الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الأولى:
في التعريفات
المتعلقة بعنوان هذه المحاضرة، (1) والتي هي " العلماء هم الدعاة ".
أ -
مفهوم العلماء وسماتهم:
فالعلماء المقصود بهم: العالمون بشرع الله، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدى وبصيرة، على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلف الأمة، الداعون إلى الله بالحكمة التي وهبهم الله إياها:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة: من الآية 269) .. والحكمة: العلم والفقه.
فعلى هذا؛ فالعلماء بهذا التعريف: هم الدعاة بداهة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم الدعاة، فأجدر من يتصدر الدعوة بعد الأنبياء- وقد انقضت النبوة وانتهت-: هم العلماء وذلك:
أولا: لأنهم ورثتهم. والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، إنما ورثوا هذا العلم. والدعوة إنما تكون بالعلم، فأهل العلم هم الدعاة.
ثانيا: العلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية بفقهه وبعلمه وبقدوته، فعلى هذا، فالعلماء هم أجدر الناس بالدعوة.
(1) ألقيت هذه المحاضرة بمسجد القدس بحي الروابي بالرياض في جمادى الثانية 1412هـ
ثالثا: العلماء هم أهل الحل والعقد في الأمة، وهم أولوا الأمر الذين تجب طاعتهم، كما قال غير واحد من السلف في تفسير قوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} النساء: 59،. قال مجاهد: هم أولوا العلم والفقه. (1) . وإذا كانوا هم أولوا الأمر فولايتهم للدعوة من باب أولى.
رابعا: العلماء هم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى، على دينها، وعلى دنياها وأمنها؛ ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنون على الدعوة وشئونها.
خامسا: العلماء هم أهل الشورى الذين ترجع إليهم الأمة في جميع شئونها ومصالحها. وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة- في دينها ودنياها- فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها.
سادسا: العلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم، وشرف ومنزلة رفيعة، كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة: 24،. والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة. وما الدين إلا بالدعوة، وما الدعوة إلا بالدين..
(1) أخرجه أبو خيثمة في (العلم) ، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، بلفظ:«هم الفقهاء والعلماء» ، وله لفظ آخر:«أصحاب محمد، أهل العلم والفقه والدين» عزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر واشتهر هذا التفسير عن غير واحد من السلف. قال ابن عباس:(أهل العلم) أخرجه ابن عدي في «كامله» . وقال جابر بن عبد الله: (أولي الفقه وأهل الخير) أخرجه الحاكم وصححه. وقال أبو العالية: (هم أهل العلم) أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير، وزاد ابن كثير: عن عطاء والحسن البصري.
سابعا: العلماء هم أهل الذكر، والذكر بالعلم والدعوة، كما قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} النحل: 43. فعلى هذا هم أهل الدعوة إلى الله تعالى.
ثامنا: العلماء أفضل الناس كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة:11. وأفضل الناس هو الداعي إلى الله.
تاسعا: العلماء هم أزكى الناس، وأخشاهم لله، كما قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فاطر 28،. وإذا كانوا هم كذلك، فهم الأجدر أن يكونوا هم الدعاة على هذه الصفات، وهم الأجدر أن يكونوا هم القادة والرواد في الدعوة.
عاشرا: العلماء هم الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر بالعلم والحكمة، إذا فالعلماء هم الدعاة.
حادي عشر: العلماء هم شهداء الله الذين أشهدهم الله على توحيده، وقرن شهادتهم بشهادته- سبحانه- وبشهادة ملائكته؟ وفي هذا تزكيتهم وتعديلهم، فقال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} ومن كانوا كذلك فهم المؤتمنون على الدعوة، وهم الأَوْلَى بقيادتها وريادتها.
هذا على وجه العموم، فالعلماء هم أهل هذه الخصال. ولا يلزم أن تتوفر كل هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله- سبحانه- لكنهم في الجملة- أي العلماء- لاشك أنهم المتميزون بهذه الصفات الجديرون بها.
**بطلان دعوى خلو الأرض من العلماء القدوة**
والعلماء لا يمكن أن تخلو الأرض منهم، وهذا دفعا لدعوى قد يدعيها بعض الجهلة ممن ينتسبون للدعوات والحركات المعاصرة وغيرهم وهي زعم بعضهم: أنه لا يوجد علماء قدوة، أو أن العلماء الذين يمكن الاقتداء بهم: مفقودون، أو أنهم يتهمون بمطاعن تسقط اعتبارهم، أو نحو هذا من الدعاوى التي لا تجوز شرعا- بل هي مخالفة للواقع، ومخالفة لصريح النصوص، فإن الله- سبحانه وتعالى تكفل بحفظ هذا الدين، وتكفل بحفظ طائفة من الأمة تبقى ظاهرة منصورة، أمرها بَيِّن- وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بأهل الحجة والقدوة. وهم العلماء، والصفات التي ذكرتها، تتوفر في كل مكان، وكل وقت بحسبه- قوة وضعفا- لكن لا يمكن أن يخلو كل الزمان وكل المكان في الأرض من العلماء- كما ذكرته- إلى قيام الساعة.