المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أساليب المستشرقين الفكرية: - المستشرقون في الميزان

[عبد العزيز القارئ]

الفصل: ‌من أساليب المستشرقين الفكرية:

ينص على وجوب انسحاب اليهود من الأراضي المحتلة.. فترجمها المندوب البريطاني: من أراض محتلة!!

ص: 152

‌من أساليب المستشرقين الفكرية:

كل من تتبع دراساتهم يروعه أنهم يركزون بشكل غريب على نقاط رئيسية يعملون من أجل هدمها بكل دقة ودأب:

1-

فهم يكررون دائما أن القرآن من تأليف محمد كأنها مسألة أصبحت مسلمة لدى الباحثين، بل يكررون دائما أن القرآن مجموع من مصادر مسيحية ويهودية.. وعربية جاهلية، وبالجملة فهم يجمعون على إنكار مسألة الوحي، وفي أحسن عباراتهم وأكثرها لطفاً وخبثاً يصورون رسول الله صلى الله عليه وسلم بصورة العبقري المصلح الذي استطاع بعبقريته وذكائه تأليف هذا القرآن وتربية أولئك العرب الصحراويين.. ولكن مع ذلك تزل من أفواه كثير منهم عبارات يتجلى فيها حقدهم على الرسالة المحمدية أو جهلهم بحقيقتها:

فهذا - غوستاف لوبون - الذي يقول عنه المغفلون إنه من المستشرقين المنصفين المتعمقين في دراستهم العربية والإسلامية يقول في كتابه (حضارة العرب) 1 في معرض ثنائه على ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"وقيل إن محمداً كان مصاباً بالصرع ولم أجد في تواريخ العرب ما يبيح القطع في هذا الرأي وكل ما في الأمر هو ما رواه معاصرو محمد وعائشة منهم من أنه كان إذا نزل الوحي عليه اعتراه احتقان وجهي فغطيط فغشيان، وإذا عدوت هوس محمد ككل مفتون وجدته حصيفاً سليم الفكر، ويجب عد محمد من فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كما هو واضح؟؟ " ا-هـ.

- هكذا - يصور مثل هذا المستشرق قضية الوحي بصورة الهوس والصرع

1 ط الحلبي بمصر 1384 هـ ص114.

ص: 152

الذي يعتري المتهوس السليم الفكر أحياناً، فما الفرق بين هذا الادعاء وقول مشركي قريش من العرب الجاهلين {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} إلا أن يصاغ هذا الادعاء اليوم على لسان المستشرقين بصيغة تظهره بمظهر علمي منمق حتى ليخيل للقارئ ضعيف العلم والبصيرة أنها حقائق علمية تاريخية محايدة..

حاشا إمامنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقولون..

وقد تصدى من فطاحل علماء المسلمين من ألقم هؤلاء المتفيهقين من النصارى حجراً في مسألة الوحي فساقوا من البراهين على إثباتها ما لا يدع مجالاً للشك منهم الشيخ محمد رشيد رضا والدكتور دراز في كتابيهما - الوحي المحمدي - و - النبأ العظيم - تغمدهما الله برحمته الواسعة وجزاهما عن الإسلام خيرا..

2-

ووجهت دراسات استشراقية كثيرة لهدم بنيان الشريعة الإسلامية التي تشكل أعظم صرح تشريعي متماسك يمكن أن يوجد بين البشر، عرفوا هذه الحقيقة فوجهوا عنايتهم لطمس معالمها، فشنوا حملة شعواء على العقوبات والحدود الإسلامية: من قصاص، وقطع، ورجم وشنعوا عليها ووصفوها بالهمجية والوحشية، وقد علموا مدى مكانتها وعظم وظيفتها في المحافظة على مجتمع إسلامي متماسك سليم من الآفات والأمراض..

وانطلت افتراءاتهم على كثير من ضعاف الإيمان والبصيرة فتنازلوا عن هذه الشريعة..

وقد ذكرنا جانباً من محاولاتهم لهدم المصدرين الرئيسيين للشريعة الإسلامية كتاب الله - القرآن - والسنة النبوية.. وذلك بالتشكيك في نص القرآن الكريم، والطعن في رجالات السنة النبوية ورواتها من الصحابة والتابعين..

3-

ولأجل تدمير المجتمع الإسلامي وطمس معالمه ركزوا على حياة المرأة المسلمة وقد علموا أنها ركيزته الداخلية الأساسية، فصوروا حياتها في ظل الإسلام بصورة الكبت والظلم والانحطاط..

ص: 153

واعتنوا كثيرا بتشويه الحجاب، فاغتر كثير من مرضى النفوس وضعاف البصيرة بهذه الحملات الشرسة، فنشطوا لجر المرأة المسلمة إلى ميادين الفوضى والانحلال فهدموا بذلك بناء المجتمع الإسلامي أو تسببوا في زعزعته مع أن النبي صلى الله عليه وسلم الرءوف الرحيم بأمته حذرها من مغبة هذه المكيدة بالذات في كثير من الأحاديث الصحيحة..

4-

ومن أعظم دعائم الإسلام - الجهاد - بل هو ذروة سنام الإسلام وقد أقض هذا الركن الإسلامي العظيم مضجع العالم الطاغي الكافر في كل أقطار الأرض، وهز الأرض تحت أقدام الكنيسة الصليبية في الغرب وانتزع منها عاصمتها الأولى القسطنطينية التي سماها المسلمون الفاتحون- اسلامبول -.

فليس غريباً أن يستميت المستشرقون في سبيل القضاء على هذا المبدأ العظيم وبكثير من الدقة والدهاء، وقد اتبعوا في ذلك ثلاثة طرق:

أولا: إثارة شبهة أن الإسلام انتشر بالسيف فيصيبوا بها هدفين:

التشكيك في قوة العقيدة الإسلامية من الناحية البرهانية وملاءمتها للفطرة السليمة، ودفع مفكري المسلمين إلى التخلي عن مبدأ الجهاد تحت تأثير تلك الشبهة أو في سبيل دحضها، أو على الأقل التراجع إلى فكرة أن الجهاد للدفاع عن النفس فقط..

ثانيا: تشويه تاريخ وحقيقة الفتوحات الإسلامية بالادعاء بأن الدوافع لها كانت اقتصادية أو توسيعية استعمارية..

ثالثا: العناية كثيرا بإظهار جانب التسامح الذي يدعو إليه دين الإسلام، على أن يصوروا هذا التسامح بصورة تؤدي إلى فتح أجوائنا على مصاريعها أمام النصارى واليهود ومفاسدهم ودسائسهم فيجولون في مجتمعاتنا كما يشاءون، ويعبثون بحياتنا كما يريدون فإن أوصدنا أبوابنا في وجوههم ومنعنا قاذوراتهم من التسرب إلينا رمونا بالتعصب والجمود والوحشية والتخلف

الخ.

ومن أكثر المستشرقين دهاء في التركيز على قضية التسامح - توماس آرنولد - في كتابه (الدعوة إلى الإسلام) .

ص: 154

5-

والعربية وعاء القرآن ولغة مقدسة تربط بين المسلمين برباط ثقافي متين، فاهتموا بهدمها ولجأوا في سبيل ذلك إلى وسيلتين:

الأولى: إحياء اللهجات العامية والدعوة إلى استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية، ونشر تعليم اللغات الأوروبية وخاصة الإنكليزية والفرنسية بشتى الوسائل، وهذه النقطة لا تحتاج إلى شرح فالواقع أوضح ترجمة لها!!

الأخرى: التشكيك في الشعر الجاهلي وما روى من الأدب العربي وفي ذلك اشتهر الرأي الخطير الذي يعرف بقضية انتحال الشعر الجاهلي وقد أظهره لأول مرة المستشرق - إن جي داود - ثم تبنى إشاعة هذه السخافة في البلاد العربية المريد المخلص للمستشرقين طه حسين..

6-

الوحدة الإسلامية التي يجتمع في إطارها المسلمون من مختلف الأجناس والألوان حيث تتجسد فيهم الأخوة الإسلامية، بناءً قوياً متماسكاً، هذا المبدأ الإسلامي أرعب المستشرقين كثيرا وخاصة عندما يتمثل في قمة ازدهاره في إطاره السياسي العظيم - الخلافة الإسلامية - التي ما فتئ اليهود والنصارى يجتهدون متكاتفين حتى أسقطوا آخر لبنة من لبناتها في الآستانة.. - اسلامبول - ليقيموا على أنقاضها دولة علمانية..

لا يزال المستشرقون يعملون دائبين على طمس معالم هذه الوحدة الإسلامية وذلك بعدة وسائل من أبرزها وأخطرها:

بعث المدنيات الجاهلية في كل قطر مسلم: كالفارسية، والهندية، والطورانية، والفرعونية، والفينيقية، والآشورية، والجاهلية العربية..الخ..

بالدراسات التاريخية والجغرافية، وبالعناية باستخراج الأثار والتنقيب عنها. وهذه الجهود ستؤدي حتماً إلى بعث القوميات الإقليمية الضيقة فتصبح الأمة الإسلامية الواحدة التي ذابت في بوتقتها القوميات والنعرات: تصبح أمماً متفرقة متناحرة..

ص: 155

والواقع أكبر دليل:

كل شعب قام يبني نهضة

وأرى بنيانكم منقسماً

في قديم الدهر كنتم أمة

لهف نفسي كيف صرتم أمما؟!!..

هذه أبرز أساليب المستشرقين الفكرية في سبيل القضاء على كيان المسلمين والتي تبناها منهجهم الجديد الذي لا يزال ساري المفعول إلى اليوم في جميع مراكز الدراسات الاستشراقية في أوروبا وأمريكا وفي البلاد الإسلامية..

ومن يظن أن هذه المراكز قد تخلت عن هذا المنهج وتلك الأهداف فإنه يغمض عينيه وينكر الشمس، أو يدس رأسه في الرمال.. قال الله تعالى في القرآن الكريم:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . سورة آل عمران 100-101.

من القرآن الكريم

قال تعالى:

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِين الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}

ص: 156