الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ: قَوْلَ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ: الِاسْتِفْتَاحُ أَوْلَى، لِأَنَّ اسْتِمَاعَهُ بَدَلٌ عَنْ قِرَاءَتِهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: أَخْتَارُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَمْدِ أَوَّلَهَا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1] وَتَرْكَ الِافْتِتَاحِ، لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ صَلَاةِ الْعِيدِ: لَوْ أَدْرَكَ الْقِيَامَ رَتَّبَ الْأَذْكَارَ، فَلَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ جَمِيعِهَا بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضٌ.
وَمَنْ جَهِلَ مَا قَرَأَ بِهِ إمَامُهُ لَمْ يَضُرَّ، وَقِيلَ يُتِمُّهَا وَحْدَهُ، وَقِيلَ تَبْطُلُ، نَقَلَ ابْنُ أَصْرَمَ1: يعيد، فقال أبو إسحاق: لأنه لم يَدْرِ هَلْ قَرَأَ الْحَمْدَ أَمْ لَا؟ وَلَا مَانِعَ مِنْ السَّمَاعِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: بَلْ لِتَرْكِهِ الإنصات الواجب.
1 هو: أحمد بن أصرم بن خزيمة بن عباد ينتهي نسبه إلى عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل عن أحمد أشياء. "ت 285هـ". طبقات الحنابلة 1/22.
فصل: ثم يرفع يديه "وش" مَعَ ابْتِدَاءِ الرُّكُوعِ مُكَبِّرًا "و
"
وَعَنْهُ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا بَعْدَ سَكْتَةٍ يَسِيرَةٍ، وَيَرْكَعُ فَيَجْعَلُ يَدَيْهِ مُفَرَّجَةً أَصَابِعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ "و" وَرَأْسَهُ بِإِزَاءِ ظَهْرِهِ "و" وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ "و" ويجزئه قدر يمكنه مس ركبتيه بيديه "وم" من الوسط أو قدره وقيل: في أقل منه احتمالان، وصرح
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
يَسْتَعِيذُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُغْنِي2، وَالشَّرْحِ3، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ.
الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ يُخْتَصُّ حَالُ جَهْرِ الْإِمَامِ، وَسَمَاعِ الْمَأْمُومِ، دُونَ حَالَةِ سَكَتَاتِهِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، والخلاف، قال المجد: ذكر القاضي في
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
2 2/265.
3 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/314.
جَمَاعَةٌ يَكْفِيه. وَفِي الْوَسِيلَةِ نَصَّ عَلَيْهِ "وش".
وَيَتَعَيَّنُ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ""م" مَرَّةً، وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ: وَبِحَمْدِهِ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ، وَالْكَمَالُ لِلْمُنْفَرِدِ قِيلَ: الْعُرْفُ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ "م 14" وللإمام إلى عشر، وقيل ثلاث، ما لم يؤثر مأموم. وَقِيلَ: مَا لَمْ يَشُقَّ، وَظَاهِرُ الْوَاضِحِ قَدْرُ قِرَاءَتِهِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: خَمْسٌ، لِيُدْرِكَ الْمَأْمُومُ ثَلَاثًا.
وَلَوْ انْحَنَى لِتُنَاوِل شَيْءٍ وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ الركوع لم يجزئه، جَعَلَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ كَعَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا قَصَدَ بِغَسْلِ عُضْوٍ غَيْرَ الطَّهَارَةِ مَعَ بَقَاءِ نيته حكما "وم" وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيِّينَ وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ نَوَى التَّبَرُّدَ وَلَمْ يَقْطَعْ نِيَّةَ الْوُضُوءِ صَحَّ، وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فيما إذا طاف يقصد غريما1.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الْمُجَرَّدِ وَالْخِلَافِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ النِّزَاعَ فِي حَالَةِ الْجَهْرِ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ، وَقَطَعَ بِهِ في المحرر وغيره كما تقدم.
مَسْأَلَةٌ 14: قَوْلُهُ: وَالْكَمَالُ فِي الْمُنْفَرِدِ2 يَعْنِي فِي قَوْلِهِ: سُبْحَانُ رَبِّي الْعَظِيمِ، قِيلَ: الْعُرْفُ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ، انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا الْكَمَالُ فِي حَقِّهِ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ، وَلَعَلَّهُ أَوْلَى، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ أَطَالَ فِي الْقِيَامِ أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ بِحَسَبِهِ، وَإِنْ قَصَّرَ قَصَّرَ فِيهِ بِحَسَبِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا حَدَّ لِغَايَتِهِ مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وجزم به في المستوعب، وقدمه الزركشي
1 6/83.
2 في النسخ الخطية و "ط": في المنفرد والمثبت من الفروع.
ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلًا: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حمده مرتبا وجوبا، ويرفع يديه " وش" فعنه مع رأسه "وش" وَعَنْهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ رَفْعِهِ شَيْئًا "م 15" وَمَعْنَى سَمِعَ هُنَا أَجَابَ.
فَإِذَا قَامَ قَالَ: "رَبّنَا وَلَك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ1""وش" أَيْ حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ، وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ2:"وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا" وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ في الأخبار، واقتصر عليه الإمام أحمد والأصحاب، والمعروف في الأخبار "السموات" وفي
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَكُونُ بِقَدْرِ قِيَامِهِ، وَنَسَبَهُ الْمَجْدُ إلَى غَيْرِ الْقَاضِي مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقِيلَ الْكَمَالُ فِي حَقِّهِ سَبْعٌ، قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ، وَقِيلَ عَشْرٌ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4.
مَسْأَلَةٌ 15: قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مُرَتِّبًا وُجُوبًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فَعَنْهُ مَعَ رَأْسِهِ، وَعَنْهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ رَفْعِهِ شَيْئًا، انْتَهَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي5، وَالشَّرْحِ6، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُقْنِعِ:
1 هذا نص حديث أخرجه مسلم "471""194".
2 مسلم "478""206" والترمذي "266" من حديث ابن عباس.
3 2/181.
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/482.
5 2/186.
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 4/488.
كَلَامِ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْأَصْحَابِ "السَّمَاءِ" وَفَعَلَهُ عليه السلام رَوَاهُ أَحْمَدُ1 بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَاجَهْ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ3، وفيه ضعف. لا أن يسمع فقط "هـ م" وكذا المنفرد "وش" وعنه يسمع ويحمد "وهـ م" وَعَنْهُ يَسْمَعُ فَقَطْ، وَعَنْهُ عَكْسُهُ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ "هـ" وَالْمَأْمُومُ يَحْمَدُ فَقَطْ "وهـ م"، وَعَنْهُ وَيَزِيدُ مِلْءَ السَّمَاءِ، اخْتَارَهُ صَاحِبُ النصيحة، والهداية، والمحرر، وشيخنا، وعنه ويسمع "وش".
وَلَهُ قَوْلُ "رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ" بِلَا وَاوٍ، وبها أفضل على الأصح "وم" وَعَنْهُ لَا يَتَخَيَّرُ فِي تَرْكِهَا، وَلَهُ قَوْلُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ وَبِلَا وَاوٍ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ "م ر" وَعَنْ أَحْمَدَ يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَهُوَ مُرَادُ الرِّعَايَةِ، وَإِنْ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك جَازَ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْجَمِيعُ فِي الْأَخْبَارِ، وَأَكْثَرُ فِعْلِهِ عليه السلام:"اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ" 4 وَأَمْرَ بِهِ في الصحيحين5 من حديث
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يَرْفَعُهُمَا مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ وَهِيَ أَصَحُّ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشيخ الموفق، والشارح.
والرواية الثانية: يرفعها بعد اعتداله، وقدمه ابن رزين في شرحه.
1 لم نجده عند أحمد غي مسنده وقد أخرجه مسلم "476""204" من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
2 في سننه 789.
3 هو أبو جحيفة وهب بن عبد الله السوائي الكوفي ويقال له: وهب الخير. من صغار الصحابة. "ت 74هـ". سير أعلام النبلاء 3/202.
4 رواه البخاري 759.
5 البخاري "796" مسلم "409""71".
أَبِي هُرَيْرَةَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ1 مِنْ حَدِيثِهِ زِيَادَةُ الْوَاوِ، وَفِيهِ2 مِنْ حَدِيثِهِ:"رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ "وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِهِ زِيَادَةُ الْوَاوِ وَهُوَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ3، وَهُوَ فِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ4.
وَمَتَى ثَبَتَتْ الْوَاوُ كَانَ قَوْلُهُ: رَبَّنَا مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ أَيْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَا رَبَّنَا فَاسْتَجِبْ، وَلَك الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ. نَقَلَ صَالِحٌ فِيمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَعَطَسَ فِي رُكُوعِهِ فَلَمَّا رَفَعَ مِنْهُ قَالَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، يَنْوِي بِذَلِكَ لِمَا عَطَسَ وَلِلرُّكُوعِ لَا يُجْزِئُهُ. وَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا طَافَ يَقْصِدُ غَرِيمًا5.
قَالَ أَحْمَدُ: إنْ شَاءَ أَرْسَلَ يَدَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا سَبَقَ. وَفِي الْمُذْهَبِ وَالتَّلْخِيصِ يُرْسِلُهُمَا "وهـ" وَقَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ فِي افْتِرَاشِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ يُسَنُّ هُنَا ذِكْرٌ "هـ" كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ "هـ".
ثُمَّ يُكَبِّرُ "و" وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ "و" وَعَنْهُ بَلَى، وَعَنْهُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَحَيْثُ اُسْتُحِبَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ، مَنْ رَفَعَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، وَعَنْهُ لَا أَدْرِي، قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى نَحْوِ مَا يَقُولُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ حكي عنه أن من تركه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 برقم 796.
2 البخاري 795.
3 البخاري 794.
4 البخاري 689.
5 6/38.
يُعِيدُ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ أَحْمَدُ عَنْ التَّمَامِ الَّذِي هُوَ تَمَامُ فَضِيلَةٍ وَسُنَّةٍ، قَالَ أَحْمَدُ: وَمَنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ: مَنْ تَرَكَ الرَّفْعَ يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ؟ قَالَ: لَا نَقُولُ هَكَذَا، وَلَكِنْ نَقُولُ رَاغِبٌ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْإِخْبَارِ فِي الْعِبَادَةِ، لِأَنَّهُ عليه السلام سَمَّى تَارِكَ السُّنَّةِ رَاغِبًا عَنْهَا1، فَأَحَبَّ اتِّبَاعَ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَإِلَّا فَالرَّاغِبُ فِي التَّحْقِيقِ هُوَ التَّارِكُ. قَالَ أَحْمَدُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى: لَا يَنْهَاك عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَّا مُبْتَدِعٌ، فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2، قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا رَأَى مُصَلِّيًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَبَهُ3، قَالَ: وَهَذَا مُبَالَغَةٌ، وَلِأَنَّهُ يَرْفَعُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ "ع" فَمُنْكِرُهُ مُبْتَدِعٌ لِمُخَالِفَةِ، "ع".
وَيَرْفَعُ مَنْ صَلَّى قَائِمًا وَجَالِسًا، فَرْضًا وَنَفْلًا. وَيَخِرُّ سَاجِدًا، فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ "وهـ ش" وَعَنْهُ عَكْسُهُ "وم" ثُمَّ جَبْهَتَهُ، وَأَنْفَهُ، وَسُجُودُهُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى قَدَمَيْهِ، رُكْنٌ مَعَ الْقُدْرَةِ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَعَنْهُ إلَّا الْأَنْفَ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَعَنْهُ رُكْنٌ بِجِهَتِهِ وَالْبَاقِي سُنَّةٌ "وهـ م ق" وَمَذْهَبُ الْحَنِيفِيَّةِ أَنَّ وَضْعَ الْقَدَمَيْنِ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ، لِيَتَحَقَّقَ السُّجُودُ.
وَإِنْ عَجَزَ بِالْجَبْهَةِ أَوْمَأَ مَا أَمْكَنَهُ "وم" وَقِيلَ: يَلْزَمُ السُّجُودُ بِالْأَنْفِ "وهـ ش" وَلَا يُجْزِئُ بَدَلُ الْجَبْهَةِ مُطْلَقًا "هـ" وخالفه صاحباه، وإن قدر بالوجه
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في قوله: "فمن رغب عن سنتي فليس مني". أخرجه البخاري 5036 ومسلم "1401""5" من حديث أنس.
2 أخرجه البخاري "736" ومسلم "391""24" من حديث مالك بن الحويرث.
3 أخرجه الحميدي في المسند 2/278.
تَبِعَهُ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ، وَإِنْ عَجَزَ بِهِ لَمْ يَلْزَمْ بِغَيْرِهِ، خِلَافًا لِتَعْلِيقِ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَضْعُهُ بِدُونِ بَعْضِهَا، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَيُجْزِئُ بَعْضُ الْعُضْوِ، وَقِيلَ: وَبَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ إذَا وَضَعَ مِنْ يَدَيْهِ بِقَدْرِ الْجَبْهَةِ أَجْزَأَهُ، وَمُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِشَيْءٍ منها ليس ركنا في ظاهر المذهب "وهـ م" فَفِي كَرَاهَةِ حَائِلٍ مُتَّصِلٍ حَتَّى طِينٌ كَثِيرٌ وَحُكِيَ حَتَّى لِرُكْبَتَيْهِ رِوَايَتَانِ "م 16" وَعَنْهُ: بلى بجبهته "وش" وَعَنْهُ وَيَدَيْهِ، وَلَا يُكْرَهُ لِعُذْرٍ. نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا فَرْقَ. وَكَذَا قَالَ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وقد قال جماعة:
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 16: قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةٌ لِمُصَلٍّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيْسَ رُكْنًا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فَفِي كَرَاهَةِ حَائِلٍ مُتَّصِلٍ حَتَّى طِينٌ كَثِيرٌ وَحُكِيَ حَتَّى لِرُكْبَتَيْهِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى.
وَذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَمَنْ بَعْدَهُ وَحَكَاهُمَا وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ1 ومختصر ابن تميم، والرعاية الكبرى.
1 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف 3/508.
تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِمَكَانٍ شَدِيدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لِتَرْكِ الْخُشُوعِ كَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ.
وَمَنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ عَادَ وَإِنْ اطْمَأَنَّ انْتَصَبَ قَائِمًا وَسَجَدَ فَإِنْ اعتل عن السجود سقط، وذكر صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامِهِ سَاجِدًا عَلَى جَبْهَتِهِ أَجْزَأَهُ بِاسْتِصْحَابِ النِّيَّةِ الْأُولَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ سَقَطَ مِنْ قِيَامٍ لَمَّا أَرَادَ الِانْحِنَاءَ قَامَ رَاكِعًا، فَلَوْ أَكْمَلَ قِيَامَهُ ثُمَّ ركع لم يجزه كركوعين.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الشَّارِحُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْقَاضِي:
وَالْأَوْلَى مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَأْتِي بِالْعَزِيمَةِ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي1 وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: وَالْمُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلِّي بِالْجِهَةِ وَالْيَدَيْنِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَيَأْخُذَ بِالْعَزِيمَةِ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي إلَّا فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. انْتَهَى.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لا يكره.
1 2/197.
ويستحب على أطراف أصابعه مُفَرَّقَةً مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: يَجْعَلُ بُطُونَهَا عَلَى الْأَرْضِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ فِي ذَلِكَ. وَفِي التَّلْخِيصِ يَجِبُ جَعْلُ بَاطِنِ أَطْرَافِهَا إلَى الْقِبْلَةِ، إلَّا مَعَ نَعْلٍ أَوْ خُفٍّ. وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلٌ: يَجِبُ فَتْحُهَا إنْ أَمْكَنَ.
وَيُسْتَحَبُّ ضَمُّ أَصَابِعِ يَدَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَيُوَجِّهُهَا1 نَحْوَ الْقِبْلَةِ، وَمُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَفَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ، وَالْمُرَادُ مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ. وَعَدَّ صَاحِبُ النَّظْمِ السُّجُودَ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَمُبَاشَرَتَهَا بِالْمُصَلَّى مِنْ الْوَاجِبَاتِ تُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمُتَّجَهٍ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ أَنْ يَلْصَقَ كَعْبَيْهِ، وَهَلْ يَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، أَوْ أُذُنَيْهِ؟ "وهـ" عَلَى مَا سَبَقَ، نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: قَرِيبًا مِنْ أُذُنَيْهِ نَحْوَ مَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إنْ طَالَ، وَلَمْ يُقَيِّدْ جَمَاعَةٌ، وَقِيلَ فِي نَفْلٍ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ بِالْأَرْضِ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَيْهَا يُجْزِيهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ مَا ذَكَرُوهُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهَانِ، وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَمْرِهِ عليه السلام بِتَمْكِينِ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في النسخ الخطية: "يوجههما" والنثبت من "ط".
الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَبِفِعْلِهِ1، وَوُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، فَهَذَانِ وَجْهَانِ.
وَقَدْ ذَكَرُوا لَوْ سَجَدَ عَلَى حَشِيشٍ، أَوْ قُطْنٍ، أَوْ ثَلْجٍ، أَوْ بَرَدٍ وَلَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ الْمَكَانِ الْمُسْتَقَرِّ عَلَيْهِ.
وَسُجُودُهُ بِبَعْضِ بَاطِنِ كَفِّهِ سُنَّةٌ، وَقِيلَ: رُكْنٌ، وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ فَلَمْ تَسْتَعْلِ الْأَسَافِلُ بِلَا حَاجَةٍ فَقِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: تَبْطُلُ، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ: إنْ خَرَجَ بِهِ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ لَمْ يُجْزِئْهُ "م 17". وَلَوْ سَقَطَ لِجَنْبِهِ ثُمَّ انْقَلَبَ سَاجِدًا وَنَوَاهُ أَجْزَأَهُ ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى "م" وَحُكْمُهُ كتسبيح الركوع.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 17: قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، فَلَمْ تَسْتَعْلِ الْأَسَافِلُ بِلَا حَاجَةٍ فَقِيلَ يَجُوزُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ تَبْطُلُ، وَقِيلَ إنْ كَثُرَ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ خَرَجَ بِهِ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ لَمْ تُجِزْهُ. انْتَهَى.
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ دُونَ الْكَثِيرِ، قَالَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ أَبِي الْفَهْمِ2 انْتَهَى. وَقَدَّمَ هَذَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ لَمْ يُكْرَهُ الْيَسِيرُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ انْتَهَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُكْرَهُ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَعْلَى مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: تَبْطُلُ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ اسْتِعْلَاءُ الْأَسَافِلِ وَاجِبٌ.
1 أخرج أبو داود "734" والترمذي "270" عن أبي حميد الساعدي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض.
2 هو: أبو الفرج عبد القادر بن عبد المنعم بن حمد بن سلامة بن أبي الفهم الحراني شيخ حران ومفتيها.
"ت 634هـ". ذيل طبقات الحنابلة 2/202.