المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصولفي كلام الأئمة في أدوات الفتيا، وشروطها - أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم - جـ ١

[ابن القيم]

الفصل: ‌فصولفي كلام الأئمة في أدوات الفتيا، وشروطها

‌فصول

في كلام الأئمة في أدوات الفتيا، وشروطها

، ومن ينبغي له أن يفتي، وأين يسع قول المفتي

(1)

: "لا أدري"؟

قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح

(2)

عنه: ينبغي للرجل إذا حمَل نفسَه على الفتيا أن يكون عالمًا بوجوه القرآن، عالمًا بالأسانيد الصحيحة، عالمًا بالسُّنن. وإنما جاء خلافُ من خالف لقلَّةِ معرفتهم بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقلَّةِ معرفتهم بصحيحها من سقيمها.

وقال في رواية ابنه عبد الله

(3)

: إذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلافُ الصحابة والتابعين، فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخيَّر، فيقضي

(4)

به ويعمل به، حتَّى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به، فيكون يعمل على أمر صحيح.

وقال في رواية أبي الحارث

(5)

: لا يجوز الإفتاء

(6)

إلا لرجل عالم

(1)

في حاشية ح صححت العبارة بخط غير الناسخ هكذا: "وأن يسعَ المفتيَ قولُ

".

(2)

لا توجد في مسائله المطبوعة. وقد أخرجها الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 332) من طريق أبي بكر الخلال عن محمد بن علي عن صالح. ونقلها مختصرةً القاضي في "العدَّة"(5/ 1595). ومنها في "المسودة"(ص 515). وسيوردها المصنف مرتين أخريين.

(3)

انظر: "مسائله"(ص 438)، ونقلها القاضي في "العدّة"(5/ 161) من كتاب "أخبار أحمد" لأبي حفص. ومن "العدة" في "المسودة"(ص 517).

(4)

في المصادر المذكورة: "فيفتي به".

(5)

نقلها في "العُدَّة"(4/ 1136) و (5/ 1595). وعنها في "المسودة"(ص 331، 515).

(6)

في المصدرين المذكورين: "الاختيار".

ص: 93

بالكتاب والسنَّة.

وقال في رواية حنبل

(1)

: ينبغي لمن أفتى أن يكون عالمًا بقول من تقدَّم، وإلا فلا يفتي.

وقال محمد بن عبيد الله بن المنادي: سمعتُ رجلًا يسأل أحمد: إذا حفظ الرجلُ مائة ألف حديث يكون فقيهًا؟ قال: لا. قال: فمائتي ألف؟ قال: لا. قال: فثلاثمائة ألف؟ قال: لا. قال: فأربعمائة ألف؟ قال بيده هكذا، [24/أ] وحرَّك يدَه

(2)

. قال أبو الحسين

(3)

: وسألتُ جدِّي محمد بن عبيدالله، قلتُ: فكم كان يحفظ أحمد بن حنبل؟ قال: أجاب

(4)

عن ستمائة ألف.

قال أبو حفص

(5)

: قال لي أبو إسحاق

(6)

: لما جلستُ في جامع

(1)

"العدَّة"(5/ 1595)، "المسودة"(ص 515).

(2)

رواه أبو حفص العكبري في "تعاليقه" كما في "العدة" للقاضي أبي يعلى (5/ 1596 - 1597)، وفي سنده رجلٌ مبهمٌ. وروى الخطيب في "الفقيه والمتفقه"(2/ 345)، وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(1/ 131) نحوَه من طريق الحسن بن إسماعيل ابن الربعي، لكنه زاد (خمس مئة حديث)، وفي سنده أبو بكر المفيد، وهو واهٍ. ووازِن بما في "الجامع" للخطيب (1/ 77).

(3)

في المطبوع: "أبو الحسن"، وخطَّأ محققه جميع أصوله التي فيها "أبو الحسين". وما خطَّأه هو الصواب. وهو أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله بن المنادي المتوفى سنة 336. ترجمته في "طبقات الحنابلة" (3/ 5 - 11).

(4)

هكذا في جميع النسخ و"العدَّة"(5/ 1597). وفي النسخ المطبوعة: "أخذ".

(5)

هو العكبري. والنقل مستمرٌّ من "العدّة".

(6)

ابن شاقْلا.

ص: 94

المنصور للفتيا ذكرتُ هذه المسألة، فقال لي رجل: فأنتَ هو ذا تحفظ

(1)

هذا القدر حتى تفتي الناس؟ فقلتُ له: عافاك الله، إنْ كنتُ أنا

(2)

لا أحفظ هذا المقدار فإنِّي هو ذا أفتي الناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه.

قال القاضي أبو يعلى

(3)

: "وظاهر هذا الكلام من أحمد أنه لا يكون من أهل الاجتهاد إذا لم يحفظ من الحديث هذا القدر الكثير الذي ذكره، وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ في الفتوى". ثم ذكر حكاية أبي إسحاق لمَّا جلس في جامع المنصور، قال:"وليس هذا الكلام من أبي إسحاق مما يقتضي أنه كان يقلِّد أحمد فيما يفتي به، لأنه قد نصَّ في بعض "تعاليقه" على كتاب "العلل" على الدلالة على منع الفتوى بغير علم، لقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].

قلتُ: هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأصحاب أحمد:

أحدها: أنه لا يجوز الفتوى بالتقليد، لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام. ولا خلاف بين الناس أنَّ التقليد ليس بعلم، وأنَّ المقلِّد لا يطلَق عليه اسمُ عالم. وهذا قول أكثر

(4)

الأصحاب وقول جمهور الشافعية.

(1)

في النسخ المطبوعة: "لا تحفظ". وفي "العدَّة" و"طبقات الحنابلة"(3/ 293) كما أثبتنا من جميع النسخ.

(2)

"أنا" ساقط من النسخ المطبوعة.

(3)

في "العدَّة"(5/ 1597 - 1598).

(4)

"أكثر" ساقط من ت.

ص: 95

والثاني: أن ذلك يجوز فيما يتعلَّق بنفسه، فيجوز له أن يقلِّد غيرَه من العلماء إذا كانت الفتوى لنفسه، ولا يجوز أن يقلِّد العالمَ فيما يفتي به غيرَه. وهذا قول ابن بطة وغيره من أصحابنا. قال القاضي

(1)

: ذكر ابن بطَّة في مكاتباته إلى البرمكي

(2)

: لا يجوز له أن يفتي بما يسمع من يفتي

(3)

، وإنما يجوز أن يقلِّد لنفسه. فأما أن يتقلَّد لغيره ويُفتي به، فلا.

والقول الثالث: أنه يجوز ذلك عند الحاجة وعدم العالم المجتهد. وهو أصحُّ الأقوال، وعليه العمل. قال القاضي

(4)

: ذكر أبو حفص في "تعاليقه" قال: سمعتُ أبا علي الحسن بن عبد الله النجَّاد يقول: سمعتُ أبا الحسن بن بشران

(5)

يقول: ما أعيب على رجلٍ يحفظ لأحمد

(6)

خمسَ مسائل، استند إلى بعض سواري المسجد يفتي الناسَ

(7)

بها.

(1)

في "العدّة"(5/ 1598).

(2)

هو أبو إسحاق إبراهيم بن عمر البرمكي (361 - 445). ترجمته في "طبقات الحنابلة"(3/ 352).

(3)

كذا في جميع النسخ وأصل "العدَّة"، وقد أثبت محققها:"ممن يفتي". وفي "شرح الكوكب المنير"(4/ 562): "من مفتٍ".

(4)

في "العدَّة"(5/ 1598). وانظر: "طبقات الحنابلة"(3/ 118) و"المسودة"(ص 517) و"شرح الكوكب المنير (4/ 562).

(5)

كذا في ح، ف. وفي س، ت بإهمال السين، وفي ع بإهمال أوله أيضًا. والصواب: بشَّار كما في المطبوع. ولا أدري كيف اتفقت النسخ على هذا الخطأ. وهو علي بن محمد بن بشّار أبو الحسن الزاهد. حدَّث عن أبي بكر المرُّوذي وصالح وعبد الله ابني الإمام أحمد. توفي سنة 313. ترجمته في "طبقات الحنابلة" (3/ 108).

(6)

ع: "عن أحمد"، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي "العدَّة" وغيرها كما أثبت.

(7)

"الناس" ساقط من ع، ف.

ص: 96

وقال الشافعي فيما رواه عنه الخطيب في كتاب "الفقيه والمتفقه" له

(1)

: لا يحِلُّ لأحدٍ أن يفتي في دين الله إلا رجلًا عارفًا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به

(2)

. ويكون بعد ذلك بصيرًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالناسخ والمنسوخ، ويعرف من الحديث مثلَ ما عرف من القرآن. ويكون بصيرًا باللغة، بصيرًا بالشعر وما يحتاج إليه للعلم

(3)

والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف. ويكون بعد هذا مشرفًا على اختلاف أهل الأمصار. وتكون له قريحة بعد هذا. فإذا كان هذا

(4)

هكذا فله أن يتكلَّم ويفتي في الحلال والحرام. وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي.

وقال صالح بن أحمد: قلتُ لأبي: ما تقول في الرجل يُسأل عن الشيء، فيجيب بما في الحديث، وليس بعالم في الفقه؟ فقال: ينبغي للرجل إذا حمَل نفسَه على الفتيا أن يكون عالمًا بالسُّنن، عالمًا بوجوه القرآن، عالمًا بالأسانيد

(5)

الصحيحة

(6)

. وذكر الكلام المتقدِّم.

(1)

(2/ 331 - 332). وفي سنده أحمد بن مروان المالكي، اتهمه الدارقطني.

(2)

بعده في "الفقيه والمتفقه": "وفيما أنزل".

(3)

ح، ف:"العلم". وفي مصدر النقل ما أثبت من غيرهما. وفي النسخ المطبوعة: "للسنَّة"، ولعله تصرف من بعض الناشرين.

(4)

"فإذا كان هذا" ساقط من ع لانتقال النظر.

(5)

ح، ف:"بوجوه الأسانيد". ولعله سهو. فالمثبت من غيرهما موافق لمصدر النقل وهو "الفقيه والمتفقه"، وكذا ذكره المؤلف قبل قليل، وكذا سيأتي في آخر الكتاب.

(6)

سبق تخريجه.

ص: 97