المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دراسات المستشرقين للإسلام والعربية: - المستشرقون في الميزان

[عبد العزيز القارئ]

الفصل: ‌دراسات المستشرقين للإسلام والعربية:

‌دراسات المستشرقين للإسلام والعربية:

لو كان الأمر مقتصرا على مجرد الجمع واستيعاب المصادر والمعلومات والتنسيق والترتيب، فإن المستشرقين بلغوا في ذلك غاية كبرى من الدقة والإتقان، وليس ذلك ببدع في عالم الدراسات في أوروبا الذي تطورت وسائله وأساليبه بشكل كبير..

لكن المستشرقين يتدخلون بشخصياتهم وآرائهم وأهوائهم الخاصة فيفسرون الحوادث ويناقشون النصوص التشريعية، ويحللون قضايا اللغة العربية وشخصيات الحضارة الإسلامية، كل ذلك يدرسونه من وجهة نظرهم ويطلون عليه من نافذتهم الخاصة فيلقون عليه ظلالا معينة تغير معالم الصورة الأصلية، وفي غالب الأحيان تعطينا دراساتهم صورة غربية مشوهة لحضارة شرقية، وتقدم لنا الإسلام نفسه من خلال نظرة علمانية أونصرانية هذا مع أنه توفرت للمستشرقين من الإمكانيات والعوامل المساعدة ما لم يتوفر لأحد، خاصة عندما بسطت أوروبا نفوذها وسيطرتها الاستعمارية على منطقة العالم الإسلامي وفتحت الأجواء فسيحة للمستشرقين يتجولون في المنطقة بحرية تامة ويعبثون بمصادر الثقافة فيها ومعالم الحضارة.

بل ويستولون على كثير من المخطوطات الثمينة التي تشكل بمجموعها صرح المكتبة الإسلامية الكبرى، فينهبون هذه المخطوطات وينقلونها إلى أوروبا..

حتى أضحى بإمكاننا أن نجزم أن 90% من المخطوطات الثمينة نهبت وانتقلت إلى الغرب إلى مكتبات وجامعات أوروبا وأمريكا، وذلك على أيدي المستشرقين الذين كانوا ينتقونها بخبرة ومعرفة دقيقتين.. ولولا تنبه حكومة الخلافة العثمانية في أواخر أيامها إلى هذه الخطة ومدى خطرها على تراث المسلمين فعمدت إلى نقل كمية كبيرة من تلك المخطوطات إلى تركية لجزمت بأن التراث كله نهب وانتقل إلى يد المستشرقين. ووضعت أوروبا النصرانية تحت يد المستشرقين كل الإمكانيات التي يحتاجونها للتعمق في دراساتهم للعالم الإسلامي واللغة العربية..

ص: 129

فكيف يصعب بعد ذلك على المستشرقين إن يبرزوا للعالم إنتاجا ضخما منسقا وغزيرا في مادته، إنها نتيجة طبيعية لتلك العوامل المساعدة والجهود المبذولة.. ولا نكون مجاملين لأحد عندما نقول إن دراسات المستشرقين أدت خدمات في مجالين:

1-

استيعاب المصادر وجمع المعلومات بشكل واسع، وربما ساعدهم على ذلك اهتمامهم بالاختصاص والاختصاص الدقيق بحيث يقضي أحدهم فترة طويلة من عمره في بحث واحد يتفرغ له..

2-

الترتيب والتنسيق في منهج البحث والتأليف، والإحصاء والفهرسة وعنايتهم بهما عناية كبيرة وكان ذلك شيئا جديدا على الدارسين في الفترة التي ظهرت فيها دراسات المستشرقين إلى عالم القراء..

وتنبهت الأوساط العلمية والدارسون في العالم الإسلامي إلى هذا المنهج المنسق الذي ظهر في دراسات المستشرقين فاستفادوا منه في بحوثهم ودراساتهم..

نعترف بهذه الخدمات التي أدتها دراسات المستشرقين مع أننا لا نتدخل الآن ولا نجزم بالنوايا والأهداف، وهل كان أداء هذه الخدمات مقصودا بإخلاص أم أن وراء الأكمة ما وراءها..

ندع ذلك لما سيأتي في آخر البحث حيث سنكشف حقيقة ذلك بشكل لا يدع مجالا للشك أو التردد..

إلا أننا نجد في دراسات المستشرقين عيوبا علمية عديدة تكشف لنا عوار تلك الدراسات بشكل تهبط معه قيمتها إلى درجة قريبة من الصفر!!

ولا نتجنى في الحكم ولا نجزم بغير دليل وكتب المستشرقين في متناول كل باحث بل هي أسرع انتشارا بيننا من كتبنا المعتمدة نفسها!!

1-

من المتفق عليه بين الباحثين أنه لكي يصدر الباحث حكما صحيحا ودقيقا في أي قضية علمية أو تاريخية ينبغي أن تتوفر له أسباب عديدة أساسية:

ص: 130

فنظرته للإنسان يجب أن تكون نابعة من تصور سليم وفهم دقيق للنزعات والخصائص الإنسانية، ولكي يستطيع تفسير الحادثة التاريخية يجب أن يكون متفهما ليس لملابساتها فحسب بل لطبيعة الأمة التي تتعلق تلك الحادثة بتاريخها، ومتفهما للتاريخ كله التي تعد تلك الحادثة جزءا صغيرا من أجزاء بنائه المتكامل..

وعندما يناقض ثقافة أو شريعة ما ينبغي أن تصدر مناقشته عن تصور سليم كلي لخصائص تلك الثقافة ومميزات تلك الشريعة وأسسها وإلا فإنه يخلط بين الأشياء خلطا يفقد رأيه كل قيمته العلمية..

وكذلك الأدب تختلف فيه المقاييس والأذواق من أمة لأخرى، ولكل أمة لون من ألوان الفنون والآداب يكون مستحسنا لديها حسب أذواقها ومقاييسها وقد لا يكون كذلك في أذواق أمة أخرى ومقاييسها.. فلا يكون الحكم دقيقا ولا التحليل سليما إذا لم يتذوق الدارس لأدب أمة ما بذوقها هي أولا.. فإذا ما حاول الإنجليزي أن يحكم على الأدب العربي بذوق إنجليزي فإنه يخلط شعبان برمضان ولا يكون لدارسته الأدبية حينئذ أية قيمة علمية..

وهذا الأساس في الدراسات الأدبية لا شك مفقود لدى المستشرقين فتذوقهم للغة العربية وآدابها ضعيف لأنهم لم يستطيعوا التخلص من تأثير أذواقهم الأوروبية، وإنك واجد أثر هذا الذي أقول في سائر دراساتهم للأدب العربي واللغة العربية، مع أنهم أحيانا يعبرون عن ضيق صدورهم بهذه الناحية كما ذكر أحد تلاميذهم من العرب وهو الدكتور صفاء خلوصي (في مقالة نشرت في مجلة الإذاعة البريطانية العدد295 مايو 1973) إذ قال: قال لي أحد المستشرقين الذين مضوا للقاء ربهم: باعتقادي أن المرء يجب أن يولد عربيا ليتذوق الشعر العربي حق التذوق فإذا استطعت أن تكتب لنا كتابا بالإنجليزية يساعدنا في تذوق الشعر العربي على الوجه الصحيح فسيكون عملك هذا عظيما. ا- هـ.

2-

فإذا انتقلت من العربية لغتها وآدابها إلى الإسلام عقيدته وشريعته وتاريخه وحضارته فهناك ترى الخلط العجيب، إذ كيف يتسنى للمستشرقين أن يتفهموا طبيعة الإنسان المسلم وخصائصه أولا وهم ينظرون إليه بل إلى أهل

ص: 131

الشرق جميعا من نافذة أوروبية ترى أن الشعوب الأوروبية أعلى وأشرف عرقا وجنسا وأن بقية الشعوب دونها رتبة.

كما أنهم يعدون الشعوب المسلمة أدنى في التفكير ويقولون بأن عقلية المسلم- ذرية- ساذجة أي أنه لا يتمتع بالفهم الكلي الشمولي ولا يدرك الأمور إلا بواسطة جزئياتها. كما ذكر المستشرق-جب- في كتابه (وجهة الإسلام)1.

ولذلك لا نستغرب إن رأينا جميع المستشرقين يطبقون تقسيم التاريخ الأوروبي إلى ثلاثة عصور- العصور الأولى والعصور الوسطى وعصر النهضة الحديثة- يطبقون هذا التقسيم على تاريخ الشعوب جميعا حتى المسلمين، وهذا يعد منهم نقصا علميا فاحشا وجمودا عجيبا إذ أن لكل أمة تاريخها المستقل بأدواره ومراحله وخصائصه..

ثم تأتي العقدة الكبرى المستحكمة- عقدة النصرانية - ومعظم المستشرقين من رجال الكنيسة وعلماء اللاهوت يتبعهم قليل من اليهود..

ونحن لا نبالغ إذا قلنا إن سيطرة روح العداء النصرانية تخيم على سائر المستشرقين وتؤثر على مفاهيمهم وأفكارهم وأن هذه الروح أفسدت سائر دراساتهم للإسلام وهذا يشمل المستشرقين جميعا على اختلاف أشكالهم حتى العلمانيين منهم.. ولندع واحدا من هؤلاء العلمانيين وهو ممن يقال انهم منصفون في دراستهم وهو المستشرق غوستاف لوبون يقول في كتابه (حضارة العرب)2.

قد يسأل القارئ بعدما تقدم لم ينكر تأثير العرب علماء الوقت الحاضر الذين يضعون مبدأ حرية الفكر فوق كل اعتبار ديني كما يلوح؟ لا أرى غير جواب واحد عن هذا السؤال الذي أسأل نفسي به أيضا وهو أن استقلالنا الفكري لم يكن في غير الظواهر بالحقيقة وأننا لسنا من أحرار الفكر في بعض الموضوعات كما نريد، فالمرء عندنا ذو شخصيتين: الشخصية العصرية التي كونتها الدراسات

(1) السنة لمصطفى السباعي (ط الدار القومية بمصر ص30)

2 ط الرابعة 1384 ص577.

ص: 132

الخاصة والبيئة الخلقية والثقافية، والشخصية القديمة غير الشاعرة التي جمدت وتحجرت بفعل الأجداد وكانت خلاصة لماض طويل، والشخصية غير الشاعرة وحدها ووحدها فقط هي التي تتكلم عند أكثر الناس وتمسك فيهم المعتقدات نفسها مسماة بأسماء مختلفة وتملي عليهم آراءهم فيلوح ما تمليه عليهم من الآراء حرا في الظاهر فيُحترم، والحق أن أتباع محمد ظلوا أشد من عرفته أوروبة من الأعداء إرهابا عدة قرون وأنهم عندما كانوا لا يرعدوننا بأسلحتهم كما في زمن شارل مارتن والحروب الصليبية أو يهددون أوروبا بعد فتح القسطنطينية كانوا يذلوننا بأفضلية حضارتهم الساحقة وأننا لم نتحرر من نفوذهم إلا بالأمس وتراكمت مبتسراتنا الموروثة ضد الإسلام والمسلمين في قرون كثيرة وصارت جزءا من مزاجنا وأضحت طبيعة متأصلة فينا تأصل حقد اليهود على النصارى الخفي أحيانا والعميق دائما، وإذا أضفنا إلى مبتسراتنا الموروثة ضد المسلمين مبتسرنا الموروث الذي زاد مع القرون بفعل ثقافتنا المدرسية البغيضة القائلة إن اليونان واللاتين وحدهم منبع العلوم والآداب في الزمن الماضي أدركنا بسهولة سر جحودنا العام لتأثير العرب العظيم في تاريخ حضارة أوروبة..

ويتراءى لبعض الفضلاء أن من العار أن يُرى أن أوروبة النصرانية مدينة لأولئك الكافرين في خروجها من دور التوحش فعار ظاهر كهذا لا يقبل إلا بصعوبة. ا-هـ.

ولا أظن أن الأمر بعد هذا الاعتراف من هذا المستشرق يحتاج إلى أي إيضاح إلا أن نقول أن عدداً من المستشرقين الذين تهاوت الغشاوة عن أعينهم فأدركوا إدراكاً جازماً حقيقة هذا الدين وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم. كانت عقدة الغرور الأوروبية تعود فتتغلب على عقولهم فإذا بهم يعربون في غرور وصلف عن الأسى الذي يحز في نفوسهم الحاقدة وعن عدم مقدرتهم لاتباعه الحق مع معرفتهم له: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} ..

وينقل عن المستشرق الفرنسي رينان وهو من أشهرهم أنه قال:

ص: 133

إنني لم أدخل مسجدًا من غير أن أهتز خاشعاً وأشعر بشيء من الحسرة على أنني لست مسلما1.

3-

ذكرنا اتهام المستشرق- جب - لعقلية المسلم بأنها عقلية (ذرية) لا تدرك الأشياء إدراكاً كلياً، ونحن لن نناقش هذه التهمة لكننا نقول إن المستشرقين في دراساتهم الإسلامية يصدرون عن عقلية عجيبة لا هي بالذرية التي تدرك الأشياء بجزئياتها ولا هي بالكلية التي تدركها إدراكا كليا..

فدراسة عقيدة الإسلام أو شريعته أو حضارته أو تاريخه تحتاج إلى فهم كلي شامل لطبيعة هذا الدين وخصائصه ومقوماته حينئذ فقط تكون دراسة أي جزء من أجزاء البناء الإسلامي المتكامل سليمة ومجدية هذا من جهة..

ومن جهة أخرى إن دراسة أي جزء من أجزاء بناء الثقافة الإسلامية يجب أن تكون وفق المنهج الإسلامي المتميز باصطلاحاته وقواعده إذ أن كل جزء من أجزاء ثقافتنا له مصطلحات ورموز وقواعد إن لم يدركها الدارس يتخبط في دراسته ويخلط الحابل بالنابل حتى يصل إلى مستوى علمي رديء فيه يسمى عند علمائنا حاطب ليل..

لكننا نرى المستشرقين في سائر دراساتهم فقدوا هاتين الناحيتين أو هم تجاهلوها فهم يفهمون الإسلام كما تهوى أفئدتهم بل كما تخيل إليهم نفوسهم غير الشاعرة المطبوعة على الروح النصرانية الحاقدة..

فأنى لهم أن يدركوا حقيقة الإسلام الكلية الشاملة التي إن فقدت لدى باحث - أي باحث - اطرحنا أحكامه ودراساته جانباً لأنه حينئذ سيهيم على غير هدى في خضم (تراث) متلاطم الأمواج تلاطم بحر الظلمات..

إننا نجد المستشرقين في دراساتهم للإسلام فقدوا إدراكه حتى بالجزئيات فإذا درسوا الحديث أو الشريعة كان من مصادرهم الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني

1 حضارة العرب لغوستاف لوبون ص579.

ص: 134

والعقد الفريد لابن عبد ربه وربما اعتمدوا عند الحاجة على أغرب من ذلك من المصادر الواهية المختلطة. فإن علم بعضهم المصادر الحقيقية من أمهات كتب الحديث والفقه فأنى لهم التمييز بين المرويات وتجريد الصحيح من الموضوع والراجح من مسائل الفقه من المرجوح.

وكم اعتمدوا في دراستهم التاريخية على (الإمامة والسياسة) المنسوب لابن قتيبة أو (بدائع الزهور ووقائع الدهور) وربما (ألف ليلة وليلة) وقد صار لها شأن عظيم لديهم فحرصوا على ترجمتها إلى لغاتهم وأحاطوها بعنايتهم.

وإن علم بعضهم أن تاريخ الإسلام يؤخذ من مصادره الحقيقية ككتب ابن جرير وابن كثير وابن إسحاق ونحوها فأنى لهم تحقيق ما في هذه المصادر الجامعة من الأخبار والتمييز بين سقيمها وصحيحها وهل تتحمل أفئدتهم وتقبل أهواؤهم تجشم المشاق الهائلة في سبيل ذلك كله..

إن الدارس المنصف لا يحتاج إلى أكثر من عقلية (ذرية) لكي يدرك أن حقيقة الإسلام لن يجدها عند أبي جهل كما أن حقيقة مريم الصديقة الطاهرة لن يجدها عند اليهود، وأن من يبحث عن الذهب والفضة والجواهر الكريمة لا يذهب إلى الحداد..

والمستشرقون يعترفون بناحية النقص الخطيرة هذه التي ذكرها في دراساتهم في بعض المناسبات يقول العلامة مصطفى السباعي رحمه الله عن حديثه عن المستشرقين في كتابه (السنة) :

قال لي المستشرق (آربري) رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة كمبردج: إننا نحن المستشرقين نقع في أخطاء كثيرة في بحوثنا عن الإسلام ومن الواجب ألا نخوض في هذا الميدان لأنكم أنتم المسلمين العرب أقدر منا على الخوض في هذه الأبحاث.1 ا-هـ.

1 السنة ومكانتها في التشريع للسباعي ص22.

ص: 135

والأمثلة كثيرة على ما ذكرنا من دراساتهم لكنني سأكتفي بمثالين منها وعلى من يريد الاستقصاء الرجوع إلى كتبهم المتوفرة..

في مجموعة بحوث عن المغازي ومؤلفيها نشرت في مجلة - الثقافة الإسلامية- وهي مجلة استشراقية كانت تصدر في الهند يقول المستشرق الألماني (يوسف هوروفتس) في معرض كلامه عن موقف العلماء من الشعر:

ومن هؤلاء الفقهاء من لم يشتهر بقول الشعر ولكن اشتهر بتذوق الفن الشعري في عصره ونقده له مثل أحد الفقهاء الستة الذين ذكرهم عبيد الله - يقصد عبد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود - قال: أعني سعيد بن المسيب وهو ابن امرأة أبي هريرة وأحد أركان علم الحديث. ثم يذكر الروايات التي استند إليها في رأيه هذا فإذا بها من الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ومنها قوله:

وفي كتاب الأغاني خبر يبين إعجاب هذه الجماعات بالكلام البليغ في جميع الظروف فيروى عبد الله بن عمر: خرجت حاجا فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلام رفثت فيه فأدنيت ناقتي منها ثم قلت لها: يا أمة الله ألست حاجة أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا ثم قالت: تأمّل يا عمي فإني ممن عنى العرجي بقوله:

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة

ولكن ليقتلن البرئ المغفلا

قال فقلت لها: مهلا فإني أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار

قال وبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال أما والله لو كان من بعض بغضاء العراق لقال لها: اعزبي قبحك الله، ولكنه ظرف عباد الحجاز1 ا-هـ.

ونحن لن نناقش صحة هذا الرأي عن تذوق العلماء عن الشعر وقد كان كثير منهم يتذوقه تذوق الناقد الخبير وإن كنا نقف عند قول - هورفتس -: في كل الظروف. مرتابين من مقصده؟ إلا أننا نبغي بهذا المثال الإشارة إلى نوع

(1) المغازي ومؤلفوها ترجمة حسين نصار (ط- الحلبي بمصر ص7-8) .

ص: 136

المصدر الذي عول عليه في هذه المسألة ألا وهو كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني الذي يقول عنه بعض علماء الأسانيد والرجال: إنه كان أكذب الناس1.

المثال الثاني: ما ذكره المستشرق المجري جولد زيهر في كتابه (مذاهب التفسير الإسلامي) عن حديثه عن تأويلات المعتزلة عند تفسيرهم للقرآن حسب ما تمليه عليهم آراؤهم في الاعتقاد، فقد ضرب مثالا بالشريف المرتضى في محاولته في كتابه الغرر في تأويل قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بأن حرف- إلى - هو كلمة بمعنى النعمة.. يقول جولد زيهر: فالمرتضى في قوله: {وُجُوهٌ

إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يستبعد اعتراض المشبهة بتجريد لفظ إلى من طابعه الحرفي وتفسيره على أنه جمع مفرده ألاً أي نعمة، أي ناظرة نعم ربها..ا- هـ.

هكذا فهمها هذا المستشرق الذي استعرض عضلاته العلمية في كتابه هذا متطفلا على علم التفسير: أن لفظة-إلى- بمعنى النعمة جمع مفردة ألاً بينما أصغر طالب علم عندنا يستطيع بمراجعة القاموس أن يعرف أن إلىً وألاً مفردان يجمعان على آلاء. فيكون المعنى الذي تكلفه المرتضى قسرا: وجوه ناظرة نعمة ربها..

هذا مع أن هذا المستشرق يعد لدى المستشرقين أعلمهم بعلوم الإسلام إذ قضى فترة طويلة في بلاد المسلمين يدرس على علمائهم وممن درس عليهم اللغة العربية الشيخ طاهر الجزائري..

ويكفينا هذان المثالان نموذجا لما ذكرنا من عيوب دراسات المستشرقين في خلال هذه الدراسة العاجلة..

ميزان الاعتدال (ط الحلبي بمصر 3: 123) .

ص: 137