الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب -
مفهوم الدعاة:
أما بالنسبة للدعاة: فقد عرفنا أن العلماء هم الدعاة، لكن تنزلا للمصطلحات والألفاظ، فإنا نقول:
الدعاة هم: الداعون إلى الله، على بصيرة.
والبصيرة هي اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الفقه في الدين،
وأول من تتوفر فيه هذه الصفات- لا شك أنهم العلماء، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، أمر أن يقول بأن سبيله: الدعوة إلى الله على بصيرة، ولا تأتي البصيرة إلا بالعلم والفقه في الدين، قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يوسف: 108،. ولا شك أن أتباع الأنبياء بالأولى هم العلماء.
جـ - والدعوة:
هي السعي لنشر دين الله- عقيدة وشريعة وأخلاقا، وبذل الوسع في ذلك، ويتحقق هدف الدعوة إلى الله بالعلم والعمل والقدوة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح والاستقامة والإخلاص والتجرد، وهذه الأركان أكثر ما تتوفر في العلماء.
.*.*.* إشكالات مفترضة، وجوابها.*.*.*.
وهنا لا بد من الاستدراك، قبل أن أفصل في بعض النقاط المهمة في المسائل التي تلي، حيث قد يرد سؤالا عند بعض الناس:
أولا: هل يعنى هذا أنه لا يدعو إلى الله إلا عالم؟
بالطبع لا، بل على كل مسلم عرف شيئا من الدين، وتبصر به: أن يدعو إليه بعد التبصر، وفَقِهَ المسألة التي يدعو إليها. وإنما أقصد أن الذي تتوجه إليه النصوص الشرعية، والذي عليه عمل السلف.
أن قيادة الدعوة، وريادتها، وتوجيهها. لا بد أن يكون من العلماء، وفي العلماء، وأقصد: أن العلماء لا بد أن يتصدروا الدعوات في كل أمر ذي بال، ولابد أن نجعلهم هم القادة، وهم المرجع، والموجهين في الدعوة إلى الله- سبحانه وتعالى ولا يكونوا مجرد مستشارين عند الحاجة كما يفعل كثير من (أصحاب الدعوات) .
فالعلماء لا بد أن يكونوا هم المتصدرين للدعوة، وإن لم يكن الأمر كذلك، فإن في الأمر خللا لا بد من استدراكه، وخطأ لا بد من تصحيحه، بل إن لم يكن الأمر كذلك فإن الدعوة ستنحرف لا قدر الله وتعصف بها الأهواء.
ثانيا: ربما يقال: إن العلماء لم يرفعوا راية للدعوة:
فأقول: هذا الإشكال لا يصح، لأنه نابع عن قصور في النظرة للعلماء، فالمنصف يجد أن العلماء- في الجملة- قاموا بما يسعهم من واجب التبليغ ونشر العلم والنصح للأمة والولاة والعامة، كل منهم حسب ما يستطيع، وحسب ما يرى من أساليب يتأدى بها الواجب، ويجب أن لا نتوقع منهم الإشادة بجهودهم أو الدعاية لأنفسهم. ذلك أن الأصل في أهل العلم:(أنهم يُسْعَى إليهم لأخذ العلم عنهم، ولا يَسْعَوْنَ إلى الناس) . والأصل في أهل العلم: أن يكون لهم سمت أساسه التواضع، وأن يكون لهم حق على الأمة، كما أن الأصل في العلماء: أن لا يرفعوا فوق رؤوسهم رايات، ولا يرفعوا شعارات، ولا يطلبوا الانتماءات إليهم، ونحو ذلك مما هو من لوازم بعض الدعوات المعاصرة.
فالعلماء يُقصدون، ويجب أن يلتف حولهم عامة الناس، وطلبة العلم بخاصة.
رفع الرايات والشعارات للدعوات من قِبَلِ من لهم شأن في الأمة- ليس من هدي السلف، فمن رفعه الله بالعلم والتقوى وجب على الأمة أن ترفع قدره. وأقصد: إن إخضاع العلم للدعاية أو للشعارات أو الانتماءات لم يكن من خصال السلف، بل هو من خصال أهل الأهواء والفرق، أما أهل السنة: فهديهم السنة والجماعة- وهي ليست شعارا يرفع، إنما هي سبيل المؤمنين، وصراط الله المستقيم وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية:
بيان أن الأصل في الكتاب والسنة وما اتفق عليه جمهور سلف الأمة، وهو هديهم.
أن العلماء هم الدعاة، وأن الدعاة- أصلا- هم العلماء، وأن غيرهم تبع لهم، فكما أسلفت: كل طالب علم وكل مسلم عليه أن يدعو إلى الله بقدر وُسْعِهِ، وعلى بصيرة في الأمر الذي يدعو إليه- وكل ذلك مشروط بالتبعية لأهل العلم، لأنهم هم قادة الأمة، وهم من أهل الحل والعقد فيها- وهم جماعتها.
المسألة الثالثة:
في الحديث عن هذه الظاهرة التي أشرت إليها، وهي: الفصل بين العلماء (أي علماء الشرع: أهل الفقه في الدين) وبين الدعاة، أو بين العلم والدعوة (أي طلب العلم الشرعي والدعوة) ، وهذا الفصل- مع الأسف- تركز في أذهان كثير من المسلمين في هذا العصر، لأسباب كثيرة- سأذكر شيئا منها فيما بعد.
بل إن هذا المفهوم الخاطئ لم يتركز في الأذهان فقط، بل صار له أثر في الواقع أي فيما تعيشه الدعوات، وما يعيشه كثير من الدعاة في كثير من بلاد العالم الإسلامي وكما أسلفت كان التفريق بين العلماء والدعاة من سمات أهل البدع، حيث إنهم اتخذوا رؤوسا جهالا. والداعية عندهم- أعني أهل الأهواء والبدع- هو من يخضع لأهوائهم، ويلتزم بها، ويقول بمقولاتهم وينشرها وينتصر لها، ولو لم يفقه من الدين شيئا.
ونجد هذا جليا في الفرق الأولى: كالخوارج، فإن دعاتهم ليسوا العلماء الأكابر، لا فيهم ولا من غيرهم، بل بضاعتهم في الفقه والعلم قليلة وعلى غير طرق سليمة، وكذلك الرافضة: دعاتهم جهالهم، بل أجهل الناس وأقلهم أحلاما، وهكذا المعتزلة، والقدرية، وأهل الكلام، وسائر الفرق على هذه السمة- غالبا- على تفاوت بينهم.
فهؤلاء- أي أهل الافتراق- هم الذين يفصلون بين الدعوة وبين الفقه في الدين، لأنهم- أصلا- يقل فيهم الفقه في الدين. وأكثر زعمائهم ودعاتهم إنما يمتازون بالولاء لفرقتهم، وبالولاء للمقولات التي هم عليها، ولا يفقهون من الدين إلا القليل، ومنهم من لا يفقه شيئا.
وأغلب دعاة هذه الفرق والذين نشروها في الأقاليم الإسلامية قديما من العوام ومن الجهلة أو الذين لهم أهداف وأغراض شخصية أو شعوبية، أو عصبيات، ويسيطر عليهم الجهل المهلك.
المسألة الرابعة:
أن هذه الخصلة- مع الأسف- سمة ظاهرة، بدأت تظهر في كثير من الدعوات المعاصرة، وكثير من الحركات الإسلامية- وهي في خارج هذه البلاد أكثر، لكن لا يسعنا إلا أن نتكلم عنها لأسباب:
أولها: أننا لا بد أن نحمل هموم جميع المسلمين في كل بقاع الأرض وهذا واجب شرعا على كل داعية، فعلى كل عالم أن يحمل هم المسلمين لا في إقليم واحد، بل في جميع بقاع الأرض. والمسلمون؛ الأصل فيهم أنهم أمة واحدة، ومقتضى النصح والإشفاق عليهم. بيان ما فيهم من خير وتشجيعهم عليه. وبيان ما فيهم من أخطاء، والتنبيه عليهم، ونصحهم بالعدول عنها.
ومن هذا المنطلق سأتوقف عند ذكر بعض ظواهر الخطأ في هذا الموضوع، في بعض الحركات الإسلامية خارج هذه البلاد.
وثانيها: أن بعض هذه الظواهر- أي الفصل بين العلماء والدعاة- بدأت تظهر عند طوائف من الشباب- عندنا-، وبعض المفكرين، وبعض المثقفين، لسبب أو لآخر، فمن هنا كان لا بد من الكلام عن أوضاع الدعوات المعاصرة، بمجملها، في جميع العالم الإسلامي، وليس في بلد واحد، لأنها يستمد بعضها من بعض.
أعود إلى هذه الخصلة- أو هذه السمة التي وقع فيها كثير من الدعاة والدعوات المعاصرة، وهي:(أن الدعاة عندهم غير العلماء والداعية غير العالم) ، وهذا المفهوم بدأ ينمو في أذهان بعض الناس- مع الأسف- وقد تأصلت هذه المفاهيم حتى في أعمال الدعاة، وفي حركاتهم، وفي مواقفهم، وفي مناهجهم، فصاروا يفصلون بين العالم (الشيخ) وبين الداعية، وأدى ذلك الفصل إلى عواقب وخيمة.
فالداعية عندهم: هو من ينشط في الدعوة والحركة، لتحقيق مراد أصحابها، أو لتحقيق أهدافها، أو يواليها ويرفع شعارها، ويجمع الناس حوله على هذا الشعار. هذا هو الداعية عند كثير من الدعوات المعاصرة، بصرف النظر عن علمه وفقهه، بل الغالب أنه يكون من قليلي الفقه وقليلي العلم الشرعي. والمشايخ بمفهوم هؤلاء- القاصر- ليسوا دعاة، ولا يصلحون لأن يسهموا في الدعوة أو أن يدخلوا في إطارها أو نطاقها، لأنهم فيهم وفيهم! وبسبب هذا الفصل ظهرت أمور، سنشير إلى شيء منها.