيده أن رواية ابن عمر ليس فيها للآية ذكر.
طريق أخرى عن أبي هريرة: أخرجها ابن مردويه والثعلبي من طريق محمد بن أبي حميد عن زياد مولى1 الخطميين عن أبي هريرة رفعه: "ما من عبد له مال فيمنعه من حقه ويضعه في غير حقه إلا مثل له". فذكره وفيه: "فيقول: أعوذ بالله منك فيقول: لم تستعيذ مني وأنا مالك الذي كنت تبخل به؟ فيطوقه في عنقه حتى يدخله جهنم ويصدق ذلك في القرآن" فذكر الآية".
ومحمد بن أبي حميد ضعيف2.
- وفي الباب عن ابن مسعود له رفعه: "ما من عبد لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له شجاع أقرع يتبعه وهو يفر منه يقول: أنا كنزك" ثم قرأ عبد الله مصداقه من كتاب الله {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية".
أخرجه أحمد3 والترمذي4 والنسائي5 والحاكم6.
1 في الأصل: ولي، وأثبت ما في ترجمته انظر "التهذيب""3/ 390" وهو مقبول كما في "التقريب""ص221".
2 انظر "التهذيب""9/ 132-134" وقد بحث الحافظ في ترجمته: هل هو واحد أو اثنان، وانظر "الميزان""3/ 531".
3 في "مسنده""1/ 377".
4 في "جامعه"، كتاب "التفسير" "5/ 216" وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
5 في "التفسير""ص39" الرقم "104" عزاه إليه في "التحفة""7/ 32" وفي الزكاة في "الصغرى" كتاب "الزكاة" باب التغليظ في حبس الزكاة "5/ 10""11".
6 في "مستدركه"، كتاب "التفسير" "2/ 298-299" وقال:"صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وفاته أن يعزوه إلى ابن ماجه فقد أخرجه كذلك في كتاب "الزكاة" باب ما جاء في منع الزكاة "1/ 568-569".
وعن ثوبان أخرجه أبو يعلى1 وصححه ابن خزيمة2 وابن حبان3 والحاكم4، وعن "
…
"5 عند الطبراني، وعن معاوية بن حيدة عند الطبري6.
وأخرج الطبري7 والثعلبي من طريق داود بن أبي هند عن أبي قزعة سويد بن حجير عن رجل من قيس8 رفعه: "ما من كبير 9 رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله فيبخل عنه إلا أخرج له من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه" ثم تلا: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} .
ثم أخرجه الطبري10 من وجه آخر عن أبي قزعة عن أبي مالك العبدي، ولم
1 ليس لثوبان ذكر في "مسنده"، ولم ينسبه إليه الهيثمي في "المجمع""3/ 64".
2 انظر "صحيحه"، كتاب "الزكاة" باب ذكر أخبار رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكنز مجملة غير مفسرة "4/ 11""2255".
3 انظر "الإحسان"، كتاب "الزكاة"، باب الوعيد لمانع الزكاة "8/ 49-50" وقال محققه:"إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير معدان بن أبي طلحة فمن رجال مسلم".
4 في "المستدرك"، كتاب "الزكاة" "1/ 388-389" وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
وقال الذهبي: "على شرطهما".
وقد أخرج الحديث أبو نعيم في "حلية الأولياء""1/ 118" والطبراني في "الكبير""2/ 91""1407" ط2 وقال الهيثمي في "المجمع""3/ 64": "رواه البزار وقال: إسناده حسن، قلت: ورجاله ثقات".
5 ذهب الاسم في التصوير!.
6 "7/ 435""8284".
7 "7/ 434""8282" بإسناد ضعيف -على ما حكم به مخرجه-.
8 انفرد الثعلبي ببيان أنه من قيس كما قال الحافظ في "الإصابة" في ترجمة أبي مالك العبدي "4/ 172".
9 لفظ الطبري: ما من ذي رحم، ولفظ "كبير" هنا غريب!
10 أخرجه قبل السابق، وذلك برقم "8281" فالتعبير بـ "ثم" فيه ما فيه.
وانظر ترجمة أبي مالك في "الإصابة""4/ 172" وتعليق الشيخ أحمد شاكر على الطبري.
يرفعه.
2-
قول آخر أخرج الطبري1 من طريق العوفي عن ابن عباس قال: نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها.
وذكره الثعلبي2 عنه بلفظ: نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد ونبوته. قال: وأراد بالبخل: كتمان العلم3.
262-
قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [الآية: 181] .
قال الثعلبي: ذكر الحسن قائل ذلك حيي بن أخطب.
قلت: أقوى من ذلك ما أخرج ابن أبي حاتم من طريق الدشتكي عن أشعث ابن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:
أتت اليهود محمدا -صلى الله علية وسلم- حين أنزل الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} 4، فقالوا: يا محمد افتقر ربك يسأل عباده القرض فأنزل الله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ} الآية.
1 "7/ 439""8297" وقد سبق في نقل الواحدي عنه.
2 والواحدي "ص127-128" وقد سبق في نقل الواحدي عنه.
3 قلت: قد جاء في وعيد هؤلاء أنهم سيطوقون ما بخلوا به وهذا متصور في الذهب والفضة ولكنه بعيد في العلم إلا على تأويل كأن يقال: يلزم أعناقهم إثمة؟ ثم بعد قليل ستأتي الآية "187" في كتمان العلم صراحة، هذا وللأستاذ دروزة كلام على صلة هذه الآية بما بعدها فانظره في "تفسيره""8/ 191".
4 هذا جزء من آية في سورة البقرة "245"، وسورة الحديد "11" والمقصود آية البقرة؛ لأن سورة الحديد متأخرة في النزول والله أعلم.
طريق آخر أتم منه: أخرج ابن أبي حاتم1 أيضا من طريق ابن إسحاق2 حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أنه حدثه عن ابن عباس قال: دخل أبو بكر بيت المدراس فوجد من اليهود أناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر يقال له أشيع. فقال له أبو بكر: ويحك يا فنحاص اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء من عند الله بالحق تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص: والله يا أبا بكر ما لنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه الأغنياء، ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطينا، ولو كان غنيا عنا ما أعطانا الربا! فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فاكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين.
فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أبصر ما صنع بي صاحبك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: "ما حملك على ما صنعت؟ " فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولا عظيما يزعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء، فغضبت لله مما قال، فضربت وجهه. فقال فنحاص: ما قلت ذلك فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص ردا عليه وتصديقا لأبي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} الآية". وأخرجه ابن المنذر من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق بطوله بغير سند لابن إسحاق وزاد في آخره: ونزل في أبي بكر وغضبه من ذلك: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا} إلى قوله: {مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} 3.
1 ومن قبله الطبري "7/ 441-442""8300".
2 انظر "سيرة ابن هشام""1/ 558-559".
3 الآية: "186".
وذكر الثعلبي1 عن عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق قالوا: كتب النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام، وأن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويقرضوا الله قرضا حسنا. فدخل أبو بكر ذات يوم بيت مدارسهم فذكر نحو ما تقدم بطوله.
و [هذا] 2 الصدر ذكره مقاتل بن سليمان3 بلفظه واقتصر من القصة كلها على قول فنحاص: إن الله فقير حين يسألنا القرض.
وأما عكرمة فهو الذي أخرجه ابن إسحاق من طريقه لكن الثعلبي إنما أشار إلى ما أخرجه ابن المنذر من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج قال مولى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص اليهودي [يستمده و] 4 نهى أبا بكر أن يفتات بشيء حتى يرجع فلما قرأ فنحاص الكتاب قد احتاج ربكم فسنفعل5 سنمده، قال أبو بكر: فهممت أن أمده بالسيف وهو متوحشه ثم ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ} إلى قوله: {أَذىً كَثِيرًا} في يهود بني قينقاع.
وأما السدي فساق القصة كسياق محمد بن إسحاق وقال: فنحاص بن عازورا، وزاد بعد قوله: والإنجيل: فآمن وصدق وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب والباقي سواء إلا أنه قال: وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقا إن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ولم يتعرض لذكر الوفاق6.
1 وكذلك الواحدي "ص128"، والظاهر أنه نقل منه، ويبدأ نقله من قوله: دخل أبو بكر
…
2 ذهب اللفظ في الأصل إلا بقايا "هاء" وبما أثبت يتصل السياق.
3 "1/ 209".
4 طمست في الأصل، والاستدراك من "الدر""3/ 397".
5 لم ينقط الفعل في الأصل، وهذا ما رجحت أن يكون، ولم يرد في "الدر" وكذلك قوله: سنمده.
6 كذا في الأصل، وعليه إشارة لحق، وفي الهامش:
…
فقط، ولم أعرف المقصود من "الوفاق" ولعله محرف عن: الباقي.
وأخرج عبد بن حميد وغيره1 من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: نزلت في اليهود صك أبو بكر وجه رجل منهم وهو الذي قال أن الله فقير ونحن أغنياء، وهو الذي قال يد الله مغلولة. قال شبل: بلغني أنه فنحاص اليهودي.
وعند عبد الرزاق2 عن معمر عن قتادة [لما نزلت: من ذا الذي يقرض الله] 3 قرضا حسنا قال اليهودي: إنما يقترض الفقير من الغني. زاد ابن المنذر4 من طريق سعيد عن قتادة: ذكر لنا أنها نزلت في حيي بن أخطب.
263-
قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} [الآية: 183] .
قال الثعلبي: قال المفسرون: كانت الغنائم والقرابين لا تحل لبني إسرائيل فكانوا إذا قربوا [قربانا أو قربوا] 5 غنيمة فتقبل منهم ذلك جاءت نار بيضاء من السماء [.....] 6 وحفيف فتأكل ذلك القربان وتلك الغنم [فيكون ذلك علامة القبول] 7 فإن لم تقبل تبقى على حالها.
قلت:
1 انظر "تفسير الطبري""7/ 443""8303-8304" والواحدي "ص129" و"الدر المنثور""3/ 397" وشبل هو ابن عباد: ثقة. انظر "التقريب""ص263".
2 وعنه الطبري "7/ 444""8308".
3 طمست العبارة في الأصل واستدركتها من الطبري، وهذه الآية "245" من سورة البقرة تقدمت قريبًا.
4 ومن قبله الطبري "7/ 444""8307".
5 عراها سواد فلم تفهم وهذا ما رجحت أن تكون.
6 عبارة لم أتبينها.
7 ذهبت العبارة إلا خيالًا، وهذا ما تبينته.
أخرج ابن1 المنذر2 من طريق محمد بن ثور عن ابن جريج قال: كان من كان قبلنا من الأمم يقرب أحدهم القربان [فإن] تقبل منهم جاءت [نار من] السماء بيضاء فأكلته، فإن لم يتقبل [لم تأت تلك النار] فيعرف أنه [لم يقبل منهم][......]3.
[وأخرج] 4 ابن أبي حاتم من طريق أبي يزيد النعمان بن قيس المرادي5 عن العلاء بن بدر6 قال: كانت رسل تجيء بالبينات، ورسل علامة نبوتهم أن يضع أحدهم لحم البقر على يده فتجيء نار من السماء فتأكله فأنزل الله تعالى:{قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} الآية.
قال: قلت للعلاء: كيف قال لهم {فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} وهم لم يدركوا ذلك؟ قال: لموالاتهم قتلة الأنبياء.
ولابن أبي حاتم7 من طريق العوفي عن ابن عباس: كان الرجل يتصدق فإذا تقبل منه نزعت عليه نار من السماء فأكلته.
ومن طريق جويبر عن الضحاك قالوا: يا محمد إن أتيتنا بقربان تأكله النار
1 من هنا إلى قوله "ابن أبي حاتم" كتب في الهامش.
2 عزاه عليه وحده السيوطي "2/ 398" وما بين المعقوفين طمس في الأصل واستدركته منه.
3 كلمات طمست لعلها تتمة الخبر.
4 زيادة مني ليتصل الكلام، وهي لا بد أنها في الكلمات المطموسة.
5 وثقه يحيى بن معين وقال أحمد: صالح الحديث انظر "الجرح والتعديل""8/ 446" وقد سكن البخاري في "الكبير""8/ 78".
6 نسب هنا إلى جده واسم أبيه: عبد الله وهو ثقة، أرسل عن علي انظر "التهذيب""8/ 185" و"التقريب""435".
7 وكذلك للطبري "7/ 448-449""8310".
صدقناك وإلا فلست بنبي فنزلت، وقوله:{وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} ، أي: القربان الذي تأكله النار.
وذكر الثعلبي1 عن ابن الكلبي قال: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن التابوت وفنحاص بن عازورا وحيي بن أخطب. قالوا: يا محمد إنك تزعم أن الله بعثك إلينا رسولا وأنزل عليك كتابا. وإن الله أنزل علينا في الترواة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فنزلت.
وذكر [الثعلبي] 2 عن السدي قال3: أمر الله بني إسرائيل في التوراة من جاءكم من أحد يزعم [أنه] 4 رسول الله فلا تصدقوه حتى يأتيكم بقربان تأكله النار حتى يأتيكم المسيح5 ومحمد فإذا أتياكم فآمنوا بهما فإنهما يأتيان بغير قربان. قال الله قل يا [محمد] 6 إقامة للحجة عليهم قد جاءكم أيها اليهود رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم [......] 7 فلم قتلتموهم وأراد بذلك أسلافهم فخاطبهم بذلك أنهم رضوا فعل أسلافهم.
قال الثعلبي: فمعنى الآية تكذيبهم إياك يا محمد مع علمهم بصدقك كقتل أسلافهم الأنبياء مع إتيانهم بالقربان والمعجزات.
1 وكذلك الواحدي "ص129" ثم القرطبي "4/ 188".
2 طمس اسم القائل إلا بقايا رجحت منها أنه الثعلبي.
3 وقد نقل هذا القول غير منسوب إلى قائل: القرطبي "4/ 188-189" وفيه كلام عليه فانظره.
4 طمست، وبما أثبت يتصل السياق.
5 لم أتبين الاسم في الأصل تماما، وقد أثبته اعتمادا على ما قاله الحافظ.
6 ذهب في الأصل، والسياق يقتضي ما أثبت.
7 كلمة ذهبت!
قلت: إن ثبت هذا الذي نقله السدي من أنهم حذفوا من التوراة استثناء المسيح ومحمد أزال أشكالًا كبيرًا.
264-
قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا} [الآية: 186] .
تقدم قريبا في قصة أبي بكر مع فنحاص.
وروينا في "حديث الزهري" جمع الذهلي1 من طريق الزهري2 عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالكعن أبيه أن كعب بن الأشرف كان شاعرا وكان يؤذي3 النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وبها المشركون واليهود فأراد أن يستصلحهم وكانوا يؤذونه وأصحابه أشد الأذى فأمره الله بالصبر على ذلك منهم وأنزل: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا} .
وأخرجه عبد الرزاق4 في "تفسيره" عن معمر عن الزهري ولم يذكر أحدا قوله5.
وشاهده في "صحيح البخاري"6 من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار، وتحته قطيفة، فذكر القصة، وفيها: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
1 ومن طريقه أخرجه الواحدي "ص129-130".
2 قال الحافظ في "الفتح""7/ 337" في باب قتل كعب بن الأشرف: "روى أبو داود والترمذي من طريق الزهري" وأورد هذا الخبر وليس فيه ذكر الآية.
3 في الواحدي والفتح: يهجو، وكأن الحافظ غيرها هنا، وما فعله حسن.
4 وعنه الطبري "7/ 456-458""8317".
5 هذه الكلمة تحتمل أن المتن من "قول" الزهري وتحتمل أن تكون محرفة عن "فوقه" والله أعلم.
6 في كتاب "التفسير""الفتح""8/ 230-231" وقد نقله الواحدي "ص130-131".
يعفون1 عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى قال الله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيرًا} إلى آخر الآية.
265-
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [الآية:187] .
يأتي في الذي بعده.
266-
قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [الآية: 188] .
1-
أخرج البخاري2 من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا له وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت.
وأخرجه أيضا مسلم3 وابن حبان4 من هذا الوجه.
ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فقصر به، لم يذكر عطاء بن يسار
1 طمست في الأصل واستدركتها من البخاري.
2 في "صحيحه"، كتاب "التفسير" "الفتح" "8/ 233" قال: "حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثني زيد
…
" ومن طريقه الواحدي "ص131".
ملاحظة: انظر تحقيقا نفسيا عن رافع بواب مروان نقله السخاوي عن شيخه ابن حجر في ترجمته له في "الجواهر والدرر""1/ 272-280" جوابا على سؤال القاضي جلال الدين البلقيني.
3 في "صحيحه"، كتاب "صفات المنافقين وأحكامهم""4/ 142".
4 انظر "الإحسان"، كتاب "السير"، باب الخروج وكيفية الجهاد "11/34" "4732" وقال محققه:"إسناده صحيح على شرط مسلم".
أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" من طريق الليث عنه1 عن زيد بن أسلم قال: كان أبو سعيد وزيد بن ثابت عند مروان فقال: يا أبا سعيد أرأيت قول الله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} ونحن نفرح بما أوتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد: إن هذا ليس من ذلك إنما ذلك أن ناسا من المنافقين فذكر الحديث وفيه: فإن كان فيهم نكبة فرحوا بتخلفهم، وإن كان لهم نصر حلفوا لهم ليرضوهم، ويحمدونهم على سرورهم بالنصر.
فقال مروان: أين هذا من هذا؟ فقال أبو سعيد: وهذا يعلم ذلك فقال مروان: أكذلك يا زيد؟ قال: نعم صدق أبو سعيد. ثم قال أبو سعيد: وهذا يعلم ذلك -يعني رافع بن خديج- ولكنه يخشى إن أخبرك أن تنزع قلائصه في الصدقة. فلما خرجوا قال زيد بن ثابت لأبي سعيد: ألا تحمدني على ما شهدت لك؟ فقال: شهدت بالحق فقال: أولا تحمدني إذا شهدت بالحق.
وأخرجه ابن مردويه2 والثعلبي من طريق عبد العزيز بن يحيى المدني عن مالك عن زيد بن أسلم عن رافع بن خديج أنه كان هو وزيد بن ثابت عند مروان وهو أمير المدينة يومئذ. فقال مروان لرافع: في أي شيء أنزلت هذه الآية {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} ؟ فقال رافع: أنزلت في أناس من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في سفر تخلفوا عنه فأنكر مروان ذلك وقال: ما هذا فجزع رافع وقال لزيد بن ثابت: أنشدك بالله هل تعلم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال زيد: نعم. فخرجا من عند مروان فقال زيد لرافع -وهو يمزح معه-: أما تحمدني لما شهدت لك؟ فقال رافع: وأي شيء هذا أحمدك على أن تشهد بالحق! قال زيد: نعم قد حمد الله
1 في الأصل: "عنهما" وهو خطأ. وهشام -كما في "التقريب""ص572"-: "صدوق له أوهام رمي بالتشيع".
2 وكذلك عبد بن حميد في "تفسيره". انظر "اللباب""ص62".
على الحق أهله.
قلت: عبد العزيز بن يحيى ضعيف جدًّا1. ورواية هشام أصح؛ لأنها موافقة لرواية محمد بن جعفر بن أبي كثير المخرجة في الصحيح.
ودلت هذه الرواية على أن مروان كان يكرر السؤال على هذه الآية؛ لأن في الصحيح2 من طريق ابن أبي مليكة أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرىء يفرح بما أتى وأجب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعين3! فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه؟ إنما أنزلت هذه في أهل الكتاب ثم تلا {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} قال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بالذي سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه.
وكذا أخرجه أحمد4 ومسلم5 والترمذي6 والنسائي7 وغيرهم.
1 انظر ترجمته في "التهذيب""6/ 363" وفي "التقريب""ص359": "متروك كذبه إبراهيم بن المنذر".
2 في الأصل: "الصحيحين" وهو خطأ؛ لأنه سيقول بعد إيراد الحديث: وكذا أخرجه أحمد ومسلم.
انظر "فتح الباري""8/ 233" وفي النقل تصرف وجمع بين ألفاظ البخاري ومسلم.
والحديث رواه الواحدي. انظر "الأسباب""ص132".
3 في البخاري: أجمعون.
4 في "مسنده""1/ 298".
5 في "صحيحه""4/ 2143".
6 في "جامعه""5/ 217".
7 في "التفسير""ص40" الرقم "106" عزاه إليه في "التحفة""4/ 381".
ويمكن الجمع بين الحديثين بنزول الآية في حق المنافقين وفي أهل الكتاب1.
3-
قول آخر: ذكر ابن إسحاق2 عن محمد مولى زيد بن ثابت عن عكرمة قال في قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية قال: يعني فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار الذين يفرحون بما يصيبون من الدنيا على ما زينوا للناس من الضلال ويحبون أن يحمدوا أن يقول3 لهم الناس علماء وليسوا بأهل علم.
4-
قول آخر: قال عبد الرزاق4 عن الثوري عن أبي الجحاف5 عن مسلم البطين6: سأل الحجاج جلساءه عن هذه الآية والتي بعدها {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} و {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} فقالوا: الأولى كتمانهم محمدا، والثانية: قولهم أنهم على دين إبراهيم.
وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق شريك عن أبي الجحاف لفظه: يقولون نحن على دين إبراهيم وليسوا كذلك.
1 هذا رأي القرطبي من قبل انظر "تفسيره""4/ 195"، وانظر كلام الحافظ في ذلك في "الفتح""8/ 233" -وقد نقله السيوطي في "اللباب""ص63"- وكلام ابن كثير في "التفسير""1/ 437" ورأى أن القول بنزولها في المنافقين متكلف، والسياق يشهد للقول الثاني وهو نزولها في أهل الكتاب وقد رد الباحث عبد الرحيم أبو علبة هذا القول أيضا وذهب إلى أن الآية لا سبب لها بحجة أنه لم يذكر حدث معين ولكثرة الأقوال في الذي أتوه -أي: اليهود- انظر كتابه "أسباب نزول القرآن""ص198-204".
وهو محجوج بالحديث الصحيح عن ابن عباس الذي ينص على حدث معين وهو سؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن شيء، وأما كثرة الأقوال في أمر فلا يعني أن نردها كلها!
2 وعنه الطبري "7/ 466""8337".
3 في الأصل: يترك وهو تحريف.
4 أخرجه عنه الطبري "7/ 468""8343".
5 هو داود بن أبي عوف: صدوق شيعي ربما أخطأ انظر "التقريب""ص199".
6 هو ابن عمران، أبو عبد الله الكوفي ثقة من رجال الستة. "التقريب""ص530".
5-
قول آخر: أخرج عبد الرزاق1 عن معمر عن قتادة إن أهل خيبر أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا على رأيك ودينك وإنا لكم ود2 فأكذبهم الله وقال: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية.
وأخرجه عبد بن حميد من رواية شيبان عنه3 نحوه4.
6-
قول آخر5: أخرج عبد بن حميد من طريق جويبر عن الضحاك6: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق ويهود اليمن ويهود الشام ومن بلغهم كتابهم من أهل الأرض: أن محمدا ليس بنبي واثبتوا على دينكم7 وأجمعوا كلمتكم على ذلك، فاجتمعت كلمتهم على الكفر بمحمد والقرآن وفرحوا7 بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا [وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله. وذلك قول الله تعالى] 8 {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} من العبادة كالصوم والصلاة وغير ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عباد بن منصور سألت الحسن عن قوله {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} قال: هم يهود خيبر قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للناس حين خرجوا إليهم: إنا قد قبلنا الدين ورضينا به. فأحبوا أن يحمدوا بما لم
1 وعنه الطبري "7/ 471""8351".
2 في الطبري: ردء وكلا الوجهين جائز.
3 ذهبت في التصوير.
4 وانظر رواية سعيد عنه في الطبري "7/ 471""8350".
5 سقط من الأصل.
6 نقله عنه الواحدي "ص132-133" بدون سند.
7 ذهبت في التصوير وأثبتها من الواحدي.
8 زيادة لازمة ليست في الأصل، زدتها من الواحدي.
يفعلوا1.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق مغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي في هذه الآية: قال ناس من اليهود، جهزوا جيشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم2 من طريق أفلح بن سعيد3 عن محمد بن كعب قال: كان في بني إسرائيل رجال عباد فقهاء فأدخلتهم الملوك عليهم فرخصوا لهم فأعطوهم، فخرجوا وهم فرحون4 بما أخذوه5.
وأخرجا6 من طريق أبي المعلى7 سمعت سعيد بن جبير قال: أولئك اليهود فرحوا بما أعطى الله تعالى آل إبراهيم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق8 ابن أبي نجيح عن مجاهد هم يهود فرحوا بإعجاب [الناس] بتبديلهم الكتاب وجحودهم إياه.
267-
قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [الآية:190] .
أخرج عبد بن حميد عن الحسن بن موسي عن يعقوب القمي عن جعفر بن
1 موضع هذا في القول الخامس فقول الحسن هنا كقول قتادة هناك.
2 عزاه إليه في "الدر""2/ 406".
3 قال في "التقريب""ص114": "صدوق".
4 في الأصل: "فرحين" ووضع الناسخ عليها: كذا.
5 كتب الناسخ هنا رمزا لم يتضح لي، وكتب على "إبراهيم": إلى.
6 لعله يقصد: عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
7 هو يحيى بن ميمون الضبي، مشهور بكنيته، ثقة مات سنة "132" انظر "التقريب""ص597".
8 وهم الناسخ هنا فكتب: "أفلح" إلى "إسرائيل" كما سبق ثم شطب عليه.
أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: انطلقت قريش إلى اليهود فسألوهم ما أتى به موسى من الآيات؟ فذكروا عصاه ويده، وأتوا النصارى "فقالوا"1: كيف كان عيسى؟ فقالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا فأنزل الله تعالى هذه الآية2.
وأخرجه ابن أبي حاتم والطبراني3 من رواية يحيى بن عبد الحميد عن يعقوب موصولا يذكر ابن عباس فيه، والمرسل أصح4.
268-
قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [الآية: 195] .
أخرج الترمذي5 والحاكم6 من طريق عمرو بن دينار7 عن أبي عمر بن أبي سلمة -رجل من ولد أم سلمة- قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ
1 زيادة مني.
2 رجاله ثقات إلا يعقوب وهو صدوق يهم. انظر "التقريب""ص608" وقد مر هذا السند مرارًا.
3 وكذلك الواحدي "ص133". وقال الهيثمي في "المجمع""6/ 329": "رواه الطبراني وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف".
4 عزاه ابن كثير إلى الطبراني ثم قال "1/ 438": "وهذا مشكل فإن هذه الآية مدنية، وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة والله أعلم" وكذلك قال ابن حجر في "الفتح""8/ 235" وأجاب عنه فقال: "وعلى تقدير كونه محفوظا وصله ففيه إشكال من جهة أن هذه السورة مدنية، وقريش من أهل مكة. قلت: ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة".
5 في "جامعه""5/ 221""3023".
6 في "المستدرك""2/ 300" وقال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
7 ومن طريقه رواه الواحدي أيضا "ص133".
عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} في رواية الحاكم سلمة بن عمر1 بن سلمة.
وقال عبد الرزاق2 في "تفسيره" أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت رجلا من ولد أظنه قال أم سلمة فذكره.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: لا نستشهد ولا نقاتل ولا نقطع الميراث فنزلت {أَنِّي لا أُضِيعُ} 3.
269-
قوله تعالى: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [الآية 196] .
قال الثعلبي: نزلت4 في مشركي العرب، وذلك؛ لأنهم كانوا في رخاء من العيش فقال بعض المؤمنين: أعداء الله فيما نرى من الخير، وقد هلكنا من الجوع! فنزلت.
270-
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ} [الآية: 199] .
1 لم يذكر "ابن عمر" في "المستدرك المطبوع".
2 وعنه الطبري "7/ 487""8368" وليس فيه "أظنه قال".
وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور أيضا. انظر "اللباب""ص63".
3 قلت: إن السياق يدل على أن الاستجابة في قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} كانت لدعاء أولي الألباب السابق ذكرهم في الآيات، وظاهر الرواية هنا أن الاستجابة كانت لقول أم سلمة وفي ذلك بعد إلا أن نقول: أن قول أم سلمة لم يكن سببا مباشرا وأن الله عز وجل استجاب لها في هذا الفصل القرآني العظيم حين اقتضت حكمته نزوله على نبيه.
وسيأتي قول أم سلمة في سبب نزول الآية "32" من سورة النساء فانظره.
4 أورده الواحدي "ص134" ولم يعزه إلى قائل، وقال المناوي في "الفتح السماوي" "1/ 447":"لم أقف عليه".
نزلت في النجاشي وذلك أنه لما مات نعاه جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه، فقال لأصحابه:"اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم"، فقالوا: ومن هو؟ قال: "النجاشي". فخرج إلى البقيع فكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي، وصلى عليه، فكبر أربع تكبيرات واستغفر له، وقال لأصحابه:"استغفروا له". فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على حبشي نصراني لم يره قط، ولم يكن على دينه، فأنزل الله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وينظر في تفسير البقرة من قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} 1".
وأخرج الدارقطني2 في "الأفراد"3 من رواية معتمر عن حميد عن أنس قال:
1 الآية "115".
2 قلت: وقد نقل عنه هذا في "الإصابة" في ترجمة النجاشي تحت اسم أصحمه "1/ 109" وأضاف إليه ذكر ابن شاهين ولكن لم ينتقده كما انتقده هنا.
3 انظر عن هذا الكتاب ما كتبه الأخ الفاضل مظفر شاكر الحياني في رسالته "الإمام الدارقطني وجهوده في الحديث وعلومه""ص186-191".
وقد قرأ الحافظ بعض أجزائه على بعض مشايخه وذكر أنه في مائة جزء. انظر كتابه "المعجم المفهرس""ص195-196" ورتبه الإمام أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي "ت507هـ" وسماه "أطراف الغرائب والأفراد" وقفت على مصورة منه عن نسخة دار الكتب المصرية في "361" ورقة كتبت في سنة "581هـ".
والحديث المذكور في "مسند أنس" من هذا الكتاب الورقة "73ب"، وقد أخرجه كذلك الواحدي في الأسباب" "ص135".
استطراد: كان هذا الكتاب "أطراف الغرائب" لشخصية بغدادية فقد جاء على غلافه: "ملكه عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي رحمة الله عليه" ثم آل إلى الإمام الزبيدي شارح "القاموس" و"الإحياء" في القاهرة فقد جاء على الغلاف أيضا: "اقتناه من تركة ابن العجمي وأبقاه على وقفيته الفقير محمد مرتضى أبو الفيض الحسيني غفر له بمنه وكرمه" ثم صوره الشيخ صبحي السامرائي وأعاده إلى بغداد وهكذا الأيام دول! يسر الله له من يخدمه وينشره.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي". فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج1 من الحبشة! فأنزل الله {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية".
قال الدارقطني2: "تفرد به معتمر ولا نعلم رواه عنه غير3 أبي هاني أحمد بن بكار4" كذا قال! وقد أخرجه ابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن حميد، وله طريق أخرى عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال: لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "استغفروا لأخيكم". فقال بعض القوم: يأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة! فنزلت {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ} الآية".
وهو من رواية مؤمل5 بن إسماعيل عن حماد وفيه لين.
وأخرجه6 عبد بن حميد عن سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن7، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن عائشة8 عن حماد.
1 العلج: الرجل من كفار العجم انظر "القاموس""ص254".
2 في "الأطراف": "غريب من حديث حميد عن أنس تفرد به أبو المعتمر" وقوله: "أبو المعتمر" خطأ، فالراوي عن حميد معتمر بن سليمان انظر "التهذيب""10/ 227".
3 سقط "عنه" من "الأطراف".
4 ذكر في "التهذيب""1/ 20" تمييزا قال ابن حبان في "الثقات": "مستقيم الحديث" وقال الحافظ في "التقريب""ص78": "صدوق".
5 مر ذكره في الآية "100" من هذه السورة.
6 في الأصل: وأخرج وهو خطأ.
7 رجاله ثقات كلهم في "التهذيب".
8 هو عبيد الله بن محمد بن حفص قال في "التقريب""ص374": "قيل له: ابن عائشة، والعائشي، والعيشي، نسبة إلى عائشة بنت طلحة؛ لأنه من ذريتها، ثقة جواد رمي بالقدر ولم يثبت، مات سنة "228".
وقال عبد الرزاق1: أنا معمر عن قتادة: نزلت في النجاشي وأصحابه2.
وأخرج عبد بن حميد من رواية شيبان3 عن قتادة نحوه، وزاد: وكانوا على شريعة من الحق يقولون في عيسى ما قال الله عز وجل ويؤمنون برسول الله ويصدقون بما أنزل الله فيه، وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي حين بلغه موته.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد: نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب4.
وأخرج الطبراني في "الأوسط" من طريق عبد الرحمن5 بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم موت النجاشي قال: "اخرجوا فصلوا على أخ لكم" فخرجنا وتقدم فصلى وصلينا فلما انصرف قال المنافقون: انظروا إلى هذا خرج فصلى على علج نصراني لم يره قط! فأنزل الله عز وجل فيه الآية".
وأخرجه أيضا من رواية قطن6 بن خليفة عن عطية عن أبي سعيد نحوه.
وأخرج الطبراني في "الكبير"7 من حديث وحشي بن حرب نحوه لكن قال: فقال رجل: يا رسول الله كيف نصلي عليه وقد مات في كفره فقال: "ألا تسمعون إلى
1 وعنه الطبري "7/ 498""8379".
2 لاحظ أنه لم يقيد القول هنا بموت النجاشي.
3 في الأصل: سفيان وهو تحريف.
4 كان ينبغي إفراد هذه الرواية بقول؛ لأنها عامة ولا تعين أحدا.
5 ضعيف مر في "الفصل الجامع" وانظر "مجمع الزوائد" للهيثمي "3/ 38-39".
6 لم أجده.
7 انظر "22/ 136""361". وقال الهيثمي في "المجمع""3/ 39": "فيه سليمان بن أبي داود الحراني وهو ضعيف".
قول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآية" 1.
2-
وأخرج سنيد2 من طريق ابن جريج: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه.
وأخرج الطبري3 من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحوه4.
271-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الآية:200] .
أخرج الحاكم5 من طريق مصعب بن ثابت حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية؟ قلت: لا قال يا ابن أخي:
1 وهذا يعني أن الآية نازلة قبل موته وهذا لا يمنع أن تكون قد عنته فيمن عنت في أثناء حياته، وقد يدعم هذا أن وفاته متأخرة وهذه السورة نزلت قبل النصف الأول من الهجرة جاء في "الإصابة" "1/ 109" في وفاة النجاشي:"قال الطبري وجماعة: كان ذلك في رجب سنة تسع، وقال غيره: كان قبل الفتح".
2 وعنه الطبري "7/ 498""8382".
3 "7/ 498-499""8383".
4 قلت: وكان الأستاذ دروزة قد ذكر هذه الأقوال في سبب نزول هذه الآية ثم قال "8/ 204": "والآية على أية حال تحتوي تقرير حقيقة واقعية تكررت الإشارة إليها في الآيات المكية والمدنية وهي إيمان وتصديق أشخاص عديدين من أهل الكتاب نصارى ويهود برسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم واندماجهم في الإسلام وإخلاصهم كل الإخلاص.
ويتبادر لنا أن الآية استهدفت مع تقرير تلك الحقيقة الاستدراك على ما جاء في الآيتين "186-187" من تنديل بأهل الكتاب الذين يناوئون الدعوة النبوية ويؤذون المسلمين ويكتمون ما عندهم من بينات والله وينبذون بذلك الميثاق الذي أخذه عليهم
…
" إلخ كلامه. "5" في "مستدركه" "2/ 301" وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
[إني سمعت أبا هريرة يقول] 1: لم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة.
قلت: أورده الواحدي2 وليس من شرطه.
"آخر ما في سورة آل عمران"3
1 ساقط من الأصل، استدركته من الحاكم.
2 "ص135".
3 زدت هذه العبارة قياسا على فعل المؤلف في آخر سورة البقرة.