الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ذكر المترجمون له
(1)
، وقد بسط الكلام في أوله على أسرار سورة الفاتحة. أما "الرسالة المصرية" فلم يذكرها أحدٌ من المترجمين له، ويظهر من السياق أنه تكلم فيها على "إياك نعبد" و"إياك نستعين".
وذكر بيتين له، وقال (ص 274): "ولي من قصيدة:
يا مرسلًا لسهام اللحظ مجتهدًا
…
أنت القتيل بما ترمي فلا تُصِب
أرسلتَ طرفَك ترتادُ الشفاءَ فما
…
رأى رسولك إلّا رائدَ العطبِ"
وقد ذكر المؤلف البيتين ونسبهما لنفسه في "روضة المحبين"(ص 154) و"الداء والدواء"(ص 352 - 353)، وهما من قصيدة له في "بدائع الفوائد"(ص 818 - 819). وذكر أيضًا هذه القصيدة ما عدا هذين البيتين في "الفوائد"(ص 107 ــ 109).
يُضاف إلى ما سبق أنه نقل في الكتاب عن شيخه شيخ الإسلام كثيرًا (انظر ص 121، 245، 246، 269، 340، 349، 422)، واعتمد في قسم كبير منه على كتاب "الاستقامة"، كما سيأتي ذكره فيما بعد. وهذا منهجه المعروف في سائر كتبه.
*
منهج المؤلف فيه:
جرى المؤلف على منهجه المعروف في سائر كتبه، من الاعتماد على نصوص الكتاب والسنة وآثار السلف من الصحابة والتابعين، وتتبع
(1)
انظر: "ابن القيم الجوزية: حياته ــ آثاره ــ موارده"(ص 295 - 296).
أقوال الأئمة والعلماء في المسألة، وذكر الأدلة واستقصائها، ثم ذكر حجج الخصوم وشُبههم والردّ عليها. وأورد في أثناء البحث أبياتًا من شعرِه وشعرِ غيره، واستطرد إلى موضوعات مختلفة ليخدم بها الغرض الرئيسي من تأليف الكتاب.
ومن أمتع المباحث التي انفرد بها هذا الكتاب من بين مؤلفاته: "فصل في الموازنة بين ذوق السماع وذوق الصلاة، وبيان أن أحد الذوقين مباين للآخر"(ص 108 - 151)، تحدَّث فيه عن أسرار الصلاة من أولها إلى آخرها، وتحدَّى أن يكون مثل هذا الذوق والتأثير عند أهل السماع.
وقد جعل المؤلف الكتاب في قسمين: الأول في الجواب عن الاستفتاء في مسألة السماع، فصَّل فيه الكلام حول الموضوع، ثم شعَر بوجهٍ من القصور فيه، حيث إنه لم يستقصِ شُبَه المبيحين واحتجاجاتهم والردّ عليهم، فألحق به القسم الثاني، وهو المشتمل على عقد مجلس مناظرة بين صاحب الغناء وصاحب القرآن. وجعله بصورة المناظرة ليكون أقوى في التأثير والإقناع والإفحام، وتناول فيه جميع الشُّبَه والتمسكات التي يذكرها أهل السماع في كتبهم، واختار من هذه الكتب "الرسالة القشيرية" لأنها أشهر وأكثر تداولًا من غيرها. وأضاف إليها بعض الشبَه التي ذكرها غير القشيري، مثل أبي طالب المكي صاحب "قوت القلوب" وابن طاهر المقدسي صاحب "كتاب السماع". فنقلها على لسان صاحب الغناء، ثم ردَّ عليها على لسان صاحب القرآن.
* مباحث الكتاب ومقارنتها بالكتب الأخرى للمؤلف:
تكلم ابن القيم عن السماع في مواضع من كتبه، وهي:"إغاثة اللهفان"(1/ 400 - 472) و"مدارج السالكين"(2/ 131 - 160، 3/ 184 - 197)، وهذا الكتاب المفرد الذي بين أيدينا. وقد اتخذ لكلِّ واحدٍ منها أسلوبًا يلائم ما أُلِّف لأجله.
كان قصده في "الإغاثة" بيان أن السماع والغناء بالآلات المحرمة من مكايد الشيطان ومصايده، فصوَّر المفتونين بهذا السماع الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا، وذكر أن مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من استماع سور القرآن، وأنه لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرَّك له ساكنًا، ولا أثار فيه وجدًا مثل ما يثيره السماع.
ثم ذكر أن علماء الإسلام من جميع الطوائف مجمعون على التحذير من السماع وأهله، ونقل عن "تحريم السماع" لأبي بكر الطرطوشي و"روضة الطالبين" للنووي وفتاوى ابن الصلاح ما يدلُّ على إجماع الأئمة على ذلك. وذكر قصيدة لاميةً طويلة من نظمه في ذمّ أهل السماع.
ثم عقد فصولًا للحديث عن أسماء هذا السماع الشيطاني، وهي أربعة عشر اسمًا، منها: اللهو، واللغو، والباطل، والزور
…
وغير ذلك، ونقل كلام أهل التفسير والحديث واللغة في شرحها والتحذير منها، وذكر الأحاديث والآثار الواردة فيها.
ثم عقد فصلًا لبيان تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصريح لآلات اللهو
والمعازف، وسياق الأحاديث الواردة في ذلك، وأشهرها حديث المعازف الذي هو عند البخاري، وردَّ على ابن حزم في نقده لهذا الحديث، من وجوه عديدة. وكان اعتماده في هذا الفصل على كتب الحديث عامةً وكتاب "ذم الملاهي" لابن أبي الدنيا خاصة.
أما "مدارج السالكين" فقد تكلم فيه عن السماع في موضعين: الأول في شرح منزلة السماع (2/ 131 - 160) والثاني عند الحديث عن التغذي بالسماع في شرح منزلة الأنس بالله (3/ 184 - 197).
وفي الموضع الأول بيَّن معنى السماع الذي ورد ذكره في القرآن، وذكر أن الكلام فيه مدحًا وذمًّا يحتاج إلى معرفة صورة المسموع وحقيقته، وسببه والباعث عليه، وثمرته وغايته. فبهذه الفصول الثلاثة يتحرر أمر السماع، ويتميز النافع منه والضار، والحق والباطل، والممدوح والمذموم.
ثم قسَّم المسموع إلى ثلاثة أقسام: مسموع يحبُّه الله ويرضاه، ومسموع يبغضه وينهى عنه، ومسموع مباح مأذون فيه لا يحبُّه ولا يبغضه. وفصَّل الكلام في هذه الأقسام وبيَّن أحكامها، وذكر حجج المبيحين لسماع الغناء وناقشها مناقشة علمية، ثم قال: والذي يفصل النزاع في حكم هذه المسألة ثلاث قواعد:
الأولى: أن الذوق والحال والوجد هل هو حاكم أو محكوم عليه؟
الثانية: أنه إذا وقع النزاع في حكمٍ وجب الرجوع إلى الوحي.
الثالثة: إذا أشكل على الناظر حكم شيء فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته.
وأخيرًا حاكمَهم إلى الذوق، فذكر أن عبودية القلب في حالتَي الحزن والفرح هي الصبر والشكر، فصرفَه الشيطان عنهما إلى صوتين أحمقين فاجرين هما النوح والغناء، ومنافاتهما للصبر والشكر أمر معلوم من الدين بالضرورة، لا يشك فيه إلّا أبعد الناس من العلم والإيمان. ومعلوم عند الخاصة والعامة أن فتنة سماع الغناء والمعازف أعظم من فتنة النوح بكثير.
وفي الموضع الثاني من "المدارج" ذكر أن القلب يتغذى بالسماع كما يتغذى الجسم بالطعام والشراب، فإن كان العبد محبًّا صادقًا طالبًا لله عاملًا على مرضاته كان غذاؤه بالسماع القرآني، وإن كان منحرفًا فاسد الحال مغرورًا مخدوعًا كان غذاؤه السماع الشيطاني. والسرّ في ذلك أن الله جعل للقلب نوعين من الغذاء: نوعًا من الطعام والشراب الحسي، وللقلب منه خلاصته وصفوه، والنوع الثاني: غذاء روحاني معنوي من السرور والفرح، والابتهاج واللذة، والعلوم والمعارف. وبهذا الغذاء كان سماويًّا علويًّا، وبالغذاء المشترك كان أرضيًا سفليًا، وقوامه بهذين الغذاءين، وله ارتباط بكل واحدة من الحواس الخمس. وتعلق القلب بالسمع وارتباطه به أشدّ من تعلقه بالبصر، ولذا كان تأثُّره به أشدّ. وقد يكون المسموع شديد التأثير في القلب، ولا يشعر به صاحبه لاشتغاله بغيره، ولمباينة ظاهره لباطنه ذلك الوقت، فإذا حصل له نوع
تجرد ورياضة ظهرت قوة ذلك التأثير والتأثر. فإن كان المسموع معنًى شريفًا بصوت لذيذ حصل للقلب حظه ونصيبُه من الابتهاج واللذة، وهذا لا يحصل على الكمال إلّا عند سماع كلام الله. أما السماع الشيطاني فبالضدّ من ذلك، وهو مشتمل على أكثر من مئة مفسدة.
أما الكتاب الذي بين أيدينا فهو عبارة عن فتوى في مسألة السماع كتبها المؤلف سنة 740 وتوسَّع في ذكر الأدلة على تحريم السماع والغناء والمزامير، وجعل القسم الثاني منه بصورة مناظرة بين صاحب الغناء وصاحب القرآن، استقصى فيه شُبَههم وإيراداتهم، وردَّ عليها بتفصيل.
بدأ المؤلف كتابه بتمهيد ذكر فيه أن الكلام في هذه المسألة وتوابعها لا ينتفع به إلا من حكَّم كلام الله ورسوله وانقاد إليه، وأما من اتخذ إلهه هواه وأضلَّه الله على علم، فهذا يُطمَع في خطابه لإقامة الحجة لا للاستجابة والانقياد. ثم قسَّم الكلام في هذه المسألة إلى فصلين:
الأول: في بيان حكمها في الشريعة، وهل هو التحريم أو الكراهة أو الإباحة، أو ما يقوله المفترون الكاذبون من الاستحباب والفضيلة؟
الثاني: أن تعاطيها على وجه اللعب والخلاعة والمجون شيء، وتعاطيها على ما يقوله أصحاب السماع من أنها قربة وطاعة شيء آخر.
وفي الفصل الأول تحدث أولًا (ص 10 - 20) عن وجوب الردّ إلى الكتاب والسنة عند وقوع النزاع في شيء من الأمور عند المسلمين،
وأورد في ذلك آياتٍ عديدة وفسَّرها، وذكر أن كل عمل مخالفٍ لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو مردود على فاعله؛ لأنه بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم تكلم على مسألة السماع كلامًا مجملًا ومفصلًا، أما المجمل فهو أن هذا السماع على هذا الوجه حرام قبيح، لا يُبيحه أحدٌ من المسلمين، وخواص المسلمين ودين الإسلام براءٌ منه؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة التي ذكر بعضها، ويكفي أنه يصرف صاحبَه عن استماع القرآن، ويُحدِث له ذوقًا ووجدًا وشوقًا لا يُوجد شيء منه عند ذكر رب العالمين. ومن المصائب العظمى: نسبة ذلك إلى دين الرسول وشرعه، واعتقاد أنه قُربة يتقرب به إلى الله وأن فيه صلاح القلوب وعمارتها، وأن تأثر القلوب به أسرع وأقوى من تأثرها بالقرآن. ولا ريب أن هذا من النفاق الذي أنبته الغناء في القلب، وارتكاب المحرمات مع العلم بتحريمها أسهل وأسلم عاقبةً من ارتكابها على هذا الوجه.
وكلُّ مَنْ يدَّعي أن السماع المحدَث هو من الدين الذي تصلح عليه القلوب، لزمه أحد الأمرين: إما أن يقول: إنّ الله شرعه لرسوله، ففعله الرسول وحضَّ عليه، وأمر به ودعا إليه. وهذا كذب على الله ورسوله، منادٍ على وقاحته وجرأته.
وإما أن يقول: إن الله لم يشرعه ولا رسوله، ومع هذا فهو من الدين وحقائقه. فيلزمه حينئذٍ أن يكون الدين ناقصًا، لم يكمله الله حتى أكمله هؤلاء السماعاتية.
ثم ذكر المؤلف الأدلة من الكتاب والسنة وآثار السلف على أن هذا السماع من الباطل واللهو واللعب المنهيّ عن اتخاذه دينًا، وأن السماع والغناء وآلات اللهو إنما نصبها الشيطان مضادَّةً لما شرعه الله لعباده (ص 26 - 30). ولهذا كَثُر النكير عليها من جميع الطوائف من أهل العلم من أئمة الحديث والفقه والتفسير والزهد، وأجمعوا على التحذير منه (ص 32 - 45).
ثم ذكر بعض الشُّبه التي يذكرها أصحاب السماع، مثل استدلالهم بغناء الجاريتين، وجوازه في النكاح والختان، وأنَّ هذا السماع حضره جماعة من الأولياء، فكيف يسوغ تخطئتهم والإنكار عليهم؟ وردَّ عليها من وجوه (ص 46 - 72).
وانتقل بعد ذلك إلى ذكر مفاسد السماع (ص 73 - 86) وردَّ على من ادَّعى أن سماعه لله وبالله، فلا يضرُّه ما فيه من المفاسد (ص 87 - 92). ثم بيَّن أن السماع مركب من شبهة وشهوة، وهما الأصلان اللذان ذمَّ الله من يتبعهما ويُحكِّمهما على الوحي. ثم تحدث عن الانحراف الذي وقع عند المتأخرين في الأعمال والأذواق والأحوال، فخالفوا ما كان عليه السلف الصالح من الأذواق الصحيحة والأعمال المشروعة، وقام بالموازنة بين أحوال السلف وأحوال هؤلاء المتأخرين في السماع، وذكر الفرق بينهم (ص 95 - 104)، ونبَّه على نكتة خفية من نكت السماع، وهي أنه ما وجدَ صادقٌ في السماع الشعري وجدًا وتحرك به إلّا وجد عند انقضائه ومفارقة المجلس قبضًا على قلبه ونوعَ استيحاشٍ
منه، فهو بمثابة من سُقِي عسلًا في إناء نجس. وإن كان سماعه لِلَّذةِ وحظّ النفس فهو كمن يشرب الماء النجس في الإناء القذر. أما صاحب السماع القرآني الذي ذوقه وشربه منه فهو يشرب الشراب الطهور في أنظف إناء وأطيبه (ص 104 - 108).
وعقد المؤلف بعد ذلك فصلًا في الموازنة بين ذوق السماع وذوق الصلاة، وبيان أن أحد الذوقين مباين للآخر، وذكر فيه أسرار الصلاة من أولها إلى آخرها (ص 108 - 151)، وناشَد أهلَ السماع: هل لهم في السماع مثل هذا الذوق أو شيء منه؟ وهل يدَعُهم السماعُ يجدون هذا الذوق في الصلاة؟ ثم حلفَ عنهم أن ذوقهم ضدُّ هذا الذوق، ومشربهم ضدّ هذا المشرب. وهذا الفصل من أمتع فصول الكتاب، والمؤلف معروف بالاسترسال في مثل هذه الموضوعات، وبهذا الفصل ينتهي القسم الأول من الكتاب.
أما القسم الثاني فهو بعنوان "عقد مجلس في المناظرة بين صاحب غناء وصاحب قرآن". وكأني بالمؤلف شَعَر بأن ما كتبه ليس كافيًا في الموضوع، فإنه لم يذكر جميع حجج أهل السماع وشُبَههم التي يردّدونها في كتبهم، فخصَّص القسم الثاني لذكرها، وردَّ عليها بما يشفي ويكفي. واختار أحد أشهر الكتب التي يتداولها أهل السماع فيما بينهم، أعني به "الرسالة القشيرية"، فإنها استوعبت جميع ما لديهم من الشبه في هذا الباب. ثم وجد أن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية سبقه إلى الردّ عليها ومناقشتها مناقشة تفصيلية في كتاب "الاستقامة". فاعتمد عليه