المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فإن صح ذلك كان قدحاً في حكاية المنع عنه في - العيون الغامزة على خبايا الرامزة

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: فإن صح ذلك كان قدحاً في حكاية المنع عنه في

فإن صح ذلك كان قدحاً في حكاية المنع عنه في قبض ما عدا الجزء الأول، أو يكون له في ذلك قولان. وحكى أبو الحكم عن الزجاج أنه أجاز قبض أجزائه كلها، وأجاز أيضاً قبض ضربه على كراهية. قال: لما فيه من اللبس بين مجزوء الوافر و‌

‌الرجز

. ثم قال: وإذا جاء لم يستنكر، لأن ما قبل البيت وما بعده يفرق بينه وبينهما. قال الصفاقسي: ولقائلٍ أن يمنع أن العلة في امتناعه اللبس حتى يكون مجيئه غير مستنكر لما ينتموه. ولم لا يجوز أن يكون علة امتناعه ما يؤدي إليه من أن تكون حركاته المتوالية أكثر من حركات عروضه المتوالية، ألا ترى أنهم التزموا قبض عروض الطويل لهذا. قللت: هذا ليس بمستقيم، أما أولاً فلأنه مصادمةٌ للمنقول بمجرد الاحتمال، وذلك لأن المحكىَّ عن الزجاج أنه كره قبض عروض الهزج خيفة التباسه بالرجز وبالوافر المجزوء والمعصوب، نقله ابن بري عنه، وهذا ليس محلّ معز وأما ثانياً فلأن العلة التي أبداه غير معتبرة عندهم في باب الزحاف إجماعاً. ألا ترى أن مستفعلن في ضرب الرجز يجوز أن يطوي وان يخبل وإنْ سلمت عروضه من الزحاف أصلاً، والخفيف يجوز خبن ضربه وإن لم تزاحف العروض، وإنما اعتبر ذلك من اعتبره فيما ليس من قبيل الزحاف الحائز وليس الكلام فيه. ثم قال الصفاقسي: وحكى أبو الحكم عن الخليل أنه اعتلّ في منعه قبض العروض والجزء الذي بعدها بما يؤدي إليه ذلك من التباس هذا البحر بمربع الرجز المخبون. قال: وياتبس أيضاً بمربع الوافر المعقول. قال الصفاقسي: وانظر هذا مع تعليل الزجاج كراهية قبض الضرب يقتضيان جواز عقل عروض الوافر، وإلا كانت سلامتها فاصلةً فلا لبس.

قال: ورده الأخفش بأن التزام سلامة الضرب تفصل، وعندي فيه نظر. لأنه ضربه وإن كان سالماً فلا يفصل بينه وبين مجزوء الوافر المعصوب إذا عقلت أجزاء بيته، لأن وزنه حينئذ مفاعلين كضرب هذا البحر.

قال الصفاقسي: والحق من جوابه أنه إن لم يكن قبل البيت ولا بعده ما يبينه فالمرجح لحمله على الهزج قائم، فإن مفاعلن فيه أصلية وفي الرجز فرع عن متفعلن وفي الوافر مفاعتن، والحمل على الأصلي أولى.

قلت: هذا بالباطل أشبه منه بالحق. وذلك لأن شاعراً لو قال:

وشادنٍ سبى الورى بحسنه ولطفه

ولم يكن قبل هذا ولا بعده لم يرتب في أن كل جزء منه يحتمل أن يكون أصله مفاعلين حذفت ياؤه بالقبض، أو مستفعلن حذفت سينه بالخبن، أو مفاعلن حذفت لامه بالعقل. وكون مفاعيلن إذا قبض صار على صيغة مفاعلن ولا ينقل منها إلى صيغة، ومستفلعن إذا خبن صار متفعلن فينقل إلى صيغة مفاعلن، ومفاعلتن إذا عقل صار مفاعتن فينقل إلى مفاعلن، لا يقتضى ترجيحاً المحمل على الهزج، فإن الاعتبار بالاحتمال في الموزون، وهو ثابت قطعاً غير أن المرجح لحمله على الهزج دون ثابت من جهة أخرى غير هذه الجهة، وهي أن الحمل على الهزج إنما يلزم عليه حذف ساكن، وحمله على الوافر يلزم عليه حذف متحرك، أو ساكن وحركة على الاختلاف في تفسير العقل، والأول أخف فتعين المصير إليه، فلا وجه أصلاً لحمله على الهزج دون الرجز أو على الرجز دون الهزج لفقدان المرجح. فتأمل.

(تنبيه) حكى الأخفش أن للهزج ضرباً ثلثاً مقصوراً وبيته:

وما ليثًُ عرينٍ ذو

أظافير وأسنان

أبو شبلين وثابٌ

شديد البطش غرثان

هكذا روى بإسكان النون. قالوا: والخليل يأبى ذلك. وينشده على الإطلاق والإقواء على نحو ما سبق في الطويل. وقد مر ما فيه.

وحكى أبو بكر القللوسي أن له عروضاً محذوفة لها ضرب مثلها. وأنشد:

سقاها الله غيثاً

من الوسمى ريا

وهو في غابة الشذوذ قال:

الرجز

أقول: قال الخليل: سمي رجزاً لاضطرابه، والعرب تسمى الناقة التي ترتعش فخذاها وجزاء. قال أبو حاتم: الرجز داء يصيب الإبل في أعجازها. فإذا نهضت ارتعش فخذاها، وأنشد:

هممت بخير ثم قصرت دونه

كما ناءت الرجزاء شد عقالها

وقال ابن دريد: سمي رجزاً لتقارب أجزائه وقلة حروفه. وقيل: لأن أكثر ما تستعمل منه العرب المشطور الذي على ثلاثة أجزاء، فشبه بالراجز من الإبل وهو الذي إذا شدت إحدى يديه بقي على ثلاثة قوائم.

وهو مبنى في الدائرة على ستة أجزاء هكذا: مستفعلن مستفعلن مستفعلن، مستفعلن مستفعلن مستفعلن قال:

ص: 62

زكت دهرها دار بها القلب جاهدٌ

وقد هاج قلبي منزلٌ ثم قد شجا

فياليتني من خالد ومنافهم

أرى ثقلاً لا خير فيمن لنا أسا

أقول: الزاي من ((زكت)) إشارة إلى أن هذا البحر هو البحر السابع. والدال من ((دهرها)) إشارة إلى أن له أربع أعاريض، والهاء التي تليها إشارة إلى أن له خمسة أضرب.

العروض الأولى صحيحة لها ضربان الأول مثلها وبيته:

دارٌ لسلمى إذا سليمى جارةٌ

قفرٌ ترى آياتها مثل الزبر

فقوله ((ماجارتن)) هو العروض، وقوله ((مثلززبر)) هو الضرب، وزنٌ كل منهما مستفعلن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((دار)) .

الضرب الثاني مقطوع وبيته:

القلبُ منها مستريحٌ سالمٌ

والقلبُ مني جاهدٌ مجهودُ

فقوله ((حن سالمن)) هو العروض. وقوله ((مجهودو)) هو الضرب، وزنه مفعولن، كان مستفعلن فقطع بحذف النون وإسكان اللام فصار مستفعل فنقل إلى مفعولن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((القلب جاهد)) .

العروض الثانية مجزوءة صحيحة لها ضرب واحد مثلها وبيته:

قد هاج قلبي منزلٌ

من أم عمرو مقفرُ

فقوله ((بينمزلن)) هو العروض وقوله ((رنمقفرو)) هو الضرب، وزن كل منهما مستفعلن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((قد هاج قلبي منزل)) .

العروض الثالثة مشطورة وضربها مثلها وبيته:

ما هاج أحزاناً وشجواً قد شجا

فقوله ((ونقد شجا)) وزنه مستفعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((قد شجا)) .

العروض الرابعة منهوكة وضربها مثلها وبيته:

يا ليتني فيها جذع

فقوله ((فيها جذع)) وزنه مستفعلن. وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((فياليتني)) .

ويدخل هذا البحر الزحاف الخبن وهو صالح، والطي وهو حسن، والخبل وهو قبيح.

فبيت الخبن:

وطالما وطالما وطالما

كفى بكف خالدٍ مخوفها

أجزاؤه كلها مخبونة إلا الجزء الرابع. هكذا قال ابن برى، وزعم أن الرواية فيه ((كفى)) بفتح الكاف وتشديد الفاء، قال: ولا معنى له، والصواب ((كفى)) بضم الكاف وتخفيف الفاء من الكفاية، وسكنت الياء فيه ضرورة، وإنما كان هذا صوابا لثلاثة أوجه: الأول أن له معنى صحيحاً حسناً، وعلى الرواية الأولى لا معنى له، والثاني أن فيه ضرباً من البديع وهو التجنيس، الثالث أن يكون هذا الجزء مخبوناً كسائر الأجزاء وهو اللائق بما جرت العادة به من تحري دخول الزحاف في جميع الأجزاء. انتهى كلامه. وأشار الناظم إلى هذا الشاهد بقوله ((خالد)) .

وبيت الطي:

ما ولدتْ والدةٌ من ولدٍ

أكرمَ من عبد منافٍِ حسبا

أجزاؤه كلها مطوية، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ومنافهم)) .

وبيت الخبل:

وثقلٍ منعَ خيرَ طلبٍ

وعجلٍ منعَ خيرَ تؤدهْ

أجزاؤه كلها مخبولة، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((ثقلا)) ، ويدخل الضرب الثاني الخبن، وبيته:

لا خير فيمن كف عنا شره

إنْ كان لا يرجى ليوم خير

فقوله ((مخيري)) هو الضرب، وزنه فعولن، دخل مفعولن الخبن بحذف الفاء فصار معولن فنقل إلى فعولن، وأشار إلى هذا الشاهد بقوله ((لا خير فيمن)) .

(تنبيهان) الأول: للعروضيين في البيت المشطور سبعة مذاهب: الأول أنه عروض وضرب مماثل لها إذ لا توجد عروض بلا ضرب، ولا عكس، لكن لما تعذر انفصالهما جعل البيت كله عروضاً نظراً إلى أنه نصف الدائرة، وضرباً نظراً إلى الالتزام بتقفيته. قلت: والظاهر أن هذا هو رأي الناظم، فتأمل. واستشكل هذا القول بأن كون الشطر ضرباً يقتضى التزام تقفيته وكونه عروضاً لا يقتضى ذلك، فتكون تقفيته ملتزمة وغير ملتزمة وهو تناقض، ولا يدفعه اختلاف الجهتين لتلازمهما.

قلت: وأيضاً فالنظر إلى كونه نصف الدائرة لا يقتضى جعله بكماله عروضاً، على المختار في تفسير العروض، ولا النظر إلى التزام تقفيته يقتضى جعل النصف كله ضرباً، فتأمل.

القول الثاني: أن الثلاثة الأجزاء كلها ضرب لا عروض له، وهو رأى ابن القطاع، ورجحه بالتزام تقفيته، وفيه ما مر مع مخالفته للنظير.

الثالث: أنه عروض لا ضرب لها، ورجح بأن الضرب مأخوذ من الشبه، وحينئذ تعذر جعله ضرباً لانتفاء ما يشبهه فوجب جعله عروضاً، وفيه ما تقدم مع مخالفته النظير.

ص: 63

الرابع: أن العروض والضرب منهو كان والجزء الثالث زيد في الضرب كما يزاد فيه الترفيل والتذييل، واعترض بأن الزيادة على الآخر لم توجد بأكثر من سبب خفيف. الخامس أن العروض مجزوءة، أي ذهب منها جزءٌٌ واحدٌ فبقيت جزأين، والضرب منهوكٌ، أي ذهب منه جزآن وبقي جزء واحد. وتحريره أن هذه الأجزاء الثلاثة الموجودة منها جزآن بقية النصف الأول والجزء الثالث بقية النصف الثاني، فيكون صدر البيت دخله الجزء وعجز البيت دخله النَّهكُ، وعليه فتكون العروض هي الجزء الثاني والضرب هو الجزء الثالث، وفيه مخالفة النظير. السادس عكسُ هذا، أي نهك الصدر، فالعروض هي الجزء الأول وجزئ العجز فالضرب هو الجزء الثالث، وفيه مامر. السابعُ: أن المشطور نصف بيتٍ لا بيتٌ كامل، فحينئذ لا مشطور في التحقيق عند أصحاب هذا القول وإليه ميل ابن الحاجب، واعترض بمجيء بعض قصائده غير مزدوحة، ولو كانت مصرعةً لزم ازدواجها، وهو واضحٌ إن ثبتت الرواية في شيءٍ من قصائد هذا النوع أنه جاء غير مزدوج. وأما المنهوك ففيه أقوالٌ أحدها كالأول في المشطور، أي يجعل الجزآن كلاهما عروضاً وضرباً ممتزجين. وقيل الجزء الأول عروضٌ والثاني ضرب. وقيل كلاهما ضربٌ بلا عروض. وقيل العكس. وقيل مصرعٌ من العروض الثانية وضربها. ولا يخفى ما في الأقوال من المؤخذات. والأخفش يجعل المشطور والمنهوك من قبيل السجع، ولا يجعلها شعراً البتة، ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما وهولا يقول الشعر. وأجيب بأن من شروط الشعر القصد إلى وزنه على ما مر، وهو عليه السلام لم يقصد الوزن، وبأنه قد جاء في بعض كلامه صلى الله عليه وسلم ما هو على تام الرجز، فيلزم أن لا يكون شعراً. وقد تقدم القول فيه أول الكتاب. وردّ الزجّاج قول الأخفش بأن الكلمة الواقعة على وزن قطعة من الأبيات المنهوكة والمشطورة لا يكون شعراً حتى يكثر ويتكرر، وأما إذا يتكرر فليست شعراً. قلتُ: يريد بهذا ما جهل فيه قصد قائله إلى الوزن لا يحمل على الشعر إلا إذا كثر وتكرر، فإن القرينة حينئذ تكون دالةً على قصد قائله للوزن فيكون شعراً، وأما إذا لم يتكرر فلا قرينة تدلّ على القصد، فلمْ يجعل شعراً لذلك. أما إذا فرض أن قائلاً قصد الوزن عل نمط المشطور والمنهوك من أول الأمر ولم ينظم منه غير بيت واحد لأطلقنا عليه الشعر لتحقق القصد فيه إلى الوزن، فتأمله. التنبيه االثاني: استدرك بعضهم للرجز عروضاً أخرى مقطوعةً ذات ضرب مماثل لها، وأنشد على ذلك:

لأطرقنَّ حضهمْ صباحاً

وأبركنَّ مبركَ النعامهْ

وكذلك حكوا جواز القطع في المشطور وجعلوا منه:

يا صاحبي رحلى أقلا عذلى

والخليل رخمه اله يجعل هذا من السريع كما سيأتي، إلا أنهم اتفقوا على جواز استعمال القطع مع التمام في ضرب الأرجوزة المشطورة إجرلء للعلة مجرى الزحاف، كقول امرأةٍ من جديس:

لا أحدٌ أذلُّ من جديس

أهكذا يفعل بالعروس

يرضى بهذا يا لقومي حرُّ

أهدى وقد أعطى وسيق المهر

لخوضهُ بحر الردى بنفسه

خيرٌ من أن يفعل ذا بعرسهِ

وعليه قول لآخر:

والنفس من أنفس شيءٍ خلقا

فكنْ عليها ما حييت مشفقا

ولا تسلط جاهلاً عليها

فقد يسوق حتفها إليها

قال ابن بري: وهذا أكثر ما يستعمله المحثون في الأراجيز المشطورة المزدوجة. قال: ولقائلٍ أن يقول إن كل شطرين من ذلك شعرٌ على حدته، إلا أنه لا يسمى قصيدةُ حتى ينتهي إلى سبعة أشطار فما زاد. قلت: الذي يظهر لي في هذا أن يجعل كلّ شطرين من ذلك شعراً على حدته، ولا يجعل ذلك كله قصيدةً واحدة وإنْ تجاوزت الأبيات سبعةً، لأنهم لا يلتزمون إجراءها على روي واحد ولا على حركة واحدة، بل يجمعون فيها بين الحروف المختلفة المخارج بالقرب والبعد والحركات الثلاث، لا يتحاشون ذلك ولا اختلاف أوزان الضرب، وإنما يلتزمون ذلك في كلّ شطرين، فهو جعلنا الكلّ قصيدة واحدة للزم وجود الإكفاء والإجازة والإقواء والإصراف في القصيد الواحدة، وتكررُ ذلك فيها، وتلك عيوبٌ يجب اجتنابها، وهم لا يعدون مثل ذلك في هذه الأراجيز عيباً، ولا تجد نكيراً لذلك من العلماء، فدلّ على ما قلناه. ثم قال ابن بري: وحكي بعض العروضيين جواز استعمال الحذذ والتسبيغ في مشطور الرجز، أنشد البكري:

ص: 64