الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصحاب يعرفون، والمبلِّغون عن عمر فتياه ومذاهبَه وأحكامَه في الدين بعده كانوا
(1)
أكثر من المبلِّغين عن عثمان والمؤدِّين عنه.
وأما
علي بن أبي طالب
، فانتشرت أحكامه وفتاواه
(2)
، ولكن قاتل الله الشيعة، فإنهم أفسدوا كثيرًا من علمه بالكذب عليه. ولهذا أصحابُ الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتاواه
(3)
إلا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود كعَبيدة [11/أ] السَّلماني وشُريح وأبي وائل ونحوهم. وكان رضي الله عنه يشكو عدمَ حَمَلة العلم الذي أُودعه، كما قال: إنَّ هاهنا علمًا لو أصبتُ له
(4)
حَمَلة
(5)
!
فصل
والدين والفقه والعلم انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود،
(1)
"كانوا" ساقط من ع.
(2)
س، ع:"فتاويه".
(3)
ت، ع:"فتاويه".
(4)
"له" ساقط من ت.
(5)
رواه المعافى بن زكريا النهرواني في "الجليس الصالح"(3/ 331 - 332، 4/ 135 - 137)، وأبو هلال العسكري في "ديوان المعاني"(1/ 146 - 147)، وأبو نعيم في "الحلية"(1/ 79 - 80)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(177)، والذهبي في "تذكرة الحفاظ"(1/ 14 - 15)، وأشار إلى لينِ بعض أسانيده، وعدم الاعتماد على بعض رواته. والحقّ أن طرق الأثر كلها واهية، وأوهى طرقه هو المرويّ في "تاريخ" الخطيب (7/ 408). وقد قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 894):"وهو حديثٌ مشهورٌ عند أهل العلم، يستغني عن الإسناد؛ لشهرته عندهم".
وأصحاب زيد بن ثابت، وأصحاب عبد الله بن عباس
(1)
، وأصحاب عبد الله بن عمر؛ فعلمُ الناسِ عامّتُه عن أصحاب هؤلاء الأربعة. فأما أهل المدينة، فعلمُهم عن أصحاب زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر. وأما أهلُ مكة، فعلمُهم عن أصحاب عبد الله بن عباس. وأما أهل العراق، فعلمُهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود.
قال ابن جرير: وقد قيل: إنَّ ابن عمر وجماعةً ممن عاش بعده بالمدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانوا يفتون بمذاهب زيد بن ثابت وما كانوا أخذوا عنه، مما لم يكونوا حفظوا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا.
وقال ابن وهب: حدثني موسى بن عُلَيّ اللخمي عن أبيه أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية
(2)
، فقال: من أراد أن يسأل عن الفرائض فَلْيأتِ زيدَ بن ثابت، ومن أراد أن يسأل عن الفقه فَلْيأتِ معاذ بن جبل، ومن أراد المال فَلْيأتِني
(3)
.
وأما عائشة فكانت مقدَّمةً في العلم بالفرائض والأحكام والحلال والحرام. وكان من الآخذين عنها الذين لا يكادون يتجاوزون قولها،
(1)
"وأصحاب عبد الله بن عباس" ساقط من ع.
(2)
ع: "في الجابية".
(3)
رواه أبو عبيد في "كتاب الأموال"(548)، وسعيد بن منصور (2319)، وابن أبي شيبة في (31686، 33567)، وابن سعد في "الطبقات"(2/ 310)، وابن زنجويه في "كتاب الأموال"(796)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 463)، والطبراني في المعجم الأوسط (3783)، والحاكم في "المستدرك"(3/ 272) وصحّحه. وذكره ابن حجر في "الفتح"(7/ 126) مختصرًا، وقطع بصحّته.
المتفقهين بها: القاسم بن محمد بن أبي بكر ابنُ أخيها، وعروة بن الزبير ابنُ أختها أسماء.
قال مسروق: لقد رأيت مَشْيَخةَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض
(1)
.
[11/ب] وقال عروة بن الزبير: ما جالستُ أحدًا قطُّ كان أعلم بقضاء، ولا بحديث بالجاهلية
(2)
، ولا أروى للشعر، ولا أعلم بفريضة ولا طبٍّ= من عائشة
(3)
.
فصل
ثم صارت الفتوى في أصحاب هؤلاء، كسعيد بن المسيِّب راوية عمر وحامل علمه. قال جعفر بن ربيعة: قلت لعِرَاك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أمَّا أفقههم فقهًا، وأعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وقضايا عمر وقضايا عثمان، وأعلمهم بما مضى عليه الناس= سعيد
(4)
بن المسيِّب. وأما أغزرهم حديثًا فعروة بن الزبير. ولا تشاء أن
(1)
سبق تخريجه.
(2)
كذا في النسخ كلها. وفي المطبوع: "بحديث الجاهلية" دون إشارة إلى ما في النسخ. وفي "الشريعة" للآجري: "بحديث جاهلية". وفي "الحلية": "بحديث العرب".
(3)
رواه الآجري في "كتاب الشريعة"(1899). ويُنظر: "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان (1/ 489)، و"الحلية" لأبي نعيم (2/ 49).
(4)
كذا دون الفاء في جميع النسخ. ومن الشواهد على حذف الفاء في جواب أمَّا: قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري (1555): "أمّا موسى، كأني أنظر إليه
…
"، وقول عائشة رضي الله عنها في البخاري (1638): "وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافًا واحدًا". انظر: "شواهد التوضيح" لابن مالك (ص 198 - طبعة دار البشائر).
تفجِّر من عبيد الله
(1)
بحرًا إلا فجَّرتَه. قال عِرَاك: وأفقههم عندي ابن شهاب، لأنه جمعَ علمهم إلى علمه
(2)
.
وقال الزهري: كنت أطلب العلم من ثلاثة: سعيد بن المسيِّب وكان أفقه الناس، وعروة بن الزبير وكان بحرًا لا تكدِّره الدِّلاء. وكنتَ لا تشاء أن تجد عند عبيد الله طريقةً من علم لا تجدها عند غيره إلا وجدتَ
(3)
.
وقال الأعمش: فقهاء المدينة أربعة
(4)
: سعيد بن المسيِّب، وعروة
(5)
، وقَبيصة، وعبد الملك
(6)
.
(1)
يعني: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وفي ت: "عبد الله"، تصحيف.
(2)
رواه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 471، 622 - 623). ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ"(55/ 361)، وابن عدي في الكامل 1/ 139.
(3)
رواه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 552)، ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ" (40/ 251). وروى بعضَه: يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 471، 475، 551، وأبو زرعة الدمشقي في "التاريخ" (1/ 418)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 366).
(4)
"أربعة" ساقط من ع.
(5)
بعده في ح: "بن الزبير"، مع ضبّة على كلّ من الكلمتين. وفي ت:"عروة بن قبيصة"، وهو خطأ.
(6)
رواه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 354)، وابن أبي خيثمة في "التاريخ"(1939، 1940، 2814 - السِّفر الثالث)، وأبو زرعة الدمشقي في "التاريخ"(1/ 404 - 405)، وعباس الدوري في تاريخه عن ابن معين (1224)، وعبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال"(2836، 2837، 3820)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 396، 7/ 125)، والخطيب في "التاريخ"(12/ 503)، وابن عساكر في "التاريخ"(37/ 120 - 121، 40/ 249، 260 - 261) من رواية الأعمش عن أبي الزناد. ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 174 - 175) بلفظ آخر.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس، [وعبد الله بن عمر]
(1)
، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص؛ صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي. فكان فقيه أهل مكة
(2)
عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل اليمن طاوس، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم، وفقيه أهل البصرة الحسن، وفقيه أهل الشام مكحول، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني؛ إلا المدينة فإنَّ الله خصَّها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة سعيد [12/أ] بن المسيِّب غير مدافع
(3)
.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيِّب قال: مررتُ بعبد الله بن عمر، فسلَّمتُ عليه، ومضيتُ. قال: فالتفتَ إلى أصحابه فقال: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لَسرَّه. فرفع يديه جدًّا، وأشار بيده
(4)
إلى السماء
(5)
.
وكان سعيد بن المسيِّب صهر أبي هريرة، زوَّجَه أبو هريرة ابنتَه، وكان
(1)
من س، ح، ف. وقد زِيد في ح بخط صغير. وهنا موضعه في "أخبار مكة". وفي ت ورد بعد عبد الله بن الزبير، كما في "تاريخ ابن أبي خيثمة" وابن عساكر (40/ 426). ولم يرد في ع وأصل ابن عساكر (60/ 214).
(2)
ت: "وكان
…
المدينة"، خطأ.
(3)
رواه الفاكهي في "أخبار مكة"(1632)، وابن أبي خيثمة في "التاريخ"(1943 ــ السِّفر الثالث)، وابن عساكر في "التاريخ"(40/ 426، 60/ 214).
(4)
"جدًّا وأشار بيده" ساقط من ع.
(5)
يُنظر: "إكمال تهذيب الكمال"(5/ 353).
إذا رآه قال: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة
(1)
.
ولهذا أكثر عنه من الرواية
(2)
.
فصل
(3)
وكان المفتون بالمدينة من التابعين: ابن المسيِّب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وأبو بكر
(4)
بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وهؤلاء هم الفقهاء السبعة
(5)
، وقد نظمهم القائل
(6)
فقال:
(1)
رواه ابن ماجه (4336)، والترمذي (2549)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. أما ابن حبان، فصحّحه (5212)، والصواب أنه منكر، مُعلٌّ، كما بيّنه أحمد كما في "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (1874)، والعقيلي في "الضعفاء"(3/ 511)، والدارقطني في "العلل"(7/ 275 - 276). ويحسُن تأمّل ما في "التاريخ" لابن عساكر (34/ 51 - 57، 444 - 445، 43/ 172، 54/ 65 - 66).
(2)
ت: "عنه الرواية".
(3)
من هذا الفصل إلى فصل المفتين باليمن رجع النقل مع الاختصار من "الإحكام في أصول الأحكام" لابن حزم (5/ 95 - 102). وكان ابن حزم بدأ بالمفتين بمكة، فقدَّم المؤلف عليهم المفتين بالمدينة.
(4)
"أبو بكر" كذا في جميع النسخ. وفي النسخ المطبوعة: "أبا بكر". والسياق في "الإحكام": "خارجة بن زيد بن ثابت. وأخذ عن أبيه أبو بكر بن عبد الرحمن
…
".
(5)
"السبعة" ساقط من ف.
(6)
لم أقف عليه. والبيتان في "منهاج السنة"(4/ 109) وكأنهما مقحمان على الأصل في بعض النسخ، وعجز الأول فيه مختل الوزن. وأورد القرشي في "الجواهر المضيّة" (2/ 147) في ترجمة محمد بن يوسف بن الخضر الحلبي الشهير بقاضي العسكر (ت 614) بيتين من نظمه:
ألا كلُّ من لا يقتدي بأئمة
…
فقسمتُه ضيزى عن الحق خارجه
فخذهم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد أبو بكر سليمان خارجه
إذا قيل: مَن في العلم سبعةُ أبحر
…
روايتُهم ليست عن العلم خارجَه
فقُلْ: هم عبيد الله عروةُ قاسمٌ
…
سعيدٌ أبو بكر سليمانُ خارجَه
وكان من أهل الفتوى: أبان بن عثمان، وسالم، ونافع، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعلي بن الحسين.
وبعد هؤلاء: أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وابناه محمد وعبد الله، وعبد الله بن عمرو
(1)
بن عثمان، وابنه محمد، وعبد الله والحسن
(2)
ابنا محمد ابن الحنفية، وجعفر بن محمد بن علي، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، ومحمد بن المنكدر، ومحمد بن شهاب الزهري ــ وجمع محمد ابن مفرِّج
(3)
فتاويه في ثلاثة
(1)
ع: "عمر"، خطأ.
(2)
ع: "الحسين"، تصحيف.
(3)
س، ت، ع:"نوح"، وكذا في جميع طبعات الكتاب، وهو تصحيف. وفي "الإحكام" (5/ 96):"محمد بن أحمد بن مفرج". وهو القاضي محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرِّج، من أهل قرطبة. يكنى أبا عبد الله. محدِّث الأندلس. ولد سنة 315 وتوفي سنة 380. ذكر ذلك تلميذه ابن الفرضي في "تاريخه" (2/ 122 - 124). وقال الحميدي في "جذوة المقتبس" (ص 61):"وصنّف كتبًا في فقه الحديث وفي فقه التابعين، منها: فقه الحسن البصري في سبع مجلدات، وفقه الزهري في أجزاء كثيرة". ومنه نقله الذهبي في "السير"(16/ 392) وغيره من كتبه. وانظر: "توضيح المشتبه"(7/ 178).
أسفار ضخمة على أبواب الفقه ــ وخلقٌ سوى هؤلاء.
فصل
وكان المفتون بمكة: عطاء بن أبي رباح، وطاوس بن [12/ب] كيسان، ومجاهد بن جَبْر، وعبيد بن عمير، وعمرو بن دينار، وعبد الله بن أبي مُلَيكة، وعبد الرحمن بن سابط، وعكرمة.
ثم بعدهم: أبو الزُّبير المكي، وعبد الله بن خالد بن أَسيد، وعبد الله بن طاوس.
ثم بعدهم: عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج، وسفيان بن عيينة، وكان أكثر فتواه
(1)
في المناسك، وكان يتوقف في الطلاق
(2)
.
وبعدهم: مسلم بن خالد الزَّنجي، وسعيد بن سالم القدّاح.
وبعدهما: الإمام محمد بن إدريس الشافعي، ثم عبد الله بن الزبير الحميدي، وإبراهيم بن محمد الشافعي ابنُ عمِّ محمد، وموسى بن أبي الجارود، وغيرهم.
فصل
وكان من المفتين بالبصرة: عمرو بن سَلِمة الجَرْمي، وأبو مريم الحنفي، وكعب بن سُور، والحسن البصري، وأدرك خمس مائة من
(1)
ع: "فتواهم"، خطأ.
(2)
قال الإمام أحمد في رواية الميموني عنه: "كان سفيان بن عيينة إذا سُئل عن المناسك سهل عليه الجواب فيها، وإذا سُئل عن الطلاق اشتدَّ عليه". انظر: "تهذيب الكمال"(11/ 190).
الصحابة، وقد جمع بعض العلماء فتاويه في سبعة أسفار ضخمة ــ قاله أبو محمد بن حزم
(1)
ــ وأبو الشعثاء جابر بن زيد، ومحمد بن سيرين، وأبو قِلابة عبد الله بن زيد الجَرْمي، ومسلم بن يسَار، وأبو العالية، وحُميد بن عبد الرحمن، ومطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير، وزُرارة بن أبي أوفى، وأبو بُردة بن أبي موسى.
ثم بعدهم: أيوب السَّخْتياني، وسليمان التَّيمي، وعبد الله بن عَون، ويونس بن عبيد، والقاسم بن ربيعة
(2)
، وخالد بن أبي عِمران
(3)
، وأشعث بن عبد الملك الحُمْراني، وقتادة، وحفص بن سليمان، وإياس بن معاوية القاضي.
وبعدهم: سوَّار القاضي، وأبو بكر العَتَكي، وعثمان بن سليمان البَتِّي
(4)
، وطلحة بن إياس القاضي، وعبيد الله بن الحسن العنبري،
(1)
في "الإحكام"(5/ 97). والذي جمع فتاوى الحسن البصري هو القاضي محمد بن أحمد بن مفرِّج القرطبي. وقد سمَّاه ابن حزم في الفصل السابق، فلا أدري لماذا أبهم اسمه هنا.
(2)
ت: "أبي ربيعة"، خطأ.
(3)
ليس من أهل البصرة. هو تونسي، وكان قاضي أفريقية. نبَّه على ذلك الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "الإحكام"(5/ 98). انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء"(5/ 378) وغيره.
(4)
ت: "سلمان". وفي ع: "التيمي"، وكلاهما تصحيف. وقد غيَّره الشيخ أحمد شاكر في متن "الإحكام"(5/ 98) إلى "عثمان بن مسلم البتّي"، وقال في تعليقه:"في الأصل: "سليمان"، وهو خطأ". قلت: ليس خطأ، بل هو الأشهر عند المتقدمين. فكذا سمّاه ابن قتيبة في "المعارف" (ص 596) وابن حبان في "الثقات" (5/ 158) والدولابي في "الكنى" (2/ 777). وفي "توضيح المشتبه" (1/ 340):"وبه جزم أبو داود السجستاني". ونقل في "تهذيب الكمال"(19/ 493) عن ابن سعد أنه ابن مسلم بن جرموز. قال مغلطاي في "إكمال التهذيب"(9/ 185): وفيه نظر، "لأن الذي في غير ما نسخة من "الطبقات" هو ابن سليمان بن جرموز". قلت: وكذا في مطبوعة "الطبقات"(9/ 256). وذكر مغلطاي أيضًا أنه كذا سمّاه يعقوب بن سفيان الفسوي والطبري والحاكم.
وأشعث بن جابر بن زيد
(1)
.
ثم بعد هؤلاء: عبد الوهاب بن عبد المجيد
(2)
الثقفي، [13/أ] وسعيد بن أبي عَروبة، وحمَّاد بن سلمة، وحمَّاد بن زيد، وعبد الله بن داود الخُرَيبي، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وبِشْر بن المفضّل، ومعاذ بن معاذ العنبري، ومَعْمَر بن راشد، والضحاك بن مَخْلَد، ومحمد بن عبد الله الأنصاري.
فصل
وكان من المفتين بالكوفة: علقمة بن قيس النَّخَعي، والأسود بن يزيد النخعي وهو عمُّ علقمة، وعمرو بن شُرَحبيل الهَمْداني، ومسروق بن الأجدع الهَمْداني، وعبَيِدة السَّلماني، وشُريح بن الحارث القاضي، وسليمان بن ربيعة الباهلي، وزيد بن صُوحان، وسُوَيد بن غَفَلة، والحارث بن قيس الجُعْفي، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وعبد الله بن عتبة بن مسعود القاضي، وخَيثمة بن عبد الرحمن، وسَلَمة بن صهيب،
(1)
"بن زيد" كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة وأصل كتاب "الإحكام" ورسالة "أصحاب الفتيا"، ولعله سهو من أجل التباسه بأبي الشعثاء جابر بن زيد. وقد حذف الشيخ أحمد شاكر "بن زيد" في نشرته لكتاب "الإحكام".
(2)
ت، ع:"عبد الحميد"، خطأ.
ومالك بن عامر، وعبد الله بن سَخْبرة، وزِرّ بن حُبيش، وخِلاس بن عمرو، وعمرو بن ميمون الأَوْدي، وهمَّام بن الحارث، والحارث بن سُويد، ويزيد بن معاوية النخعي، والرَّبيع بن خُثَيم، وعُتبة بن فَرقد، وصِلَة بن زُفَر، وشَريك بن حنبل، وأبو وائل شَقيق بن سَلَمة، وعبيد بن نَضْلة. وهؤلاء أصحاب علي وابن مسعود.
وأكابر التابعين كانوا يفتون في الدين
(1)
، ويستفتيهم الناس، وأكابر الصحابة حاضرون يجوِّزون لهم ذلك. وأكثرهم أخذ
(2)
عن عمر وعائشة وعلي. ولقي عمرو
(3)
بن ميمون الأَوْدي معاذَ بن جبل، وصحبه، وأخذ عنه. وأوصاه معاذ عند موته أن يلحق بابن مسعود
(4)
، فيصحبه، ويطلب العلم عنده
(5)
، ففعل ذلك.
ويضاف إلى هؤلاء: أبو عبيدة وعبد الرحمن ابنا عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأخذ عن مائة وعشرين من [13/ب] الصحابة؛ ومَيْسَرة، وزاذان، والضحاك.
ثم بعدهم: إبراهيم النخعي، وعامر الشعبي، وسعيد بن جبير، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وأبو بكر بن أبي موسى،
(1)
"في الدين" ساقط من ع.
(2)
ع: "أخذوا".
(3)
ح، ف:"عمر"، خطأ. وقد سبق آنفًا على الصواب.
(4)
ع: "ابن مسعود".
(5)
رواه أبو زرعة الدمشقي في "التاريخ"(1/ 648)، ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ"(21/ 423، 46/ 410).
ومحارب بن دِثار، والحَكَم بن عُتَيبة، وجَبَلة بن سُحَيم وصحِبَ ابن عمر.
ثم بعدهم: حماد بن أبي سليمان، ومنصور
(1)
بن المعتمر، وسليمان الأعمش، ومِسْعر بن كِدَام.
ثم بعدهم: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الله بن شُبْرُمة، وسعيد بن أشوَع، وشَريك القاضي، والقاسم بن معن، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة، والحسن بن صالح بن حَيّ.
ثم بعدهم: حفص بن غياث، ووكيع بن الجراح. وأصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف القاضي، وزُفَر بن الهذيل، وحماد بن أبي حنيفة
(2)
، والحسن بن زياد اللؤلؤي القاضي، ومحمد بن الحسن قاضي الرَّقَّة، وعافية
(3)
القاضي، وأسد بن عمرو، ونوح بن درَّاج القاضي. وأصحاب سفيان الثوري كالأشجعي والمعافى بن عمران، وصاحِبَي
(4)
الحسن بن حَيّ: حُميد الرُّؤاسي
(5)
، ويحيى بن آدم.
فصل
وكان من المفتين بالشام أبو إدريس الخَولاني، وشُرَحبيل بن السِّمط، وعبد الله بن أبي زكريا الخُزاعي، وقَبيصة بن ذؤيب الخزاعي،
(1)
ع: "سليمان".
(2)
زاد بعده في المطبوع بين حاصرتين: "والجراح" من بعض النسخ. ولم يرد في "الإحكام"، والظاهر أنه من خطأ النساخ.
(3)
ت: "عاقبة"، تصحيف.
(4)
كذا في النسخ الخطية والمطبوعة و"الإحكام". ومقتضى السياق: "وصاحبا" بالرفع.
(5)
ع: "حيّ الرولي"، فسقط "حميد" وتصحّف "الرؤاسي".
وجُنادة
(1)
بن أبي أمية، وسليمان بن حبيب المحاربي، والحارث بن عَمِيرة الزَّبِيدي
(2)
، وخالد بن مَعدان، وعبد الرحمن بن غَنْم الأشعري، وجُبَير بن نُفَير.
ثم كان بعدهم: عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، ورجاء بن [14/أ] حَيْوَة، وكان عبد الملك بن مروان يُعَدُّ في المفتين قبل أن يلي ما ولي، وحُدَير بن كُرَيب.
ثم كان بعدهم: يحيى بن حمزة القاضي، وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وإسماعيل بن أبي المهاجر، وسليمان بن موسى الأموي، وسعيد بن عبد العزيز، ثم مَخْلَد بن الحسين، والوليد بن مسلم، و [أبو] العباس بن مَزْيَد
(3)
صاحب
(4)
الأوزاعي، وشعيب بن إسحاق صاحب أبي
(1)
في النسخ الخطية: "حبان"، وهو تصحيف ما أثبت من "الإحكام"، ورسالة "أصحاب الفتيا". واسم أبيه: كبير، وهو دوسي مخضرم، وقد أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم. من كبار التابعين، مات بالشام سنة 67. وهو غير الصحابي جنادة بن أبي أمية الأزدي. انظر:"الإصابة"(2/ 295).
(2)
كذا ضُبط "عَمِيرة" في ح، وهو الصواب. وضبط في المطبوع بضم العين وفتح الميم. ونصَّ في "الإصابة"(3/ 17) على ضبط "الزبيدي" بفتح الزاي. وفي "توضيح المشتبه"(4/ 272) أنه أخو يزيد بن عميرة الزبيدي، وذكرهما من الزُّبَيديين بضم الزاي.
(3)
ح، ت، ف:"مرثد". وضبط في س بضم الميم مع إهمال الراء. وفي ع: "يزيد"، وكذا في "الإحكام"(5/ 101) ورسالة "أصحاب الفتيا"(ص 332). وكل أولئك تصحيف، والصواب ما أثبت. فهو أبو العباس الوليد بن مزيد العذري، مات سنة 203. ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (9/ 419). وانظر:"توضيح المشتبه"(1/ 677).
(4)
كذا بالإفراد في النسخ الخطية والمطبوعة و"الإحكام". وفي الرسالة كتب بعد "الوليد بن مسلم" أيضًا: "صاحب الأوزاعي"، فالوليدان صاحباه. فكان الأولى هنا أن يقال:"صاحبا الأوزاعي". قال النسائي: "الوليد بن مزيد أحبُّ إلينا في الأوزاعي من الوليد بن مسلم، لا يخطئ ولا يدلس". انظر: "توضيح المشتبه"(8/ 119).
حنيفة، وأبو إسحاق الفزاري صاحب ابن المبارك.
فصل
في المفتين من أهل مصر: يزيد بن أبي حبيب، وبُكَير بن عبد الله بن الأشَجّ.
وبعدهما عمرو بن الحارث ــ وقال ابن وهب: لو عاش لنا عمرو بن الحارث ما احتجنا معه إلى مالك ولا إلى غيره
(1)
ــ والليث بن سعد، وعبيد الله بن أبي جعفر.
وبعدهم: أصحاب مالك، كعبد الله بن وهب، وعثمان بن كنانة، وأشهب، وابن القاسم على غلبة تقليده لمالك إلا في الأقل.
ثم أصحاب الشافعي، كالمُزَني، والبُوَيطي، وابن عبد الحكم.
ثم غلب عليهم تقليد مالك وتقليد الشافعي، إلا قومًا قليلًا لهم اختيارات، كمحمد بن علي بن يوسف
(2)
، وأبي جعفر الطحاوي.
(1)
رواه أحمد بن علي الأبّار في تاريخه ــ ومن طريقه ابن عساكر في "التاريخ"(45/ 463) ــ، وأبو محمد ابن النحاس في الجزء التاسع من أماليه (29).
(2)
كذا في النسخ و"الإحكام"(5/ 102). وقال ابن حزم فيه (6/ 143): "خالف محمد بن علي بن يوسف المزنيَّ في كثير". وهذا يدلُّ على أنه من أصحاب المزني. وفي رسالة "أصحاب الفتيا"(ص 333): "محمد بن علي بن يوسف النسائي". وذكره مع محمد بن عُقيل الفِريابي من المائلين إلى قول الشافعي. قلت: محمد بن عقيل معروف، ولكن محمد بن علي بن يوسف لم أجد له ترجمة. أما ما ذهب إليه محقق المطبوع (1/ 47) من احتمال أن يكون المراد محمد بن علي بن وهب الشهير بـ "ابن دقيق العيد" فما أبعده! ألم ير أن ابن حزم الذي نقل ابن القيم من كتابه توفي سنة 456، فكيف يذكر ابن دقيق العيد الذي ولد سنة 625 بعد وفاة ابن حزم بأكثر من قرن ونصف قرن!
وكان بالقيروان سَحْنون بن سعيد، وله يسير
(1)
من الاختيار؛ وسعيد بن محمد الحداد.
وكان بالأندلس ممن له شيء من الاختيار يحيى بن يحيى، وعبد الملك بن حبيب، وبقيّ بن مَخْلَد، وقاسم بن محمد صاحب الوثائق، يُحفظ لهم فتاوٍ يسيرة، وكذلك مسلمة
(2)
بن عبد العزيز القاضي، ومنذر بن سعيد.
قال أبو محمد
(3)
: وممن أدركنا من أهل العلم على الصفة التي من بلغها استحقَّ الاعتدادَ به [14/ب] في الاختلاف: مسعود بن سليمان
(4)
،
(1)
ع: "كثير". وكذا في "الإحكام"(5/ 102).
(2)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة، ولا أدري كيف وقع هذا، والصواب:"أسلم" كما في "الإحكام"(5/ 102). وهو الإمام الفقيه الحافظ قاضي القضاة بالأندلس أسلم بن عبد العزيز بن هاشم القرطبي المتوفى سنة 319. انظر ترجمته في "تاريخ ابن الفرضي" (1/ 141) و"جذوة المقتبس" (ص 245) و"السير" للذهبي (14/ 549).
(3)
يعني ابن حزم في "الإحكام"(5/ 102) والكلام متصل بما سبق.
(4)
ابن مُفْلِت أبو الخِيار، من شيوخ ابن حزم. توفي سنة 426. انظر ترجمته في "الصلة" لابن بشكوال (2/ 257).
ويوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر.
فصل
وكان باليمن مطرِّف بن مازن قاضي صنعاء، وعبد الرزاق بن همّام، وهشام بن يوسف، ومحمد بن ثور، وسِمَاك بن الفضل
(1)
.
فصل
وكان بمدينة السلام من المفتين خلق كثير. ولمّا بناها المنصور أقدَمَ إليها من الأئمة والفقهاء والمحدثين بشرًا كثيرًا، فكان
(2)
من أعيان المفتين بها أبو عبيد القاسم بن سلام، وكان جبلًا نُفِخ فيه الروحُ علمًا وجلالةً ونبلًا وأدبًا. وكان منهم أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي صاحب الشافعي، وكان قد جالس الشافعي وأخذ عنه. وكان أحمد يعظِّمه ويقول: هو في مِسْلاخ الثوري
(3)
.
وكان بها إمام أهل السنّة على الإطلاق أحمد بن حنبل الذي ملأ الأرض علمًا وحديثًا وسنّةً، حتى إن أئمة الحديث والسنّة بعده هم أتباعه إلى يوم القيامة. وكان رضي الله عنه شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحبُّ تجريد الحديث، ويكره أن يُكتَب كلامُه، ويشتدُّ عليه جدًّا
(4)
، فعلِم الله
(1)
هنا انتهى النقل من كتاب "الإحكام" لابن حزم.
(2)
ت: "وكان".
(3)
رواه الخطيب في "التاريخ"(6/ 576). و"المسلاخ": الجِلد. يعني أنه نظير الثوري في علمه وفضله وسمته.
(4)
انظر: "مناقب الإمام أحمد"(1/ 261 - 265).
حسن نيته وقصده، فكُتِب من كلامه وفتاواه
(1)
أكثر من ثلاثين سِفْرًا، ومنَّ الله سبحانه علينا بأكثرها فلم يفُتْنا منها إلا القليل. وجمع الخلَّال نصوصه في "الجامع الكبير"، فبلغ نحو عشرين سِفْرًا أو أكثر
(2)
. ورُويت فتاويه ومسائله وحُدِّث بها قرنًا بعدَ قرنٍ فصارت إمامًا وقدوةً لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم، حتى إنَّ المخالفين لمذهبه بالاجتهاد والمقلِّدين لغيره لَيُعظِّمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقَّها [15/أ] وقربَها من النصوص وفتاوى الصحابة. ومن تأمَّل فتاواه وفتاوى الصحابة رأى مطابقةَ كلٍّ منهما للأخرى، ورأى الجميعَ كأنها تخرج من مشكاة واحدة، حتَّى إنَّ الصحابة إذا اختلفوا على قولين جاء عنه في المسألة روايتان.
وكان تحرِّيه لفتاوى الصحابة كتحرِّي أصحابه لفتاويه ونصوصه، بل أعظم، حتَّى إنَّه لَيُقدِّم فتاواهم على الحديث المرسل. قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في "مسائله"
(3)
: قلتُ لأبي عبد الله: حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلٌ برجالٍ ثَبَتٍ أحبُّ إليك أو حديثٌ عن الصحابة والتابعين متصلٌ برجال ثَبَت؟ قال أبو عبد الله رحمه الله: عن الصحابة أعجَبُ إليَّ.
وكانت فتاويه مبنية على خمسة أصول:
أحدها: النصوص. فإذا وجد النص أفتى
(4)
بموجبه، ولم يلتفت إلى ما
(1)
ع: "وفتواه"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(2)
في "سير أعلام النبلاء"(14/ 297) أيضًا: "يكون عشرين مجلدًا". وقد ذكر ابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد"(2/ 682) أنه "نحو من مائتي جزء"، ولا تعارض بين القولين.
(3)
(2/ 165).
(4)
ت: "أفتى به". و"به" مقحمة.
خالفه ولا من خالفه
(1)
كائنًا مَن كان. ولهذا لم يلتفت إلى خلاف عمر في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس
(2)
، ولا إلى خلافه في التيمُّم للجنب لحديث عمار بن ياسر
(3)
، ولا خلافه في استدامة المحرِم الطيبَ الذي تطيَّبَ به قبل إحرامه
(4)
لصحة حديث عائشة
(5)
في ذلك، ولا خلافه في منع المفرِد والقارن من الفسخ إلى التمتُّع، لصحة أحاديث الفسخ
(6)
.
وكذلك لم يلتفت إلى قول علي وعثمان وطلحة وأبي أيوب وأُبي بن كعب في ترك الغسل من الإكسال
(7)
لصحة حديث عائشة أنها فعلته هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلا
(8)
.
ولم يلتفت إلى قول ابن عباس
(9)
وإحدى الروايتين عن [15/ب]
(1)
"ولا من خالفه" ساقط من ت.
(2)
أخرجه مسلم (1480). وانظر: "زاد المعاد"(5/ 466 - 482).
(3)
أخرجه البخاري (338) ومسلم (368).
(4)
رواه مالك (1180، 1181)، وابن أبي شيبة (13674، 13675)، وأحمد (26759).
(5)
أخرجه البخاري (271) ومسلم (1190). وانظر: "زاد المعاد"(2/ 278).
(6)
وانظر ما يأتي في فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب و"زاد المعاد"(2/ 177 - 223)، و"تهذيب السنن"(1/ 293 - 309) وفيه تفصيل الأحاديث المروية في الفسخ وتخريجها.
(7)
انظر ما أخرجه البخاري (179، 292، 293) ومسلم (347).
(8)
أخرجه مسلم (350).
(9)
أخرجه البخاري (4909) ومسلم (1485).
علي
(1)
أنّ عِدَّة المتوفَّى عنها الحامل أقصى الأجلين، لصحة حديث سُبيَعة الأسلمية
(2)
.
ولم يلتفت إلى قول معاذ
(3)
ومعاوية
(4)
في توريث المسلم من الكافر، لصحة الحديث المانع من التوارث بينهما
(5)
.
ولم يلتفت إلى قول ابن عباس في الصَّرْف، لصحة الحديث بخلافه
(6)
، ولا إلى قوله بإباحة لحوم الحُمُر كذلك
(7)
.
وهذا كثير جدًّا.
ولم يكن يُقدِّم على الحديث الصحيح عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا، ولا قولَ صاحب، ولا عدمَ علمِه بالمخالف، الذي يسمِّيه كثير من الناس إجماعًا
(1)
رواه عبد الرزاق (11714)، وسعيد بن منصور (1516، 1517، 1519)، وابن أبي شيبة (17381، 17385، 17386).
(2)
أخرجه البخاري (3991، 5319) ومسلم (1484). وانظر: "زاد المعاد"(5/ 528 - 532).
(3)
رواه الطيالسي (569) ، وابن أبي شيبة (32101)، وأحمد (22005). وصححه الحاكم (4/ 345).
ووازِن بـ"السنن" لأبي داود (2912، 2913)، و"العلل" للدارقطني (6/ 87 - 88)، و"الأباطيل" للجورقاني (549 - 551).
(4)
رواه سعيد بن منصور (145، 146، 147)، وابن أبي شيبة (32092، 32102).
(5)
أخرجه البخاري (1588، 6764) ومسلم (1614) من حديث أسامة بن زيد.
(6)
انظر حديث أبي سعيد في "صحيح مسلم"(1594) وسؤال أبي نضرة ابن عمر وابن عباس عن الصرف ثم سؤاله أبا سعيد.
(7)
انظر: "صحيح البخاري"(5529).
ويقدِّمونه على الحديث الصحيح. وقد كذَّب أحمد
(1)
من ادَّعى هذا الإجماع، ولم يُسوِّغ
(2)
تقديمه على الحديث الثابت. وكذلك الشافعي أيضًا نصَّ في "رسالته الجديدة" على أنَّ ما لا يُعلَم فيه خلافٌ لا يقال له "إجماع"، ولفظه:"ما لا يُعلَم فيه خلافٌ فليس إجماعًا"
(3)
.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل
(4)
: سمعت أبي يقول: "ما يدَّعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب. من ادَّعى الإجماع فهو كاذب. لعل الناس اختلفوا، ما يَدريه، ولم ينتهِ إليه؟ فليقل: لا نعلم الناس اختلفوا. هذه دعوى بِشْر المَرِيسي والأصمّ
(5)
. ولكن يقول: لا نعلم الناس اختلفوا، أو لم يبلغني
(1)
ت: "الإمام أحمد".
(2)
ع: "يسغ"، وكذا في النسخ المطبوعة.
(3)
نقل هذا اللفظ ابن حزم في "الإحكام"(4/ 188). قال: "وهذا الشافعي يقول في رسالته المصرية
…
". وهي الرسالة الجديدة التي أحال عليها ابن القيم، وقد وصلت إلينا، ولكن لا يوجد هذا النصّ في المطبوعة بتحقيق الشيخ أحمد شاكر. وقد نقله المؤلف في "كتاب الصلاة" له (ص 174) عن "الرسالة" دون وصفها بالجديدة. وفي "مختصر الصواعق" (4/ 1636): "قال الشافعي في رواية الربيع عنه
…
". وفيه "نزاع" مكان "خلاف".
(4)
في "مسائله"(ص 438 - 439). والنصّ هنا أقوَم. وقد نقله المؤلف في "كتاب الصلاة"(ص 171) و"الصواعق" أيضًا. انظر "مختصره"(4/ 1635)، ولكن مصدره فيهما "العُدَّة" لأبي يعلى (4/ 1060) أو "المسودة"(ص 315).
(5)
هو أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصمّ، صاحب تفسير. من طبقة أبي الهذيل العلّاف، وله معه مناظرات. توفي سنة 200 أو 201. انظر:"الفهرست"(1/ 594) و"طبقات المعتزلة" لابن المرتضى (ص 56 - 57).
ذلك"، هذا لفظه
(1)
.
ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلُّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يُقدِّموا عليها توهُّمَ إجماعٍ
(2)
مضمونُه عدمُ العلم بالمخالف. ولو ساغ هذا لتعطلَّت النصوص، وساغ لكلِّ من لم يعلم مخالفًا في حكم مسألة أن يُقدِّم جهلَه بالمخالف على النصوص. فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده
(3)
.
فصل
الأصل الثاني من أصل فتاوى الإمام [16/أ] أحمد: ما أفتى به الصحابة، فإنه إذا وجد لبعضهم فتوى لا يُعرَف له مخالفٌ منهم فيها لم يَعْدُها إلى غيرها. ولم يقل: إنَّ ذلك إجماع، بل من ورعه في العبارة يقول: لا أعلم شيئًا يدفعه، أو نحو هذا، كما قال في رواية أبي طالب
(4)
: لا أعلم شيئًا يدفع قولَ ابن عباس
(5)
وابن عمر
(6)
وأحد عشر من التابعين عطاء ومجاهد وأهل
(1)
وانظر كلام الإمام أحمد في الردِّ على مدعي الإجماع برواية أصحابه الآخرين كالمرُّوذي وأبي طالب وغيرهما في "كتاب الصلاة"(171 - 172) و"مختصر الصواعق"(4/ 1635 - 1636).
(2)
في المطبوع: "ما تُوُهِّم إجماعًا".
(3)
وانظر المصدرين المذكورين آنفًا.
(4)
ذكرها الزركشي في "شرح الخرقي"(5/ 132) وابن مفلح في "المبدع"(7/ 179) بلفظ مختلف. وانظر: "المغني"(9/ 474).
(5)
يُنظر: "السنن الكبير"(7/ 152)، و"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (5/ 272).
(6)
رواه البيهقي في "السنن الكبير"(7/ 152)، ويُنظر:"معرفة السنن والآثار"(5/ 271 - 272)، و"التمهيد" لابن عبد البر (13/ 296).
المدينة على تسرِّي العبد
(1)
. وهكذا قال أنس بن مالك: لا أعلم أحدًا ردَّ شهادةَ العبد
(2)
، حكاه عنه الإمام أحمد
(3)
. وإذا وجد الإمام أحمد هذا النوع عن الصحابة لم يقدِّم عليه عملًا ولا رأيًا ولا قياسًا.
فصل
الأصل الثالث من أصوله: إذا اختلف الصحابة تخيَّر من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنّة، ولم يخرُج عن أقوالهم. فإن لم يتبيَّن له موافقة أحد الأقوال حكى الخلاف فيها ولم يجزِم بقول.
قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ في "مسائله"
(4)
: قيل لأبي عبد الله: يكون الرجل في قريةٍ فيُسأل عن الشيء فيه اختلاف. قال: يفتي بما وافق الكتاب والسنة، وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه. قيل له: أفتخاف عليه؟ قال: لا.
فصل
الأصل الرابع: الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف، إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وهو الذي رجَّحه على القياس
(5)
. وليس المراد
(1)
ع: "قبول شهادة العبد"، وكذا في المطبوع. وهو غلط.
(2)
نقله ابن المنذر في "الإشراف"(4/ 273). وعنه البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(7/ 393).
(3)
وانظر: "الصواعق المرسلة"(2/ 583).
(4)
(2/ 167).
(5)
ذكر هذا الأصل أيضًا في "الفروسية المحمدية"(ص 202 - 203).
بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر، ولا ما في رُواته متَّهَم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه والعمل به. بل الحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسمٌ من أقسام الحسن. [16/ب] ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف، والضعيفُ
(1)
عنده مراتب
(2)
. فإذا لم يجد في الباب
(3)
أثرًا يدفعه ولا قولَ صاحب، ولا إجماعَ على خلافه كان العملُ به عنده أولى من القياس. وليس أحد من الأئمة إلّا وهو موافقُه على هذا الأصل من حيث الجملة، فإنه ما منهم أحدٌ إلّا وقد قدَّم الحديثَ الضعيفَ على القياس.
فقدَّم أبو حنيفة حديث القهقهة في الصلاة
(4)
على محض القياس، وأجمع أهل الحديث على ضعفه. وقدَّم حديثَ الوضوء بنبيذ التمر
(5)
على
(1)
ع: "وللضعيف".
(2)
وانظر: "الفروسية المحمدية"(ص 203) و"منهاج السنة"(4/ 341 - 342)، و"مجموع الفتاوى"(18/ 23 - 25).
(3)
س، ت، ع:"الكتاب"، وكذا كان في ح، ثم صُحِّح في الحاشية.
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل"(4/ 101، 102)، والدارقطني في "السنن"(1/ 164)، وللحديث طرق كثيرة جدا، لا يصح منها شيءٌ. ويُنظر:"الكامل" لابن عدي (4/ 99 - 105)، و"السنن" للدارقطني (1/ 295 - 315)، و"السنن الكبير" للبيهقي (1/ 225 - 228)، و"تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 296 - 307)، و"نصب الراية" للزيلعي (1/ 47 - 54)، و"البدر المنير" لابن النحوي (2/ 402 - 406).
(5)
رواه أبو داود (84)، والترمذي (88)، وضعّفه.
قال ابن حجر في "الفتح"(1/ 354): "وهذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه". ويُنظر: "العلل" لابن أبي حاتم (14، 99)، و"العلل" للدارقطني (5/ 343 - 347)، و"السنن الكبير" للبيهقي (1/ 14 - 18)، والأباطيل للجورقاني "1/ 498 - 502)، وتعليقة ابن أبي حاتم على العلل (ص 29 - 36).
القياس، وأكثرُ أهل الحديث يضعِّفه. وقدَّم حديثَ "أكثر الحيض عشرة أيام"
(1)
ــ وهو ضعيف باتفاقهم ــ على محض القياس؛ فإنَّ الدَّم الذي تراه في اليوم الحادي عشر
(2)
مساوٍ في الحدِّ والحقيقة والصفة لدم اليوم العاشر. وقدَّم حديث "لا مهر أقل من عشرة دراهم"
(3)
ــ وأجمعوا على ضعفه، بل بطلانه ــ على محض القياس، فإنَّ بذلَ الصداق معاوضة في مقابلة بذلِ البضع، فما تراضيا عليه جاز قليلًا كان أو كثيرًا
(4)
.
(1)
رواه الطبراني في "الكبير"(7586)، وفي "الأوسط"(599)، وفي "مسند الشاميين"(1515، 3429)، وابن حبان في "معرفة المجروحين"(2/ 182)، وابن عدي في "الكامل"(3/ 255)، والدارقطني (847)، وضعّفه.
ويُنظر: "السنن" للدارقطني (1/ 406 - 407)، و"تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 408 - 413)، و"نصب الراية" للزيلعي (1/ 191 - 192)، و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" للألباني (1414).
(2)
س، ت، ع:"الثالث عشر". وكذا كتب في ح، ولكن صحح في الهامش مع علامة "صح".
(3)
رواه أبو يعلى (2094)، والعقيلي (6/ 100)، وابن حبان في "معرفة المجروحين"(3/ 31)، والطبراني في "الأوسط"(3)، وابن عدي في "الكامل"(8/ 162) وحكم ببطلانه، والدارقطني في "السنن"(3601، 3602)، وقال:"مبشّر بن عبيد متروك الحديث، أحاديثه لا يُتابَع عليها". ومن طريقه رواه البيهقي (7/ 133)، وقال:"حديث ضعيف بمرّة". ورواه أيضًا من طريق ابن خزيمة الذي تبرّأ من عهدة مبشّر. ورواه البيهقي أيضًا (7/ 240)، ونقل إعلال الحافظ أبي علي النيسابوري إياه بمبشّر.
(4)
سيأتي الكلام على بعض هذه الأحاديث ومناقشة الحنفية.
وقدَّم الشافعيُّ خبر تحريم صيد وَجٍّ
(1)
، مع ضعفه على القياس. وقدَّم خبرَ جواز الصلاة بمكة في وقت النهي
(2)
، مع ضعفه ومخالفته لقياس غيرها من البلاد. وقدَّم في أحد قوليه حديثَ "من قاء أو رعَف فليتوضَّأ، وَلْيَبْنِ على صلاته"
(3)
على القياس، مع ضعف الخبر وإرساله.
وأما مالك فإنه يقدِّم الحديثَ المرسل والمنقطع والبلاغات وقولَ الصحابي على القياس.
فإذا لم يكن عند الإمام أحمد في المسألة نصٌّ، ولا قول [17/أ] الصحابة أو واحد منهم، ولا أثر مرسل أو ضعيف= عدَلَ إلى الأصل الخامس، وهو القياس، فاستعمله للضرورة.
وقد قال في "كتاب الخلال": سألتُ الشافعيَّ عن القياس، فقال: إنما
(4)
(1)
رواه أبو داود (2032). ويُنظر: "العلل" للدارقطني (2/ 150 - 151)، و"زاد المعاد"(3/ 444).
(2)
رواه أحمد (21462)، وابن خزيمة (2748) ــ وشكّك في اتصاله ــ، والطبراني في "الأوسط"(847)، وابن عدي في "الكامل"(5/ 224، 9/ 187)، والدارقطني (1571، 2636)، والبيهقي في "السنن الكبير"(2/ 461، 462)، من حديث أبي ذر مرفوعا، وسنده ضعيف منقطع. ويُنظَر:"تنقيح التحقيق"(2/ 371 - 374)، و"البدر المنير"(3/ 273 - 278).
(3)
رواه ابن ماجه (1221) بسند منكر مُعلّ، ولا يصح الحديث من جميع طرقه. ويُنظر:"السنن"(563 - 573)، و"العلل"(14/ 361)، كلاهما للدارقطني، و"الإمام" لابن دقيق العيد (2/ 343 - 346، 354 - 358).
(4)
"إنما" ساقط من ت.
يُصار إليه عند الضرورة
(1)
، أو ما هذا معناه.
[وقال في رواية أبي الحارث: ما نصنع بالرأي والقياس، وفي الحديث ما يغنيك؟ وقال في رواية عبد الملك الميموني: يجتنب المتكلم في الفقه هذين الأصلين: المجمل والقياس
(2)
]
(3)
.
فهذه الأصول الخمسة من أصول فتاويه، وعليها مدارها. وقد يتوقَّف في الفتوى لتعارُض الأدلّة عنده، أو لاختلاف الصحابة فيها، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحدٍ من الصحابة والتابعين. وكان شديد الكراهة والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، كما قال لبعض أصحابه
(4)
: إياك أن تتكلَّم في مسألةٍ ليس لك فيها إمام.
وكان يسوِّغ استفتاءَ فقهاء الحديث وأصحاب مالك، ويدلُّ عليهم؛ ويمنع من استفتاء من يُعرض عن الحديث، ولا يبني مذهبه عليه؛ ولا يسوِّغ العمل بفتواه.
قال ابن هانئ
(5)
: سألتُ أبا عبد الله عن الذي جاء في الحديث:
(1)
سيذكره المؤلف مرة ثانية، وثالثة عن "المدخل" (ص 204) للبيهقي الذي نقله من رواية الميموني. وانظر:"العدة"(4/ 1336) و"رسالة الشافعي"(ص 599).
(2)
انظر الروايتين في "المسودة"(ص 367).
(3)
ما بين الحاصرتين ورد في حاشية ح مع علامة اللحق في المتن و"صح" في آخر الزيادة ولكنه ليس بخط الناسخ. ولم يرد في س، ت، ع. نعم في ف جاءت الزيادة في المتن، ووُضعت بعد "عند الضرورة".
(4)
وهو الميموني. انظر: "المسودة"(543) و"مجموع الفتاوى"(10/ 321) و (21/ 291). وسينقله المؤلف مرة أخرى في هذا الكتاب.
(5)
في "مسائله"(2/ 165 - 166). وسيذكره المؤلف مرة أخرى.
"أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"
(1)
. قال أبو عبد الله رحمه الله: يفتي بما لم يسمع.
قال
(2)
: وسألتُه عمَّن "أَفْتى بفتيا يَعْيا فيها، فإثمُها على من أفتاها"
(3)
، على أي وجه يُفتي حتى يعيا
(4)
فيها؟ قال: يفتي بالبَخْت
(5)
، لا يدري أيشٍ أصلُها
(6)
.
(1)
رواه الدارمي (159) من حديث عبيد الله بن أبي جعفر معضلًا، وعبيد الله هذا من أتباع التابعين.
(2)
في "مسائله"(2/ 165) أيضًا.
(3)
هذا أثر ابن عباس. أخرجه الدارمي (162) والبيهقي في "المدخل"(186) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1626، 1627، 1892، 1898). ويشبهه حديث أبي هريرة في "سنن ابن ماجه"(53): "من أُفتِيَ بفتيا غير ثبَت فإنما إثمه على من أفتاه".
وقد ضُبِط لفظ "أفتى" في ح بالبناء للمجهول، كما في حديث أبي هريرة، ولكن السياق هنا يقتضي البناء للمعلوم. ولفظ "يَعْيا" كذا رسم بالألف في النسخ ما عدا ع، وضبط في س بضم أوله. وفي المصادر المذكورة:"يعمى فيها" أو "يعمى عنها". وفي "سنن الدارمي" ضبط بضم أوله وفتح الميم المشددة، وفي "المدخل" بضم أوله. وفي "مسائل ابن هانئ""يعمل"، وكأنه تحريف "يعمى"، ولكن لما أعاد الكلمة في السؤال رسمت "يعيا" بإهمال أوله. والكلمتان بمعنًى. وفي "اللسان" (20/ 111 - 112):"والرجل يتكلَّف عملًا، فيعيا به وعنه إذا لم يهتدِ لوجه عمله".
(4)
ح: "يفتي" وكذا في ت بإهمال أحرفه. وفي ع: "يعنى"، وكلاهما تصحيف.
(5)
يعني: بما يتفق له دون علم وتبصُّر. وفي ع والنسخ المطبوعة: "بالبحث"، تصحيف.
(6)
قارن النصَّ بما في المطبوع. والظاهر أن الناشرين تصرفوا فيه لإصلاحه.
وقال أبو داود في "مسائله"
(1)
: ما أحصي ما سمعتُ أحمدَ سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم، فيقول: لا أدري.
قال
(2)
: وسمعتُه يقول: ما رأيتُ مثلَ ابن عيينة في الفتوى أحسنَ فُتيا منه، كان أهون عليه أن يقول: لا أدري.
وقال عبد الله بن أحمد في "مسائله"
(3)
: سمعتُ أبي يقول: قال عبد الرحمن بن مهدي: سأل رجلٌ من أهل الغرب مالكَ بن أنس عن مسألة فقال: لا أدري. [17/ب] فقال: يا أبا عبد الله تقول: لا أدري؟ قال: نعم، فأَبلِغْ مَن وراءك أنِّي لا أدري.
وقال عبد الله
(4)
: كنت أسمع أبي كثيرًا يُسأل عن المسائل، فيقول: لا أدري؛ ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف. وكثيرًا ما كان يقول: سَلْ غيري. فإن قيل له: من نسأل؟ قال: سَلُوا العلماء، ولا يكاد يسمِّي رجلًا بعينه.
قال
(5)
: وسمعت أبي يقول: كان ابن عيينة لا يفتي في الطلاق، ويقول: مَن يُحسِن هذا؟
(1)
(ص 367).
(2)
في "مسائله"(ص 368). وسينقله المؤلف بأتمَّ من هذا.
(3)
لم أجده في مسائله المطبوعة. وقد رواه عنه الخطيب في "الفقيه والمتفقة"(2/ 370)، والآجري في "أخلاق العلماء"(ص 116) من رواية صالح.
ويُنظر: "تقدمة المعرفة" لابن أبي حاتم (ص 18)، و"الحلية" لأبي نعيم (6/ 323).
(4)
في "مسائله"(ص 438).
(5)
لم أجده في "مسائله" المطبوعة. وقد رواه أخوه صالح في "مسائله"(1/ 239).
فصل
وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرُّعَ في الفتوى، ويودُّ أحدُهم
(1)
أن يكفيه إياها غيرُه. فإذا رأى أنها قد تعيَّنت عليه بذَلَ اجتهادَه في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين، ثم أفتى.
وقال عبد الله بن المبارك
(2)
: ثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركتُ عشرين ومائةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ أراه قال: في المسجد ــ فما كان منهم محدِّث إلّا ودَّ أنَّ أخاه كفاه الحديثَ، ولا مفتٍ إلّا ودَّ أنّ أخاه كفاه الفتيا.
وقال الإمام أحمد: ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركتُ عشرين ومائةً من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجلٌ يُسأل عن شيء إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه، ولا يحدِّث حديثًا إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه
(3)
.
وقال مالك
(4)
: عن يحيى بن سعيد أنّ بُكَير بن الأشجِّ أخبره عن
(1)
"أحدهم" من س، ف، وهو ملحق بهامش ح، ع، ولم يظهر في الصورة إلا "أحد". وهو ساقط من ت. وفي المطبوع:"كل واحد منهم".
(2)
في "الزهد"(58). ورواه أبو خيثمة في "العلم"(21)، والدارمي (137)، وابن سعد في "الطبقات"(8/ 230)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 817)، وأبو زرعة الدمشقي في "التاريخ"(1/ 670 - 671)، والبيهقي في "المدخل"(800، 801).
(3)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2201، 2202) من طريقين عن الإمام أحمد.
(4)
في "الموطأ"(2110) ــ وعنه الشافعي في "الأم"(6/ 357 - 358) ــ، والطحاوي في "شرح المعاني"(3/ 57).
معاوية بن أبي عيّاش أنه كان جالسًا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر، فجاءهما محمد بن إياس بن البُكَير فقال: إنَّ رجلًا من أهل البادية طلَّق امرأته [18/أ] ثلاثًا، فماذا تَرَيانِ؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الأمر ما لنا فيه قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة، فإنِّي تركتُهما عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ائتِنا، فأخبِرنا. فذهبتُ، فسألتُهما، فقال ابن عباس لأبي هريرة: أَفْتِه يا أبا هريرة، فقد جاءتك مُعْضِلة. فقال أبو هريرة: الواحدةُ تُبِينها، والثلاثُ تُحرِّمها حتى تنكح زوجًا غيره.
وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن عباس: إنَّ كلَّ من أفتى الناسَ في كلِّ ما يسألونه عنه لَمجنون
(1)
.
قال مالك: وبلغني عن ابن مسعود مثلُ ذلك. رواه ابن وضَّاح عن يوسف بن عدي، عن عَبِيدة بن حُمَيد
(2)
، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله
(3)
. ورواه حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، عن عبد الله
(4)
.
(1)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2204)، والبيهقي في "المدخل"(799)، وهو منقطع بين يحيى بن سعيد الأنصاري وابنِ عباس.
(2)
في النسخ المطبوعة: "عبد بن حميد"، وهو خطأ. وضبط "عبيدة" في س بضم العين، وهو أيضًا خطأ. انظر: توضيح المشتبه" (6/ 130).
(3)
رواه محمد بن وضاح، ومن طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2206).
ورواه أبو خيثمة في العلم (10) ــ وعنه أبو القاسم البغوي في الجعديات (320) ــ، والدارمي في "المسند"(176)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8923، 8924)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(1590)، والبيهقي في "المدخل"(798).
(4)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(8924)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2208، 2213)، وأبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام (515).
وقال سَحنون بن سعيد: أجسَرُ الناس على الفتيا أقلُّهم علمًا، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم، يظنُّ أنَّ الحقَّ كلَّه فيه
(1)
.
قلت: الجرأة على الفتيا تكون من قلّة العلم ومن غزارته وسعته. فإذا قلَّ علمُه أفتى عن كلِّ ما يُسأل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه. ولهذا كان ابنُ عباس من أوسع الصحابة فُتيا، وقد تقدَّم
(2)
أنَّ فتاواه جُمِعت عشرين سِفْرًا
(3)
. وكان سعيد بن المسيِّب أيضًا واسع الفتيا، وكانوا يسمُّونه "الجريء" كما ذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال: كنتُ أرى الرجلَ في ذلك الزمان وإنّه لَيدخلُ يَسأل عن الشيء، فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس، حتَّى يُدفَع إلى مجلس سعيد بن المسيِّب، كراهيةً للفتيا
(4)
، قال: وكانوا يدعون سعيد بن المسيِّب "الجريء"
(5)
.
وقال سَحنون: إنِّي لأحفظ [18/ب] مسائل، منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء، فكيف ينبغي أن أَعجَل بالجواب حتَّى أتخيَّر
(6)
؟
(1)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2211).
(2)
في أول الكتاب (1/ 20).
(3)
في النسخ المطبوعة: "في عشرين سفرًا" ولعل زيادة "في" من تصرُّف الناشرين.
(4)
ت: "كراهية الفتيا".
(5)
رواه ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1971 - السفر الثالث)، ومن طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2205)،.
(6)
في حاشية ح: "لعله: أتبحر". قلت: بل الصواب ما جاء في النسخة. وفي النسخ المطبوعة: "قبل الخبر"، وهو تحريف.
فلِمَ أُلامُ على حبس الجواب؟
(1)
.
وقال ابن وهب: ثنا أشهل
(2)
بن حاتم، عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين قال: قال حذيفة: إنما يفتي الناسَ أحدُ ثلاثة: من يَعلم ما نُسِخ من القرآن، أو أميرٌ لا يجد بُدًّا، أو أحمق متكلِّف. قال: فربما قال ابن سيرين: فلستُ بواحد من هذين، ولا أحبُّ أن أكون الثالث
(3)
!
قلت: مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفعُ الحكمِ بجملته تارةً وهو اصطلاح المتأخرين، ورفعُ دلالةِ العامِّ والمطلق والظاهر وغيرِها تارةً، إما بتخصيص أو تقييد أو حملِ مطلقٍ على مقيَّد وتفسيره وتبيينه به
(4)
، حتَّى إنهم لَيسمُّون الاستثناء والشرط والصفة نسخًا، لتضمُّنِ ذلك رفعَ دلالة الظاهر وبيانَ المراد. فالنسخُ عندهم وفي لسانهم هو بيانُ المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه. ومن تأمَّل كلامَهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالاتٌ أوجبها حملُ كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر.
(1)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2211).
(2)
في حاشية ح: "سهل" مع علامة "صح"، وقد أخطأ المحشِّي.
(3)
رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2214) من طريق ابن وهب به. ورواه عبد الرزاق (20405)، والدارمي (177)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2217)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 331)، والبيهقي في "المدخل"(71)، من طرق عن ابن سيرين عن حذيفة، ولم يسمع منه. لكن رواه الدارمي (178) من طريق ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه.
(4)
"به" ساقط من ع والنسخ المطبوعة.
وقال هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: قال حذيفة: إنما يفتي الناسَ أحدُ ثلاثة: رجلٌ يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه، وأميرٌ لا يجد بدًّا، وأحمق متكلِّف. قال ابن سيرين: فأنا لستُ أحد هذين، وأرجو أن لا أكون أحمق متكلِّفًا
(1)
!
وقال أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب "جامع فضل العلم"
(2)
: ثنا خلَف بن القاسم، ثنا يحيى بن الربيع، نا محمد بن حمَّاد المِصِّيصي، ثنا إبراهيم بن واقد، نا المطلب بن زياد قال: حدثني جعفر بن الحسين
(3)
إمامنا قال: رأيتُ أبا حنيفة في النوم، فقلتُ: ما فعل الله بك يا أبا حنيفة؟ قال: غُفِر لي. [19/أ] فقلتُ
(4)
له: بالعلم؟ فقال: ما أضَرَّ الفتيا على أهلها! فقلتُ: فبم؟ قال: بقول الناس فيَّ ما لم يعلم الله منِّي
(5)
.
قال أبو عمر
(6)
: وقال سَحنون يومًا: إنّا لله، ما أشقى المفتي والحاكم! ثم قال: ها أنا ذا يُتعلَّم منِّي ما تُضرَب به الرقابُ، وتُوطأ به الفروج، وتؤخذ به الحقوق. أما كنتُ عن هذا غنيًّا؟
قال أبو عمر
(7)
: وقال أبو عثمان الحدّاد: القاضي أيسَرُ مأثَمًا وأقربُ
(1)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2217)، وفي سنده سُنيد، وفيه لينٌ.
(2)
برقم (2219).
(3)
في "جامع بيان العلم": "حسن".
(4)
ت: "قلت".
(5)
في النسخ المطبوعة: "أنه منِّي".
(6)
في "جامع بيان العلم"(2220).
(7)
في الكتاب المذكور (2221).
إلى السلامة من الفقيه ــ يريد المفتي ــ لأنَّ الفقيهَ مِن شأنه إصدارُ ما يرد عليه من ساعته بما حضره من القول، والقاضي شأنُه الأناة والتثبُّتُ. ومَن تأنَّى وتثبَّت تهيَّأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديئة
(1)
. انتهى.
وقال غيره: المفتي أقرب إلى السلامة من القاضي، لأنه لا يُلْزِم بفتواه، وإنما يُخبِر بها من استفتاه، فإن شاء قبِل قوله، وإن شاء تركه. وأما القاضي فإنه يُلْزِم بقوله، فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم، ويتميَّز القاضي بالإلزام به
(2)
والقضاء، فهو من هذا الوجه خطرُه أشدُّ
(3)
.
ولهذا جاء في القاضي من الوعيد والتخويف ما لم يأت نظيرُه في المفتي، كما رواه أبو داود الطيالسي
(4)
من حديث عائشة أنها ذُكِر عندها القضاةُ، فقالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالقاضي العدل يومَ القيامة، فيَلْقى من شدّة الحساب ما يتمنَّى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرةٍ قطُّ".
(1)
كذا في جميع النسخ. وفي النسخ المطبوعة و"جامع بيان العلم": "البديهة"، وهما بمعنى.
(2)
"به" ساقط من ع.
(3)
نقله المناوي في "فيض القدير"(4/ 538) مختصرًا.
(4)
برقم (1650). ورواه أحمد (24464)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 282، والمرُّوذي في "أخبار الشيوخ"(135)، وابن أبي الدنيا في "الإشراف"(91)، ووكيع بن خلف في "أخبار القضاة"(1/ 20 - 21)، والعقيلي في "الضعفاء"(3/ 107، 4/ 353)، والطبراني في "الأوسط"(2619)، وابن حبان (5111)، والبيهقي (10/ 96)، ومن طريقه الذهبي في السير (18/ 170)، وقال: غريبٌ جدّا اهـ. ويُتأمّل ما ذكره في ترجمة عمران بن حطان من "ميزان الاعتدال"(3/ 235).
وسنده ضعيف؛ عمرو بن العلاء اليشكري وصالح بن سرج مجهولا الحال.
وروى الشعبي عن مسروق عن عبد الله يرفعه: "ما من حاكمٍ يحكُم بين الناس إلا وُكِلَ به ملَكٌ آخِذٌ
(1)
بقفاه حتى يقف به على شَفير جهنم. فيرفع رأسه إلى الله، فإن أمَره أن يقذفه قذَفه في مهوَى أربعين خريفا"
(2)
.
وفي "السنن"
(3)
من حديث [21/ب] ابن بريدة
(4)
عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة: رجلٌ عرَف الحقَّ، فقضَى به، فهو في الجنة. ورجلٌ قضَى بين الناس بالجهل، فهو في النار. ورجل عرَفَ الحقَّ، فجَارَ، فهو في النار".
وقال عمر بن الخطاب
(5)
رضي الله عنه: ويلٌ لِدَيَّانِ مَن في الأرض مِن دَيَّانِ مَن في السماء يوم يلقونه، إلَّا مَن أمرَ بالعدل، وقضَى بالحق، ولم يَقْضِ على هوًى، ولا على قرابة، ولا على رَغَبٍ ولا رَهَبٍ
(6)
؛ وجعَل كتابَ الله مرآةً بين عينيه
(7)
.
(1)
ت: "وكل الله به ملكًا آخذًا".
(2)
رواه أحمد (4097)، وابن ماجه (2311)، وسنده ضعيف؛ لضعف مجالد بن سعيد، وقد اختلف عليه الثقات في رفعه ووقفه، ورجّح الدارقطني في "العلل"(5/ 249) أنه موقوف.
(3)
رواه أبو داود (3573)، وابن ماجه (2315)، والترمذي (1322)، والنسائي في "الكبرى"(6102)، وصححه الحاكم (4/ 90) والعراقي في "المغني"(2/ 939)، ولا يخلو طريقٌ من طرقه من علّة، لكن مجموع أسانيده يُشير إلى أن له أصلا.
(4)
ت: "أبي بريدة"، خطأ.
(5)
لم يرد "بن الخطاب" في ت.
(6)
ت: "على رهب".
(7)
رواه ابن أبي شيبة (23416)، وأحمد في "الزهد"(663)، وسمويه في "الفوائد"(كما في "العلو" للذهبي ص 612) ــ ومن طريقه أبو نعيم في "فضيلة العادلين"(44)، والذهبي في "العلو" ص 612، وخلف بن وكيع في "أخبار القضاة"(1/ 30 - 31)، وابن خزيمة في "السياسة" ــ كما في "إتحاف المهرة" 12/ 309 ــ، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (44)، والبيهقي في "السنن الكبير"(10/ 117)، وابن عساكر في "التاريخ"(35/ 318 - 319، 55/ 243 - 244، 56/ 131)، وسند الأثر صحيح.
وفي "سنن أبي داود"
(1)
من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن طلَب قضاءَ المسلمين حتى يناله، ثم غلَب عدلُه جورَه، فله الجنة. ومَن غلب جورُه عدلَه فله النار".
وفي "سنن البيهقي" من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله مع القاضي ما لم يجُرْ، فإذا جار برئ الله منه، ولزمه الشيطان"
(2)
.
وفيه من حديث حسين المعلِّم، عن الشيباني، عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله مع القاضي ما لم يَجُرْ، فإذا جار وكَله إلى نفسه"
(3)
.
(1)
برقم (3575)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبير"(10/ 88)، وسنده ضعيف، فيه موسى بن نجدة، وهو مجهول.
(2)
كذا، وقد دخل على المصنِّف رحمه الله حديثٌ في حديث، حين نقله من "السنن الكبير" للبيهقي (10/ 88)، فأدخل سند حديثٍ عن ابن عباس في متن حديثٍ عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه، وسيأتي تخريج حديث ابن أبي أوفى عَقِب هذا.
(3)
رواه ابن عدي في "الكامل"(7/ 306) ــ ومن طريقه البيهقي (10/ 88) ــ عن ابن صاعد: حدثنا أحمد بن سنان القطان، حدثنا محمد بن بلال، عن عمران القطان عن حسين المعلم به. كذا جوّده ابن سنان في رواية ابن صاعد عنه، أما ابن ماجه؛ فرواه (2312) عن ابن سنانٍ، عن ابن بلال به، لكنه جعله من رواية حسين بن عمران، فهذا اختلاف على ابن سنان، وقد تفصّى منه خلف بن وكيع في "أخبار القضاة"(1/ 35) بإهماله نسب الحسين هذا. على أن حسينًا المعلم لا تُعرَف له رواية عن الشيباني، ولا تُعرَف لعمران القطان رواية عن حسين المعلم. وقد تابع ابنَ سنانٍ على نسبته حسينَ بن عمران: ابنُ نمير وعلي بن نصر الجهضمي، ومن طريقهما رواه الطبراني ــ ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" (6/ 458) ــ. ويُنظر:"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 387)، و"الجامع" للترمذي (1330)، و"المسند الصحيح" لابن حبّان (721)، و"المستدرك" للحاكم (4/ 93).
وفي "السنن الأربعة"
(1)
من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قعَد قاضيًا بين المسلمين فقد ذُبِح بغير سكِّين".
وفي "سنن البيهقي"
(2)
من حديث أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي
(1)
أبو داود (3571، 3572)، وابن ماجه (2308)، والترمذي (1325) وقال: حديث حسن غريب، والنسائي في "الكبرى"(6103 - 6106)، وصحّحه الحاكم (4/ 91)، وقال العقيلي في "الضعفاء" (4/ 354):"إسناد صالح". وحسّنه البغوي في "شرح السنة"(10/ 92)، وابن النحوي في "البدر المنير"(9/ 546)، وصحّحه العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (2/ 939). ويُنظر:"العلل" لابن المديني (ص 73 - 74)، و"العلل" للدارقطني (10/ 397 - 401).
(2)
(10/ 97)، ورواه الطيالسي (2646)، وأحمد (8627، 10759)، وأبو يعلى (6217)، وابن خزيمة في "السياسة"[من صحيحه] كما في "إتحاف المهرة"(15/ 52)، والحاكم (4/ 91) وصحّحه، من طريق عباد بن أبي علي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة مرفوعا. وضعّفه ابن القطان في "بيان الوهم" (4/ 360) بقوله: "وعباد بن أبي علي
…
عدالته لم تثبت". وذكر (5/ 745) أنه لا تُعرَف حالُه. وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 370): "حديثٌ منكرٌ". ورواه ابن حبان (4858)، وأبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى" (4/ 11) من طريق معمر، عن هشام بن حسان، عن أبي حازم مولى أبي رهم، عن أبي هريرة مرفوعا. وهو غريبٌ جدًّا من حديث هشام بن حسان، وفي رواية معمر عن البصريين نظر.
- صلى الله عليه وسلم قال: "ويلٌ للأمراء، وويلٌ للعُرَفاء، وويلٌ للأُمَناء. لَيَتمنَّيَنَّ أقوامٌ يومَ القيامة أنَّ نواصيَهم كانت معلَّقةً بالثُريَّا يتجَلْجَلُون بين السماء والأرض، وأنهم لم يَلُوا عملًا".
[20/أ] وأمَّا المفتي، ففي "سنن أبي داود"
(1)
من حديث مسلم بن يَسَار قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قال عليَّ ما لم أقُلْ فَلْيتبوَّأْ بيتًا في جهنَّم. ومن أفتَى بغير علمٍ كان إثمُه على من أفتاه. ومن أشار على أخيه بأمرٍ يعلمُ الرُّشْدَ في غيرِه فقد خانه".
فكلُّ خطرٍ على المفتي فهو على القاضي، وعليه من زيادة الخطر ما يختَصُّ به. ولكنَّ خطرَ المفتي أعظم
(2)
من جهة أخرى فإنَّ فتواه شريعة عامة تتعلَّق بالمستفتي وغيره. وأما الحاكم، فحكمُه جزئيٌّ خاصٌّ لا يتعدَّى إلى غير المحكوم عليه وله. فالمفتي يُفتي حكمًا عامًّا كُلِّيًّا أن من فعل كذا ترتَّب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا؛ والحاكم
(3)
يقضي قضاءً معيَّنًا على شخص معيّن، فقضاؤه خاصٌّ ملزم، وفتوى العالم عامَّة غير ملزمَة. فكلاهما
(1)
برقم (3657). ورواه أحمد (8266) وابن ماجه (53)، وفي سند الحديث اختلافٌ واضطرابٌ، يُنظر:"تحفة الأشراف"(10/ 370)، وعلّة الحديث: عمرو بن أبي نعيمة، وهو مجهول الحال، وقال الدارقطني: مجهولٌ، يُترَك اهـ. وقد أسقطه بعضُ الرواة من السند، وشيخُه مسلم بن يسار الطنبذي مستور الحال، لم يوثّقه من يُعتدّ به.
(2)
"أعظم" ساقط من ت.
(3)
ع: "القاضي".
أجره عظيم، وخطره كبير.
فصل
وقد حرَّم الله سبحانه القولَ عليه بغير علم في الفتيا والقضاء، وجعله من أعظم المحرَّمات؛ بل جعله في المرتبة
(1)
العليا منها، فقال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]. فرتَّب المحرَّماتِ أربعَ مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنَّى بما هو أشدُّ تحريمًا منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلَّث بما هو أعظم تحريمًا منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربَّع بما هو أشدُّ تحريمًا من ذلك كلِّه، وهو القولُ عليه بلا علم
(2)
. وهذا يعُمُّ القولَ عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله، وفي دينه وشرعه.
وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ [20/ب] هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 116 - 117]. فتقدَّم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذبِ عليه في أحكامه، وقولِهم لما لم يحرِّمه: هذا حرام، ولما لم
(1)
ت: "الرتبة".
(2)
وهكذا فسَّر الآية في "مدارج السالكين"(1/ 378) أيضًا. وسيأتي نحوه في آخر هذا الكتاب. وذكر شيخ الإسلام في "الجواب الصحيح"(2/ 216) أن تقديم اللفظ في الآية للانتقال من الأدنى إلى الأعلى، وفيه (4/ 213) أن القول على الله بغير علم أعظم المحرَّمات.
يُحِلَّه: هذا حلال. وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، إلّا لِما عَلم أنَّ الله سبحانه أحلَّه وحرَّمه
(1)
.
وقال بعض السلف
(2)
: لِيتَّقِ أحدُكم أن يقول: أحلَّ الله كذا، وحرَّم الله كذا
(3)
، فيقولَ الله له: كذبتَ، لَمْ أُحِلَّ كذا، ولمْ أحرِّم كذا.
فلا ينبغي أن يقول لما لا يعلم ورودَ الوحي المُبِين بتحليله وتحريمه: أحلَّه الله، وحرَّمه الله؛ لمجرَّد التقليد أو بالتأويل.
وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أميرَه بُرَيدة أن يُنْزِلَ عدوَّه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال:"فإنك لا تدري أتصيبُ حُكمَ الله فيهم أم لا، ولكن أَنزِلْهم على حكمك وحكم أصحابك"
(4)
. فتأمَّلْ كيف فرَّق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد، ونهى أن يسمَّى حكمُ المجتهدين "حكم الله".
ومن هذا: لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكمًا حكَم به، فقال: هذا ما أرى اللهُ أميرَ المؤمنين عمرَ، فقال: لا
(1)
ع: "أو حرَّمه".
(2)
وكذا في "مدارج السالكين"(1/ 379) و"أحكام أهل الذمة"(1/ 114). وسيأتي قريبًا منسوبًا إلى الربيع بن خُثَيم، وهناك تخريجه.
(3)
ما عدا ح: "وحرَّم كذا".
(4)
جزء من حديث بُرَيدة بن الحُصَيب، أخرجه مسلم (1731) كما سيأتي مرة أخرى عنه بهذا اللفظ، وليس في رواية مسلم:"وحكم أصحابك". والحديث بهذا اللفظ أخرجه الطبراني في "الأوسط"(135)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن أبي هلال إلا خالد بن يزيد، تفرَّد به ابن لهيعة. وقد نقله المؤلف في "أحكام أهل الذمة" كما في "الصحيح".
تقل هكذا، ولكن قل: هذا ما رأى أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب
(1)
.
وقال ابن وهب: سمعتُ مالكًا يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَن مضى مِن سلفنا، ولا أدركتُ أحدًا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال، وهذا حرام. ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره
(2)
كذا، ونرى هذا حسنًا، ويُتَّقَى
(3)
هذا، ولا نرى هذا
(4)
.
ورواه عنه عتيق بن يعقوب، [21/أ] وزاد: ولا يقولون حلال ولا حرام. أما سمعتَ
(5)
قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] الحلالُ: ما أحلَّه الله ورسوله، والحرامُ: ما حرَّمه الله ورسوله
(6)
.
قلت: وقد غلِط كثيرٌ من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم بسبب ذلك، حيث تورَّع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة؛ فنفى المتأخرون التحريمَ عمَّا أطلق عليه الأئمةُ الكراهةَ، ثم سهُل عليهم لفظُ
(1)
رواه ابن حزم في "الإحكام"(6/ 48)، والبيهقي (10/ 116)، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام"(266) من طريقين عن أبي إسحاق الشيباني، عن أبي الضحى، عن مسروق به. وصحّحه ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 358).
(2)
ح: "يُكره".
(3)
هكذا في س، ت مضبوطًا بضم أوله. وحرف المضارعة مهمل في ح. وفي ت:"ننفي". وفي ع، ف، والمطبوع:"نتّقي". وفي طبعة الشيخ محمد محيي الدين ومن تابعه: "فينبغي".
(4)
ذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2091).
(5)
ت: "سمعتم".
(6)
ذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2091) معلّقًا.
الكراهة، وخفَّت مؤنته عليهم، فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى. وهذا كثيرٌ جدًّا في تصرُّفاتهم؛ فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة.
وقد قال الإمام أحمد
(1)
في الجمع بين الأختين بملك اليمين: أكرهه، ولا أقول: هو حرام. ومذهبه: تحريمه
(2)
، وإنما تورَّع عن إطلاق لفظ التحريم لأجل قول عثمان
(3)
.
وقال أبو القاسم الخِرَقي
(4)
فيما نقله عن أبي عبد الله: ويكره أن يتوضأ في آنية الذهب والفضة. ومذهبه أنه لا يجوز.
وقال في رواية أبي داود
(5)
: ويُستحَبُّ أن لا يدخل الحمامَ إلا بمئزر.
(1)
في رواية ابن منصور (4/ 1551): "لا أقول: إنه حرام، ولكن ينهى عنه". وانظر: "العدَّة" لأبي يعلى (2/ 384).
(2)
انظر: "مسائل أبي داود"(ص 233)، و"المغني"(9/ 541)، و"زاد المعاد"(5/ 115)، وقال شيخ الإسلام:"وأما أن يجعل عن أحمد أنه لا يحرِّم بل يكره، فهذا غلط عليه ومرجعه إلى الغفلة عن دلالة الألفاظ ومراتب الكلام". انظر: "اختيارات ابن اللحام"(ص 212).
(3)
رواه مالك (1974)، والشافعي في "الأم"(6/ 6)، وعبد الرزاق في "المصنف"(12728، 12732)، وابن أبي شيبة (16512، 16519)، والدارقطني (3725)، والبيهقي (7/ 163)، وهو صحيح.
(4)
في "مختصره" مع "المغني"(1/ 101).
(5)
لم أجدها في مسائله، وأخشى أن تكون وهمًا من المصنف. فقد جاء فيها (ص 20):"قلت لأحمد: صرتُ في موضع يومَ الجمعة، وليس معي إزار، وأنا عند نهر. أحبُّ إليك أن أغتسل أو أدَع؟ قال: إن لم يكن يراه أحد. قلتُ: لا يراه. قال: أرجو. ثم قال أحمد: يستحب أن لا يدخل الماء إلا بمئزر". وانظر: "الروايتين والوجهين"(3/ 138). فالسياق كما ترى في دخول ماء النهر للاغتسال. أما دخول الحمام بلا مئزر فذكر شيخ الإسلام في الجواب عن سؤال أنه محرَّم باتفاق الأئمة، وذكر بعض الأحاديث الواردة في النهي عنه، ثم استطرد إلى حكم ستر العورة في الخلوة، فقال:"وقد كره غير واحد من العلماء كأحمد وغيره النزولَ في الماء بغير مئزر". انظر: "مجموع الفتاوى"(21/ 336 - 339). ولا شك أن هذه الكراهية ليست كراهية تحريم.
وهذا استحباب وجوب.
وقال في رواية إسحاق بن منصور
(1)
: إذا كان أكثرُ مال الرجل حرامًا فلا يُعجبني أن يؤكل ماله. وهذا على سبيل التحريم.
وقال في رواية ابنه عبد الله
(2)
: لا يعجبني أكلُ ما ذُبِح للزُّهَرة ولا الكواكب ولا الكنيسة، وكلُّ شيء ذُبِحَ لغير الله. قال الله عز وجل:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3].
فتأمَّلْ كيف قال: "لا يعجبني" فيما [21/ب] نصَّ الله سبحانه على تحريمه، واحتجَّ هو أيضًا بتحريم الله له في كتابه.
وقال في رواية الأثرم
(3)
: أكره لحوم الجلالة وألبانها. وقد صرَّح بالتحريم في رواية حنبل وغيره.
(1)
في "مسائله"(6/ 2621).
(2)
في "مسائله"(ص 266). وانظر: "أحكام أهل الذمة"(1/ 516) و"اقتضاء الصراط المستقيم"(2/ 56).
(3)
وكذا في رواية إسحاق بن منصور. انظر: "مسائله"(5/ 2251).
وقال في رواية ابنه عبد الله
(1)
: أكره أكلَ لحم الحيَّة والعقرب، لأنَّ الحية لها ناب، والعقرب لها حُمَة. ولا يختلف مذهبه في تحريمه
(2)
.
وقال في رواية حَرْب
(3)
: إذا صاد الكلبُ من غير أن يُرسَل فلا يعجبني؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرسلتَ كلبك، وسمَّيتَ"
(4)
. فقد أطلق لفظة "لا يعجبني" على ما هو حرام عنده.
وقال في رواية جعفر بن محمد النسائي
(5)
: لا يعجبني المُكْحُلَة والمِرْوَد، يعني من الفضَّة. وقد صرَّح بالتحريم في عدَّة مواضع
(6)
، وهو مذهبه بلا خلاف.
وقال جعفر بن محمد أيضًا: سمعتُ أبا عبد الله سئل عن رجل قال لامرأته: كلُّ امرأة أتزوَّجها أو جاريةٍ أشتريها للوطء، وأنتِ حيَّة، فالجارية حرَّة، والمرأة طالق. قال: إن تزوَّج لم آمُره أن يفارقها
(7)
، والعتقُ أخشى أن يلزمه؛ لأنه مخالف للطلاق. قيل له: يهب له رجلٌ جاريةً، قال: هذا طريق الحيلة
(8)
، وكرِهَه؛ مع أنَّ مذهبه تحريمُ الحِيَل وأنَّها لا تخلِّص من الأيمان.
(1)
انظر: "مسائله"(ص 272).
(2)
"المغني"(13/ 317).
(3)
نقلها في "الروايتين والوجهين"(3/ 16).
(4)
أخرجه البخاري (175، 5476) ومسلم (1929) من حديث عدي بن حاتم.
(5)
نقلها الخلال في "الوقوف والترجل"(ص 113).
(6)
انظر رواية الفضل بن زياد في المصدر السابق (ص 114).
(7)
ت: "تزوج امرأة لم يفارقها".
(8)
ع: "الحيل".
ونصَّ على كراهة البطَّة
(1)
من جلود الحُمْر، وقال: لا تكون
(2)
ذكية. ولا يختلف مذهبه في التحريم.
وسئل عن شعر الخنزير، فقال: لا يعجبني
(3)
. وهذا على التحريم
(4)
، وقال: يُكرَه القِدُّ
(5)
من جلود الحَمير، ذكيًّا وغير ذكي
(6)
؛ لأنه لا يكون ذكيًّا، وأكرهه لمن يعمل وللمستعمل
(7)
.
وسُئل عن رجل حَلَف: لا ينتفع بكذا، فباعه واشترى به غيره، فكَرِه ذلك. وهذا عنده لا يجوز.
وسئل عن ألبان الأُتُن فكَرِهه
(8)
. وهو [22/أ] حرام عنده.
وسئل عن الخمر يُتَّخَذ خلًّا، فقال: لا يعجبني
(9)
. وهذا على التحريم عنده.
(1)
فسَّرها الشيخ محمد محيي الدين في نشرته (1/ 41) بأنها "رأس الخف بلا ساق". والمعروف بهذا المعنى "البطيط" ومنه قول الإمام أحمد في رواية صالح (2/ 208): "ويكره لُبس البَطِيطات الحمر".
(2)
ع: "تكون" بإسقاط لا النافية، وهو خطأ.
(3)
انظر "مسائل عبد الله"(ص 13) وابن منصور (9/ 4672).
(4)
ع: "على سبيل التحريم"، وفي ح أيضًا كتب بعضهم في الحاشية:"سبيل صح".
(5)
هو السَّيْر يخصف به النعل ويكون غير مدبوغ. "المصباح المنير"(ص 492).
(6)
ت: "أو غير ذكي".
(7)
انظر: "مسائل عبد الله"(ص 13).
(8)
انظر: "مسائل عبد الله"(ص 434) وابن هانئ (2/ 142) وابن منصور (8/ 3978).
(9)
في "مسائل عبد الله"(ص 433): "لا يعجبني، أكرهه".
وسئل عن بيع الماء، فكرهه
(1)
.
وهذا في أجوبته أكثر من أن يستقصى، وكذلك غيره من الأئمة.
وقد نصَّ محمد بن الحسن على أنَّ كلَّ مكروه فهو حرام، إلا أنه لما لم يجد فيه نصًّا قاطعًا لم يُطلق عليه لفظ "الحرام"
(2)
.
وروى محمد أيضًا عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه إلى الحرام أقرب
(3)
. وقد قال في "الجامع الصغير"
(4)
: يكره الشرب في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء. ومراده التحريم.
وكذلك قال أبو يوسف ومحمد: يُكرَه النوم على فرش الحرير والتوسُّد على وسائده، ومرادهما التحريم
(5)
.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: يُكرَه أن يُلْبَس الذكورُ من الصِّبيان الذهبَ والحريرَ. وقد صرَّح الأصحاب أنه حرام، وقالوا: إنَّ التحريم لما ثبت في حقِّ الذكور وحرُم اللُّبسُ حَرُم الإلباس
(6)
، كالخمر لما حَرُم شربها حَرُم
(1)
في "مسائل صالح"(2/ 150) قال: "لا أدري ما بيع الماء". وفي "مسائل ابن منصور"(6/ 2672): "لا يباع فضل الماء والذي يحمل في القِرب فلا بأس به".
(2)
انظر: "الهداية" للمرغيناني (4/ 363).
(3)
المرجع السابق.
(4)
كذا في جميع النسخ. وفي النسخ المطبوعة: "الجامع الكبير"، وصوَّبه في طبعة دار ابن الجوزي. وانظر المسألة المذكورة في "الجامع الصغير"(ص 475).
(5)
انظر: "الجامع الصغير"(ص 476 - 477) و"تحفة الفقهاء"(3/ 342) و"الهداية"(4/ 366).
(6)
س، ت:"وتحريم اللبس تحريم الإلباس". وفي ع: "وتحريم اللبس يحرم الإلباس"، وكذا في النسخ المطبوعة.
سقيُها
(1)
.
وكذلك قالوا: يُكرَه منديلُ الحرير الذي يتمخَّط فيه ويتمسَّح من الوضوء. ومرادهم التحريم.
وقالوا: يُكرَه بيعُ العَذِرة، ومرادهم التحريم
(2)
.
وقالوا: يُكرَه الاحتكارُ في أقوات الآدميين والبهائم إذا أضرَّ بهم وضيَّق عليهم
(3)
، ومرادهم التحريم.
وقالوا: يكره بيع السلاح في أيام الفتنة
(4)
، ومرادهم التحريم.
وقال أبو حنيفة: يكره بيع أرض مكة
(5)
، ومراده التحريم عندهم.
قالوا: ويُكرَه اللعب بالشِّطْرَنج
(6)
، وهو حرام عندهم.
قالوا: ويُكرَه أن يجعل الرجلُ في عنق عبده أو غيره طوقَ الحديد الذي يمنعه من التحرُّك، وهو الغُلُّ
(7)
. وهو حرام. وهذا [22/ب] كثير في كلامهم جدًّا.
وأما أصحاب مالك، فالمكروه عندهم مرتبة بين الحرام والمباح، ولا يطلقون عليه اسم الجواز. ويقولون: إنَّ أكلَ كلِّ ذي ناب من السباع مكروه
(1)
"الهداية"(4/ 367) ولعل النقل منه.
(2)
"الجامع الصغير"(ص 480)، "الهداية"(4/ 375).
(3)
"الجامع الصغير"(ص 481)، "الهداية"(4/ 377).
(4)
"الجامع الصغير"(ص 319)، "الهداية"(2/ 414)، (4/ 378).
(5)
"الجامع الصغير"(ص 481)، "الهداية"(1/ 481).
(6)
"الجامع الصغير"(ص 482)، "الهداية"(4/ 380).
(7)
"الهداية"(4/ 381).
غير مباح.
وقد قال مالك في كثير من أجوبته: أكره كذا، وهو حرام. فمنها: أن مالكًا نصَّ على كراهة الشِّطْرَنج
(1)
. وهذا عند أكثر أصحابه على التحريم، وحمله بعضهم على الكراهة التي هي دون التحريم
(2)
.
وكذلك قال الشافعي في اللَّعِب بالشِّطْرنج: إنه لَهْوٌ شبهُ الباطل، أكرهه ولا يتبيَّن لي تحريمه
(3)
. فقد نصَّ على كراهته، وتوقَّف في تحريمه. فلا يجوز أن يُنسَب إليه وإلى مذهبه أنَّ اللعب بها جائز، وأنه مباح؛ فإنه لم يقل هذا ولا ما يدلُّ عليه. والحقُّ أن يقال: إنه كرِهَها، وتوقَّف في تحريمها. فأين هذا من أن يقال: إن مذهبه جواز اللعب بها وإباحته؟
(4)
.
ومن هذا أيضًا: أنه نصَّ على كراهة تزوُّج الرجلِ بنتَه المخلوقةَ من ماء الزنا
(5)
، ولم يقل قطُّ: إنه مباح ولا جائز. والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحلَّه الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم، وأطلق لفظَ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله
(6)
.
وقد قال تعالى عقيب ذكر ما حرَّمه من المحرَّمات من عند قوله:
(1)
"الموطأ"(2/ 958).
(2)
انظر: "الاستذكار"(8/ 460) و"التمهيد"(13/ 181) و"المنتقى"(7/ 278).
(3)
لفظ الشافعي في "الأم"(6/ 224): "ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أخفّ من النرد". وانظر: "السنن الكبير" للبيهقي (10/ 357).
(4)
وانظر: "الفروسية" للمصنف (ص 243).
(5)
انظر: "المجموع شرح المهذب"(16/ 222).
(6)
وانظر: "مجموع الفتاوى"(32/ 142).
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إلى قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} إلى قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} إلى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} إلى قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} إلى قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} إلى قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} إلى آخر الآيات. ثم قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 23 - 38].
[23/أ] وفي "الصحيح"
(1)
: "إنَّ الله عز وجل كرِه لكم قيلَ وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال".
فالسلف كانوا يستعملون "الكراهة" في معناها الذي استُعملت فيه في كلام الله ورسوله، ولكن المتأخرون اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرَّم، وتركُه أرجح من فعله. ثم حمَل مَن حمَل منهم كلامَ الأئمة على الاصطلاح الحادث، فغلِط
(2)
في ذلك.
وأقبَحُ غلطًا منه مَن حمل لفظ الكراهة أو لفظ "لا ينبغي" في كلام الله ورسوله على المعنى الاصطلاحي الحادث. وقد اطَّرَد في كلام الله ورسوله استعمال "لا ينبغي" في المحظور شرعًا أو قدرًا، وفي المستحيل الممتنع
(3)
، كقوله تعالى:{وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] وقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وقوله: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} [الشعراء: 210 - 211]. وقوله على لسان نبيه: "كذَّبني ابنُ آدم
(1)
أخرجه البخاري (1477) ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة.
(2)
ح: "فغلطوا".
(3)
وقال نحوه في "الداء والدواء"(ص 309) و"بدائع الفوائد"(4/ 1307).
وما ينبغي له، وشتَمني ابنُ آدم وما ينبغي له"
(1)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام"
(2)
، وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير:"لا ينبغي هذا للمتقين"
(3)
، وأمثال ذلك.
والمقصود: أن الله سبحانه حرَّم القول عليه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، والمفتي يُخبر عن الله عز وجل وعن دينه، فإن لم يكن خبرُه مطابقًا لما شرعه كان قائلًا عليه بلا علم. ولكن إذا اجتهد واستفرغ وسعه في معرفة الحق وأخطأ لم يلحقه الوعيد، وعُفي له عمّا أخطأ به، وأُثيبَ على اجتهاده. ولكن لا يجوز أن يقول لما أدَّاه
(4)
إليه اجتهادُه ولم يظفر فيه بنصٍّ عن الله ورسوله: إنّ الله حرَّم كذا، وأوجب كذا، وأباح كذا، وإنَّ هذا هو حكم الله.
قال ابن وضَّاح: ثنا يوسف بن عدي، ثنا عَبِيدة [23/ب] بن حُمَيد، عن عطاء بن السائب قال: قال الرَّبيع بن خُثَيم: إياكم أن يقول الرجل لشيء: إنَّ الله حرَّم هذا أو نهى عنه، فيقول الله: كذبتَ! لَم أحرِّمه ولم أَنْهَ عنه؛ أو يقول: إنَّ الله أحلَّ هذا، أو أمر به، فيقول الله: كذبتَ! لم أُحِلَّه ولم آمُرْ به
(5)
.
(1)
أخرجه البخاري (3193) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم (179) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري (375) ومسلم (2075) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(4)
ت: "أدَّى".
(5)
رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"(2090) ــ وعنه ابن حزم في "الإحكام"(6/ 53) ــ، والخطيب في "الفقيه والمتفقه"(1/ 529). وله طريق آخر رواه المستغفري في "فضائل القرآن"(330)، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام"(289).
قال أبو عمر
(1)
: وقد روي عن مالك أنه قال في بعض ما كان ينزل به، فيُسأل عنه، فيجتهد فيه رأيه:{إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32].
* * *
(1)
في "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 1075). ورواه بنحوه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 323)، وابن حزم في "الإحكام"(6/ 21، 57)، وعنه الحميدي في "جذوة المقتبس"(ص 266 - 267).