المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة صاحب الموضوع الأصلي

- ‌مقدمة الكتاب الخاص بالموسوعة

- ‌أحمد أمين

- ‌أحمد بن أحمد سلامة

- ‌أحمد بن عبد الكريم نجيب

- ‌أحمد بن علي سير مباركي

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن حمد المنقور

- ‌أحمد شحاته الألفى

- ‌أحمد فهمي أبو سنة

- ‌أحمد محمد نور سيف

- ‌أحمد محمد الشرقاوي

- ‌أحمد منصور آل سبالك

- ‌إبراهيم بن احمد بن محمد المنقور

- ‌إبراهيم بن عبد العزيز السويح

- ‌إبراهيم بن عبد الله اللاحم

- ‌إبراهيم بن ناصر المنيف

- ‌إحسان إلهي ظهير

- ‌إحسان عباس

- ‌إسماعيل محمد الأنصاري

- ‌العربي بن أحمد الحاج

- ‌ أحمد شاكر

- ‌ أحمد النجمي

- ‌أبو الأعلى المودودي

- ‌أبو الحسن الندوي

- ‌بكر عبد الله أبو زيد

- ‌تنكو عبد الرحمن

- ‌ ثناء الله المدني

- ‌ جعفر شيخ إدريس

- ‌ جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري

- ‌جاد الحق على جاد الحق

- ‌حاتم العوني

- ‌حافِظُ بنُ أَحْمَدِ الْحَكَمِي

- ‌حامد بن عبد الله أحمد العلي

- ‌ أبي إسحاق الحويني

- ‌ حسام الدين بن موسى محمد بن عفانه

- ‌حسن بن جعفر العتمي

- ‌حسن بن عبد اللطيف بن مانع

- ‌ حسنين محمد مخلوف

- ‌حسين مجيب المصري

- ‌حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

- ‌حمد بن محمد الجاسر

- ‌حمزة بن عبد الله بن أحمد المليباري

- ‌ حمود الشعيبي

- ‌ حمود بن عبد الله التويجري

- ‌ حماد الأنصاري

- ‌حسن البنا

- ‌حسن أيوب

- ‌خالد المشيقح

- ‌خالد بن عبد الله المصلح

- ‌ خالد بن عثمان السبت

- ‌خالد بن عبد الرحمن بن رشيد القريشي

- ‌خير الدين الزركلي

- ‌ ربيع بن هادي المدخلي

- ‌ رضا أحمد صمد

- ‌رشيد رضا

- ‌ زغلول النجار

- ‌ زيد المدخلي

- ‌زهير الشاويش

- ‌سعد بن عبد الله الحميد

- ‌سعد بن ناصر الشثري

- ‌سعدي الهاشمي

- ‌سعود الشريم

- ‌سعود بن عبد الله الفنيسان

- ‌سعيد أحمد الأكبر آبادي

- ‌سعيد الأفغاني

- ‌سعيد بن مسفر

- ‌سعيد عبد العظيم

- ‌سليم بن عيد بن محمد بن حسين الهلالي

- ‌سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان

- ‌سيد حامد علي

- ‌سلمان بن فهد العودة

- ‌سليمان بن عبد العزيز بن عبد العزيز القصير

- ‌ سلطان العيد

- ‌ سليمان بن حمد العودة

- ‌ سيد سابق

- ‌سيد قطب

- ‌سليمان بن ناصر العلوان

- ‌شفيع أحمد أبو سلمة

- ‌شكيب أرسلان

- ‌صالح بن أحمد الخريصي

- ‌صالح بن حمد بن نصر الله بن مشعاب

- ‌صالح بن عبد الرحمن بن عبد الله الأطرم

- ‌صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

- ‌صالح بن عبد العزيز بن عثيمين

- ‌صالح بن عبد الله بن حميد

- ‌صالح بن عبد الرحمن بن محمد بن حمد الفوزان

- ‌صالح بن محمد اللحيدان

- ‌ صفوت حجازي

- ‌طارق محمد الصالح السويدان

- ‌طارق محمد الطواري

- ‌الطاهر بن عاشور

- ‌ طاهر الجزائري

- ‌ عباس المصري

- ‌عائشة عبد الرحمن

- ‌ عائض القرني

- ‌أبوتراب الظاهري

- ‌عبد الباسط عبد الصمد

- ‌عباس محمود العقاد

- ‌عبد الحميد بن باديس

- ‌عبد الحميد كشك

- ‌عبد الرحمن بن حمزة المرزوقي

- ‌عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

- ‌ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

- ‌عبد الرحمن بن صالح العشماوي

- ‌عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف

- ‌عبد الرحيم عبد الرحمن

- ‌عبد العزيز الثعالبي

- ‌عبد الرزاق عفيفي عطية

- ‌عبد العزيز بن حمد المنيف

- ‌عبد العزيز بن خلف الخلف

- ‌عبد العزيز بن راشد آل حسين

- ‌عبد العزيز بن عبد الله آل باز

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي

- ‌عبد العزيز بن محمد السعيد

- ‌عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

- ‌ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

- ‌ عبد العزيز آل سعود

- ‌ عبد العظيم بن بدوى بن محمد الخلفى

- ‌عبد الفتاح المرصفي

- ‌ عبد القادر الأرناؤوط

- ‌عبد الكريم بن صالح بن عبد الكريم آل حميد

- ‌عبد الكريم جرمانوس

- ‌عبد اللطيف علي سلطاني

- ‌عبد الله إبراهيم الأنصاري

- ‌عبد الله السعد

- ‌عبد الله الغماري

- ‌عبد الله بن جبرين

- ‌عبد الله بن حمد الحسين

- ‌عبد الله بن سليمان بن حميد

- ‌عبد الله بن صالح الفوزان

- ‌عبد الله بن عباد

- ‌عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد البسام

- ‌عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي

- ‌عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حميد

- ‌ عبد الله بن موسى العمار

- ‌عبد الله قادري الأهدل

- ‌عبد الله كنون الحسني

- ‌عبد الله بن حمد بن عبد الله السكاكر

- ‌عبد الله بن محمد بن رميان الرميان

- ‌عبد المحسن الزامل

- ‌عبد المحسن العباد

- ‌عبد الرحمن السديس

- ‌عبد الرحمن بن محمد بن خلف بن عبد الله الدوسري

- ‌ عبد الرحمن المعلمي اليماني

- ‌عبد الرزاق بن عفيفي بن عطية

- ‌عبد الله الخياط

- ‌عبد السلام هارون

- ‌عبد العزيز السلمان

- ‌ عبد العظيم بن بدوى

- ‌عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم الشاوي

- ‌عبد الفتاح أبوغدة

- ‌ عبد القادر شيبة الحمد

- ‌عبد الكريم الخضير

- ‌ عبد الله الخليفي

- ‌ عبد الله الخياط

- ‌عبد الله الغنيمان

- ‌عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌ عبد الله بن خميس

- ‌عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي

- ‌عبد الله بن يوسف الجديع

- ‌عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي

- ‌عبد الملك بن عبد الله بن دهيش

- ‌ عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد

- ‌عبد الوهاب بن إبراهيم

- ‌عبد الله عزام

- ‌عبيد الله بن عبد السلام الرحماني المباركفوري

- ‌عثمان بن عبد العزيز بن منصور

- ‌عطية محمد سالم

- ‌علاء الدين خروفة

- ‌علي الطنطاوي

- ‌ علي بن حسن الحلبي

- ‌علي بن خضير الخضير

- ‌علي بن محمد بن حسين العمران

- ‌ علي عبد الرحمن الحذيفي

- ‌علي عزّت بيجوفيتش

- ‌علي محمود بن الخوجة

- ‌علي بن محمد بن سعيد الشهراني

- ‌عمر بن عبد العزيز المترك

- ‌عمر بن محمد الفلاني

- ‌عمرو بن عبد المنعم بن عبد العال ال سليم

- ‌عمر السبيل

- ‌عبيد الله بن حميد

- ‌عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل

- ‌ عبد العزيز السلمان

- ‌ عبد السلام البرجس

- ‌ علي بن محمد الفقيهي

- ‌ علي رضا

- ‌ عز الدين القسام

- ‌علي بن عبد الله جابر

- ‌ فالح بن محمد بن فالح الصغير

- ‌فهد بن جاسر الزكري

- ‌فوزان بن نصر الله بن محمد بن مشعاب

- ‌ فيصل مولوي

- ‌ فوزي الأثري

- ‌محمد البشير الإبراهيمي

- ‌مانع بن حماد الجهني

- ‌ محمد أحمد شقرون

- ‌محمد أمان الجامي

- ‌محمد أمين الشافعي

- ‌محمد إبراهيم بن أحمد علي

- ‌محمد بن إسماعيل المقدم

- ‌محمد ابن أبي شنب

- ‌ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي

- ‌محمد الحسن ولد الددو

- ‌مُحمّدِ بنِ محمّدٍ المُختارِ الشنقيطيِّ

- ‌محمد الصومالي

- ‌ محمد الغزالي

- ‌ محمد الدويش

- ‌ محمد بن إبراهيم شقرة

- ‌محمد بن إبراهيم بن حسان

- ‌محمد بن إبراهيم بن عثمان بن جبير

- ‌ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌محمد بن الأمين بن عبد الله بن أحمد بن الإدريسي العمراني

- ‌محمد بن سليمان بن أحمد البدر

- ‌ محمد بن صالح العثيمين

- ‌محمد بن طراد الدوسري

- ‌محمد بن عبد الله بن عبد العزيز السبيل

- ‌محمد بن عبد الرحمن بن محمد اليحيى

- ‌ محمد بن عبد الوهاب

- ‌محمد بن علي جماح الغامدي

- ‌محمد بن عمر العقيل

- ‌محمد بن عمرو عبد اللطيف

- ‌محمد بن مسلم بن عثيمين

- ‌محمد جبريل

- ‌محمد جميل غازي

- ‌محمد حسين يعقوب

- ‌محمد خالد الفاضل

- ‌محمد صالح المنجد

- ‌ محمد عزير شمس

- ‌محمد عيد عباسى

- ‌محمد محمود الصواف

- ‌ محمد موسى آل نصر

- ‌محمد فؤاد عبد الباقي

- ‌ محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني

- ‌ محمد نبهان بن حسين بن محمد

- ‌ محمد بن الشيخ عبد الرحمن آل إسماعيل

- ‌محمد بن تركي بن سليمان التركي

- ‌محمد متولي الشعراوي

- ‌محمد أنور شاه الكشميري

- ‌ محمد متولي الشعراوي

- ‌محمد بهجت البيطار

- ‌محمد عبده

- ‌محمد سعيد رسلان

- ‌ محمود شاكر

- ‌مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار

- ‌ مشهور حسن آل سلمان

- ‌مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ مصطفى العدوي

- ‌مصطفى محمد حلمي سليمان

- ‌مصطفى السباعي

- ‌موسى إبراهيم الإبراهيم

- ‌محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف:

- ‌ محمد حامد الفقي

- ‌ مقبل بن هادي الوادعي

- ‌ محمد تقي الدين الهلالي

- ‌محب الدين الخطيب

- ‌ناصر بن حمد آل راشد

- ‌ناصر بن حمد بن حمين الفهد

- ‌ ناصر بن عبد الكريم العقل

- ‌ناصيف اليازجي

- ‌نايف حامد العباس

- ‌نور الدين بن مختار الخادمي

- ‌ نعمان الألوسي البغدادي

- ‌هميجان بن مذيور القحطاني

- ‌وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي

- ‌وليد المنيسى

- ‌وهبة الزحيلي

- ‌يعقوب بن عبد الكريم الباحسين

- ‌يوسف القرضاوي

- ‌يوسف بن عيسر القناعي

- ‌يوسف بن عبد العزيز بن صالح العقل

الفصل: ‌ محمد الغزالي

الداعية الشيخ‌

‌ محمد الغزالي

رحمة الله

من دعاة مصر وعلماء الأزهر المعروفين

كان الشيخ "محمد الغزالي" واحدًا من دعاة الإسلام العظام، ومن كبار رجال الإصلاح، اجتمع له ما لم يجتمع إلا لقليل من النابهين؛ فهو مؤمن صادق الإيمان، مجاهد في ميدان الدعوة، ملك الإسلام حياته؛ فعاش له، ونذر حياته كلها لخدمته، وسخر قلمه وفكره في بيان مقاصده وجلاء أهدافه، وشرح مبادئه، والذود عن حماه، والدفاع عنه ضد خصومه، لم يدع وسيلة تمكنه من بلوغ هدفه إلا سلكها؛ فاستعان بالكتاب والصحيفة والإذاعة والتلفاز في تبليغ ما يريد.

رزقه الله فكرا عميقا، وثقافة إسلامية واسعة، ومعرفة رحيبة بالإسلام؛ فأثمر ذلك كتبا عدة في ميدان الفكر الإسلامي، تُحيي أمة، وتُصلح جيلا، وتفتح طريقا، وتربي شبابا، وتبني عقولا، وترقي فكرا. وهو حين يكتب أديب مطبوع، ولو انقطع إلى الأدب لبلغ أرفع منازله، ولكان أديبا من طراز حجة الأدب، ونابغة الإسلام "مصطفى صادق الرافعي"، لكنه اختار طريق الدعوة؛ فكان أديبها النابغ.

ووهبه الله فصاحة وبيانا، يجذب من يجلس إليه، ويأخذ بمجامع القلوب فتهوي إليه، مشدودة بصدق اللهجة، وروعة الإيمان، ووضوح الأفكار، وجلال ما يعرض من قضايا الإسلام؛ فكانت خطبه ودروسه ملتقى للفكر ومدرسة للدعوة في أي مكان حل به. والغزالي يملك مشاعر مستمعه حين يكون خطيبا، ويوجه عقله حين يكون كاتبا؛ فهو يخطب كما يكتب عذوبة ورشاقة، وخطبه قطع من روائع الأدب.

والغزالي رجل إصلاح عالم بأدواء المجتمع الإسلامي في شتى ربوعه، أوقف حياته على كشف العلل، ومحاربة البدع وأوجه الفساد في لغة واضحة لا غموض فيها ولا التواء، يجهر بما يعتقد أنه صواب دون أن يلتفت إلى سخط الحكام أو غضب المحكومين، يحرّكه إيمان راسخ وشجاعة مطبوعة، ونفس مؤمنة.

المولد والنشأة

في قرية "نكلا العنب" التابعة لمحافظة البحيرة بمصر ولد الشيخ محمد الغزالي في (5 من ذي الحجة 1335هـ = 22 من سبتمبر 1917م) ونشأة في أسرة كريمة، وتربى في بيئة مؤمنة؛ فحفظ القرآن، وقرأ الحديث في منزل والده، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل على الثانوية الأزهرية، ثم انتقل إلى القاهرة سنة (1356هـ =1937م) والتحق بكلية أصول الدين، وفي أثناء دراسته بالقاهرة اتصل بالإمام حسن البنا وتوثقت علاقته به، وأصبح من المقربين إليه، حتى إن الإمام البنا طلب منه أن يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين" لما عهد فيه من الثقافة والبيان؛ فظهر أول مقال له وهو طالب في السنة الثالثة بالكلية، وكان البنا لا يفتأ يشجعه على مواصلة الكتابة حتى تخرج سنة (1360هـ = 1941م) ثم تخصص في الدعوة، وحصل على درجة "العالمية" سنة (1362هـ = 1943م) وبدأ رحلته في الدعوة في مساجد القاهرة.

في ميدان الدعوة والفكر

كان الميدان الذي خُلق له الشيخ الغزالي هو مجال الدعوة إلى الله على بصيرة ووعي، مستعينا بقلمه ولسانه؛ فكان له باب ثابت في مجلة الإخوان المسلمين تحت عنوان "خواطر حية" جلَّى قلمه فيها عن قضايا الإسلام ومشكلات المسلمين المعاصرة، وقاد حملات صادقة ضد الظلم الاجتماعي وتفاوت الطبقات وتمتُّع أقلية بالخيرات في الوقت الذي يعاني السواد الأعظم من شظف العيش.

ثم لم يلبث أن ظهر أول مؤلفات الشيخ الغزالي بعنوان "الإسلام والأوضاع الاقتصادية" سنة (1367هـ = 1947م) أبان فيه أن للإسلام من الفكر الاقتصادي ما يدفع إلى الثروة والنماء والتكافل الاجتماعي بين الطبقات، ثم أتبع هذا الكتاب بآخر تحت عنوان "الإسلام والمناهج الاشتراكية"، مكملا الحلقة الأولى في ميدان الإصلاح الاقتصادي، شارحا ما يراد بالتأمين الاجتماعي، وتوزيع الملكيات على السنن الصحيحة، وموضع الفرد من الأمة ومسئولية الأمة عن الفرد، ثم لم يلبث أن أصدر كتابه الثالث "الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين".

والكتب الثلاثة تبين في جلاء جنوح الشيخ إلى الإصلاح في هذه الفترة المبكرة، وولوجه ميادين في الكتابة كانت جديدة تماما على المشتغلين بالدعوة والفكر الإسلامي، وطرْقه سبلا لم يعهدها الناس من قبله، وكان همُّ معظم المشتغلين بالوعظ والإرشاد قبله الاقتصار على محاربة البدع والمنكرات.

في المعتقل

ظل الشيخ يعمل في مجال الدعوة حتى ذاعت شهرته بين الناس لصدقه وإخلاصه وفصاحته وبلاغته، حتى هبّت على جماعة "الإخوان المسلمين" رياح سوداء؛ فصدر قرار بحلها في (صفر 1368هـ = ديسمبر 1948م) ومصادرة أملاكها والتنكيل بأعضائها، واعتقال عدد كبير من المنضمين إليها، وانتهى الحال باغتيال مؤسس الجماعة تحت بصر الحكومة وبتأييدها، وكان الشيخ الغزالي واحدا ممن امتدت إليهم يد البطش والطغيان، فأودع معتقل الطور مع كثير من إخوانه، وظل به حتى خرج من المعتقل في سنة (1369هـ = 1949م) ليواصل عمله، وهو أكثر حماسا للدعوة، وأشد صلابة في الدفاع عن الإسلام وبيان حقائقه.

ولم ينقطع قلمه عن كتابة المقالات وتأليف الكتب، وإلقاء الخطب والمحاضرات، وكان من ثمرة هذا الجهد الدؤوب أن صدرت له جملة من الكتب كان لها شأنها في عالم الفكر مثل:"الإسلام والاستبداد السياسي" الذي انتصر فيه للحرية وترسيخ مبدأ الشورى، وعدّها فريضة لا فضيلة، وملزِمة لا مُعْلِمة، وهاجم الاستبداد والظلم وتقييد الحريات، ثم ظهرت له تأملات في: الدين والحياة، وعقيدة المسلم، وخلق المسلم.

من هنا نعلم

وفي هذه الفترة ظهر كتاب للأستاذ خالد محمد خالد بعنوان "من هنا نبدأ"، زعم فيه أن الإسلام دين لا دولة، ولا صلة له بأصول الحكم وأمور الدنيا، وقد أحدث الكتاب ضجة هائلة وصخبا واسعا على صفحات الجرائد، وهلل له الكارهون للإسلام، وأثنوا على مؤلفه، وقد تصدى الغزالي لصديقه خالد محمد خالد، وفند دعاوى كتابه في سلسلة مقالات، جُمعت بعد ذلك في كتاب تحت عنوان "من هنا نعلم".

ويقتضي الإنصاف أن نذكر أن الأستاذ خالد محمد خالد رجع عن كل سطر قاله في كتابه "من هنا نبدأ"، وألّف كتابا آخر تحت عنوان "دين ودولة"، مضى فيه مع كتاب الغزالي في كل حقائقه.

ثم ظهر له كتاب "التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام"، وقد ألفه على مضض؛ لأنه لا يريد إثارة التوتر بين عنصري الأمة، ولكن ألجأته الظروف إلى تسطيره ردًّا على كتاب أصدره أحد الأقباط، افترى فيه على الإسلام. وقد التزم الغزالي الحجة والبرهان في الرد، ولم يلجأ إلى الشدة والتعنيف، وأبان عن سماحة الإسلام في معاملة أهل الكتاب، وتعرض للحروب الصليبية وما جرّته على الشرق الإسلامي من شرور وويلات، وما قام به الأسبانيون في القضاء على المسلمين في الأندلس بأبشع الوسائل وأكثرها هولا دون وازع من خلق أو ضمير.

الغزالي وعبد الناصر

بعد قيام ثورة 1952م، ونجاح قادتها في إحكام قبضتهم على البلاد، تنكروا لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت سببا في نجاح الثورة واستقرارها، ودأبوا على إحداث الفتنة بين صفوفها، ولولا يقظة المرشد الصلب "حسن الهضيبي" وتصديه للفتنة لحدث ما لا تُحمد عقباه، وكان من أثر هذه الفتنة أن شب نزاع بين الغزالي والإمام المرشد، انتهى بفصل الغزالي من الجماعة وخروجه من حظيرتها.

وقد تناول الغزالي أحداث هذا الخلاف، وراجع نفسه فيه، وأعاد تقدير الموقف، وكتب في الطبعة الجديدة من كتابه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث"، وهو الكتاب الذي دوّن فيه الغزالي أحداث هذا الخلاف فقال:"لقد اختلفت مع المغفور له الأستاذ حسن الهضيبي، وكنت حادّ المشاعر في هذا الخلاف؛ لأني اعتقدت أن بعض خصومي أضغنوا صدر الأستاذ حسن الهضيبي لينالوا مني، فلما التقيت به –عليه رحمة الله- بعد أن خرج من المعتقل تذاكرنا ما وقع، وتصافينا، وتناسينا ما كان. واتفقت معه على خدمة الدعوة الإسلامية، وعفا الله عما سلف". وهذا مما يحسب للغزالي، فقد كان كثير المراجعة لما يقول ويكتب، ولا يستنكف أن يؤوب إلى الصواب ما دام قد تبين له، ويعلن عن ذلك في شجاعة نادرة لا نعرفها إلا في الأفذاذ من الرجال.

وظل الشيخ في هذا العهد يجأر بالحق ويصدع به، وهو مغلول اليد مقيد الخطو، ويكشف المكر السيئ الذي يدبره أعداء الإسلام، من خلال ما كتب في هذه الفترة الحالكة السواد مثل:"كفاح دين"، "معركة المصحف في العالم الإسلامي"، و"حصاد الغرور"، و"الإسلام والزحف الأحمر".

ويُحسب للغزالي جرأته البالغة وشجاعته النادرة في بيان حقائق الإسلام، في الوقت الذي آثر فيه الغالبية من الناس الصمت والسكون؛ لأن فيه نجاة حياتهم من هول ما يسمعون في المعتقلات. ولم يكتفِ بعضهم بالصمت المهين بل تطوع بتزيين الباطل لأهل الحكم وتحريف الكلم عن مواضعه، ولن ينسى أحد موقفه في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية الذي عُقد سنة (1382هـ = 1962م) حيث وقف وحده أمام حشود ضخمة من الحاضرين يدعو إلى استقلال الأمة في تشريعاتها، والتزامها في التزيِّي بما يتفق مع الشرع، وكان لكلام الغزالي وقعه الطيب في نفوس المؤمنين الصامتين في الوقت الذي هاجت فيه أقلام الفتنة، وسلطت سمومها على الشيخ الأعزل فارس الميدان، وخرجت جريدة "الأهرام" عن وقارها وسخرت من الشيخ في استهانة بالغة، لكن الأمة التي ظُن أنها قد استجابت لما يُدبَّر لها خرجت في مظاهرات حاشدة من الجامع الأزهر، وتجمعت عند جريدة الأهرام لتثأر لكرامتها وعقيدتها ولكرامة أحد دعاتها ورموزها، واضطرت جريدة الأهرام إلى تقديم اعتذار.

في عهد السادات

واتسعت دائرة عمل الشيخ في عهد الرئيس السادات، وبخاصة في الفترات الأولى من عهده التي سُمح للعلماء فيها بشيء من الحركة، استغله الغيورون من العلماء؛ فكثفوا نشاطهم في الدعوة، فاستجاب الشباب لدعوتهم، وظهر الوجه الحقيقي لمصر. وكان الشيخ الغزالي واحدًا من أبرز هؤلاء الدعاة، يقدمه جهده وجهاده ولسانه وقلمه، ورزقه الله قبولا وبركة في العمل؛ فما كاد يخطب الجمعة في جامع "عمرو بن العاص" -وكان مهملا لسنوات طويلة- حتى عاد إليه بهاؤه، وامتلأت أروقته بالمصلين.

ولم يتخلَّ الشيخ الغزالي عن صراحته في إبداء الرأي ويقظته في كشف المتربصين بالإسلام، وحكمته في قيادة من ألقوا بأزمّتهم له، حتى إذا أعلنت الدولة عن نيتها في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر، وتسرب إلى الرأي العام بعض مواد القانون التي تخالف الشرع الحكيم؛ قال الشيخ فيها كلمته، بما أغضب بعض الحاكمين، وزاد من غضبهم التفاف الشباب حول الشيخ، ونقده بعض الأحوال العامة في الدولة، فضُيق عليه وأُبعد عن جامع عمرو بن العاص، وجُمّد نشاطه في الوزارة، فاضطر إلى مغادرة مصر إلى العمل في جامعة "أم القرى" بالمملكة العربية السعودية، وظل هناك سبع سنوات لم ينقطع خلالها عن الدعوة إلى الله، في الجامعة أو عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.

في الجزائر

ثم انتقل الشيخ الغزالي إلى الجزائر ليعمل رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسطنطينة، ولم يقتصر أثر جهده على تطوير الجامعة، وزيادة عدد كلياتها، ووضع المناهج العلمية والتقاليد الجامعية، بل امتد ليشمل الجزائر كلها؛ حيث كان له حديث أسبوعي مساء كل يوم إثنين يبثه التلفاز، ويترقبه الجزائريون لما يجدون فيه من معانٍ جديدة وأفكار تعين في فهم الإسلام والحياة. ولا شك أن جهاده هناك أكمل الجهود التي بدأها زعيما الإصلاح في الجزائر: عبد الحميد بن باديس، ومحمد البشير الإبراهيمي، ومدرستهما الفكرية.

ويقتضي الإنصاف القول بأن الشيخ كان يلقى دعما وعونا من رئيس الدولة الجزائرية "الشاذلي بن جديد"، الذي كان يرغب في الإصلاح، وإعادة الجزائر إلى عروبتها بعد أن أصبحت غريبة الوجه واللسان.

وبعد السنوات السبع التي قضاها في الجزائر عاد إلى مصر ليستكمل نشاطه وجهاده في التأليف والمحاضرة حتى لقي الله وهو في الميدان الذي قضى عمره كله، يعمل فيه في (19 من شوال 1270هـ = 9 من مارس 1996م) ودفن بالبقيع في المدينة المنورة.

الغزالي بين رجال الإصلاح

يقف الغزالي بين دعاة الإصلاح كالطود الشامخ، متعدد المواهب والملكات، راض ميدان التأليف؛ فلم يكتفِ بجانب واحد من جوانب الفكر الإسلامي؛ بل شملت مؤلفاته: التجديد في الفقه السياسي ومحاربة الأدواء والعلل، والرد على خصوم الإسلام، والعقيدة والدعوة والأخلاق، والتاريخ والتفسير والحديث، والتصوف وفن الذكر. وقد أحدثت بعض مؤلفاته دويًّا هائلا بين مؤيديه وخصومه في أخريات حياته مثل كتابيه:"السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" و"قضايا المرأة المسلمة".

وكان لعمق فكره وفهمه للإسلام أن اتسعت دائرة عمله لتشمل خصوم الإسلام الكائدين له، سواء أكانوا من المسلمين أو من غيرهم، وطائفة كبيرة من كتبه تحمل هذا الهمّ، وتسد تلك الثغرة بكشف زيغ هؤلاء، ورد محاولاتهم للكيد للإسلام.

أما الجبهة الأخرى التي شملتها دائرة عمله فشملت بعض المشتغلين بالدعوة الذين شغلوا الناس بالفروع عن الأصول وبالجزئيات عن الكليات، وبأعمال الجوارح عن أعمال القلوب، وهذه الطائفة من الناس تركزت عليهم أعمال الشيخ وجهوده؛ لكي يفيقوا مما هم فيه من غفلة وعدم إدراك، ولم يسلم الشيخ من ألسنتهم، فهاجموه في عنف، ولم يراعوا جهاده وجهده، ولم يحترموا فكره واجتهاده، لكن الشيخ مضى في طريقه دون أن يلتفت إلى صراخهم.

وتضمنت كتبه عناصر الإصلاح التي دعا إليها على بصيرة؛ لتشمل تجديد الإيمان بالله وتعميق اليقين بالآخرة، والدعوة إلى العدل الاجتماعي، ومقاومة الاستبداد السياسي، وتحرير المرأة من التقاليد الدخيلة، ومحاربة التدين المغلوط، وتحرير الأمّة وتوحيدها، والدعوة إلى التقدم ومقاومة التخلف، وتنقية الثقافة الإسلامية، والعناية باللغة العربية.

واستعان في وسائل إصلاحه بالخطبة البصيرة، التي تتميز بالعرض الشافي، والأفكار الواضحة التي يعد لها جيدا، واللغة الجميلة الرشيقة، والإيقاع الهادئ والنطق المطمئن؛ فلا حماسة عاتية تهيج المشاعر والنفوس، ولا فضول في الكلام يُنسي بضعه بعضا، وهو في خطبه معلِّم موجه، ومصلح مرشد، ورائد طريق يأخذ بيد صاحبه إلى بَر الأمان، وخلاصة القول أنه توافرت للغزالي من ملكات الإصلاح ما تفرق عند غيره؛ فهو: مؤلف بارع، ومجاهد صادق، وخطيب مؤثر، وخبير بأدواء المجتمع بصير بأدويته.

من مؤلفاته رحمه الله:

- فقة السيرة

- خلق المسلم

- عقيدة المسلم

- جدد حياتك

- تأملات في الدين والحياة

- كيف نفهم الإسلام

- الجانب العاطفي من الإسلام

- الإسلام والاستبداد السياسي

- من معالم الطريق

- ظلام من الغرب

- ركائز المسلم

- حصاد الغرور

- قذائف الحق

- فن الذكر والدعاء

- هموم داعية

- مائة سؤال عن الإسلام

- الحق المر

- الطريق من هنا

-هذا ديننا

- دفاع عن العقيدة والشريعة

- كفاح دين

وغيرها من عشرات المؤلفات الأخرى

توفي رحمة الله 19 من شوال 1270هـ = 9 من مارس 1996م ودفن بالبقيع في المدينة المنورة

بواسطة العضو محمد عزت

ص: 284