المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جاد الحق على جاد الحق - المعجم الجامع في تراجم المعاصرين

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة صاحب الموضوع الأصلي

- ‌مقدمة الكتاب الخاص بالموسوعة

- ‌أحمد أمين

- ‌أحمد بن أحمد سلامة

- ‌أحمد بن عبد الكريم نجيب

- ‌أحمد بن علي سير مباركي

- ‌أحمد بن محمد بن أحمد بن حمد المنقور

- ‌أحمد شحاته الألفى

- ‌أحمد فهمي أبو سنة

- ‌أحمد محمد نور سيف

- ‌أحمد محمد الشرقاوي

- ‌أحمد منصور آل سبالك

- ‌إبراهيم بن احمد بن محمد المنقور

- ‌إبراهيم بن عبد العزيز السويح

- ‌إبراهيم بن عبد الله اللاحم

- ‌إبراهيم بن ناصر المنيف

- ‌إحسان إلهي ظهير

- ‌إحسان عباس

- ‌إسماعيل محمد الأنصاري

- ‌العربي بن أحمد الحاج

- ‌ أحمد شاكر

- ‌ أحمد النجمي

- ‌أبو الأعلى المودودي

- ‌أبو الحسن الندوي

- ‌بكر عبد الله أبو زيد

- ‌تنكو عبد الرحمن

- ‌ ثناء الله المدني

- ‌ جعفر شيخ إدريس

- ‌ جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري

- ‌جاد الحق على جاد الحق

- ‌حاتم العوني

- ‌حافِظُ بنُ أَحْمَدِ الْحَكَمِي

- ‌حامد بن عبد الله أحمد العلي

- ‌ أبي إسحاق الحويني

- ‌ حسام الدين بن موسى محمد بن عفانه

- ‌حسن بن جعفر العتمي

- ‌حسن بن عبد اللطيف بن مانع

- ‌ حسنين محمد مخلوف

- ‌حسين مجيب المصري

- ‌حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

- ‌حمد بن محمد الجاسر

- ‌حمزة بن عبد الله بن أحمد المليباري

- ‌ حمود الشعيبي

- ‌ حمود بن عبد الله التويجري

- ‌ حماد الأنصاري

- ‌حسن البنا

- ‌حسن أيوب

- ‌خالد المشيقح

- ‌خالد بن عبد الله المصلح

- ‌ خالد بن عثمان السبت

- ‌خالد بن عبد الرحمن بن رشيد القريشي

- ‌خير الدين الزركلي

- ‌ ربيع بن هادي المدخلي

- ‌ رضا أحمد صمد

- ‌رشيد رضا

- ‌ زغلول النجار

- ‌ زيد المدخلي

- ‌زهير الشاويش

- ‌سعد بن عبد الله الحميد

- ‌سعد بن ناصر الشثري

- ‌سعدي الهاشمي

- ‌سعود الشريم

- ‌سعود بن عبد الله الفنيسان

- ‌سعيد أحمد الأكبر آبادي

- ‌سعيد الأفغاني

- ‌سعيد بن مسفر

- ‌سعيد عبد العظيم

- ‌سليم بن عيد بن محمد بن حسين الهلالي

- ‌سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان

- ‌سيد حامد علي

- ‌سلمان بن فهد العودة

- ‌سليمان بن عبد العزيز بن عبد العزيز القصير

- ‌ سلطان العيد

- ‌ سليمان بن حمد العودة

- ‌ سيد سابق

- ‌سيد قطب

- ‌سليمان بن ناصر العلوان

- ‌شفيع أحمد أبو سلمة

- ‌شكيب أرسلان

- ‌صالح بن أحمد الخريصي

- ‌صالح بن حمد بن نصر الله بن مشعاب

- ‌صالح بن عبد الرحمن بن عبد الله الأطرم

- ‌صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

- ‌صالح بن عبد العزيز بن عثيمين

- ‌صالح بن عبد الله بن حميد

- ‌صالح بن عبد الرحمن بن محمد بن حمد الفوزان

- ‌صالح بن محمد اللحيدان

- ‌ صفوت حجازي

- ‌طارق محمد الصالح السويدان

- ‌طارق محمد الطواري

- ‌الطاهر بن عاشور

- ‌ طاهر الجزائري

- ‌ عباس المصري

- ‌عائشة عبد الرحمن

- ‌ عائض القرني

- ‌أبوتراب الظاهري

- ‌عبد الباسط عبد الصمد

- ‌عباس محمود العقاد

- ‌عبد الحميد بن باديس

- ‌عبد الحميد كشك

- ‌عبد الرحمن بن حمزة المرزوقي

- ‌عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

- ‌ عبد الرحمن بن ناصر السعدي

- ‌عبد الرحمن بن صالح العشماوي

- ‌عبد الرحمن بن عبد الخالق اليوسف

- ‌عبد الرحيم عبد الرحمن

- ‌عبد العزيز الثعالبي

- ‌عبد الرزاق عفيفي عطية

- ‌عبد العزيز بن حمد المنيف

- ‌عبد العزيز بن خلف الخلف

- ‌عبد العزيز بن راشد آل حسين

- ‌عبد العزيز بن عبد الله آل باز

- ‌عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن الراجحي

- ‌عبد العزيز بن محمد السعيد

- ‌عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

- ‌ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

- ‌ عبد العزيز آل سعود

- ‌ عبد العظيم بن بدوى بن محمد الخلفى

- ‌عبد الفتاح المرصفي

- ‌ عبد القادر الأرناؤوط

- ‌عبد الكريم بن صالح بن عبد الكريم آل حميد

- ‌عبد الكريم جرمانوس

- ‌عبد اللطيف علي سلطاني

- ‌عبد الله إبراهيم الأنصاري

- ‌عبد الله السعد

- ‌عبد الله الغماري

- ‌عبد الله بن جبرين

- ‌عبد الله بن حمد الحسين

- ‌عبد الله بن سليمان بن حميد

- ‌عبد الله بن صالح الفوزان

- ‌عبد الله بن عباد

- ‌عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح بن حمد بن محمد بن حمد البسام

- ‌عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي

- ‌عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن حميد

- ‌ عبد الله بن موسى العمار

- ‌عبد الله قادري الأهدل

- ‌عبد الله كنون الحسني

- ‌عبد الله بن حمد بن عبد الله السكاكر

- ‌عبد الله بن محمد بن رميان الرميان

- ‌عبد المحسن الزامل

- ‌عبد المحسن العباد

- ‌عبد الرحمن السديس

- ‌عبد الرحمن بن محمد بن خلف بن عبد الله الدوسري

- ‌ عبد الرحمن المعلمي اليماني

- ‌عبد الرزاق بن عفيفي بن عطية

- ‌عبد الله الخياط

- ‌عبد السلام هارون

- ‌عبد العزيز السلمان

- ‌ عبد العظيم بن بدوى

- ‌عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم الشاوي

- ‌عبد الفتاح أبوغدة

- ‌ عبد القادر شيبة الحمد

- ‌عبد الكريم الخضير

- ‌ عبد الله الخليفي

- ‌ عبد الله الخياط

- ‌عبد الله الغنيمان

- ‌عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌ عبد الله بن خميس

- ‌عبد الله بن سعدي الغامدي العبدلي

- ‌عبد الله بن يوسف الجديع

- ‌عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي

- ‌عبد الملك بن عبد الله بن دهيش

- ‌ عبد الوهاب بن عبد العزيز الزيد

- ‌عبد الوهاب بن إبراهيم

- ‌عبد الله عزام

- ‌عبيد الله بن عبد السلام الرحماني المباركفوري

- ‌عثمان بن عبد العزيز بن منصور

- ‌عطية محمد سالم

- ‌علاء الدين خروفة

- ‌علي الطنطاوي

- ‌ علي بن حسن الحلبي

- ‌علي بن خضير الخضير

- ‌علي بن محمد بن حسين العمران

- ‌ علي عبد الرحمن الحذيفي

- ‌علي عزّت بيجوفيتش

- ‌علي محمود بن الخوجة

- ‌علي بن محمد بن سعيد الشهراني

- ‌عمر بن عبد العزيز المترك

- ‌عمر بن محمد الفلاني

- ‌عمرو بن عبد المنعم بن عبد العال ال سليم

- ‌عمر السبيل

- ‌عبيد الله بن حميد

- ‌عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل

- ‌ عبد العزيز السلمان

- ‌ عبد السلام البرجس

- ‌ علي بن محمد الفقيهي

- ‌ علي رضا

- ‌ عز الدين القسام

- ‌علي بن عبد الله جابر

- ‌ فالح بن محمد بن فالح الصغير

- ‌فهد بن جاسر الزكري

- ‌فوزان بن نصر الله بن محمد بن مشعاب

- ‌ فيصل مولوي

- ‌ فوزي الأثري

- ‌محمد البشير الإبراهيمي

- ‌مانع بن حماد الجهني

- ‌ محمد أحمد شقرون

- ‌محمد أمان الجامي

- ‌محمد أمين الشافعي

- ‌محمد إبراهيم بن أحمد علي

- ‌محمد بن إسماعيل المقدم

- ‌محمد ابن أبي شنب

- ‌ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي

- ‌محمد الحسن ولد الددو

- ‌مُحمّدِ بنِ محمّدٍ المُختارِ الشنقيطيِّ

- ‌محمد الصومالي

- ‌ محمد الغزالي

- ‌ محمد الدويش

- ‌ محمد بن إبراهيم شقرة

- ‌محمد بن إبراهيم بن حسان

- ‌محمد بن إبراهيم بن عثمان بن جبير

- ‌ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌محمد بن الأمين بن عبد الله بن أحمد بن الإدريسي العمراني

- ‌محمد بن سليمان بن أحمد البدر

- ‌ محمد بن صالح العثيمين

- ‌محمد بن طراد الدوسري

- ‌محمد بن عبد الله بن عبد العزيز السبيل

- ‌محمد بن عبد الرحمن بن محمد اليحيى

- ‌ محمد بن عبد الوهاب

- ‌محمد بن علي جماح الغامدي

- ‌محمد بن عمر العقيل

- ‌محمد بن عمرو عبد اللطيف

- ‌محمد بن مسلم بن عثيمين

- ‌محمد جبريل

- ‌محمد جميل غازي

- ‌محمد حسين يعقوب

- ‌محمد خالد الفاضل

- ‌محمد صالح المنجد

- ‌ محمد عزير شمس

- ‌محمد عيد عباسى

- ‌محمد محمود الصواف

- ‌ محمد موسى آل نصر

- ‌محمد فؤاد عبد الباقي

- ‌ محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني

- ‌ محمد نبهان بن حسين بن محمد

- ‌ محمد بن الشيخ عبد الرحمن آل إسماعيل

- ‌محمد بن تركي بن سليمان التركي

- ‌محمد متولي الشعراوي

- ‌محمد أنور شاه الكشميري

- ‌ محمد متولي الشعراوي

- ‌محمد بهجت البيطار

- ‌محمد عبده

- ‌محمد سعيد رسلان

- ‌ محمود شاكر

- ‌مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار

- ‌ مشهور حسن آل سلمان

- ‌مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ مصطفى العدوي

- ‌مصطفى محمد حلمي سليمان

- ‌مصطفى السباعي

- ‌موسى إبراهيم الإبراهيم

- ‌محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف:

- ‌ محمد حامد الفقي

- ‌ مقبل بن هادي الوادعي

- ‌ محمد تقي الدين الهلالي

- ‌محب الدين الخطيب

- ‌ناصر بن حمد آل راشد

- ‌ناصر بن حمد بن حمين الفهد

- ‌ ناصر بن عبد الكريم العقل

- ‌ناصيف اليازجي

- ‌نايف حامد العباس

- ‌نور الدين بن مختار الخادمي

- ‌ نعمان الألوسي البغدادي

- ‌هميجان بن مذيور القحطاني

- ‌وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي

- ‌وليد المنيسى

- ‌وهبة الزحيلي

- ‌يعقوب بن عبد الكريم الباحسين

- ‌يوسف القرضاوي

- ‌يوسف بن عيسر القناعي

- ‌يوسف بن عبد العزيز بن صالح العقل

الفصل: ‌جاد الحق على جاد الحق

‌جاد الحق على جاد الحق

(في ذكرى توليه مشيخة الأزهر: 13 جمادى الأولى 1402هـ)

أحمد تمام

لم يقتصر دور الأزهر على الدرس والتعليم وتخريج العلماء، بل امتد أثره إلى الحياة العامة الرحيبة، فكان ملاذًا للناس حين يقع بهم ظلم أو جور، يأخذ على يد الظالمين ويعيد الحق للمظلومين. فحين قام "مراد بك" أحد كبار المماليك في العصر العثماني بالهجوم على بيوت بعض الناس في القاهرة ومصادرة ممتلكاتهم، لجأ الناس إلى الشيخ "أحمد الدردير" سنة (1200 هـ = 1785م) وكان من كبار علماء الأزهر، فقاد ثورة لاسترداد الحقوق المغتصبة، وما إن علم "إبراهيم بك"- وكان شريك مراد في حكم البلاد- حتى خشي من استفحال الثورة، فأرسل إلى الدردير يسترضيه ويعتذر إليه مما صنع زميله، ويخبره أنه ملتزم بردّ ما نهب أو دَفْع قيمته.

وبعد عشر سنوات من هذه الغضبة الأزهرية قاد "عبد الله الشرقاوي" شيخ الجامع الأزهر ثورة ثانية لاسترداد الحقوق، ودفع الظلم، ومقاومة الطغيان، حين دفع إليه مجموعة من فلاحي قرى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية شكواهم من ظلم "محمد بك الألفي" ورجاله. ولم تهدأ هذه الثورة العارمة إلا بعد توقيع وثيقة تنص على عدم فرض ضريبة إلا بعد إقرارها من مندوبي الشعب، وألا تمتد يد ذي سلطان على فرد من أفراد الأمة إلا بالحق والشرعة.

وقاد الأزهر الثورة ضد الحملة الفرنسية، وتحمل تبعات الزعامة الوطنية وإذكاء الثورة، ولم تفلح المحاولات التي بذلها "نابليون بونابرت" لاستمالة رجال الأزهر بإضفاء كل مظاهر التبجيل والتقدير عليهم. وبعد جلاء الحملة الفرنسية كان لعلماء الأزهر يد لا تُغفل في تعيين "محمد علي" واليًا على مصر، في سابقة لم تحدث من قبل في التاريخ الإسلامي، حين تشترك الإرادة الشعبية وتأييد الخاصة وصفوة المجتمع في اختيار حاكم للبلاد.

واشترك الأزهر في الثورة العرابية، وحمل راية الجهاد في ثورة 1919 بمشايخه وطلابه الذين كانوا في مقدمة صفوف المجاهدين، وكانت ساحة الأزهر وأروقته مركزًا لتنظيم الثورة، وقد استشهد على أبواب الجامع الأزهر كثير من الثوار.

وكان شيوخ الجامع الأزهر هم حملة الأمانة وقادة التنوير وزعماء النهضة وملاذ الأمة وحصنها حين تضطرب الأمور ويدلهم الخطب، ويحتاج الناس إلى رائد لا يكذب قومه، يأخذ بيدهم إلى برّ النجاة، وكان الشيخ "جاد الحق على جاد الحق" واحدًا من حبات عقد الأزهر، الذي يُزيّن جِيد مصر أمانة وشجاعة وورعًا ومسؤولية، وقد تحمل تبعات الأزهر وقاده ببراعة في أجواء مضطربة تحيط بالأزهر، وسياسات تكبل أقدام الجامع العنيد، وقوانين تعوق مسيرته، ولم يكن الأزهر كما كان في القديم مؤسسة تتمتع بحرية الحركة، وتعتمد على أوقافها من الأراضي والعقارات تكفل لها الاستقلال بعيدًا عن الحكام والمتسلطين، ومن هنا كانت براعة الشيخ وتوفيق الله له في أن يحقق نتائج ملموسة في ظل السياسات المقيدة.

ص: 42

المولد والنشأة

ولد جاد الحق بقرية "بطرة" التابعة لمركز "طلخا" بمحافظة "الدقهلية" الخميس الموافق (13 جمادى الآخرة سنة 1335 هـ = 5 من إبريل 1917م) ، وتلقى تعليمه الأوْلِى في قريته، فحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بالمعهد الأحمدي بطنطا، وأنهى المرحلة الابتدائية به، وانتقل إلى المرحلة الثانوية، واستكملها في القاهرة في معهدها الديني بالدَرَّاسَة، وبعد اجتيازه لها التحق بكلية الشريعة، وتخرج فيها سنة (1363 هـ = 1944م) ، حاصلا على الشهادة العالمية، ثم نال تخصص القضاء بعد عامين من الدراسة، وكان الأزهر يعطي لمن يحصل على العالمية في الشريعة أن يتخصص في القضاء لمدة عامين، ويمنح الطالب بعدها شهادة العالمية مع إجازة القضاء.

بعد التخرج

عمل جاد الحق بعد التخرج في المحاكم الشرعية في سنة (1366هـ = 1946م) ، ثم عين أمينًا للفتوى بدار الإفتاء المصرية في سنة (1373 هـ = 1953م) ، ثم عاد إلى المحاكم الشرعية قاضيًا في سنة (1374هـ = 1954م) ، ثم انتقل إلى المحاكم المدنية سنة (1376هـ = 1956م) بعد إلغاء القضاء الشرعي، وظل يعمل بالقضاء، ويترقى في مناصبه حتى عُين مستشارًا بمحاكم الاستئناف في سنة (1396هـ = 1976م) .

وقد حفظت سجلات المحاكم التي عمل بها أحكامه القضائية أثناء عمله بالقضاء، وتشتمل على بحوث وتعليلات واجتهادات في التطبيق، وقد نشرت المجلات القانونية في مصر بعضًا من تلك الأحكام، وفي كثير منها أحكام لما استجد من مستحدثات لم يعالجها الحكم الفقهي من قبل.

جاد الحق مفتيًا

عين الشيخ جاد الحق مفتيًا للديار المصرية في (رمضان 1398هـ = أغسطس 1978م) فعمل على تنشيط الدار، والمحافظة على تراثها الفقهي، فعمل على اختيار الفتاوى ذات المبادئ الفقهية، وجمعها من سجلات دار الإفتاء المصرية ونشرها في مجلدات بلغت عشرين مجلدًا، وهي ثروة فقهية ثمينة؛ لأنها تمثل القضايا المعاصرة التي تشغل بال الأمة في فترة معينة من تاريخها، وفي الوقت نفسه تستند إلى المصادر والأصول التي تستمد منها الأحكام الشرعية.

وتشمل اختيارات الفتاوى ما صدر عن دار الإفتاء في الفترة من سنة (1313هـ = 1895م) حتى سنة (1403 هـ = 1982م) ، وضمت المجلدات الثامن والتاسع والعاشر من سلسلة الفتاوى اختيارات من أحكامه وفتاواه، وتبلغ نحو 1328 فتوى في الفترة التي قضاها مفتيًا للديار المصرية.

ص: 43

توليه مشيخة الأزهر

عين وزيرًا للأوقاف في (ربيع الأول 1402 هـ = يناير 1982م) ، وظل به شهورًا قليلة، اختير بعدها شيخًا للجامع الأزهر في (13 من جمادى الأولى 1402 هـ = 17 من مارس 1982م) ، وبدأت فترة زاهية من فترات تاريخ الأزهر؛ سواء فيما يتصل بمؤسسة الأزهر، أو بدورها باعتبارها القائمة على الفكر الإسلامي والتعليم الديني في مصر، ومحط أنظار الناس، ومعقد أمانيهم.

وكان لاشتغال الشيخ جاد الحق بالقضاء منذ وقت مبكر أثره البالغ في قيادته الأزهر، فهو فقهيه قاض يعتمد على الدراسة المتأنية والنظر العميق، والبعد عن الهوى، ومن ثم كانت قراراته صائبة، هادئة، بعيدة عن العاطفة المشبوهة والانفعال المؤقت، وتهدف إلى الصالح العالم.

مواقف الشيخ

عُرف الشيخ في الفترة التي تولّى فيها مشيخة الأزهر بمواقفه الجريئة، والصدع بما يعتقد أنه الحق والصواب، وإن خالف هوى الناس وأغضب السلطان، فقد أعلن بعد توليه المشيخة تأييد الأزهر للجهاد الأفغاني ضد المحتل الروسي، وعدّ ما يحدث في البوسنة والهرسك حربًا صليبية جديدة تهدف إلى إبادة المسلمين، ودعا إلى الوقوف إلى جانب المسلمين والدفاع عن قضيتهم، وكان له مثل هذا الموقف مع المسلمين الشيشان في جهادهم للروس، ومع الانتفاضة الفلسطينية.

ويذكر له موقفه الواضح من التطبيع مع إسرائيل، حتى إن كانت هناك اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، واشتد في معارضته للتطبيع في الوقت التي نشطت فيها حركات التطبيع في بعض مؤسسات الدولة، فأفتى بعدم جواز زيارة القدس إلا بعد تحريرها، ورفض استقبال أي وفد إسرائيلي يرغب في زيارة الأزهر، وإنْ سبّب ذلك حرجًا للمسؤولين.

مؤتمرا المرأة والسكان

وكان للشيخ رأي واضح في مقررات مؤتمر السكان الذي تم عقده في القاهرة في (ربيع الآخر 1415هـ = سبتمبر 1994م) فعارض دعوات الانحلال الأُسري والشذوذ، والخروج على الفطرة السليمة، وتعاون معه- في رد تلك الدعاوى- نفر من المخلصين، وكان لحضورهم هذا المؤتمر ودحضهم تلك الدعاوى أثره في إحباط ما كان يخطِّط له القائمون على المؤتمر، وتكرر منه هذا الموقف الواضح في رفضه لوثيقة مؤتمر المرأة الذي تم عقده في بكين في (جمادى الأولى 1416هـ = سبتمبر 1995م) .

ص: 44

موقف من التطرف

هال الإمام جاد الحق أن يتخذ نفر من الكُتّاب من تطرف بعض الشباب ذريعة للهجوم على الإسلام ومبادئه دون وازع من ضمير أو تسلح بثقافة وعلم، فانطلق قلمه يصدع بالحق ويفضح سموم بعض الكتبة بقوله:"وقد أفرغت الحرية من مفهومها الصحيح، حتى صارت الدعوة إلى الفساد حرية، وصار الطعن في الإسلام وصلاحيته حرية، ثم صارت المسارعة إلى توزيع الاتهامات على الناس أسبق من نتائج التحقيق التي تقوم بها الجماعة المختصة".

وحين أعلنت بعض الصحف عن مسابقة لاختيار ملكة النيل، فزع من تطرف بعض المترفين وانسياقهم وراء الهوى والضلال، وكتب مقالة في غاية القوة والبيان بعنوان "أوقفوا هذا العبث باسم وفاء النيل"، وعدّ هذا التصرف الطائش عودة إلى سوق النخاسة والرقيق الأبيض، وَرِدّة إلى الجاهلية العمياء، لا يُفرَّق فيها بين الحلال والحرام.

جهود الشيخ في مؤسسة الأزهر

يُذكر للشيخ جهوده في نشر التعليم الأزهري والتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية في أنحاء مصر، وكانت سمعة الشيخ وثقة الناس فيه تجعل الناس يتسابقون في التبرع لإنشاء المعاهد الدينية، وتقديمها للأزهر للإشراف عليها، وبلغت المعاهد الأزهرية في عهده خمسة آلاف معهد، وأنشأ فروعًا للجامعة الأزهرية في بعض محافظات مصر ومدنها الكبيرة.

ولحرصه على أن يجد الناس مبتغاهم فيما يتعلق بأمور دينهم فقد دعّم عمل لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر بإنشاء فروع لها في كل منطقة أزهرية في كل محافظات الجمهورية، فبلغت خمسًا وعشرين لجنة، وانتقى لها أفضل العناصر من العلماء، الذين يجيدون الفتوى، وأمدها بالكتب التي تحتاجها في أداء عملها.

مؤلفات الشيخ

للشيخ جاد الحق مؤلفات عديدة منها: "الفقه الإسلامي مرونته وتطوره"، و"بحوث فتاوى إسلامية في قضايا معاصرة"، وصدر من الكتاب أربعة أجزاء، وهي تضم الفتاوى والبحوث التي أصدرها الشيخ منذ ولايته المشيخة، وله "رسالة في الاجتهاد وشروطه"، وأخرى بعنوان "رسالة في القضاء في الإسلام".

ويبرز في كتبه منهجه في التفكير الفقهي؛ حيث يبدأ القضية بالتعريف اللغوي لها، ثم يتبعها بالتعريف الشرعي، ويتلو ذلك بيان الحكم وفق المذاهب الأربعة وغيرها، ثم يقوم بالترجيح بين آراء العلماء لاختيار الرأي الذي يرتضيه، ويكون محققًا للمصلحة التي يبتغيها الشارع الحكيم.

ص: 45

مكانة الشيخ

كان للشيخ جاد الحق قدم راسخة في العلم، وعقل راجح، ورأي صائب، وقدرة على الاستفادة من أهل العلم، فاستخلص منهم طائفة استخدمهم في الدفاع عن الإسلام، وجلاء قضاياه، والرد على ما يقوله المغرضون، فقَوِىَ بهم الأزهر، واشتد ساعده.

وعرف العالم الإسلامي مكانة الشيخ وفضله فمنحه أرفع الجوائز والأوسمة، فمنحته مصر "وشاح النيل"، أعلى وشاح تمنحه الدولة في (سنة 1403هـ = 1983م) بمناسبة العيد الألفي للأزهر، ومنحه المغرب وسام "الكفاءة الفكرية والعلوم" من الدرجة الممتازة، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة (1416هـ = 1995م) .

وفاة الشيخ

وبعد حياة طويلة مليئة بجلائل الأعمال، تُوفّي الإمام الأكبر "جاد الحق على جاد الحق" إثر نوبة قلبية ألمّت به الجمعة الموافق (25 من شوال 1416هـ = 15 من مارس 1996م) عن عمر يناهز التاسعة والسبعين.

المصدر: موقع إسلام أون لاين: www.islam-online.net

ص: 46