الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[23 \ 75 - 29، 31]، صَرِيحَةٌ فِي مَنْعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ الَّذِي نُسِخَ. وَسِيَاقُ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْآيَةَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ كَمَا بَيَّنَّا لَا فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ [4 \ 23] الْخَ. . .
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ غَيْرَ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ حَلَالٌ بِالنِّكَاحِ بِقَوْلِهِ: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [4 \ 24] ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْهُنَّ وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا يَلْزَمُكُمْ أَنْ تُعْطُوهَا مَهْرَهَا، مُرَتَّبًا لِذَلِكَ بِالْفَاءِ عَلَى النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ الْآيَةَ [4 \ 24] ، كَمَا بَيَّنَاهُ وَاضِحًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا، وَلَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مُؤْمِنَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [4 \
25]
، فَمَفْهُومُ مُخَالَفَتِهِ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنَاتِ مِنَ الْإِمَاءِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا الْمَفْهُومُ يُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ آيَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [5 \ 5] ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ فِيهَا الْحَرَائِرُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَاءَ الْكَوَافِرَ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُنَّ وَلَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَخَالَفَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله فَأَجَازَ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ، وَأَجَازَ نِكَاحَ الْإِمَاءِ لِمَنْ عِنْدَهُ طَوْلٌ يَنْكِحُ بِهِ الْحَرَائِرَ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ كَمَا عُرِفَ فِي أُصُولِهِ رحمه الله.
أَمَّا وَطْءُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهَا إِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةٌ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى إِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِالْمِلْكِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ الْآيَةَ [23 \ 6] ، وَلِجَوَازِ نِكَاحِ حَرَائِرِهِمْ فَيَحِلُّ التَّسَرِّي بِالْإِمَاءِ مِنْهُمْ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ لَهُ مَجُوسِيَّةً أَوْ عَابِدَةَ وَثَنٍ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ ; فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْعِ وَطْئِهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، وَمَا خَالَفَهُ فَهُوَ شُذُوذٌ لَا يُعَدُّ خِلَافًا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا إِبَاحَةُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ طَاوُسٍ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ جَوَازُ وَطْءِ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَتْ عَابِدَةَ وَثَنٍ أَوْ مَجُوسِيَّةً ; لِأَنَّ أَكْثَرَ السَّبَايَا فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ
كُفَّارِ الْعَرَبِ وَهُمْ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ حَرَّمَ وَطْأَهُنَّ بِالْمِلْكِ لِكُفْرِهِنَّ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيَّنَهُ، بَلْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً» ، وَلَمْ يَقُلْ حَتَّى يُسْلِمْنَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَقَالَهُ وَقَدْ أَخَذَ الصَّحَابَةُ سَبَايَا فَارِسَ وَهُنَّ مَجُوسٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمُ اجْتَنَبُوهُنَّ حَتَّى أَسْلَمْنَ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي «زَادِ الْمَعَادِ» مَا نَصُّهُ: وَدَلَّ هَذَا الْقَضَاءُ النَّبَوِيُّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْإِمَاءِ الْوَثَنِيَّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ سَبَايَا أُوطَاسٍ لَمْ يَكُنْ كِتَابِيَّاتٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَطْئِهِنَّ إِسْلَامَهُنَّ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْمَانِعَ مِنْهُ إِلَّا الِاسْتِبْرَاءَ فَقَطْ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ مَعَ أَنَّهُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَيَخْفَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَحُصُولُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ السَّبَايَا، وَكُنَّ عِدَّةَ آلَافٍ بِحَيْثُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُنَّ عَنِ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّهُنَّ لَمْ يُكْرَهْنَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُنَّ مِنَ الْبَصِيرَةِ وَالرَّغْبَةِ وَالْمَحَبَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مَا يَقْتَضِي مُبَادَرَتَهُنَّ إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَمُقْتَضَى السُّنَّةِ وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَعْدَهُ جَوَازُ وَطْءِ الْمَمْلُوكَاتِ عَلَى أَيِّ دِينٍ كُنَّ، وَهَذَا مَذْهَبُ طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ، وَقَوَّاهُ صَاحِبُ «الْمُغْنِي» فِيهِ وَرَجَّحَ أَدِلَّتَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. اهـ كَلَامُ ابْنِ الْقَيِّمِ بِلَفْظِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ جِدًّا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الْعَذَابَ الَّذِي عَلَى الْمُحْصَنَاتِ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ الَّذِي نِصْفُهُ عَلَى الْإِمَاءِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ جِلْدٌ مِائَةٍ بِقَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [24 \ 2] ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ عَلَى الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ خَمْسِينَ جَلْدَةً وَيَلْحَقُ بِهَا الْعَبْدُ الزَّانِي فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ، فَعُمُومُ الزَّانِيَةِ مَخْصُوصٌ بِنَصِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [4 \ 25] ، وَعُمُومُ الزَّانِي مَخْصُوصٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ ; لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ إِلَّا الرِّقَّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ سَبَبُ تَشْطِيرِ الْجَلْدِ فَأَجْرَى فِي الْعَبْدِ لِاتِّصَافِهِ بِالرِّقِّ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ تَشْطِيرِ الْجَلْدِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَمْثِلَةِ تَخْصِيصِ عُمُومِ النَّصِّ بِالْقِيَاسِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ نَوْعَ تَنْقِيحِ الْمَنَاطِ الْمَعْرُوفِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ يُسَمَّى قِيَاسًا، وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ قِيَاسًا مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ. أَمَّا الرَّجْمُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَشَطَّرُ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْمُرَادِ بِالْآيَةِ.
تَنْبِيهٌ
قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي مَعْنَى أُحْصِنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَزَوَّجْنَ، وَذَلِكَ هُوَ
مَعْنَاهُ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاةِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قِرَاءَةِ أَحْصَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَسْلَمْنَ، وَأَنَّ مَعْنَى أُحْصِنَّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ زُوِّجْنَ، وَعَلَيْهِ فَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا أُحْصِنَّ [4 \ 25] أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا إِذَا زَنَتْ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّقَ حَدَّهَا فِي الْآيَةِ بِالْإِحْصَانِ، وَتَمَسَّكَ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي رِوَايَةٍ فَقَالُوا: لَا حَدَّ عَلَى مَمْلُوكَةٍ حَتَّى تَتَزَوَّجَ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ مَفْهُومَ هَذِهِ الْآيَةِ فِيهِ إِجْمَالٌ وَقَدْ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ جَلْدِ الْخَمْسِينَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ عَلَى إِحْصَانِ الْأَمَةِ، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَمَةَ الَّتِي لَمْ تُحْصَنْ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَقَطْ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَا تُجْلَدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تُجْلَدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ تُرْجَمُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمُحْتَمَلَاتِ، وَلَكِنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ مِنَ الْإِمَاءِ كَذَلِكَ، لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُحْصَنَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعْبِيرِ بِخُصُوصِ الْمُحْصَنَةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّهَا تُرْجَمُ كَالْحُرَّةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما قَالَا: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ، وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ:«إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي أَبْعَدَ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ، وَحَمْلُ الْجَلْدِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّأْدِيبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لَا سِيَّمَا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ التَّصْرِيحُ بِالْحَدِّ، فَمَفْهُومُ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ بِعَيْنِهِ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَجَابَ فِيهِ بِالْأَمْرِ بِالْجَلْدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّائِلَ مَا سَأَلَهُ إِلَّا لِأَنَّهُ أُشْكِلَ عَلَيْهِ مَفْهُومُ هَذِهِ الْآيَةِ فَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَلَوْ كَانَ جَلْدُ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ جَلْدِ الْمُحْصَنَةِ لَبَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَقْوَالَ الْمُخَالِفَةَ لِهَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ الْمُتَقَدِّمُ آنِفًا، وَكَالْقَوْلِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ تُجْلَدُ مِائَةً، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ وَكَالْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَمَةَ الْمُحْصَنَةَ تُرْجَمُ وَغَيْرُ الْمُحْصَنَةِ تُجْلَدُ خَمْسِينَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَلَا يَخْفَى شِدَّةُ بُعْدِهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ الْآيَةَ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ النُّشُوزَ قَدْ يَحْصُلُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ يَحْصُلُ مِنَ الرِّجَالِ نُشُوزٌ أَوْ لَا؟ وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ