المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الحنبلي، الحليي. قال ابن الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من - الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة - جـ ١

[نجم الدين الغزي]

الفصل: الحنبلي، الحليي. قال ابن الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من

الحنبلي، الحليي. قال ابن الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من الصالحات الخيرات، وكان لها سماع من الشيخ المحدث برهان الدين، وكانت قد حجت مرتين، ثم عادت إلى حلب، وأقلعت عن ملابس نساء الدنيا بل عن الدنيا بالكلية، ولبست العباءة وزارت بيت المقدس، ثم حجت ثالثة، وتوفيت بمكة المشرفة سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمها الله تعالى.

587 -

فرح بنت الدوادار: فرح بنت يشبك المصونة بنت الأمير الخير الفقيه يشبك الدوادار الكبير بمصر، كانت أمها خوند بدرية بنت الملك المؤيد شيخ، وكانت هي من العابدات التاليات للقرآن العظيم بارة بالأرامل واليتامي والمنقطعين. ماتت بالقاهرة يوم الأربعاء عشري صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة بعد أن أوصت بشيء كثير من أثاثها، وأعتقت رقيقها رحمها الله تعالى.

‌حرف القاف

من الطبقة الأولى: 588 - قاسم بن أحمد الرومي: قاسم بن أحمد بن محمد، الفاضل الكامل المولى قوام الدين الجمالي الرومي الحنفي، اشتغل بالعلم، واتصل بخدمة المولى علي بن محمد القوشجي، ودرس بإحدى الثماني، ثم أعطي قضاء القسطنطينية، ومات قاضياً بها في دولة السلطان أبي يزيد وكان شديد الاشتغال يحفظ كثيراًمن الكتب، وله شأن إلا أنه لم يصنف شيئاً رحمه الله تعالى.

589 -

قاسم بن عمر المغربي: قاسم بن عمر الشيخ الفاضل المتعبد الصالح المبارك المعتقد شرف الدين الزواوي المغربي القيرواني المالكي. كان أولاً مقيماً في صحبة رفيقه الشيخ الصالح العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدين ابن عطا الله الإسكندري، ثم أقام بمقام الإمام الشافعي خادماً لضريحه، وصحب الشيخ جلال الدين السيوطي، وارتبط به، وقلده في ملازمة لبس الطيلسان صيفاً وشتاءً، وكان يتردد إلى الشيخ تقي الدين الأوجاقي وغيره من أهل العلم، وأخذ عنه شيخ الإسلام الوالد ديوان سيدي علي وفا بحق أخذه له عن السيدة حسناء بنت الناظم عن الناظم - رضي الله تعالى عنهم - وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشري شعبان سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.

590 -

قاسم البغدادي: قاسم، العالم الفاضل المولى البغدادي الكرماني، ثم

ص: 294

القسطنطيني ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي أحد موالي الروم، اشتغل في العلم، واتصل بخدمة المولى عبد الكريم، ثم صار مدرساً ببلدة أماسية، ثم بمدرسة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنهم - ثم بمدرسة قلندرخانة بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، وكان ذكياً، سليم الصدر، وافر العقل، وكان يدرس كل يوم سطرين أو ثلاثة، ويتكلم عليها بجميع ما يمكن إيراده من الفوائد من نحو، وصرف، ومعان: وبيان ومنطق، وأصول مع رفع جميع ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها، وكان يتعيب على الطلبة فيما يفوتهم من الإشكالات إذا لم يتنبهوا له، وله حواش على شرح المواقف وأجوبة عن السبع الشداد التي علقها المولى لطفي، وله أشعار لطيفة تركية وفارسية، وكانت وفاته في سنة إحدى وتسعمائة رحمه الله تعالى.

591 -

قاسم الأحمدي: قاسم، الشيخ الصالح المعتقد الأحمدي الدمشقي. كان لا يزال مستور الوجه متطيلساً بمئزر أحمر، وكان للأتراك فيه اعتقاد عظيم، وكانت وفاته يوم، الخميس ثامن عشري ربيع الآخر سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.

592 -

قاسم بن العيني: قاسم الشيخ شرف الدين بن العيني أحد العدول بدمشق، توفي يوم الجمعة خامس عشر المحرم سنة ثماني عشرة وتسعمائة، ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين.

593 -

قانصوه الغوري: قانصوه بن عبد الله الجركسي السلطان الملك الأشرف، المشهور بالغوري، وسماه ابن طولون جندب، وجعل قانصوه لقباً له قال: والغوري نسبة إلى طبقة الغور قال ابن الحنبلي: إحدى الطبقات التي كانت بمصر مدة تعليم المؤدبين. قال ابن طولون: كان يذكر أن مولده في حدود الخمسين وثمانمائة ترقى في المناصب حتى صار نائب طرسوس، فانتزعها منه جماعة السلطان أبي يزيد بن عثمان، فهرب منها، وعاد إلى حلب، فلما انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية، ثم أخذها الأروام مع ما والاها، فهرب منها أيضاً إلى حلب، ثم نصر عسكر مصر ثانياً، فعاد إليها مرة ثالثة، ثم أعطي نيابة مطلبه، فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر، ووقعت له أمور في دولة الملك الناصر ابن قايتاي، ثم أعطاه تقدمة ألف، ثم في دولة جان بلاط أعطاه رأس نوبة النوب، ثم

ص: 295

توجه صاحب الترجمة صحبة العسكر المصري إلى الشام بسبب عصيان قصروه نائبها، فخامر أمير العسكر طومان باي، واتفق مع قصروه على أن يكون سلطاناً، وأمسكوا جماعة من الأمراء، وجعل من الأمراء، وجعل صاحب الترجمة دواداراً كبيراً، ثم توجهوا إلى الديار المصرية، وحاصروا الأشرف جان بلاط، ثم أمسكوه، وتولى السلطنة طومان باي واستمر صاحب الترجمة دواداراً إلى أن وقع بينه وبين طومان باي، فاتفق مع العسكر على أن يركبوا عليه، واختفى هو في حيلة، فهرب السلطان طومان باي ليلة الجمعة مستهل شوال سنة ست وتسعمائة، فتولى السلطنة بعده صاحب الترجمة في يوم عيد الفطر، ولما تسلطن أخذ يتتبع رؤوس الأمراء، وذوي الشوكة، فيقتلهم شيئاً شيئاً، ثم فشا ظلمه ومصادرته للناس في أموالهم حتى صار شيخ الإسلام زكريا يعرض بظلمه في الخطبة، وهو تحت منبره يسمع، ولم يتعظ حتى حصل منه أذية بالغة للبرهان بن أبي شريف عالم مصر يومئذ، ومفيدها بسبب الرجل الذي رمي بالزنا، فأقر بالتهديد والضرب، ثم أنكر، فأفتى ابن أبي شريف بعصمة دمه، وعدم رجمه، فغضب عليه الغوري بسبب ذلك، وعزله من مدرسته التي جددها بالقاهرة وصلب الرجل على باب شيخ الإسلام ابن أبي شريف حتى جزع الناس له، واستعظموا هذا الأمر الشنيع مع مثله، واستمر في منزله لا يخرج منه، والناس يقصدونه في أنواع العلوم إلى أن أزعج الله تعالى الغوري، فأمر العسكر بالتجهيز لحلب، وأشاع أنه يريد الإصلاح بين ملك الروم، وملك شاه إسماعيل الصوفي الخارجي، ثم سافر من تخت ملكه في عاشر ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وصحبته الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد العباسي، وقضاة الشرع الأربعة وغيرهم من العلماء، ومشايخ، وستة عشر أميراً مقدماً، فلما دخل غزة شكا إليه أهل القدس ظلم نائبه وغيره، فأهانهم بالطرد والضرب، ثم دخل دمشق في موكب عظيم، ونائب الشام حامل القبة والطير على رأسه على عادة الملوك المتقدمين، ونزل بالمصطبة بوطأة برزة، وشكا إليه أهل حمص وغيرهم ظلم نوابهم، فلم يشكهم، وأقام سبعة أيام، ولم يحضر جمعة ولا جماعة، وتوجه إلى حلب ومعه نواب الشام، وحمص، وحماة، وطرابلس وغيرهم من الأمراء، ولم يقر بحمص ولا زار بها سيدي خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - مع أن الطاغية تيمورلنك دخلها لزيارته، وجعل أهلها في غفارته، وعند وصوله إلى حلب جاءه قاصدان من ملك الروم أحدهما قاضي العساكر الروم إيلية ركن الدين بن زيرك، والثاني الأمير قراجا باشا، وأخبراه بوصول ملكهم إلى القيسارية متوجهاً لقتال الصوفي، فخلع عليهما وأكرمهما، وذكر لهما ما يريد من الإصلاح بين السلطان سليم وشاه إسماعيل، وأرسل بذلك إلى السلطان سليم

ص: 296

قاصداً يقال له: الأمير مغلباي الدوادار، فلما وصل إليه قبض عليه حتى وصل إليه قاصداه، فحلق لحيته، وأخذ جميع ما كان معه من متاع، وقال له: قل لأستاذك هذا خارجي وأنت مثله، وأنا أقاتلك قبله، والميعاد بيننا وبينك في مرج دابق، ثم سافر خلفه، وصار يأخذ كل بلد يدخله من أعمال ملك الغوري، فلما بلغ الغوري ذلك من قاصده ومن غيره خرج من حلب في نحو ثلاثين ألفاً، وترك ولده في قلعتها، وكان خروجه منها يوم الثلاثاء عشري رجب بعد إقامته بها شهرين، وقد كان الغوري في أول الأمر مصمماً على مباينة شاه إسماعيل حتى وقع في قلبه رعبه بسبب أن شاه إسماعيل كان قد قتل صاحب هراة، وولده قبرخان، فبعث

برأس الأب إلى ملك الروم السلطان سليم، وبرأس الابن إلى الغوري، وكتب إلى الأول رسالة مطلعها: برأس الأب إلى ملك الروم السلطان سليم، وبرأس الابن إلى الغوري، وكتب إلى الأول رسالة مطلعها:

نحن أناس قدغدا شأننا

حب علي أبي طالب

يعيبنا الناس على حبه

فلعنة الله على العائب

وكتب إلى الثاني رسالة مطلعها:

السيف والخنجر ريحاننا

أف على النرجس والآس

وشربنا من دم أعدائنا

وكأسنا جمجمة الرأس

فرد عليه الأول بهذين البيتين:

ما عيبكم هذا، ولكنه

بغض الذي لقب بالصاحب

وكذبكم عنه وعن بنته

فلعنة الله على الكاذب

ورد عليه الثاني بمقاطيع منها قول شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف:

السيف والخنجر قد قصرا

عن عزمنا في شدة الباس

لو لم ينازع حلمنا بأسنا

أفنيت سلطاً سائر الناس

فكانت هذه القصة محركة للسلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - إلى السفر إلى قتال شاه إسماعيل، وشجعته السنة عليه، وأنهضه حب الشيخين إليه، وأما الغوري فوقع رعبها في قلبه حتى قرب رجلاً أعجمياً بسبب ذلك، وكان الأعجمي ينسج المودة في الباطن بينه وبين شاه إسماعيل حتى أخرجه من مصر قاصداً للإصلاح بينه وبين السلطان سليم، فلما كان مبطناً مودته لأهل البدعة رد الله تعالى كيده في نحره، وسلط عليه ملك الروم، فتوجه إليه السلطان سليم خلفه قاصده، وخرج الغوري إليه من حلب في التاريخ المذكور، فوصل

ص: 297

إلى مرج دابق ليلة الخميس ثاني عشري رجب سنة أثنتين وعشرين وتسعمائة، ونزل عند القبر المنسوب لنبي الله عواد عليه الصلاة والسلام، ومكث عنده ثلاثة أيام، ثم في ظهر يوم السبت رابع عشري رجب صاح عسكره في الوطاق، وصل عسكر الروم، فركبوا جميعهم إلى آخر الوطاق، فلم يجدوا أحداً، ثم عادوا إلى مخيمهم، فأمرهم الغوري بالرحيل صلتاً، ويأخذون طعامين، وعليقة، فخرجوا من وطاقهم، وباتوا خارجين عنه إلى صباح يوم الأحد، ثم عادوا إلى وطاقهم، فمكثوا فيه إلى قريب الظهر، ثم جاءتهم العساكر الرومية، فركبوا على خيولهم، فوقع الحرب بينهم، فدفع عليهم العسكر الرومي بالعرادات، ورموا بها عليهم، فأظلم الأفق، وصار له دوي، وجفلت الخيل فقاتلوهم ساعة، ثم هرب الغلمان وبعض العسكر، وقتل جماعة من أمراء الجراكسة، ثم غشي على الغوري، وكان بطيناً سميناً، فطاح عن فرسه، ثم طاح عنها ثانياً، فأقعدوه وقالوا له: أثبت لنا فقال لهم: ما بقي شيء فرغت وأسكت من وقته، ثم زحف عليهم عسكر الروم، فتفرق عنه عسكره وتركوه ملقى على الأرض، فمات ولم يعلم به أحد، وصار عبرة لمن اعتبر، وصارت حاله كما قيل:

جاءته من قبل المنون إشارة

فهوى صريعاً لليدين وللفم

ورمى بمحكم درعه وبرمحه

وامتد ملقى كالفنيق الأعظم

لايستجيب لصارخ إن يدعه

أبداً ولا يرجى لخطب معظم

ثم ملك السلطان سليم بلاد حلب وما والاها من بلاد الشام، ودخل إلى دمشق كما تقدم في ترجمته، وإلى مصر، ثم عاد إلى تخت ملكه، وصارت البلاد لأولاد عثمان إلى الآن - وفقهم الله تعالى - والغوري آخر ملوك الجراكسة.

594 -

قايتباي سلطان مكة: قايتباي بن محمد بن بركات الشريف سلطان مكة. توفي في سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وفيها توفي سلطان الروم أبو يزيد خان بن عثمان، وسلطان اليمن عامر بن محمد رحمهم الله تعالى.

595 -

قايتباي الجركسي: قايتباي أبو النصر بن عبد الله السلطان الملك الأشرف الجركسي الظاهري نسبة إلى الملك الظاهر جقمق، ميلاده في سنة ست وعشرين

ص: 298

وثمانمائة في سلطنة الملك، ثم انتقل إلى الملك الظاهر جقمق، فأعتقه ونسب إليه، ثم رفعه الله تعالى ورقاه حتى ملكه الله تعالى بلاد العرب. حكى أنه مر في حلبة المماليك على دمشق فتفرس فيه بعض أوليائها أن أمره يؤول إلى السلطنة، فكان يعرفها له، ولعل هذا هو السبب في اعتقاله لأهل العلم والصلاح. بويع له بالسلطنة في يوم الاثنين سادس شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بحضرة الخليفة المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن محمد العباسي، وقضاة القضاة الأربعة الولوي الأسيوطي الشافعي، والمحب أبو الفضل ابن الشحنة الحنفي والحسام بن محمد بن حرير الحسيني المالكي، والعز أحمد الكناني العسقلاني الحنبلي وأركان الدولة، وكان المتولى لتألف الناس عليه القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر صاحب ديوان الإنشاء بعد خلع الملك الظاهر تمريغا، والقبض عليه، ثم سلك الملك الأشرف قايتباي أحسن المسالك، وسار أحسن السير فى تدبير الممالك، وكان يتألف قلوب العلماء، ويتواضع لعامة الصلحاء، وكان له في سيدي عبد القادر الدشطوطي غاية الاعتقاد، وكان سيدي عبد القادر يتولى تربيته وإرشاده كلما مر عليه، وكان يمتثل أمره، وينقاد بلغني أنه كان يمر، وهو راكب في موكبه على سيدي عبد القادر، فيحبس فرسه عنده، ويطلب منه المدد والدستور وربما نزل إليه، فقبل يديه، فقال سيدي عبد القادر له يوماً، والذباب منعكف عليه وعلى ثيابه يا قايتباي قل لهذا الذباب يذهب عني، فحار تايتباي. فقال: يا سيدي كيف يسمع الذباب مني؟ قال: وكيف تكون سلطاناً ولا يسمع الذباب منك؟ ثم قال سيدي عبد القادر: يا ذباب إذهب عني، فلم يبق عليه ذبابة، وكان بين السلطان قايتباي، وبين الجد غاية الاتحاد ولكل منهما في الآخرة مزيد الاعتقاد، وكان الجد يقطع له بالولاية حتى قال من أبيات:

إمام الناس في العصر

ولي الله في السر

وكناه أبا النصر

وقايتباي قد سماه

آدم يا رب سلطانه

وثبت فيه أركانه

ومكن فيه عرفانه

وظفره بمن عاداه

وكتب الشيخ الجد ديواناً لطيفاً من نظمه وإنشائه في مناقبه ومآثره سماه " بالدرة المضية، في المآثر الأشرفية "، وذكر فيه أن بعض أولياء الله تعالى أظهره على مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية لما اجتمع الجد بالولي المذكور في حجر إسماعيل عليه الصلاة والسلام في وقت السحر، فعرفه بمقامه، وأمره باعتقاده، ونظم في مآثره وعمائره قصيدة رائية ضمنها الديوان المذكور، فمنها أنه عمر حصناً بالإسكندرية، ومدرسة بالقرب منه، وحصن صغر دمياط، وبنى حصوناً، وبنى مدرسة معظمة بمكة لصيق الحرم الشريف مما يلي المقام،

ص: 299

وأعطى تدريسها لشيخ الإسلام البرهان بن ظهيرة، وعمر مسجد الخيف، وساق الماء من عرفات إلى منى، والمحصب، ولما ذكر الجد ذلك في قصيدة قال:

وسقته لمنى، ثم المحصب بل

وعن قريب على باب السلام يرى

فاتفق للجد في هذا البيت كرامة عجيبة، وهو أنه أخبر أن ماء عرفات سينساق إلى مكة حتى يرى جارياً على باب السلام، وكان الأمر كما ذكر، فإن السلطان سليم ساق الماء إلى مكة، وهو الآن يجري بالمسعى بالقرب من باب السلام، وعمر قايتباي الحجرة الشريفة، والقبة المبتناة عليها، وعمر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بالمدينة مدرسة ورباطاً، وساق ماء العين الزرقاء إليها، وهذا كما قال الشيخ - رضي الله تعالى عنه.

هذا وحقك شيء ما سبقت له

وكم مليك تمناه وما قدرا

أليس يكفيك هذا سيدي شرفاً

على الملوك وفخراً زين السيرا

وعمر بالقدس الشريف مدرسة عظيمة، ورم الجامع الأموي، وعمر مدرسة بغزة، وجامعاً بالصالحية المصرية، وجامع الروضة، وجامع الكبير، وتربة بصحراء مصر، وعمر قبة الإمام الشافعي في مآثر آخرى، ولقد كان من محاسن الدهر، ورؤوس ملوك الأرض، ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها، وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري، وقاضيها الشهاب بن عبية وغيرهم بسبب هدم الكنيسة حتى حملوا إليه، وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنع بن عبية على قايتباي في ذلك، وبالغ في حقه حتى زعم أنه لم يفعل ذلك إلا لمودة بينه وبين اليهود، وتعصب منه على الدين، وهنا تحامل من ابن عبية تعزير قايتباي له، وفي نفس الأمر، فإن قايتباي لم يقصد الأمر باعادة الكنيسة نصرة لليهود، وإنما أمر بذلك أن عقد مجلساً جمع فيه العلماء، وأفتى بعضهم بأن هدم الكنيسة لم يصادف محلاً، وقد استوفى القصة صاحب الأنس الجليل فيه، وكان كثيراً ما يقع بين الملك الأشرف قايتباي، وشيخ الإسلام الجد مطارحات، فمنها ما أنشد السلطان مستجيزاً من الجد رضي الله تعالى عنه.

عشق، وتجلد، وصبر، وسكوت

ما أصنع ما أفعل، والوقت يفوت

فأجابه شيخ الإسلام الجد بقوله بديهاً:

ألفاظكم كالدر أو كالياقوت

يا من للروح قوتهم أشهر قوت

أقسمت بحق جبركم لا أنسى

يوماً لجميلكم وإن كنت أموت

ص: 300