المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌درر من أقوال السلف

‌درر من أقوال السلف

أخي المسلم: الكذب أساس الفجور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار» (1).

وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها عملها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد ويترامي داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق يقلع تلك المادة من أصلها.

ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب. فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق. وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يعقده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه، ويثيب الصادق بأنه يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق، ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب.

ومن أقوال وأفعال السلف هذه الدرر المختارة:

قال علي- رضي الله عنه: - أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب، وشر الندامة ندامة يوم القيامة.

(1) جزء من حديث رواه البخاري (10/ 423)، ومسلم رقم (2606).

ص: 21

*كان أبو حنيفة قد جعل على نفسه أن لا يحلف بالله في عرض كلامه إلا تصدق بدرهم فحلف فتصدق به، ثم جعل أن يتصدق بدينار، فكان إذا حلف صادقاً في عرض الكلام تصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها، وكان إذا اكتسى ثوباً جديداً كسا بقدر ثمنه الشيوخ العلماء، وكان إذا وضع بين يديه الطعام أخذ منه فوضعه على الخبز ثم يعطيه إنساناً فقيراً، فإن كان في الدار من عياله إنسان يحتاج إليه دفعه إليه، وإلا أعطاه مسكيناً.

*عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال: كان يقال: إن ربعي بن حراش رضي الله عنه لم يكذب كذباً قط، فأقبل ابناه من خراسان قد ناجلا، فجاء العريف إلى الحجاج فقال: أيها الأمير: إن الناس يزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان، فقال الحجاج: عليّ به، فلما جاء قال: أيها الشيخ. قال: ما تشاء؟ قال: ما فعل ابناك؟ قال: المستعان الله خلفتهما في البيت، قال: لا جرم والله، لا أسوؤك فيهما، هما لك.

*وقال مالك بن دينار: قرأت في بعض الكتب: ما من خطيب إلا وتعرض خطبته على عمله فإن كان صادقاً صدف، وإن كان كاذباً قرضت شفتاه بمقاريض من نار، كلما قرضتا نبتتا.

*وقال مالك بن دينار: الصدق والكذب يعتركان في القلب، حتى يخرج أحدهما صاحبه.

ص: 22