الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الفتوة ترك العيب على طعام يقدم إليه. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن صبيح، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق الحنظلي، ثنا جرير عن الأعمش، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنهم، قال:((ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، كان إذا اشتهاه أكله، وإلا تركه)) .
ومن الفتوة استعمال مكارم الأخلاق إذ هي من أعمال أهل الجنة. أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آباذي، ثنا محمد بن الربيع عن سليمان الجسري بمصر، ثنا أبي، ثنا طلق بن السمح، ثنا يحيى بن أيوب عن حميد، عن أنس رضي الله عنه أنه مرض فعاده بعض إخوانه، فقال لخادمته سلمي لإخواننا ولو كسرا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن مكارم الأخلاق من أعمال أهل الجنة)) .
ذكر بيان بعض مكارم الأخلاق من السنة
أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ، ثنا عبد الله بن أيوب العسقلاني، ثنا هاشم بن محمد الأنصاري، ثنا عمرو بن بكر، عن عباد، عن أيوب بن موسى، وإسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن [من] مكارم الأخلاق التزاور في الله وحق على المزور أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، وإن لم يجد عنده إلا جرعة من ماء، وإن احتشم أن
يقرب إلى أخيه ما تيسر، لم يزل في مقت الله تعالى يومه وليلته)) .
ومن الفتوة التآلف مع الإخوان. أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحجاجي، ثنا عبد الله بن صالح المدائني بالمصيصة، ثنا أبو الدرداء هاشم بن يعلى ثنا عمر وابن بكر عن ابن جريج عن عطاء عن جابر رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن إلفٌ مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس)) .
ومن الفتوة السخاوة. أخبرنا أبو الحسين بن صبيح، ثنا محمد بن المسيب الأرغياني، ثنا عبد الرحمن بن الحارث، ثنا بقية بن الوليد، ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عائشة رضي الله عنهم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الجنة دار الأسخياء)) .
ومن الفتوة حفظ الود القديم. أخبرنا محمد بن محمود الفقيه المروزي بها، ثنا محمد بن عمير الرازي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس، ثنا حسين ابن مرزوق النوفلي، ثنا عبد الله بن إبراهيم الغفاري، ثنا عبد الله بن أبي بكر بن
أخي محمد بن المنكدر، عن صفوان بن سليم عن عطاء، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب حفظ الود القديم)) . أخبرنا أبو علي الحافظ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي، ثنا علي بن الحسين الخواص الموصلي، ثنا عبد الله بن إبراهيم بهذا.
ومن الفتوة أن يتعمد الرجل إخوانه وجيرانه. أخبرنا إبراهيم بن محمد ابن يحيى، ثنا حبشون بن موسى الخلال، ثنا محمد بن حسان، ثنا قبيصة، ثنا سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن أبي المساور رضي الله عنهم، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما ينحل ابن الزبير ويقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)) .
ومن الفتوة استعمال الأدب وقت الأكل، أخبرنا إبراهيم بن أحمد البزاري، ثنا الحسين بن علي بن زكريا البصري، ثنا عثمان بن عمرو الدباغ، ثنا ابن علاثة، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن جعفر عن أبي هريرة رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتبعن أحدكم بصره لقمة أخيه)) .
ومن الفتوة المداراة مع الإخوان ما لم تكن معصية. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، ثنا أبو بدر أحمد بن خالد بن عبد الملك، ثنا مخلد يعني ابن يزيد، عن أبي داود النخعي، عن أبي الجويرية، عن ابن عباس رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك الحق)) .
ومن الفتوة المساعدة مع الإخوان وموافقتهم. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن سويد، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا أبي عن محمد بن المنكدر، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال:((صنع رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه وأصحابه، لما وضع الطعام، قال رجل من القوم: إني صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دعاكم أخوكم وتكلف لكم. ثم قال: افطر وصم يوماً مكانه إن شئت)) .
ومن الفتوة أن يبدأ في رفقه بأصحابه دون خاصته. أخبرنا إسماعيل بن أحمد الخلالي، أخبرنا محمد بن الحسين بن قتيبة، أخبرنا حامد بن يحيى، ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته خادماً، فقال: ((.. .. لا أعطيك خادماً وأدع
أهل الصفة تطوي بطونهم من الجوع)) .
ومن الفتوة أن يمكن إخوانه أن يحكموا في ماله كحكمهم في أموالهم. أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا، ثنا أحمد بن الحسين الحافظ، ومكي بن عبدان قالا: ثنا محمد بن يحيى الذهلي، ثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقضى في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
ومن الفتوة محبة القرى والضيافة. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش، ثنا الحسين بن سفيان، ثنا محمد بن رمح، ثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه عن عقبة بن عامر رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بئس القوم قوم لا ينزلون الضيف)) . وبإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا خير فيمن لا يضيف)) .
ومن الفتوة تعظيم الإخوان والحركة لهم. أخبرنا إسماعيل بن عبد الله الميكالي، وعلي بن سعد العسكري، ثنا جعفر بن الفضل الراسبي، ثنا محمد بن يوسف العرياني، ثنا أبو الأسود مجاهد بن فرقد الأطرابلسي، ثنا واثلة بن الخطاب القرشي، قال: ((دخل رجلٌ المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم وحده
فتحرك له النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسول الله، المكان واسع. فقال: إن للمؤمن حقاً)) .
ومن الفتوة استقامة الأحوال. أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر، ومحمد بن إبراهيم بن عبده، قالا: ثنا إبراهيم بن علي، ثنا يحيى بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزياد، عن أبيه، عن عروة رضي الله عنهم، قال: قال سفيان ابن عبد الله الثقفي: ((يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك. قال: قل: آمنت بالله ثم استقم)) .
ومن الفتوة سخاوة النفس. وسلامة الصدر. أخبرنا أبو بكر الديونجي، ثنا الحسين بن سفيان، قال: وجدت في إجازة عثمان بن سعيد، ثنا محمد بن عمران ابن أبي بكر ليلى، ثنا سليمان بن رجاء، عن صالح المزي، عن الحسن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بأعمال، ولكن دخلوها برحمة الله، وسخاوة الأنفس، وسلامة الصدر)) .
ومن الفتوة الشفقة على الإخوان والمواساة معهم. أخبرنا أبو عمرو محمد ابن أحمد بن حمدان، ثنا عمران بن موسى السختياني، ثنا شيبان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم، قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، إذ جاءه رجل على راحلة له، قال: فجعل يضرب يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان فضل زاد فليعد به على من لا زاد له. قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل)) .
ومن الفتوة التحبب، والتزاور في الله، والتواصل. أخبرنا محمد بن عبد الله ابن صبيح، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق الحنظلي، ثنا النضر بن شميل، ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال: سمعت الوليد بن عبد الرحمن يحدث عن أبي إدريس الخولاني، قال في حديث ذكره: فلقيت عبادة بن الصامت، فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت الله ذكره على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: ((حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتبادلين في، وحقت محبتي للمتزاورين في وحقت محبتي للمتواصلين في)) .
ومن الفتوة محبة الغرباء، وحسن تعدهم. أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي ابن زياد، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أبو شعيب، حدثنا محمد بن مسلم،
عن محمد بن عبد الله بن أوس، عن سليمان بن هرمز، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء. قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: الفرارون بدينهم، يحشرون يوم القيامة إلى عيسى بن مريم عليه السلام) .
ومن الفتوة صدق الحديث، وأداء الأمانة. أخبرنا عبد الله بن محمد السمري، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا يحيى بن يحيى، أخبرنا ابن لهيعة، عن الحارث بن زيد، عن ابن حجيرة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((أربع إذا كن فيك، فما عليك، فإنك من الدنيا، حفظ الأمانة، وصدق الحديث، وحسن الخلق، وعفة طعمة)) .
ومن الفتوة إصلاح السر قبل التزيي بزي الصالحين. أخبرنا عبد الله بن أحمد ابن جعفر الشيباني، أخبرنا أحمد بن محمد بن علي الباشاني، أخبرنا أحمد بن عبد الله الجويباري، أخبرنا سلم بن سالم، عن عباد بن كثير، عن مالك بن دينار، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((لا تلبسوا الصوف إلا وقلوبكم نقية، فإن من لبس الصوف على دغلٍ وغش قلاه جبار السماء)) .
ومن الفتوة حسن القراء. وإكرام الضيف. أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد ابن إسحاق، أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي، أخبرنا إسحاق الحنظلي، عن [أبي] حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن قراء ضيفه)) .
ومن الفتوة الأكل بعد أكل الأصحاب [.. .. ..] . أخبرنا محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا العباس بن محمد الدوري، أخبرنا يحيى بن معين، حدثنا عبد الرحمن بياع الهروي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه رضي الله عنهم، قال:((كان رسول اله صلى الله عليه وسلم إذا أكل مع قوم، كان آخرهم أكلاً)) .
ومن الفتوة أن يرى أن الباقي من ماله ما بذله، لا ما أمسكه. أخبرنا عبد الله ابن محمد بن علي، أخبرنا أبو العباس الثقفي، حدثنا الحسين بن عيسى، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة رضي الله عنهم، قالت:((أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة، فقسمها. فقلت: لم يبق منها إلا عنقها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد بقي كلها إلا عنقها)) .
ومن الفتوة الإفطار على سرور الإخوان. أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن قريش، حدثنا مسدد بن قطن، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا بقية، عن محمد بن عبد الرحمن، حدثني عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دخل على أخيه المسلم، وهو صائم، فأراد أن يفطر، فليفطر)) . وذكر الحديث.
ومن الفتوة حسن العشرة، والملاعبة مع الإخوان، والبشر معهم. أخبرنا عبد العزيز بن جعفر بن محمد الخرقي ببغداد، حدثنا محمد بن هارون بن بريه، حدثنا عيسى بن مهران، حدثنا الحسن بن الحسين، حدثنا الحسين بن زيد، قال: قلت لجعفر بن محمد: جعلت فداك، هل كانت في النبي صلى الله عليه وسلم دعابة ومداعبة؟ فقال: لقد وصفه الله بخلق عظيم في المداعبة، إن الله بعث أنبياءه، فكانت فيهم كزازة. وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة، وكان من رأفته بأمته، مداعبته لهم، لكيلا يبلغ بأحد منهم التعظيم حتى لا ينظر إليه. ثم قال: حدثني أبي محمد، عن أبيه علي [عن أبيه الحسين] عن أبيه علي
رضوان الله عليهم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبشر الرجل من أصحابه إذا رآه مغموماً بالمداعبة. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يبغض المعبس في وجوه إخوانه)) .
ومن الفتوة أن لا يطالع العبد نفسه، ولا أفعالها، ولا يطلب على فعله عوضاً. سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول: سئل أبو العباس بن عطاء عن أقرب شيء إلى مقت الله. فقال: رؤية النفس وأفعالها، وأشد من ذلك مطالبة الأعواض على أفعالها.
ومن الفتوة ملازمة التوبة وتصحيحها بصحة العزم على ترك العود إلى ما منه تاب. سمعت منصور بن عبد الله الهروي يقول: سمعت أبا الحسن المزين يقول: صحة التوبة ثلاثة أشياء: الندم على ما مضى، وصحة العزم على ترك العود إلى ما منه تاب، ووجل القلب على ذلك، لأنه من ذنوبه على يقين. ومما أحدث من التوبة على وجل لا يدري أمقبولٌ منه أم مضروبٌ به وجهه.
ومن الفتوة استجلاب محبة الله بالتحبب إلى أوليائه. سمعت عبد الواحد ابن بكر الورثاني يقول: سمعت القناد يقول: سمعت أبا موسى الديبلي يقول: سمعت أبا يزيد البسطامي و [قد] سأله رجل، فقال: دلني على عمل أتقرب به إلى الله. فقال: تحب أولياء الله. وتتحبب إليهم ليحبوك، فإن الله ينظر في قلوب أوليائه في كل يوم وليلة سبعين مرة فلعله أن ينظر إلى اسمك في قلب ولي من أوليائه، فيحبك ويغفر لك.
ومن الفتوة أن لا تعاتب إخوانك عند زلاتهم. وأن تتوب عنهم إذا أذنبوا. سمعت أبا الفرج الصائغ يقول: سمعت الحسين بن سهل، حدثنا أحمد بن عمران الرازي، سمعت على بن صالح يقول: سمعت عمران بن موسى الديبلي يقول: سمعت أبي يقول: قدم يوسف بن الحسين علي أبي يزيد البسطامي رحمهم الله، فسأله: مع من تأمرني أن أصحب؟ فقال: من إذا مرضت عادك، وإذا أذنبت تاب عنك. وأنشد في هذا المعنى:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم
…
وتذنبون، فنأتيكم، فتعتذروا
ومن الفتوة أن لا يقعد العبد عن الكسب إلا بعد صحة عقدة التوكل. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عثمان الآدمي يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: لا ينبغي للصوفي أن يتعرض للقعود عن الكسب إلا أن يكون رجلاً مطلوباً بتركه، قد وقعت به حالة من الأحوال اقتطعته عن مواضع كسبه، وقد أعتبه الحال عن المكاسب، فأما إذا كانت الحاجات منه قائمة، ولم يقع له عروف تحول بينه وبين التكلف، فالعمل أولى به، والكسب أحل له وأبلغ، لأن القعود لمن خرج عن المعارف والتشرف والعادات.
ومن الفتوة تصحيح اعتقاده فيما بينه وبين ربه فيما ألزم من الأحوال والآداب. سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت خير النساج يقول: سمعت أبا حمزة يقول: إني لأستحيي من الله أن أدخل البادية، وأنا شبعان، وقد أعتقد
التوكل لئلا يكون شبعي زاداً أتزوده.
ومن الفتوة تعظيم حرمات الله. سمعت محمد بن شاذان يقول: سمعت علي بن موسى التاهرتي يقول: وقع من عبد الله بن مروان فلس في بئر قذرة، فاكترى عليه بثلاثة عشر ديناراً حتى أخرجه. فقيل له في ذلك، فقال: كان عليه اسم الله مكتوباً، فاحترمته لذلك.
ومن الفتوة أن تعامل الناس على حسب ما تحب أن يعاملوك به وهو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وأحب للناس ما تحب لنفسك، تكن مؤمناً)) ، وفي حديث آخر: وآت للناس ما تحب أن يؤتى إليك)) . سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت سعيد الصوفي يقول: سمعت ابن يزدانيار و [قد] قال له رجلٌ: أوصني. فقال: اقض من الناس حسب ما يقضى لهم من نفسك.
ومن الفتوة الهجرة إلى الله بالسر والقلب، وأصله قول الله عز وجل {فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي} . سمعت أبا الطيب الشيرازي يقول: سمعت أبا بكر الطمستاني يقول: من صحب منا الكتاب والسنة، وعرف عن نفسه، وعن الحق والدنيا، وهاجر إلى الله بسره وقلبه، فليلزم الصدق في هجرته، فقد بلغ المبلغ في الفتوة، إلا أن ينقضه بالرجوع إلى شيء مما هاجر منه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهجرته إلى ما هاجر إليه)) .
ومن الفتوة الصحبة مع الله، أو مع رسوله، أو مع أوليائه. وقال أبو عثمان الحيري: من صحت صحبته مع الله، لزم قراءة كتابه بالتدبر، وآثر كلام الله على كل كلام، واتبع آدابه وأوامره، وما خوطب به. ومن صحت صحبته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتبع أخلاقه وسننه وآدابه وشمائله، وجعل السنن أمامه فيما يأتي ويذر. ومن صحت صحبته مع أولياء الله، اتبع سيرتهم وطريقتهم، وتأدب بآدابهم، ولزم سننهم. ومن سقط عن هذه الدرجة فهو من الهالكين.
ومن الفتوة مطالبة العبد نفسه بالصدق. ليشغله ذلك عن الفراغ إلى أحوال الخلق أجمع. حكي لي عن أبي بكر الطمستاني أنه قال: كل من استعمل الصدق بينه وبين الله، شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله.
ومن الفتوة الثقة بضمان الله تعالى في الرزق. سمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول: سمعت علي بن إبراهيم يقول: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: قال سهل بن عبد الله: من اهتم لرزقه بعد ضمان الله له، لم يكن له عند الله قدر.
ومن الفتوة موافقة الإخوان على الجملة وترك الخلاف عليهم. سمعت أبا العباس أحمد بن محمد النسوي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: سمعت علي بن جعفر يقول: قال أحمد بن إبراهيم الصوري قال: سمعت المسيب بن واضح يقول: كل أخ قلت له قم، قال إلى أين، فليس لك بأخ.
ومن الفتوة أن لا يخالف حبيبك في محبوب ومكروه. سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: سمعت عبد الله بن أحمد الناقد يقول: سمعت أحمد بن الصلت يقول: سمعت بشر بن الحارث يقول: ليس من المروءة أن تحب ما يبغضه حبيبك. وأنشدت في هذا المعنى (شعر) :
أشبهت أعدائي فصرت أحبهم
…
إذا كان حظي منك حظى منهم
وأهنتني فأهنت نفسي صاغرة
…
ما من يهون عليك ممن أكرم
ومن الفتوة حفظ الأدب في الدعاء والسؤال والمناجاة. سمعت محمد بن عبد الله يقول: سمعت سعيد بن عثمان العباسي يقول: حججت ثمانين حجة على قدمي في الفقر، فبينا أنا أطوف، إذ جرى على لساني في الطواف أن قلت: حبيبي.
فإذا هاتفٌ يهتف يقول: ليس ترضى أن تكون مسكيناً حتى تدعى المحبة، فغشي علي. فأفقت وأن أقول: مسكينك. مسكينك. مسكينك.
ومن الفتوة القيام بمنافع الخلق مع حفظ آداب العبودية. سمعت محمد ابن عبد الله العزيز يقول: سمعت يوسف بن الحسين يقول: سمعت ذا النون رضي الله عنهم يقول: شعار أهل المعرفة خصال ثلاث: تفريج كرب الحيوانين، ونشر آلاء الله في مجالس الذاكرين، والدلالة على الله بلسان العارفين.
ومن الفتوة محاسبة النفس والعلم بها، والأسف على ما فاته من عمره على المخالفة. سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: سمعت أحمد بن علي يقول: قال الكتاني: حكي لي عن رجل من أهل الرقة أنه كان محاسباً لنفسه، فنظر يوماً، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا في أحد وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم. قال: فصرخ صرخة [و] خر مغشياً عليه، وقال: يا ويلتاه.. ..ألقى ربي بأحد وعشرين ألف وخمسمائة ذنب؟ على أن يكون في اليوم ذنبٌ واحد، فكيف ولي في كل [يوم] عشرة آلاف ذنب؟!. قال: فغشي عليه ثانياً، فحركوه، فإذا هو ميت.
يتلوه إن شاء الله:
ومن الفتوة حفظ الورع ظاهراً أو باطناً
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين.