الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الأولى
في ذكر من وقعت وفاته من المتعينين من افتتاح سنة إحدى وتسعمائة إلى ختام سنة ثلاث وثلاثين:
المحمدون
ا - محمد بن عوجان: محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام ملك العلماء الأعلام، كمال الدين أبو المعالي ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي، المصري، الشافعي، سبط قاضي القضاة، شهاب الدين أحمد العمري، المالكي الشهير بابن عوجان. ولد ليلة السبت خامس في الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف، ونشأ في عفة، وصيانة، وديانة، ورزانة، وحفظ القرآن العظيم، والشاطبية، والمنهاج للنووي، وعرضهما على شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، وقاضي القضاة محب الدين بن نصر الله الحنبلي، وشيخ الإسلام سعد الدين الديري، وشيخ الإسلام عز الدين المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم حفظ ألفية ابن عالك، وألفية الحديث، وقرأ القرآن بالروايات على الشيخ أبي القاسم النويري، وسمع عليه، وقرأ في العربية والأصول والمنطق والعروض واصطلاح أهل الحديث، وأذن له بالتدريس فيها في سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وتفقه على الشيخ العلامة زين الدين ماهر، والشيخ عماد الدين بن شرف، وحضر عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان، والشيخ عز الدين القدسي، ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين، وأخذ من علمائها منهم ابن حجر، وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل
البارع الأوحد، وقاضي القضاة الشمس القاياتي، والعر البغدادي وغيرهم، وسمع الحديث على ابن حجر، والشيخ زين الدين الزركشي الحنبلي، والعز بن الفرات الحنفي وغيرهم، وتردد إلى القاهرة مرات، وحج بها صحبة القاضي عبد الباسط رئيس المملكة سنة ثلاث وخمسين، وسمع الحديث بالمدينة المنورة على المحب الطبري وغيره، وبمكة على أبي الفتح المراغي وغيره، ودرس وأفتى وأشير إليه في حاية شيخه ماهر، وكان يرشد الطلبة للقراءة عليه حتى ترك هو الإقراء، وفي سنة إحدى وثمانين توجه إلى القاهرة واستوطنها، وتردد الطلبة والفضلاء، وانتفعوا به، وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته، ثم عاد إلى بيت المقدس بعد أن ولاه السلطان قايتباي الأشرف مدرسته المحدثة بها في سنة تسعين وثمانمائة، وفي شهر شوال سنة تسعمائة ورد إليه مرسوم شريف أن يكون متكلماً على الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف، وكان قد تولى مشيختها قبل ذلك مدة، ثم أضيف إليه التكلم على المدرسة الجوهرية وغيرها لما هو معلوم من ديانته وورعه، وقد استوفى ترجمته وأحواله تلميذه صاحب الأنس الجليل فيه.
ومن تصانيفه: " الإسعاد بشرح الإرشاد " لابن المقري، و " الدرر اللوامع بتحرير شرح جمع الجوامع، في الأصول، و " الفرائد في حل شرح العقائد "، و " المسامرة بشرح المسايرة "، وقطعة على تفسير البيضاوي، وقطعة على المنهاج، وقطعة على صفوة الزبد لشيخه ابن أرسلان وغير ذلك، ومن إنشاده في بيت المقدس بعد غيبته عنه مدة طويلة ما ذكر في الأنس الجليل أنه سمع منه بدرب القدس الشريف حين عوده في غرة شهر ذي القعدة سنة تسعمائة. قال لي بروايتهما:
أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا
…
فتلك رباع الأنس في زمن الصبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلاً
…
سلامي على تلك المعاهد والربى
واشتهر من شعره في المواضع التي تباح فيها الغيبة:
القدح ليس بغيبة في ستة
…
متظلم ومعزف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن
…
طلب الإعانة في إزالة منكر
ابن الحنبلي الحلبي في تاريخه عن شيخه العلامة شمس الدين الضيروطي المصري أنه توجه مع الشيخ نور الدين المحلي إلى الشيخ محمد الجلجولي المعروف بأبي العون
" المغربي "، وأخفى الشيخ نور الدين عن الشيخ أبي العون أنه من أهل العلم، فقال له الشيخ أبو العون كلاماً معناه أنه لا ينبغي لمن آتاه الله تعالى شيئاً من فضله أن يخفيه عن الناس، ثم إنه فرش له بساطاً كان في يده وأجلسه عليه قال وسأله الشيخ نور الدين عن الكمال بن أبي شريف الموافق له في الأخذ عن ابن أرسلان، فقال الشيخ أبو العون: قد رأينا مكتوباً على ساق العرش محمد بن أبي شريف من المحبين لأولياء الله تعالى. وكانت وفاته كما قال النعيمي في عنوانه: في يوم الخميس خامس عشري جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة. عن أخويه شيخ الإسلام البرهان، وكان حينئذ بمصر، والعلامة جلال الدين، وكان عنده بالقدس عن دنيا طائلة - رحمه الله تعالى -.
2 -
محمد المحرقي: محمد بن محمد الشيخ الفاضل ولي الدين ابن الشيخ العالم محب الدين المحرقي المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة. توفي بها يوم الخميس ختام ربيع الأول سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة.
3 -
محمد القرافي: محمد بن محمد، الشيخ الإمام العلامة أقضى القضاة بدر الدين ابن الشيخ العلامة شمس الدين القرافي المالكي، خليفة الحكم بالديار المصرية. توفي بها يوم الثلاثاء ثالث عشر القعدة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ودفن بالصحراء بالقاهرة، وكانت جنازته حافلة.
4 -
محمد القيراطي: محمد بن محمد بن إسماعيل، الشيخ الإمام، العلامة الصالح شمس الدين الشهير بالقيراطي، الدمشقي. ولد في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. قال الحمصي: وكان فاضلاً مفنناً، حفظ المنهاج للنووي، والتصحيح الكبير عليه للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون. وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان سنة أربع عشرة وتسعمائة.
5 -
محمد التيزيني: محمد بن محمد بن أبي بكر، الشيخ العلامة، المؤقت شمس الدين التيزيني، الدمشقي. الحنفي. ولد في رجب سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وكان عنده عقل وتؤدة، وحسن تصرف، وكان رئيس المؤقتين بالجامع الأموي. توفي يوم السبت ثالث صفر سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
6 -
محمد الفرفوري: محمد بن محمد بن عبد الله، قاضي القضاة بدر الدين بن الفرفور الدمشقي. الحنفي، اشتغل يسيراً في الفقه على البرهان بن عون، ثم ولي كتابة السر عوضاً عن أمين الدين الحسباني، ثم استنزل له عمه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور قاضي القضاة محب الدين الغصيف عن نظر القصاعية وتدريسها، وأسمعه الحديث على جماعة من الدمشقيين، ثم ولي قضاء القضاة الحنفية بالشام مراراً. عزل من آخرها في شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وتوفي بعد سنة ست وعشرين وتسعمائة لأن ابن طولون ذكر أن عمه الولوي بن الفرفور بعثه في صفر إلى صيدا هو والجلال البصروي في خزينة.
7 -
محمد بن هشام: محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، الشيخ العلامة محب الدين الشهير بابن هشام، النحوي، المصري نزيل دمشق. ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتفقه بالعلامة قاسم بن قطلوبغا، والعلامة تقي الدين الشمني وغيرهما، وأخذ النحو عنهما أيضاً، والحديث عن ابن حجر وغيره، وكان علامة. وتوفي يوم السبت رابع القعدة سنة سبع وتسعمائة، ودفن في جوار المزار المعروف بسيدي بلال رضي الله تعالى عنه بمقبرة باب الصغير.
8 -
محمد بن عطية الإسكندري: محمد بن محمد بن علي بن صالح بن عثمان ابن أبي الفتح بن عمر بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عبد الله بن عطية بن عبد الصمد بن علي بن عبد المعطي بن أحمد بن يحيى بن موسى بن حمزة بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن محمود بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، الشيخ الإمام العارف بالله، الفقيه اللغوي، المحدث المسند، المعمر، المرشد، المسلك المربي، القدوة أبو الفتح شمس الدين السكندري المولد، الآفاقي المنشأ، العاتكي المزي الشافعي المذهب، العوفي النسب، الصوفي المشرب. قيل: ولد في الإسكندرية في أول شهر المحرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وقرأت بخطه أنه ولد عاشر المحرم سنة عشرة وثمانمائة، ولما حملت والدته دخل والده الشيخ بدر الدين العوفي على
الشيخ الإمام العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وسأله لها الدعاء، فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زماناً طويلاً، وسمه بأبي الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكل على الله وسير إلى الله. يعيش سعيداً، ويموت شهيداً. يخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قممه على جبل قاف المحيط يسوح زماناً، وينال من الله أماناً، فاستوص به خيراً، واصبر عليه، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً، فلما وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن، فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته، ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالدين وأضافهم، فلما رفعوا السماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم، فأخفه الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وحنكه بتمرة، ثم مضغها وعصرها في فيه، ثم طلب شيئاً من العسل فأحضر له، فلعق الشيخ عبد الرحمن ثلاث لعقات، ثم ألعق المولود ثلاثا، ثم وضعه بي يدي الفقراء، وأمرهم فلعقوا منه، ثم قرأ الفاتحة سبع مرات، ثم قال لوالد الشيخ أبي الفتح: ادفع هذا لأمه لا يشاركها فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك، فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش، ثم خرج من ساعته، وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول حكايات الإشبريس.
نقلت هذه الحكاية ملخصاً من خط الشيخ أبي الفتح في كتابه المسمى بالحجة الراجحة. قال: ثم إني رأيته - يعني الشيخ عبد الرحمن - بعد مدة، فلما أقبلت عليه قبل بين عيني، ونظر بعين لطفه إلي، ثم لقنني الذكر وأخذ علي العهد، ثم قال: عش في أمان الله، مؤيداً بالله، هائماً بالله، فانياً عما سواه، باقياً به. أنت إمام زمانك، وفريد أوانك، مقدماً على أقرانك، مباركاً على إخوانك، رعاك الله حفظك الله آواك الله " فرحين بما آتاهم من فضله " " سورة آل عمران: الآية 17 " الآية. قال: ثم ألبسني الخرقة الشريفة، ثم قال: أيامنا انقضت، وساعاتنا انقرضت، قال: فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام الورع الزاهد الناسك العابد العارف أبي الحسن
علي الدمنهوري الصوفي، ومن يد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم الأتكاوي يوم عاشر المحرم سنة خمس وعشرين وثمانمائة بلباسهما من الشبريسي، ثم نشأ الشيخ أبو الفتح، وطلب العلم والحديث، وتفقه بجماعة أولهم جده لأبيه القاضي نور الدين أبو الحسن علي، وهو أخذ الفقه والحديث عن جماعة منهم الحافظ علاء الدين علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن سالم بن سلامة العطار، وتفقه ابن العطار بالشيخ الإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا
يحيى بن شرف الدين النووي، وسمع الحديث على ابن حجر، والتقي الرسام، وعائشة بنت عبد الهادي، ومريم بنت أحمد بن محمد الأذرعي، والعز أبي محمد بن الفرات الحنفي وغيرهم. وقرأ على الحافظ شمس الدين أبي الخير المقدسي الحموي بمنزله بجامع القاف صحيحي البخاري ومسلم، وعوارف المعارف للسهروردي، وكتاب ارتقاء الرتبة في اللباس والصحبة، للقطب القسطلاني، والسيرة لابن هشام، وسنن ابن ماجة، وجامع الترمذي، ومسند الرافعي، ومجالس من مسند ابن حيان، ومن الموطأ، وسنن أبي داود وغير ذلك. وأجازه بجميع ما يجوز له روايته، وألبسه خرقة التصوف أيضاً، فلبسها منه وممن تقدم، ومن أبي العباس أحمد بن محمد بن الحسن الترابي، ومن أبيه القاضي بدر الدين الصوفي، ومن جده، ومن خاله أبي العباس أحمد بن القاسم بن موسى بن خلف بن محمد بن أحمد بن خلف الله ابن الشيخ الإمام العارف محرز بن خلف الله التونسي، ومن الحافظ ابن ناصر الدين، وابن الجزري، والشيخ عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود الحنبلي الصالحي، والشيخ أبي الفتح محمد ابن الشيخ أحمد بن أبي بكر القوي، والشيخ أبي بكر محمد بن محمد بن علي الخافي، ومن الشيخ شهاب الدين بن أرسلان ومن غيرهم، وممن أخذ عن الشيخ أبي فتح المزي رضي الله تعالى عنه شيخ الإسلام الجد، واستجازه لشيخ الإسلام الوالد، وأحضره إليه وهو عون السنتين، فلقنه الذكر، وألبسه الخرقة، وأجازه بكل ما يجوز له وعنه روايته، والشيخ العلامة أبو المفاخر المحيوي النعيمي، وتلميذه الشيخ شمس الدين بن طولون، والشيخ شمس الدين الوفائي الواعظ وغيرهم. وألف كتاباً حافلاً في اللغة وقفت عليه بخطه، وله كتاب آخر سماه " بالحجة الراجحة في سلوك المحجة الواضحة " وقفت عليه بخطه أيضاً، كتاب آخر في آداب اللباس والصحبة وغير ذلك، ومن شعره ما كتبه في ختام الجزء الأول من كتاب الحجة الراجحة:
يا ناظراً منعماً فيما جمعت وقد
…
أضحى يردد في أثنائه النظرا
سألتك الله إن عاينت من خطإ
…
فاستر علي، فخير الناس من سترا
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
لم أنسى مذ قالوا فلان لقد
…
أضحى كبير النفس ما أجهله
فقلت: لا أصل لهذا وقال
…
الناس: لم يكبر سوى المزبله
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
من كان حقا مع الرحمن كان معه
…
نعم ومن ضر فيه نفسه نفعه
ومن تذلل للمولى، فيرفعه
…
ومن تفرق فيه شمله جمعه
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
يربى الخليل على ما كان صاحبه
…
يعتاده وعلى ما كان فيه ربي
وفي الحقيقة يعتاد الصغير بما
…
قد كان ينظر من أم له وأب
والعبد يربى بما رباه سيده
…
من كثرة الخير أو من قلة الأدب
ومن تراه بضرب الدف ملتهباً
…
يميل سامعه للرقص والطرب
كذا لسانك من نطق يفوه بما
…
عودته منك من صدق ومن كذب
والشيخ إن كان ذا جهل فتتبعه
…
فيه تلاميذه جهلاً بلا عجب
وطالب الخير غير الخير ليس يرى
…
وطالب الشر غير الشر لم يصب
ومن مشى في طريق كان متهماً
…
ما زال متهماً بالعيب والريب
ومن أسر لشيء كان يفعله
…
فسوف في وجهه يبدو لمرتقب
ومن يماش فتى بالقبح متصفاً
…
فسوف يرمى به في الحكم والسبب
ومن له طمع يزداد فيه فلم
…
يمل من كثرة الإلحاح في الطلب
ومن له سوء خلق وابتليت به
…
ففي مداراته ما زلت في تعب
ومن يمل عن طريق الحق منحرفاً
…
كالكلب ما زال يلفى أعوج الذنب
ومن له حسن وجه لا حياء به
…
فذاك برق بلا غيث ولا سحب
ومن له يا فتى علم بلا عمل
…
فذاك نخل بلا طلع ولا رطب
ومن له في اللقا قول وليس له
…
فعل، فذاك حكى كرماً بلا عنب
أخبرت عن شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي الفتح المزي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له يوماً: تعال إلي عند صلاة العشاء، فجاء إليه، فصلى معه العشاء، ثم خرج الشيخ المذكور، وخرج معه الشيخ أبو الفتح حتى كانا بالربوة، ثم خرج به من المكان المعروف بالمنشار، وتعلقا بسفح قاسيون، فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: انظر إلى هذه المشاعل وعدها واحفظ عددها، ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام السيد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام المعروف بقرية برزة، فلما كان هناك قال الشيخ للشيخ أبي الفتح: كم عددت مشعلاً؟ قال: ثمانمائة، قال:
تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهذا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام، قال: وذاك مصداق ما يقال إن بين أرض أرزة، وأرض برزة قبور ثمانمائة نبي.
وكانت وفاة الشيخ أبي الفتح - رضي الله تعالى عنه - ليلة الأحد ثامن عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمائة بمحلة قصر الجنيد قرب الشويكة، ودفن في الجانب الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة، وأضيفت لمقبرة الحمرية - رحمه الله تعالى -.
9 -
محمد الحصكفي: محمد بن محمد بن علي، الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن أبي اللطف الحصكفي، ثم المقدسي، سبط العلامة شيخ الإسلام تقي الدين القرقشندي. توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف، وهو حمل في عاشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وثمانمائة، فنشأ بعده، واشتغل بالعلم الشريف على علماء بيت المقدس إذ ذاك منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، ثم رحل إلى الديار المصرية، وأخذ عن علمائها منهم الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الجوجري، وسمع الحديث وقرأه على جماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وصار من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدين والتواضع، وكان عنده تودد إلى الناس، ولين جانب وسخاء نفس، وإكرام لمن يرد إليه، وأجمع الناس على محبته، وكانت وفاته رحمه الله تعالى ليلة السبت ثالث عشر القعدة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق غائباً يوم الجمعة سادس عشري شهر القعدة المذكور - رحمه الله تعالى -.
10 -
محمد الدوسي: محمد بن محمد بن عمر، الشيخ العالم، ولي الدين ابن القاضي شمس الدين، الدوسي، الصالحي، الحنبلي. توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر في الحجة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. ودفن بها.
11 -
محمد بن غازي: محمد بن محمد بن غازي القاضي كمال الدين ابن الشيخ العلامة القاضي محيي الدين بن غازي الشافعي، ولي قضاء بعلبك والبقاع من أعمال دمشق مراراً، وتوفي بدمشق يوم الأحد سابع عشري الحجة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير - رحمه الله تعالى -.
12 -
محمد البردعي: محمد بن محمد بن محمد، العالم الفاضل، محيي الدين البردعي، الحنفي، أحد موالي الروم. كان من أولاد العلماء، واشتغل على والده، ثم دخل شيراز وهراة، وقرأ على علمائها، وحصل علماً كثيراً، ثم ارتحل إلى بلاد الروم، وصار مدرساً بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا، ثم تنقلت به الأحول حتى صار مدرساً بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرس بها، وله حواشي على تفسير البيضاوي، وحواشي على حاشية شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على التلويح، وشرح على آداب البحث للعضد، وكان له حط وافر من العلوم، ومعرفة تامة بالعربية والتفسير والأصول والفروع، وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، متواضعاً متخشعاً، وكان له وجاهة ولطف، وكان يكتب الخط الحسن مع سرعة الكتابة. توفي في سنة سبع وعشرين وتسعمائة بأدرنة - رحمه الله تعالى -.
13 -
محمد الخطيب: محمد بن محمد بن أحمد بن علي، الشيخ العالم، العلامة شمس المصري، الحنفي، الشهير بالخطيب. ولد ثاني عشر القعدة أو شوال سنة خمسين وثمانمائة، وتفقه بقاسم بن قطلوبغا وغيره. وتوفي بعقبة أيلة في المحرم سنة تسع عشرة وتسعمائة.
14 -
محمد بن منعة: محمد بن محمد بن يوسف، الشيخ العلامة قاضي القضاة أبو الفضل نور الدين الخزرجي، الدمشقي. الصالحي، المعروف بابن منعة. ولد بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، وحفظ درر البحار للقونوي، ثم المنار للنسفي، وسمع بعض مسانيد أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - على قاضي القضاة حميد الدين، وتصحيح القدوري على الشيخ قاسم بن قطلوبغا، وتفقه بالشيخ عيسى الفلوجي، وولي تدريس الجمالية، وكانت سكنه، وبها كان ميلاده، والجوهرية، والشبلية
الجوانية، والمرشدية. وأفتى ودرس وناب في الحكم زماناً، وكانت سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عنده أمانة وصبر، وحصل كتباً كثيرة، وانفرد في آخرة عمره بالرجوع إليه في مذهب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - بدمشق، ثم ولي في آخر عمره قضاء القضاة الحنفية بعد أن كره عليه، واعتقل بقلعة دمشق، ثم أطلق وولي القضاء في أول، سنة إحدى وتسعمائة. ثم كانت وفاته بقرية الفيجة مطعوناً في مستهل الحجة سنة أربع وتسعمائة، وأتي به إلى الصالحية، وصلي عليه بها، ودفن بتربة " الناظرة " المعظمية بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
15 -
محمد بن قدامة: محمد بن محمد، " العلامة " قاضي القضاة بهاء الدين بن قدامة المقدسي الصالحي، ثم المصري الحنبلي. ولد في ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة. النعيمي: كذا أخبرني به، وأنه وجد ذلك بخط جده لأمه قاضي الحنابلة الشهير بابن الحبال انتهى.
واشتغل في العلم، ودرس وأفتى، ثم ولي قضاء الحنابلة بالشام، ولم تحمد سيرته. لكن كان عنده حشمة، وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة عشر وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الحنابلة بالسفح القاسيوني، ودفن به في الروضة - رحمه الله تعالى -.
16 -
محمد النحريري: محمد بن محمد، الشيخ العلامة أقضى القضاة ولي الدين بن الشيخ العلامة فتح الدين النحريري، المصري، المالكي. توفي سابع ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة بتقديم التاء بالقاهرة، ودفن بالصحراء.
17 -
محمد المعري: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين العزي بالعين المهملة، الدمشقي الشافعي. ولد ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. قال النعيمي: رافقني على جماعة من العلماء والمحدثين، وشاهد ببابي مدة، ثم توجع وانعزل عن الناس، ثم توفي نهار الجمعة سلخ القعدة سنة خمس عشرة وتسعمائة.
18 -
محمد الجوجري: محمد بن محمد الشاب العالم الفاضل، المفنن البارع أمين الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الجوجري المصري، الشافعي، شارح
الإرشاد. والده توفي بالقاهرة مستهل صفر سنة اثنتي عشر وتسعمائة.
19 -
محمد العنبري: محمد بن محمد الخواجا سري الدين العاتكي، الشهير بابن العنبري. كان يحب أهل العلم والحديث، وعنده عدة كتب في الفقه للمطالعة، وكان يلازم درس الشمس بن طولون وغيره. توفي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وهو والد الخواجا عبد القادر بن العنبري.
20 -
محمد الياسوفي: محمد بن محمد، الشيخ العالم، المفتي المدرس بدر الدين الشهير بابن الياسوفي الدمشقي. الشافعي، ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسافر إلى القاهرة مراراً آخرها مطلوباً مع جماعة مباشري الجامع الأموي في جمادىالآخرة سنة ست عشرة وتسعمائة، فحصل له قبل دخول القاهرة توعك، واستمر إلى رابع يوم من وصوله إليها، فتوفي يوم الاثنين تاسع رجب، وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثالث شعبان المكرم.
21 -
محمد بن بري: محمد بن محمد بن بري، العبد الصالح، شمس الدين بن بري الدمشقي. كان من أهل الخيرات. مات في سنة ست عشرة وتسعمائة، وأوصى ولده الشهابي أحمد بعمارة جامع مسلوت بحارة زقاق البركة بعد أن آل إلى الخراب، وكان قد تدارك جداره القبلي رجل من أهل الخير أيضاً يقال له: الخواجا شهاب الدين بن سليمان، فأتم المذكور عمارته، وصار أعجوبة.
22 -
محمد الحصني: محمد بن محمد، الشيخ العلامة شمس الدين ابن الشيخ محب الدين الحسني، الحصني الدمشقي. الشافعي. توفي في دمشق يوم الأربعاء ثامن عشري شوال سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
23 -
محمد البازلي: محمد بن محمد بن عاود، الشيخ الإمام، العالم العلامة كمال الدين ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين البازلي الكردي الأصل، الحموي، الشافعي. قال الحمصي: باشر نيابة القضاء بدمشق، ومشيخة المدرسة الشامية، وكان عالماً من أهل الفضل مفنناً. توفي بدمشق يوم السبت تاسع عشري شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وكان والده إذا ذاك حيا.
24 -
محمد الفناري: محمد بن محمد، العالم الفاضل، المولى زين الدين. وقيل: زين العابدين الفناري الرومي الحنفي أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة العثمانية. قرأ على علماء عصره منهم الفاضل ابن " عمه " المولى علاء الدين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى العالم ابن المعرف معلم السلطان أبي يزيد بن عثمان، ثم تنقلت به الأحوال حتى صار قاضياً بدمشق، ثم بحلب قال في الشقائق النعمانية: كان عالماً فاضلاً ذكياً صاحب طبع وقاد، وذهن نقاد، وكان قوي الجنان، طلق اللسان، صاحب مروءة وفتوة، محباً للفقراء والمساكين. يبرهم ويرعى جانبهم، وكان في قضائه مرضي السيرة محمود الطريقة. انتهى.
وذكر الشيخ شمس الدين بن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن منها بحلب. قلت: حتى قال فيه شيخ الإسلام الجد رحمه الله تعالى حين كان قاضياً بالشام:
أحب السادة الأروام لما
…
أقاموا الشرع واتخذوه دينا
وإن تسأل عن العباد منهم
…
فقاضي الشام زين العابدينا
وذكر ابن الحنبلي وابن طولون في تاريخهما هفوة صدرت منه حين كان قاضياً بحلب، وهي أن البدر بن السيوفي مفتي حلب وعالمها عقد بعض الأنكحة في أيام توليته بها، ولم يستأذن منه بناء على ما كان يعهده في دولة الجراكسة من عدم توقف عقود الأنكحة على أذن القضاة إذ لا يفتقر إلى إذنهم شرعاً، ولأنهم كانوا لا يأخذون عليها رسماً، فلما بلغ صاحب الترجمة أمر الشيخ بدر الدين السيوفي أن يستأذنه إذا أراد أن يعقد نكاحاً لأحد ليأخذ ما عليه من الرسم، فلم يبال الشيخ بذلك، وعقد لواحد نكاحاً من غير استئذان، فبعث إليه من أحضره إلى بابه ماشياً، فلما دخل عليه شتمه، ثم أمر به أن يكون في بيت محضر باشي تلك الليلة، وهم أن يوقع به ما لا يليق لولا أن الله تعالى دفعه عنه، ولم تمض على الشيخ بدر الدين مدة قليلة حتى مات قهراً بسبب ذلك، ثم مات صاحب الترجمة بعده بمدة يسيرة، وهو قاضي حلب في أول ربيع الأول سنة ست وعشرين وتسعمائة - عفا الله تعالى عنه -، وكان قد بعث، أولاقاً إلى دمشق ليأتي بالرئيس شمس الدين بن مكي ليعالجه، وبعث له معه أربعة آلاف درهم ليستخرج منها، فوصل أولاق إلى دمشق في رابع ربيع الأول المذكور، فذهب الأولاق بالرئيس المذكور إلى حلب، فوجدوا صاحب الترجمة قد توفي يوم الأحد مستهل ربيع، فسبحان الباقي.
25 -
محمد الأنطاكي: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين بن الأنطاكي الحلبي الشافعي، أحد الشهود بالمكتب الكائن داخل باب قنسرين بحلب في دولة الجراكسة. قال ابن الحنبلي: كان ذا نسخ لطيف، وتعليق حلو ظريف، ماجناً، لطيف العشرة، كثير النسخ لمجاميع كان يلتقطها من جواهر الأشعار، ونوادر الأخبار، من الهزليات والجديات. قال: وكان قديماً يميل إلى أكل الحشيشة الخبيثة، وشرب أم الخبائث، فكتب له شخص دين من أحبائه تجاه وجهه من حيث لا يشعر قول الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها
…
فإن المعاصي تزيل النعم
فتاب عند ذلك توبةً نصوحاً، وصار يعتزل الشهادة، إلى أن توفي في سنة ثمان وعشرين أو بعدها - رحمه الله تعالى.
26 -
محمد بن الجرحي: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين الشهير بابن الجرحي الحلبي قال ابن الحنبلي: كان أولاً أحد عدول حلب بالمكتب الكائن على باب الأسدية الجوانية ثم صار إمام السلطانية في الدولة العثمانية، وتوفي في سنة ثمان وعشرين أو بعدها.
27 -
محمد بن القوجوي: محمد بن محمد، العالم الفاضل المولى. محي الدين القوجوي الرومي الحنفي. كان عالما بالتفسير والأصول وسائر العلوم الشرعية والعقلية، وأخذ العلم عن والده، وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الروم، ثم قرأ على المولى عبدي المدرس بأماسية، ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري، وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناطولي، ثم استعفي منه فأعفي وأعطي إحدى المدارس الثماني، ثم صار قاضياً بمصر، فأقام بها سنة ثم حج وعاد إلى القسطنطينية، وبها مات سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
28 -
محمد المصري: محمد بن محمد، الشيخ العلامة القاضي أفضل الدين
الرومي المصري الحنفي قرأ الفقه على ابن قاسم وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر، وكان ديناً عاقلاً، وحج صحبة الشيخ أمين الدين الأقصراني، وتوفي بمصر في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وتسعمئة عن نحو ثمانين سنة، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
29 -
محمد الزيتوني: محمد بن محمد الشيخ الفاضل البارع محب الدين الزيتوني العوفي نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه المصري الشافعي. دخل إلى دمشق وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر الكثير من تقاسيم المنهاج عليه، وحضر تقسيم التنبيه عليه وغير ذلك من دروسه، واستجاز من شيخ الإسلام، فأجازه بصحيح البخاري والتنبيه والمنهاج بعد أن سمع عليه الكثير من الصحيح، وتوفي سنة اثتتين وثلاثين وتسعمئة.
30 -
محمد بن الغرس: محمد بن محمد، الشيخ الفاضل العلامة، شمس الدين ابن الشيخ العلامة الألمعي بدر الدين الشهير بابن الغرس بالمعجمة الحنفي المصري. كان ذا يد في النحو والأعاريب، وله شعر، وافتقر في آخر عمره، وسقم سنين بعد عز وترف ووجاهة، كان صابراً شاكراً، توفي رحمه الله تعالى في القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة.
31 -
محمد وأخوه الغزيان: محمد بن محمد وأخوه أحمد أبناء القاضي رضي الدين الغزي، الجد الشابان الفاضلان أبو الخير قوام الدين، وأبو المكارم شهاب الدين. توفيا شهيدين بالطاعون في دمشق سنة اثنتين وتسعمائة. ثانيهما وهو الأصغر قبل أولهما وهو الأكبر يوم الأحد ثاني عشر القعدة عن ست عشرة سنة، وأولهما وهو الأكبر بعده باثنين وعشرين يوماً يوم الخميس رابع الحجة، وكان والدهما الجد الشيخ رضي الدين إذ ذاك بمصر، ولم يبق له بعدهما ولد، فبشره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح، فعوضه الوالد الشيخ بدر الدين سنة أربع وتسعمائة.
32 -
محمد النكساري: محمد بن إبراهيم بن حسن العالم، العامل، الفاضل، الكامل، المولى محي الدين النكساري الرومي الحنفي. كان عالماً بالعربية، والعلوم الشرعية العقلية، ماهراً في علوم الرياضة. أخذ عن المولى فتح الله الشرواني، وقرأ على المولى حسام الدين التوقاني، ثم على المولى يوسف بالي بن محمد الفناري، ثم على المولى يكان، وكان
حافظاً للقرآن العظيم، عارفاً بعلم القراءات، ماهراً في التفسير. وكان يذكر الناس كل يوم جمعة تارة في أيا صوفيا، وتارة في جامع السلطان محمد خان، وكان حسن الأخلاق، قنوعاً راضياً بالقليل من العيش، مشتغلاً بإصلاح نفسه، منقطعاً إلى الله تعالى. صنف تفسير سورة الدخان، وكتب حواشي على تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على شرح الوقاية لصدر الشريعة، ولما آن أوان انقضاء مدته ختم التفسير في أيا صوفيا، ثم قال: أيها الناس إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان، ودعا فأمن الناس على دعائه، ثم أتى إلى بيته ومرض. وتوفي بالقسطنطينية في سنة إحدى وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
33 -
محمد بن الخطيب: محمد بن إبراهيم، العالم العلامة، المولى محي الدين الشهير بابن الخطيب الرومي الحنفي، وكان من مشاهير موالي الروم. قرأ على والده المولى تاج الدين، وعلى العلامة علي الطوسي والمولى خضر بيك، وتولى المناصب، وترقى حتى جعله السلطان محمد بن عثمان معلماً لنفسه، ثم ادعى البحث مع المولى خواجه زاده، فقال له السلطان محمد: أنت تقدر على البحث معه. قال: نعم سيما ولي مرتبة عند السلطان، فعزله السلطان لهذا الكلام، ولما تولى السلطان أبو يزيد خان جمعه في ولايته مع المولى علاء الدين العربي في محفل من العلماء، فجرى بينهما مباحثة في الرؤية والكلام. انتهى فيها البحث إلى كلام أنكره عليه السلطان، ففطن ابن الخطيب لذلك، وصنف رسالة في البحث المذكور، وذكر في خطبتها اسم السلطان، وأرسلها إليه على يد وزيره إبراهيم باشا، فلما عرضها على السلطان، فقال السلطان: ما اكتفى بذلك الكلام الباطل باللسان حتى كتبه في الأوراق. اضرب برسالته وجهه، وقل له: يخرج البتة من مملكتي، فتحير الوزير، وكتم غضب السلطان عن ابن الخطيب، وانتظر ابن الخطيب جائزة الرسالة، وتألم من تأخرها، وقال للوزير: أستأذن السلطان أن أذهب من مملكته وأجاور بمكة وأدى أمره إلى الاختلال عند السلطان، وتحير الوزير، ثم أرسل إلى ابن الخطيب من ماله باسم السلطان عشرة آلاف درهم، وناسى السلطان القضية، ثم أن المولى جلال الدين الدواني رحمه الله تعالى أرسل كتاباً إلى بعض أصدقائه إلى الروم، وهو المفتي يومئذ وكتب في حاشيته: السلام على المولى ابن الخطيب، وعلى المولى خواجه زاده، فسمع ابن الخطيب بذلك، فطلب الكتاب وأرسله إلى الوزير وقال له: إنه يعتقد فضل خواجه زاده علي، وأنا مفضل عليه ببلاد الروم. يدل عليه كتاب المولى جلال الدين حيث قدمني عليه ذكراً، فلما وصل الكتاب إلى الوزير قال: إنه سؤال دوزي، والتقديم في
الذكر لا يستلزم التقديم في الفضل. قلت: وهذا الرجل وإن كان من الموالي المحققين، فأنت خبير بما اشتملت عليه سيرته من الدعوى، والحسد، وعدم الرضا من زمانه.
وذكر صاحب الشقائق عن والده أنه دخل مع ابن الخطيب حين كان يقرأ عليه وهو متقاعد عن المناصب إلى السلطان أبي يزيد خان - رحمه الله تعالى في يوم عيد، فلما مر مع موالي بالديوان والوزراء جالسون سلم المولى بن فضل الله، وكان مفتياً في ذلك الوقت عليهم، فضرب ابن الخطيب في صدره بظهر يده، وقال: هتكت عرض العلم، وسلمت عليهم أنت مخدوم، وهم خدام سيما وأنت رجل شريف. قال: ثم دخل ونحن معه، فاستقبله سبع خطوات، وسلم عليه وما انحنى له، وصافحه ولم يقبل يده، وقال للسلطان: بارك الله لك في هذه الأيام الشريفة، ثم سلم ورجع. قلت: قد اشتملت هذه الحكاية على أمور بعضها معروف، وبعضها منكر، فأما ترك حنائه للسلطان، وتقبيل يده، فمن السنة، وأما إنكاره على المفتي السلام على الوزراء، وأهل الديوان ولومه على ذلك، وضرب يده في صدره، فجرأة وقلة أدب وخطأ ظاهر، ولابن الخطيب من المؤلفات حواشي على شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على حاشية الكشاف للسيد أيضاً وغير ذلك، وكانت وفاته في سنة إحدى تسعمائة عفا الله تعالى عنه.
34 -
محمد بن جماعة: محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة، ابن حازم بن صخر، الشيخ الإمام شيخ الإسلام قاضي القضاة، خطيب الخطباء نجم الدين أبو البقاء ابن قاضي القضاة برهان الدين ابن قاضي القضاة، شيخ الإسلام جمال الدين بن جماعة الكناني، المقدسي، الشافعي، سبط قاضي القضاة سعد الدين الديري - رحمهم الله تعالى - ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين ثمانية بالقدس الشريف، ونشأ به، واشتغل في صغره بالعلم على جده وغيره، وأذن له قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهةً، حين قدم إلى القدس الشريف، وتعين في حياة والده وجده، ولما توفي جده كان والده حينئذ قاضي القضاة الشافعية، فتكلم له في تدريس الصلاحية عند الملك الظاهر خشقدم، فأنعم له بذلك، ثم عن للقاضي برهان الدين أن يكون التدريس لولده الشيخ نجم الدين، لاشتغاله هو بمنصب القضاء، فراجع السلطان، فأجاب، وولى نجم الدين تدريس الصلاحية، فباشرها أحسن مباشرة وحضر معه يوم جلوسه قاضي القضاة حسام الدين بن العماد الحنفي قاضي دمشق، وكان إذ ذاك ببيت المقدس جماعة
من الأعيان شيوخ الإسلام، كالكمال والبرهان ابني أبي شريف، والبرهان الأنصاري، والشيح أبي العباس المقدسي، والشيخ ماهر المصري وغيرهم، ولم تزل الوظيفة بيده، حتى توفي والده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، فجمع له بين قضاء القضاة، وتدريس الصلاحية، وخطابة المسجد الأقصى ولم يلتمس على القضاء ولا الدرهم الفرد، حتى تنزه عن معاليم الأنظار مما يستحقه شرعاً، ثم صرف عن القضاء والتدريس بالعز ابن عبد الله الكناني أخي الشيخ أبي العباس المقدسي، فانقطع في منزله بالمسجد الأقصى، يفتي، ويدرس، ويشغل الطلبة، ويباشر الخطابة، ثم عزل قاضي القضاة عز الدين، فتولى تدريس الصلاحية الكمال بن أبي شريف في صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة، واستمر بها إلى سنة ثمان وسبعين، فأعيدت إلى صاحب الترجمة، فجلس للتدريس وافتتح التدريس بخطبة بليغة، وتكلم على قوله تعالى:" ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم "" سورة يوسف: الاية 65 " الآية. ثم تنزه عن القضاء، ولم يلتفت إليه بعد ذلك، ثم عن حصته من الخطابة، وانجمع عن الناس، وله من المؤلفات شرح على جمع الجوامع لابن السبكي سماه بالنجم اللامع، وتعليق على الروضة إلى أثناء الحيض في مجلدات، وتعليق على المنهاج في مجلدات، والدر النظيم في أخبار موسى الكليم، وغير ذلك، وتأخرت وفاته عن سنة إحدى وتسعمائة، رحمه الله تعالى.
35 -
محمد الخليلي: محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم، الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو الجرد ابن شيخ الإسلام برهان الأنصاري الخليلي، ثم المقدسي الشافعي، ولد بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وحفظ القرآن والمنهاج، وألفية بن مالك، والجزرية، وبعض الشاطبية، واشتغل على والده، ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، أجلهم شيخ الإسلام قاضي القضاة شرف الدين المناوي، والشيخ العلامة كمال الدين ابن إمام الكاملية الشافعيان، وأخذ العلوم عن الشيخ تقي الدين الشمني الحنفي، وفضل وتميز، وأجيز بالافتاء والتدريس، وأعاد بالصلاحية، وله تصانيف من شرح الجرومية، وشرح الجزرية، وشرح مقدمة الهداية في علم الرواية، لابن الجزري، ومعونة الطالبين في معرفة اصطلاح المعربين، وقطعة من شرح تنقيح اللباب لشيخ الإسلام ولي الدين العراقي، وغير ذلك، تأخرت وفاته عن سنة إحدى وتسعمائة.
36 -
محمد بن أبي عامر: محمد بن إبراهيم بن محمد، الشيخ العلامة شمس الدين
الحنفي المقري، عرف بابن أبي عامر، أخذ عن الشهاب، أبي الطيب محمد بن أحمد بن علي الحجازي الشافعي، الأدب المحدث، وأخبره أنه يروي ألفية الحديث، والقاموس عن مؤلفيهما، وتلخيص المفتاح عن إبراهيم الشامي عن المؤلف.
37 -
محمد بن الذهبي: محمد بن إبراهيم، الشيخ الإمام العالم الفاضل، أبو الفضل شمس الدين بن صارم الدين الرملي الشافعي، الشهير،، بابن الذهبي، أحد الشهود المعتبرين بدمشق، ذكر النعيمي، أنه كان قديماً بخدمة الشيخ رضي الدين الغزي الجد، وأن ميلاده كان سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وقال الشيخ شهاب الدين الحمصي: أنه كان فاضلاً، ورأيت بخط شيخ الإسلام الوالد، أنه كان يعرف القراءات وكانت وفاته ليلة الجمعة ثالث عشر المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة بدمشق، بعد عوده من القاهرة.
38 -
محمد بن مزهر: محمد بن أبي بكر القاضي، كمال الدين بن مزهر، كاتب الإسرار بالديار المصرية، توفي مطعوناً، يوم السبت خامس عشرين رمضان، سنة عشر وتسعمائة بالقاهرة، ودفن بتربة البارزي بها رحمه الله تعالى.
39 -
محمد بن هلال: محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن مضر بن عمر بن هلال: الشيخ الفاضل العلامة الزاهد قوام الدين أبو يزيد الحيشي الأصل، الحلبي، الشافعي. كان عالماً فاضلاً مناظراً، له حدة في المناظرة، وذكاء مفرط، وحفظ عجيب. حفظ الشاطبية، وعرضها بحلب في سنة ثلاث ثمانين وثمانمائة، وسافر مع أبيه إلى بيت المقدس، فعرض أماكن منها ومن " الرائية " على إمام الأقصى عبد الكريم بن أبي الوفاء ثم جاور بمكة سنين، واشتغل بها، وسمع مع أبيه على الحافظ السخاوي، ثم عاد من مكة إلى حلب، واشتغل على عالمها البدر السيوفي، وقرأ عليه الإرشاد لابن المقري، وسمع بقرائة الشيخ زين الدين بن الشماع، ودرس بجامع حلب، ووعظ به وكان يأتي في وعظه بنوادر الفوائد، وسرد مرة النسب النبوي طرداً وعكساً، ثم أعرض عن ذلك، وكان صوفياً بسطامياً كأبيه يلف المئزر، ويرخي له عذبه رعاية للسنة، وكانت وفاته في حياة أبيه في شوال سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وصلى عليه والده في جامع حلب في مشهد عظيم، ودفن في تربة أسلافه بالأطعانية.
40 -
محمد المشهدي: محمد بن أبي بكر، الشيخ الإمام الفاضل، المسند الصوفي بدر الدين ابن الشيخ العلامة المسند بهاء الدين المشهدي المصري الشافعي، ولد في سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي مسند الطيالسي عن أبي الفرح عبد الرحمن بن المبارك الغزي ببلده، وسمع على عدة من أصحاب ابن الكويك، وابن الجزري، منهم والده، وعلى بعض أصحاب الشهاب الواسطي، وعلى قاضي القضاة بدمشق، القطب الخيضري، وأخذ عن الشهاب الحجازي الشاعر والرضى الأوجاقي، وعن غيرهم، وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب، وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر، وابن عمه شعبان، وغيرهما، ودرس وأسمع قليلاً، ناب في مشيخة سعيد السعدا الصلاحية عن ابن نسيبة، وكان عاقلاً، دمث الأخلاق ديناً صيناً، غير أنه كان ممسكاً حتى عن نفسه وفي مرض موته، كما قال العلائي، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان عالماً صالحاً، كثير العبادة، محباً للخمول، إن رأى أحداً يقرأ عليه فتح له، وإلا أغلق باب داره، قال: فقلت له يوماً: ما أصبرك يا سيدي على الوحدة فقال: من كان مجالساً لله فما ثم وحدة؟! وقد جاوزت الأربعين سنة، وما بقي يناسبنا إلا الجد والاجتهاد وعدم الغفلة عن الله تعالى، ثم قال لي: هكنا أدركنا الأشياخ خلاف ما عليه أهل هذ (االزمان، يتعلم أحدهم مسائل، فيود أن لو عرف جميع أهل الأرض، قال: وكانيقول مدح الناس للعبد قبل مجاوزته الصراط كله غرور انتهى.
وممن أخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي، سمع عليه الموطأ برواية أبي مصعب، وقطعة من مسند الطيالسي، وأخذ عنه النخبة لابن حجر، وغير ذلك، وهو الذي تخرجت به، وانتفعت في فن الحديث، قال: وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة انتهى.
وما ذكره من وفاته تقريب وتحرير وفاته، كما قرأت بخط العلائي يوم الاثنين سابع القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ثم دفن يوم الثلاثاء بعد الصلاة عليه في جماعة قليلة بباب النصر، في تربة الصلاحية على أبيه، وتوفر له حظه من إيثار الخمول على الشهرة حياً وميتاً رحمه الله تعالى - وقال: وهو آخر ذرية ابن خلكان فيما يعلم، ولم يعقب رحمه الله تعالى.
41 -
محمد بن الصعيدي: محمد بن أبي بكر، الشيخ الصالح المعتقد بدر الدين ابن الشيخ أبي بكر المصري الأحمدي، المعروف بابن الصعيدي، شيخ السادة الأحمدية. كان
الناس يتبركون به، ولهم فيه مزيد اعتقاد، وكان تحمل إليه الهدايا والإدرارات خصوصاً إذا شرع في التوجه إلى مولد سيدي أحمد البدوي - رضي الله تعالى عنه -، وكان مقبول الشفاعة، في الدولتين، مسموع الكلمة عند ملك الأمراء، فمن دونه، وكان إذا دخل على نائب مصر انتصب له قائماً، وانفرد به وقضى حوائجه، وقبل شفاعته، واعتبر كلامه، وأظهر ذلك بين خواصه وجماعته، وجعله أباً له، وكان يقطع خصومات، وينفذ أموراً لا يقدر عليها غيره، وكان يستخلص من القتل، وكان عليه السكينة والدهابة، وظهرت عليه خوارق وهابه الناس، وأقبلت عليه الدنيا، وكثرت مزارعه ومواشيه، وزوجه الأعيان ببناتهم، وبنيت له الزوايا، وعمرت له العمائر، وبقي على مكانته إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الثانية سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. ولما بلغ ملك الأمراء موته تأسف عليه، وأجلس أولاده في حجره، ورسم لهم بإمضاء جميع جهاتهم، وأبقاهم على ما كان بيده رحمه الله تعالى.
42 -
محمد بن ظهيرة: محمد بن أبي السعود بن إبراهيم، الشيخ الإمام العلامة، قاضي قضاة مكة المشرفة صلاح الدين بن ظهيرة المكي الشافعي. جرت له محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب. بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان. أطلق كل من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة. بل أبقاه في الحبس، وسافر، فقتل في مرج دابق، فلما وصل الخبر بقتله، وكسر عسكر الجراكسة إلى مصر، وتسلطن طومان باي. توجه السلطان طومان باي إلى الحبس، وأطلق القاضي صلاح الدين، ثم لما وصل السلطان سليم خان إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدين، فاكرمه وعظمه وخلع عليه وجهزه إلى مكة معزوزاً مكرماً مع الإحسان إليه، وكان بمصر جماعة من الحجازيين، فأحسن السلطان سليم إليهم كلهم، وكان القاضي صلاح الدين هو المشار إليه في تفرقة الصدقات السليمية في تلك السنة، وخطب عام إذ في الموقف الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي رحمه الله تعالى - في أواخر سنة ست أو أوائل سنة سبع وعشرين وتسعمائة. وصلي عليه غائباً بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة سابع عشري ربيع الأول سنة وعشرين وتسعمائة.
43 -
محمد المقري: محمد بن أبي عبيد، الشيخ الإمام العالم العلامة، شمس الدين المقري الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة. قال الحمصي: وكان فاضلاً ذكياً مفنناً. توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الحاكم، وكانت جنازته حافلة.
44 -
محمد ابن أبي الحمائل: محمد بن أيي الحمائل، الشيخ الصالح، ولي الله تعالى، العارف به شمس الدين السروي المصري، الشهير بابن أبي الحمائل، ذكره شيخ الإسلام الجد فيمن صحبهم من أولياء الله تعالى، وكان رضي الله تعالى عنه أحد الرجال المشهورين بالهمة والعبادة، وكان إذا غلب عليه الحال تكلم بالعبرانية والسريانية والعجمية وغير ذلك من الألسن، وكان لا يتكلم بشيء، والحال غلب عليه إلآ نفذ، وكان يطير في الهواء والناس يشاهدونه، وقال عن نفسه: بينما أنا في منارة فارس كور ليلة إذ مز علي جماعة طيارة، فدعوني إلى مكة شرفها الله تعالى، فطرت معهم بقبقابي، فحصل عندي عجب بحالي، فسقطت في بحر دمياط، فلولا أني كنت قريباً من البر غرقت، وساروا وتركوني، وشكى إليه مرة أهل بلد من كثرة الفار في مقاتيهم، فقال لبعض جماعة: اذهب فناد في الغيط حسبما رسم محمد ابن أبي الحمائل أن ترحلوا أجمعون، فنادى الرجل لهم كما قال الشيخ، فخرج الفار كله من ذلك الوقت، فلم ير هناك واحدة منها، وقيل: أمره أن ينادي معاشر الفيران حسبما رسم محمد بن أبي الحمائل إنكم ترحلون من هذا الغيط، وكل من قعد منكم بعد الليلة شنق بلا معاودة، فخرجت الفار كلها إلا سبعاً فوجدت مشنوقة في عيدان العصفر، وقد استقصى بعض أحواله الشيخ عبد الوهاب الشعراوي في طبقاته، وكانت وفاته بمصر في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بزاويته بخط بين الصورين، وقبره بها ظاهر يزار.
45 -
محمد التونسي: محمد بن أحمد، الشيخ الإمام، المدقق الصالح. أبو المواهب التونسي الشاذلي نزيل مصر، وهو الذي كان متصدراً في قبالة رواق المغاربة بالجامع الأزهر، وكان صاحب أوراد وأحوال، توفي في أوائل القرن العاشر رحمه الله تعالى.
46 -
محمد بن خطيب حمام الورد: محمد بن أحمد بن محمد القاضي، كمال الدين الدمشقي الشهير بابن خطيب حمام الورد، ولد سابع عشر رجب سنة ست وأربعين وثمانمائة، وتوفي في جمادى سنة ثلاث وتسعمائة - رحمه الله تعالى.
47 -
محمد أبي الفضل: محمد بن أحمد بن محمد بن أيوب، الشيخ العلامة، المفنن محب الدين الشهير بأبي الفضل الدمشقي الشافعي. مولده في ثالث عشر شعبان سنة أربعين وثمانمائة. أخذ عن الشيخ زين الدين الشاوي وغيره، وألف كتباً في الفقه وغيره. منها شرح على المنهاج وشرح على المنفرجة وتخميسها وغير ذلك، وعني بحل الزايرجه السبتية، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر المحرم سنة خمس وتسعمائة، ودفن من الغد بمقبرة الفراديس شمالي شباك الخانقاه النحاسية غربي الذهبية عند شيخه ابن الشاوي، ومن شعره قوله ملمحاً بحديث المسلسل بالأولية رواه عنه ابن طولون ومن خطة نقلت:
إن رمتم فوزاً لدى رب السما
…
وأن تنالوا في الجنان أنعما
فأهل الأرض أوسعوهم رحمة
…
لعل أن يرحمكم من في السما
48 -
محمد العمري: محمد بن أحمد محمد سيدي الشيخ، العارف بالله تعالى، الولي الورع، الزاهد المجذوب، شمس الدين محمد ابن سيدي الشيخ العارف بالله تعالى أبي العباس بن شمس الدين العمري، الواسطي، المصري. قال الحمصي: كان له كرامات ظاهرة، وكشف صحيح، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الأربعاء، في سادس عشري جمادىالآخرة سنة عشرة وتسعمائة. ودفن بجامعه بالقاهرة بقرب والده.
49 -
محمد الكوكاجي الحنبلي: محمد بن أحمد أقضى القضاة عز الدين ابن القاضي شهاب الدين الكوكاجي الحموي، ثم الدمشقي الحنبلي، ولد بعد الأربعين وثمانمائة، وتوفي عشية الثلاثاء تاسع عشر في القعدة سنة سبع عشرة وتسعمائة. وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بالروضة من سفح قاسيون - رحمه الله تعالى.
50 -
محمد بن شكم: محمد بن أحمد الشيخ الإمام العلامة نجم الدين ابن الشيخ
العلامة شهاب الدين الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي، قال الحمصي: كان عالماً صالحاً زاهداً. وذكر ابن طولون في تاريخه أنه كتب على أربعين مسألة بالشامية. كتبها له وسأله عنها مدرسها شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، فكتب عليها، وعرضها عليه يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة عند ضريح الواقفة، فأسفر عن استحضار، حسن، وفضيلة تامة، وكانت وفاته في خامس عشر شوال يوم الاثنين سنة تسع عشر وتسعمائة بتقديم التاء، ودفن بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
51 -
محمد بن البهوتي: محمد بن أحمد القاضي بدر الدين بن أبي العباس البهوتي المصري الشافعي من أعيان المباشرين بمصر، وكان ذا ثروة ووجاهة زائدة، حتىهابه بنو الجيعان وغيرهم من أرباب الديوان، وكان قد عرض بعض الكتب في حياة والده على الشرف المناوي، والجلال البكري، والمحب ابن الشحنة، والسراج العبادي وغيرهم، وكان ملازماً للشيخ محمد البكري النازل بالحسينية، وله فيه اعتقاد زائد، ولما دخل السلطان سليم بن عثمان مصر القاهرة، وتطلب العثمانيون الجراكسة ببيوت مصر وجهاتها، حشى القاضي بدر الدين البهوتي على نفسه وعياله، فحسن عنده أن يتوجه بهم إلى مصره عند صهره نور الدين البكري، فأنزلهم في الشختور، ثم أتى مسرعاً لينزل معهم، فوضع قدمه على حافة الشختور، فاختلت به، فسقط في النيل فغرق، فاضطربوا لغرقه، فانحدر الشختور إلى الوطاف العثماني، فظنوا أنهم من الجراكسة المتشبهين بالنساء، فأحاطوا بهم وسلبوهم ما معهم بعد التفتيش، فبينما هم على ذلك إذ أتى زوجة القاضي بدر الدين المخاض، فرحمها شخص بقرب قنطرة قديدار، فوضعت ولداً ذكراً في منزله، وكان القاضي بدر الدين يتمنى ذلك، وينذر عليه النذور، فلم يحصل إلا على هذا الوجه، وأحيط بماله وما جمعه، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وكان ذلك في أواخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
52 -
محمد بن العجمي الحنبلي: محمد بن أحمد بن علي بن إبراهيم أقضى القضاة، السيد الشريف ناصر الدين أبو عبد الله العجمي الأصل، الحلبي المولد، الإردبيلي الخرقة الحسيني الحنبلي، المعروف بالمهمازي. توفي بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة.
53 -
محمد بن الشماخي: محمد بن أحمد الشيخ، الصالح الناسك السالك. بل العارف بالله تعالى، المربي المسلك المعمر، كمال الدين ابن الشيخ غياث الدين ابن الشيخ
كمال الدين الشماخي الأصل والمولد، وشماخي أم المدائن بولاية شروان. أخذ عن السيد يحيى ابن السيد بهاء الدين الشرواني الشماخي المولد، ثم الباكوي الوطن، وباكو بلدة من ولاية شروان أيضاً وبها توفي السيد يحيى - إلى رحمة الله تعالى - في سنة ثمان أو تسع وستين وثمانمائة، وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك، وترجمه صاحب الشقائق النعمانية. وقال: يحكى عنه أن لم يأكل طعاماً في آخر عمره مقدار ستة أشهر، فاشتهى في تلك المدة طعاماً عينه، فاهتم أكبر أولاده به، وأحضره، فلما أخذ لقمة اشتغل بتقرير المعارف الإلهية زماناً، ثم ترك اللقمة، ولم يأكلها فقيل له في ذلك، فقال: إن الحكيم لقمان تغذى برائحة شيء من الترياق عدة سنين، ولا بعد في أن أتغذى برائحة هذه اللقمة.
وأما مريده الشيخ كمال الدين صاحب الترجمة، فذكر العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسماعيل شاه، فلم يظهر مشيخة ولا سلوكاً، ولا تقرب من أرباب الدنيا، بل جلس في حانوت بقرب خان الخليل يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم بحسن صناعة، وجميل دربة، وإتقان صنع. قال: وكان حافظاً لعبارات كثير من المشائخ، وآدابهم، وأخلاقهم، وحسن سيرتهم مما خلا منه كثير من المتصدرين مع عدم التكثر والتبجح، وكان وفاته ليلة الاثنين ثالث ربيع الأول سنة سبع وعشرين وتسعمائة. عن نيف وتسعين سنة ووقع في كلام العلائي عن مائة وثلاث عشرة سنة رحمه الله تعالى.
54 -
محمد بن النجار الدمياطي: محمد بن أحمد بن عيسى الشيخ الإمام الأوحد العلامة. الحجة العمدة اللهامة شيخ وقته أمين الدين أبو الجود بن النجار الدمياطي، الشافعي خطيب جامع الغمري بمصر، وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام الجد مع أنه أسن منه، وأشياخ شيخ الإسلام الوالد، ووصفه الوالد " بشيخ " الإسلام، ومرة أخرى بولي الله تعالى، ولد كما قرأته بخط تلميذه الشيخ نجم الدين الغيطي سنة خمس وأربعين وثمانمائة. وممن أخذ العلم عنهم أيضاً شيخ الإسلام صالح البلقيني، والتقي الشمني، والسيدة زينب بنت الحافظ عبد الرحيم العراقي وغيرهم، وقد كان - رحمه الله تعالى - ممن جمع الله له بين العلم والعمل،
وكان في علوم الشرع إماماً، وفي علوم الحقيقة قدوة، وكان متواضعاً يخدم العميان والمساكين ليلاً ونهاراً، ويقضي حوائجهم، وحوائج الفقراء، والأرامل، ويجمع لهم من أموال الزكاة، ويفرقها عليهم، ولا يأخذ لنفسه من ذلك شيئاً، وكان يلبس الثياب الزرق، والجبب السود، ويتعمم بالقطن غير المقصور، وكان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاءً، وكان ينام بعد الوتر لحظة، ثم يقوم وينزل إلى الجامع، فيتوضأ ويصلي والباقي للفجر نحو سبعين درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع القرآن سراً، فإذا أذن الصبح قرأ جهراً قراءة تأخذ بجوامع القلوب، فمر نصراني من مباشري القلعة يوماً في السحر، فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يدي الشيخ وهو على كرسته، وحسن إسلامه، وصلى معه الفجر، وبقي يصلي خلفه إلى أن مات، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من بولاق، ومن نواحي الجامع الإزهر في صلاة الصبح لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه، وكان سيدي أبو العباس الغمري يقول عن جامعه: الجامع جثة، والشيخ أمين الدين روحها، وكان يقري ويضيف كل وارد، وكان يخدم نفسه، ويحمل الخبز على رأسه إلى الفرن، ويحمل حوائجه من السوق، ولا يمكن أحداً من حمل ذلك، وكان مع هذا له هيبة عظيمة يكاد من يعرفه يرعد من هيبته، وكان قد انتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السنة بالكتب الستة وغيرها، وكان يقرأ الأربع عشرة رواية، ومناقبه كثيرة.
وله كرامات منها ما أحكاه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي - رحمه الله تعالى - أنه رآه مرة
أقسم على خشبة، فزحفت حتى وصلت إلى ركبتيه، ونقل ابن طولون عن الشيخ الفضل بن أبي اللطف أنه كان من أهل العلم. قال: وجرت له محنة في أيام السلطان قانصوه الغوري، وهي أن بعض التجار أودع عنده مالاً له صورة، وقال له: إذا بلغ ولدي بعد موتي، فادفعه إليه، فجاء الولد إليه، وهو دون البلوغ يطلب منه المال، فقال له: حتى تبلغ، فذهب إلى السلطان، فاشتكى عليه، فطلبه السلطان وطالبه بالوديعة، فأنكرها وحلف عليها، ثم لما بلغ الولد أقر بها، ودفعها إليه، فعلم السلطان بذلك، فطلبه فقال له: كيف تحلف ما عندك وديعة والآن قد أقررت بها؟ فقال له: إن فقهاء الشافعية كالنووي في الروضة قالوا: إن الظالم إذا طلب الوديعة من الوديع، وخاف منه عليها له أن ينكرها، ويحلف على ذلك وأنت ظالم، فرسم عليه السلطان، ثم شفع فيه، فأطلقه وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد إجازة إن لم يكن سماعاً أن والده شيخ الإسلام رضي الدين الجد نظم قصيدة في نحو مائة بيت في معنى سأله في نظمه تلميذه شيخ المسلمين أمين الدين ابن النجار صاحب الترجمة، فأجابه إلى سؤاله، وكتب إليه من القصيدة بهذه القطعة:
إلهي سيدي ربي أغثني
…
وخذ بيدي ومن بعدي أجرني
إلهي قد جنيت وأي عبد
…
ضعيف الخلق مثلي ليس يجني
إلهي ليس أجدر بالخطايا
…
وبالتقصير والزلات مني
إلهي لو أتيت بكل ذنب
…
فلا أولى بعفو عنك عني
إلهي أنت ذو صفح جميل
…
وجود واسع وعظيم من
إلهي ما عصيت بغير علم
…
ولا أبداً أطعت بغير إذن
إلهي إن أطع فبمحض فضل
…
وإن أعص فمن نقص ووهن
إلهي ما لعبد حجة في
…
تحمله الجناية والتجني
إلهي إن حجتك التي قد علا
…
برهانها من غير طعن
إلهي ليتني لوكنت عبداً
…
بلا خطأ وهل يجدي التمني
إلهي ليتني لا كنت إذ لم
…
أطعك وليت أمي لم تلدني
إلهي إن خوفي زاد لولا
…
رجائي مت من هم وحزن
إلهي من يناقش في حساب
…
يعذب منه يا رب أقلني
إلهي أنت قهار حليم
…
بحقك منك يا ذخري أعذني
إلهي ليس إلا أنت ربي
…
فلا أبداً بغيرك تمتحني
إلهي إن أسأت بغير علم
…
فإني فيك قد أحسنت ظني
إلهي أنت قد حققت فقري
…
إليك وليس شيء عنك يغني
إلهي إنني أخشى وأرجو
…
أماناً منك فامنن لي بأمن
إلهي غير بابك في أموري
…
إذا ما ضقت ذرعاً لم يسعني
إلهي قد رجعت إليك عما
…
سواك فلا إلى غير تكلني
إلهي مثل ما أحسنت بدءاً
…
ففي العقبي بحقك لا تسئني
إلهي من يعين على وصولي
…
إلى ما يرتضى إن لم تعني
إلهي من سواك يزيل همي
…
ومن أدعوه مضطراً يجبني
إلهي لست أحصي ما به قد
…
منحت من العطاء بلا تعني
كانت وفاة الشيخ أمين صاحب صاحب الترجمة - رحمه الله تعالى - ليلة السبت السابع والعشرين من شهر القعدة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وقال الشعراوي سنة تسع
وعشرين، وهو تقريب منه على عادته الغالبة في طبقاته، والأول أصح، حرره الحمصي في تاريخه، ويؤيده ما ذكره ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثاني عشري صفر سنة تسع وعشرين وتسعمائة، قال الشعراوي: ودفن بتربة خارج باب النصر، بالقرب من زاوية سيدي الحصري رضي الله تعالى عنهما.
55 -
محمد بن الكنجي: محمد بن أحمد، الشيخ الإمام العالم أبو عبد الله شمس الدين ابن الشيخ الصالح شهاب الدين الكنجي الدمشقي الشافعي، ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وقرأ العربية على الشيخ موسى التونسي المغربي، ثم قدم دمشق وصار من أصحاب شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد، وقرأ عليهما قال الشيخ الوالد: لزمني كثيراًوقرأ علي جانباً كبيراً، نحو الثلث من كتاب المصابيح للبغوي، ومن شرحي على منظومة والدي شيخ الإسلام، مختصر جمع الجوامع في الأصول، من أوله إلى مسألة ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، فهو واجب، وغير ذلك، قال: وحضر تقاسيدي للمنهاج والتنبيه وهو عمي من الرضاع، وكان - رحمه الله تعالى - له يد في النحو والحساب والميقات، حافظاً للقرآن، مجوداً، وولي، مشيخه الكلاسة، مات يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير، وكان ينشد كثيراًفي معنى الحديث:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً
…
حتى يروا عنده آثار إحسان
56 -
محمد بن الفيوفي: محمد بن أحمد، الشيخ العلامة بدر الدين الفيومي الصوفي، كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد، سمع عليه مجلسين من صحيح مسلم، بقراءة صاحبه الشيخ برهان الدين البقاعي، وحضر مجالسه في غير ذلك، وتوفي، بحلب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
57 -
محمد بن الموقع: محمد بن إسماعيل القاضي محمد بن عماد الدين الموقع، قال الحمصي: كان مباركاً، توفي في دمشق في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
58 -
محمد بن جمعة: محمد بن جمعة، الشيخ الإمام العلامة بدر الدين الفيومي الحنفي المعروف بابن جمعة، من أعيان العلماء الفضلاء بمصر ومشاهيرهم بها، ولي، مشيخة القبة بتربة بشبك بالمطرية، ودخل إلى الروم مرتين، ودخل فيهما دمشق، الأولى صحبة قاصد السلطان قايتباي، فعاد إلى دمشق منها في جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة، والثانية في سنة
سبع وتسعمائة، بتقديم السين فيهما، وكتب فيها بدمشق عند جوازه بها قاصداً لملك الروم السلطان أبي يزيد بن عثمان، في نصف شهر صفر من السنة المذكورة إلى شيخ الإسلام رضي الدين الغزي جدي لغزاً صورته:
يا من له أدب وفضل لا يحد
…
ومحاسن فوق الحساب فلا تعد
ويحل إن نفث البليغ معانياً
…
في مبهمات اللفظ فهي لها عقد
ما اسم تركب من حروف مثل ما
…
قد قامت الأركان منا بالجسد
فأعجب لها من أربع قد ركبت
…
فردين مع زوجين في اللفظ انعقد
فرد وزوج أولان اتصلا
…
كأن ذا وذاك روح وجسد
وآخران انفصلا بعدهما
…
كعاشق معشوقه عنه انفرد
فبين فردين أتى زوج كذا
…
ما بين زوجين لنا فرد ورد
والأول النصف لثان عده
…
والثالث النصف لرابع العدد
والثالث الثلث لأول كما
…
رابعه ثلث لثانيه يعد
وعد حرف منه ساوى عدد ال
…
باقي لمن قابل ذا بذا وعد
حرف له نصف وحرف ثلث
…
وحرف السدس حساباً لن يرد
ذاك ثلاثة وهذا إثنان وال
…
آخر إن تطلبه واحد أحد
يقلى الذي يلقاه أبو لم يلقه
…
جوى بقلب واجب طول الأبد
قد بان ما قد بان من لغز يرى
…
طرداً وعكساً في نظام اطرد
فهاك لغزي إن ترد جوابه
…
تجده دونه بدا يا ذا الرشد
فأت به مبيناً مفصلاً
…
وحل مافي النظم حل وانعقد
فأجاب عنه شيخ الإسلام الجد بقوله رضي الله تعالى عنه:
يا سيداً حاز الفضائل وانفرد
…
بمعارف قد جد فيها واجتهد
مازلت تبدي كل حين تحفة
…
بعجائب من بحر عرفان تمد
أرسلت لي لغزاً بديعاً وصفه
…
عقدته بنوادر لا تنتقد
في اسم تركب من حروف أربع
…
معلومة مثل الطبائع في العدد
فردين مع زوجين فيها ركباً
…
من أول مع آخر أيضاً ورد
مع ما ذكرت به من الألغاز في
…
نظم ببحر كامل منه استمد
وطلبت فيه جواب ما ألغزته
…
مني بتفصيل يحلل ما انعقد
وجواب لغزك بين أوضحته
…
بصريح لفظ فيه بالمعنى اتحد
النصف منه الربع أو إن شئت قل
…
نصف وربع نصفه من غير رد
والربع نصف ربعه أو ضعفه
…
من طرده أو عكسه حيث اطرد
والربع نصف سدسه أو سدسه
…
هندسة ما ثم من لها جحد
والقلب واجباً إذا انتدبته
…
كذا وليس خافياً على أحد
وهو الصواب إن حذفت أولاً
…
عوضته بسورة بلا فند
وهو الجواب بحذف آخر وإن
…
يبدل بدال فجواد ذو مدد
وإنه المسؤول عنه ظاهراً
…
فدم بجنة الرضى إلى الأبد
توفي الشيخ بدر الدين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وتسعمائة.
59 -
محمد بن المزلق: محمد بن حسن، قاضي القضاة شمس الدين أبو البقاء بن المقر بدر الدين ابن الخواجا شمس الدين الشهير بابن المزلق الدمشقي الشافعي، ولد بالقدس الشريف سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وتوفي مقتولاً شهيداً بدمشق، ليلة الخميس تاسع عشر رجب سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن بتربتهم شرقي مسجد الدبان، قيل: عاملت جاريتاه عليه ثلاثة مماليك من مماليك الحاجب الكبير تمريغا - رحمه الله تعالى -.
60 -
محمد بن القلفاط: محمد بن حسن، القاضي ولي الدين ابن القاضي بدر الدين بن القلفاط الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، حكم بين خصمين في بناء جدار، وحكم القاضي شمس الدين الخطيب المصري الحنفي بخلافه، فترافع الخصمان إلى السلطان الغوري فطلب القاضيين، ونهر صاحب الترجمة منهما، فعاد إلى بيته واستمر ضعيفاً أياماً، إلى أن مات يوم الاثنين ثاني عشر القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة ببولاق - رحمه الله تعالى -.
61 -
محمد بن الشاوي: محمد بن حسن، الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو عبد الله
شمس الدين ابن الشيخ بدر الدين الشاوقي الشافعي، توفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان سنة اثتتي عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
62 -
محمد بن الساموني: محمد بن حسن بن عبد الصمد، العالم العامل الزاهد المولى محيي الدين الساموني الروفي الحنفي، قرأ على والده، وعلى المولى علاء الدين العربي، ثم ولي التدريس، وترقى فيه، ثم صار قاضي أدرنة من قبل السلطان سليم، وتوفي وهو قاض بها. قال صاحب الشقائق النعمانية: كان مشتغلاً بالعلم غاية الاشتغال، بحيث لا ينفك عن حل الدقائق ليلاً ونهاراً، وكان معرضاً عن مزخرفات الدنيا، وكان يؤثر الفقراء على نفسه، حتى يختار لأجلهم الجوع والعري، وكان راضياً من العيش بالقليل، وكان له محبة صادقة للصوفية، وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف، وحواش على حاشية التجريد للسيد أيضاً، وحواش على التلويح للعلامة التفتازاني، وكانت وفاته سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
63 -
محمد بن البابي الحلبي البيلوني: محمد بن حسن بن محمد بن أبي بكر، الشيخ العالم العامل الصالح، شمس الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الصالح المقري بدر الدين البابي المولد، الحلبي المنشأ، الشافعي، المعروف بابن البيلوني، لازم الشيخ بدر الدين بن السيوفي، وحدث عنه، وقرأ على الكمال محمد بن الناسخ الطرابلسي، وهو نزيل حلب في شعبان سنة خمس وتسعمائة، من أول صحيح البخاري إلى أول تفسير سورة مريم، وأجازه ولمن معه، وأجازه جماعة آخرون منهم الحافظ شمس الدين السخاوي، وألبسه الطاقية، وصافحه وأسمعه الحديث المسلسل بالمصافحة، ومنهم الكمال والبرهان ابنا أبي شريف الشافعيان المقدسيان، وذلك عن اجتماع بهما وقراءة عليهما، وحدث بجامع حلب على الكرسي بصحيح البخاري وغيره، وولي إمامة السفاحية والحجازية بجامع حلب دهراً، وكان متقشفاً متورعاً عن فاخر الثياب، وأثوابه إلى أنصاف ساقيه عملاً بالسنة، متواضعاً يعبر عن نفسه بلفظ عبيدكم كثيراً، وكان ربما قال لغيره، كيف وليدكم وعبيدكم؟ فناقشه بعضهم في ذلك، فأجاب بأنه يقصد بالتصغير التعظيم كما هو مذهب الكوفيين، وكانت وفاته بحلب يوم السبت ثاني عشري القعدة سنة تسع عشرة وتسعمائة.
64 -
محمد بن عنان: محمد بن حسن، الشيخ العالم الصالح الناسك العارف بالله
تعالى الشهير بابن عنان المصري الشافعي، كان ممن جمع بين علم الشرع وعلم الحقيقة، تفقه بالشيخ يحيى المناوي، وهو ممن أخذ عنه أيضاً، وكان سيدي محمد بن عنان ممن اشتهر بالجد في العبادة، والاجتهاد في الطاعة، وقيام الليل، وحفظ الأوقات من التضييع، حتى كان سيدي محمد بن أبي الحمائل يقول: ما رأت عيني أعبد من ابن عنان، وقصده الشيخ أمين الدين ابن إمام الكاملية إلى بلاد الشرقية، وأخذ عنه وتبرك برؤيته، وكان يحفظ القرآن العظيم، قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: قال لي مرة: حفظت القرآن وأنا رجل كبير، فقرأت النصف الأول أولاً على الشيخ ناصر الدين بن الاحطائي، والنصف الثاني على أخي الشيخ عبد القادر، كان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاًء، من حين كان صغيراً، وكان يتهيأ ويستعد لقيام الليل من صلاة العصر، فلا يستطيع أحد أن يكلمه حتى يصلي الوتر بعد العشاء، فإذا قام للتهجد من الليل، لا يتجرأ أحد أن يكلمه حتى يصلي الضحى، وكان لا يصغي قط لشيء من كلام الناس فيما لا يعنيه، ولا يستمع إلى أخبار الناس، لا سأل عن عزل من عزل، ولا تولية من تولى، قال الشيخ عبد الوهاب: وسمعته مرة يقول: منذ دخلت طريق الفقراء لا أقدر أجلس على حدث قط، بل وضوئي دائم ليلاً ونهاراً، قال: ولقد أصابتني جنابة مرة في ليلة باردة، وكان على باب داري بركة جمد ظاهرها من البرد، فنزلت فيها واغتسلت، فوجدتها من شدة الهمة كأنها مسخنة بالنار، وكان إذا استنجى في الخلاء وأبطأ ماء الوضوء، يرى أن يضرب يده في الحائط ويتيمم حتى يجيء الماء، ولا يجلس على غير طهارة لحظة، وكان يقول: من ادعى مجالسة الله عز وجل وهو يمكث على حدث لحظة واحدة، فهو قليل الأدب.
وظهرت له كرامات كثيرة، منها ما ذكره الشيخ يوسف الحريثي أن طائفة الفقراء وردوا على سيدي محمد على غفلة وهو شاب، وكانوا نحو خمسمائة فقير، فأشبعهم كلهم من عجين أمه، وكان نصف ويبة ستر إناء العجين بردائه، وقال لأمه: قرصي منه ولا تكشفيه، فأخذت منه ما كفاهم، ثم أمرها فكشفت الإناء فلم تجد فيه شيئاً، وقال الشيخ أمين الدين بن النجار: كنا في سفر مع سيدي أبي العباس الغمري، وسيدي محمد بن عنان، فاشتد الحر علينا، فنزل الشيخان وطرحا على حمارتيهما بردة، وجلسا في ظلها، فعطش سيدي أبو العباس فلم يجد معنا ماء يشربه، فأخذ سيدي محمد طاسته وغرف بها ماء بارداً من الأرض الناشفة وقدمه لسيدي أبي العباس، فلم يشرب منه فقال: يا شيخ محمد، الظهور في هذه الأيام يقطع
الظهور، فقال سيدي محمد: وعزة الله لولا خوف الظهور لسألت الله تعال أن يجعلها بركة يشرب منها البهائم إلى يوم القيامة، وقال الشيخ شمس الطبخي وهو صهر سيدي محمد بن عنان: إن شخصاً كان في مقبرة برهمتوش، يصيح كل ليلة في قبره، فأعلموا سيدي الشيخ محمد بذلك، فمشى إلى قبره، وقرأ عليه سورة الملك، ودعا الله تعالى ساعة، فمن تلك الليلة ما سمعوا له صياحاً، وكان إذا دخل على فقير من إخوانه النافعين للناس وهو مريض يتحمل عنه المرض ويضطجع، فيقوم ذلك المريض في الحال، كأن لم يكن به مرض، وفعل ذلك مع الشيخ أبي العباس الغمري وغيره، قال الشيخ عبد الوهاب: ولما حضرته الوفاة فوق سطوح جامع باب البحر بخط المقسم، مات نصفه الأسفل، فصقى وهو جالس بالإيماء، فلما فرغ من الصلاة أشار إلي أضجعوني فأضجعناه، فما زال يهمهم بشفتيه والسبحة في يده، حتى كانت آخر حركة يده وشفته طلوع روحه، وكان ذلك في شهر رييع الأول، سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن خلف محراب جامع المقسم، وبنى عليه ولده الشيخ أبو الصفا قبة وزاوية - رحمه الله تعالى -.
65 -
محمد بن الداديخي: محمد بن حسين الشيخ شمس الدين المجود المقرئ الداديخي، ثم الحلبي الشافعي، كان ديناً خيراً، وله أخلاق حسنة. أخذ القراءات عن مغربي كان بداديخ، وبرع فيه وفي غيره، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن البدر السيوفي بحلب، وهما أجل شيوخه. ثم كان يشغل الطلبة في قبة بجامع عبيس، ويؤدب الأطفال، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة.
66 -
محمد بن حمزة الحسيني: محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة، الشيخ الإمام شيخ الإسلام، مفتي دار العمل بدمشق، السيد الشريف الحسيب النسيب، أبي عبد الله كمال الدين الحسيني الدمشقي الشافعي الشهير بأبيه، ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة، كما قرأته بخطه في إجازته لأولاد مفلح، وبلغني أن والده استجاز له من ابن حجر، ولا يبعد فإن وفاة ابن حجر كانت ليلة السبت ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده وخاليه النجمي والتقوي ابني قاضي عجلون، وعلى غيرهم، وبرع وفضل وتردد إلى مصر في الاشتغال
والأشغال، ثم صار أحد الشيوخ المعول عليهم من الشافعية بدمشق فقهاً وأصولاً وعربية وغير ذلك، وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة، وكان جامعاً للعلوم مع جلاله ومهابة وهيئة حسنة، وكان يقرر في درسه بسكينة وتؤدة وأدب واحتشام، مع حل المشكلات ومراجعة التصحيح للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، والوقوف عندما صححه من كلام الشيخين وكلام المتأخرين، وكان يتردد إلى مصر، وتزوج وانتفع به الطلبة، وتخرج به الطلبة بدمشق والقاهرة، وما والاهما، وكان يدرس ويفتي وآخراً ترك الإفتاء، قال والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي - رحمه الله تعالى -: وكان يرد الأسئلة إلى بعض تلامذته لأمور منها: المحنة التي حصلت له مع السلطان قانصوه الغوري، وهي أنه رفع إليه سؤال فيمن بنى بنياناً في مقبرة، مسألة هل يهدم أو لا؟ فكتب أنه يهدم، فهدم على الفور، وكان الميت المبني على قبره أحد أولاد محب الدين الأسلمي، ناظر الجيوش بالشام، بمقبرة الشيخ أرسلان، وكان الهدم يوم الأربعاء ثاني رمضان سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، بحضرة قاضي القضاة الشافعية الولوي بن الفرفور، وقاضي القضاة المالكية خير الدين الغزي، وقاضي القضاة الحنابلة نجم الدين عمر بن مفلح، وصاحب الترجمة مفتي دار العدل كمال الدين بن حمزة وغيرهم، فلما هدم البناء المذكور استفتى أبو الميت محب الدين المذكور شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون وهو خال السيد كمال الدين صاحب الترجمة فأفتى بعدم الهدم، وهو غير المنقول، وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بنلك، فأخذ محب الدين المذكور خط شيخ الإسلام ابن قاضي عجلون، وسافر به إلى مصر، بعد أن عقد بسبب ذلك مجالس عدة بدمشق منها يوم الأحد سادس المحرم سنة أربع عشرة وتسعمائة، بحضرة نائب الشام يومئذ سيبائي، والقضاة الأربعة والدوادار دولتباي وغيرهم، اجتمعوا بالتربة المذكورة وكشفوا عليها، واتفق الحال آخراً على أن من قال بقدم الجدار المبني يكتب خطه ومن قال بحدوثه يكتب خطه، ثم سافر محب الدين ووقف للغوري شاكياً باكياً، وبلغني أنه حمل معه من عظام الموتى، فطرحها بين يدي الغوري، فعند ذلك بعث الغوري في طلب السيد كمال الدين وخاله وولده القاضي نجم الدين، وقاضي القضاة الولوي بن الفرفور، وقاضي القضاة ابن يونس، وقاضي القضاة ابن خير الدين، وقاضي القضاة ابن مفلح وأقضى القضاة شهاب الدين الرملي، وعقد لهم مجلس بحضرة الغوري وعلماء مصر وقضاتها، وصاروا يتألفون السلطان بالجمع بين الإفتائين، تأدباً مع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون لأنه كان يومئذ شيخ الكل على الإطلاق، وكان للسيد أيضاً أصحاب وأنصار، فما أمكنهم إلا الإصلاح، وكان من كلامهم للسلطان الغوري أن العلماء ما زالوا يختلفون في الوقائع وكل أفتى بحسب ما ظهر له، وكان ميل الغوري إلى ما أفتى به الشيخ تقي الدين، وانفصل الأمر بعد عقد مجالس على المصادرة، وأخذ المال، وعزل ابن الفرفور
وتولية القاضي نجم الدين ابن الشيخ تقي الدين المذكور قضاء القضاة الشافعية، وعاد هو ووالده إلى دمشق متولياً لقضائها، ومكث مدة بها قاضياً، ثم عزل بابن الفرفور، واستمر الولوي بن الفرفور قاضياً إلى انقضاء الدولة الجراكسة، وعاد السيد كمال الدين وبقية القضاة إلى دمشق، وعكفت الطلبة عليه، وعظم شأنه، حدثنا بهذه القصة مراراً مشافهة شيخنا - فسح الله تعالى في مدته - عن والده الشيخ يونس - رحمه الله تعالى - ومن خطه نقلت ما عدا تاريخ الهدم والمجلس الذي عقد بالتربة المذكورة فإني حررته من كتاب ابن طولون، ونقلته من خطه، وولي السيد كمال الدين بن حمزة - رحمه الله تعالى - مع تدريس البقعة
بالجامع الأموي، تدريس الشاميتين بدمشق الجوانية والبرانية والعزيزية والتقوية والأتابكية، وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير الأعظم إلى دمشق في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، رتب له في مال الجوالي بدمشق ثلاثين عثمانياً، وكان قليل الاعتراض على الحكام في أمر العامة، وعاش عيشة هنية نقية، وكان يتودد إلى أهل الصلاح، وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن القاري، والشيخ العلامة بهاء الدين بن سالم، والعلامة كمال الدين الدركي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلامة شمس الدين بن بركات بن الكيال، والعلامة برهان الدين الأخنائي، والعلامة القاضي جلال الدين البصروي، والعلامة القاضي زين الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، والعلامة القاضي جمال الدين بن حمدان، والشيخ العلامة برهان الدين بن حمزة، والشيخ العلامة يعقوب الواعظ، والشيخ العلامة شمس الدين الوفائي الواعظ، والشيخ العلامة المفتي المدرس يونس العيثاوي والد شيخنا، والشيخ العلامة الورع شهاب الدين أحمد الطيبي، والشيخ العلامة الصالح علاء الدين القيمري وغيرهم، ولم يتفق لشيخ الإسلام الوالد الأخذ عنه لاستغنائه عنه بشيوخه وأقرانهم من الشاميين والمصريين، كما ستعلمه من ترجمة الشيخ الوالد. بالجامع الأموي، تدريس الشاميتين بدمشق الجوانية والبرانية والعزيزية والتقوية والأتابكية، وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير الأعظم إلى دمشق في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، رتب له في مال الجوالي بدمشق ثلاثين عثمانياً، وكان قليل الاعتراض على الحكام في أمر العامة، وعاش عيشة هنية نقية، وكان يتودد إلى أهل الصلاح، وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن القاري، والشيخ العلامة بهاء الدين بن سالم، والعلامة كمال الدين الدركي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلامة شمس الدين بن بركات بن الكيال، والعلامة برهان الدين الأخنائي، والعلامة القاضي جلال الدين البصروي، والعلامة القاضي زين الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، والعلامة القاضي جمال الدين بن حمدان، والشيخ العلامة برهان الدين بن حمزة، والشيخ العلامة يعقوب الواعظ، والشيخ العلامة شمس الدين الوفائي الواعظ، والشيخ العلامة المفتي المدرس يونس العيثاوي والد شيخنا، والشيخ العلامة الورع شهاب الدين أحمد الطيبي، والشيخ العلامة الصالح علاء الدين القيمري وغيرهم، ولم يتفق لشيخ الإسلام الوالد الأخذ عنه لاستغنائه عنه بشيوخه وأقرانهم من الشاميين والمصريين، كما ستعلمه من ترجمة الشيخ الوالد.
وحئثني من أثق به عن الشيخ الوالد أن رجلاً قال لشيخ الإسلام الجد: يا سيدي لو أمرت ولدك الشيخ بدر الدين أن يقرأ على السيد كمال الدين لكان ذلك حسناً فقال: ولدي من أقران السيد كمال الدين. فكيف يقرأ عليه؟ وأراد بذلك الشيخ الجد التنويه بمقام ولده، والتعريف بقدره مع اعترافه بكمال الكمال، وإلا فلا مانع من ذلك، قال والد شيخنا - رضي الله تعالى عنه -: وكان السيد كمال الدين - رحمه الله تعالى - هو سبب ظهور شرح المنهاج للشيخ جلال الدين المحلي بدمشق، فإنه استكتبه بمصر، وكتبه الطلبة وهو مفيد مع الاختصار، وكان الناس يطالعون العجالة، وهي أنفع لاشتمالها على الدليل والتعليل، والفروع المفيدة،
قال وأشياخنا كالإمام البلاطنسي وغيره، كانوا يأمرون الطلبة بمطالعتها قال: وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محل إقامتي، فقلت: بميدان الحصا، فقال لي: هذه المحلة خصها الله تعالى بثلاثة أبارية كل منهم انفرد بفن لا يشارك فيه الشيخ إبراهيم الناجي بعلم الحديث، والشيخ إبراهيم القدسي بفن القراءات، والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف. انتهى.
ورأيت للشيخ الصالح العلامة علاء الدين بن صدقة قصيدة يتغزل فيها ويتخلص لمدح صاحب الترجمة، فأحببت إثباتها هذا وهي هذه:
لي في المحبة شاهد بفنائي
…
عند الأحبة، وهوعين بقائي
أذهب كلي في الغرام، ولم أدع
…
من جملتي إلا محل رجائي
فتبوأ الإحسان مني منزلاً
…
وسط الفؤاد، وسائر الأعضاء
ملكتهم رقي، وقلت برقة
…
إن تقبلوا فأنا من السعداء
ما زلت أسفح في هواكم أدمعي
…
حتى همت ممزوجة بدماء
فأنا الغريق بعبرة في لجة
…
أشكو بها من فقد نار جواء
لوكنت في لجج ولم تك في الحشا
…
أهل المودة زاد حر ظمائي
فبحق ساعات الوصال تعطفوا
…
وأحيوا بوصل ميت الأحياء
إن تقتلوا مضناكم يا حبذا
…
إذ تدخلوه بزمرة الشهداء
أو ترحموا صبا كئيباً ترحموا
…
بمراحم من أرحم الرحماء
برح المتيم في الهيام صبابةً
…
لما عليه سطت يد البرحاء
يا من هم قصدي وسؤلي والمنى
…
إني كلفت بكم وطال عنائي
جودوا وجوروا سادتي فأنا على الح
…
الين لم أنقض عهود ولائي
أعرضت عن قومي لأجل رضاكم
…
وغدوت عبداً في الهوى برضائي
أصبحت عن أهلي غريباً نازحاً
…
وارحمتاه لغربة الغرباء
ليس الغريب غريب دار إنما
…
عندي الغريب المستهام النائي
وأنا الذي عني أخلائي نأوا
…
والصبر مني ذاهب متناهي
لما ترحلت الأحبة حل بي
…
داء ضنيت به وعز دوائي
ساروا إلى نحو الخيام وهم معي
…
قد خيموا في القلب والأحشاء
تلك الليالي الماضيات بقربهم
…
كوميض برق في دجى الظلماء
ماذا عليهم لو أتاني منهم
…
من يكشف الضراء بالسراء
وأقول: مهلاً يا رعاك الله إن
…
جزت المنازل جز على اللمياء
ولم الذي قد لامني في حبها
…
إن كنت ترعى في الأنام إخائي
واحفظ فؤادك بين سمر كواعب
…
واحذر ظبا الألحاظ بين ظباء
فأنا القتيل بسيف لحظ عزيزة
…
وأنا الطعين بأسمر الهيفاء
كحل السهاد نواظري من نظرة
…
أرسلتها للمقلة الكحلاء
لله كم سهرت عيوني عندما
…
شهرت سيوف المقلة النجلاء
لله ما منع الكرى عني سوى
…
ذات الدلال بعينها الوسناء
زارت بليل، ثم لما أسفرت
…
ولى ظلام الليلة الليلاء
سدلت ذوائبها فقلت: تمثلاً
…
بالله خل الرقص في الظلماء
وجلت محيا مثل بدر في الدحى
…
وتمايلت تمشي على استحياء
ما أن تثنت وانثنت إلا حكت
…
غصناً يميس بحلة خضراء
سارت تودعني وضنت بعدما
…
سمحت ولم ترث لعظم بلائي
فغدوت من شجو، ومن كلف بها
…
مستوحشاً في الأهل والعشراء
فشددت راحلة الرجاء على
…
مطية همتي، وجنحت للعظماء
لا أبتغي إلا كمال الدين ذا ال
…
حسب الشريف خلاصة الشرفاء
حبر وبحر في العلوم وسيد
…
شيخ المشايخ أوحد العلماء
حاوي الفضائل كنز أسرار الهدى
…
عين الشريعة بهجة الفقهاء
علم الحقيقة والطريقة شيخ
…
الإسلام المحقق عمدة الفضلاء
المرتقي لذرى المكارم والتقى
…
نسل السراة السادة الكرماء
فهو الرئيس ابن الرئيس ابن الرئيس
…
ابن الرئيس وأرأس الرؤساء
ولقد كساه الله ثوب ولاية
…
ومهابة وجلالة وبهاء
شيخ السكينة والوقار إذا بدا
…
سطعت أشعة لمة بيضاء
فتراه مثل البدر بين نجومه
…
يسمو على العيوق والعواء
والله ما في ذا الزمان نظيره
…
في الفضل تحت الخيمة الزرقاء
فله مقام ليسر يدرك شأوه
…
خضعت لديه ذروة العلياء
ولقد حوى شرفاً علياً زانه
…
بتواضع ونزاهة وسخاء
ذو حشمة ذو هيبة ذو رفعة
…
بمحاسن الخلفاء والأمراء
قطب له الأعلام قد نشرت على
…
الأبدال والأوتاد والنجباء
أهل الصفا سلكوا على منهاجه
…
فمضى بهم للروضة الزهراء
لسما الحقيقة قد سما وجلا عن ال
…
قلب الصدا بحقائق الأسماء
روض العلوم لقد تضوع نشره
…
لما تكمل منه بالأحياء
داوى العليل شفا الغليل، ولم يزل
…
لقلوب أهل الله خير شفاء
ذو حكمة وبلاغة لم يوجدا
…
في العصر للحكماء والبلغاء
لا غرو إن قريش أهل فصاحة
…
فاقت فصاحة سائر الفصحاء
هذا وإن الكامل الأوصاف قد
…
أضحى الفريد، وكعبة الشعراء
يا سعد لا تلو على سلمى، وسل
…
ما قد جرى في الحلة الفيحاء
واقصد ديار الاكرمين بجلق
…
الأمجدين الكمل الكبراء
وانثر لآلئ مدح ذا الشرف الذي
…
في الناس سار بسيرة حسناء
العالم الفرد الذي قد قام
…
بالإرشاد والتدريس والإفتاء
الصاحب العقل العزيز، ومن غدا
…
في الكون قدوة سائر العقلاء
الزاهد الورع التقي الطاهر ال
…
حسب النقي البر بالفقراء
لا عيب فيه غيرأن يمينه
…
مبسوطة في الناس بالنعماء
هو كنز طلاب الكمال وذخرهم
…
قطب الوجود ومطلب الصلحاء
يحيي قلوب مجالسيه كأنه
…
روح وريحان لدى الجلساء
قد حاز كل لطافة وظرافة
…
وعلا على اللطفاء والظرفاء
كررت مدحي إذ حلا في الأكمل
…
ابن الأكمل ابن الأكمل الأصلاء
يا ليت شعري ما أقول بمدحه
…
وعليه أثنى الدهر كل ثناء
مولاي قد قصرت فيما قلته
…
لكنني طولت ذيل رجائي
فالعفو عن من كان من صدقاتكم
…
وأتى لكم من أصدق الصدقاء
هذه القصيدة من مبادئ شعر الشيخ علاء الدين بن صدقة، وغزلها لا بأس به، ومديحها أكثره بالغ، وله شعر أرق من ذلك وأحسن، وكانت وفاة السيد كمال الدين رحمه الله تعالى نهار الاثنين ثالث عشر رجب الفرد سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وصلى عليه الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جراح في جماعة ممن لم يكن صلى، ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير، وقال تلميذه الشيخ تقي الدين القارئ يرثيه:
توفي قرة العين الكمالي
…
وصرنا بعده في سوء حال
ولكنا صبرنا واحتسبنا
…
وليس القلب بعد الصبرسالي
ومهما كان في الدنيا جميعاً
…
فإن مصير ذاك إلى الزوال
67 -
محمد الطرابلسي: محمد بن خليل، الشيخ الإمام العالم شمس الدين ابن الشيخ خليل الطرابلسي الشافعي. خليفة بمدينة طرابلس. دخل إلى دمشق في ضرورة له، فتوفي بها غريباً يوم الأربعاء سابع شعبان سنة عشرة وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس رحمه الله.
68 -
محمد قاضي أدنة: محمد بن خليل، العالم الفاضل المولى، محمد الرومي الحنفي قاضي أدنة. توجه إلى الحج الشريف، فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
69 -
محمد المنزلاوي: محمد بن داود النسيدي المنزلاوي، الشيخ الصالح أحد المتمسكين بالسنة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم. ألف رسالة سماها " طريقة الفقر المحمدي " ضبط فيها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته، وكان يقول: ليس لنا شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يضرب به المثل بمصر، وبسيدي محمد بن عنان، والشيخ يوسف الحديدي في اتباع السنة، وكان يقري الضيوف، ويخدم الفقراء والمنقطعين عنده، وينظف ما تحتهم من بول أو غائط، وكان لا يتخصص عنهم بشيء ربما خصصه أهل بيته بشيء بعد أن ينام الفقراء، فكان يخرج به إليهم ويوقظهم ويتساوى فيه هو وإياهم، وكان ربما طرقه الضيف بعد العشاء، ولم يكن عنده ما يقريه، فيرفع القدر على النار، ويضع فيه الماء، ويوقد عليه، فتارة يرونه أرزاً أو لبناً وتارة أرزاً وحلواً، وتارة لحماً ومرقاً، وربما وجدوا فيه لحم الدجاج.
وحكي أن سيدي إبراهيم المبتولي بعث إليه في الغلاء عشرة أرادب من القمح، ففرقها على باب داره، وفضل له منها نحو خمسة أقداح. ومناقبه كثيرة مشهورة، وكانت وفاته في أوائل القرن العاشر ببلدة النسيدية، ودفن بجوار زاويته وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى -.
70 -
محمد البازلي: محمد بن داود الشيخ الإمام العلامة مفتي المسلمين، شمس الدين أبو عبد الله البازلي الكردي، ثم الحموي، الشافعي، ولد في ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل إلى أذربيجان، فحفظ بها
كثيراًمن الكتب منها " الحاوي الصغير " و " عقائد النسفي " و " عروض الأندلسي " و " الشمسية " في المنطق و " الكافية " في النحو لابن الحاجب و " تصريف العزي ".
وأخذ المعقولات عن منلا ظهير، ومنلا محمد القنجفاني ومولان عثمان الباوي، والمنقولات عن والده ونجم الدين، الأشلوبي، وقدم الشام في المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وحج سنة خمس وسبعين، وعاد من الحجاز إلى حماة فقطنها، وكان زاهداً متقشفاً، كثير العبادة، يصوم الدهر، ويلازم التدريس، وألف عدة مؤلفات منها: حاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي، وكتاب أسماء الرجال سماه " غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام " وكتاب " تقدمة العاجل لذخيرة الآجل " وله أجوبة شافية عن إشكال كانت تورد عليه، وأسئلة كانت ترفع إليه، وكانت وفاته بحماة سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
71 -
محمد أبو السعود الجارحي: محمد بن دغيم، الشيخ الفقيه، الصوفي المتعبد، المتنسك المعتقد عند الملوك وأرباب الدول، فمن دونهم أبو السعود الجارحي القاهري. كان والده من أعيان كوم الجارح، والمتسببين به في أنواع المتاجر، فنشأ الشيخ أبو السعود على خير، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل في الفقه والنحو، ثم أقبل على العبادة والمجاهدة، ومكث عشرين سنة صائماً لا يدري بذلك أهله، وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة وأخذ في تقليل الأكل، فانتهى أكله إلى لوزة، ثم ترك اللوزة، وكان يختلي في تلك المدة في بيت وحده في المدرسة الأرسلانية بالقرب من قصر نائب جده، وكان يأخذ عشاءه كل ليلة من البيت، فيعطيه للفقراء، ثم يدخل الرسلانية فيصلي الصبح، ثم يخرج إلى حانوت له يبيع فيه القطن إلى العصر هذا في بدائته، ومع ذلك كان يحلف ويقول: والله ما بلغت الآن مقام مريد، ثم صحب العارف بالله تعالى زاهد زمانه المتقنع بالنزر اليسير مما يحصل له من عمل العراقي السادجة، والقبطي شهاب الدين أحمد المرحومي أخص متأخري
تلامذة الشيخ مدين. وكان الشيخ أبو السعود كثير التلاوة للقرآن العظيم ليلاً ونهاراً، وكان إذا دخل أول ليلة من رمضان نزل سرداباً تحت الارض، فلا يخرج منه لغير الجمعة إلى يوم العيد، وربما كان ذلك بوضؤ واحد من غير أكل، وكان يشرب كل ليلة عند المغرب مقدار أوقية مصرية ماء، وكان له طريقة تقرب من طريقة الملامتية، وكان لا يقرب أحداً إلا بعد امتحانه سنين، وجاء مرة مريد من مسيرة يومين يريد الاجتماع به، فلم يأذن له الشيخ، وقال أجيء من موضع بعيد، ولا يخرج إلي، فأرسل الشيخ يقول له: تمن علي بسفرك إلي أيومين كان المريد يسافر في الزمن الماضي ثلاثة أشهر في مسألة واحدة في الطريق؟ ثم قال له: اذهب لا أراك ثلاث سنين، فمكث ثلاث سنين، ثم جاء فأكرمه وانتفع به، وكانت كراماته ومكاشفاته ظاهرة، وقال له شخص من تلامذته: يا سيدي رأيت صبية من البرابرة، فراحت نفسي لها، فقال له الشيخ: صم تنفك عنك الشهوة، فلم يصم وذهب إلى الصبية، فأدخلته خصها، فأخذ رجلها في وسطه فتأمل، فوجدها في صورة الشيخ، فخجل وتركها، فلما رجع ذكر له الشيخ القصة قبل أن يذكرها هو.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي - رحمه الله تعالى -: فرأيته في المنام قبل اجتماعي عليه يتوضأ في شعرة نحو شبر، فأول ما اجتمعت به بدا لي، وقال: طول الشعر للفقير يدل على زيادة الدين، وطوله للأغنياء يدل على غم وهم، وقال الشيخ نور الدين الماوردي: أنكرت على أصحابه حلقهم لحاهم، وقلت: هذا أمر لا عن الله، ولا عن رسوله، فقال لي: يا نور الدين لا بد لك من حلق لحيتك، وتكون أنت السائل في ذلك. قال: فحلقت لحيتي بعد قولى الشيخ بعشر سنين، وأبى الحالق أن يحلق، فأكرهته على ذلك قلت: هذا من جملة أحوال طريقته التي أشرنا إليها، وكان من عادته أن يدعي على بعض مريديه عند الحكام، فيقول: هذا زنا بجاريتي - يعني الدنيا - هذا أراد البارحة أن يقتلني، هذا سرق مالي، فيعترف المريد بذلك، ويضرب بالمقارع، ثم يشفع فيه الشيخ كان شطحه كثيراًلكنه كان يعطب من ينكر عليه. ومن لطائفه أن بعض علماء الجامع الأزهر بعث يستأذنه في الاجتماع به، فأذن له الشيخ، فقال الشي للحاضرين: هذا ليس على عقيدة في شيخ، فنصبة توديه، وضمة تجيء به، فلما جلس الفقيه قال الشيخ:
يظن الناس بي خيراً وإني
…
لشرالناس إن لم تعف عني
بنصب الناس في أول البيت، فقام الفقيه وقال: هذا عامي، ثم لقيه الشيخ بعد شهر. فقال: يظن الناس بي خيراً بضم السين، فقبل الفقيه يد الشيخ. وقال: أنا أستغفر الله، فقال: من أبعدته نصبة، ورددته ضمة لا يصلح لصحبة الفقراء. قال الشعراوي: وسمعته مرة يقول
لفقيه: متى تصير هاؤك راءً؟ وقال أيضاً: سمعته يقول: إذا ذكرتم اسم ربكم، فلا تنطقوا به إلا مع التعظيم والخشية. قال: ولما حضرته الوفاة أرسل خلف شيخ الإسلام الحنفي وجماعته: وقال: اشهدوا علي بأني ما أذنت لأحد من أصحابي في شيء من السلوك، وما منهم من أحد شم الطريق، ثم قال: اللهم أشهد اللهم أشهد، وقال أيضاً: إنه مات سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، وقال في موضع آخر: إنه توفي سنة ثلاث وثلاثين. قلت: وهو تقريب بلا شك، وإنما كانت وفاته سنة تسع وعشرين وتسعمائة. بتقديم التاء المثناة في تسع. كما قرأته بخط الشيخ موسى الكناوي، وحررت من تاريخ العلائي. إنه توفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى من سنة تسع المذكورة قال: وأوصى أن يغسله الشيخ يوسف الأزهري، وحضر جنازته خلق منهم القاضي نور الدين الحنفي الطرابلسي، والسيد كمال الدين بن حمزة الشافعي الدمشقي. وصلي عليه بتقديم الحنفي له، وصلي عليه بجامع عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - حاضرة وبالجامع الأزهر غائبة. قال الشيخ عبد الوهاب: ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي كان يتعبد فيه - رحمه الله تعالى -.72 - محمد بن رمضان: محمد بن رمضان، الشيخ الإمام، العالم العلامة شمس الدين الدمشقي مفتي الحنفية بدمشق. قال الحمصي: كان قد انعزل عن الناس، وتنصل من حرفة الفقهاء، ولازم العزلة إلى أن مات. قلت: وكان سبب عزلته انقطاعه إلى الله تعالى على يد سيدي علي بن ميمون، فقد ذك سيد محمد بن عراق في السفينة العراقية أنه لما كان متجرداً عند سيدي علي بن ميمون، حين قدم دمشق في قدمته الأخيرة في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة. تجرد معه عنده جماعة، ثم قال: فمن أصلحهم عشرة. سيدي الشيخ عبد النبي مفتي المالكية، وسيدي محمد بن رمضان مفتي الحنفية، وسيدي أحمد بن سلطان كذلك، وسيدي عبد الرحمن الحموي مفتي الشافعية، وسيدي إسماعيل الدناني خطيب جامع الحنابلة، وأبو عبد الرحمن قيم الجامع، وسيدي عيسى القباقبي المصري، وسيدي أحمد ابن الشيخ حسن، وجاره حسن الصواف، وسيدي الشيخ داود العجمي. قال: ثم ثلائة من السادة المغاربة، عيسى المفتي، والحاج علي الزعري، والثيخ مسعود مؤدب الأطفال، ثم واحد في زهده فريد، وفي عبادته وحيد، لا يرائي بهما، ولا يسمع سيدي علي بن مقرع، ولا تنس صاحبه سيدي القاضي موسى الغريب، حسب الحسيب، وصهره السالم من الملامة، حالق لحية النفس اللوامة، عبد الله بن سلامة، قال وكان هؤلاء المذكورون إذا شكوا خواطرهم لسيدي الشيخ يتلون، ويسترجع وينظر إلي في غالب الأوقات، ويقول لي وهم يستمعون: سر بنا يا
ولدي عن هؤلاء الكذابين. فيا ليت شعري إذا كان مثل هؤلاء يعدهم سيدي من الكذابين، فمن يكون صادقاً؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار. قال: وإني ما وجدت بعدهم من أصحاب إلا القليل أقل من القليل. انتهى.
قلت: وتسمية سيدي على هؤلاء كذابين لا يطعن في صلاحهم لأن ذلك على عادة شيوخ الصوفية في تربية مريديهم لا يثبتون لهم حالاً، ولا مقاماً، ولا يخفى ما في كلام سيدي محمد بن عراق من الثناء عليهم وكانت وفاة الشيخ محمد بن رمضان صاحب الترجمة في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
73 -
محمد بن زرعة: محمد بن زرعة المصري، الشيخ الصالح، صاحب الأحوال والمكاشفات. كان يجلس في شباك بيته بالقرب من قنطرة قديدار، وكان يتكلم على ما يخطر للإنسان في نفسه، وكان يتكلم ثلاثة أيام، ويسكت ثلاثة أيام، وكان مزمناً مقعداً أقعده الفقراء. توفي سنة أربع عشرة وتسعمائة، ودفن في الشباك الذي كان يجلس فيه من بيته المذكور - رحمه الله تعالى -.
74 -
محمد بن زكي الدين: محمد بن زكي الدين، الشيخ ناصر الدين المدني انتقد أهل المدينة عليه أموراً، وكتب فيه محاضر بأمور لا توصف، ومنع بسبب ذلك من الإقامة بالمدينة المنورة، وعزل من وظائفه وجهاته بها، فدخل القاهرة في زمن الغوري، وقم له تحفاً، فكلمه القاضي محب الدين بن رجا كاتب الأسرار في أمره، وأراه الفتاوي التي كتبت فيه والمحاضر، وتحزب بعض أمراء مصر، فتلافى ابن رجا الأمر بأن يعود إلى استيطان المدينة من غير عود جهاته إليه، وفاق إذ ذاك من الذل والإهانة والفقر بمصر ما لا يوصف ثم عاد إلى المدينة، فلما تولى السلطان سليم بن عثمان توجه إليه إلى الروم، وطلب منه نظر الحرم وأشياء آخر، ثم رجع إلى مصر، فولاه نائب مصر إذ ذاك قضاء المدينة، فأراد أن يولي عنه زباله رغماً على ابن عمه القاضي فتح الدين، وقال لنائب مصر: إني عاجز عن المنصب فيكون ابن عمتي نائباً عني، فقال له النائب: قد اعترفت بالعجز، فعزله وولي السيد عبد الله السمهودي.
75 -
محمد بن سلطان: محمد بن سلطان، الشيخ الرئيس القاضي، كمال الدين بن الزيني سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي. ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة،
واشتغل وحصل وبرع وناب في الحكم، وجمع منسكاً في مجلد سماه " تشوق الساجد، إلى زيارة أشرف المساجد "، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربتهم تحت المعظمية، وحضر جنازته من المباركين، وطلبة العلم، وصلى عليه ولده الشيخ قطب الدين.
76 -
محمد بن سلامة: محمد بن سلامة، الشيخ العارف بالله تعالى، الزاهد المسلك الصوفي الهمداني الشافعي. قال الحمصي: ضرب بالمقارع إلى أن مات، وسبب ذلك أنه تزوج بإمرأة خنثى واضح، ودخل بها وأزال بكارتها، وكان لها ابن عم مغربي أراد أن يتزوجها، فلم تقبل عليه، فذهب إلى رأس نوبة النوب الأمير طراباي، وشكى عليهما، فأحضرهما وضربهما بالمقارع والرواثن، وجر سهما على ثورين، وأشهرهما في القاهرة، فما وصل إلى باب المقشرة حتى مات، ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال: وتأسف الناس عليه كثيراً، وكان موته في حادي عشر رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه آلله -.
77 -
محمد بن شكم: محمد بن شكم، الشيخ العلامة نجم الدين بن شكم الدمشقي الصالحي الشافعي قال الحمصي: كان عالماً صالحاً زاهداً. قرأ على شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون وغيره. وسأله عن أربعين مسألة حين كان الشيخ تقي الدين مدرساً بالشامية البرانية على العادة، فكتب عليها، ثم عرضها عليه وعلى أهل درسه في اليوم الثاني، فأسفر عن استحضار حسن، وفضيلة تامة، وكان ذلك يوم الأربعاء سابع عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وذكر سيدي محمد بن عراق في السفينة أن سيدي محمد بن قيصر القبيباتي، وسيدي محمد بن شكم الصالحي قدما عليه مجد المعوش بعد موت سيدي علي بن ميمون بها بنية السلوك، ثم قدما عليه بعدهما سيدي محمد الجوهرفي الشهير بالفيومي لكنه أشار إلى تقدمه عليهما، وتمثل بقولهم: الطريق لمن صدق لا لمن سبق. كما ذكره ابن طولون. وكانت وفاة ابن شكم يوم الاثنين خامس عشر شوال سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بصالحية دمشق - رحمه الله تعالى -.
78 -
محمد بن الجحيني: محمد بن عبد الله بن عيسى بن إسماعيل القاضي بهاء
الدين الجحيني الدمشقي الصالحي الحنفي. كان في أول أمره نقيباً لقاضي القضاة حسام الدين الشهير بابن العماد، ثم ترقى إلى أن فوض نيابة القضاء، فسار فيه بسيرة حسنة بعفة، وحسن سياسة ولد بالصالحية خامس ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وتوفي في سابع صفر أو ربيع الأول سنة أربع وتسعمائة، ولم يوجد معه ولا ثمن، كفن، ودفن بالصالحية.
79 -
محمد بن عبد السلام: محمد بن عبد الله بن عبد السلام قاضي القضاة أبو عبد الله صلاح الدين العلوي الشافعي. كان أصله من البلقاء، ونشأ بدمشق، واشتغل بها قليلاً، وولي كتابة الفقهاء بالشامية البرانية، وولي نظرها. ووكالة بيت المال للسلطان قايتباي، ثم ولي قضاء الشافعية عن القطب الخيضري بمصر في عشري المحرم سنة ست وثمانين وثمانمائة، ثم عزل عنه بعد ثلاثة أيام قال ابن طولون: وكان عنده دين وصلاح وخير وعفة، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعمائة عن سبعين سنة، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي، ودفن بمقابر الصوفية - رحمه الله تعالى -.
80 -
محمد بن العاتكي: محمد بن عبد الله بن علي بن خليل، الشيخ العالم البارع بهاء الدين بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي. ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وكان فاضلاً بارعاً. أخذ عن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهما، وكانت وفاته بالقاهرة في شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر شعبان منها - رحمه الله تعالى -.
81 -
محمد بن الموصلي: محمد بن عبد الله بن محمد، الشيخ الصالح المسلك المربي أبو الوفا ابن الشيخ الصالح القدوة عبد الله ابن الشيخ القدوة العلامة ناصر الدين، سبط الشيخ العارف بالله تعالى أبو بكر الموصلي الأشعري الشافعي. كان من أعيان الصوفية بدمشق وأصلابهم أباً عن جد. توفي في ثامن عشر رمضان سنة عشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة القبيبات - رحمه الله تعالى -.
82 -
محمد بن إمام الكاملية: محمد بن عبد الرحمن بن علي، الشيخ الإمام الصالح، العلامة الفاضل شمس الدين إمام الكاملية بين القصرين. لبس الخرقة من الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري المقري صاحب النشر والطيبة في سنة تسع وعشرين وثمانمائة وتوفي في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى.
83 -
محمدبن السخاوي: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد، الشيخ الإمام، العالم العلامة المسند، الحافظ المتقن شمس الدين أبو الخير السخاوي الأصل القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، وحفظ القرآن العظيم، وصلى به في شهر رمضان بزاوية الشيخ شمس الدين العدوي المالكي، وحفظ عمدة الأحكام، والتنبيه، والمنهاج، وألفية ابن مالك، والنخبة لشيخه شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر العسقلاني، وقرأ على شيخه كثيراً، وسمع عليه ولازمه أشذ الملازمة. حتى حمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره، وأقبل عليه الشيخ بكليته حتى صار يرسل إليه قاصده يعلمه بوقت ظهوره من بيته ليقرأ عليه، وسمع من لفظه أشياء كثيرة، وحمل عنه أكثر تصانيفه، وأذن له في الإقراء، بل قال: إنه أمثل جماعتي، وألف له ترجمة سماها " بالجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر " وقال في إجازته للشيخ عبد القادر الأبار الحلبي: إنه يروي صحيح البخاري عنه وعن أزيد من مائة وعشرين نفساً أجلهم ابن حجر، ومنهم المسند أبو إسحاق إبراهيم بن صدقة الصالحي الحنبلي، والإمام زين الدين عبد الرحيم بن الجمال أبي إسحاق اللخمي الأسيوطي قراءة وسماعاً، وقرأ صحيح ملفقاً على العز بن الفرات، وجامع الترمذي على أم محمد سارة بنت السراج بن جماعة، وسمع سنن ابن ماجة على علي بن الفرات، وتفقه بجماعة منهم البرهان بن خضر العثماني، والبدر النسابة، والحافظ ابن حجر، والشرف المناوي، والعلم صالح البلقيني، والشمس الوفائي. قال: ولم أسمع الفقه من أفصح منه فيه.
وألف كتباً منها ترجمة ابن حجر المشار إليها، ومنها " الضوء اللامع، في أخبار أهل القرن التاسع "، وذكر لنفسه فيه ترجمة على عادة المحدثين، وذكر فيها شيوخه ومن أخذ عنهم، ومن تأليفه كتاب سماه " الجواهر المكللة، بالأحاديث المسلسلة "، " والمقاصد الحسنة في الأحاديث الجارية على الألسنة " وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى " بالجواهر المنتثرة، في الأحاديث المشتهرة "، وفي كل واحد منها ما ليس في الآخر، وله شرح على ألفية الحديث، وجزء في الأحاديث الواردة في الخاتم، وكتاب " تحرير الميزان " وكتاب " عمدة القارىء والسامع، في ختم الصحيح الجامع "، وكتاب " غنية المحتاج، في ختم صحيح مسلم بن الحجاج " في مؤلفات أخرى، وكان بينه وبين البرهان البقاعي، وبينه وبين الجلال السيوطيئ ما بين الأقران. حتى اشتهر أن السيوطي قال مضمناً:
قل للسخاوي إن تعروك نائبة
…
علمي كبحر من الأمواج ملتطم
والحافظ الديمي غيث السحاب، فخذ
…
غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
ورأيت بخط بعض أهل العلم أن السخاوي توفي سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وهو خطأ بلا شك، فإني رأيت بخط السخاوي على كتاب " توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس " الشافعي للحافظ ابن حجر أنه قرىء عليه في مجالس آخرها يوم الجمعة ثامن شهر المحرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة بمنزله من مدرسة السلطان الأشرف قايتباي بمكة المشرفة، ورأيت بخطه أيضاً على الكتاب المذكور أنه قرىء عليه أيضاً بالمدرسة المذكورة في مجالس آخرها يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الأول سنة تسعمائة، ثم رأيت ابن طولون ذكر لي تاريخه أنه توفي بمكة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث عشر في القعدة سنة اثنتين وتسعمائة، ثم رأيت شيخنا النعيمي ذكر في عنوانه أنه توفي بالمدينة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة سابع عشري ذي القعدة سنة اثنتين المذكورة، والله تعالى يعلم أيهما أصح - رحمه الله تعالى -.
84 -
محمد بن الكفرسوسي: محمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام العلامة الفقيه المدرس المفتي أبو عبد الله شمس الدين الكفرسوسي الشافعي. تفقه بالشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، وأخيه الشيخ تقي الدين وغيرهما من الدمشقيين، وأخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وممن أخذ عنه الشيخ العلامة الزاهد شهاب الدين أحمد بن أحمد الطيبي الشافعي شيخ الإقراء بدمشق. إلى ذلك أشار الشيخ الطيبي في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله:
ومنهم ولي الله شيخي محمد
…
هو الكفرسوسي الإمام المحبر
بعلم وإخلاص يزين، ولم يزل
…
معيناً لخلق الله للحق ينصر
وعن زكريا المقدم قد روى
…
وعن غيره ممن له الفضل يغزر
قال والد شيخنا - رحمه الله تعالى -: كان من أهل العلم والعمل والصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نافذ الكلمة، مهيباً عند الحكام، اتبع طريقة الوعظ مع الإفتاء والتدريس. اشتهر عند أهل القرى بحيث أنهم لا يستفتون غيره مع وجود أشياخه متقللاً من
الوظائف، وجاءته الدنيا موفرة، ولما جاء إبراهيم باشا الوزير - يعني إلى دمشق راجعاً من مصر - رتب له عشرين عثمانياً من الجوالي كل يوم، ومات ولم يتناول منها لبركته وصلاحه لما في بيت المال من المظالم. قلت: ودرس بالكلاسة قديماً نيابة عن شيخ الإسلام الجد حين كان صغيراً بإشارة شيخه الشيخ زين الدين خطاب كما ذكره ابن طولون في مواضع من تاريخه، وألف شرحاً على فرائض المنهاج، ومجالس وعظية، وكانت وفاته ليلة السبت الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن قبل الظهر بمقبرة باب الفراديس. قال والد شيخنا: وكانت له جنازة عظيمة ما شهدتها لغيره، وحضرها شيخنا وشيخه أيضاً السيد كمال الدين بن حمزة، وتأسف عليه هو والمسلمون تأسفاً عظيماً. قلت: وبلغني أن الشيخ العارف بالله تعالى سيد علوان الحموي رثاه بقوله:
ومن الدليل على اقتراب قيامة
…
موت الأماثل من خيار الناس
حتى إذا ذهب البقايا كلهم
…
حلت البقاع بحلية الأبلاس
يا معشر الإسلام توبوا وارجعوا
…
وكأننا بالموت جا بالكاس
أو ما وعظتم بالفقيه بأرضكم
…
مفتي الأنام، وقدوة الأكياس
وهو الكفرسوسي شيخ بلادكم
…
كم قام فوق منابر وكراسي
يدعو إلى المولى وينصر دينه
…
حتى أتاه مكدر الإحساس
فتخللت أعضاؤه بقدومه
…
بتصرم الساعات والأنفاس
أضحى طريحاً في القبور وعبرة
…
من بعد ما قد كان فوق الراس
فالله يرحمه ويرحم كل من
…
قد عاذ بالديان من وسواس
يا وحشتي لأولي العلوم وحسرتي
…
مما أعاني من فؤاد قاسي
ذهب الأولى كنا نعيش بظلهم
…
وبقيت في ناس كما النسناس
يا رب وفقنا وأصلح حالنا
…
ما أنت يا رب الورى بالناسي
ثم الصلاة مع السلام تخص من
…
أهداه ربي رحمة للناس
والآل والصحب الكرام بأسرهم
…
ما عاد فاقد إلفه بالياس
85 -
محمد بن صدقة: محمد بن عبد الرحيم بن صدقة الواعظ أبو الفتح ابن الشيخ عبد الرحيم المصري. كان يعظ الناس بالأزهر وغيره إلا أنه تزوج بامرأة زويلية فافتتن بها فيما ذكره العلائي، حتى باع فتح الباري والقاموس وغيرهما من النفائس، وركبته ديون كثيرة، ثم
خالعها وندم وأراد المراجعة، فأبت عليه إلا أن يدفع إليها خمسين ديناراً، فلم يقدر إلا على ثلاثين منها، فلم تقبل، فبعث بها إليها، وبعث معها سماً قاتلاً، وقال: إن لم تقبل الثلاثين وإلا أتحسى هذا السم، فرددتها عليه، فتحسى السم، فمات من ليلته، وكان موته في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة.
86 -
محمد الشهير بابن التقي: محمد بن عبد الغني، الشيخ العلامة أقضى القضاة زين الدين الشهير بابن تقي المالكي المصري. قال الحمصي: كان شاباً عالماً صالحاً. توفي في حادي عشري المحرم سنة عشر وتسعمائة، ودفن بالقرافة.
87 -
محمد بن جبريل: محمد بن عبد القادر بن جبريل، الشيخ العالم العلامة قاضي القضاة خير الدين أبو الخير الغزي، ثم الدمشقي المالكي. ولد بغزة في ثاني عشر شوال سنة اثتتين وستين وثمانمائة، واشتغل وبرع، ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد النبي المالكي، وظهرت فضيلته خصوصاً في علم الفرائض والحساب، ثم ولي قضاء المالكية بالشام في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وسار في القضاء سيرة حسنة بعفة وزهد وقيام في نصرة الحق، واستمر حتى عزل في أول رمضان سنة اثنتين وعشرين، فتوجه إلى بلده، ثم إلى مكة المشرفة، وبها توفي في صفر سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن بالمعلى، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة سادس جمادىالآخرة من السنة المذكورة - رحمه الله تعالى -.
88 -
محمد بن عبد الكافي: محمد بن عبد الكافي، الشيخ العالم الصالح القاضي شمس الدين محمد المصري الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي. قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان يقضي بحلب خارج بانقوسا، والناس يقرؤون عليه العلم، وكان لا يأخذ على القضاء أجراً، وكان طويلاً سميناً جداً، ومع ذلك كان يتوضأ لكل صلاة من الخمس. قال: وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر أحداً من أقرانه الذين يرون نفوسهم عليه إلا بخير، وكان كثير الصمت كثير الصيام طلباً للهزال، فيزيد عنه، وكان حلو المنطق، جميل المعاشرة، كريم النفس. انتهى.
توفي في ثاني عشر جمادىالآخرة سنة تسع وتسعمائة، ودفن بالقرافة - رحمه الله تعالى -.
89 -
محمد الضرير: محمد بن عبيد، الشيخ الإمام العلامة المقرئ المجود شمس الدين محمد الضرير. ولد في سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان قفافياً بميدان الحصا بدمشق، ثم اشتغل في العلم، وأم وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير، وكان عالما صالحاً. قال والد شيخنا: كان يعرف القراءات، ويقرأ الشاطبية وغيرها من كتب القراءات والتجويد، وانتفع عليه خلق كثير. انتهى.
توفي يوم الأربعاء تاسع عشري في القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح حماد - رحمه الله تعالى -.
90 -
محمد البابي: محمد بن عثمان بن إسماعيل الشيخ شمس الدين المعروف بابن الدغيم البابي قاضي قضاة حلب، وكاتب سرها، وناظر جيوشها، كان ذكياً فقيهاً متمولاً. توفي سنة خمس وتسعمائة.
91 -
محمد بن عرب: محمد بن عرب، الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة محب الدين أبو الفضل المصري الشافعي، الحكم العدل بالديار المصرية. قال الحمصي: كان عالماً فاضلاً مفنناً ذكياً فقيهاً، كثير الأدب. توفي بالقاهرة ثامن عشري المحرم سنة اثنتي عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
92 -
محمد بن عز: محمد بن عز، الشيخ الصالح المجذوب، كان ساكناً في الزاوية الحمراء خارج مصر، وكان يلبس ثياب الجند، وكان يمشي بالسلاح والسيف، وكان أكابر مصر يحترمونه، وللناس فيه مزيد اعتقاد، وكان لا ينام شيئاً من الليل، ويستمر من العشاء إلى الفجر، تارة يضحك وتارة يبكي، حتى يرق له من يراه، وكان لا يخبر بولايته أحداً، وعزله في وقت معين لا يخطئ أبداً، وكان مجاب الدعوة زحمه إنسان بين القصرين، فرماه على ظهره، فدعا عليه بالتوسيط، فوسطه الباشا آخر النهار، وكانت وفاته غريقاً في الخليج بالقرب من الزاوية الحمراء في سنة ثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - 93 - محمد بن القصيف: محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن عبد الرحمن قاضي القضاة أبو الفضل محب الدين بن القصيف الدمشقي الحنفي. ولد سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحاج، وقيل: سنة إحدى وأربعين أو سنة أربعين، وحفظ القرآن ثم المختار، وعدة كتب، واشتغل وبرع وأفتى، ودرس بالمدرسة
القصاعية سنين عديدة، وسمع الحديث من أبي الفتح المزي والتقي بن فهد وغيرهما، وصنف كتاب " دليل المختار إلى مشكلات المحتار " ولم يتم وولي قضاء الشام مرات، وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة. قال ابن طولون: وظلم نفسه بأمور سامحه الله تعالى.
94 -
محمد المصمودي: محمد بن علي القاضي شمس الدين المصمودي المالكي، كان فقيهاً فاضلاً، وناب عن العفيف بن حنعل قاضي المالكية بحلب، وكتب على الفتوى، وتوفي في الدولة الغورية.
95 -
محمد بن الدهن: محمد بن علي، الشيخ المعمر المنور شمس الدين بن الدهن الحلبي الشافعي. شيخ القراء والإقراء بحلب، وإمام الحجازية بجامعها الكبير. قرأ على جماعة منهم منلا سليمان ابن أبي المقرئ الهروي، والعلامة منلا زاده الجوخي، وتوفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
96 -
محمد البلبيسي: محم (د بن علي القاضي محب الدين ابن القاضي نور الدين البلبيسي المصري. كان حسن الشكل والهيئة، جريئاً في أموره. قال العلائي: وكان مجازفاً في قضائه، سيىء السيرة، ولي مباشرة وقف يلبغا، وقرر فيها أخوه القاضي لال الدين بعد موته يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
97 -
محمد بن قرينة: محمد بن علي، الشيخ الفاضل شمس الدين ابن الشيخ العلامة المفتي المحفي الشافعي، المعروف بابن قرينة. كان ذا عقل وتؤدة، تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية، وتدريس اللغة بالمؤيدية والأشرفية، وتوفي في ثامن ربيع الثاني سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وخلف ولداً صغيراً أسند الوصاية عليه إلى جماعة منهم السيد كمال الدين بن حمزة الشامي.
98 -
محمد بن الخيوطي: محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم القاضي شمس الدين ابن العبد الصالح علاء الدين الموصلي المالكي، الشهير بابن الخيوطي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء بدمشق، فلما كانت دولة ابن عثمان توجه إلى بلاد الروم، وحضر على السلطان سليمان خان، وفوض إليه قضاء المالكية بدمشق، وأنعم عليه بجهات أخر، فحصل له ضعف ببلاد الروم، فتوفي بها أو وهو راجع منها في أواخر سنة ثمان وعشرين، أو في أوائل سنة تسع وعشرين، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشري محرم سنة تسع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
99 -
محمد بن الفناري: محمد بن علي بن يوسف ابن المولى شمس الدين الفناري الإسلام بولي المولى، العالم الكامل، قاضي القضاة العسكر بالولاية الأناظولية، ثم بالولاية الروميلية محيي الدين المشهور بمحمد باشا. ولد في أيام دولة السلطان محمد خان بن عثمان. قال في الشقائق: كان رحمه الله تعالى صاحب أخلاق حميدة، وطبع ذكي، ووجه بهي، وكرم وفي، وكان ذا عشرة حسنة، ووقار عظيم، وله حواش على شرح المواقف، وشرح الفرائض كلاهما للسيد الشريف، وحواش على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة، وتوفي وهو قاضي العسكر الروملي في سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ودفن عند قبر جده المولى شمس الدين بمدينة بروسا.
100 -
محمد بن عراق: محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام، العارف بالله تعالى المجمع على ولايته وجلالته القطب الرباني، والغوث الصمداني، الأستاذ أبو علي شمس الدين بن عراق الدمشقي. نزيل المدينة المنورة، وأحد أصحاب سيدي علي بن ميمون. قال في الشقائق: كان - رحمه الله تعالى - من أولاد أمراء الجراكسة، وكان من طائفة الجند على زي الأمراء، وكان صاحب مال عظيم، وحشمة وافرة، ثم ترك الكل، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ علي بن ميمون المغربي، واشتغل بالرياضة عنده. حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوماً في الأيام الحارة حتى خر يوماً مغشياً عليه من شدة العطش، وقرب من الموت فقالوا للشيخ: إن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش، فقال الشيخ: إلى رحمة الله تعالى، فكرروا عليه القول، فلم يأذن في سقيه، وقال: صبوا على راحتيه الماء، ففعلوا ذلك، فقام على ضعف ودهشة، فلم يمض على ذلك أيام إلا وقد انفتح عليه الطريق،
ونال ما يتمناه. انتهى. قلت: ذكر سيدي محمد صاحب الترجمة في كتابه المسمى " بالسفينة العراقية، في لباس خرقة الصوفية " أنه ولد في سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم بالتجويد على الشيخ عمر الداراني. قرأ عليه ختمات، وعلى الشيخ إبراهيم المقدسي قرأ عليه يويمات، ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدين عرفة، ثم جود ختمة لابن كثير أفرد لروايته على الشيخ عمر الصهيوني، وجود عليه الخط أيضاً، وأخذ عنه علم الرماية، ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات، وفي أثنائها مات والده في سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وتزوج في تلك السنة، ثم توجه إلى بيروت بنية استبقاء إقطاع والده، فسمع وهو في بيروت برجل فيها من الأولياء يسمى سيدي محمد الرايق، فزاره ودعا له وقال له: لا خيب الله سعيك، ثم قال له: يا ولدي إن أحببت التماس البركة من يد أهلها فعليك بأحد الثلاثة: رجل ببيروت يسمى الشيخ عفان، ورجل بطرابلس يسمى الشيخ ياسر، ورجل بصيدا يسمى الشيخ عمر بن المبيض، فيسر الله تعالى في ذلك الشهر باجتماعه بالثلاثة، وسأل كل واحد منهم أن يدعو له أن ينقذه مما هو فيه، ثم عاد إلى دمشق، واشتهر عنه أمر زيارته لهؤلاء. لكنه اشتغل بالفروسية والرمي والصيد، ولعب الشطرنج، والنرد والدفاف والتنعم بالمأكولات والملبوسات، وإنشاء الإقطاع والفدادين، ولم يزل مع هذه الأمور، مواظباً على الصلوات، وزيارة الصالدين، وحب الفقراء والمساكين، حتى مضى خمسة أعوام، ولم يتيسر له من يوقظه من هذا المنام، حتى كان يوم جمعة صادف فيه الشيخ إبراهيم الناجي في جبانة الباب الصغير، وهو راجع من ميعاده، فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالاً للشيخ وسلم على الشيخ. فقال الشيخ: من يكون هذا الإنسان؟ فقيل له: فلان ابن فلان، فأهل به ورحب وترحم على والده، فسأله سيدي محمد أنه يدعو له أن ينقذه الله تعالى مما هو فيه فقال له: لو حضرت الميعاد، ولازمتنا لحصل خير. قال سيدي محمد: فوادعته وسرت لصلاة الجمعة، فتعلق قلبي بحبه، وبت تلك الليلة وأنا أحدس به، وعزمت على حضور ميعاده بكرة السبت في زاوية سيدي أبي بكر الموصلي - رضي الله تعالى عنه - قال سيدي محمد: فما صليت صبح نهار السبت إلا بالزاوية المذكورة، وحضرت الميعاد، وكان بحضرة جماعة من الصالدين، ويسر الله تعالى ببركته ترك بعض ما أنا فيه فاشتغلت بالتجارة والزراعة وجعلتهما مهنتي لأنها أشبه، ثم استمر سيدي محمد - رضي الله تعالى عنه - في صحبة الشيخ محمد الناجي حتى مات، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عنه وعن الفضل ابن الإمام، وعن الشيخ شهاب الدين بن مكية النابلسي علم التفسير والحديث والفقه، وهي العلوم الشرعية، وأخذ علم الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم:
الشيخ أبو الفتح المزي، والشيخ محمد بن نصير، والشيخ علي المصري، وكان مع ذلك يصحب الصالدين والفقراء الصادقين مثل الشيخ محمد بن بزة، والشيخ محمد بن يعقوب، والسيد أبي بكر العلاف، والحاج علي بن سلطان، والحاج أبي بكر البيروتي، والشيخ عيسى الراجبي، والشيخ يوسف البهلول تلميذ ابن قرا، وسيدي الشيخ عبد اللطيف البلواني، والشيخ أحمد أبي رجيلة، والحاج علي بن عدي، والشيخ محمد المشهور بكمال الدين، والحاج أحمد بن جوان، والشيخ محمد الهليس الصواف، والشيخ جمعة النداف، والشيخ أحمد ضوي
والشيخ حسن الحبار، والشيخ خميس البدوي وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - وكان بعد موت شيخه الناجي يدعو الله تعالى عقب صلاته، وفي إسحاره أن ييسر الله تعالى له من ينقذه من رداه ويطهره من أوزاره، حتى لاحت له ناصية الفلاح وجاء المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح، وذلك في مستهل سنة أربع وألف وتسعمائة، فكان كماله على يده، وفي هذه السنة حج سيدي علي بن ميمون، ثم قدم من الحج، وتوجه إلى الروم، وأقام بها خمس سنوات يدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة، وكان سيدي محمد سأله المسير معه فقال له: توجه إلى سيدي عبد القادر بن حبيب يحصل باجتماعك به كل خير، ثم قال: أقرئه عني السلام، فسار إليه، وتلقن منه الذكر، ولبس منه الخرقة، وأقام عنده سبعة عشر يوماً، وكان كل يوم يعدل سنين، وفي شرح تائية سيدي عبد القادر بن حبيب للشيخ رضوان - رضي الله تعالى عنهما - أن سيدي محمد بن عراق ذهب إليه حافياً إلى الصفد، فقال الشيخ عبد القادر يمدحه: يخ حسن الحبار، والشيخ خميس البدوي وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - وكان بعد موت شيخه الناجي يدعو الله تعالى عقب صلاته، وفي إسحاره أن ييسر الله تعالى له من ينقذه من رداه ويطهره من أوزاره، حتى لاحت له ناصية الفلاح وجاء المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح، وذلك في مستهل سنة أربع وألف وتسعمائة، فكان كماله على يده، وفي هذه السنة حج سيدي علي بن ميمون، ثم قدم من الحج، وتوجه إلى الروم، وأقام بها خمس سنوات يدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة، وكان سيدي محمد سأله المسير معه فقال له: توجه إلى سيدي عبد القادر بن حبيب يحصل باجتماعك به كل خير، ثم قال: أقرئه عني السلام، فسار إليه، وتلقن منه الذكر، ولبس منه الخرقة، وأقام عنده سبعة عشر يوماً، وكان كل يوم يعدل سنين، وفي شرح تائية سيدي عبد القادر بن حبيب للشيخ رضوان - رضي الله تعالى عنهما - أن سيدي محمد بن عراق ذهب إليه حافياً إلى الصفد، فقال الشيخ عبد القادر يمدحه:
من كان مثلي خلف صب عاشق
…
أضداد وصل لا يخاف أنا لها
يا ابن العراق تهن يا ولدي وطب
…
ماكل من طلب السعادة نالها
ثم أشار إليه ابن حبيب أن يرجع إلى والدته، وسأله في الحج، فقال: إن تيسرت لك الأسباب، فلا بأس، فلما رجع إلى والدته شكى إليها القبض، وكانت تخاف عليه الجذب، فأذنت له في التوجه إلى بيروت ليسهل عليه ما هو فيه فاستأذنها في السفر في البحر إلى مصر لطلب العلم والحج أن يسر له ذلك، فأذنت مساعدة له على الخير، فركب البحر، وفي صحبته رجلان من أولي العزم، وهما السيد محمد الأنعالي، والشيخ عبد العزيز الخليلي، ودخل مصر سنة خمس وتسعمائة، فاجتمع فيها بجماعة من العلماء الصالدين من أعلمهم وأفضلهم شيخ الإسلام زكريا، والحافظ الجلال السيوطي والدمياطي، واجتمع من الأولياء بجماعة منهم سيدي أحمد القسطنطيني، وسيدي عبد القادر الدشطوطي، وسيدي محمد أبو المكارم الهيتي، وحصلت له بركتهم. أشاروا عليه بالعود إلى والدته، فعاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع
فيها بعلماء أخيار منهم الشيخ أحمد اليبحوري، وحضر عرسه غير مرة، وألف منسكاً جامعاً، ومنهم الشيخ جلال الدين محمد الخطيب، وسيدي إبراهيم الحواص مؤدب الأطفال. حصل بالبلدتين المذكورتين في مدة يسيرة من أهل العلم ما لم يحصل المرء في أعوام، ثم ركب البحر الكبير إلى بيروت دخلها ليلة عيد الفطر سنة خمس المذكورة، ثم عاد إلى والدته بدمشق، ثم أستأذنها في الحج، فأذنت له، فحج من دمشق، فلما عاد من الحج خطر له أن يتوجه إلى سيدي علي بن ميمون، أو يشتغل فيما أمره به من علم الظاهر، فاستخار الله تعالى، واستشار من إخوانه الشيخ محمد ابن الشيخ يعقوب، وسيدي الشيخ محمد البلاطنسي، والشيخ محمد بن البزة، فأشاروا عليه أن يسير إلى بيروت بنية المرابطة والجهاد، وطلب العلم، فسار إليها، وصحبه الشيخ محمد بن يعقوب، فتلقاهما بها سيدي محمد بن الغصين البيروتي، وسيدي محمد القطب الصرفندي، وسيدي محمد الطيار، ثم تكلموا في خطبة زوجته أم محمد عبد الله، فقال لهم: كرروا الاستخارة في ذلك، وما يلقيه الله تعالى في قلوبكم فهو خير، فباتوا تلك الليلة، وأصبحوا كل واحد منهم رأى واقعة تؤذن بالزواج، فتزوج وبنى بها ليلة النصف من شعبان سنة ست وتسعمائة، وبقي بساحل بيروت إلى سنة عشر وتسعمائة، فخرج منها عن كل ما يملك، ورفض الدنيا ناحية، وأعرض عنها نوبة، وهاجر بأهله إلى دمشق، واجتمع في هذه المدة بثلاثة رجال من أصحاب الأحوال، وهم الشيخ حسن بن سعد الدين الجباوي، والشيخ خليل بن قديم الصمادي، والشيخ عون المشهور بأبي شوشة الطاوعي. سمعت شيخنا - رضي الله تعالى عنه - يحكي مراراً عن والده الشيخ يونس العيثاوي - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يقول: ما رأينا من كان مقبلاً على الدنيا، ثم تركها حقيقة، وأعرض عنها إعراضاً كلياً، ثم لم يعد إليها، ولم يكن ليعرج عليها حتى لقي الله تعالى إلا سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه - وبقي سيدي محمد بدمشق حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة، فبعث إليه كتاباً يدعوه فيه إلى الله تعالى، فلما وصل كتابه إليه بادر إلى الامتثال وأسرع في الحال، وسافر إليه ثاني اثنين، فاجتمع به يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول، فلما سلم عليه، وأذن له بالجلوس بين يديه فتح عليه بإذن الله تعالى، وأعطي لسان المعرفة من يومئذ، وأقام بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علماً وهدى من الله تعالى، ثم أذن له الشيخ علي بالمسير إلى بيروت، فسافر إليها، وقعد لتربية المريدين، وقدم عليه الشيخ ذو النون الخياري برسالة من الشيخ محمد الغزاوي، وهو والد الشيخ أبو العون الغزي، فأخذ الطريق عن سيدي محمد بن عراق، وشهد له في السفينة بالفتح، والظفر بالأحوال، وألف سيدي محمد في تلك المدة أربعة وعشرين كتاباً في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك انقبض انقباضاً شديداً، وتطور عليه، وعزم بسبب ذلك على السفر
من حماة إلى دمشق، وكتب إلى بيروت لسيدي محمد لمن يلقاه بالكتب إلى دمشق، فسافر سيدي محمد إلى دمشق، ونزل عند والدته، وأقام عندها أياماً حتى قدم شيخه سيدي علي بن ميمون في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية، فسار إليه سيدي محمد، وتلقاه بالسلام والإكرام غير أنه استدعاه في ذلك المجلس، وقال له: يا خائن يا كذاب عن من أخذت هذا القيل والقال؟ فقال له سيدي محمد: يا سيدي فداك نفسي قد
أتيناك بالموبقات، فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي، ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب، ثم لزمه سيدي محمد ووالدته وأهله، وسكن بهم عنده بالصالحية، وقدمه الشيخ على بقية جماعته في الإمامة، وافتتاح الورد والذكر بالجماعة، وبقي عنده على قدم التجريد هو وأهله، حتى انتقل سيدي إلى مجد المعوش، فسافر معه، وبقي عنده حتى توفي سيدي علي - رضي الله تعالى عنه - ثم بقي بعده بمجد المعوش ست سنين وفي أول السابعة، وهي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت بنى بها داراً لعياله ورباطاً لفقرائه، ثم قصده الناس لأخذ الطريق عنه، وذكر من أعيان جماعته الذين أخذوا عنه ببيروت، ومجد المعوش طائفة في كتاب السفينة منهم الشيخ أحمد الساعي، وحصل له على يديه الجذب الذي لم يتفق لغيره، ومنهم الشيخ علي الجوهري الشهير بالفيومي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد بن قيصر القبيباتي، سيدي محمد بن شكم الصالحي، والشيخ محمد المشهور بكمال الدين الكردي شيخ المدرسة الشامية، والمجاذيب الثلاثة الكمل الشيخ علي الكردي، وصاحبه إسماعيل المهبلي، ومحمد البعلي الشهير بالحلاق، ثم كاتبه جماعة من أعيان دمشق في القدوم عليهم إلى دمشق ليكونوا في حمايته من الفتن والمحن، فسافر إلى دمشق ونزل ببيت ابن الباعوني من صالحية دمشق، وجلس ثم للإرشاد أياماً، وكان الناس يجتمعون إليه يوم الخميس للتأديب، ويوم الجمعة لتجويد القرآن، ويوم السبت لقراءة الحديث والفقه، واجتمع في هذه الأيام بنية السلوك جماعة منهم السيد علي العجلوني، والشيخ محمد البصراوي، والشيخ موسى الكناوي، والشيخ أحمد بن الديوان إمام جامع الحنابلة، والشيخ عبد الله بن الحبال إمام جامع المزة وغيرهم، ثم انتقل إلى الغوطة ونزل بقرية سقبا، وانقطع بها إلى الله تعالى المحمدون الثلاثة محمد الباعوني، والشيخ محمد الحنبلي، والشيخ محمد الأسد، وقدم بها من مصر سيدي محمد الصفوري، ثم سافر وهو في صحبته إلى صفد، فعزم على الإقامة بها، والانقطاع بمغارة يعقوب عليه السلام، فلم يتيسر له واجتمع عليه بها جماعة منهم ومن بلاد عجلون وعكا، وكانت مدة إقامته بصفد ثلاثة أشهر وأياماً، وهي رجب وشعبان ورمضان،
وفي سابع شوال وصل إليه كتاب من أهله يذكرون فيه أن نائب الشام ناوي المسير إلى الحج في سادس عشر الشهر، وأنه جعل الحاج بيد سيدي محمد، فأجابهم بأني لا أسير في ركب إلا أن يكون على الكتاب والسنة، وهذا متعذر، وأنا منتظر الإذن، فلما وصل الجواب إلى دمشق وافق يوم وصوله وصول الشيخ علي - رضي الله تعالى عنه - إلى دمشق بنية حجة الإسلام، فلما بلغه ذلك شق عليه، وأرسل مندوبه إلى سيدي محمد بكتاب مضمونه: ياأخي إن لم يشرح الله صدرك للمسير، وإلا رجعنا، والذي يظهر لي أن غالب الحج يبطل بسببكم، وذلك إليكم، فاستخيروا الله تعالى، وأسرعوا لنا بالجواب، وأجركم على الله تعالى، فالقى الله تعالى في قلبه إجابتهم، وأرسل إليهم إني ألاقيكم إلى المزيريب، وأذن لعياله بالمسير معهم، فلما حصل الاجتماع كان المسير على السنة ببركة سيدي محمد - رضي الله تعالى عنه - والمراد يكون المسير على السنة أنهم أبطلوا أجراس الجمال، ونحو ذلك من البدع التي حدثت في ركب الحج، وهذا ليس إلا كرامة لسيدي محمد، ونفوذ في التصرف، وبلغني أن سيدي محمد ذهب في هذه السفرة ماشياً، واتفقت لسيدي علوان معه قصة ستأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته، وكانت هذه السنة سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ثم قطن سيدي محمد من يومئذ بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وتردد بين الحرمين الشريفين مراراً، وحج كذلك مرات، وقصد بالمدينة المنورة للإرشاد والتريية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية، وبلغني أن رجلاً اشتط عليه مرة بالمدينة، وسيدي محمد معرض عنه محتمل لأذاه، فلما انصرف قال له قائل: يا سيدي ما لك لا تنتقم من هذا السفيه؟ فاعتذر عنه بأنه لم يفعل ذلك إلا لأمر ظهر له علي أوجب الإنكار، وإن كنت منه برئياً. لكن يا ولدي سيأتي على الناس زمان إذا وقع بصرهم على قطب ذلك الزمان لا يرونه مسلماً، وذلك لما يظهر لهم عليه باعتبار إفهامهم، وإنما يكون ذلك منه تستراً لشدة الظلمة في ذلك الزمان يعني ويكون له في ذلك تأويل صحيح، وأكثر ما ذكرته هذا لخصته من كتاب سيدي محمد المسمى بالسفينة العراقية وبالجملة، فما ذكرته
هذا نبذة لطيفة من مناقبه ومكارمه، وقد كان في عصره مفرداً علماً وإماماً في علمي الحقيقة، والشريعة مقدماً وليثاً على النفس، قاراً وغيثاً لبقاع الأرض، ماطراً. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - يقول: سمعت الشهاب بن المختيش الذهبي الدمشقي يقول: أرسل خلفي سيدي محمد بن عراق، وهو في مدينة صفد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة لما أراد السفر إلى الحجاز بنية المجاورة، وكان ذلك في شهر رمضان، فأتى بسحور ليلاً بسيرج وعسل، وخفقهما بإصبعه، وألعقني إصبعه صيانة لنفسه، ومنعاً لها من شهوتها، وبعضهم قال: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم، ومن آثاره - رضي الله تعالى عنه - بدمشق لما كان قاضياً بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - وممن أخذ عنه ممن لم
يتقدم لهم ذكر أولاده الثلاثة سيدي علي، والشيخ عبد النافع، والشيخ العارف بالله تعالى السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي، وصاحبه الشيخ محمد الإيجي، ثم الصالحي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ العارف بالله تعالى الشيخ موسى الكناوي، ثم الدمشقي. وشيخنا الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو البركات محمد البزوري المتوفي في أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث بعد الألف، وهو آخر من أخذ عنه وفاة فيما أعلم. قال الشيخ موسى الكناوي: وزرته - يعني سيدي محمد - مرتين بسقبا من الغوطة، ومرة بداريا، وكنت فيها في صحبة الشيخ عبد الغني بن الجناب العجلوني الإربدي. قال: ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئاً من التمر، وكان ذلك آخر العهد به في الدنيا إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة، وقال شيخنا الشيخ أبو البركات البزوري - رضي الله تعالى عنه -: اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال لي: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني ولقنني الذكر، ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها: نبذة لطيفة من مناقبه ومكارمه، وقد كان في عصره مفرداً علماً وإماماً في علمي الحقيقة، والشريعة مقدماً وليثاً على النفس، قاراً وغيثاً لبقاع الأرض، ماطراً. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - يقول: سمعت الشهاب بن المختيش الذهبي الدمشقي يقول: أرسل خلفي سيدي محمد بن عراق، وهو في مدينة صفد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة لما أراد السفر إلى الحجاز بنية المجاورة، وكان ذلك في شهر رمضان، فأتى بسحور ليلاً بسيرج وعسل، وخفقهما بإصبعه، وألعقني إصبعه صيانة لنفسه، ومنعاً لها من شهوتها، وبعضهم قال: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم، ومن آثاره - رضي الله تعالى عنه - بدمشق لما كان قاضياً بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - وممن أخذ عنه ممن لم يتقدم لهم ذكر أولاده الثلاثة سيدي علي، والشيخ عبد النافع، والشيخ العارف بالله تعالى السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي، وصاحبه الشيخ محمد الإيجي، ثم الصالحي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ العارف بالله تعالى الشيخ موسى الكناوي، ثم الدمشقي. وشيخنا الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو البركات محمد البزوري المتوفي في أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث بعد الألف، وهو آخر من أخذ عنه وفاة فيما أعلم. قال الشيخ موسى الكناوي: وزرته - يعني سيدي محمد - مرتين بسقبا من الغوطة، ومرة بداريا، وكنت فيها في صحبة الشيخ عبد الغني بن الجناب العجلوني الإربدي. قال: ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئاً من التمر، وكان ذلك آخر العهد به في الدنيا إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة، وقال شيخنا الشيخ أبو البركات البزوري - رضي الله تعالى عنه -: اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال لي: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني ولقنني الذكر، ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها:
بدأت ببسم الله والحمد أولاً
…
على نعم لم تحص فيما تنزلا
قال: في كل ليلة أحسبه قال: بين المغرب والعشاء. قلت لشيخنا أبي البركات - رحمه الله تعالى -: هذه القصيدة اللامية التي اشرتم إليها هي من نظم سيدي محمد بن عراق؟ قال: نعم من نظمه وأنا أخذته عنه، فلازم على قراءتها، فإنها نافعة قلت: يا سيدي فنحن نرويها عنكم عن سيدي محمد بن عراق. قال نعم، وقد أثبت هذه القصيدة مع نظيرتين لها في خاتمة كتابي المسمى " عنبر التوحيد، ومظهر التفريد، ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه - كتاب المنح الغنائية، والنفحات المكية "، وكتاب " هداية الثقلين، في فضل الحرمين "، وكتاب " مواهب الرحمن، في كشف عورات الشيطان "، ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية، في سائر الآفاق خصوصاً بمكة العلية، والمدينة المرضية، وكتاب " السفينة العراقية "، وكتاب " سفينة النجاه، لمن إلى الله التجاه "، جواباً عن مكاتبات وردت إليه. وهو ببيروت من قبل بعض العلماء بدمشق يشكون له مما حدث في القرن العاشر من البدع والمنكرات، ومن كلامه في هذه السفينة، وقد أخبرني أستاذي عن بعض مشايخه أنه
كان يقول: إني أرى الخمول نهمة، وكل أحد يأباه، وأرى الظهور نقمةً، وكل أحد يتمناه، ألا وإن في الظهور، قصم الظهور، وألف أيضاً رسالة في صفات أولياء الله تعالى سأله في تأليفها تلميذه وفقيره الشيخ أحمد الداجاني المقدسي بتاريخ نهار الاثنين سابع ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. قال فيها في وصف المذكورين، قرة العين، وثاني الاثنين أحمد الداجاني حمد الله شأنه، وفهمه أسرار المعاني، ومن كلامه فيها: واعلم أنه لا يجوز لمن يدعي المشيخة أن يتظاهر بين أظهر العباد، ويتصدر للسلوك والإرشاد، حتى يتصف باثنتي عشر خصلة اثنتان من الله، واثنتان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واثنتان من الصديق - رضي الله تعالى عنه -، واثنتان من الفاروق - رضي الله تعالى عنه -، واثنتان من ذي النورين - رضي الله تعالى عنه، واثنتان من جد الحسنين - رضي الله تعالى عنهم، فأما اللتان من الله يكون غفوراً رحيماً، واللتان من النبي صلى الله عليه وسلم يكون رؤوفاً رحيماً، واللتان من أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - يكون صديقاً سليماً، واللتان من عمر - رضي الله تعالى عنه - يكون غيوراً فهيماً، واللتان ومن عثمان رضي الله عنه يكون حياً كريماً، واللتان من علي رضي الله تعالى عنه - يكون شجاعاً عليماً، ثم قال: فيحق لمن اتصف بذلك، أن يكون عمدة للسالك، ومرشداً إلي ومنقذاً للهالك، انتهى.
ومما ينسب تأليفه إلى سيدي محمد بن عراق رضي الله تعالى عنه " حزب الإشراق " أملاه علينا الشيخ يوسف ابن الشيخ سعيد بن حسن القاسمي العجلوني أحد جماعة سيدي أحمد الداجاني المقدسي رضي الله تعالى عنه - عن سيدي أحمد، عن سيدي محمد: " إلهي كلما أذنبت دعتني سابقة نعمتك إلى التوبة، وكلما تبت جذبتني أزمة قدرتك إلى المعصية، فلا التوبة تدوم، ولا المعصية تنصرف عني، وما أدري بماذا يختم لي غير أن سابقة الحسنى منك أوجبت لي حسن الظن بك، وأنت عند ظن عبدك بك، فهب لي منك توبة باقية، واصرف أزمة الشهوات عني، وامح زينتها من قلبي بزينة الإيمان، وقني من الظلم والبغي والعدوان يا حليم يا عظيم يا رحمن يا رحيم. إلهي أنوار تجلياتك الوجودية أشرقت، فلا يزاحم ضحاها وجود ليل سواها لإحاطة شمولها في مراتب ظهورها، فحققني اللهم بذلك تحقيقاً محفوظاً بلزوم مواطن مراضيك مع البقاء بك بعد الفناء فيك على قدم من اصطفيتهم، وأنعمت عليهم من النبيين والشهداء والصالدين، وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليماً. إلهي عم قدمك جدتي، فلا أنا، وأشرق نور سلطان هيبتك فأضاء هيكل بشريتي، فلا سواك، فما دام مني فبدوامك، وما فني مني، فبمعرفتي إياي أسألك سيدي بالألف إذا تقدمت، وبالهاء إذا تأخرت أن تضرب جيم جلال جمعي في زاي زين جمال تفرقتي، حتى ينادي قلبي: يا هو مرة
يا من ليس إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إلهي من أقوى متي حولاً وأنت حولي؟ ومن أولى مني بوجد أماله، وأنت مأمولي. سيدي من أعظم مني قوة، وأنت قوتي؟ ومن أحق بالأمان مني وأنت عصمتي؟ أمري وأمر كل شيء بيدك يا الله ". ومن شعر سيدي محمد رضي الله تعالى عنه ما ذكره ابن الحنبلي في ترجمة ولده سيدي علي، أنشدنا إياه الشيخ الصالح الفقيه الولي يوسف بن سعيد الداجاني العجلوني. قال: أنشدنا ولقننا شيخنا الأستاذ الكبير سيدي أحمد الداجاني. قال: أنشدنا ولقننا شيخنا العارف بالله تعالى سيدي محمد بن عراق لنفسه، وكان يأمر أصحابه بحفظ القرآن، وكان يقول كل ليلة بعد صلاة العشاء عقب قراءة الملك، فإذا فرغ منها قال:
كلام قديم لايمل سماعه
…
تنزه عن قلبي وفعلي ونيتي
به أشتفي من كل داء وإنه
…
دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي
فيا رب متعني بحفظ حروفه
…
ونور به قلبي وسمعي ومقلتي
وذكر ابن الحنبلي عن سيدي علي أن والده سيدي محمد بن عراق لما قدم على سيدي علي بن ميمون، وهو بحماة قال له الشيخ: بأي نية جئتني يا ابن عراق؟ قال: فقلت له: يا سيدي قد ضمنت نيتي هذه الأبيات
أتى بيميني مصحفي ويدي التي
…
تليها بها هيأت أثواب أكفاني
وقدمت موتي بين عيني موقناً.....بآخرتي حتماً أمامي تلقاني
كذلك دنيائي وورائي نبذتها
…
وصيرت نفسي تحت أقدام إخواني
فقال ابن ميمون: هذه دعوى، ولكن ثبتك الله تعالى، ووقع في الشقائق النعمانية أن سيدي محمد بن عراق مات بالمدينة النبوية، ودفن بها وهو غلط بلا شك، وإنما دفن بمكة بعد أن مات بها، وتحرير وفاته كما كتب به المحدث جار الله بن فهد إلى صاحبه الشيخ شمس الدين بن طولون، ونقله عنه في تاريخه يوم الثلاثاء رابع عشري صفر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن من الغد بباب المعلى، وحضر جنازته سلطان مكة أبو نمي بن بركات. قال الشيخ موسى الكناوي: مات عن أربع وخمسين سنة - يعني تقريباً - وذكر ابن الحنبلي في ترجمة السيد عيسى الصفوي أنه كان له مزيد اعتقاد في سيدي محمد بن عراق، وأنه قال: له توفي سيدي محمد بمكة المشرفة تهالك الناس على تعاطي غسله، قال: فوقع في نفسي أن أكون ممن يساعد فيه، فلم أشعر إلا بواحد يناديني باسمي أن أقبل إلى مكان غسله، فمضيت
فإذا هو يدفع لي إناء ويأمرني بالسكب عليه، ففعلت. قال: ثم لما حمله الناس مزدحمين على سريره، وددت الحمل، فلم أصل إليه، فوقفت بجوار باب السلام ملصقاً كتفي بجانبه، فإذا الجنازة قد حضرت على عنق رجل يمني، وقد أمرني بحملها، ففعلت بدون أن أعرف هذا الرجل، والذي قبله. قال: ثم رأيت الشيخ في المنام، فأعطاني بيضتين قال: وكان يوصيني باستعمال دعاء القنوت لكونه جامعاً للمطالب الحسنة الجليلة. ولسيدي محمد مع سيد محمد المنير المصري قصة، ومع سيدي محمد المنير البعلي قصة أخرى ستأتي كل قصة في ترجمة صاحبها. قال الشيخ موسى: ورثاه جماعة منهم أخوة الشيخ علوان رضي الله عنهما فقال:
سقى ثراك فقيدالحي صيبة
…
من رحمة هملت من فيض رضوان
محل العراق، وجار الله نخبتنا
…
ما زلت مجتهداً في قمع شيطان
تديم صوماً، وتحمي العين عن وسن
…
مرتلاً بصلاة نظم قرآن
حتى ثويت رهين النفس في حرم
…
استودع الله ربي عين الأخوان
101 -
محمد بن سالم: محمد بن علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنا بن محمد بن سالم الشيخ الإمام العلامة الفاضل الكامل الصالح بهاء الدين ابن الشيخ العالم الصالح علاء الدين العاتكي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سالم. ولد في سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه، وعن التقوي ابن قاضي عجلون، والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهما، وكان عالماً عاملاً خيراً. حج وجاور ومات بالقاهرة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي منها يوم الجمعة ثالث عشري شعبان من السنة المذكورة - رحمه الله تعالى -.
102 -
محمد بن هلال النحوي: محمد بن علي، الشيخ الفاضل، شمس الدين العرضي الأصل، ثم الحلبي، المعروف بابن هلال النحوي، الشافعي. اشتغل بحلب على الشيخ محمد الداديخي، والعلاء الموصلي، فلم يبلغ مطلوبه، فارتحل إلى القاهرة، ولزم الشيخ خالد الأزهري في العربية مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد. فقدم صاحب الترجمة حلب، ودرس بجامعها.
وألف عدة كتب منها حاشية على تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على المراح وشرح
على تصريف الزمجاني سماه " بالتطريف، على التصريف " ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيماناً مقبولاً، وهو خلاف ما عليه الناس، وغض منه ابن الحنبلي كثيراً، وقال: وكان له شعر يابس، وهجو فيه فاحش. ومات يوم الأربعاء سادس عشر القعدة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
103 -
محمد بن عمر الحنبلي: محمد بن عمر القاضي، شمس الدين. الحورسي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة ست عشرة وثمانمائة، وكان نقيباً لقاضي القضاة برهان الدين بن كمل الدين بن شرف الدين بن مفلح، ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة نجم الدين بن مفلح نيابة القضاء. قال النعيمي: لقلة النواب، فدخل في القضاء مدخلاً لا يليق. وتوفي يوم الجمعة عشري جمادى الأولى سنة إحدى وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
104 -
محمد بن هبة الله: محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن هبة الله. الشيخ العلامة قاضي القضاة جلال الدين النصيبي الحلبي الشافعي، سبط المحدث أبي الفضل بن الشحنة. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم بها، وصلى به بجامعها الكبير وهو ابن ثمان، وحفظ المنهاجين والألفيتين، ثم جمع الجوامع، وعرض على الجمال الباعوني، وأخيه البرهان، والبدر ابن قاضي شهبة، والنجم ابن قاضي عجلون، وأخيه التقوي. ثم أخد الفقه عن أبي ذز، والأصول، والنحو عن السلامي، ووالده الزيني عمر، ثم قدم القاهرة على جده لأمه سنة ست وسبعين وثمانمائة، فأخذ عن الفخر المقدسي، والجوجري. وقرأ في الفقه على العبادي، وفي شرح الألفية لابن أم قاسم وغيره على التقوي الشمني، وقرأ على السخاوي في بعض مؤلفاته وفي غيرها، وبرع وتميز وناب في القضاء بالقاهرة ودمشق وحلب، وولي قضاء حماة وقضاء حلب، وأنشد فيه بعضهم حين ولي قضاء حماة:
حماة مذ صرت بها قاضياً
…
استبشر الداني مع القاصي
وكل من فيها أتى طائعاً
…
إليك وانقاد لك العاصي
وكان ذا فطنة وحافظة مع رفاهية، وجمع تعليقات على المنهاج سماة الابتهاج، في أربع
مجلدات، واختصر جمع الجوامع، وجمع كتاباً كبيراً فيه نوادر وأشعار، وله شعر منه تخميس الأبيات المشهورة للشاب الظريف محمد بن العفيف:
غبتم فطرفي من الأجفان ما غمضا
…
ولم أجد عنكم لي في الهوى عوضا
فيا عذولاً بفرط اللوم قد نهضا
…
" للعاشقين بأحكام الغرام رضى
فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا "
إن الوفي بعهد ليس ينتقض
…
وإن همو نقضوا عهدي وإن رفضوا
فقلت لما بقتلي بالأسى فرضوا
…
" قروحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا
عهدي الوفي الذي للعهد ما نقضا "
أحبابنا ليس لي عن عطفكم بدل
…
وعن غرامي ووجدي لست أنتقل
يا سائلي عن أحبائي وقد رحلوا
…
" قف واستمع سيرة الصب الذي قتلوا
فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا "
قد حملوه غراماً فوق ما يسع
…
وعذبوا قلبه هجراً وما انتفعوا
دعا أجاب تولى سهده هجعوا
…
" رأى فحب فرام الوصل فامتنعوا
فسام صبراً فاعيى نيله فقضى "
وكانت وفاة صاحب الترجمة في ثالث عشر رمضان سنة ست عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
105 -
محمد البحيري: محمد بن عمر ابن الشيخ العلامة بدر الدين ابن الشيخ زين الدين البحرفي. فقيه السلطان الغوري. توفي بمرض الإستسقاء في ليلة الخميس سادس عشر شعبان في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بعد أن نزل عن وظائفة. ووقف كتبه.
106 -
محمد بن عيسى: محمد بن عيسى، الشيخ الإمام، العلامة العالم، أقضى القضاة شمس الدين، الحنفي خليفة الحكم العزيز بدمشق، ومفتي الحنفية بها. قال الحمصي: كان عالماً فاضلاً مفنناً يعرف صناعة التوريق. والشهادة معرفة تامة، وكان ذكياً متضلعاً من العلوم لا يجارى في بحثه محجاجاً. توفي بدمشق في رجب سنة اثنتي عشر وتسعمائة، ودفن بالصالحية، وكانت له جنازة حافلة، وتأسف الناس عليه - رحمه الله تعالى -.
107 -
محمد المالكي: محمد بن قاسم قاضي القضاة جلال الدين بن قاسم المصري المالكي. قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله في أحواله، وكانت أوقاته معمورة بذكر الله عز وجل. شرح المختصر والرسالة، وانتفع به خلائق لا يحصون، ولاه السلطان الغوري القضاء مكرهاً، وكان حسن الإعتقاد في طائفة القوم. قال: وكان أكثر أيامه صائماً لا يفطر في السنة إلا العيدين وأيام التشريق، وكان حافظاً للسانه في حق أقرانه. لا يسمع أحداً يذكرهم إلا ويجلهم. توفي بمصر سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي بدمشق رابع عشر صفر سنة ست وعشرين وتسعمائة.
108 -
محمد بن ليل الزعفراني: محمد بن ليل، الشيخ الصالح. شمس الدين الزعفراني التونسي القاطن بالقاهرة. كان يحفظ أنواع الفضائل، وكان يتأنق في إيراد أنواع التحميدات والتسبيحات والصلوات، ويعرف الألسن العربية المتنوعة، والخواص العجيبة، وكان يذكر أنه عارف بالصنعة، مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشري جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة المجاورين - رحمه الله تعالى -.
109 -
محمد بن مسعود: محمد بن مسعود، الشيخ شمس الدين الناسخ المشهور، الصالحي الدمشقي الشافعي. انتهت إليه مشيخة الكتابة بدمشق، بل بالمملكة كلها. قرأ القرآن بالروايات، وتوفي يوم السبت العشرين من شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة بالبدرائية، وحمل إلى الصالحية، فدفن غربي سفحها - رحمه الله تعالى -.
110 -
محمد خواجه زاده: محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البروسوي الرومي المولى العلامة الصوفي بن المولى الفاضل العلامة المشهور بخواجه زاده صاحب كتاب
" التهافت " والده ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا، ثم تركها في حياة والده، ورغب في طريقة التصوف، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى حاجي خليفة، ثم ذهب مع بعض ملوك العجم إلى بلاده، وتوفي هناك سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة.
111 -
محمد الرومي: محمد بن مصطفى بن الحاج حسن المولى، العالم الفاضل، الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره، واتصل بخدمة المولى يكان، وولي التدريس والولاية، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان محمد بن عثمان في سنة وفاته، وهي سنة ست وثمانين وثمانمائة قضاء العسكر الأناظولية، ولما تولى السلطنة السلطان أبو يزيد خان أقره في منصبه، ثم جعله قاضياً بالعساكر الروميلية، وبقي فيه حتى توفي قال في الشقائق: وكان رجلاً طويلاً عظيم اللحية، طلق الوجه، محباً للمشايخ، وكان بحراً في العلوم، محباً للعلم والعلماء، عارفاً بالعلوم العقلية والشرعية، وألف حاشية على تفسير سورة الأنعام من تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على المقدمات الأربع في التوضيح، وكتاباً في الصرف سماه " ميزان التصريف " وكتاباً في اللغة جمع فيه غرائب اللغات، ولم يتم، وبنى مدرسة بالقسطنينية ومسجداً وداراً للعلم، وبها دفن بعد أن توفي سنة إحدى عشر وتسعمائة، وقد جاوز التسعين - رحمه الله تعالى -.
112 -
محمد العجلوني: محمد بن موسى بن عيسى، الشيخ العالم الصالح، شمس الدين بن الشيخ شرف الدين موسى العجلوني، الدمشقي. الصالحي. ولد بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وتوفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة، ودفن بمسكنه بزاوية المسلك محمد الخوام الشهير بالقادري بالصالحية - رحمه الله تعالى -.
113 -
محمد بن ناشي: محمد بن ناشي الشيخ بدر الدين الكتبي الحنفي. كان مصاحباً للسلطان الغوري، ملتحقاً به، ونال بصحبته مرتبات ووظائف، وأثرى وقوي بأسه، وتولى إعادة المدرسة الجانبكية، وسافر مع السلطان الغوري إلى دمشق، ثم إلى حلب، وتوفي بها يوم الخميس في ثامن رجب سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ودفن في تاسعه بها.
114 -
محمد الميداني: محمد بن نصر، الشيخ العلامة المقريء المجود، شمس
الدين الضرير الدمشقي. الميداني المقريء. وكان من أهل العلم بالقراءات، وله في النحو مؤلفات منها كتاب مطول سماه " ذخر الطلاب، في علم الإعراب "، وكتاب آخر مختصر سماه " تنقيح اللباب، فيما لا بد منه أن يعتني في فن الإعراب "، قال والد شيخنا: وقرأته عليه، وكان فقيراً من الدنيا. وكان الشيخ شمس الدين بن طولون يتردد إليه كثيراً، وانتفع به جماعة. توفي يوم الخميس قبل المغرب سابع عشري صفر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. قال والد شيخنا ودفن بمقبرة الجوزة بمحلة الميدان، وفيها سادات كالشيخ إبراهيم القدسي، وإخوانه قلت وكانت وفاة الشيخ إبراهيم القدسي المقريء كاتب المصاحف المذكور في كلام والد شيخنا في دخول القرن العاشر. " وذلك " في ثاني رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة، والله سبحانه تعالى هو الموفق.
115 -
محمد باجه زاده: محمد بن يعقوب، العالم فاضل المولى محيي الدين الرومي الحنفي الشهير باجه زاده. قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة المولى الفاضل خطيب زاده، ثم ولي الولايات، وتنقل فيها حتى صار قاضي بروسا، ثم عزل ومات وهو معزول. قال في الشقائق: كان عالماً فاضلاً ذكياً، سليم الطبع، مبارك النفس، مقبلاً على الخير، متواضعاً متخشعاً، صاحب كرم وأخلاق. وكانت وفاته في ثلاث أو أربع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى -.
116 -
محمد الطولقي: محمد بن يحيى بن عبد الله قاضي القضاة أبو عبد الله شمس الدين بن أبي زكريا المغربي الطولقي المالكي. سمع على العلامة جمال الدين الطمطامي. قال ابن طولون: قدم علينا دمشق، وأتجر بحانوت بسوق الذراع، ثم ولي قضاء دمشق عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين المريني، وعزل عن القضاء، ثم وليه مراراً، ثم استمر معزولاً مخمولاً إلى أن توفي يوم الأربعاء ثالث عشري شعبان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة فجأة. كما قيل، وكان له مدة قد أضر، وصار يستعطي ويتردد إلى الجامع الأموي وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة لى، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير.
117 -
محمد الباعوني: محمد بن يوسف بن أحمد، الشيخ العلامة بهاء الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين الباعوني الشافعي. ولد في سنة سبع أو تسع وخمسين وثمانمائة