المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عليكم: فيها وجهان: 1- أن الجار والمجرور متعلق بحرم، وهو اختيار - أطيب النشر في تفسير الوصايا العشر - ٦٩ - ٧٠

[مرزوق بن هياس الزهراني]

الفصل: عليكم: فيها وجهان: 1- أن الجار والمجرور متعلق بحرم، وهو اختيار

عليكم: فيها وجهان:

1-

أن الجار والمجرور متعلق بحرم، وهو اختيار البصريين.

2-

أنه متعلق بأتل، وهو اختيار الكوفيين. فالمسألة من باب الإعمال، وقد عرف أن اختيار البصريين إعمال الثاني، واختيار الكوفيين إعمال الأول1. ورجح بعض العلماء الأول قالوا: لأنه أنسب بمقام الاعتناء بإيجاب الانتهاء عن المحرمات المذكورة، وهو السر في التعرضِ لعنوان الربوبية معَ الإضافة إلى ضميرهم، فإن تذكيرهم بكونه تعالى رباً لهم، ومالكاً لأمرهم على الإطلاق من أقوى الدواعي إلى انتهائهم عما نهاهم عنه أشد انتهاء، و (أن) في قوله تعالى:{أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ} مفسرة لفعل التلاوة المعلق بما حرم و (لا) ناهية كما ينبئ عنه عطف ما بعده من الأوامر والنواهي عليه2.وقد أطال العلماء نفسر البحث في قوله تعالى {أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ} من الناحية النحوية وحرر كل ما ورد في ذلك سليمان بن عمر العجلي الشهير بالجمل رحمه الله3

الإيضاح

قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} أمر الله عز وجل نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبينِ للناس من المحرمات ما يقتضي الحال بيانه، مستخدما لأسلوب الحكيم في ذلك إيذاناً بأن حق العباد اجتناب ما حرم الله ورسوله واتباع شرع الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الأسود والأبيض فيقول لهم صلى الله عليه وسلم: يا من حرموا ما أحلَ الله (تعالوا) وهو أمر من التعالي. ولا يمنع أن يحمل على الأصل تعريضاً لأولئك الذين شرعوا مالم يأذن به الله، بأنهم يا حضيض الجهل والبعد عن المنهج السديد، ولو استجابوا لنداء الله ورسوله لتعالوا وترفعوا إلى ذروة العلم وقنة العزة.

قوله تعالى: {أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} . هذه أولى الوصايا العشر، وبدأ سبحانه وتعالى هذه الوصايا بتحريم الشرك لأمور ثلاثة كما ظهر لي.

1-

إن الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب قال تعالِى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} 4 وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ

1 الفتوحات 2/ 106، 107.

2 الإرشاد 3/198، الروح8/54.

3 انظر كتابه الفتوحات 2/107،108.

4 الآية (48) من سورة النساء.

ص: 22

لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} 1 وقال تعالى: {

إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 2 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر- ثلاثاً-؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متكئا- فقال: ألا وقول الزور

" 3 الحديث. ويلاحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الإشراك على غيره من الكبائر مما يشير إلى أنه أعظم الذنوب وأفدحها.

2-

أن من حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولذلك خلقهم قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاِّ لِيَعْبُدُونِ} الآية وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 4 الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم"5.

إن الإنسان تتحقق إنسانيته بقلبه وروحه، ولا صلاح له إلا بصلاحهما، ولا صلاح لهما إلا بوحدانية الله عز وجل، إله هذا المخلوق الذي أوجده من العلم، وركب أجزاءه ورباه بنعمه، لا إله إلا هو ولا رب سواه، قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 6وقال النبي الكريم: "

ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 7. ولا ريب في ارتباط الروح بالقلب، كما أن بين القلب واللسان ارتباطاً إذ هو المعبر عما في القلب. يقول الشاعر:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاد

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم8

والبراءة من الشرك تتحقق بالعلم والعمل بمقتضى العلم، فيعلم العبد أن هذه المخلوقات بجميع أنواعها بقوتها وضعفها ليس فيئها ما تسكن النفس إليه، وتنعم بالتوجه.

1 الآية (116) سن سورة النساء.

2 جزء من الآية (72) من سورة المائدة.

3 صحيح البخاري مع الفتح 5/261.

4 الآية (36) من سورة النحل.

5 صحيح البخاري مع الفتح 13/347.

6 الآية (16) من سورة ق.

7 صحيح البخاري مع الفتح 1/126.

8 البيت لزهير بن أبي سلمي انظر ديوانه ص89.

ص: 23

والاعتماد عليه، إلا الله عز وجل قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1 الآية. ويتبع العلم العمل بما شرع الله عز وجل قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} 2 الآية. فأعلم تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه حرم عليهم أن يشركوا به شيئاً، فشمل ذلك كل مُشرَك به، ومُشرَك فيه، من أنواع العبادة، فإن قوله:(شيئاَ) من النكرات فيعم جميع الأشياء، ولم يبح عز وجل لعباده أن يشركوا به شيئاً، فإن الشرك أظلم الظلم وأقبح القبائح، قال تعالى حكاية عن لقمان عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 3. ولفظ الشرك يدل على أن المشركين كانوا يعبدون الله عز وجل ولكن يشركون به غيره من الأوثان والصالحين والأصنام، فكانت الدعوة واقعة على ترك عبادة ما سوى الله عز وجل، وإفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وكانت (لا إله إلا الله) متضمنة لهذا المعنى فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إلى الإقرار بها اعتماد ونطقاً وعما، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "إنكَ تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة

" 4 الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه

" 5 الحديث. وكان المشركون إذا سئلوا عما يقول لهم محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: يقول "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم" 6. وكانوا يعلمون دلالة لا إله إلا الله، ولذلك أنكروا التوحيد قال تعالى حكاية عنهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 7 وحقيقة الشرك أن يعتقد الإنسان في بعض المخلوقات إنها تجلب نفعاً أو تدفع ضررا بتأثير منها. وهذا البلاء عم البشرَية جمعا ولم ينج منه إلا من رحم الله، ومنِ أن الشرك ما يقع فيه الكثير ون اليوم من الاعتقاد فيمن يعظمون من الأولياء، أن آثاراَ عجيبة تصدر عنهم، يزعمون أن ذلك لم يصدر عن أحد منهم إلا لكونه متصفاً بصفة من صفات الكمال، وفاتهم أن الكمال أمر لم يعهد في جنس الإِنسان، بل محله النقص فهو من لوازم العبودية ولاشك، أما الكمال فهو حق لله مختص به دون سواه وأعني بذلك الكمال المطلق،

1 الآية (22) من سورة الأنبياء.

2 الآية (19) من سورة محمد.

3 الآية (13) من سورة لقمان.

4 صحيح مسلم 1/50.

5 المصدر السابق 1/51.

6 انظر جواب أبي سفيان لهرقل (الصحيح مع الفتح 1/32) .

7 الآية (5) من سورة ص.

ص: 24

وهم يعنون ذلك فيمن يعظمون حين تصدر منهم أعمال غير

عادية. بل زعم غلاتهم أن ذلك لا يحدث إلا لمن خلع الله عليه صفة الألوهية، أومن يفنيه في ذاته، تعالى عما يقولون علواً كبيراً، وهذه عقيدة أهل وحدة الوجود خسئ أصحابها. والأمثلة على شطحات أهل هذا الاعتقاد يطول بيانها، فأنواع خرافاتهم لا تكاد تحصر ولها مظانها، ومن ذلك ما كان يعبر عنه المشركون بقولهم في حجهم:"لبيك اللهم لبيك لا شريك لك- إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك"1 ويعنون شركاءهم الذين يعاملونهم معاملة العباد مع الله، ومن أصابهم هذا الداء العضال اليوم وإن لم يكن اللفظ الوارد عن مشركي العرب في تلبيتهم ظاهراً في تلبية هؤلاء غير أنه معنى يتجلى في أعمالهم وتصرفاتهم، والشرع لا يبحث إلا عن الأعمال والتصرفات، التي باشرها الناس بنية تعظيم مخلوق من المخلوقات، حتى صار ذلك العمل مظنة للشرك ولازما له في العادة، فالأعمال ترجمة عما في القلوب، ولازم الشيء يعطى حكمه، وقد أقام الشرع العلل الملازمة للمصالح والمفاسد مقامها ونظراً لخطورة هذا الأمر فلا بد من التنبيه على أمور جعلها الله عز وجل في الشريعة المحمدية- على صاحبها أكمل الصلاة وأتم التسليم- مظنات للشرك فنهى عنها، منها:

أ- منها أن المشركين كانوا يسجدون للأصنام والنجوم وغيرها من الأوثان فجاء النهي عن السجود لغير الله عز وجل قال تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 2ولم يكن الإشراك قاصراً على السجود بل يتعده إلى التدبير لأن السجود ناشئ عن التعظيم والتعَظيم ناشئ عن اعتقاد في المعظَّم أنه متصرف في الكون، ولديه القدرة على التدبير، وهذه الخطورة قد يكون منشؤها زعم بعض المتكلمين أن توحيد العبادة حكم من أحكام الله، وهو مما يقع الخلاف فيه باختلاف الأديان لا يطالب بدليل برهاني، وهذا ظاهر الفساد، فلو كان الأمر كذلك، لم يقع الإلزام من الله عز وجل بتفرده بالخلق والتدبير، قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُون أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ. أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ

1 صحيح مسلم 2/843.

2 الآية (37) من سورة فصلت.

ص: 25

خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1 وإن من يمعن النظر في هذه الآيات يجد صواعق محرقة لأوهام الجاهلية في كل زمان ومكان، وحجة دامغة تدك تلك الأفكار الواهية والحق أنهم اعترفوا بتوحيد الخلق والتدبير ولكن في الأمور العظام قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 2 فالتوحيدان متلازمان ولا يجوز الفصل بينهما، ولكنهم لا يعقلون.

2-

أنهم كانوا يستعينون بغير الله عز وجل في حوائجهم، من شفاء المريض، وإغناء الفقير، ويقدمون القرابين ويفعلون النذور، لأنهم يتوقعون إنجاح مقاصدهم بذلك، ويتلون أسماءهم رجاء بركتهم، فأوجب الله عليهم أن يقولوا (إياك نعبد وإياك نستعين) في كل يوم وليلة سبع عشره مرة، ونهاهم عن دعوة غيره فقال:{فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 3 والمراد هنا عموم العبادة، ومنها الدعاء، ومرت الدعاء الاستعانة لقوله تعالى:{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} 4.

3-

ومنها أنهم كانوا يتخذون أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله عز وجل، وذلك بأنهم كان يعتقدون أن الحلال ما أحله الرهبان، وأن الحرام ما حرموا، فما أباحوا لهم أخذوه، وما حرموه عليهم امتنعوا عنه ويتجلى هذا حين نزل قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5 فسأل عدي بن حاتم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "كانوا يحلون أشياء فيستحلونها، ويحرمون عليهم أشياء فيحرمونها"6 والحكم بحلية الشيء أو بتحريمه لا يؤخذ إلا عن الله عز وجل قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} 7 فتحديد الأشياء التي يؤاخذ عليها العباد والتي لا يؤاخذون عليها

1 الآيات من سورة النمل.

2 الآية (65) من سورة العنكبوت.

3 جزء من الآية (18) من سورة الجن.

4 الآية (41) من سورة الأنعام.

5 الآية (31) من توبة.

6 انظر كلام ابن كثير ومادمن عن هذا 2/348.

7 الآية (116) من النحل.

ص: 26

أمر خاص برب العباد، فتكوين أسباب المؤاخذة من عدمها له وحده، ورسم الحدود وتشريع الأوامر والنواهي في كل شأن من صفاته تعالى، قال عز وجل:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} 1 أما نسبة التحليل والتحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبمعنى أن قوله صلى الله عليه وسلم أمارة قطيعة تدل على تحليل الله وتحريمه، إذ هو المبلغ عن الله عز وجل قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 2وهو الصادق الأمين خياله قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} 3ونسبة التحليل والتحريم إلى العلماء المجتهدين من أمته صلى الله عليه وسلم تكون بمعنى روايتهم ذلك عن الشرع، وأخذ الحكم من نص الشارع الحكيم، أو استنباطه من كلامه صلى الله عليه وسلم. ومما يجب التنبيه إليه أن الله عز وجل إذا بعث رسولاً، وأيد صدقه بالمعجزات والآيات البينات، وأحل على لسانه بعض ما كان محرماً عند قوم. وحصل من بعض الناس تردد وإحجام عن قبول ما أحلّ، وأصبحت نفسه تميل إلى التحريم، لما كان عليه من الحرمة فلا يخلو هذا المتردد من أحد أمرين:

الأول: أن يكون ما حصل منه تردداً في ثبوت هذه الشريعة فهو كافر بالنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 4.

الثاني: أن يكون صدور ذلك منه لاعتقاد وقوع التحريم الأول تحريماً لا يحتمل النسخ، لأنه يعتقد أن الذي حرم ذلك، قد خلع الله عليه خلعة الألوهية، أو صار فانيا في الله عز وجل، أو غير ذلك من الاعتقادات الباطلة، فذلك مشرك بالله عز وجل. إذ أشرك مع الله غيره في هذا الأمر، وأثبت للغير غضباً ورضاً مقدسين، وتحليلاً وتحريماَ مقدسين. وتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

4-

أنهم كانوا يتقربون إلى الأصنام والنجوم، إما بإهلال بأسمائهم عند الذبح، وإما بالذبح على الأنصاب المخصوصة لهم، فحرم الله عز وجل ذلك قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا

1 الآية (59) من يونس.

2 الآية (7) من سورة الحشر.

3 الآيتان (3، 4) من سورة النجم.

4 الآية (65) النساء.

ص: 27

أمر خاص برب العباد، فتكوين أسباب المؤاخذة من عدمها له وحده، ورسم الحدود وتشريع الأوامر والنواهي في كل شأن من صفاته تعالى، قال عز وجل:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} 1 أما نسبة التحليل والتحريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبمعنى أن قوله صلى الله عليه وسلم أمارة قطيعة تدل على تحليل الله وتحريمه، إذ هو المبلغ عن الله عز وجل قال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 2وهو الصادق الأمين خياله قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوحَى} 3ونسبة التحليل والتحريم إلى العلماء المجتهدين من أمته صلى الله عليه وسلم تكون بمعنى روايتهم ذلك عن الشرع، وأخذ الحكم من نص الشارع الحكيم، أو استنباطه من كلامه صلى الله عليه وسلم. ومما يجب التنبيه إليه أن الله عز وجل إذا بعث رسولاً، وأيد صدقه بالمعجزات والآيات البينات، وأحل على لسانه بعض ما كان محرماً عند قوم. وحصل من بعض الناس تردد وإحجام عن قبول ما أحلّ، وأصبحت نفسه تميل إلى التحريم، لما كان عليه من الحرمة فلا يخلو هذا المتردد من أحد أمرين:

الأول: أن يكون ما حصل منه تردداً في ثبوت هذه الشريعة فهو كافر بالنبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 4.

الثاني: أن يكون صدور ذلك منه لاعتقاد وقوع التحريم الأول تحريماً لا يحتمل النسخ، لأنه يعتقد أن الذي حرم ذلك، قد خلع الله عليه خلعة الألوهية، أو صار فانيا في الله عز وجل، أو غير ذلك من الاعتقادات الباطلة، فذلك مشرك بالله عز وجل. إذ أشرك مع الله غيره في هذا الأمر، وأثبت للغير غضباً ورضاً مقدسين، وتحليلاً وتحريماَ مقدسين. وتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

4-

أنهم كانوا يتقربون إلى الأصنام والنجوم، إما بإهلال بأسمائهم عند الذبح، وإما بالذبح على الأنصاب المخصوصة لهم، فحرم الله عز وجل ذلك قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا

1 الآية (59) من يونس.

2 الآية (7) من سورة الحشر.

3 الآيتان (3، 4) من سورة النجم.

4 الآية (65) النساء.

ص: 27

أَكَلَ السَّبُعُ إِلا َّمَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب} 1 الآية وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله"2.

5-

إنهم كانوا يسمُون السوائب3 والبحائر4 تقرباً إلى شركائهم فحرم الله عز وجل ذلك فقال: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} 5 الآية.

6-

وكانوا يعتقدون في أناس أن أسماءهم مباركة ومعظمة، ويعتقدون أن الحلف بأسمائهم على الكذب يستوجب نقصاً في المالي والأهل، فلا يقدمون على ذلك، ولذلك كانوا يستحلفون الخصوم بأسماء الشركاء بزعمهم، فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أخرج الإمام النسائي رحمه الله بسنده من طريق مصعب بن سعد قال:"كنا نذكر بعض الأمر وأنا حديث عهد بالجاهلية فحلفت باللاتي والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله جمع: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فأتيته فأخبرته فقال لي: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له ثلاث مرات، وتعوذ بالله من الشيطان ثلاث مرات، واتفل عن يسارك ثلاث مرات، ولا تعد له"6 لما تعاطى الصحابي في قسمه صورة تعظيم الصنم حيث حلف به، أنكر عليه الأصحاب رضي الله عنهم ولما كان ذلك القول يتعلق بالإيمان ظنوه كفراً، ولا ريب أنه رضي الله عنه لم يقصد التعظيم للصنِم غير أن قوله ذلك يتعلقَ بالاعتقاد فكان الإصلاح من النوع الذي يتعلق بالاعتقاد أيضا، فوجهه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى قول لا إله إلا اللَّه، فإنها إصلاح لما قد يخدش الإيمان، مما يجري على اللسان من غير قصد، كقول هذا، الصحابي رضي الله عنه، وينقل الحافظ عن العلماء أنهم قالوا: "يستحب أن يقول لا إله إلا الله"7. وفي نظري أن ما وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الوجوب لا الاستحباب إذ لا صارف يصرفه عن ذلك، فقول لا إله إلا الله هنا يقوم مقام الكفارة إلا أنها تجدد الوحدانية وتصلح سبق اللسان الذي قد يخدش الاعتقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك"8 وقلنا إن الصحابي رضي الله عنه ما قصد ذلك لكونه حديث عهد بجاهلية، لكن شرك في اللفظ دون الاعتقاد، أما من تعمد ذلك فلا يُشك في كفره

1 الآية (3) من المائة.

2 صحيح مسلم 1567/3.

3 جمع سائبة وهي الناقة كانت تسيب إذا ولدت عشر إناث تركت انظر (الصحاح 1/ 634) .

4 جمع بحيرة وهي بنت السائبة تشق أذنها وتترك (الصحاح 1/72) .

5 الآية (31) من التوبة.

6 سنن النسائي 7/7، 8.

7 فتح الباري 11/536.

8 سنن الترمذي 4/ 110.

ص: 28

7-

ومن ذلك قصد مواضع مختصة بشركائهم للتبرك بها، ويكون الحلول بها تقرباً منهم فحرم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. قال صلى الله عليه وسلم:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" فشد الرحال بقصد العبادة إلى غير هذه المساجد الثلاثة خروج عن الشرع، وإحياء لأمور الجاهلية التي حرمها الإسلام، وما يفعله كثير من المسلمين اليوم عند قبور الأولياء أمر منكر، ومصادم لما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

8-

كانوا يسمون أبناءهم عبد العزى وعبد شمس وغير ذلك من الأسماء المشعرة بالعبودية لغير الله عز وجل فأنكر الله عز وجل ذلك وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 1. ولا يظن بآدم وحواء أنهما أشركا بالله عز وجل، لعصمة آدم عليه السلام ولاسيما بعد قصته مع إبليس لعنه الله، والأثر الوارد من طريق الحسن، عن سمرة بن جندب في ذلك، رده الحافظ ابن كثير رحمه من وجوه:

الأول: أنه من رواية عمر بن إبراهيم البصري2 وثقة ابن معين3 وقال فيه أبو حاتم الرازي: "لا يحتج به"4.

الثاني: أنه ورد من قول سمرة نفسه ليس مرفوعاً. أخرجه ابن جرير في تفسيره5.

الثالث: أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه6

قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا ابن وكيع7 قال: حدثنا سهل بن يوسف8، عن عمرو9، عن الحسن10 {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} 11 قال:"كان هذا في بعض أهل الملل، ولم يكن بآدم".

1 الآيتان (189، 190) من الأعراف.

2 أنظر ترجمته (الجرح 6/ 98) .

3 انظر (رواية الدرامي ص 50 رقم 41) .

4 أنظر (الجرح 6/98) .

5 الطبري 99/9.

6 ابن كثير2/274.

7 سفيان، أسقط حديثه، وتقادم الكلام فيه.

8 الأنماطي، ثقة، رمي بالقدر، مات سنة تسعين ومائة.

9 ابن عبيد بن باب، التميمي، معتزلي، كان داعية، مات سنة ثلاث وأربعين ومائة.

10 ابن أبي الحسن، البصريَ، ثقة، معروف، مات سنة عشر ومائة.

11 انظر الآية (190) من الأعراف.

ص: 29

حدثنا محمد بن عبد الأعلى1 قال: حدثنا محمد بن ثور2، عن معمر3 قال:"قال الحسن: عنى بها ذرية آدم من أشرك منهم بعده".

حدثنا بشر بن معاذ4 قال: حدثنا يزيد5 قال: حدثنا سعيد6، عن قتادة7 قال:"كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا"8.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه، أنه فسر الآية بذلك، وهو منِ أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث9 عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، ولاسيما مع تقواه لله وورعه، فهذا يدل على أنه موقوف على الصحابي10، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم، مثل كعب11 أو وهب بن منبه وغيرهما12.

وقد علم مما سبق أن الأثر المروي فيِ تفسير الآية لا يصح الاحتجاج به13 وقد ذكره صاحب تيسير العزيز الحميد14 تفسيرا للآية فلا يصار إليه والحق في ذلك ما ثبت عن الحسن نفسه كما تقدم بيانه. والآية تدل على تحريم اتخاذ الشركاء. ولم يسلم من هذا بعض المسلمين اليوم. فما أكثر من سمى عبد الولي وعبد الرسول وغير ذلك. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث أنه غير بعض أسماء أصحابه التي تشعر بالعبودية لغير الله عز وجل أوفيها قبح، وفيما تقدم ذكر صور وأشكال للشرك حرمها الشرع فيجب على المسلم أن يحذرها وأن يحذر منها وعند تدقيق النظر فيما سلف يتبين أن المشركين طوائف كثيرة وكثيرة

1 الصنعاني ثقة، مات سنة خمس وأربعين ومائتين.

2 الصنعاني، ثقة مات ستة تسعين ومائة تقريبا.

3 ابن رشد، ثقة ثبت، مات سنة أربع وخمسين ومائة.

4 أبو سهل العقدي، صدوق مات سنة بضع وأربعين ومائتين.

5 ابن زريع البصري ثقة ثبت مات سنة اثنتين وثمانين ومائة.

6 بن أبي عروبة ثقة حافظ له تصانيف من أثبت الناس قي قتادة.

7 ابن دعامة رأس الطبقة الرابعة ثقة ثبت مات سنة بضع عشرة ومائة.

8 الطبري 9/100 – 101.

9 ما ذكر في التفسير الآية أنه كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد

الخ.

10 سمرة بن جندب رضي الله عنه.

11 كعب الأحبار تقدم وهو والذي بعده كانوا من العلماء اليهود فأسلموا.

12 ابن كثيبر 2/275.

13 للراغب في زيادة الاطلاع ينظر تحفة الأحوذي 8/460- 466، ابن كثير 2/274، 275.

14 انظر ص628 وما بعدها. وقد أخرج الأثر الترمذي وقال: حسن غريب. الجامع 5/267.

ص: 30

جداً، تعددت بتعدد الأسباب والوسائل المؤدية إلى ذلك وقد ذكر الفخر الرازي رحمه الله أربع طوائف منهم:

ا- طائفة يجعلون الأصنام شركاء لله عز وجل، وإليهم الإشارة بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1.

2-

طائفة يعبدون الكواكب وهم الذين حكى الله عنهم أن إبراهيم عليه السلام أبطل قولهم بقوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} 2.

3 – طائفة حكى الله عنهم أنهم جعلوا لله شركاء الجن قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ} 3.

4-

طائفة جعلوا لله عز وجل بنين وبنات. وأقام عز وجل الدليل على فساد أقوال هؤلاء4. وإذا نظرنا إلى الشرك بالنسبة إلى أقسام التوحيد نجد أن الشرك ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقا، وقد يكون أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، وقد يكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر منه. وبيان ذلك فيما يلي:

القسم الأول الشرك في الربوبية وهو نوعان:

ا- شرك التعطيل، وهو أقبح أنواع الشرك. وهو إنكار لوجود الله عز وجل، وممن يمارس هذا الذنب العظيم الدهريون، والطبائعيون، وإمامهم فيه فرعون هو سابقهم إلى هذا الإلحاد إذ قال:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} 5. ومن هذا النوع شرك الفلاسفة، القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدوماَ أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، والمخلوقات عندهم جميعا ترجع إلى أسباب ووسائط، اقتضت إيجادها، يسمونها العقول والنفوس6، ومنه أيضاً شرك طائفة وحدة الوجود، مثل ابن عربي7،ابن سبعين8 والعفيف

1 الآية (74) من الأنعام.

2 الآية (76) من الأنغام.

3 الآية (100) من الأنغام.

4 الرازي 13/ 222.

5 انظر الآية (23) من الشعراء.

6 هذا مبني على مذهب الفلاسفة إن العقول والنفوس العلكية عالمة بجميع الأشياء (الذخيرة صح207)

7 محمد بن على بن محمد بن أحمد به عبد الله، الطائي، الحاتمي، لقبه محي الدين، وكنيته أبو بكر، وشهرته ابن عربي، ويقال له الشيخ الأكبر، ولد في السابع عشر من رمضان سنة ستين وخمسمائة، (560هـ) من غلاة الصوفية، وأحد القائلين بوحدة الوجود. أنظر (النفاق والزندقة ص111) .

8 عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن سبعين، ولد في سنة أربع عشرة وستمائة (614 هـ) عرف السيمياء - ولبس بها على الأغبياء، صنف في الِإلحاد، وله فيه وفي الزندقة كلام كثير، ومن سيئ قوله، لقد كذب ابن أبي كبشة على نفسه حيث قال. لا نبي بعدي- يعنى رسول الله صلى- وقوله: لقد تحجر ابن آمنة واسعاً بقول. لا نبي بعدي. انظر (النفاق والزنادقة ص (120) .

ص: 31

النعمان1، وابن الفارض2، وغيرهم من أهل الزيغ والإلحاد، الذين ألبسوه حلية الإسلام، ومزجوه بشيء من الحقِ، حتى راج سوقهم ونفقت بضاعتهم، واغتر بها جَهلاؤهم وعوامهم، ومن ذلك أيضاَ شرك من عطل أسماء الرب عز وجل، وهم غلاة الجهمية3 والقراطمة4.

2-

شرك من جعل مع الله إلهاً آخر ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، ومنه شرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة قال الله تعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 5 ومنه شرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، ومنه أيضاً شرك الذين يرون أن للكواكب والنجوم تدبيرا لأمر الكون أو زيادة الرزق أو نقصانه، والنجوم خلق من خلق الله لا يجوز أن يعتقد أحد أنها تنفع وتضرمن دون الله، ولذلك أقسم الله بها لصرف الأنظار إلى تدبر عظمة خالقها عز وجل وتدبيره أمرها. قال تعالى:{فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} 6 وقال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} 7 فأخبر عز وجل بسجود جنس النجم له عز وجل، ولم تخلق النجوم لتُعبد وإنما خلقت لأمور ثلاثة:

الأول: زينة للسماء قال تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} 8 وقال عز

1 أبو الربيع، سليمان بن على بن عبد الله بن على العابدي، الكوفي ثم التلمساني، أحد زنادقة الصوفية، ومن عظماء القائلين بالوحدة المطلقة، ومن سيئ قوله: القرآن ليس فيه توحيد، بل كله شرك، ومن اتبع القرآن يصل إلى التوحيد، وكان يقول: نكاح الأم والبنت، والأجنبية واحد- بمعنى أنه لا فرق بين ذات المحرم وغيرها- وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا. حرام علينا فقلنا. حرام عليكم. انظر (النفاق والزندقة ص 132) .

2 عمر بن علي، ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة (576 هـ) أحد القائلين بوحدة الوجود. قال عنه الذهبي رحمه الله: ينعق بالِإلحاد الصريح. له افتراءات وضلال ينوء بحملها، ويبوء بإثمها. انظر (النفاق والزندقة ص 123) .

3 أتباع الضال المبتدع أبي محرزجهم بن صفوان الراسبي، زرع شراً عظيماً، وهو من الجبرية الخالصة ظهرت بدعته بترمذ، وقتله سالم بر أحوز المارني بمرو، في آخر ملك في أمية، وافق المعتزلة في نفي الصفات الأزلية، وراد عليهم بأشياء انظر (الفرق بين الفرق ص211، والملل والنحل 1/109)

4 فرقة من غلاة الشيعة يستحلون أموال المسلمين ودماءهم وهم أتباع أبي سعيد الحسر بن حهرام الجنابي، وظهرت هذه الفرقة في جمادى الآخرة من سنة ست وثمانين ومائتين وتوالى شرها على المسلمين. انظر (البداية والنهاية 11/ 81) وما بعدها.

5 الآية (73) من المائدة.

6 الآية (75) من الواقعة.

7 الآية (6) من الرحمن.

8الآية (6) من الصافات.

ص: 32

وجل: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} 1 وقال عز وجل: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} 2 وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} 3.

الثاني: رجوماً للشياطين. قال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} 4 وقال تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ} 5 وقال تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} 6

الثالث: علامات يُهتدي بها. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر} 7 الآية وقال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} 8 وقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه تعليقاً قال: وقال قتادة:"

خلق هذه النجوم لثلاث، جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يِهتدي بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف مالا علم له به"9. فعجبا لمن يعتقد في النجوم أو ينسب إليها شيئا من أسباب الخير، أو دوافع الشر، بعد هذا البيان المنزل في أشرف الكتب على أصدق الخلق وأكرم الرسل صلى الله عليه وسلم، ومن هذا القسم أيضاً شرك غلاة عباد القبور الذين يزعمون أن أرواح الأولياء تتصرف في قضاء الحاجات بعد الموت، فيفرجون الكربات، ويجلبون الخير ويدفعون الشر، وينصرون من دعاهم ويحفظون من اعتصم بهم ولجأ إليهم وهؤلاء أشركوا في الفعل مع الله غيره، ولا ريب أن هذه من خصائص الربوبية، وكم من هالك في هذا الباب من المسلمين اليوم إذا لم تدركهم هداية الله، ويتحصنوا بالتوبة الصادقة ويلجأوا إلى كتاب الله وسنة رسوله لاستقاء عقيدتهم وتنقية ما علق بصدورهم.

القسم الثاني: الشرك في توحيد الأسماء والصفات وهو نوعان:

1-

تشبيه صفات الخالق بالمخلوق، كأن يقول: يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري، واستواء كاستوائي، وهذا يسمى شرك الشبه، وهذا النوع ينافي قول الله عز وجل

1 الآية (12) من فصلت.

2 الآية (5) من الملك.

3 الآية (16) من الحجر.

4 الآية (5) من الملك.

5 الآية (35) من الرحمن

6 جزء من الآية (9) من الجن.

7 الآية (97) مر الأنعام.

8 الآية (16) ص الحل.

9 الصحيح مع الفتح (6 / هـ 29) .

ص: 33

{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1 وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 2.

2-

اشتقاق أسماء الآلهة الباطلة من أسماء الإله الحق، كاشتقاق اللات من الإله، والعزى من العزيز، وهذا ما نهى الله عنه في قوله عز وجل:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3. وممن فسر الإلحاد في أسماء الله بالاشتقاق ابن عباس رضي الله عنه. وقال به قتادة رحمه الله4.

القسم الثالث: الشرك في توحيد الألوهية والعبادة:

هذا القسم هو الشرك الأعظم وهو شرك الجاهلية وهو نوعان:

ا- أن يجعل العبد لله نداً يدعوه كما يدعو الله عز وجل، ويسأله الشفاعة كما يسأل الله تعالى، ويرجوه كما يرجو الله تعالى، ويحبه كما يحب الله تعالى، ويخشاه كما يخشى الله عز وجل، وجملة القول أنه جعل له إلها آخر يعبده كما يعبد الله، فهذا شرك أكبر وهو الذي قال الله عز وجل فيه:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 5.وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 6 وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} 7 الآية وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} 8 الآيات في هذا المقام كثيرة ولا ريب أن الحجة قائمة على العباد ولو لم يحرم الله ذلك إلا بآية واحدة، فكيف وقد تعددت فيه أدلة التحريم كتاباً وسنة.

2-

الشرك الأصغر، كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، وعدم الإخلاص لله عز وجل في العبادة، بل يعمل العبد لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، فله من عمله نصيب ولغيره منه نصيب، والله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وذكر الإخلاص في كتابه أكثر من عشرين مرة ومن ذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ

1 الآية (74) من النحل.

2 الآية (11) من الشورى.

3 الآية (180) من الأعراف.

4 1بن كثير 2/269.

5 الآية (36) من النساء.

6 الآية (37) من النحل.

7 الآية (18) من يونس.

8 الآية (48) من النساء.

ص: 34

مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 1 الآية وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} 2 الآية.

ويتبع هذا النوع الشرك بالله عز وجل في الألفاظ كالحلف بغير الله عز وجل، وقول ما شاء الله وشئت، ومالي إلا الله وأنت، وأنا في حسب الله وحسبك، وقد يفضي ذلك إلى الشرك الأكبر بحسب حال قائله ومقصده، والأحاديث الواردة في النهي عن الشرك وبيان أنه أعظم الذنوب كثيرة منها حديث الصحيحين عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق قلت: وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر؟ قال: وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر" 3 وفي بعض الروايات أن الذي قال ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبو ذر، وأنه عليه الصلاة والسلام قال في الثالثة:"وإن رغم أنف أبي ذر" فكان أبو ذر يقول بعد تمام الحديث: "وإن رغم أنف أبي ذر" 4 وأخرج الإمام البخاري بسنده من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار" 5 وأخرج الإمام مسلم رحمه الله من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار"6. قال عبد الله بن الإمام أحمد7 حدثني أبي8، ثنا عفان9، ثنا همام10، ثنا عامر الأحول11، عن شهر بن حوشب12 عن عمرو بن معد يكرب13 عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه

1 الآية (29) من الأعراف.

2 الآية (5) مر البينة.

3 انظر (صحيح مسلم 1/94)

4 انظر (صحيح البخاري مع الفتح 11/ 0 36- ا 36) وقد اختصره في أكثر من موضع.

5 انظر (المصدر السابق 8/ 176) .

6 صحيح مسلم 94/1.

7 أبو عبد الرحمن، ثقة، مات سنة تسعين ومائتين.

8 رابع الأئمة، أحمد بن حنبل، ثقة، فقيه حجة، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.

9 ابن مسلم، الباهلي، ثقة، كان إذا شك في حرف من الحديث تركه.

10 ابن يحي، العوذي، ثقة ربما وهم، مات سنة خمس وستين ومائة، أو ما قبلها.

11 صدوق يخطئ، روى عن الصحابي عائذ بن عمرو مزني، ولم يدركه.

12 صدوق كثير الِإرسال والأوهام- لم يدرك عمرو بن معدي كرب- مات سنة اثنتي عشرة ومائة، وعمرو في عهد عثمان.

13 سقط اسم عمرو من المسند وتصحيحه من الدارميِ 2/ 322، وهو الزبيدي، الفارس المشهور، قدم على رسول الله صلى في وفد زبيد، فأسلم. انظر ترجمته (في الِإصابة مع الاستيعاب (7/ 144) .

ص: 35

‌الإيضاح:

قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} أمر الله عز وجل نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يبينِ للناس من المحرمات ما يقتضي الحال بيانه، مستخدما لأسلوب الحكيم في ذلك إيذاناً بأن حق العباد اجتناب ما حرم الله ورسوله واتباع شرع الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الأسود والأبيض فيقول لهم صلى الله عليه وسلم: يا من حرموا ما أحلَ الله (تعالوا) وهو أمر من التعالي. ولا يمنع أن يحمل على الأصل تعريضاً لأولئك الذين شرعوا مالم يأذن به الله، بأنهم يا حضيض الجهل والبعد عن المنهج السديد، ولو استجابوا لنداء الله ورسوله لتعالوا وترفعوا إلى ذروة العلم وقنة العزة.

قوله تعالى: {أَلَاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} . هذه أولى الوصايا العشر، وبدأ سبحانه وتعالى هذه الوصايا بتحريم الشرك لأمور ثلاثة كما ظهر لي.

1-

إن الشرك أكبر الكبائر وأعظم الذنوب قال تعالِى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} 4 وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ

1 الفتوحات 2/ 106، 107.

2 الإرشاد 3/198، الروح8/54.

3 انظر كتابه الفتوحات 2/107،108.

4 الآية (48) من سورة النساء.

ص: 22

لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} 1 وقال تعالى: {

إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} 2 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر- ثلاثاً-؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- وجلس وكان متكئا- فقال: ألا وقول الزور

" 3 الحديث. ويلاحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الإشراك على غيره من الكبائر مما يشير إلى أنه أعظم الذنوب وأفدحها.

2-

أن من حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ولذلك خلقهم قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاِّ لِيَعْبُدُونِ} الآية وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 4 الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم"5.

إن الإنسان تتحقق إنسانيته بقلبه وروحه، ولا صلاح له إلا بصلاحهما، ولا صلاح لهما إلا بوحدانية الله عز وجل، إله هذا المخلوق الذي أوجده من العلم، وركب أجزاءه ورباه بنعمه، لا إله إلا هو ولا رب سواه، قال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} 6وقال النبي الكريم: "

ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 7. ولا ريب في ارتباط الروح بالقلب، كما أن بين القلب واللسان ارتباطاً إذ هو المعبر عما في القلب. يقول الشاعر:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاد

فلم يبق إلا صورة اللحم والدم8

والبراءة من الشرك تتحقق بالعلم والعمل بمقتضى العلم، فيعلم العبد أن هذه المخلوقات بجميع أنواعها بقوتها وضعفها ليس فيئها ما تسكن النفس إليه، وتنعم بالتوجه.

1 الآية (116) سن سورة النساء.

2 جزء من الآية (72) من سورة المائدة.

3 صحيح البخاري مع الفتح 5/261.

4 الآية (36) من سورة النحل.

5 صحيح البخاري مع الفتح 13/347.

6 الآية (16) من سورة ق.

7 صحيح البخاري مع الفتح 1/126.

8 البيت لزهير بن أبي سلمي انظر ديوانه ص89.

ص: 23

والاعتماد عليه، إلا الله عز وجل قال تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1 الآية. ويتبع العلم العمل بما شرع الله عز وجل قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} 2 الآية. فأعلم تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أنه حرم عليهم أن يشركوا به شيئاً، فشمل ذلك كل مُشرَك به، ومُشرَك فيه، من أنواع العبادة، فإن قوله:(شيئاَ) من النكرات فيعم جميع الأشياء، ولم يبح عز وجل لعباده أن يشركوا به شيئاً، فإن الشرك أظلم الظلم وأقبح القبائح، قال تعالى حكاية عن لقمان عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 3. ولفظ الشرك يدل على أن المشركين كانوا يعبدون الله عز وجل ولكن يشركون به غيره من الأوثان والصالحين والأصنام، فكانت الدعوة واقعة على ترك عبادة ما سوى الله عز وجل، وإفراد الله بالعبادة وحده لا شريك له، وكانت (لا إله إلا الله) متضمنة لهذا المعنى فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأمة إلى الإقرار بها اعتماد ونطقاً وعما، قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: "إنكَ تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فاعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة

" 4 الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه

" 5 الحديث. وكان المشركون إذا سئلوا عما يقول لهم محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: يقول "اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً واتركوا ما يقول آباؤكم" 6. وكانوا يعلمون دلالة لا إله إلا الله، ولذلك أنكروا التوحيد قال تعالى حكاية عنهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 7 وحقيقة الشرك أن يعتقد الإنسان في بعض المخلوقات إنها تجلب نفعاً أو تدفع ضررا بتأثير منها. وهذا البلاء عم البشرَية جمعا ولم ينج منه إلا من رحم الله، ومنِ أن الشرك ما يقع فيه الكثير ون اليوم من الاعتقاد فيمن يعظمون من الأولياء، أن آثاراَ عجيبة تصدر عنهم، يزعمون أن ذلك لم يصدر عن أحد منهم إلا لكونه متصفاً بصفة من صفات الكمال، وفاتهم أن الكمال أمر لم يعهد في جنس الإِنسان، بل محله النقص فهو من لوازم العبودية ولاشك، أما الكمال فهو حق لله مختص به دون سواه وأعني بذلك الكمال المطلق،

1 الآية (22) من سورة الأنبياء.

2 الآية (19) من سورة محمد.

3 الآية (13) من سورة لقمان.

4 صحيح مسلم 1/50.

5 المصدر السابق 1/51.

6 انظر جواب أبي سفيان لهرقل (الصحيح مع الفتح 1/32) .

7 الآية (5) من سورة ص.

ص: 24

وهم يعنون ذلك فيمن يعظمون حين تصدر منهم أعمال غير

عادية. بل زعم غلاتهم أن ذلك لا يحدث إلا لمن خلع الله عليه صفة الألوهية، أومن يفنيه في ذاته، تعالى عما يقولون علواً كبيراً، وهذه عقيدة أهل وحدة الوجود خسئ أصحابها. والأمثلة على شطحات أهل هذا الاعتقاد يطول بيانها، فأنواع خرافاتهم لا تكاد تحصر ولها مظانها، ومن ذلك ما كان يعبر عنه المشركون بقولهم في حجهم:"لبيك اللهم لبيك لا شريك لك- إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك"1 ويعنون شركاءهم الذين يعاملونهم معاملة العباد مع الله، ومن أصابهم هذا الداء العضال اليوم وإن لم يكن اللفظ الوارد عن مشركي العرب في تلبيتهم ظاهراً في تلبية هؤلاء غير أنه معنى يتجلى في أعمالهم وتصرفاتهم، والشرع لا يبحث إلا عن الأعمال والتصرفات، التي باشرها الناس بنية تعظيم مخلوق من المخلوقات، حتى صار ذلك العمل مظنة للشرك ولازما له في العادة، فالأعمال ترجمة عما في القلوب، ولازم الشيء يعطى حكمه، وقد أقام الشرع العلل الملازمة للمصالح والمفاسد مقامها ونظراً لخطورة هذا الأمر فلا بد من التنبيه على أمور جعلها الله عز وجل في الشريعة المحمدية- على صاحبها أكمل الصلاة وأتم التسليم- مظنات للشرك فنهى عنها، منها:

أ- منها أن المشركين كانوا يسجدون للأصنام والنجوم وغيرها من الأوثان فجاء النهي عن السجود لغير الله عز وجل قال تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} 2ولم يكن الإشراك قاصراً على السجود بل يتعده إلى التدبير لأن السجود ناشئ عن التعظيم والتعَظيم ناشئ عن اعتقاد في المعظَّم أنه متصرف في الكون، ولديه القدرة على التدبير، وهذه الخطورة قد يكون منشؤها زعم بعض المتكلمين أن توحيد العبادة حكم من أحكام الله، وهو مما يقع الخلاف فيه باختلاف الأديان لا يطالب بدليل برهاني، وهذا ظاهر الفساد، فلو كان الأمر كذلك، لم يقع الإلزام من الله عز وجل بتفرده بالخلق والتدبير، قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُون أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ. أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ

1 صحيح مسلم 2/843.

2 الآية (37) من سورة فصلت.

ص: 25

خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1 وإن من يمعن النظر في هذه الآيات يجد صواعق محرقة لأوهام الجاهلية في كل زمان ومكان، وحجة دامغة تدك تلك الأفكار الواهية والحق أنهم اعترفوا بتوحيد الخلق والتدبير ولكن في الأمور العظام قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 2 فالتوحيدان متلازمان ولا يجوز الفصل بينهما، ولكنهم لا يعقلون.

2-

أنهم كانوا يستعينون بغير الله عز وجل في حوائجهم، من شفاء المريض، وإغناء الفقير، ويقدمون القرابين ويفعلون النذور، لأنهم يتوقعون إنجاح مقاصدهم بذلك، ويتلون أسماءهم رجاء بركتهم، فأوجب الله عليهم أن يقولوا (إياك نعبد وإياك نستعين) في كل يوم وليلة سبع عشره مرة، ونهاهم عن دعوة غيره فقال:{فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 3 والمراد هنا عموم العبادة، ومنها الدعاء، ومرت الدعاء الاستعانة لقوله تعالى:{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} 4.

3-

ومنها أنهم كانوا يتخذون أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله عز وجل، وذلك بأنهم كان يعتقدون أن الحلال ما أحله الرهبان، وأن الحرام ما حرموا، فما أباحوا لهم أخذوه، وما حرموه عليهم امتنعوا عنه ويتجلى هذا حين نزل قوله تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 5 فسأل عدي بن حاتم رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "كانوا يحلون أشياء فيستحلونها، ويحرمون عليهم أشياء فيحرمونها"6 والحكم بحلية الشيء أو بتحريمه لا يؤخذ إلا عن الله عز وجل قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} 7 فتحديد الأشياء التي يؤاخذ عليها العباد والتي لا يؤاخذون عليها

1 الآيات من سورة النمل.

2 الآية (65) من سورة العنكبوت.

3 جزء من الآية (18) من سورة الجن.

4 الآية (41) من سورة الأنعام.

5 الآية (31) من توبة.

6 انظر كلام ابن كثير ومادمن عن هذا 2/348.

7 الآية (116) من النحل.

ص: 26