الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَله تَعَالَى وَجه وَيَد وَنَفس فَمَا ذكر الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْوَجْه وَالْيَد وَالنَّفس فَهُوَ لَهُ صِفَات بِلَا كَيفَ وَلَا يُقَال إِن يَده قدرته أَو نعْمَته لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة وَهُوَ قَول أهل الْقدر والإعتزال إِلَى آخر مَا قَالَ كَمَا تقدم
تَنْبِيه
روى مُسلم وَابْن ماجة حَدِيث إِن الله لَا ينَام وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام حجابه النُّور لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه
قَالَ النوري مَعْنَاهُ الْإِخْبَار أَنه تَعَالَى لَا ينَام وَأَنه مُسْتَحِيل فِي حَقه النّوم فَإِن النّوم انغمار وَغَلَبَة على الْعقل يسْقط بِهِ الإحساس وَالله منزه عَن ذَلِك وسبحات وَجهه نوره وجلاله وبهاؤه بِضَم السِّين وَالْبَاء
وَقيل سبحات الْوَجْه محاسنه لِأَنَّهُ يُقَال سُبْحَانَ الله عِنْد رؤيتها
والحجاب أَصله فِي اللُّغَة الْمَنْع والستر وَهُوَ إِنَّمَا يكون للأجساد وَالله منزه عَن ذَلِك
وَالْمرَاد هُنَا الْمَانِع من رُؤْيَته وسمى ذَلِك الْمَانِع نور لِأَنَّهُ يمْنَع فِي الْعَادة من الْإِدْرَاك كشعاع الشَّمْس وَالْمرَاد بِالْوَجْهِ الذَّات وَالْمرَاد بِمَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره جَمِيع الْمَخْلُوقَات لِأَن بَصَره سُبْحَانَهُ مُحِيط بِجَمِيعِ الكائنات وَالتَّقْدِير لَو زَالَ الْمَانِع من رُؤْيَته وَهُوَ الْحجاب الْمُسَمّى نورا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذَاته جَمِيع مخلوقاته لكنه محتجب عَن الْخلق بأنوار عزه وجلاله
وَقيل الْحجاب الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث وَغَيره يرجع إِلَى الْخلق لأَنهم هم المحجوبون عَنهُ فالحجاب رَاجع إِلَى منع الإبصار من الْإِصَابَة بِالرُّؤْيَةِ فَلَو كشف الْحجاب الَّذِي على أعين النَّاس وَلم يثبتهم لرُؤْيَته لَاحْتَرَقُوا من جَلَاله وهيبته كَمَا خر مُوسَى صعقا وتقطع الْجَبَل دكا حِين تجلى سُبْحَانَهُ لَهُ
وَمن الْمُتَشَابه الْعين فِي قَوْله تَعَالَى {ولتصنع على عَيْني} طه 39 وَقَوله {فَإنَّك بأعيننا} الطّور 48 وَقَوله {تجْرِي بأعيننا} الْقَمَر 14
وتأويله أَن المُرَاد {تجْرِي بأعيننا} أَي بمرأى منا أَي وَنحن نرَاهَا أَو أَن المُرَاد بأعيننا أَي بحفظنا وكلاءتنا أَو أَن المُرَاد بِهِ أعين المَاء أَي تجْرِي بأعين خلقناها وفجرناها فَهِيَ إِضَافَة ملك لَا إِضَافَة صفة ذاتية وَالْمرَاد تجْرِي بأوليائنا وَخيَار خلقنَا
وَقَوله {ولتصنع على عَيْني} أَي تربى وتغذى على مرأى مني وَكَذَا {فَإنَّك بأعيننا} أَي بمرأى منا وَفِي حفظنا كَقَوْلِهِم أَنْت بِعَين الله أَي فِي حفظه
وَقَالَ بَعضهم الْعين مؤولة بالبصر والإدراك بل قيل إِنَّهَا حَقِيقَة فِي ذَلِك خلافًا لتوهم بعض النَّاس أَنا مجَاز قَالَ وَإِنَّمَا الْمجَاز فِي تَسْمِيَة الْعُضْو بهَا
وَمذهب السّلف إِثْبَات ذَلِك صفة لَهُ تَعَالَى لحَدِيث البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا حِين ذكر الدَّجَّال عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِن الله لَا يخفى عَلَيْكُم إِن الله لَيْسَ بأعور وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنَيْهِ الحَدِيث
قَالَ الْقُرْطُبِيّ قَالَ الْعلمَاء مِنْهُم الْبَيْهَقِيّ وَفِي هَذَا نفي نقص العور عَن الله تَعَالَى وَإِثْبَات الْعين لَهُ صفة وعرفنا بقوله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} أَنَّهَا لَيست بحدقة وَأَن الْوَجْه لَيْسَ بِصُورَة وَأَنَّهَا صفة ذَات انْتهى
وَقَالَت الْحَنَابِلَة قد ورد السّمع بِإِثْبَات صفة لَهُ تَعَالَى وَهِي الْعين تجْرِي مجْرى السّمع وَالْبَصَر وَلَيْسَ المُرَاد إِثْبَات عين هِيَ حدقة ماهيتها شحمة لِأَن هَذِه الْعين من جسم مُحدث وَأما الْعين الَّتِي وصف بهَا البارئ فَهِيَ مُنَاسبَة لذاته فِي كَونهَا غير
جسم وَلَا جَوْهَر وَلَا عرض وَلَا يعرف لَهَا مَاهِيَّة وَلَا كَيْفيَّة قَالُوا وَقد امْتنعت الْمُعْتَزلَة والأشعرية من أَن يُقَال لله عين فَأَما الْمُعْتَزلَة فيقوى ذَلِك عِنْدهم لأَنهم لَا يَقُولُونَ سميع بسمع بَصِير ببصر بل يَقُولُونَ بَصِير لذاته سميع لذاته وَأما الأشعرية فيضعف هَذَا على قَوْلهم لأَنهم يوافقون على أَنه بَصِير ببصر سميع بسمع وَإِنَّمَا امْتَنعُوا من تَسْمِيَة عين لما استوحشوا من معنى الْعين فِي الشَّاهِد فقاوا بالتأويلات وَمن الْفَاسِد قِيَاس الْغَائِب على الشَّاهِد
وَمن الْمُتَشَابه الْيَد فِي قَوْله تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم} الْفَتْح 10 {لما خلقت بيَدي} ص 75 {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة 64 {مِمَّا عملت أَيْدِينَا} يس 71 {قل إِن الْفضل بيد الله} آل عمرَان 73
وتأويله أَن المُرَاد بِالْيَدِ الْقُدْرَة
وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ الْيَد صفة ورد بهَا الشَّرْع وَالَّذِي يلوح من معنى هَذِه الصّفة أَنَّهَا قريبَة من معنى الْقُدْرَة إِلَّا أَنَّهَا أخص وَالْقُدْرَة أَعم كالمحبة مَعَ الْإِرَادَة والمشيئة فَإِن فِي الْيَد تَشْرِيفًا لَازِما
وَذَهَبت الْمُعْتَزلَة وَطَائِفَة من الأشعرية إِلَى أَن المُرَاد باليدين فِي قَوْله {لما خلقت بيَدي} معنى النعمتين وَطَائِفَة من الأشعرية أَن المُرَاد باليدين هُنَا الْقُدْرَة لِأَن الْيَد فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْقُدْرَة كَقَوْلِه
. فَقُمْت وَمَالِي بالأمور يدان
…
ويحقق هَذَا ويوضحه أَن الْخلق من جِهَة الله إِنَّمَا هُوَ مُضَاف إِلَى قدرته لَا إِلَى يَده وَلِهَذَا يسْتَقلّ فِي إِيجَاد الْخلق بقدرته ويستغني عَن يَد وَآلَة يفعل بهَا مَعَ قدرته
وَقَوله {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة 64 ثنى الْيَد مُبَالغَة فِي الرَّد على الْيَهُود وَنفي الْبُخْل عَنهُ وإثباتا لغاية الْجُود فَإِن غَايَة مَا يبذله السخي من مَاله أَن يُعْطِيهِ بيدَيْهِ وتنبيها على منح الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
أَو المُرَاد بالتثينة بِاعْتِبَار نعْمَة الدُّنْيَا ونعمة الْآخِرَة
أَو بِاعْتِبَار قُوَّة الثَّوَاب وَقُوَّة الْعقَاب
وَمذهب السّلف والحنابلة أَن المُرَاد إِثْبَات صفتين ذاتيتين تسميان يدين يزيدان على النِّعْمَة وَالْقُدْرَة محتجين بِأَن الله تَعَالَى أثبت لآدَم من المزية والإختصاص مَا لم يثبت مثله لإبليس بقوله {لما خلقت بيَدي} ص 75 وَإِلَّا فَكَانَ إِبْلِيس يَقُول وَأَنا أَيْضا خلقتني بيديك فَلَا مزية لآدَم وَلَا تشريف
فَإِن قيل إِنَّمَا أضيف ذَلِك إِلَى آدم ليوجب لَهُ تَشْرِيفًا وتظيما على إِبْلِيس وَمُجَرَّد النِّسْبَة فِي ذَلِك كَافِي فِي التشريف كناقة الله وَبَيت الله فَهَذَا كَاف فِي التشريف وَإِن كَانَت النوق والبيوت كلهَا لله
فَالْجَوَاب مَا قَالُوهُ أَن التشريف بِالنِّسْبَةِ إِذا تجردت عَن إِضَافَة إِلَى صفة اقْتضى مُجَرّد التشريف فَأَما النِّسْبَة إِذا اقترنت بِذكر صفة أوجب ذَلِك إِثْبَات الصّفة الَّتِي لولاها مَا تمت النِّسْبَة فَإِن قَوْلنَا خلق الله الْخلق بقدرته لما نسب الْفِعْل إِلَى تعلقه بِصفة
الله اقْتضى ذَلِك إِثْبَات الصّفة وَكَذَا أحَاط بالخلق بِعِلْمِهِ يَقْتَضِي إحاطة بِصفة هِيَ الْعلم فَكَذَلِك هُنَا لما كَانَ ذكر التَّخْصِيص مُضَافا إِلَى صفة وَجب إِثْبَات تِلْكَ الصّفة على وَجه يَلِيق بِهِ سُبْحَانَهُ لَا بِمَعْنى الْعُضْو والجارحة والجسمية والبعضية والكمية والكيفية تَعَالَى الله عَن ذَلِك
وَأَيْضًا فَلَو أَرَادَ بِالْيَدِ النِّعْمَة لقَالَ لما خلقت ليدي لِأَنَّهُ خلق لنعمة لَا بِنِعْمَة
وَأَيْضًا فقدرة الله وَاحِدَة لَا تدْخلهَا التَّثْنِيَة وَالْجمع
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي قَوْله بيَدي فِي تَحْقِيق الله التَّثْنِيَة فِي الْيَد دَلِيل على أَنَّهَا لَيست بِمَعْنى الْقُدْرَة وَالْقُوَّة وَالنعْمَة وأنهما صفتان من صِفَات ذَاته
وَقَالَ ابْن اللبان فَإِن قلت فَمَا حَقِيقَة الْيَدَيْنِ فِي خلق آدم قلت الله أعلم بِمَا أَرَادَ قَالَ وَالَّذِي يظْهر أَن الْيَدَيْنِ اسْتِعَارَة لنُور قدرته الْقَائِم بِصفة فَضله وَصفَة عدله
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات بَاب مَا جَاءَ فِي إِثْبَات الْيَدَيْنِ صفتين لَا من حَيْثُ الْجَارِحَة قَالَ الله {يَا إِبْلِيس مَا مَنعك أَن تسْجد لما خلقت بيَدي} ص 75 وَقَالَ {بل يَدَاهُ مبسوطتان} الْمَائِدَة 64 وَذكر الْأَحَادِيث الصِّحَاح فِي ذَلِك
كَحَدِيث يَا آدم أَنْت أَبُو الْبشر خلقك الله بِيَدِهِ وَحَدِيث أَنْت مُوسَى اصطفاك الله بِكَلَامِهِ وَخط لَك الألواح بِيَدِهِ وَفِي لفظ وَكتب لَك التَّوْرَاة بِيَدِهِ وَذكر أَحَادِيث كَثِيرَة مثل وَالْخَيْر بيديك
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ قَالَ بعض أهل النّظر قد تكون الْيَد بِمَعْنى الْقُوَّة كَقَوْلِه {دَاوُد ذَا الأيد} ص 17 ذَا الْقُوَّة وَبِمَعْنى الْملك وَالْقُدْرَة كَقَوْلِه {إِن الْفضل بيد الله} آل عمرَان 73 وَبِمَعْنى النِّعْمَة كَقَوْلِهِم لي عِنْد فلَان يَد وَتَكون صلَة أَي زَائِدَة كَقَوْلِه {مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما} يس 71 أَي مِمَّا عَمِلْنَاهُ نَحن وَبِمَعْنى الْجَارِحَة كَقَوْلِه {وَخذ بِيَدِك ضغثا} ص 44
قَالَ فَأَما قَوْله {لما خلقت بيَدي} فَلَا يحمل على الْجَارِحَة لِأَن البارئ وَاحِد لَا يَتَبَعَّض وَلَا على الْقُوَّة وَالْقُدْرَة وَالْملك وَالنعْمَة والصلة لِأَن الإشتراك يَقع حِينَئِذٍ بَين وليه آدم