المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فلنتكلم على شرحه الآن على هذا اللفظ، فنقول: قوله ((محرفة - العيون الغامزة على خبايا الرامزة

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: فلنتكلم على شرحه الآن على هذا اللفظ، فنقول: قوله ((محرفة

فلنتكلم على شرحه الآن على هذا اللفظ، فنقول: قوله ((محرفة الرعى)) يريد به أن الذي وضع الحروف عليه رمزاً عند ذكر البحور في أول كل بحر هي الأعاريض والضروب، وهي التي يجب أن تُرعى في رجوع الشواهد إليها، فإذا رددت إليها الأبيات المنبه عليها جعلت ما نيف على عددها من الشواهد شاهداً على الزحاف. وأراد بمحرفه ما جعل الحرف عليه رمزاً دالاً على عدده، فلفظه مشتق من الحرف. وبيان ما ذكرته أن‌

‌ الطويل

له عروض واحدة وثلاثة أضرب. نبّه على ذلك بالهمزة الثانية والجيم من قوله ((أأجرى)) ثم أتى بقوله ((غروراً)) إشارة إلى شاهد الضرب الأول، وبقوله ((ستبدى)) إلى شاهد الضرب الثاني، وبقوله ((صدوركم)) إلى شاهد الضرب الثالث، فقد فرغ من شواهد الضروب، وهي التي وضع الحروف عليها رمزاً، ثم جاء بقوله ((أسودٌ وأحداجٌ)) و ((المور)) مقتطعات من أبيات، ولما كانت قد زادت على عدد الضروب علمنا بعد أنها شواهد على الزحاف لكومها نيفت على عدد الضروب. وقوله ((وما حشوه ملغى)) إلخ قد شرحته قبل.

الطويل

أقول سمي طويلاً لأنه تام الأجزاء سالمٌ منالجزء. قاله الخليل، ومعناه أنه طال بسبب تمام الأجزاء. وقال الزّجاج لأنه أكثر الشعر عدد حروفٍ لمجيئه على أصله في الدائرة إلا نقصان حرف واحد. وربما صرّع فجاء على أصله ثمانيةً وأربعين حرفاً. وقيل: لوقوع الأوتاد أول أجزائه، وهي أطول من الأسباب. ونقضه الصفاقسي بالوافر والهزج والمضارع. وجوابه أن الاطراد في وجه التسمية ليس بلازم. وهذا البحر مبني في الدائرة على هذه الصورة: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن، فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن كما تقدم. قال:

أأجرى غروراً أم ستبدى صدوركم

أسودٌ وأحداجٌ أمٍ المور قد عفا

أقول: الألف الأولى من قوله ((أأجرى)) إشارة إلى أنه الأول من البحور، والألف الثانية إشارة إلى أن له عروضاً واحدة، والجيم إشارة إلى أن له ثلاثة أضرب. فالعروض مقبوضة وزنها مفاعلن، ولها ثلاثة أضرب كما قلناه. الضرب الأول صحيح وبيته:

أبا منذر كانت غروراً صحيفتى

ولم أعطكمْ في الطوع مالي ولا عرضي

فقوله ((صحيفتي)) هو العروض، ووزنه مفاعلن: وقوله ((ولا عرضي)) هو الضرب، ووزنه مفاعيلن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((غرورا)) الضرب الثاني مقبوضٌ مثلها وبيته.

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

فقوله ((تجاهلن)) هو العروض، وقوله ((تزوودي)) هو الضرب. ووزن كل منهما ((مفاعلن)) وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ستبدى)) ، الضرب الثالث محذوف ووزنه فعولن. أُسقط السبب الخفيف من مفاعيلن فصار مفاعي فنقل إلى فعولن،. وبيته:

أقيموا بني النّعمان عناّ صدوركم

وإلا تقيموا صاغرين الرّووسا

فقوله ((صدوركم)) هو العروض وقوله ((الرؤوسا)) هو الضرب. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((صدوركم)) . وهنا انتهت شواهد ما رمز له أولاً، ثم أخذ في ما ناف على ذلك وهي شواهد الزحاف. فإن قلت: حكمت بقبض العروض في هذا البحر وقد جاءت غير مقبوضة كما في قول امرئ القيس:

ألا عمْ صباحاً أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

فقوله ((لللبالي)) هو العروض، ووزنه مفاعيلن، فهي سالمة لا قبض فيها. وكما في قول الآخر:

لمن طللٌ أبصرته فشجاني

كخطّ زبورٍ في عسيب يماني

ص: 48

فقوله ((شجاني)) هو العروض، ووزنه فعولن فقد جاءت محذوفة لا مقبوضة، قلت: المراد أن عروض هذا البحر مقبوضة حيث لا تصريع، وأما إذا كان مع التصريع فتجيء سالمةً مع الضرب الأول ومحذوفةً مع الضرب الثالث كما في هذين البيتين. قال الصفاقسي: التصريع تبعية العروض للضرب قافيةً ووزناً وإعلالاً. وسمي البيت الذي له قافيتان مصرعاً تشبيها له بلمصراعي باب البيت المسكون. وحكى أبو الحكم أن بعضهم قال: اشتقاقه من الّصرعين وهما نصفا النهار، فمن غدوةٍ إلى انصاف النهار صرعٌ، ومنه إلى سقوط الشمس صرع والأول أقرب. وحكى الزّجاج إجماع العروضيين على أنه إنما وقع ليدلّ على ابتداء قصيدةٍ أو قصة: قال الأخفش: شبهوه في إعلامهم به أخذهم في بناء الشعر قبل تمام البيت يجعلهم الشك في أول الكلام في نحو قولهم: ((رأيت إما زيداً وإما عْمراً)) لئلا يظن المخاطب أن أحدهما أولى. ويجوز استعماله في مواضع من القصيدة الواحدة لإرادة الخروج من قصة إلى أخرى، ومن وصف شيءٍ إلى وصف غيره، ليؤذن بالانتقال من حال إلى آخرى، وهو مستحسن متى قل، فإنْ كثر كان مستهجناً. ويكون إما بزيادة في العروض حتى تصير كالضرب مثل ما صنع امرؤ القيس، وإما بنقص منها حتى تعود كالضرب كما في البيت الثاني، فإن قلت فما تصنع في مثل قول الحارث بن حلزة:

آذنتنا ببينها أسماء

ربّ ثاوٍ يملّ منه الثّواء

فصرع ولم يتبع العروض الضرب، بل جعلها مفعولن وهو فاعلاتن؟ قلت: اعتذر منه أبو الحكم بأن الشاعر همّ بتشعيث الضرب إلحاقاً لها به اعتماداً على أنه شعثه فنسى. قال الصفاقسي: فكأنه يشير إلى أن هذا من الإشارة إلى التصريع كما قاله الشيخ أبو بكر القللوسي. قلت: وهذا الاعتذار إنما احتيج إليه لتفسيرهم التصريع بما تقدم وهو تبعية العروض للضرب في القافية والوزن والإعلال. ولو قيل: التصريع هو جعل العروض كالضرب وزناً ورويا مع إخراجها عن حكمها إلى حكمه لم يحتج إلى شيءٍ من هذا، وذلك لأن العروض اواقعة في بيت الحارث قد جعلت كالضرب رويا وهو واضح، وقد أُخرجت عن حكمها وهو السلامة من التشعيث إلى حكم الضرب بأن جعلت مثله في عروض التشعيث لها، ولا يضرّ كون الضرب لم يشعث فإن تشعيثه جائز لا لازم، فجعلت العروض بمثابته حكماً فدخلها التشعيث بالفعل ولم يدخل الضرب فعلاً مع جواز دخوله فيه، فإلحاق العروض بالضرب في الحكم متحقق وإن تخالفا لفظاً، فتأمله. وعلى هذا فالفرق بين التصريع والتقفية ثابت، فإنها اتفاق العروض والضرب في الوزن والروي مع إبقائها على ما تستحقه في نفسها من الحكم الثابت، كقول امرىء القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

فإن قلت قد جاءت العروض مع عدم التصريع تامةٍ كقوله:

ونحن جلينا الخيل يوم نهاوندٍ

وقد أحجمتْ منّا الخيول الصوارم

ومحذوفةً كقوله:

تراها على طول البلاء جديداً

وعهد المغاني بالحلوم قديمُ

قلت: هو عندهم من الشذوذ ولا يقاس عليه، وهو عيب يسمى عندهم بالتجميع. ((تنبيهات)) الأول: قبض فعولن قبل الضرب الثالث المحذوف أولى من سلامته ويسمى اعتماداً كما سبق، وبيته:

وما كلُّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه

وما كلذ مؤتٍ نصحه بلبيبِ

ص: 49

فقوله ((حهوبِ)) وزنه فعولُ، وإنما كان الاعتماد في هذا المحل أولى لأن الطويل مبني على اختلاف الأجزاء لتركبه من خماسي وسباعي، فلما صار آخر البيت محذوف الضرب هكذا ((فعولن فعولن)) أرادوا أن يوفوه حقّه من الاختلاف الذي بني عليه في الأصل فقبضوا فعولن الأولى. ((التنبيه الثاني)) يلزم في هذا الضرب المحذوف أن يستعمل مردوفاً على الأشهر. والرّدفُ حرفٌ لينٍ يكون قبل الروى يليه. وله بحسب محاله ثلاث حالات: الأولى حالة اتفاق ولها صورتان: الأولى أن يكون البيت تام البناء ونقص من ضربه حرفٌ متحرك أو زنته، ومعنى بزنته حذف الساكن مع حركة ما قبله، كالقطع والقصر. ألا ترى أن قولنا ((مستفعلْ)) بحذف النون وإسكان اللام على وزن قولك ((مستفعن)) بحذف اللام، فالتزم الردف هنا ليقوم المدُّ الذي فيه مقام المحذوف فيقع التعادل بين مقطعي العروض والضرب. الصورة الثانية أن يلتفي في الضرب ساكنان، والتزم الردف هنا ليسهل الانتقال من أحد الساكنين إلى الآخر بالمد الذي هناك. هذا كله كلام ابن بريّ. قلت: وفي جعله الصورة الأولى من حالة الاتفاق نظر، فقد أجاز سيبويه في كتاب القوافي له استعمال مثل ذلك بغير ردف. قال: لقيام الوزن بالحرف الصحيح مقامه بأحرف المد واللين، وأنشد:

ولقد رحلت العيس ثم زجرتها

قدما عليك وقلت خير معدِّ

الحالة الثانية حالة الاختلاف، وهي أن يكون البيت غير تام البناء ونقص من ضربه حرفٌ متحرك أو زنته، فهل يلزم الردف فيه أم مختار؟ قولان، والصحيح منهما هو الثاني. الحالة الثالثة حالة استحباب، وذلك حيث يوجد العروض والضرب على حد واحد من التماثل والاتفاق ولا يوجد للساكنين في حد واحدٍ منهما تلاقٍ، كقوله:

قفا نبك من ذكرى حبيبٍ وعرفان

ورسمٍ عفت آياته منذ أزمان

ص: 50

فيستحسن الردف في هذا النوع استكثاراً من المد في الأواخر لأنها محل مدّ وترنم. قاله ابن بري. فإن قلت: حكم العروضيين بلزوم الردف في الضرب الثالث من الطويل مع أنه لا يدخل تحت ضابط اللزوم، فإنه لم يلتق فيه ساكنان وهو ظاهر، وليس المحذوف منه متحركاً أو زنة متحرك، بل المحذوف منه حرفان متحرك وساكن، فما وجه التزام الردف فيه؟ قلت: هو مُشكل على هذه القاعدة، وقد اختلفت الطرق في الاعتذار عنه، فقيل إن الردف عوض من لام مفاعيلن خاصةً لان النون شأنها أن تحذف للزّحاف حشواً، وما يحذف للزحاف لا تعوض العربُ منه شيئاً، وأكثر العروضيين على هذا الجواب. وزعموا أن سيبويه إليه أشار في الكتاب في أبواب الإدغام بقوله: كل شعر حذف من بنائه حرفٌ متحرك أو زنة حرف متحرك فلا بد فيه من حرف اللين للردف، نحو: وما كلُّ مؤت نصحه بلبيب قالوا فتمثل بمحذوف الطويل فدل على أن النون غير معتبرة. وقدح الصفاقسي في هذا الجواب بأن نون مفاعيلن وإنْ كانت مما شأنه أن يُحذف للزحاف فذاك في الحشو لا في الضرب، لاستلزام حذفها منه الوقوف على المتحرك، وكلامنا في الضرب لأن الردف فيه لا في الحشو. وقيل دخله القبض أولاً ثم حُذفت نونه وأسكنت لامه فعوض منهما لأنهما زنة متحرك. قاله سيبويه في كتاب القوافي له. على هذا تأول بعضهم ما وقع له في باب الإدغام لنصوصية هذا واحتمال ذلك، وبه قال الجرمي والفارسي والشلوبين، وردّه الصفاقسي بأن القول بدخول القبض فيه أولاً يقضى بعدم التزام الردف فيه لأن زنة المتحرك المحذوف منه حينئذ ليس من أتم البناء. قلت: تمام البناء ليس راجعاً عندهم إلى الجزء على ما يظهر من كلامهم، وإنما يرجع إلى البحر نفسه، أي أن البحر إذا كان تام البناء فجاء في الاستعمال كما في الدائرة، إنْ مثمنا فمثمنٌ وإن مسدسا فمسدسٌ، وحذف من ضربه زتة حرف متحرك التزام فيه الردف فلا يرد حينئذ اعتراض الصفاقسسي عليهم، فتأمله. واعترض عليهم أيضاً بأنه لو كان الأمر على ما قالوه لسمي الضرب مقصوراً لا محذوفاً، وأجيب بأنه لمّا دخله القبض أولاً ثم القصر صارت صورته صورة المحذوف فسمي محذوفاً رعايةً للصورة، وفيه نظر. وقيل: لما التزام ففي عروض الطويل القبض صار استعمالها أبداً على ستة أحرف، فلم ينقص الضرب عنها إلا زنة حرفٍ متحرك، وفيه من النظر ما تقدم. ونسبة العروض إلى الضرب لا تستقيم لأن التعويض في الضرب إنما يقع بالنسبة إلى ما يحذف منه في نفسه لا بالنسبة إلى العروض. قال الصفاقسي: وسبيلُ الجواب عندي عن أصل الإشكال أن يقال: لم لا يجوز أن يكون العربي المستعمل لهذا الضرب، أعني الثالث من الطويل، إنما حذف منه الردف، ثم رأى بعد ذلك ساكنين قد التقيا فحذف أحدهما وسماه العروضي محذوفاً مراعاةً لصورته. وعلى هذا ينبغي أن يحمل كلام سيبويه المتقدم في باب الإدغام. فإن قلت: الردف مسهّلٌ لالتقاء الساكنين كما في الضروب المقصورة فلا وجه لحذف أحدهما، قلت: إنما ذلك إذا أُتي بالردف لأجلهما كما في الضروب المقصورة، وهنا إنما أُتي به للعوض، وبعده التقى ساكنان، فلهذا لم يكن مسهّلاً لالتقائهما، ويجب الحمل على هذا جمعاً بين الكلامين. فإم قلت: هذا التقدير جارٍ في الضروب المحذوفة كلها فيلزمك التزام الردف فيها، قلت: لا نسلم لزوم ذلك لأن العلل في هذا الفن تابعة للأحكام، والله أعلم. انتهى كلامه بنصه، ولا يخفى ما فيه من التكلف، مع أن في تسليمه جريان التقدير المذكور في جميع الضروب المحذوفة نظراً لا يخفى عليك إن تأملت. ((التنبيه الثالث)) ما قدمناه من أن للطويل عروضاً واحدةً وثلاثة أضرب هو المشهور، واستدرك بعضهم له عروضاً ثانية محذوفةً لها ضربان، ضربٌ مثلها وبيته:

لقد ساءني سعدٌ وصاحب سعدٍ

وما طولبا في قتلها بغرامهْ

وضربٌ مقبوضٌ وبيته:

جزى الله عبساً عبي آل بغيضٍ

جزاء الكلاب العاويات وقد فعلْ

واستدرك بعضهم لعروض الطويل المقبوضة ضرباً مقصوراً، وأنشدوا عليه قول امرىء القيس:

ثيابي بني عوفٍ طهارى نقيةٌ

وأوجههم بيض المسافر غران

ص: 51