الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْقُرْطُبِيّ صَححهُ أَبُو مُحَمَّد عبد الحق قَالَ وَهَذَا يرفع الْإِشْكَال ويزيل كل احْتِمَال وَالسّنة يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا وَكَذَلِكَ الْآيَات وَلَا سَبِيل إِلَى حمله على صِفَات الذَّات المقدسة فَإِن الحَدِيث فِيهِ التَّصْرِيح بتجدد النُّزُول واختصاصه بِبَعْض الْأَوْقَات والساعات وصفات الرب يجب اتصفاها بالقدم وتنزيهها عَن الْحُدُوث والتجدد بِالزَّمَانِ
قيل وكل مَا لم يكن فَكَانَ وَلم يثبت فَثَبت من أَوْصَافه تَعَالَى فَهُوَ من قبيل صِفَات الْأَفْعَال فالنزول والإستواء من صِفَات الْأَفْعَال وَالله تَعَالَى أعلم
تَنْبِيه
قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية جماع الْأَمر أَن الْأَقْسَام الممكنة فِي آيَات الصِّفَات وأحاديثها سِتَّة أَقسَام كل قسم عَلَيْهِ طَائِفَة من أهل الْقبْلَة
قِسْمَانِ يَقُولُونَ تجرى على ظواهرها
وقسمان يَقُولُونَ على خلاف ظواهرها
وقسمان يسكتون
أما الْأَولونَ فقسمان
أَحدهمَا من يجريها على ظَاهرهَا من جنس صِفَات المخلوقين فَهَؤُلَاءِ المشبهة ومذهبهم بَاطِل أنكرهُ السّلف وإليهم توجه الرَّد بِالْحَقِّ
الثَّانِي من يجريها على ظَاهرهَا اللَّائِق بِجلَال الله كَمَا يجْرِي اسْم الْعَلِيم والقدير والرب والإله وَالْمَوْجُود والذات وَنَحْو ذَلِك على ظَاهرهَا اللَّائِق بِجلَال الله تَعَالَى فَإِن ظواهر هَذِه الصِّفَات فِي حق المخلوقين إِمَّا جَوْهَر مُحدث وَإِمَّا عرض قَائِم
فالعلم وَالْقُدْرَة وَالْكَلَام والمشيئة وَالرَّحْمَة وَالرِّضَا وَالْغَضَب وَنَحْو ذَلِك فِي حق العَبْد أَعْرَاض وَالْوَجْه وَالْيَد وَالْعين فِي حَقه أجسام فَإِذا كَانَ الله مَوْصُوفا عِنْد عَامَّة أهل الْإِثْبَات بِأَن لَهُ علما وقدرة وكلاما ومشيئة وَإِن لم تكن أعراضا يجوز عَلَيْهَا مَا يجوز على صِفَات المخلوقين فَكَذَلِك الْوَجْه وَالْيَد وَالْعين صِفَات لَهُ تَعَالَى لَيست كصفات المخلوقين
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الَّذِي حَكَاهُ الْخطابِيّ وَغَيره عَن السّلف وَعَلِيهِ يدل كَلَام جمهورهم وَكَلَام البَاقِينَ لايخالفه وَهُوَ أَمر وَاضح فَإِن الصِّفَات كالذات فَكَمَا أَن ذَات الله ثَابِتَة حَقِيقَة من غير أَن تكون من جنس ذَوَات المخلوقين فَكَذَلِك صِفَاته ثَابِتَة من
غير أَن تكون من جنس صِفَات الْمَخْلُوقَات فَمن قَالَ لَا أَعقل علما ويدا إِلَّا من جنس الْعلم وَالْيَد المعهودتين قيل لَهُ فَكيف تعقل ذاتا من غير جنس ذَوَات المخلوقين وَمن الْمَعْلُوم أَن صِفَات كل مَوْصُوف تناسب ذَاته وتلائم حَقِيقَته فَمن لم يفهم من صِفَات الرب الَّذِي لَيْسَ كمثله شَيْء إِلَّا مَا يُنَاسب الْمَخْلُوق فقد ضل فِي عقله وَدينه
وَمَا أحسن مَا قَالَ بَعضهم إِذا قَالَ لَك الجهمي كَيفَ اسْتَوَى أَو كَيفَ ينزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا أَو كَيفَ يَدَاهُ وَنَحْو ذَلِك فَقل لَهُ كَيفَ هُوَ فِي نَفسه فَإِذا قَالَ لَا يعلم مَا هُوَ إِلَّا هُوَ وكنه الْبَارِي غير مَعْلُوم للبشر فَقل لَهُ فالعلم بكيفية الصّفة يسْتَلْزم الْعلم بكيفية الْمَوْصُوف فَكيف يُمكن أَن تعلم كَيْفيَّة لموصوف لم تعلم كيفيته وَإِنَّمَا تعلم الذَّات وَالصِّفَات من حَيْثُ الْجُمْلَة على الْوَجْه الَّذِي يَنْبَغِي لَهُ بل هَذِه الرّوح قد علم الْعَاقِل اضْطِرَاب النَّاس فِيهَا وإمساك النُّصُوص عَن بَيَان كيفيتها أَفلا يعْتَبر الْعَاقِل بهَا عَن الْكَلَام فِي كَيْفيَّة الله تَعَالَى مَعَ أَنا نقطع بِأَن الرّوح فِي الْبدن وَأَنَّهَا تخرج مِنْهُ وتعرج إِلَى السَّمَاء وَأَنَّهَا تسل مِنْهُ وَقت النزع كَمَا نطقت بذلك النُّصُوص الصَّحِيحَة لَا نغالي فِي تجريدها غلو المتفلسفة وَمن وافقهم حَيْثُ نفوا عَنْهَا الصعُود وَالنُّزُول والإتصال بِالْبدنِ والإنفصال عَنهُ وتخبطوا فِيهَا حَيْثُ رأوها من غير جنس الْبدن وَصِفَاته فَعدم مماثلتها للبدن لَا يَنْبَغِي أَن تكون هَذِه الصِّفَات ثَابِتَة لَهَا بحسبها
قَالَ وَأما القسمان اللَّذَان يَقُولُونَ هِيَ على خلاف ظواهرها فقسمان
قسم يتأولونها ويعينون المُرَاد مثل قَوْلهم اسْتَوَى بِمَعْنى استولى أَو بِمَعْنى علو المكانة وَالْقدر أَو بِمَعْنى ظُهُور نوره للعرش أَو بِمَعْنى انْتِهَاء الْخلق إِلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك من مَعَاني المتكلفين
وَقسم يَقُولُونَ الله أعلم بالمراد بهَا لَكنا نعلم أَنه لم يرد بهَا إِثْبَات صفة خَارِجَة عَمَّا علمناه
قَالَ وَأما القسمان الواقفان
فقسم يَقُولُونَ يجوز أَن يكون المُرَاد ظَاهرهَا اللَّائِق بِاللَّه تَعَالَى وَيجوز أَن لَا يكون صفة لله وَهَذِه طَريقَة كثير من الْفُقَهَاء وَغَيرهم
وَقسم يمسكون عَن هَذَا كُله وَلَا يزِيدُونَ على تِلَاوَة الْقُرْآن وَقِرَاءَة الحَدِيث معرضين بقلوبهم وألسنتهم عَن هَذِه التقديرات
قَالَ فَهَذِهِ الْأَقْسَام السِّتَّة لَا يُمكن أَن يخرج الرجل عَن قسم مِنْهَا
قَالَ وَالصَّوَاب فِي كثير من آيَات الصِّفَات وأحاديثها الْقطع بالطريقة الثَّانِيَة انْتهى كَلَام ابْن تَيْمِية