المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقالة الخلفاء عند حضور الموت - المحتضرين لابن أبي الدنيا

[ابن أبي الدنيا]

الفصل: ‌مقالة الخلفاء عند حضور الموت

‌مَقَالَةُ الْخُلَفَاءِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ

ص: 49

36 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْبَهِيِّ قَالَ: " لَمَّا احْتُضِرَ أَبُو بَكْرٍ، جَاءَتْ عَائِشَةُ فَتَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ:

[البحر الطويل]

لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثْرَاءُ عَنِ الْفَتَى

إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهِ الصَّدْرُ

فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: لَيْسَ كَذَاكَ، وَلَكِنْ قُولِي:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19] ، انْظُرُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَاغْسِلُوهُمَا وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا؛ فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إِلَى الْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ "

ص: 51

37 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْضِي:

[البحر الطويل]

" وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ

رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

⦗ص: 52⦘

فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "

ص: 51

38 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ سَبَلَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: " حَضَرْتُ أَبِي وَهُوَ يَمُوتُ، وَأَنَا جَالِسَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَخَذَتْهُ غَشْيَةٌ، فَتَمَثَّلْتُ بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ فَقُلْتُ:

مَنْ لَا يَزَالُ دَمْعُهُ مُقَنَّعًا

فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مَرَّةً مَدْفُوقُ

فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللَّهُ:{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]

ص: 52

39 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ ، وَغَيْرُهُ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، سَمِعَ أَبَا السَّفَرِ قَالَ: دَخَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا يَنْظُرُ إِلَيْكَ؟

⦗ص: 53⦘

قَالَ: " قَدْ نَظَرَ إِلَيَّ، قَالُوا: مَا قَالَ؟ قَالَ: إِنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدُ "

ص: 52

40 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أُسَيْرٍ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، اعْهَدْ إِلَيَّ عَهْدًا؛ فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تَعْهَدُ إِلَيَّ بَعْدَ يَوْمِكَ هَذَا شَيْئًا، قَالَ:«أَجَلْ يَا سَلْمَانُ، إِنَّهَا سَتَكُونُ فُتُوحٌ، فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا كَانَ مِنْ حَظِّكَ مِنْهَا مَا جَعَلْتَ فِي بَطْنِكَ أَوْ أَلْقَيْتَهُ عَلَى ظَهْرِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا تَقْتُلَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ ذِمَّةِ اللَّهِ؛ فَيَطْلُبَكَ اللَّهُ بِذِمَّتِهِ، فَيَكُبَّكَ عَلَى وَجْهِكَ فِي النَّارِ»

ص: 53

41 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا

⦗ص: 54⦘

سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ كَعْبٌ لِعُمَرَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ؛ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهَ إِنَّكَ تَجِدُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَكِنْ أَجِدُ صِفَتَكَ وَحِلْيَتَكَ، قَالَ: وَعُمَرُ لَا يُحِسُّ أَجَلًا وَلَا وَجَعًا. فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثٌ طَعَنَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ، فَجَعَلَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ، وَدَخَلَ فِي النَّاسِ كَعْبٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ:

[البحر الطويل]

فَأَوْعَدَنِي كَعْبٌ ثَلَاثًا يَعُدُّهَا

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَ لِي كَعْبُ

وَمَا بِي حَذَارُ الْمَوْتِ إِنِّي لَمَيِّتٌ

وَلَكِنْ حَذَارُ الذَّنْبِ يَتْبَعُهُ الذَّنْبُ "

ص: 53

42 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ

⦗ص: 55⦘

، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يُحَدِّثُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَأْسُ عُمَرَ فِي حِجْرِي فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ لِي:" ضَعْ خَدِّي عَلَى الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: وَمَا كَانَ عَلَيْكَ كَانَ فِي حِجْرِي أَوْ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: ضَعْهُ لَا أُمَّ لَكَ، فَوَضَعْتُهُ، فَقَالَ: وَيْلِي، وَيْلٌ لِأُمِّي إِنْ لَمْ يَرْحَمْنِي رَبِّي "

ص: 54

43 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ، لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ:«لَوْ أَنَّ لِي مَا عَلَى الْأَرْضِ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمُطَّلَعِ»

ص: 55

44 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي رحمه الله قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ

⦗ص: 56⦘

: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: «لَوْ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَافْتَدَيْتُ بِهَا مِنَ النَّارِ، وَإِنْ لَمْ أَرَهَا»

ص: 55

45 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو يَعْنِي ابْنَ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ طُعِنَ، وَرَأْسُهُ فِي التُّرَابِ، فَذَهَبْتُ أَرْفَعُهُ، فَقَالَ:«دَعْنِي، وَيْلِي، وَيْلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لِي. وَيْلِي، وَيْلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لِي»

ص: 56

46 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ قُلْتُ لَهُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ:«وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ مَا أَمَامِي قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ مَا الْخَبَرُ»

ص: 56

47 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيَّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ بَانَكَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ " مُتَمَثِّلًا يَوْمَ دُخِلَ عَلَيْهِ فَقُتِلَ:

[البحر الطويل]

أَرَى الْمَوْتَ لَا يُبْقِي عَزِيزًا وَلَمْ يَدَعْ

لِعَادٍ مِلَاكًا فِي الْبِلَادِ وَمُرْتَقَا

وَقَالَ أَيْضًا:

يُبَيِّتُ أَهْلَ الْحِصْنِ وَالْحِصْنُ مُغْلَقٌ

وَيَأْتِي الْجِبَالَ فِي شَمَارِيخِهَا الْعُلَا "

ص: 57

48 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْأَشْرَسِ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَضْرَمِيِّ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَّامٍ قَالَ لِمَنْ حَضَرَ تَشَحُّطَ عُثْمَانَ فِي الْمَوْتِ حِينَ ضَرَبَهُ أَبُو رُومَانَ الْأَضْحَى: مَاذَا كَانَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ؟

⦗ص: 58⦘

قَالُوا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْمَعْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ اجْمَعْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ» ثَلَاثًا. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دَعَا اللَّهَ عَلِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا أَبَدًا مَا اجْتَمَعُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

ص: 57

49 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى السُّلَمِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ ضَبَّةَ، أَنَّ عُثْمَانَ جَعَلَ يَقُولُ حِينَ ضُرِبَ وَالدِّمَاءُ تُسَايَلُ عَلَى لِحْيَتِهِ:{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَيْهِمْ، وَأَسْتَعِينُكَ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِي، وَأَسْأَلُكَ الصَّبْرَ عَلَى مَا أَبْلَيْتَنِي "

ص: 58

50 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَشَّارُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ - أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي - نَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ، فَأَذِنَ لَنَا. فَلَمَّا خَرَجْتُ اسْتَقْبَلَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ

⦗ص: 59⦘

بِالْبَابِ، فَدَخَلَ وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ، فَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ، فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ عُثْمَانَ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَا أَنَذَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَمُرْنِي بِأَمْرِكَ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ:" يَا ابْنَ أَخِي وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، إِنَّ الْقَوْمَ مَا يُرِيدُونَ غَيْرِي، وَوَاللَّهِ لَا أَتَوَقَّى بِالْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ أُوَقِّي الْمُؤْمِنِينَ بِنَفْسِي. فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِكَ كَوْنٌ، فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: انْظُرُوا مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، كُونُوا مَعَ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ كَانَتْ " قَالَ بَشَّارٌ: فَحَدَّثَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، فَرَقَّ، وَدَمِعَتْ عَيْنُهُ وَقَالَ: رَحِمَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حُوصِرَ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ تَبْدُ مِنْهُ كَلِمَةٌ يَكُونُ لِمُبْتَدِعٍ فِيهَا حُجَّةٌ

ص: 58

51 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ،: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الْغَنَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي

⦗ص: 60⦘

الْأَصْبَغُ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: " لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُصِيبَ فِيهَا عَلِيٌّ رحمه الله أَتَاهُ ابْنُ النَّبَّاحِ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مُتَثَاقِلٌ، فَعَادَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ كَذَاكَ، ثُمَّ عَادَ الثَّالِثَةَ، فَقَامَ عَلِيٌّ يَمْشِي وَهُوَ يَقُولُ:

[البحر الهزج]

شُدَّ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْ

تِ فَإِنَّ الْمَوْتَ آتِيَكَ

وَلَا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ

إِذَا حَلَّ بِوَادِيكَ

فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ الصَّغِيرَ شَدَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ فَضَرَبَهُ، فَخَرَجَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ فَجَعَلَتْ تَقُولُ: مَا لِي وَلِصَلَاةِ الْغَدَاةِ؟ قُتِلَ زَوْجِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَاةَ الْغَدَاةِ، وَقُتِلَ أَبِي صَلَاةَ الْغَدَاةِ "

ص: 59

52 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ

⦗ص: 61⦘

، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لَمَّا ضَرَبَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ:«فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»

ص: 60

53 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُعْفِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ عَلِيًّا، لَمَّا ضُرِبَ أَوْصَى بَنِيهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا بِـ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ

ص: 61

54 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامًا، قَالَ: أَخْرَجَ مُعَاوِيَةُ ذِرَاعَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَسِيبَا نَخْلٍ ثُمَّ قَالَ: " مَا الدُّنْيَا إِلَّا مَا ذُقْنَا وَجَرَّبْنَا. وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَغْبُرْ فِيكُمْ ثَلَاثًا حَتَّى أَلْحَقَ بِاللَّهِ. قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِلَى رِضْوَانِهِ، قَالَ: إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي لَمْ آلُ. وَمَا أَنَا إِنْ يُغَيِّرْ غَيَّرَ؟ "

ص: 61

55 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا

⦗ص: 62⦘

مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَكَأَنَّ ذِرَاعَيْهِ سَعْفَتَانِ مُحْتَرِقَتَانِ، فَقَالَ:«إِنَّكُمْ تُقَلِّبُونَ غَدًا فَتًى حُوَّلًا قُلَّبًا، وَأَيُّ فَتَى أَهْلِ بَيْتٍ إِنْ نَجَا غَدًا مِنَ النَّارِ؟»

ص: 61

56 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ، وَهُوَ يُقَلَّبُ فِي مَرَضِهِ، وَقَدْ صَارَ كَأَنَّهُ سَعَفَةٌ مُحْتَرِقَةٌ:«أَيُّ شَيْخٍ تُقَلِّبُونَ إِنْ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ غَدًا؟»

ص: 62

57 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ صَالِحٍ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ

⦗ص: 63⦘

: أَنَّ ابْنَةَ رُقَيْقَةَ دَخَلَتْ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: " انْدُبِينِي يَا بِنْتَ رُقَيْقَةَ، فَسُجِّيَتْ بِثَوْبِهَا ثُمَّ قَالَتْ:

[البحر الهزج]

أَلَا ابْكِيهِ أَلَا ابْكِيهِ

أَلَا كُلُّ الْفَتَى فِيهِ

ثُمَّ قَالَ لِابْنَتَيْهِ: اقْلِبْنَنِي، فَقَلَبَتْهُ هِنْدُ وَرَمْلَةُ، فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَتُقَلِّبَانِ حُوَّلًا قُلَّبًا، إِنْ وُقِيَ كَبَّةَ النَّارِ غَدًا:

[البحر الكامل]

لَا يَبْعَدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ

وَسَقَى الْغَوَادِيَ قَبْرَهُ بِذَنُوبِ "

ص: 62

58 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْيَقْظَانِ عَامِرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ، عَنِ الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَيِسَ، قَعَدَ فِي عُلْيَةٍ لَهُ، مُنْفَضِلًا بِمُلَاءَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَضُدَيْهِ قَدِ اسْتَرْخَى لَحْمُهُمَا، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

[البحر الطويل]

⦗ص: 64⦘

حَكَى حَارِثُ الْجُولَانِ مِنْ فَقَدِ رَبِّهِ

وَحُورَانُ مِنْهُ مُوحِشٌ مُتَمَاثِلُ

ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ:

[البحر الوافر]

وَلَكِنْ كَالشِّهَابِ سَنَاهُ يَخْبُو

وَحَادِي الْمَوْتِ عَنْهُ مَا يُحَارُ "

ص: 63

59 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْيَقْظَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْخَنْسَاءِ قَالَ: كَانَ حُيَّيُّ بْنُ هَزَّالٍ السَّعْدِيُّ قَدْ قَالَ - يَعْنِي لِمُعَاوِيَةَ - بَيْتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَمْرَضَ:

[البحر الطويل]

إِذَا مُتَّ مَاتَ الْجُودُ وَانْقَطَعَ النَّدَى

مِنَ النَّاسِ إِلَّا مِنْ قَلِيلٍ مُصَرَّدِ

وَرُدَّتْ أَكُفُّ السَّائِلِينَ وَأَمْسَكُوا

مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِنَدَىً مُجَدَّدِ

فَلَمَّا مَرِضَ قَالَ: ابْعَثُوا إِلَى حُيَيٍّ يُنْشِدُنِي، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ وَهُوَ ثَقِيلٌ "

ص: 64

60 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ

⦗ص: 65⦘

: دَخَلَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدِ انْخَرَطَ أَنْفُكَ، وَذَبُلَتْ شَفَتَاكَ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُكَ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فِي مِثْلِ حَالِكَ إِلَّا مَا تَرَى فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:

[البحر الوافر]

فَإِنَّ الْمَوْتَ لَمْ يَخْلُقْ جَدِيدًا

وَلَا هَضْبًا تُوَقِّلُهُ الْوِبَارُ

وَلَكِنْ كَالشِّهَابِ يُضِي وَيَخْبُو

وَحَادِي الْمَوْتِ عَنْهُ مَا يُحَارُ

فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا

وَهَلْ بِالْمَوْتِ يَا لَلنَّاسِ عَارُ "

ص: 64

61 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ

⦗ص: 66⦘

: أَخَذَتْ مُعَاوِيَةَ قِرَّةٌ، وَاتَّخَذَ لُحَفًا خِفَافًا، فَكَانَتْ تُلْقَى عَلَيْهِ، فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يُنَادِي بِهَا. فَإِذَا أُخِذَتْ عَنْهُ سَأَلَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:«قَبَّحَكِ اللَّهُ دَارًا، مَكَثْتُ فِيكِ عِشْرِينَ سَنَةً أَمِيرًا، وَعِشْرِينَ سَنَةً خَلِيفَةً، ثُمَّ صِرْتُ إِلَى مَا أَرَى»

ص: 65

63 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

⦗ص: 67⦘

الْجُذَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: " دَخَلَ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَخْنَسِ السُّلَمِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ تُدْفِئَانِهِ وَتَرفَعَانِ عَنْهُ اللِّحَافَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مَعْنُ بَكَى؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا يُبْكِيكَ؟ هَذَا الَّذِي يَلْتَمِسُونَ لِي. يُرِيدُ الْبَقَاءَ

ص: 66

64 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ هِشَامٍ الْقَحْذَمِيِّ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ، جَعَلُوا يُدِيرُونَهُ فِي الْقَصْرِ، فَقَالَ:" هَلْ بَلَغْنَا الْخَضْرَاءَ؟ فَصَرَخَتِ ابْنَتُهُ رَمْلَةُ فَقَالَ: مَا أَصْرَخَكِ؟ قَالَتْ: نَحْنُ نُدَوِّرُ بِكَ فِي الْخَضْرَاءِ تَقُولُ هَلْ بَلَغْتُ الْخَضْرَاءَ بَعْدُ؟ فَقَالَ: إِنْ عَزُبَ عَقْلُ أَبِيكِ فَطَالَمَا وَقَرَ "

ص: 67

65 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ كُلْثُومٍ: أَنَّ آخِرَ، خُطْبَةٍ خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ أَنْ قَالَ:«أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي مِنْ زَرْعٍ قَدِ اسْتُحْصِدَ، وَإِنِّي قَدْ وَلِيتُكُمْ، وَلَنْ يَلِيَكُمْ بَعْدِي إِلَّا مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي، كَمَا كَانَ قَبْلِي خَيْرٌ مِنِّي. وَيَا يَزِيدُ إِذَا وَفَى أَجَلِي فَوَلِّ غُسْلِي رَجُلًا لَبِيبًا، فَإِنَّ اللَّبِيبَ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ، فَلْيُنْعِمِ الْغُسْلَ، وَلْيَجْهَرْ بِالتَّكْبِيرِ، ثُمَّ اعْمَدْ إِلَى مِنْدِيلٍ فِي الْخِزَانَةِ فِيهِ ثَوْبٌ مِنْ ثِيَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقُرَاضَةٌ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ، فَاسْتَوْدِعِ الْقُرَاضَةَ أَنْفِي وَفَمِي وَأُذُنَيَّ وَعَيْنَيَّ، وَاجْعَلِ الثَّوْبَ يَلِي جِلْدِي دُونَ أَكْفَانِي. وَيَا يَزِيدُ احْفَظْ وَصِيَّةَ اللَّهِ فِي الْوَالِدَيْنِ، فَإِذَا أَدْرَجْتُمُونِي فِي جَرِيدَتِي، وَوَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي، فَخَلُّوا مُعَاوِيَةَ وَأَرْحمَ الرَّاحِمِينَ»

ص: 68

67 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا

⦗ص: 69⦘

عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: «يَا بُنَيَّ، إِنِّي كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، وَإِنِّي دَعَوْتُ بِمِشْقَصٍ، فَأَخَذْتُ مِنْ شَعَرِهِ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَخُذُوا ذَلِكَ الشَّعَرَ فَاحْشُوا بِهِ فَمِي وَمَنْخَرَيَّ» فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ قُرَيْشٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ تَمَثَّلَتِ ابْنَتُهُ:

[البحر الطويل]

إِذَا مُتَّ مَاتَ الْجُودُ وَانْقَطَعَ النَّدَى

مِنَ النَّاسِ إِلَّا مِنْ قَلِيلٍ مُصَرَّدِ

وَرُدَّتْ أَكُفُّ السَّائِلِينَ وَأَمْسَكُوا

مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِخِلْفٍ مُجَدَّدِ

كَلَّا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مُتَمَثِّلًا:

وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا

أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ

ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ مِنْ أَهْلِهِ: اتَّقُوا اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقِي مَنِ اتَّقَاهُ، وَلَا تُقَى لِمَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ. ثُمَّ قَضَى

ص: 68

68 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْيَقْظَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ احْتَوَشَتْهُ بَنَاتُهُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ، فَسَقَطَتْ يَدُهُ فِي حِجْرِ رَمْلَةَ ابْنَتِهِ، فَقَالَ:«مَنْ هَذَا؟» قَالَتْ رَمْلَةُ: أَنَا يَا أَبَتَاهُ. قَالَ: " حَوِّلِي أَبَاكِ، فَإِنَّكِ تُحَوِّلِينَهُ حُوَّلًا قُلَّبًا. ثُمَّ قَالَ:

[البحر الكامل]

لَا يَبْعَدَنَّ رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمٍ

وَسَقَى الْغَوَادِي قَبْرَهُ بِذَنُوبِ

فَكَانَتْ آخِرَ كَلَامِهِ "

ص: 70

69 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَوَانَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُعَاوِيَةَ الْوَفَاةُ احْتَوَشَهُ أَهْلُهُ، فَقَالَ لَهُمْ وَهُمْ يُقَلِّبُونَهُ: " إِنَّكُمْ لَتُقَلِّبُونَ حُوَّلًا قُلَّبًا، إِنْ نَجَا مِنَ النَّارِ غَدًا، ثُمَّ قَالَ:

[البحر البسيط]

لَقَدْ جَمَعْتُ لَكُمْ مِنْ جَمْعِ ذِي حَسَبٍ

وَقَدْ كَفَيْتُكُمُ التِّرْحَالَ وَالنَّصَبَا "

ص: 71

70 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى الْعُكْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيُّ قَالَ: جَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ: «

[البحر الخفيف]

إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَارَبِّ

عَذَابًا لَا طَوْقَ لِي بِالْعِقَابِ

أَوْ تَجَاوَزْ فَأَنْتَ رَبِّي رَحِيمٌ

عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ»

ص: 71

71 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ يُخْبِرُنِي

⦗ص: 72⦘

، أَنَّ الْهَيْثَمَ بْنَ مَرْوَانَ بْنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عِمْرَانَ حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ صُبَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْحَكَمِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ حِينَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَأَفَاقَ، فَأَرَادَ أَنْ يُرِيَهُمْ فَقَالَ:

[البحر الوافر]

وَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا

وَهَلْ بِالْمَوْتِ يَا لَلنَّاسِ عَارُ "

ص: 71

72 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ، لَمَّا احْتُضِرَ جَعَلَ يَقُولُ: «

[البحر الطويل]

لَعَمْرِي لَقَدْ عُمِّرْتُ فِي الدَّهْرِ بُرْهَةً

وَدَانَتْ لِيَ الدُّنْيَا بِوَقْعِ الْبَوَاتِرِ

وَأُعْطِيتُ جَمَّ الْمَالِ وَالْحِلْمَ وَالنُّهَى

وَسَلَّمَ قَمَاقِيمِ الْمُلُوكِ الْجَبَابِرِ

فَأَضْحَى الَّذِي قَدْ كَانَ مِمَّا يَسُرُّنِي

كَلَمْحٍ مَضَى فِي الْمُزْمِنَاتِ الْغَوَابِرِ

⦗ص: 73⦘

فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَغْنِ فِي الْمُلْكِ سَاعَةً

وَلَمْ أَغْنِ فِي لَذَّاتِ عَيْشٍ نَوَاضِرِ

وَكُنْتُ كَذِي طِمْرَيْنِ عَاشَ بِبُلْغَةٍ

مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى زَارَ ضَنْكَ الْمَقَابِرِ»

ص: 72

73 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَاذِرِ قَالَ: تَمَثَّلَ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ: «

[البحر المنسرح]

لَوْ فَاتَ شَيْءٌ يُرَى لَفَاتَ

أَبُو حَيَّانَ لَا عَاجِزٌ وَلَا وَكِلُ

الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ الْأَرِيبُ وَلَا

يَدْفَعُ رَيْبَ الْمَنِيَّةِ الْحِيَلُ»

ص: 73

74 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِمُعَاوِيَةَ الْمَوْتُ قَالَ: «لَيْتَنِي كُنْتُ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ بِذِي طِوَى، وَأَنِّي لَمْ أَلِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْئًا»

ص: 73

75 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ

⦗ص: 74⦘

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ الْوَفَاةُ، نَظَرَ إِلَى غَسَّالٍ بِجَانِبِ دِمَشْقَ يَلْوِي ثَوْبًا بِيَدِهِ ثُمَّ يَضْرِبُ بِهِ الْمَغْسَلَةَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: " وَاللَّهِ لَيْتَنِي كُنْتُ غَسَّالًا، أُكُلِي كَسْبُ يَدِي يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَأَنِّي لَمْ أَلِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ: فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُو حَازِمٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ إِذَا حَضَرَهُمُ الْمَوْتُ يَتَمَنَّوْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِذَا حَضَرَنَا الْمَوْتُ لَمْ نَتَمَنَّ مَا هُمْ فِيهِ

ص: 73

76 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ قُبَيْصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ

⦗ص: 75⦘

: كُنَّا نَسْمَعُ نِدَاءَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: «يَا أَهْلَ النِّعَمِ، لَا تُغَالُوا مِنْهَا شَيْئًا مَعَ الْعَافِيَةِ. وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ دَاءٌ فِي فَمِهِ»

ص: 74

77 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ قَوْمٌ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ شَدِيدُ الْمَرَضِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لِمَا بِهِ. فَقَالُوا: إِنَّمَا نَدْخُلُ فَنُسَلِّمُ قِيَامًا ثُمَّ نَخْرُجُ. فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَقَدْ أَسْنَدَهُ خَصِيٌّ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَدِ ارْبَدَّ لَوْنُهُ، وَجَرَى مَنْخَرَاهُ، وَشَخَصَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ:«دَخَلْتُمْ عَلَيَّ فِي حَالِ إِقْبَالِ آخِرَتِي وَإِدْبَارِ دُنْيَايَ، وَإِنِّي تَذَكَّرْتُ أَرْجَى عَمَلِي فَوَجَدْتُهُ غَزْوَةً غَزَوْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنَا خِلْوٌ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّا أَبَوَابِنَا هَذِهِ الْخَبِيثَةَ أَنْ تُطِيفُوا بِهَا»

ص: 75

78 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ

⦗ص: 76⦘

: قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فِي مَرَضِهِ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: " أَجِدُنِي كَمَا قَالَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]

ص: 75

79 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: " لَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ الْوَفَاةُ دَعَا بَنِيهِ فَأَوْصَاهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَيْنَ مَقَالَتَيْنِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُبَالِي صَغِيرًا أَخَذَ مِنْ مُلْكِهِ أَوْ كَبِيرًا، وَالْأُخْرَى:

[البحر الوافر]

فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ لَمَّا هَلَكْنَا

وَهَلْ بِالْمَوْتِ يَا لَلنَّاسِ عَارُ؟ "

ص: 76

80 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزَّبْرِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيَّ يُحَدِّثُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ بِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَمْرٌ، فَفَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ، فَإِذَّا بِقَصَّارٍ يَضْرِبُ بِثَوْبٍ لَهُ عَلَى حُجْرٍ، فَقَالَ:«مَا هَذَا؟» قَالُوا: قَصَّارٌ. قَالَ: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ قَصَّارًا» . قَالَهَا مَرَّتَيْنِ. فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ يَفْزَعُونَ وَيَفِرُّونَ إِلَيْنَا وَلَا نَفِرُّ إِلَيْهِمْ

ص: 77

81 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ الْجُمَحِيِّ: أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قِنَّسْرِينَ وَهُوَ قَافِلٌ، فَأَشَارَ لِي إِنْسَانٌ إِلَى قَبْرِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ، فَمَرَّ عَبَّادِيٌّ فَقَالَ: لِمَ وَقَفْتَ هَا هُنَا؟

⦗ص: 78⦘

قُلْتُ: أَنْظُرُ إِلَى قَبْرِ هَذَا الرَّجُلِ، الَّذِي قَدِمَ عَلَيْنَا مَكَّةَ فِي سُلْطَانٍ وَأَمْرٍ، ثُمَّ عَجِبْتُ إِلَى مَا رُدَّ إِلَيْهِ. فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ خبره لَعَلَّكَ تُرْهَبُ؟ قُلْتُ: مَا خَبَرُهُ؟ قَالَ: هَذَا مَلِكُ الْأَرْضِ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَأَخَذَ رُوحَهُ، فَجَاءَ بِهِ أَهْلُهُ فَجَعَلُوهُ هَا هُنَا، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَسَاكِينَ أَهْلِ دِمَشْقَ

ص: 77

82 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ زِيَادٍ الْبَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخُزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ عَامِرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: " أَجْلِسُونِي، فَأُجْلِسَ، فَقَالَ مُتَمَثِّلًا:

[البحر الكامل]

وَتَجَلُّدِي لِلشَّامِتِينَ أُرِيهِمُ

أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ

فَقَالَ سُلَيْمَانُ:

⦗ص: 79⦘

وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا

أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ "

ص: 78

83 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدِّرَامِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ يَأْخُذُ الْمِرْآةَ، فَيَنْظُرُ فِيهَا، فَيُبْصِرُ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَيَقُولُ:«أَنَّ الْمَلِكُ الشَّابُّ» . فَلَمَّا نَزَلَ مَرْجَ دَابِقٍ وَفَشَتِ الْحُمَّى فِي عَسْكَرِهِ، فَنَادَى بَعْضَ خَدَمِهِ، فَجَاءَتْ بِطِشْتٍ، فَسَقَطَتْ. فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: مَحْمُومَةٌ. قَالَ: فَأَيْنَ فُلَانَةٌ؟ قَالَتْ: مَحْمُومَةٌ. فَلَمْ يَعُدَّ أَحَدًا إِلَّا قَالَتْ: مَحْمُومٌ

⦗ص: 80⦘

فَقَالَ سُلَيْمَانُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ خَلِيفَتَهُ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَالِهِ الْوَلِيدِ بْنِ الْقَعْقَاعِ الْعَبْسِيِّ فَقَالَ:

[البحر الكامل]

قَرِّبْ وَضُوءَكَ يَا وَلِيدُ فَإِنَّمَا

هَذِي الْحَيَاةُ تَعِلَّةٌ وَمَتَاعُ

فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ فِي حَيَاتِكَ صَالِحًا

فَالدَّهْرُ فِيهِ فُرْقَةٌ وَجِمَاعُ

وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ "

ص: 79

84 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: لَمَّا احْتُضِرَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ جَعَلَ يَقُولُ: "

[البحر الرجز]

إِنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صِغَارُ

أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ كِبَارُ

قَالَ: فَيَقُولُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَيَقُولُ سُلَيْمَانُ:

إِنَّ بَنِيَّ صِبْيَةٌ صَيْفِيُّونْ

أَفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ شِتْوِيُّونَ

قَالَ: فَيَقُولُ عُمَرُ: أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ "

⦗ص: 81⦘

85 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ آخِرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ سُلَيْمَانُ أَنْ قَالَ: أَسْأَلُكَ مُنْقَلَبًا كَرِيمًا. ثُمَّ قَضَى

ص: 80

86 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ حَكِيمٍ قَالَ: قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَلِكِ - امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ -: كُنْتُ أَسْمَعُ عُمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ أَخْفِ عَلَيْهِمْ مَوْتِي وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتٍ آخَرَ، بَيْنِي وَبَيْنَهُ بَابٌ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] . ثُمَّ هَدَأَ. فَجَعَلْتُ لَا أَسْمَعُ لَهُ حَرَكَةً وَلَا كَلَامًا. فَقُلْتُ لِوَصِيفٍ كَانَ يَخْدُمُهُ: وَيْلَكَ انْظُرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَائِمٌ هُوَ؟ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ صَاحَ فَوَثَبْتُ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ، قَدِ

⦗ص: 82⦘

اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَأَغْمَضَ نَفْسَهَ، وَوَضَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى فِيهِ، وَالْأُخْرَى عَلَى عَيْنَيْهِ "

ص: 81

87 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ: اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: «أُحَذِّرُكُمْ مِثْلَ مَصْرَعِي هَذَا، فَإِنَّهُ لْا بُدَّ لَكُمْ مِنْهُ. وَإِذَا وَضَعْتُمُونِي فِي قَبْرِي، فَانْزِعُوا عَنِّي لَبِنَةً، ثُمَّ انْظُرُوا مَا لَحِقَنِي مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ»

ص: 82

88 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، دُعِيَ لَهُ طَبِيبٌ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: أَرَى الرَّجُلَ قَدْ سُقِيَ السُّمَّ، وَلَا آمَنُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ. فَرَفَعَ عُمَرُ بَصَرَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ:«وَلَا تَأْمَنِ الْمَوْتَ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يُسْقَ السُّمَّ»

⦗ص: 83⦘

. قَالَ الطَّبِيبُ: هَلْ حَسَسْتَ بِذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَدْ عَرَفْتُ حِينَ وَقَعَ فِي بَطْنِي. قَالَ: فَتَعَالَجْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَذْهَبَ نَفْسُكَ. قَالَ:«رَبِّي خَيْرُ مَذْهُوبٍ إِلَيْهِ. وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شِفَائِي عِنْدَ شَحْمَةِ أُذُنِي مَا رَفَعْتُ يَدِي إِلَى أُذُنِي فَتَنَاوَلْتُهُ. اللَّهُمَّ خِرْ لِعُمَرَ فِي لِقَائِهِ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ. رحمه الله»

ص: 82

89 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى بْنُ السَّكَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا. . . . ابْنُ مُحَمَّدٍ الْعِجْلِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَوْتُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَبْشِرْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْيَا بِكَ سُنَنًا، وَأَظْهَرَ بِكَ عَدْلًا. فَبَكَى ثُمَّ قَالَ:" أَلَيْسَ أُوقَفُ فَأُسْأَلُ عَنْ أَمْرِ هَذَا الْخَلْقِ؟ فَوَاللَّهِ لَوْ رَأَيْتُ أَنِّي عَدَلْتُ فِيهِمْ لخِفْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا تَقُومَ بِحُجَّتِهَا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يُلَقِّنَهَا حُجَّتَهَا، فَكَيْفَ بِكَثِيرٍ مِمَّا صَنَعْنَا؟ قَالَ: ثُمَّ فَاضَتْ عَيْنَاهُ. فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا بَعْدَهَا حَتَّى مَاتَ. رحمه الله "

ص: 83

90 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ بَهْرَامَ قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبِي رُقَيَّةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: " لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَالَ: أَجْلِسُونِي. فَأَجْلَسُوهُ، فَقَالَ: أَنَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَقَصَّرْتُ، وَنَهَيْتَنِي فَعَصَيْتُ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَلَكِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَأَحَدَّ النَّظَرَ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَيَّ نَظَرًا شَدِيدًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: إِنِّي لَأَرَى حَضَرَةً، مَا هُمْ إِنْسٌ وَلَا جِنٌّ. ثُمَّ قُبِضَ

ص: 84

91 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الْآدَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حِرَاشُ بْنُ مَالِكٍ الْجُهَنِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: " لَمَّا احْتُضِرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كُنَّا عِنْدَهُ فِي قُبَّةٍ، فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا أَنِ اخْرُجُوا. فَخَرَجْنَا، فَقَعَدْنَا حَوْلَ الْقُبَّةِ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ وَصِيفٌ، فَسَمِعْنَاهُ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ:{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] . مَا أَنْتُمْ بِإِنْسٍ وَلَا جَانٍّ

⦗ص: 85⦘

. ثُمَّ خَرَجَ الْوَصِيفُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخَلُوا. فَدَخَلْنَا، فَإِذَا هُوَ قَدْ قُبِضَ "

ص: 84

92 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ النُّمَيْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ سَالِمٍ كَاتَبِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا هِشَامٌ يَوْمًا، فَأَدْنَى عُنُقَهُ، مُرْخِيًا عَنَانَ دَابَّتِهِ، مُسْتَرْخِيَةٌ ثِيَابُهُ عَلَيْهِ. فَسَارَ قَلِيلًا، ثُمَّ كأنه انْتَبَهَ، فَجَذَبَ عَنَانَ بَرْذُونِهِ، وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّبِيعِ - وَكَانَ عَلَى حَرَسِهِ -: ادْعُ الْأَبْرَشَ بْنَ الْوَلِيدِ الْكَلْبِيَّ، قَالَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - مَوْلَى هِشَامٍ -: فَاكْتَنَفَاهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْأَبْرَشُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا قَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِ الَّتِي خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِيهَا قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبْرَشُ كَأَنْ لَا يَكُونُ ذَاكَ؟ وَزَعَمَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالنُّجُومِ أَنِّي أَمُوتُ إِلَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا سَمِعْتُ ذَاكَ جَذَبْتُ عَنَانَ بَغْلَتِي، وَدَعَوْتُ بَعْضَ كُتَّابِي، فَأَتَانِي بِدَوَاةٍ وَقِرْطَاسٍ، فَكَتَبْتُ

⦗ص: 86⦘

: ذَكَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ يُسَافِرُ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ يَوْمِي هَذَا. وَأَدْرَجَتُ الْكِتَابَ وَخَتَمْتُهُ. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي صَبِيحَتُهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ، أَتَانِي خَادِمٌ فَقَالَ: أَدْرِكْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَائْتِ بِالدَّوَاءِ مَعَكَ. وَكَانَ دَوَاءُ الذُّبْحَةِ يَكُونُ مَعَهُ. فَذَهَبْتُ بِالدَّوَاءِ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَتَغَرْغَرُ بِهِ وَمَا يَسْكُنُ عَنْهُ مَا يَجِدُ، حَتَّى مَضَى مِنَ اللَّيْلِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ: يَا سَالِمُ، انْصَرِفْ وَدَعِ الدَّوَاءَ عِنْدِي، فَكَأَنِّي وَجَدْتُ بَعْضَ الرَّاحَةِ. فَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلِي، فَلَمْ أَنَمْ حَتَّى سَمِعْتُ الصُّرَاخَ عَلَيْهِ "

ص: 85

93 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ أَبِي يَحْيَى السُّلَمِيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: " حَبَسَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عِيَاضَ بْنَ مُسْلِمٍ - وَكَانَ كَاتِبًا لِلْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ - وَضَرَبَهُ وَأَلْبَسَهُ الْمُسُوحَ. فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ هِشَامٌ. فَلَمَّا ثَقُلَ هِشَامٌ وَصَارَ فِي حَدٍّ لَا يُرْجَى لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ الْحَيَاةُ، فَرَهَقَتْهُ غَشْيَةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَأَرْسَلَ عِيَاضُ بْنُ مُسْلِمٍ إِلَى الْخُزَّانِ: احْتَفِظُوا بِمَا فِي أَيْدِيكُمْ، فَلَا يَصِلَنَّ أَحَدٌ إِلَى شَيْءٍ. وَأَفَاقَ هِشَامٌ مِنْ غَشْيَتِهِ، فَطَلَبُوا مِنَ الْخُزَّانِ شَيْئًا، فَمَنَعُوهُمْ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَرَانَا كُنَّا خُزَّانًا لِلْوَلِيدِ

⦗ص: 87⦘

وَمَاتَ هِشَامٌ مِنْ سَاعَتِهِ. فَخَرَجَ عِيَاضٌ مِنَ الْحَبْسِ، فَخَتَمَ الْأَبْوَابَ وَالْخَزَائِنَ. وَأَمَرَ بِهِشَامٍ فَأُنْزِلَ عَنْ فِرَاشِهِ، وَمَنَعَهُمْ أَنْ يُكَفِّنُوهُ مِنَ الْخَزَائِنِ. فَكَفَّنَهُ غَالِبٌ - مَوْلَى هِشَامٍ - وَلَمْ يَجِدُوا قُمْقُمًا يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ، حَتَّى اسْتَعَارُوهُ فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّ فِي هَذَا لَعِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ

ص: 86

94 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي رحمه الله، عَنْ إِسْحَاقَ أَبِي عُمَرَ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَبْصَرَ أَهْلَهُ يَبْكُونَ حَوْلَهُ، فَقَالَ:«جَادَ عَلَيْكُمْ هِشَامٌ بِالدُّنْيَا، وَجُدْتُمْ عَلَيْهِ بِالْبُكَاءِ، وَتَرَكَ لَكُمْ مَا جَمَعَ، وَتَرَكْتُمْ عَلَيْهِ مَا حَمَلَ، مَا أَعْظَمَ مُتَقَلَّبَ هِشَامٍ إِنْ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ»

95 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ بْنُ غَسَّانَ، عَنْ شَيْخٍ لَهُ قَالَ: مَرَّ أَعْرَابِيٌّ بِقَبْرِ هِشَامٍ بَعْدَمَا دُفِنَ، وَخَادِمٌ لَهُ قَائِمٌ عَلَى الْقَبْرِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فُعِلَ بِنَا بَعْدَكَ كَذَا وَكَذَا، وَفُعِلَ بِنَا بَعْدَكَ كَذَا وَكَذَا

⦗ص: 88⦘

، فَقَالَ لَهُ الْأَعْرَابِيُّ: أَيُمْنٌ الْآنَ؟ فَوَاللَّهِ أَنْ لَوْ نُشِرَ لَكَ لَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ لَفِي أَشَدَّ مِمَّا لَقِيتُمْ

ص: 87

96 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مَسْرُورٍ الْخَادِمِ قَالَ:" أَمَرَنِي هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا احْتُضِرَ، أَنْ آتِيَهُ بِأَكْفَانِهِ. فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَجَعَلَ يَنْتَقِيهَا عَلَىعَيْنِهِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَحَفَرْتُ قَبْرَهُ، ثُمَّ أَمَرَ فَحُمِلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ يَتَأَمَّلُهُ وَيَقُولُ: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 29] ، وَيَبْكِي، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ "

97 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْجَعْدِ قَالَ: " لَمَّا احْتُضِرَ الْمُعْتَصِمُ جَعَلَ يَقُولُ: «ذَهَبَتِ الْحِيَلُ، لَيْسَتْ حِيلَةٌ» . حَتَّى أُصْمِتَ.

⦗ص: 89⦘

98 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: أَنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ: أُؤْخَذُ مِنْ بَيْنِ هَذَا الْخَلْقِ،

99 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ عُمُرِي هَكَذَا قَصِيرٌ، مَا فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ

ص: 88

100 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ بْنِ مَعْمَرٍ التَّغْلِبِيُّ قَالَ: جَعَلَ الْمُنْتَصِرُ يَقُولُ وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ:«لَيْسَ إِلَّا هَذَا، لَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ»

ص: 89

101 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: " جَعَلَ هَارُونُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ: «وَاسَوْءَتَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»

ص: 89

102 -

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ مَسْعُودِ بْنِ خَلَفٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فِي مَرَضِهِ: «وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي عَبْدٌ لِرَجُلٍ مِنْ تُهَامَةَ أَرْعَى غُنَيْمَاتٍ فِي جِبَالِهَا وَأَنِّي لَمْ أَلِ»

ص: 90