المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسلوب جديد في محاربة الإسلام - المستشرقون في الميزان

[عبد العزيز القارئ]

الفصل: ‌أسلوب جديد في محاربة الإسلام

وفكرية وذلك بالقضاء على روح الاستعلاء الإيماني والاعتزاز بالإسلام في نفس المسلم وإذابة شخصيته الإسلامية عن طريق غسل دماغه شيئاً فشيئاً بأسلوب ماكر يعتمد على إخفاء النوايا الحقيقية والظهور بمظهر برئ لطيف وعدم الاحتكاك مباشرة المسلمين أو استفزاز عواطفهم..

ويعتمد أسلوبهم الجديد على سياسة النفس الطويل الذي يقولون عنه: إنه أسلوب بطئ المفعول لكنه مضمون النتيجة..

وقد اشتركت مع الكنيسة الصليبية في هذا الهدف جهات مختلفة معادية للإسلام كالصهيونية والشيوعية..

ولقد عملت الكنيسة الصليبية مع العلمانيين والصهيونيين عملوا جميعاً بدقة في سبيل تحقيق ذلك الهدف الذي ذكرناه فمهدوا أولاً له بإنشاء المدارس والكليات العلمانية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وأفسدوا مناهج في بقية مدارس العالم الإسلامي بل أشرفوا هم بأنفسهم على التخطيط لها ووضعها موضع التنفيذ.

ثم التفتوا إلى طبقة المفكرين والمثقفين بدراسات المستشرقين..

ص: 147

‌أسلوب جديد في محاربة الإسلام

الأسلوب المتبع في دراساتهم:

أولا: أن تتجنب إثارة المناقشات حول النصرانية أو المقارنة بينها وبين الإسلام حتى لا ينكشف غرضهم الحقيقي أمام القارئ المسلم، فقد اكتشف رجال الكنيسة الصليبية كما سبق أن دعوة المسلمين إلى النصرانية أمر لا جدوى من ورائه وأسلوب عقيم فرأوا أنه من الأجدى والأكثر فعالية أن يركزوا على زرع بذور الشك في أهم دعامات الحضارة الإسلامية والدين الإسلامي.

ص: 147

وثانيا: أن تظهر دراساتهم بشكل يعطي انطباعاً لدى القارئ عن تعمق أصحابها وعنايتهم بالمنهجية في البحث والأمانة العلمية وخاصة عندما يوجهون هجومهم على نقاط حساسة أو خفية محفوفة بالشبهات والأباطيل حيث يجدون مرتعا خصبا..

كان من رواد هذا الأسلوب في محاربة الإسلام المستشرق المجري -جولد زيهر - الذي بدأ كتابه - مذاهب التفسير الإسلامي - بالتشكيك في أعظم دعامة للإسلام وهي كتاب الله - القرآن - فقال:

"لا يوجد كتاب تشريعي اعترفت به طائفة دينية اعترافاً عقدياً على أنه نص منزل أو موحىً به يقدم نصه في أقدم عصور تداوله مثل هذه الصورة من الاضطرابات وعدم الثبات كما نجد في القرآن"1. ا -هـ.

كما أننا نجد رواداً آخرين لهذه الفترة من تاريخ الدراسات الاستشراقية يحاولون في دراساتهم لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تشويه بعض جوانب حياته الشريفة كزواجه من أمهات المؤمنين ورحلاته قبل البعثة إلى الشام مع عمه أبي طالب..

ثم نجدهم يحاولون تحطيم الدعائم الرئيسية للسنة النبوية عند دراستهم لها وذلك بالطعن ولو من طرف غير مباشر في رجالاتها العظام من الصحابة والتابعين..

ولنضرب شيئاً من الأمثلة وهي كثيرة لمن يريد الاستقصاء..

لقد ذكر محاضرنا - دود كاون - (مارغوليوث) مثنياً عليه معتبراً إياه من كبار المستشرقين الذين قاموا بخدمات جلى في مجال الدراسات الإسلامية..

يقوم هذا المستشرق -مارغوليوث - في مقدمة كتبها لترجمة رودل للقرآن الكريم:

(1) مذاهب التفسير الإسلامي ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار (ط السنة المحمدية 1374هـ) ص4.

ص: 148

"إن السر الذي يكمن وراء قوة القرآن يعود إلى الفكر الذي أنشأه..

إن مصدر القرآن الكريم إنما هو مأخوذ من الروايات المسيحية واليهودية عدا بعض الأساطير العربية الأصلية"1. ا –هـ.

ويقول أيضا في كتاب - موسوعة التاريخ العالم -:

"إن محمدا رجل مجهول النسب لأنه محمد بن عبد الله وقد كان العرب يطلقون على من لا يعرفون نسبه اسم عبد الله2.ا -هـ.

وأما النماذج لمحاولة هدم دعامات السنة النبوية فتجدها وافرة في دراسات - جولد زيهر - خاصة في كتابه - العقيدة والشريعة في الإسلام-

فقد وجه عنايته للطعن في أبي هريرة رضي الله عنه وابن شهاب الزهري..

وهما من نعلم من عظم مقامهما في رواية السنة ونقلها للأمة فإذا انهدمت الثقة بهما فقد نجح المستشرقون في هدم جانب كبير جداً من صرح السنة النبوية التي هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي؟؟

ولو كان المقام يتسع لذكر أمثلة من طعنه في هاتين الشخصيتين لذكرتها لكن الكتاب مطبوع ومترجم ومعتنى به من قبل دكتورين مسلمين والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. ولكن نذكر مثالاً واحداً لنتبين إما مدى سخف عقلية هؤلاء المستشرقين التي لا ندري أهي ذرية أم - كلية - أو مدى استخفافهم بعقليات المسلمين وذكائهم ويقظتهم وفهمهم لدينهم وتاريخهم:

يقول جولد زهير محاولا إثبات أن الزهري رحمه الله كان يضع الحديث؟ بناء على طلب الخلفاء الأمويين وقد ذكر ذلك في كتابه - دراسات إسلامية - كما ينقل عنه بعض تلاميذه.. يقول:

1 الاستشراق لعبد القهار العانى (ط ببغداد 1973م) .

2 هل نحن مسلمون لمحمد قطب ص173.

ص: 149

"إن الحكومة في الدول الأموية كانت إذا أرادت أن تعمم رأياً وتسكت العلماء الأتقياء الذين كانوا يميلون إلى أعداء البيت الأموي من العلويين كانت تتذرع بالأحاديث التي توافق وجهتها فتضع الحديث أو تدعو إلى وضعه".ا-هـ.

ثم ذكر بعض أدلته التي بنى عليها حكمه هذا الخطير العجيب وكان من أعجبها ما يأتي:

يقول: "وقد استغل الأمويون أمثال الإمام الزهري بدهائهم في سبيل وضع الحديث وذلك يظهر لنا من بعض الأخبار التي نجدها محفوظة عند الخطيب البغدادي ويمكن استخدامها هنا فقد حدثنا معمر عن الزهري بكلمة مهمة وهي قوله: أكرهنا هؤلاء الأمراء على أن نكتب أحاديث. فهذا الخبر يفهم منه استعداد الزهري لأن يكسو رغبات الحكومة باسمه المعترف به عند الأمة الإسلامية1.ا-هـ.

قلت: وفي هذا المقال يتجلى لك مدى الخبث والدهاء الذي يتمتع به أمثال هذا المستشرق فهو يصيب بمثل هذه الشبهة عدة أهداف في آن واحد:

يطعن في عدالة إمام الرواة والحفاظ ابن شهاب الزهري ليهدم أكبر جانب من السنة ويطعن في الدولة الأموية التي كانت من أعظم الدعائم لدولة الإسلام بعد الراشدين وفي عهده وصلت رايات المجاهدين أقصى الحدود.. ووطئت سنابك خيلهم أراضي الروم والفرس بل أعماق تلك الأراضي..

ويطعن في عقلية الأمة الإسلامية وهي أزهى عصورها الذهبية حيث يصورها بصورة الأمة المتخلفة علمياً وذهنياً حيث تسيرها أهواء الأمويين والعلماء الأتقياء؟؟ حيثما شاءت فتنقاد الأمة أجمعها وراء الأباطيل المختلفة بسهولة ويسر.. دون أن يوجد فيها من يتولى فضح تلك الأباطيل ويبين زيفها.. في وقت كان فيه الصحابة متوفرين في الحجاز والشام والعراق..

1 السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي لمصطفى السباعي ص327.

ص: 150

الحق يقال إن المستشرقين في هذه الجولة خاضوا تجربة فشلت نوعاً ما إذ لم يقدروا مدى يقظة علماء المسلمين على الأقل فضلاً عن طبقة المثقفين، فإن ألاعيبهم هذه إن كانت قد انطلت على جهال المثقفين فإن كثيرا منهم تنبهوا لزيفها وسخافتها، ومع أنه تولى عدد من العلماء الراسخين مهمة التصدي لهذه الألاعيب وتجريدها من ثوبها الزائف الذي ظهرت به - ثوب المنهجية العلمية - فلم تغن هذه الحملة ولا هذا الأسلوب الغناء المطلوب لدى المستشرقين..

فمثلا ممن تولى تجريد كتابات - جولد زيهر - عن السنة من ثوبها الزائف وبيان مقدار هزلها وسخا فتها العالم المجاهد الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله فكان مما فند به التهمة التي ذكرناها عن الزهري:

أن - جولد زيهر - أولا: حرّف الرواية إذ أصل رواية الكلمة التي نقلها كما جاء عن ابن عساكر وابن سعد: أن الزهري يمتنع عن كتابة الأحاديث للناس فلما طلب منه هشام وأصر عليه أن يملي على ولده ليمتحن حفظه فأملى عليه أربعمائة حديث ثم خرج من عند هشام وقال بأعلى صوته: أيها الناس إنا كنا منعناكم أمراً قد بذلناه الآن لهؤلاء وإن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة الأحاديث فتعالوا حتى أحدثكم بها فحدثهم بالأربعمائة حديث.

ورواه الخطيب بلفظ:" كنا نكره كتاب العلم - أي كتابته - حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا ألا نمنعه أحدا من المسلمين"1 ا-هـ.

فذهب ذلك المستشرق يلفق لرأيه الخطير السخيف ما يناسبه من الروايات والعبارات المحرفة.. فلجأ إلى تحريف يسير قد يفطن له القارئ وهو حذف - أل - من كلمة - الأحاديث - فتغير المعنى بتمامه..

وهذا يذكرنا بقرار (الأمم المتحدة) الذي تفضلوا به على المسلمين فجعلوه

(1) ارجع إلى كتاب السنة لمصطفى السباعي من ص 296 إلى ص 240 من ط الدار القومية بمصر.

ص: 151