الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً: شروط وجوب الجهاد:
قد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى شروطاً للجهاد، منها ما ذكره الإمام ابن قُدامة رحمه الله تعالى بقوله:((ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحُرِّيّة، والذُّكورية، والسلامة من الضرر، ووجود النفقة))، ثم شرح ذلك بالتفصيل والتحقيق رحمه الله تعالى (1).
سابعاً: استئذان الوالدين في الخروج إلى الجهاد:
لا شكَّ أن برَّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، ورتَّبه بثمَّ التي تعطي الترتيب والمُهلة (2)، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة لوقتها))، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: ((ثم بر الوالدين))، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: ((ثم الجهاد في سبيل الله)) (3)؛ ولأهمية بر الوالدين، وأنه من أعظم القربات، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في الجهاد:((أحيٌّ والداك؟)) قال: نعم، قال:((ففيهما فجاهد)) (4)، أي خصصهما بجهاد النفس في رضاهما (5)، وقد بيَّن الحافظ ابن حجر رحمه الله: أن هذا الرجل استفصل ((
…
عن الأفضل في أعمال الطاعات؛ ليعمل به؛ لأنه سمع فضل الجهاد فبادر
(1) المغني لابن قدامة، 13/ 8.
(2)
انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 10/ 243.
(3)
متفق عليه: أخرجه البخاري، في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم 527، ومسلم، في كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، برقم 85.
(4)
متفق عليه: أخرجه البخاري، في كتاب الجهاد، باب الجهاد بإذن الأبوين، برقم 3004، ومسلم، في كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، برقم 2549.
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 6/ 140.
إليه، ثم لم يقنع حتى استأذن فيه، فَدُلَّ على ما هو أفضل منه في حقِّه)) (1)، فقوله صلى الله عليه وسلم:((ففيهما فجاهد))، قال الحافظ ابن حجر أيضاً:((أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برهما، والإحسان إليهما؛ فإن ذلك يقوم مقام الجهاد)) (2)؛ لأن المراد بالجهاد في الوالدين: بذل الجهد، والوسع، والطاقة في برهما؛ ولأهمية ذلك بيَّن العلماء أنه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بإذن الأبوين بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية؛ فإن تعيّن الجهاد، وكان فرض عين فلا إذن؛ لأن الجهاد أصبح فرضاً على الجميع: إما باستنفار الإمام، أو هجوم العدوِّ على البلاد، أو حضور الصَّفِّ (3)، أما إذا كان الجهاد فرض كفاية فلا يجوز الخروج إليه إلا بإذن الوالدين؛ ولهذا جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((رِضَى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) (4)،وجاء في حديث جاهمة أنه جاء إلى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردتُ أن أغزوَ وقد جئت أستشيرك، فقال صلى الله عليه وسلم:((هل لك من أمٍّ؟))،قال: نعم، قال:((فالْزَمها فإِنَّ الجنَّة تحت (5) رِجْلَيْهَا)) (6)، وعن أبي الدرداء
(1) المرجع السابق، 6/ 140.
(2)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 10/ 403.
(3)
انظر: مشكل الآثار للطحاوي، 5/ 563، ومعالم السنن للخطابي، 3/ 378، والمفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 6/ 509.
(4)
أخرجه الترمذي، في كتاب البر والصلة، باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين، برقم 1899، والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 4/ 152، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 516،وفي صحيح الأدب المفرد، ص 33،برقم 2.
(5)
تحت رجليها: أي نصيبك من الجنة لا يصل إليك إلا برضاها، وكأنه لها وهي قاعدة عليه، فلا يصل إليك إلا من جهتها، [حاشية السندي على سنن النسائي، 6/ 11].
(6)
أخرجه النسائي، في كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة، برقم 3104، وأحمد في المسند، 3/ 429، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 4/ 151، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/ 138:((رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات))، وحسنه عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول، 1/ 403.
- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضِعْ ذلك الباب أو احفظه)) (1)؛ ولهذه الأحاديث لا يجوز الخروج إلى جهاد التَّطوّع، وفرض الكفاية إلا بإذن الوالدين، والبقاء معهما، والإحسان إليهما أفضل من الخروج بإذنهما، أما إذا تعيَّن الجهاد فلا؛ لأنه أصبح فرضاً على الجميع.
(1) أخرجه الترمذي، في كتاب البر والصلة، باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين، برقم 1900، وقال:((هذا حديث صحيح))، وقال عبد القادر الأرنؤوط في حاشيته على جامع الأصول، 1/ 404:((وهو كما قال)).