الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لا يحسبه الناس كذباً
ومن الكذب الذي لا يوجب الفسق، ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله: طلبتك كذا وكذا مرة، وقلت لك: كذا مائة مرة، فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذباً، وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لا يأثم وإن لم تبلغ مائة، وبينهما درجات يتعرض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب.
ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل به، أن يقال: كل الطعام، فيقول: لا أشتهيه، وذلك منهي عنه وهو حرام، وإن لم يكن فيه غرض صحيح.
قال مجاهد: قالت أسماء بنت عميس: كنت صاحبة عائشة في الليلة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة قال: فو الله ما وجدنا عنده قرى إلا قدحاً من لبن، فشرب ثم ناوله عائشة، قالت: فاستحيت الجارية: قالت: فقلت: لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي منه، قالت: فأخذت منه على حياء فشربت منه، ثم قال:«ناولي صواحبك» فقلن: لا نشتهيه، فقال:«لا تجمعن جوعاً وكذباً» قالت: فقلت: يا رسول الله: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه، أيعد ذلك كذباً؟ قال:«إن الكذب ليكتب كذباً، حتى تكتب الكذيبة كذيبة» (1).
(1) ذكر ابن أبي الدنيا في كتاب (الصمت وآداب اللسان) رقم (520) بإسناد ضعيف، وأخرجه أحمد (6/ 438، 452) وابن ماجة مختصراً جداً (3298) في الأطعمة باب عرض الطعام من حديث أسماء بنت يزيد، وليس أسماء بنت عميس وهو حسن.
وقد كان أهل الورع يحترزون عن التسامح بمثل هذا الكذب.
قال الليث بن سعد: كانت عينا سعيد بن المسيب ترمص حتى يبلغ الرمص خارج عينيه، فقال له: لو مسحت عينيك؟ فيقول: وأين قول الطبيب: لا تمس عينيك؟ فأقول: لا أفعل.
وهذه مراقبة أهل الورع، ومن تركه انسل لسانه في الكذب عند حد اختياره فيكذب ولا يشعر.
وعن خوات التيمي قال: جاءت أخت الربيع بن خثيم عائدة لابن له، فانكبت عليه، فقالت: كيف أنت يا بني؟ فجلس الربيع وقال: أرضعتيه؟ قالت: لا، قال: ما عليك لو قلت، يا ابن أخي فصدقت؟
ومن العادة أن يقول: يعلم الله، فيما لا يعلمه.
قال عيسى عليه السلام: - إن من أعظم الذنوب عند الله أن يقول العبد: إن الله يعلم، لما لا يعلم.
وربما يكذب في حكاية المنام، والإثم فيه عظيم إذ قال عليه السلام:«إن من أعظم الفرية أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينيه في المنام ما لم ير، أو يقول على ما لم أقل» (1). وقال عليه السلام: «من كذب في حلمه كُلِّف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبداً» (2).
(1) رواه البخاري (6/ 394) في الأنبياء، باب نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام.
(2)
روى نحوه البخاري بلفظ: (من تحلم بحلم لم يره
…
) الحديث (12/ 374) في التعبير، باب من كذب في حلمه، والترمذي (2284) في الرؤيا، باب في الذي يكذب في حلمه.