المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: في عبور الجنب والحائض المسجد - القول الأحمد في أحكام في حرمة المسجد

[عبد الله السهلي]

الفصل: ‌المطلب الثاني: في عبور الجنب والحائض المسجد

‌المطلب الثاني: في عبور الجنب والحائض المسجد

.

المطلب الثاني: في حكم عبور الجنب والحائض المسجد

اختلف الفقهاء في عبور الحائض والجنب المسجد على ثلاثة أقوال:

القول الأول: يحرم عبور الجنب والحائض المسجد وهو قول الحنفية والمالكية والحنابلة في رواية1.

القول الثاني: يجوز عبور الجنب والحائض المسجد، وبه قال الشافعية في الصحيح والحنابلة في المذهب والظاهرية2.

القول الثالث: يجوز عبور الحائض والجنب المسجد إذا دعت لذلك الحاجة والضرورة، وبه قال الشافعية في وجه وبعض الحنابلة3.

الأدلة:

استدل أصحاب القول الأول على تحريم عبور الجنب والحائض المسجد بالأدلة الآتية:

1-

حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال: “يا عائشة ناوليني الثوب” فقالت: إني حائض. فقال ” إن حيضتك ليست

1 انظر المبسوط 1/118، بدائع الصنائع 1/38، الاختيار 1/14، المعونه 1/161، التفريع 1/206، منح الجليل 1/131، الحاوي 2/267، المجموع 2/172، مغني المحتاج 1/71، المغني 1/200، الإنصاف 1/244، 347، المبدع 1/186.

2 انظر الأم 1/244، الحاوي/267، المجموع 1/172، المغني 1/200، الإنصاف 1/244، 347، المبدع 1/189، المحلى 2/184- 187.

3 انظر فتح العزيز 2/147ـ148، 418، والمجموع 2/172، الإنصاف 1/244، 327، المبدع 1/189.

ص: 386

في يدك” فناولته1.

ففي الحديث دلالة على أن الحائض ممنوعة من دخول المسجد وعبوره ولهذا أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تناوله الثوب بيدها2.

2-

حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: "أمرنا (تعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج، في العيدين، العواتق وذوات الخدور وأمر الحُيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين"3.

فقد دل الحديث على منع ذوات الحيض من دخول مصلى العيد فمن باب أولى المساجد التي تقام فيها الصلوات الخمس فإذا منعن من الدخول منعن من العبور.

وقد يعترض على هذا بأنهن منعن من الصلاة لا من الدخول ويجاب عليه بأن ذوات الحيض لا تصح الصلاة منهن وغير مخاطبات بها في حال الحيض.

3-

حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض4.

فقد دل الحديث على أن الحائض لا تدخل المسجد ولا تمر فيه.

4-

حديث عائشة رضي الله عنها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها “افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت “ 5.

1 تقدم تخريجه.

2 انظر شرح صحيح مسلم 3/210، فتح الباري 1/401.

3 تقدم تخريجه.

4 تقدم تخريجه.

5 تقدم تخريجه.

ص: 387

ففي الحديث دلالة على منع الحائض من دخول المسجد الحرام فيلزم منه منعها من المرور فيه لأجل الحيض فقياس عليه كل مسجد، فالحائض ممنوعة من دخوله والمرور فيه.

5-

حديث عائشة رضي الله عنها وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

” فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب “ 1.

قال الخطابي: في الحديث بيان أن الجنب لا يدخل المسجد وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم “ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب” يأتي مقامه في المسجد ومروره فيه2.

واعترض على الاستدلال بهذا الحديث:

بأنه حديث ضعيف فقد ضعفه ابن المنذر والخطابي والنووي وابن حزم والألباني3.

وأجيب عن هذا بأن الحديث قد حسنه الزيلعي وابن القطان وقال الحافظ ابن حجر صححه ابن خزيمة4.

وقال أصحاب هذا القول وعلى فرض ضعفه فإنه يتقوى بالأحاديث الدالة على المنع.

واستدل أصحاب القول الثاني على جواز عبور الجنب والحائض المسجد بالأدلة الآتية:

1 تقدم تخريجه.

2 انظر معالم السنن 1/158.

3 انظر الأوسط 2/110، معالم السنن 1/158، المجموع 2/161، المحلى 2/186، ارواء الغليل 1/210.

4 انظر نصب الراية 1/194، المجموع 2/161، التلخيص الحبير 1/140.

ص: 388

1-

قول الله عزوجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا....} 1.

وجه الدلالة من الآية:

أن الآية قد دلت على جواز عبور الجنب المسجد وظاهرها العموم لحاجة ولغير حاجة2.

واعترض على هذا الاستدلال:

بأن المراد أي لا تقربوا الصلاة جنباً حتى تغتسلوا إلَاّ حال عبور السبيل وهو السفر، فلكم أن تؤدوها بغير اغتسال بالتيمم3.

وأجيب عن هذا الاعتراض:

بأن المراد بالعبور في قوله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} ، عبور الجنب في المسجد وليس المسافر وذلك أن الله عزوجل قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله تعالي:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} 4، فيعلم بذلك أن قوله:{وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} لو كان المراد به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله تعالى: {مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} معنى مفهوم وقد تقدم ذكر حكمه قبل ذلك5.

2-

حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 آية 43 من سورة النساء.

2 انظر الشرح الممتع 1/294.

3 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/168، تفسير القرآن العظيم 2/274.

4 آية 43 من سورة النساء.

5 انظر جامع البيان عن تأويل القرآن 8/285، معالم التنزيل 1/431 معالم السنن 1/158.

ص: 389

“ناوليني الخمرة1 من المسجد” قالت: فقلت: إني حائض، فقال: “إن حيضتك ليست في يدك” 2.

ففي هذا الحديث دلالة على جواز دخول الحائض للمسجد وعبوره حيث إن عائشة رضي الله عنها أخذت الخمرة من المسجد وناولتها رسول الله صلى الله عليه وسلم.3

واعترض على هذا:

بأن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد أي وهو في المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد لا أن ـ النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد معتكفاً وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله صلى الله عليه وسلم “إن حيضتك ليست في يدك” فإنما خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى4.

3-

حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب فقال لنا "مكانكم" ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر فصلينا معه5.

1 الخمرة: السجارة التي يسجد عليها المصلي ويقال سميت خمرة لأنها تخمر وجه المصلى عن الأرض أي تستره. انظر معالم السنن 1/179، شرح السنة 2/133.

2 أخرجه مسلم 1/245 في كتاب الحيض باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه.

3 انظر شرح صحيح مسلم 3/209، المغني 1/201.

4 انظر شرح صحيح مسلم 3/210.

5 أخرجه البخاري 1/72، 73 في كتاب الغسل باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتمم.

ص: 390

فقد دل هذا الحديث على دخول النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وخروجه منه وهو جنب ولم يبين صلى الله عليه وسلم تحريم مرور الجنب في المسجد فدل ذلك على جوازه.

واعترض على هذا:

أن دخول النبي صلى الله عليه وسلم المسجد وهو جنب كان ناسياً وخروجه من المسجد كان لحاجة وهي غسل الجنابة.

4-

عن عطاء بن يسار قال “ رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة “1.

فقد دل هذا الأثر على جواز جلوس الجنب في المسجد فمن باب أولى مروره.

واعترض على هذا:

بأنه ليس فيه دلاله على ما استدلوا به عليه لأنه ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم عليه بعد علمه به منهم، ولأنه جائز أن يكون ذلك في زمان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحظر عليهم ذلك2.

أدلة أصحاب القول الثالث على جواز عبور الجنب والحائض المسجد إذا دعت الحاجة والضرورة لذلك.

استدلوا بأدلة الفريقين السابقين المانعين والمجيزين، فحملوا أدلة المانعين عند عدم الحاجة للدخول وحملوا أدلة المجيزين على الحاجة والضرورة فكأنهم جمعوا بين أدلة الفريقين وأخذوا بها جميعاً.

1 أخرجه ابن كثير في تفسير 2/275 وقال صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن مفلح في المبدع 1/189.

2 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/204.

ص: 391

الراجح:

بعد عرض الأقوال وأدلتها ومناقشتها يتضح أن القول بجواز عبور الجنب والحائض إذا أمنت عدم تلويث المسجد هو القول الراجح وذلك لما يأتي:

1-

أن الآية التي استدل بها أصحاب هذا القول قد دلت على جواز عبور الجنب وظاهرها العموم لحاجة وغيرها وكذلك الأحاديث التي استدلوا بها تدل على الجواز.

2-

أن الغالب لمن أراد أن يعبر المسجد أو يمر به وهذه حاله لا يفعل ذلك إلَاّ عند الحاجة والضرورة والله أعلم.

ص: 392