المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فيالكض بيتاً وافرَ الُحسن كاملاً … دوائرهُ أمست تدورُ على - العيون الغامزة على خبايا الرامزة

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: فيالكض بيتاً وافرَ الُحسن كاملاً … دوائرهُ أمست تدورُ على

فيالكض بيتاً وافرَ الُحسن كاملاً

دوائرهُ أمست تدورُ على قُطبِ

قال:

‌الألقاب والأبيات

أقول: جعل الناظم الأسماء التي تطلق على الأبيات مما سيذكره ألقاباً لها كأنها عنده من قبيل أقول: جعل الناظم الأسماء التي تطلق على الأبيات مما سيذكره ألقاباً لها كأنها عنده من قبيل الأعلام التي تشعر بمدح، كالتام والوافي، أو بذم كالمنهوك، وهو محل تأمل. قال:

إذا استكمل الأجزاء بيت كحشوه

عروض وضرب تم أو خولفت وفا

اقول: يعني أن البيت إذا كان مستكملاً للأجزاء الواقعة في دائرته فهو على ضربين، أحدهما أن يكون عروضه وضربه مماثلين لحشوه في الأحكام التي تلحقه، فيجوز فيهما ما جاز فيه، ويمتنع فيهما ما امتنع فيه، فهذا يسمى التام.

الثاني: أن يكون عروضه وضربه مخالفين لحشوه بأن يعرض لهما مالا يجوز عروضه للحشو، فهذا يسمى الوافي.

فإن قلت: قوله (خولفت) على ماذا هو معطوف؟، قلت: على قوله (كحشوه عروض وضرب) .

فإن قلت يلزم تخالف الجملتين بالاسمية والفعلية، إذ الأولى اسمية والثانية فعلية، قلت لا مانع من جعل الأولى فعلية أيضاً، لأن المرفوع بعد الظرف المعتمد يجوز كونه فاعلاً بالفعل الذي يتعلق به الظرف عند جماعة، لا بنفس الظرف، وعليه فهي فعلية؛ ولا تخالف بين الجملتين، ولو سلم أنها اسمية فليس مثل هذا التخالف بممتنع على المختار عند النحويين، وهو المفهوم من قولهم في باب الاشتغال في مثل (قام زيد وعمراً أكرمت) أن نصب (عمراً) أرجح لأن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما.

فإن قلت: الجملة المعطوف عليها صفة لبيت فيلزم أن تكون المعطوفة كذلك، فيلزم وجود الرابطة بينها وبين الموصوف وهو (بيت)، ولا رابط. قلت: المعنى أو خولفت أجزاء حشوه، فالضمير النائب عن الفاعل عائد على الأجزاء المضافة إلى الحشو المضاف إلى ضمير البيت، فالربط حاصل بذلك، كما قاله الكسائي وتبعه ابن مالك عليه في قوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربص)، وذلك أنهما قالا: الأصل يتربص أزواجهم، ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدم ذكرهن، فامتنع ذكر الضمير لأن النون لا تضاف لكونها ضميراً، وحصل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف للضمير، فانقل ذلك إلى ما نحن فيه، وإن كان الأكثرون لا يقولون به.

فإن قلت: لم لا تجعل الجملة الفعلية وهي قوله (خولفت) معطوفة على الفعلية من قوله (إذا استكمل الأجزاء بيت) وتسلم من ارتكاب هذا الوجه المؤدي إلى مخالفة الأكثرين؟ قلت: لما يلزم عليه من الفساد، وذلك لأن استكمال البيت لأجزاء الدائرة أمر لابد منه في الوفاء والتمام، فإذا جعلت قوله (خولفت) معطوفاً على قوله: استكمل الأجزاء بيت كان قسيماً له، فيلزم عدم الاستكمال مع الوفاء، وهو باطل لما قلناه، فتأمل، قال:

بزهرٍهُما وازدادَ سطحكَ جايد

أخيرُهما فالفرقُ بينهما انجلَى

أقول: اعلم أن الناظم رحمه الله جرى على الاصطلاح المعهود في حساب الجمل تارةً وخالفه أخرى، فرمز بالألف للأول، وبالباء للثاني، وبالجيم للثالث، إلى أن رمز بالياء للعاشر، وقد يرمز بمجموع العدد، فيرمز بالهاء للخمسة لا للخامس، وبالجيم للثلاثة لا للثالث.

ولا يخفى أن البحور التي تكلم عليها الناظم هي البحور المستعملة عند الخليل، وهي خمسة عشر بحراً، فبالناظم ضرورة إلى أن يرمز لها، فرمز بما تقدم من الحروف العشرة جارياً على العرف، وبقي عليه خمسة فرمز للحادي عشر بالكاف، وللثاني عشر باللام، وللثالث عشر بالميم، وللرابع عشر بالنون، وللخامس عشر بالسين، فخالف الاصطلاح إيثاراً للاختصار، وذلك لأنه لو لم يفعل ذلك وتوقف مع المصطلح المشهور للزم أن يرمز للحادي عشر بحرفين، وهما الألف والياء، فترك ذلك إلى ما صنعه لهذا القصد، ووكل الأمر في ذلك إلى توقيف المعلم، وحذق الناظر في كلامه، فإن من تتبع مواقع نظمه في ذلك لم يخف عليه هذا القدر مع أن في رمزه لخصوصية الأول والثاني والثالث إلى آخره مخالفةً لاصطلاح الحساب المذكور، فإن الألف إنما تدل فيه على واحد لا يفيد كونه الأول، والباء للاثنين لا للثاني، والجيم للثلاثة لا للثالث، والأمر في ذلك سهل.

ص: 21

إذا تقرر هذا فالباء من قوله (بزهر) ظرفية بمعنى (في) ، والزاي رمز للبحر السابع، وهو الرجز، والهاء رمز للبحر الخامس وهو الكامل، والراء لغو ليست من حروف الرمز، وضمير الاثنين راجع إلى التمام والوفاء المشار إليهما في البيت السابق، أي أن التمام والوفاء يتداخلان في الكامل والرجز فيرد كل واحد منهما تاماً تارةً ووافياً أخرى.

فمثال التام من الكامل قول عنترة:

وإذا صحوتُ فما أقصرُ عن ندىً

وكما علمتِ شمائلي وتكرّمي

ومثال الوافي منه قول الشاعر:

لِمَن الديار عَفَا معالمها

هَطِلٌ أجَشُّ وبارحٌ تَرِبُ

ومثال التام من الرجز قوله:

دارٌ لسلمى إذْ سليمى جارةٌ

قَفرٌ ترى آياتِها مثل الزُّبُرْ

ومثال الوافي منه قوله:

القلبُ منها مستريحٌ سالمٌ

والقلبُ مني جاهدٌ مجهودُ

وقوله (وازداد سطحك جايد أخيرهما) أي أخير اللقبين وهو الوافي، وهو فاعل بقوله (ازداد) أي أن الوافي يدخل في هذه الأبحر المرموز لها بقوله (سطحك جايد) زيادةً على البحرين اللذين تقدم أنه يشارك فيهما التام، فالسين رمز للخامس عشر، وهو المتقارب، والطاء للتاسع وهو السريع، والحاء للثامن وهو الرمل، والكاف للحادي عشر وهو الخفيف، والجيم للثالث وهو البسيط، والألف للاول وهو الطويل، والباء للعاشر وهو المنسرح، والدال للرابع وهو الوافر. فمثال الوافي من المتقارب قول الشاعر:

وأبني من الشعر شعراً عويصاً

ينسى الرواة الذي قد رووا

ومن السريع قوله:

أزمانَ سلمى لا يَرى مثلها الراؤن في شامٍ ولا في عراقْ

ومن الرمل قوله:

أبلغ النعمانَ عني مألكاً

أنه قد طال حَبسي وانتظارْ

ومن البسيط قوله:

يا حارِ أرمين منكم بداهيةٍ

لم يَلقها سُوقة قبلي ولا ملِكُ

ومن الطويل قوله:

ستُبدى لك الأيامُ ما كنتِ جاهلاً

ويأتيكَ بالأخبار من لم تُزَودِ

فإن قلت: كيف يكون هذا والذي قبله من الوافي، مع أن العروض والضرب ليسا مخالفين للحشو، وذلك لأنهما دخلهما في الأول الخبن، وفي الثاني القبض، وكل من الخبن والقبض يدخل في حشو بيته، فإذن لا مخالفة؟ قلت: بل المخالفة متحققة، وذلك لأن دخول الخبن أو القبض على العروض والضرب على سبيل اللزوم، وفي الحشو على سبيل الجواز. ومثال الوافي من المنسرح قوله:

إن ابنَ زيدٍ لا زال مستعملاً

للخير يَفشى في مصره العُرُفا

ودخول الطي في هذا الضرب لازم وفي الحشو جائز، فالمخالفة حاصلة.

ومثال الوافي من الوافر قوله:

لنا غنمٌ نسوِّقها غزارٌ

كأن قرونَ جلّتها العصىُّ

وأورد الشريف سؤالاً على الناظم وهو أن كلامه مقتض لأن التام لا يكون في غير الكامل والرجز، وكل من الخفيف والمتقارب يجيء تاماً، وأجاب بالمنع، فإن البيت الذي يتوهم فيه التمام من الخفيف يجوز في ضربه التشعيث، ولا يجوز في الحشو، وكذلك البيت الذي يتوهم فيه التمام من المتقارب يجوز في ضربه التشعيث ولا يجوز في الحشو، والبيت الذي يتوهم فيه المام من المتقارب يجوز في عروضه الحذف وهو ممتنع في الحشو، فخرجا عن أن يكونا تامين، وذلك في الحقيقة مأحوذ من كلام الناظم على ما ستعرفه في باب ما أخرى من العلل مجرى الزحاف.

قال:

وإسقاط جزأيه وشطر وفوقه

هوالجزء ثم الشطر والنهك إن طرأ

أقول: يعني أن من الألقاب المتعلقة بالأبيات الجزء، والشطر، والنهك.

فإذا سقط من أجزاء البحر الموجودة في الدائرة جزآن عند الاستعمال، جزء من آخر الصدر وجزء من آخر العجز، فذلك هو الجزء بفتح الجيم، مصدر جزأته إذا أخذت منه جزءاً. والبيت حينئذ مجزوء.

وإن سقط نصف الأجزاء فذلك هو الشطر، مصدر قولك شطرته إذا قطعته، والبيت مشطور.

وإن سقط الثلثان من الأجزاء فذلك هو النهك، والبيت منهوك، هو مأخوذ من قولك نهكه المرض، إذا أضعفه جداً، ويقال: نهكت الثوب لبسا، والدابة سيراً، والمال إنفاقاً، فشبه بيت الشعر لما يولغ في الإجحاف به في الحذف بمن نهكه المرض.

قلت: وقد علم بما ذكرناه أن ما يقع في كلام العروضيين من قولهم: عروض مجزوءة وضرب مجزوء فيه تسامح، لأن هذا من ألقاب الأبيات لا من ألقاب الأجزاء.

ص: 22