المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌محمد عبده رائد الإصلاح في العصر الحديث (ذكرى وفاته في 8 من - المعجم الجامع في تراجم المعاصرين

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة صاحب الموضوع الأصلي

- ‌مقدمة الكتاب الخاص بالموسوعة

- ‌أحمد أمين

- ‌أحمد بن أحمد سلامة

- ‌أحمد بن عبد الكريم نجيب

- ‌أحمد بن علي سير مباركي

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن حمد المنقور

- ‌أحمد شحاته الألفى

- ‌أحمد فهمي أبو سنة

- ‌أحمد محمد نور سيف

- ‌أحمد محمد الشرقاوي

- ‌أحمد منصور آل سبالك

- ‌إبراهيم بن احمد بن محمد المنقور

- ‌إبراهيم بن عبد العزيز السويح

- ‌إبراهيم بن عبد الله اللاحم

- ‌إبراهيم بن ناصر المنيف

- ‌إحسان إلهي ظهير

- ‌إحسان عباس

- ‌إسماعيل محمد الأنصاري

- ‌العربي بن أحمد الحاج

- ‌ أحمد شاكر

- ‌ أحمد النجمي

- ‌أبو الأعلى المودودي

- ‌أبو الحسن الندوي

- ‌بكر عبد الله أبو زيد

- ‌تنكو عبد الرحمن

- ‌ ثناء الله المدني

- ‌ جعفر شيخ إدريس

- ‌ جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري

- ‌جاد الحق على جاد الحق

- ‌حاتم العوني

- ‌حافِظُ بنُ أَحْمَدِ الْحَكَمِي

- ‌حامد بن عبد الله أحمد العلي

- ‌ أبي إسحاق الحويني

- ‌ حسام الدين بن موسى محمد بن عفانه

- ‌حسن بن جعفر العتمي

- ‌حسن بن عبد اللطيف بن مانع

- ‌ حسنين محمد مخلوف

- ‌حسين مجيب المصري

- ‌حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

- ‌حمد بن محمد الجاسر

- ‌حمزة بن عبد الله بن أحمد المليباري

- ‌ حمود الشعيبي

- ‌ حمود بن عبد الله التويجري

- ‌ حماد الأنصاري

- ‌حسن البنا

- ‌حسن أيوب

- ‌خالد المشيقح

- ‌خالد بن عبد الله المصلح

- ‌ خالد بن عثمان السبت

- ‌خالد بن عبد الرحمن بن رشيد القريشي

- ‌خير الدين الزركلي

- ‌ ربيع بن هادي المدخلي

- ‌ رضا أحمد صمد

- ‌رشيد رضا

- ‌ زغلول النجار

- ‌ زيد المدخلي

- ‌زهير الشاويش

- ‌سعد بن عبد الله الحميد

- ‌سعد بن ناصر الشثري

- ‌سعدي الهاشمي

- ‌سعود الشريم

- ‌سعود بن عبد الله الفنيسان

- ‌سعيد أحمد الأكبر آبادي

- ‌سعيد الأفغاني

- ‌سعيد بن مسفر

- ‌سعيد عبد العظيم

- ‌سليم بن عيد بن محمد بن حسين الهلالي

- ‌سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان

- ‌سيد حامد علي

- ‌سلمان بن فهد العودة

- ‌سليمان بن عبد العزيز بن عبد العزيز القصير

- ‌ سلطان العيد

- ‌ سليمان بن حمد العودة

- ‌ سيد سابق

- ‌سيد قطب

- ‌سليمان بن ناصر العلوان

- ‌شفيع أحمد أبو سلمة

- ‌شكيب أرسلان

- ‌صالح بن أحمد الخريصي

- ‌صالح بن حمد بن نصر الله بن مشعاب

- ‌صالح بن عبد الرحمن بن عبد الله الأطرم

- ‌صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

- ‌صالح بن عبد العزيز بن عثيمين

- ‌صالح بن عبد الله بن حميد

- ‌صالح بن عبد الرحمن بن محمد بن حمد الفوزان

- ‌صالح بن محمد اللحيدان

- ‌ صفوت حجازي

- ‌طارق محمد الصالح السويدان

- ‌طارق محمد الطواري

- ‌الطاهر بن عاشور

- ‌ طاهر الجزائري

- ‌ عباس المصري

- ‌عائشة عبد الرحمن

- ‌ عائض القرني

- ‌أبوتراب الظاهري

- ‌عبد الباسط عبد الصمد

- ‌عباس محمود العقاد

- ‌عبد الحميد بن باديس

- ‌عبد الحميد كشك

- ‌عبد الرحمن بن حمزة المرزوقي

- ‌عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

- ‌ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

- ‌عبد الرحمن بن صالح العشماوي

- ‌عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف

- ‌عبد الرحيم عبد الرحمن

- ‌عبد العزيز الثعالبي

- ‌عبد الرزاق عفيفي عطية

- ‌عبد العزيز بن حمد المنيف

- ‌عبد العزيز بن خلف الخلف

- ‌عبد العزيز بن راشد آل حسين

- ‌عبد العزيز بن عبد الله آل باز

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي

- ‌عبد العزيز بن محمد السعيد

- ‌عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

- ‌ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

- ‌ عبد العزيز آل سعود

- ‌ عبد العظيم بن بدوى بن محمد الخلفى

- ‌عبد الفتاح المرصفي

- ‌ عبد القادر الأرناؤوط

- ‌عبد الكريم بن صالح بن عبد الكريم آل حميد

- ‌عبد الكريم جرمانوس

- ‌عبد اللطيف علي سلطاني

- ‌عبد الله إبراهيم الأنصاري

- ‌عبد الله السعد

- ‌عبد الله الغماري

- ‌عبد الله بن جبرين

- ‌عبد الله بن حمد الحسين

- ‌عبد الله بن سليمان بن حميد

- ‌عبد الله بن صالح الفوزان

- ‌عبد الله بن عباد

- ‌عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد البسام

- ‌عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي

- ‌عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حميد

- ‌ عبد الله بن موسى العمار

- ‌عبد الله قادري الأهدل

- ‌عبد الله كنون الحسني

- ‌عبد الله بن حمد بن عبد الله السكاكر

- ‌عبد الله بن محمد بن رميان الرميان

- ‌عبد المحسن الزامل

- ‌عبد المحسن العباد

- ‌عبد الرحمن السديس

- ‌عبد الرحمن بن محمد بن خلف بن عبد الله الدوسري

- ‌ عبد الرحمن المعلمي اليماني

- ‌عبد الرزاق بن عفيفي بن عطية

- ‌عبد الله الخياط

- ‌عبد السلام هارون

- ‌عبد العزيز السلمان

- ‌ عبد العظيم بن بدوى

- ‌عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم الشاوي

- ‌عبد الفتاح أبوغدة

- ‌ عبد القادر شيبة الحمد

- ‌عبد الكريم الخضير

- ‌ عبد الله الخليفي

- ‌ عبد الله الخياط

- ‌عبد الله الغنيمان

- ‌عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌ عبد الله بن خميس

- ‌عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي

- ‌عبد الله بن يوسف الجديع

- ‌عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي

- ‌عبد الملك بن عبد الله بن دهيش

- ‌ عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد

- ‌عبد الوهاب بن إبراهيم

- ‌عبد الله عزام

- ‌عبيد الله بن عبد السلام الرحماني المباركفوري

- ‌عثمان بن عبد العزيز بن منصور

- ‌عطية محمد سالم

- ‌علاء الدين خروفة

- ‌علي الطنطاوي

- ‌ علي بن حسن الحلبي

- ‌علي بن خضير الخضير

- ‌علي بن محمد بن حسين العمران

- ‌ علي عبد الرحمن الحذيفي

- ‌علي عزّت بيجوفيتش

- ‌علي محمود بن الخوجة

- ‌علي بن محمد بن سعيد الشهراني

- ‌عمر بن عبد العزيز المترك

- ‌عمر بن محمد الفلاني

- ‌عمرو بن عبد المنعم بن عبد العال ال سليم

- ‌عمر السبيل

- ‌عبيد الله بن حميد

- ‌عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل

- ‌ عبد العزيز السلمان

- ‌ عبد السلام البرجس

- ‌ علي بن محمد الفقيهي

- ‌ علي رضا

- ‌ عز الدين القسام

- ‌علي بن عبد الله جابر

- ‌ فالح بن محمد بن فالح الصغير

- ‌فهد بن جاسر الزكري

- ‌فوزان بن نصر الله بن محمد بن مشعاب

- ‌ فيصل مولوي

- ‌ فوزي الأثري

- ‌محمد البشير الإبراهيمي

- ‌مانع بن حماد الجهني

- ‌ محمد أحمد شقرون

- ‌محمد أمان الجامي

- ‌محمد أمين الشافعي

- ‌محمد إبراهيم بن أحمد علي

- ‌محمد بن إسماعيل المقدم

- ‌محمد ابن أبي شنب

- ‌ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي

- ‌محمد الحسن ولد الددو

- ‌مُحمّدِ بنِ محمّدٍ المُختارِ الشنقيطيِّ

- ‌محمد الصومالي

- ‌ محمد الغزالي

- ‌ محمد الدويش

- ‌ محمد بن إبراهيم شقرة

- ‌محمد بن إبراهيم بن حسان

- ‌محمد بن إبراهيم بن عثمان بن جبير

- ‌ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌محمد بن الأمين بن عبد الله بن أحمد بن الإدريسي العمراني

- ‌محمد بن سليمان بن أحمد البدر

- ‌ محمد بن صالح العثيمين

- ‌محمد بن طراد الدوسري

- ‌محمد بن عبد الله بن عبد العزيز السبيل

- ‌محمد بن عبد الرحمن بن محمد اليحيى

- ‌ محمد بن عبد الوهاب

- ‌محمد بن علي جماح الغامدي

- ‌محمد بن عمر العقيل

- ‌محمد بن عمرو عبد اللطيف

- ‌محمد بن مسلم بن عثيمين

- ‌محمد جبريل

- ‌محمد جميل غازي

- ‌محمد حسين يعقوب

- ‌محمد خالد الفاضل

- ‌محمد صالح المنجد

- ‌ محمد عزير شمس

- ‌محمد عيد عباسى

- ‌محمد محمود الصواف

- ‌ محمد موسى آل نصر

- ‌محمد فؤاد عبد الباقي

- ‌ محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني

- ‌ محمد نبهان بن حسين بن محمد

- ‌ محمد بن الشيخ عبد الرحمن آل إسماعيل

- ‌محمد بن تركي بن سليمان التركي

- ‌محمد متولي الشعراوي

- ‌محمد أنور شاه الكشميري

- ‌ محمد متولي الشعراوي

- ‌محمد بهجت البيطار

- ‌محمد عبده

- ‌محمد سعيد رسلان

- ‌ محمود شاكر

- ‌مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار

- ‌ مشهور حسن آل سلمان

- ‌مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ مصطفى العدوي

- ‌مصطفى محمد حلمي سليمان

- ‌مصطفى السباعي

- ‌موسى إبراهيم الإبراهيم

- ‌محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف:

- ‌ محمد حامد الفقي

- ‌ مقبل بن هادي الوادعي

- ‌ محمد تقي الدين الهلالي

- ‌محب الدين الخطيب

- ‌ناصر بن حمد آل راشد

- ‌ناصر بن حمد بن حمين الفهد

- ‌ ناصر بن عبد الكريم العقل

- ‌ناصيف اليازجي

- ‌نايف حامد العباس

- ‌نور الدين بن مختار الخادمي

- ‌ نعمان الألوسي البغدادي

- ‌هميجان بن مذيور القحطاني

- ‌وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي

- ‌وليد المنيسى

- ‌وهبة الزحيلي

- ‌يعقوب بن عبد الكريم الباحسين

- ‌يوسف القرضاوي

- ‌يوسف بن عيسر القناعي

- ‌يوسف بن عبد العزيز بن صالح العقل

الفصل: ‌ ‌محمد عبده رائد الإصلاح في العصر الحديث (ذكرى وفاته في 8 من

‌محمد عبده

رائد الإصلاح في العصر الحديث

(ذكرى وفاته في 8 من جمادى الأولى 1323هـ)

سمير حلبي

يُعدّ "الإمام محمد عبده" واحدًا من أبرز المجددين في الفقه الإسلامي في العصر الحديث، وأحد دعاة الإصلاح وأعلام النهضة العربية الإسلامية الحديثة؛ فقد ساهم بعلمه ووعيه واجتهاده في تحرير العقل العربي من الجمود الذي أصابه لعدة قرون، كما شارك في إيقاظ وعي الأمة نحو التحرر، وبعث الوطنية، وإحياء الاجتهاد الفقهي لمواكبة التطورات السريعة في العلم، ومسايرة حركة المجتمع وتطوره في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والثقافية.

في الجامع الأحمدي

وُلد الإمام "محمد عبده" في عام (1266هـ = 1849م) لأب تركماني الأصل، وأم مصرية تنتمي إلى قبيلة "بني عدي" العربية، ونشأ في قرية صغيرة من ريف مصر هي قرية "محلة نصر" بمحافظة البحيرة.

أرسله أبوه- كسائر أبناء قريته- إلى الكُتّاب، حيث تلقى دروسه الأولى على يد شيخ القرية، وعندما شبَّ الابن أرسله أبوه إلى "الجامع الأحمدي"- جامع السيد البدوي- بطنطا، لقربه من بلدته؛ ليجوّد القرآن بعد أن حفظه، ويدرس شيئًا من علوم الفقه واللغة العربية.

وكان محمد عبده في نحو الخامسة عشرة من عمره، وقد استمر يتردد على "الجامع الأحمدي" قريبًا من العام ونصف العام، إلا أنه لم يستطع أن يتجاوب مع المقررات الدراسية أو نظم الدراسة العقيمة التي كانت تعتمد على المتون والشروح التي تخلو من التقنين البسيط للعلوم، وتفتقد الوضوح في العرض، فقرر أن يترك الدراسة ويتجه إلى الزراعة.. ولكن أباه أصر على تعليمه، فلما وجد من أبيه العزم على ما أراد وعدم التحول عما رسمه له، هرب إلى بلدة قريبة فيها بعض أخوال أبيه.

مع الشيخ درويش خضر

وهناك التقى بالشيخ الصوفي "درويش خضر"- خال أبيه- الذي كان له أكبر الأثر في تغيير مجرى حياته.

وكان الشيخ درويش متأثرًا بتعاليم السنوسية التي تتفق مع الوهابية في الدعوة إلى الرجوع إلى الإسلام الخالص في بساطته الأولى، وتنقيته مما شابه من بدع وخرافات.

واستطاع الشيخ "درويش" أن يعيد الثقة إلى محمد عبده، بعد أن شرح له بأسلوب لطيف ما استعصى عليه من تلك المتون المغلقة، فأزال طلاسم وتعقيدات تلك المتون القديمة، وقرّبها إلى عقله بسهولة ويسر.

وعاد محمد عبده إلى الجامع الأحمدي، وقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر فهمًا للدروس التي يتلقاها هناك، بل لقد صار "محمد عبده" شيخًا ومعلمًا لزملائه يشرح لهم ما غمض عليهم قبل موعد شرح الأستاذ.

وهكذا تهيأ له أن يسير بخطى ثابتة على طريق العلم والمعرفة بعد أن عادت إليه ثقته بنفسه.

ص: 332

في الأزهر

انتقل محمد عبده من الجامع الأحمدي إلى الجامع الأزهر عام (1282 هـ = 1865م) ، وقد كان الأزهر غاية كل متعلم وهدف كل دارس، فدرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والنحو والبلاغة، وغير ذلك من العلوم الشرعية واللغوية.

وكانت الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- لا تخرج عن هذه العلوم في شيء، فلا تاريخ ولا جغرافيا ولا طبيعة ولا كيمياء ولا رياضيات وغير ذلك من العلوم التي كانت توصف- آنذاك- بعلوم أهل الدنيا.

ولذلك فَقَدْ شَابَ الدراسة في الأزهر- في ذلك الوقت- كثير من التخلف والجمود، وتوقفت العلوم عند ظواهر الأشياء دون النفاذ إلى الجوهر، ومن ثم كانت الدراسة تنصبّ على المتون والحواشي والشروح بالدرجة الأولى.

واستمر "محمد عبده" يدرس في "الأزهر" اثني عشر عامًا، حتى نال شهادة العالمية سنة (1294هـ = 1877م) .

رجال في حياة الإمام

تأثر الشيخ "محمد عبده" بعدد من الرجال الذين أثروا حياته وأثّروا فيها، وكان من أولهم الشيخ "درويش خضر" الذي كان يلتقي به في إجازته من كل عام، فيتعهده بالرعاية الروحية والتربية الوجدانية، فيصب في روحه من صوفيته النقية، ويشحذ عزيمته ونفسه بالإرادة الواعية، ويحركه للاتصال بالناس، والتفاعل مع المجتمع، ويدعوه إلى التحدث إلى الناس ونصحهم ووعظهم.

وهو الذي ساعده على تجاوز حدود العلوم التي درسها بالأزهر، ونبهه إلى ضرورة الأخذ من كل العلوم، بما فيها تلك العلوم التي رفضها الأزهر وضرب حولها سياجًا من المنع والتحريم.

ومن ثم فقد اتصل "محمد عبده" بالرجل الثاني الذي كان له أثر كبير في توجيهه إلى العلوم العصرية، وهو الشيخ "حسن الطويل" الذي كانت له معرفة بالرياضيات والفلسفة، وكان له اتصال بالسياسة، وعُرف بالشجاعة في القول بما يعتقد دون رياء أو مواربة.

وقد حركت دروس الشيخ "حسن الطويل" كوامن نفس محمد عبده، ودفعته إلى البحث عن المزيد، وقد وجد ضالته أخيرًا عند السيد جمال الدين الأفغاني.

ص: 333

صداقة ووئام بين الأفغاني والإمام

كان الأفغاني يفيض ذكاء وحيوية ونشاطا، فهو دائم الحركة، دائم التفكير، دائم النقد، دائم العطاء، وكان محركًا للعديد من ثورات الطلاب ومظاهراتهم؛ فقد وهب نفسه لهدف أسمى وغاية نبيلة هي إيقاظ الدولة الإسلامية من ثُباتها، والنهوض بها من كبوتها وضعفها، فعمل على تبصرة الشعوب بحقوقها من خلال تنوير عقول أبنائها.

ووجد "الأفغاني" في "محمد عبده" الذكاء وحسن الاستعداد، وعلو الهمة، فضلا عن الحماسة في الدعوة إلى الإصلاح، ورأى "محمد عبده" من خلال "الأفغاني" الدنيا التي حجبتها عنه طبيعة الدراسة في الأزهر.. وتلازم الشيخان، ونشأت بينهما صداقة صافية، وساد بينهما نوع من الوئام والتوافق والانسجام على أساس من الحب المتبادل والاحترام والتقدير.

الإمام معلمًا

بعد أن نال "محمد عبده" شهادة العالمية من الأزهر، انطلق ليبدأ رحلة كفاحه من أجل العلم والتنوير، فلم يكتف بالتدريس في الأزهر، وإنما درّس في "دار العلوم" وفي "مدرسة الألسن"، كما اتصل بالحياة العامة.

وكانت دروسه في الأزهر في المنطق والفلسفة والتوحيد، وكان يُدرّس في دار العلوم مقدمة ابن خلدون، كما ألّف كتابًا في علم الاجتماع والعمران.

واتصل بعدد من الجرائد، فكان يكتب في "الأهرام" مقالات في الإصلاح الخلقي والاجتماعي، فكتب مقالا في "الكتابة والقلم"، وآخر في "المدبر الإنساني والمدبر العقلي والروحاني"، وثالثا في "العلوم العقلية والدعوة إلى العلوم العصرية".

المنهج الإصلاحي للإمام

وحينما تولّى الخديوي "توفيق" العرش، تقلد "رياض باشا" رئاسة النظار، فاتجه إلى إصلاح "الوقائع المصرية"، واختار الشيخ محمد عبده ليقوم بهذه المهمة، فضم "محمد عبده" إليه "سعد زغلول"، و"إبراهيم الهلباوي"، والشيخ "محمد خليل"، وغيرهم، وأنشأ في الوقائع قسمًا غير رسمي إلى جانب الأخبار الرسمية، فكانت تحرر فيه مقالات إصلاحية أدبية واجتماعية، وكان الشيخ "محمد عبده" هو محررها الأول. وظل الشيخ "محمد عبده" في هذا العمل نحو سنة ونصف السنة، استطاع خلالها أن يجعل "الوقائع" منبرًا للدعوة إلى الإصلاح.

وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح:

الأول: يمثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام "محمد عبده" والزعيم "سعد زغلول" ممن يمثلون هذا التيار.

والثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسيًا بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها، ومنهم "أديب إسحاق".

وكان هؤلاء ينظرون إلى محمد عبده ورفاقه على أنهم رجعيون، ولا يوافقونهم فيما ذهبوا إليه من أن الإصلاح ينبغي أن يأتي بالتدريج ليستقر، وليس طفرة فيزول.

الإمام والثورة العرابية

وعندما اشتغلت الثورة العرابية سنة (1299هـ = 1882م) التفّ حولها كثير من الوطنيين، وانضم إليهم الكثير من الأعيان وعلماء الأزهر، واجتمعت حولها جموع الشعب وطوائفه المختلفة، وامتزجت مطالب جنود الجيش بمطالب جموع الشعب والأعيان والعلماء، وانطلقت الصحف تشعل لهيب الثورة، وتثير الجموع، وكان عبد الله النديم من أكثر الخطباء تحريضًا على الثورة.

وبالرغم من أن "محمد عبده" لم يكن من المتحمسين للتغيير الثوري السريع فإنه انضم إلى المؤيدين للثورة، وأصبح واحدًا من قادتها وزعمائها، فتم القبض عليه، وأودع السجن ثلاثة أشهر، ثم حُكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات.

ص: 334

بين بيروت وباريس

انتقل "محمد عبده" إلى "بيروت" سنة (1300هـ = 1883م) ؛ حيث أقام بها نحو عام، ثم ما لبث أن دعاه أستاذه الأفغاني للسفر إليه في باريس حيث منفاه، واستجاب "محمد عبده" لدعوة أستاذه حيث اشتركا معًا في إصدار مجلة "العروة الوثقى" التي صدرت من غرفة صغيرة متواضعة فوق سطح أحد منازل باريس؛ حيث كانت تلك الغرفة هي مقر التحرير وملتقى الأتباع والمؤيدين.

لقد أزعجت تلك المجلة الإنجليز، وأثارت مخاوفهم كما أثارت هواجس الفرنسيين، وكان الإمام محمد عبده وأستاذه وعدد قليل من معاونيهم يحملون عبء تحرير المجلة وتمهيد السبل لها للوصول إلى أرجاء العالم الإسلامي، وكانت مقالات الإمام تتسم في هذه الفترة بالقوة، والدعوة إلى مناهضة الاستعمار، والتحرر من الاحتلال الأجنبي بكل صوره وأشكاله. واستطاع الإنجليز إخماد صوت "العروة الوثقى" الذي أضجّ مضاجعهم وأقلق مسامعهم، فاحتجبت بعد أن صدر منها ثمانية عشر عددا في ثمانية أشهر، وعاد الشيخ "محمد عبده" إلى بيروت سنة (1302هـ = 1885م) بعد أن تهاوى كل شيء من حوله، فقد فشلت الثورة العرابية، وأغلقت جريدة "العروة الوثقى"، وابتعد عن أستاذه الذي رحل بدوره إلى "فارس".

وكان على "محمد عبده" أن يشغل وقته بالتأليف والتعليم، فشرح "نهج البلاغة" ومقامات "بديع الزمان الهمذاني"، وأخذ يدرّس تفسير القرآن في بعض مساجد "بيروت"، ثم دُعي للتدريس في "المدرسة السلطانية" ببيروت، فعمل على النهوض بها، وأصلح برامجها، فكان يدرّس التوحيد والمنطق والبلاغة والتاريخ والفقه، كما كتب في جريدة "ثمرات الفنون" عددًا من المقالات تشبه مقالاته في "الوقائع".

وبالرغم من أن مدة نفيه التي حكم عليه بها كانت ثلاث سنوات فإنه ظل في منفاه نحو ست سنين، فلم يكن يستطيع العودة إلى مصر بعد مشاركته في الثورة على الخديوي "توفيق"، واتهامه له بالخيانة والعمالة، ولكن بعد محاولات كثيرة لعدد من الساسة والزعماء، منهم:"سعد زغلول"، والأميرة "نازلي"، و"مختار باشا"، صدر العفو عن "محمد عبده" سنة (1306هـ = 1889م) ، وآن له أن يعود إلى أرض الكنانة.

العودة إلى مصر

كان كل شيء قد أصبح في يد الإنجليز، وكان أهم أهداف الشيخ "محمد عبده" إصلاح العقيدة، والعمل على إصلاح المؤسسات الإسلامية كالأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية.. واتخذ "محمد عبده" قراره بمسالمة الخديوي، وذلك حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الإصلاحي الذي يطمح إلى تحقيقه، والاستعانة بالإنجليز أنفسهم إذا اقتضى الأمر، فوضع تقريرًا بعد عودته حول الإصلاحات التي يراها ضرورية للنهوض بالتعليم، ورفعه إلى "اللورد كرومر" نفسه، فحقيقية الأمر التي لا جدال فيها أنه كان القوة الفاعلة والحاكم الحقيقي لمصر.

وكان الشيخ "محمد عبده" يأمل أن يكون ناظرًا لدار العلوم أو أستاذًا فيها بعد عودته إلى مصر، ولكن الخديوي والإنجليز كان لهما رأي آخر؛ ولذلك فقد تم تعيينه قاضيًا أهليًا في محكمة بنها، ثم الزقازيق، ثم عابدين، ثم عين مستشارًا في محكمة الاستئناف سنة (1313هـ = 1895م) .

بدأ يتعلم اللغة الفرنسية وهو قاضٍ في "عابدين"- وكانت سنه حينئذ قد شارفت على الأربعين- حتى تمكّن منها، فاطلع على القوانين الفرنسية وشروحها، وترجم كتابًا في التربية من الفرنسية إلى العربية.

الإمام مفتيًا

وعندما تُوفي الخديوي "توفيق" سنة (1310هـ = 1892م) ، وتولي الخديوي عباس، الذي كان متحمسًا على مناهضة الاحتلال، سعى الشيخ "محمد عبده" إلى توثيق صلته به، واستطاع إقناعه بخطته الإصلاحية التي تقوم على إصلاح الأزهر والأوقاف والمحاكم الشرعية، وصدر قرار بتشكيل مجلس إدارة الأزهر برئاسة الشيخ "حسونة النواوي"، وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وهكذا أتيحت الفرصة للشيخ محمد عبده لتحقيق حلمه بإصلاح الأزهر، وهو الحلم الذي تمناه منذ أن وطئت قدماه ساحته لأول مرة.

وفي عام (1317هـ = 1899م) تم تعيينه مفتيًا للبلاد، ولكن علاقته بالخديوي عباس كان يشوبها شيء من الفتور، الذي ظل يزداد على مر الأيام، خاصة بعدما اعترض على ما أراده الخديوي من استبدال أرض من الأوقاف بأخرى له إلا إذا دفع الخديوي للوقف عشرين ألف فرقًا بين الصفقتين.

ص: 335

الحملة الشرسة ضد الإمام

وتحول الموقف إلى عداء سافر من الخديوي، فبدأت المؤامرات والدسائس تُحاك ضد الإمام الشيخ، وبدأت الصحف تشن هجومًا قاسيًا عليه لتحقيره والنيل منه، ولجأ خصومه إلى العديد من الطرق الرخيصة والأساليب المبتذلة لتجريحه وتشويه صورته أمام العامة؛ حتى اضطر إلى الاستقالة من الأزهر في سنة (1323هـ = 1905م) ، وإثر ذلك أحس الشيخ بالمرض، واشتدت عليه وطأة المرض، الذي تبيّن أنه السرطان، وما لبث أن تُوفي بالإسكندرية في (8 من جمادى الأولى 1323 هـ = 11 من يوليو 1905م) عن عمر بلغ ستة وخمسين عامًا.

أهم مصادر البحث:

زعماء الإصلاح في العصر الحديث: أحمد أمين- مكتبة النهضة المصرية-القاهرة (1368هـ = 1948م) .

محمد عبده: عباس محمود العقاد- المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر- القاهرة (1962) .

مفكرون من مصر: سامي خشبة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة (1421هـ = 2000م) .

رائد الفكر المصري الإمام محمد عبده: عثمان أمين- مكتبة النهضة المصرية- القاهرة (1955م) .

المصدر: موقع إسلام أون لاين: www.islam-online.net

تنبيه: ما ذكر هنا حول مصطلح الوهابية غير صحيح وهذه التسمية غير صحيحة وإنما أطلقها أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليه تشهيرا به وبدعوته.

ص: 336