المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خامسا: فصل الشباب عن مشايخهم وعن علمائهم - العلماء هم الدعاة

[ناصر العقل]

الفصل: ‌خامسا: فصل الشباب عن مشايخهم وعن علمائهم

‌خامساً: فصل الشباب عن مشايخهم وعن علمائهم

، ومن ثم حجبهم عن النظرة الشرعية الشمولية للدعوة إلى الله- سبحانه وتعالى وغاياتها ومناهجها، وحجبهم عن الاهتداء بهدي أئمة السنة قديماً وحديثاً. بل إن بعض الجماعات تربي شبابها على جوانب من مناهج السلف تخدم أهدافها، أو تخدم الجماعة وشعاراتها، وتغفل الجوانب الأخرى والسنة والعلم وسير أهل العلم، وهذه من أساليب أهل الأهواء وأهل البدع، يأخذون من الأئمة ما يحلو لهم من قول أو فعل، ويتركون الباقي. وهذا خلل في النظرة وخلل في المنهج.

ص: 21

سادساً: نتج عن الفصل بين الدعاة والعلماء: كثرة الشعارات والأهواء والانتماءات والافتراقات والعصبيات للجماعات أو للأشخاص مع العلم بأن الأمة لا يجمعها على السنة والخير إلا علماؤها، ومهما بالغت الفرق، أو مهما بالغت الجماعات والدعاة في أي مكان وفي أي زمان للسعي إلى جمع المسلمين دون الاسترشاد بأهل العلم، ودون أن يجعلوا العلماء قادة وموجهين ومرشدين وأئمة للدعوات، فإن الشمل لن يجتمع. نعم لن يجتمع شمل الأمة إلا بالالتفاف حول علمائها، مهما بلغت الدعوات من السعي إلى وسائل الجمع وأساليبه. وهذا الخلل سبب رئيسي في كون الجماعات تتنافر ولا تتفاهم، وتفترق وتفرِّق أكثر مما تجتمع وتجمع.. وواقعها شاهد على ذلك.

ص: 22

سابعاً: نتج عن العزلة بين العلماء وبعض الدعوات المعاصرة- أقول البعض حتى لا نظلم الذين هم على الاستقامة- أن نشأت لبعض الدعوات مناهج وأفكار وكتب ومؤلفات معزولة عن السنن، وعن العلوم الشرعية بشموليتها. بل وحتى بتفصيلاتها. وصارت كل طائفة تأخذ من العلوم الشرعية ما يناسب أوضاعها. وهذا أسلوب من الأساليب الخاطئة التي تخالف منهج السلف، وحتى نشأ للدعوة في العالم الإسلامي علم يشبه علم الكلام لدى الجماعات في ارتباطه بالأهواء والأشخاص، لا بارتباطه بالسنة وبالأئمة.

وقد برزت في الآونة الأخيرة، نتيجة لهذا الفصل بين الدعاة والعلماء دعوات كبرى، قوامها وركائزها، رؤساء ليسوا بعلماء، وتعتمد على أفكار وحركات محدثة، تخالف هدي الإسلام، وعلى عواطف لا تضبطها القواعد الشرعية ولا المصالح المعتبرة.

ص: 23

ثامناً: كما نتج عن هذا التقصير في طلب العلم الشرعي على أصوله وعلى مناهجه السليمة الصحيحة، بل ونتج من ذلك عند أصحاب الدعوات التي تفصل بين العلماء والدعاة الحيلولة بين أتباعها وبين تحصيل العلم من المشايخ. بل كثيراً ما ترد إشكالات من بعض الشباب في شتى بلاد العالم الإسلامي، ناتجة من صرف بعض الدعاة لأتباعهم عن العلماء بذرائع شتى، حتى أن بعضهم قد يعاقب الشاب الذي ينتمي إليه لماذا جلس يطلب العلم الشرعي على الشيخ فلان!!

ونتيجة لذلك حصل الخلل في المفهوم، فقد فهم بعض الدعاة- هداهم الله- بسبب العزلة بينهم وبين المشايخ أن المشايخ خصوم أو أعداء للدعوة، أو أن لديهم ما يضر بالمنتسب للدعوة، أو ما يشوش أفكاره عليها. وسبب ذلك أن في دعواتهم أمراضاً ومصائب لا يرضاها العلماء، وقد ينتقدونها. ومن هنا تعللوا بصرف شبابهم عن العلماء وأهل العلم والفقه في الدين.

ص: 24

وفي الآونة الأخيرة لما رأى بعضهم عوار هذا النهج صاروا يوجهون شبابهم إلى المشايخ لأخذ العلم عنهم فقط دون ما يتعلق بالمناهج والقضايا الدعوية والتربوية ونحوها، وهذا من مسالك أهل الأهواء، وهو مسلك خطير يجب ألا يستمر عليه من ينشد الحق والإصلاح، ولذلك وجب مناصحة أولئك الدعاة وبيان الحق لهم.

ص: 25

تاسعاً: في بعض الدعوات التي تسلك هذا المسلك ظهرت فئام من الجماعات والدعاة والشباب في البلاد الإسلامية وغيرها عددها ليس بالقليل، تجد قادتهم على قلة في الفقه وضعف في العلم، أو تتلمذوا على الأقل علماً واتخذوا شيوخهم من الأصاغر، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حيث قال:«إن من أشراط الساعة: أن يُلتمس العلم عند الأصاغر» ، (1) وهذا- والله أعلم- يشمل الأصاغر في العلم والقدر والسن. وكل ذلك حاصل في هؤلاء ومنهم طائفة يتخذون شيوخهم كتبهم، وما يرشحونه من كتب فكرية أو ثقافية، وأغلب ما تعتمد هذه الجماعات على الكتب الفكرية والثقافية أكثر من الكتب الشرعية، بل فيهم من يتنكر لكتب السلف الصالح.

(1) أخرجه ابن المبارك في الزهد (61) ، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (102) وعزاه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1 / 135) إلى الطبراني في «الأوسط» و «الكبير» وغيرهم، وحسنه الحافظ المقدسي، وصححه غيره. وهو الصواب، فالراوي عن ابن لهيعة ابن المبارك- ورواية العبادلة عنه صحيحة، وهذا منها. والله أعلم. وقد فسر ابن المبارك الأصاغر بأهل البدع كما في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» للالكائي و «الفقيه والمتفقه» للخطيب.

ص: 26

ومنهم من جعلوا قادتهم- مع الأسف- جهالهم، وأحكامهم أهواءهم، مما أدى إلى الخلط وإلى الخبط والاضطراب عند بعض هؤلاء في العقائد وفي الأحكام، وفي المواقف، وفي التعامل مع الَاخرين، وفي النظرة إلى قضايا الأمة الكبرى، وفي التصرفات الطائشة التي تحدث من بعضهم، وفي صدور الأحكام المتعجلة، ونحو ذلك من المظاهر التي نراها في فئة من الشباب، وإن كانت والحمد لله قليلة، لكن القليل في مثل هذه الأمور لا ينبغي الاستهانة به، بل ينبغي علاجه لأنه إذا كثر قد يصعب، بل قد يستحيل علاجه.

ص: 27

المسألة السادسة

كلمة إنصاف

وسأتكلم فيها عن نوعين من الدعاة:

النوع الأول:

غالب الشباب من طلاب العلم الشرعي عندنا في هذه البلاد (أعني المملكة العربية السعودية) ، أشهد أني أرى عليهم علامات الرشد، والالتفاف حول العلماء، والاسترشاد بأهل العلم والتلقي عنهم- وهذه ظاهرة سارة، وهي الأصل، وينبغي أن نشجع الشباب عليها، وسائر طلاب العلم. كما أني أرى من المظاهر السارة للشباب هنا: استقامة العقيدة، واستقامة السلوك، والحرص على تلقي العلم الشرعي بمناهجه وأساليبه الصحيحة من مصادره الأصلية: كتب السلف المستمدة من الكتاب والسنة، وتلقيه على أهله- وهم العلماء- أئمة الدين، والمشايخ الذين هم القدوة، وهذه ظاهرة تبشر بالخير، وهي نتيجة طبيعية لأخذ العلم الشرعي عن أهله، لكن مع ذلك هناك بعض الظواهر التي أشرت إليها والتي هي- أحيانا- قد تكون من النتائج التي تصحب مثل هذا الإقبال الكبير على الخير والحمد لله فإن غرس الله ظهر، وريح الإيمان هبت، وإقبال الشباب منقطع النظير حتى يكاد يكون أكبر من أن يتحكم به بالإرشاد والتوجيه.

ص: 28

وهذا الإقبال على الخير والصحوة المباركة أمر يجب أن نفرح به، وأن نستبشر به في الجملة، وهي علامة خير، ولله في ذلك حكمة يعلمها، ولا يمكن أن يكون هذا الإقبال على الخير مجرد ظاهرة اجتماعية، أو مجرد رد فعل لأوضاع سيئة- كما يقال - الأمر أكبر من ذلك، الأمر هو من مراد الله، ومن سننه التي لا تتبدل ولا تتخلف، فقد بلغ السيل الزبد، وقد طغى الزبد، ولابد أن يذهب الزبد جفاء، ولا يمكن ذهابه إلا بجهود بشر، والبشر الذين يصطفيهم الله لا بد أن يكونوا على علم وفقه في الدين، وأظن أن الله هيأ هذا الجيل الطيب، ليقوم بدور عظيم طالما تخلف عنه المسلمون في هذا العصر من نصرة الإسلام ونصرة الحق، وهذا قدر الله وأمره، وهو سنة الله- ولا راد لسنة الله- لكن مع ذلك قد يأتي مع الخير بعض الشر وبعض الشذوذ مثل: التشدد في الدين، أو الأهواء ونزعات الافتراق، مصداقاً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا بد من علاج هذه الظواهر،، التي تنشأ بشكل طبيعي بين ثنايا الاتجاه العارم إلى الخير.

ص: 29

وقبل أن أخرج إلى مسألة أخرى، أحب أن أنوه عن أمر آخر، وهو أنه بحمد الله يوجد في هذا البلد من المشايخ الذين هم على السنة والاستقامة، من فيهم الخير والكفاية، كما يوجد من طلاب العلم الذين يجمعون بين العلم والقدوة العدد الوافر الذي به ستسترشد وتستنير الدعوات- إن شاء الله-.

ص: 30

النوع الثاني:

وهو الدعوات في العالم الإسلامي الآخر وخارجه، لا بد من كلمة إنصاف في حقها، لأني حين تكلمت عن بعض الظواهر المخالفة للسنة فيها ولديها كان كلامي فيه شيء من العموم، وكان من الأولى أن أنصفها، بأن أقول أو أذكر الجوانب الإيجابية والخيرة في الدعوات في سائر العالم الإسلامي، لكن عذري أن الموضوع متعلق بمسألة معينة: وهي الفصل بين العلماء والدعاة، فكان لا بد من إشعاركم بهذه السمات أو الظواهر الخاطئة ابتداءً.

أما الدعوات المعاصرة في شتى العالم الإسلامي وغير الإسلامي التي تحمل لواء الدعوة، فإنه قد يوجد فيها من هو على السنة أفراداً وجماعات: كأنصار السنة وأهل الحديث وأكثر الجماعات السلفية وغيرها، إن فيها خيراً كثيراً برغم ما يعتريها من نواقص ومن خلل. وإذا قارناها بأحوال المسلمين، فإنها أصلح من أحوال عامة المسلمين، ورجالها ودعاتها وشبابها لاشك أنهم أحسنوا حين قاموا بواجب قصر فيه غيرهم، ويكفيهم أنهم احتسبوا الدعوة إلى الله- سبحانه وتعالى ورفعوا راياتها وتحملوا المشاق والعداء من أجل الإسلام، وانتصروا للإسلام في قضاياه الخارجية والداخلية، كل منهم بقدر جهده وبأسلوبه.

ص: 31

وهذا فضل لهم لا بد أن يذكر ويشكر، وحقهم علينا النصح والإرشاد والتسديد والعون على البر والتقوى والدعاء لهم بالغيب. ثم إن الدعوات المعاصرة ليست كلها وقعت فيما ذكرت، وإنما البعض منها، وإلا ففيها من هو في الجملة على السنة والاستقامة في السلوك والعمل والنهج، وفيها من يتلقى من العلماء، وفيها الأسوة، وفيها القدوة، لكنها ليست هي الكثير. بل الأكثر من أصحاب الشعارات والدعوات الكبرى هم من ذكرت ممن تكثر فيهم الأخطاء، وما هم فيه من أخطاء يستوجب التحذير منها أولاً. وثانياً يستوجب النصح لهم والإرشاد والبيان، وأحسبهم إن شاء الله ممن يريد الحق ويسعى إليه، لأنهم كما أحسبهم إن شاء الله ما رفعوا لواء الدعوة إلا حسبة لله، وإلا بحثاً عن الحق، ومن هنا أتعشم فيهم وأنتم كذلك أن يكونوا من رواد الحق وأن يقبلوا النصيحة.

ص: 32