المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر الدكتور مرزوق بن هياس آل - أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر - ٦٩ - ٧٠

[مرزوق بن هياس الزهراني]

الفصل: أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر الدكتور مرزوق بن هياس آل

أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر

الدكتور مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية الجامعة الإسلامية – المدينة المنورة

ال‌

‌مقدمة:

الحمد لله أجل الحمد وأوفاه، والصلاة والسلام على أفضل رسل الله، سيدنا محمد ابن عبد الله، الذي بعثه ربه للعالمين رحمة، ولهداية البشر اصطفاه، وبه ختم الأنبياء، فلا نبوة بعده لأحد من خلق الله، وأنزل الله عليه الكتاب معجزة خالدة، وتبيانا لما فيه سعادة الإِنسان في أولاه وأخراه، وصلى الله على آله الأطهار، وأصحابه الأبرار، ومن اقتفى أثره وترسم خطاه.

أما بعد:

فهذه نظرات علمية، وتأملات فكرية في معاني آيات من كتاب الله عز وجل، ضمت الآيات أموراً هي قوام المجتمع الإسلامي وأسس مثالية الحياة لكل إنسان وفقه الله وبفضله ورحمته اجتباه، تلكم الأمور هيَ المسماة (الوصايا العشر) والآيات التي ضمت هذه الوصايا هي المبدوءة بقوله تعالى:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1.

وقد يخطر في ذهن القارئ الكريم أن يسأل عن سبب عنايتي بهذا الموضوع دون سواه من موضوعات الشريعة التي تزخر بكثير من المسائل في العديد من الأبواب. وجوابي عن هذه الخاطرة أن الحافز إلى هذا العمل أمران:

1-

حب المعايشة لكتاب الله عز وجل. ولأن هذه الوصايا عليها مدار الإسلام، وهي أسس النجاة وقوارب الفوز لعبور أمواج بحار الحياة العاتية، فالمستمسك بها تَحصل له السلامة في الدنيا والنجاة في الآخرة.

2-

إن كتاب الله عز وجل هو المصدر الأول للشريعة الإسلامية، والسنة النبوية المصدر الثاني المبين والمفصل لما جاء في المصدر الأول فالعناية بهما أوجب الواجبات والتعرف على شيء من كنوزهما جهد المقل، وما عداهما من العلوم ففرع عنهما أو خادم لهما، وقد كنت عايشت سنة رسول الله صلى بعض الشيء، وتاقت نفسي إلى جلسات جمع كتاب الله عز وجل، فرأيت أن أبدأ بدراسة تلك الوصايا المباركة رجاء أن تكون وصيتي لنفسي كما هي

1 الآيات (151-153) من سورة الأنعام.

ص: 11

وصية الله إلى عباده جميعا، ووصية نبي الله إلى أمته، ومما تجدر الإشارة إليه هنا إعطاء القارئ الكريم نبذة عن نظرتي إلى هذه الوصايا. فأقول سائلا الموَلى جل ثناؤه التوفيق لكل خير، والبعد عن المزالق والزلل: إن المتأمل لتلك الآيات التي وردت بعد الحديث عن تشريعات الأنعام والثمار يجد أن تلك الوصايا هي قواعد هذا الدين الذي جد في بناء المجتمع الإنساني بناء يليق بمقامه واصطفائه، ففيها سعادة بني الإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهي قوام حياته تذكي جذوة التوحيد في نفسه لتحرق تلك الجذوة أوهام الجاهلية، وتبيد تصوراتها، وتكشف زيف مزاعمها، فتملأ قلب الإنسان بنور الإيمان الذي يضيء له الطريق عبر مشواره الطويل إلى أن يلقى ربه عز وجل علىَ صراط مستقيم، ويجد المتأمل أيضا أن هذه الوصايا قوام حياة الأسرة الإنسانية التي يتكون منها المجتمع البشري عبر أجيالها المتلاحقة، فكل أسرة تستمد هدايتهَا من هذا المنهل العذب فإنها تؤتي ثمارها طيبة مباركة بإذن ربها محفوفة برعاية الله في كل ما يحوط الحقوق الإنسانية من ضمانات، وتسعد بكل ما يدفع إلى القيام بالواجبات، وتقدمت الإشارة إلى أن الدين الإسلامي عني ببناء المجتمع الإسلامي الذي بناؤه نابع من صلاح الأسَرة، ومن هذه الوصايَا ندرك القدر العظيم في بناء المجتمع الذي جعل الدين الإسلامي التكافل أحد لبناته، فالعفة والطهارة تحوط كل ما يجري فيه من معاملات، كل ذلكَ مرتبط بعهد الله عز وجل ولتحقيق هذه الغاية يرى المتأمل أن الوصايا بدأت بأعظم أسس إصلاح المجتمع وهي أسس عظيمة لكن توحيد الله عز وجل في المقام الأول، فالمجتمع السليم يقوم على المبدأ السليم ولا حياة لمجتمع يفقد العقيدة النقية الموافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا صحت العقيدة صح بناء المجتمع وإذا فسدت العقيدة فسد المجتمع، وبصحة العقيدة تصح العبادات، وإذا صحت العبادات أثمرت الأعمال وقوي الرجاء في النجاة بين يدي الله عز وجل ما لم يتخلف القبول بسبب خارجي، ولهذا فإن اللازم قبل الدخول في الأوامر والنواهي، وقبل الشروع في التكاليف والواجبات أن تقوم في المجتمع قاعدة التوحيد قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} 1 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا لا إله إلا الله

" 2 الحديث. وقال لما بعث معاذاً إلى اليمن: "

فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله

" 3 وقد عني الكتاب والسنة بالتوحيد وجعله قاعدة أساسية

1 الآية (19) سورة محمد.

2 أخرجه الإمام البخاري (الصحيح مع الفتح1/75) .

3 أخرجه الإمام البخاري (المصدر السابق 3/ 261) .

ص: 12

لجميع الأعمال، منها تستمد الحقوق والواجبات، وقد رتب الِإسلام على العقيدة ما رتب من الولاء والبراء، وما وضع من الشرائع والأحكام فيجب أن يعترف الإنسان في هذا العصر المليء بالمتناقضات بربوبية الله له في كل شأن من شئون حياته، كما يجب أن يعترف بالله عز وجل إلهاً واحداً، لا شريك له في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، ولا ريب أن المتأمل يجد في هذه الوصايا تحديدا للمنهج الذي يجب أن يسير عليه كل مسلم إنه المنهج الإسلامي الرفيع الذي يقدم الأسلوب الوقائي على الأسلوب العلاجي، ولا يعرض الناس لَلفتنة ثم يكلفهم مشقة في المقاومة تتلف أعصابهم وتهدر طاقاتهم، إن الإسلام دين وقاية قبل أن يرسم الحدود ويوقع العقوبات فهو دين حماية للفرد والأسرة والمجَتمع، يرعى الإنسان في شئون دنياه ويرشده في أمور آخرته، يحمي الضمير الإنساني فلا يهجس فيه إلا خير ولا ينطوي إلا على صفاء الاعتقاد، ونداء الحق، وهاتف الخير، ومراقبة الله في السر والعلانية، إنه دين صيانة المشاعر، إذ يرشد إلى سمو الأخلاق، ويحذر من الإساءة أياً كان مصدرها والباعث عليها، واعتنى بالحواس فأرسى قواعد تهذيبها، ووطَد دعائم حماية الجوارح، والحماية منها أيضا جعل لكل ذلك قانونه وضوابطه في شتى مجالات الأعمال الدنيوية والأخروية. وربك أعلم بمن خلق وهو اللطيف الخبير.

الباحث

ص: 13

المنهج في البحث

لما كانت الآيات الكريمات تشمل عشر وصايا توضح جانباً عظيما أقامته الشريعة الإسلامية في مبادئها النظرية والتطبيقية، وفيه تحديد الأسس- التي يقوم عليها إصلاح البشرية رأَيت أن لا أخالف المنهج القرآني. في سرد الِوصايا مرقمة حسب تسلسلها في كتاب الله عز وجل وقد جعلت كل وصية عنواناً مستقلاً وتابعت بحث ما تضمنه الوصية من مبادئ وأحكام تحت عناوين جانبية ورأيت أن من تمام البحث التعرض لكل ما يخدم البحث من حيث بيان الغريب. والنظر في الجانب اللغوي مما له علاقة في توضيح المعنى مع الإفادة التامة من أقوال أئمة التفسير واستخدام المصادر وتوثيق المعلومات. والله تعالى أسأل حسن القصد والتمام والبعد عن اللغو والآثام. وأن يوفقنا لحفظ شريعته وخدمة دينه.

بعض ما جاء في فضل هذه الآيات

ما من شك أن كل آية في كتاب الله عز وجل تزخر بالفضيلة، وهي معين يفيض بالخير، ويتدفق بالهداية، ومن ذلك الخير ما حوت هذه الآيات، ومن ذلك النور ما أضاءت به طريق الحائرين حتى تركت لهم جادة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وما في هذه الآيات من نور يشع بالخير والهداية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها هو وصية الله إلى عباده، ووصية محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمته.

قال الترمذي رحمه الله:

حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي1، حدثنا محمد بن فضيل2، وعن داود الأودي3 عن الشعبي4 عن علقمة5: عن عبد الله6 قال: "من سره أن ينظر إلى الصحيفة7 التي عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم فليقرأ هذه الآيات":

1 أصله من نهاوند، ثقة مات سنة خمس وأربعين ومائة.

2 ابن غزوان، صدوق، رمي بالتشبع.

3 ابن يزيد، الأودي، الزعافري، ضعيف، مات سنة إحدى وخمسين ومائة.

4 عامر بن شراحيل، ثقة مشهور.

5 ابن قيس، النخعي، ثقة ثبت.

6 ابن مسعود رضي الله عنه.

7 لعل في هذه التسمية ما يشير إلى أنها من الصحف المنزلة قبل الإسلام ويأتي البيان إن شاء الله

ص: 14

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم} الآية إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1. وقال عقبه: هذا حديث حسن غريب2.

وقال الطبري رحمه الله: حدثنا ابن وكيع3 قال: ثنا إسحاق الرازي4، عن أبي سفيان5، عن عمرو بن مرة6 قال: قال الربيع7: "ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفل8 خاتمها؟ فقرأ هذه الآيات {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم} "9.

وقال رحمه الله: حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا جرير10، عن الأعمش11، عن إبراهيم12، عن علقمة13 قال:"جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فحدثنا عن الوحي"، فقرأ عليهم هذه الآيات من الأنعام {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ

1 الآيات من (151-153) من سورة الأنعام.

2 الجامع 5/ 264. قد أشكل هذا المسلك للِإمام الترمذي رحمه الله على العلماء، ويذكر الدكتور نور الدين عنتر وهو صاحب بحث في جامع الترمذي أنه إذا قال: حسن غريب فهو يريد ما كان دون الصحة لكنه ليس بضعيف وهو الحسن لذاته، وقد يريد غرابة السند لا المتن (أنظر تعليقه على مقدمة ابن الصلاح ص 36) . ويؤيد أنه أراد غرابة السند أن الرواية أخرجها البيهقي في شعب للإيمان والطبراني وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردوية كلهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه (الدر المنثور 3/ 54) وهو شبيه بحديث عمر إنما الأعمال بالنيات. فلينظر.

وعلى هذا الفهم فالحديث حسن لذاته عند الترمذي رحمه الله. وإن كان في سنده داود بن يزيد الأودي مجمع على ضعفه (انظر التهذيب 3/ 205) لكنه ضعف محتمل، ولذلك قال ابن عدي رحمه الله: ولم أر في حديثه منكراً يجاوز الحد، وداود وإن كان ليس بالقوي في الحديث، فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة. (الكامل 3/948) وتلميذه محمد بن فضيل صدوق، وبقية رجال السند ثقات وتقدم البيان. ويقويه ما يأتي من إيضاح.

3 سفيان بن وكيع، صدوق، بلي بوراقة، ولم يقبل النصح، فسقط حديثه.

4 هو ابن سليمان، أبو يحي، ثقة فاضل، مات سنة مائتين.

5 سعيد بن سنان الشيباني، صدوق له أوهام أخرج له مسلم والأربعة.

6 الجملي، الأعمى، كان لا يدلس، ثقة، عابد، رمي بإرجاء أثنى عليه الأئمة، وله صفات جميلة (انظر التهذيب 8/102)

7 ابن خثيم بن عائذ الثوري، ثقة عابد، قال له ابن مسعود رضي الله عنه: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك. لكن عمر وبن مرة في غالب ظني أنه لم يسمع منه فإني لم أجده في تلاميذ الربيع، ولا الربيع في شيوخه، ثم إن بين وفاتيهما خمساً وأربعين سنة، والربيع من الثانية، وعمرو من الخامسة وأخرجه الطبري من طريق أخرى عن الربيع غير أنه قال: عن رجل عن الربيع (الطبري 8/ 64) .

8 أي لم يكسر خاتمها، ومعنى الفل: الكسر. (انظر اللسان 11/ 530 والصحاح 2/ 260) .

9 الطبري 8/ 64.

10 ابن عبد الحميد بن قرط، ثقة، صحيح الكتاب.

11 سليمان بن مهران، ثقة، حافظ، لكنه يدلس.

12 ابن يزيد النخعي، ثقة، يرسل كثيراً.

13 ابن قيس ثقة ثبت تقدم. وهو يروى عن ابن مسعود فضل هذه الآيات، فيكون إبراهيم متابعاً لداود الأودي في أصل هذه الرواية.

ص: 15

عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا} قالوا: "ليس عن هذا نسألك"1 قال: "فما عندنا وهي غيره"2.

سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه المبايعة عليها:

قال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله:

حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار3، حدثنا محمد بن مسلمة الواسطي4، حدثنا يزيد بن هارون5، أنبأنا سفيان بن حسين6، عن الزهري7، عن أبي إدريس8، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يبايعني على هؤلاء الآيات، ثم قرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} حتى ختم الآيات الثلاث، فمن وفى فأجره على الله، ومن انتقص أدركه الله بها في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخر إلى الآخرة، كان أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"9. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه"10. وقد وافقه على هذا الحافظ الذهبي رحمه الله11.

1الذي يظهر لي أنهم أرادوا أن يقص عليهم خبر الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو ماروت عائشة رضي الله عنها لكنهم صرفهم إلى هذا ليرشدهم إلى فضلها وأهميتها وقوله: (ليس عندنا وحي غيره) الضمير يعود على القرآن فلا يفهم أنه نفى ماعدا هذه الآيات.

2 الطبري 8/64.

3 نقل السبكي عن الحاكم أنه قال: هو محدث عصره وكان مجاب الدعوة (طبقات الشافعية 2/178) وهذه التزكية من أبي عبد الله الحاكم لشيخه ولها قيمتها لقوة الصلة ومزيد الخبرة رحم الله الجميع.

4 أبو جعفر، قال الخطيب رحمه الله: في حديثه مناكير بأسانيد واضحة، ونقَل عن الحاكم أنه سمع الدار القطني يقول: لا بأس به، ونقل الخطيب تضعيفه عن آخرين. (تاريخ بغداد 3/305) . وأمر الحاكم واضح في هذا فقد أخذ بقول الدارقطني رحمه الله وإن كنت لم أجد هذا في سؤالاته للدار قطني ولا الضعفاء المتروكون له ولعله في كتاب آخر بل الذي في سؤالات البرقاني للدار قطني (متروك) أنظر ص 28 لكن العجيب أن الحافظ الذهبي يوافق الحاكم على صحة الحديث مع أنه لا يرضى عن محمد بن مسلمة حسبما نفهم من ترجمته له (في الميزان 4/41) فهل تبع الحاكم في أخذ يقول الدارقطني أو أنها كبوة ولكل جواد كبوة.

5 أبو خالد، الواسطي، ثقة متقن.

6 أبو محمد، الواسطي ثقة في غير الزهري باتفاقهم.

7 محمد بن مسلم، الفقيه الحافظ، المتفق على جلالته وإتقانه.

8 الخولاني عائذ بن عبد الله، سمع من كبار الصحابة ،وكان عالم الشام بعد أبي الدرداء.

9 لاشك أن من المعلوم للمسلم أن الشرك لا يدخل تحت هذا القول فهو مخصوص بقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك} الآية 48 من النساء وإذا علم فإن قوله هذا أصل مذهب السنة والجماعة لأنه فيما عاد الشرك وقتل النفس على خلاف في الأخير من الكبائر التي يدخل أصحابها تحت مشيئة خلافاً للخوارج القائلين بأن مرتكب الكبيرة مخلد في النار وهو مذهب واضح البطلان.

10 (المستدرك 2/318) وتقدم الكلام عن هذا التعليق (4) والحديث في سنده محمد بن مسلمة الواسطي أقل أحواله الضعف وسفيان ضعيف في الزهري. لكن الحديث أصله في الصحيحين من رواية الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة رضي الله عنه، دون قوله:"من يبايعني على هؤلاء الآيات ثم قرأ- قل تعالوا أتل ما حرم الله عليكم -حتى ختم الآيات الثلاث-". ولينظر (الصحيح مع الفتح 1/64 وصحيح المسلم 3/1333) ولفظ الحاكم أخرجه عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ ابن مردوية عن عبادة بن الصامت (الدر المنثور 3/381) .

11 انظر (التلخيص المستدرك 2/318) .

ص: 16

صلة الآيات بالكتب السماوية:

قال الطبري رحمه الله:

حدثنا محمد بن المثنى1، ومحمد بن بشار2 قالا: ثنا وهب بن جرير3 قال: ثنا أبي4 قال: سمعت يحي بن أيوب5 يحدث عن يزيد بن أبي حبيب6، عن مرِثد بن عبد الله7، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار8 قال:"سمع كعب الأحبار9 رجلاً يقرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} فقال: والذي نفس كعب بيده، إن هذا لأول شيء في التوراة،- بسم الله الرحمن الرحيم، قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم"10.

1 الزّمن، ثقة، ثبت، وهو قرين محمد بن بشار بندار، وماتا سنة واحدة.

2 بندار قرين سابقة، ثقة

3 ابن حازم، ثقة.

4 جرير بن حازم أبو النضر وهو والد وهب، ثقة، يضعف إدا حدث عن قتادة، وله أوهام إذا حدث من حفظه ولم يحدث في حال اختلاطه.

5 أبو العباس، الغافقي، صدوق ربما أخطأ روى له الجماعة.

6 أبو رجاء، المصري، ثقة، فقيه، وكان يرسل.

7 أبو الخير، المصري: ثقة، فقيه.

8 كان مميزا يوم الفتح فعد في الصحابة. وعده آخرون في ثقات التابعين. أنظر (أسد الغابة 5/341 والثقات للعجلي ص 318) .

9 كعب بن ماتع الحميري، من أهل اليمن وسكَن الشام، ثقة مخضرم.

10 الطبري 8/ 64 والإسناد لا يقل عن درجة الحسن فرجاله أئمة كبار وكون يحي بن أيوب في مرتبة صدوق ربما أخطأ لا ينزل بدرجته عن الحسن فإن الجماعة أخرجوا حديثه ومنهم الإمامان البخاري ومسلم ومن كان حوله فقد جاز القنطرة إن شاء الله وثبتت عدالته. ثم إن ابن أبي شيبة وابن الضريس وابن المنذر أخرجوا عن كعب أنه قال: "أول ما نزل من التوراة عشر آيات هي العشر التي أنزلت في سورة الأنعام"{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم- إلى آخرها} أنظر (الدر المنثور 3/381) قال الشوكاني رحمه الله: هي وصايا العشر التي في التوراة.

أولها أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية، لا يكن لك إله غيري.

ومنها: أكرم أباك وأمك ليطول عمرك في الأرض، التي يعطيك الرب إلهك.

لا تقتل- لا تزن. لا تسرق.

لا تشهد على قريبك شهادة الزور.

ولا تشته بنت قريبك.

ولا تشته إمرأة قريبك.

ولا عبده. ولا أمته. ولا حماره، ولا شيئا لقريبك.

قال رحمه الله: فلعل مراد كعب الأحبار هذا لليهود بهذه الوصايا عناية عظيمة ،وقد كتبها أهل الزبور في آخر زبورهم، وأهل الإنجيل في أول إنجيلهم ، وهي مكتوبة في لوحين ، وقد تركنا منها ما يتعلق بالسبت (فتح القدير 2/179) قلت معلوم تحريف اليهود للتوراة ، ولا يبعد أن يكون اللفظ محرفاً في البعض وعلامته بادية سيما قوله: لا تشهد على قريبك

الخ، فإن مفهومه جواز ذلك فيما عدا القريب وهذه عقيدتهم المحرفة إستحلال دماء وأموال وأعراض الآخرين وحاشا شرع الله أن يسمح بذلك بل إن كعبا تلا الآيات والله أعلم.

ص: 17

الآيات من محكم القرآن:

قال الطبري رحمه الله:

حدثنا محمد بن الحسين1 قال: ثنا أحمد بن المفضل2 قال: ثنا أسباط3، عن السدي4 قال:"هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم5 القرآن"6.

وقال أبو عبد الله الحاكم رحمه الله:

حدثنا بكر بن محمد الصيرفي7 بمرو، ثنا عبد الصمد بن الفضل8، ثنا مالك بن إسماعيل النهدي9، ثنا إسرائيل10 عن أبي إسحاق11، عن عبد الله بن خليفة12 قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "إن في الأنعام آيات محكمات، هن أم

1 ابن موسى ابن أبي حنين، الكوفي صدوق. انظر (الجرح والتعديل 7/230) .

2 أبو علي، الحضرِي، شيعي، صدوق، في حفظه شيء روى له مسلم.

3 ابن نصر الهمداني صدوق، كثير الخطأ.

4 إسماعيل بن عبد الرحمن، صدوق يهم، رمي بالتشيع ،روى له مسلم.

5 تقول: أحكمت شيء فاستحكم، فصار محكماً، واحتكم الأمر، واستحكم وثق، وإحكام القول إتقانه، بتميز الصدق من الكذب، والحق من الباطل، والهدى من الضلال ،ولذلك وصف الله كتابه العزيز فقال:{كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} الآية (1) من سورة هود أي أحكمت وفصلت بجميع ما يحتاج إليه من الدلائل على توحيده عز وجل ، وإثبات نبوة الأنبياء وختمهم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبيان شرائع الإسلام. فالقرآن الكريم كله محكم متقن ، فمعانيه متفقة وإن اختلفت ألفاظه وهو متشابه في الأحكام والإتقان ، متماثلة في الأوامر والنواهي يصدق بعضه على بعضا ويفسر بعضه بعضا، وفيه إحكام خاص وتشابه خاص قال تعالى:{وهو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات} الآية (7) من سورة آل عمران. فالحكم الناسخ ،والحلال ، والحرام ، والحدود ، والفرائض ، والوعد ، والوعيد ، والمتشابه المنسوخ ، والكيفية في الأسماء والصفات ، وفواتح السور ، وهذه الآيات محكمات لما تضمنت من الأوامر والنواهي. (انظر اللسان 12/143)

6 الطبري 8/64.

7 لم أقف على ترجمته.

8 لم أقف على ترجمته.

9 أبو غسان، ثقة، متقن، صحيح الكتاب.

10 ابن يونس، بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة التكلم فيه ، بلا حجة.

11 عمرو بن عبد الله، السبيعيِ، مكثر، ثقة، اختلط بأخرة وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس (انظر إتحاف ذوي الرسوخ ص40) لكنه من الطبقة التي توقف فيها جماعة ولم يحتجوا إلا بما صرح فيه بالسماع ، وقبلهم آخرون مطلقاً. (المصدر السابق ص 11)

12 الهمداني ، مقبول.

ص: 18

الكتاب، ثم قرأ {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآية" قال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"1، ووافقه على هذا الحافظ الذهبي2 رحمه الله.

مناسبة الآيات لما قبلها:

إلتمس علماء التفسير مناسبة للربط بين هذه الآيات وما سبقها، فتحصل من السياق أن الله عز وجل لما بين فساد رأي الكفار وضلالهم فيما حرموا على أنفسهم من الحرث والأنعام والثمار وأوضح سفههم في ذلك، وأبطل دعواهم بمطالبتهم بالبرهان ولا قدرة ألم عليه. فلله الحجة البالغة. ناسب بعد ذلك أن يوجههم بالأسلوب الحكيم إلى ما يجب عليهم إتباعه من شرع الله عز وجل لا مما تمليه عليهم أهواؤهم، وتسوقهم إليه رغباتهم فيضعوا لأنفسهم قانوناً فيما يحل وما يحرم. بل مرد ذلك إلى العليم الخبير الذي أوضح لهم بِأقوى بيان كمال قدرته عز وجل وشدة عجزهم عن تدبير شئونهم3. فقال تعالى موجهاً الأمر إلى عبده ورسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} .

سؤال وجوابه

قال العلماء قد يسأل سائل فيقول: قال الله تعالىِ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ

} الآيات. وعندما نتأمل الآيات نجد عدداً من الأوامر اندرج تحت قوله: (ما حرم) كالإحسان إلى الوالدين، والوفاء في الكيل والميزان، والعدل في القول، والوفاء

1 المستدرك 2/317.

2 التلخيص مع المستدرك 2/317. والغرِيب أن الحافظ الذهبي يقول عن عبد الله بن خليفة: لا يكاد يعرف. (الميزان- 2/414) وتقدمت الإشارة لمثل هذه الملاحظة ص 6.

3 التسهيل2/ 25، الإرشاد 3/ 197، الفتوحات 2/106، القاسمي 6/ 780 الظلال 3/ 420، المجدد 2/ 185.

ص: 19

بالعهد، وإتباع شرع الله وهذه الأشياء مأمور بها وليس منهياً عنها فبم يوجه هذا؟.

والقول في جواب هذا أن أهل العلم لم يغفلوا عن هذا الإشكال من حيث الظاهر وأجابوا بأجوبة عديدة منها:

1-

قوله تعالى: {حَرَّمَ رَبُّكُمْ} معناه وصاكم به ربكم فضمن حرَّم معنى وصّى، ويؤيد هذا الفهم ما جاء في آخر الآية قال تعالى:{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه} فالتحريم هنا مضمن معنى الوصية، وإذا نظرت في المعنى تجد أن الوصية فيه أعم من التحِريم. فكل تحريم وصية من الله عز وجل إلى عباده، وليس كل وصية تحريما، لأنها تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، وليس أمراً غريباً أن يراد بالتحريم الوصية، ومن الأساليب عند العرب ذكر اللفظ الخاص وإدارة العموم، أو العكس فتذكر اللفظ العام وتريد به الخاص وبناء على ما تقرر فإن تقدير الكلام: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم حصل إبدال قوله تعالى:{أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} منه. وذلك على وجه البيان والتفسير. أي وصاكم أن لا تشركوا به شيئاً ووصاكم بالإحسان إلى الوالدين

الخ. فجمعت الوصية ترك المحرمات وفعل المأمورات. وهذا التوجيه في نظري حسن جداً1.

2-

أن تكون (أن) في قوله تعالى: {أَلَاّ تُشْرِكُوا} تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف، والتقدير: أتل ما حرم عليكم وما أمركم به، فحذف وما أمركم به لدلالة (ما حرم) عليه لأن معنى ما حرم ربكم، ما ينهاكم ربكم عنه، فالمعنى قل تعالوا أتل ما نهاكم ربكم عنه وما أمركم به، ولا مانع من عطف الأمر على النهي والعكس ومن شواهده قول إمرئ القيس: يقولون لا تهلك أساً وتجمل2

3-

جاز ذلك لجواز عطف الأوامر على النواهي لكونها تفسيراً لها باعتبار لوازمها التي هي النواهي المتعلقة بأضداد ما تعلقت به، فإن الأمر بالشيء مستلزم للنهي عن ضده، بل هو عينه عند البعض، كأن الأوامر ذكرت وقصد لوازمها، فإن عطف الأوامر على النواهي الواقعة بعد (إن) المفسرة لتلاوة المحرمات، مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرما دليل وأضح على أن التحريم راجع إلى الأضداد، على الوجه المذكور3

1 التسهيل 2/25.

2 البحر 4/249

3 الإرشاد 3/198

ص: 20