المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تاسعا: الاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة أيام الفتن: - المفاهيم الصحيحة للجهاد في سبيل الله تعالى في ضوء الكتاب والسنة

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: مفهوم الجهاد‌‌ لغةو‌‌شرعاً:

- ‌ لغة

- ‌شرعاً:

- ‌ثانياً: حكم الجهاد في سبيل الله:

- ‌1 - إذا حضر المسلم المُكلَّف القتال والتقى الزحفان وتقابل الصفان

- ‌2 - إذا حضر العدو بلداً من بلدان المسلمين

- ‌3 - إذا استنفر إمام المسلمين الناس وطلب منهم ذلك

- ‌ثالثاً: مراتب الجهاد في سبيل الله:

- ‌المرتبة الأولى: جهاد النفس له أربع مراتب:

- ‌1 - جهادها على تعلم أمور الدين

- ‌2 - جهادها على العمل به بعد علمه

- ‌3 - جهادها على الدعوة إليه ببصيرة

- ‌4 - جهادها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله

- ‌المرتبة الثانية: جهاد الشيطان وله مرتبتان:

- ‌1 - جهاده على دفع ما يلقي إلى العبد من الشبهات

- ‌2 - جهاده على دفع ما يلقي إليه من الشهوات والإرادات الفاسدة

- ‌المرتبة الثالثة: جهاد الكفار والمنافقين:

- ‌المرتبة الرابعة: جهاد أصحاب الظلم والعدوان، والبدع والمنكرات:

- ‌رابعاً: الحكمة من مشروعية الجهاد

- ‌الأمر الأول: إعلاء كلمة الله تعالى

- ‌الأمر الثاني: نصر المظلومين

- ‌الأمر الثالث: رَدُّ العُدوان وحفظ الإسلام

- ‌خامساً: أنواع جهاد الأعداء:

- ‌1 - جهاد الكفار، والمنافقين والمرتدين

- ‌2 - جهاد البغاة المعتدين الذين يخرجون على الإمام المسلم

- ‌3 - الدِّفاع عن الدين، والنفس، والأهل، والمال

- ‌سادساً: شروط وجوب الجهاد:

- ‌سابعاً: استئذان الوالدين في الخروج إلى الجهاد:

- ‌ثامناً: أمر الجهاد موكول إلى إمام المسلمين واجتهاده:

- ‌تاسعاً: الاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة أيام الفتن:

الفصل: ‌تاسعا: الاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة أيام الفتن:

‌تاسعاً: الاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة أيام الفتن:

يجب على المسلم أن يعتصم بالكتاب والسنة، وخاصة في أيام الفتن؛ ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن واستعاذ منها، وأمر بلزوم جماعة المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم:((تعوَّذُوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)) (1)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقى الشحّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج))، قالوا: يا رسول الله، أيّما هو؟ قال:((القتل، القتل))، وفي لفظ: ((يتقارب الزمان، وينقص العلم

)) (2).

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده أشرّ منه، فعن الزبير بن عدي رضي الله عنه قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما يلقون من الحَجَّاج فقال: ((اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشرّ منه حتى تلقوا ربكم))، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم (3).

وحثَّ صلى الله عليه وسلم على الأعمال الصالحة قبل الانشغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة، فقال:((بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يُصبح الرجل مؤمناً ويُمسِي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) (4).

(1) أخرجه مسلم، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه، برقم 2867.

(2)

متفق عليه: أخرجه البخاري، في كتاب الفتن، باب ظهور الفتن، برقم 7061، ومسلم، في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، برقم 157/ 12، بعد حديث رقم 2672.

(3)

أخرجه البخاري، في كتاب الفتن، باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، برقم 7068.

(4)

أخرجه مسلم، في كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن، برقم 118.

ص: 25

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون فتنٌ القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن تشرَّف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به)) (1).

والمخرج من جميع الفتن المضلَّة التمسك بالكتاب والسُّنَّة، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ لأن من خالف ذلك فهو من الضَّالين.

قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا} (2)، وقال سبحانه وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (3).

وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (4)، وقال تعالى فيمن يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5).

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري، في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم 3601، ومسلم، في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب نزول الفتن كمواقع القطر، برقم 2886.

(2)

سورة الأحزاب، الآية:36.

(3)

سورة النساء، الآية:65.

(4)

سورة طه، الآيات: 124 – 126.

(5)

سورة النور، الآية:63.

ص: 26

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وجعل الذُّلّ والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)) (1)، وجاء في السُّنن والمسانيد ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا ألفينّ أحدكم متكئاً على أريكة (2) يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإني أُوتيتُ الكتاب ومثله معه، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم)) (3).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: ((فعلى كل مؤمن أن لا يتكلَّم في شيء من الدين إلا تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعاً لقوله، وعمله تبعاً لأمره، فهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم، ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحد منهم يُعارض النصوص بمعقوله، ولا

(1) أخرجه أحمد، 2/ 50، 92، وعبد بن حميد، برقم 848، والطبراني في مسند الشاميين، برقم 216، وابن الأعرابي في معجمه، برقم 1137، وعلق البخاري الجزء الأول منه في صحيحه بصيغة التمريض في كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في الرماح ويذكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:((جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري))، وأخرج أبو داود آخر الحديث في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة، برقم 4031، وصحح إسناده العلامة أحمد بن محمد شاكر في شرحه وترتيبه للمسند، برقم 5114، 5115، 5667 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وصحح الحديث أيضاً الشيخ الألباني في صحيح الجامع، برقم 2831.

(2)

الأريكة: السرير في الحجلة، ولا يسمى منفرداً أريكة، وقيل: هو كل ما اتكئ عليه، وقوله:((لا ألفين)) يقال: ألفيت الشيء إذا وجدته، وصادفته، جامع الأصول، لابن الأثير، 1/ 282.

(3)

أخرجه أبو داود، في كتاب السنة، باب لزوم السنة، برقم 4604، 4605، وابن ماجه، في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتغليظ على من عارضه، برقم 12، وصححه الألباني من حديث أبي رافع، وأبي ثعلبة، وأبي هريرة رضي الله عنهم في صحيح أبي داود، 3/ 318، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، 19/ 85.

ص: 27

يُؤسِّس ديناً غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد معرفة شيء من الدِّين نظر فيما قاله الله والرسول صلى الله عليه وسلم، فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر، وبه يستدلّ، فهذا أصل أهل السنة)) (1).

ولا شك أن الاختلاف يسبب الشرور الكثيرة، والفرقة، والعذاب؛ ولهذا قال الله تعالى:{وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2).

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة))، قيل: من هم يا رسول الله، قال:((هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وفي لفظ:((الجماعة)) (3)، أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، قلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: ((نعم وفيه دخن))، قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يستنّون بغير سُنتي، ويهتدون بغير هَديي،

(1) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 13/ 63.

(2)

سورة آل عمران، الآية:105.

(3)

أخرجه أبو داود، في كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم 4596، 4597، والترمذي، في كتاب الإيمان، باب افتراق هذه الأمة، برقم 2641، وابن ماجه، في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم 3992.

ص: 28

تعرف منهم وتُنكر))، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها))، فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال:((نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا))، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال:((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم))، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (1).

قال الإمام النووي – رحمه الله: ((وفي حديث حذيفة هذا: لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق، وعمل المعاصي: من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها)) (2).

ولا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تزال فيهم طائفة على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة؛ لحديث معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله، لا يضرّهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس)) (3).

(1) متفق عليه: أخرجه البخاري، في كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، برقم 7084، ومسلم، في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة، برقم 1847.

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم، 12/ 479، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، 13/ 37.

(3)

متفق عليه: أخرجه البخاري، في كتاب المناقب، باب رقم 28، برقم 3641، ومسلم، في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم))، برقم 1037/ 174.

ص: 29

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 30