المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نبذة من كلام العلماء في كتبه - المنهل العذب الروي

[السخاوي]

الفصل: ‌نبذة من كلام العلماء في كتبه

وفتاوى أخر رتّبها بخطه، مما لم يذكر في فتاويه.

فهذه نحو من خمسين تصنيفاً، كل ذلك " كما قال الكمال الأدفوي " في زمن يسير وعمر قصير، انتهى.

‌نبذة من كلام العلماء في كتبه

وعمّ النفع بتصانيفه وانتشر في الأقطار ذكرها، وأكبوا على تحصيلها، حتى رأيت من كان يشنؤها في حياته، مجتهداً في تحصيلها والانتفاع بها بعد مماته.

قلت: قال اليافعي: وقد بلغني أنه حصلت له نظرة جمالية من نظرات الحق سبحانه وتعالى بعد موته، فظهرت بركتها على كتبه، فحظيت بقبول العباد، والنفع في سائر البلاد.

وقال العثماني قاضي صفد في ترجمته من " طبقات الشافعية " له: سمعت الخطيب جمال الدين محمود بن جملة، الخطيب بالجامع الأموي، يقول بحضرة جماعة من مشائخ العصر: إنه سمع من شخص يخاطبه وهو بين النائم واليقظان: إن الله أفاض على النووي في قبره فيضاً، فصرف ذلك الفيض إلى كتبه، فمن ثم شاعت وذاعت، انتهى ما قاله العثماني.

وأثنى الشمس الموصلي على جملة منها نظماً فقال:

أحيا لنا العلم " يحيى " حين ألّفه

ب " روضة "، و " رياض "، ثم " أذكار

و" شرحه مسلماً "، و " الأربعين "، وفي

" تقريبه " شرح أنواع الأخبار

و" المبهمات " و " تهذيب اللغات "، وكم

أبدى ل " منهاجه " تنبيه أنوار

فالله يجزيه عنا كل صالحة

وأن يقينا وإياه من النار

وقد كانت " كما قرأته بخط الزين العراقي الحافظ بخطبة تخريجه الأكبر للإحياء " عادة المتقدمين السكوت على ما أوردوه من الأحاديث في تصانيفهم، من غير بيان لمن أخرج ذلك الحديث من أئمة الحديث، ومن غير بيان للصحيح من الضعيف، إلا نادراً، وإن كانوا من أئمة الحديث، ولكنهم مشوا على عادة من تقدمهم من الفقهاء، حتى جاء الشيخ محيي الدين النووي، فصار يسلك في تصانيفه الفقهية الكلام على الحديث، وبيان من خرّجه، وبيان صحته من ضعفه، وهذا أمر مهم مفيد. فجزاه الله خيراً. لأنه تحمّل عن ناظر كتابه التطلب لذلك في كتب الحديث، والمتقدمون يحيلون كل علم على كتبه، حتى لا يغفل الناس النظر في كل علم من كتب أهله ومضانه. وهذا الإمام أبو القاسم الرافعي يمشي على طريقة الفقهاء، مع سعة علمه بالحديث، حتى سمعنا شيخنا الحافظ أبا سعيد العلائي يقول: إن الرافعي أعرف بالحديث من الشيخ محيي الدين، فتوقفتُ في ذلك، فقال لي: هذه أماليه تدل على ذلك وعلى معرفته بمصطلحات أهله، وكذلك شرح " مسند الشافعي " له، ولكل من العلماء قصد ونية، على حسب ما وفِّق له وألهم، انتهى.

" المنهاج " وحفظ " المنهاج " بعد موته خلائق. وأثنى حجة العرب الجمال ابن مالك على حسن اختصاره وعذوبة ألفاظه، حتى قال لي: والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت لحفظته.

وامتدحه شيخنا الأديب الفاضل الرشيد أبو حفص عمر بن إسماعيل بن مسعود الفارقي، شيخ الأدب في وقته، بأبيات وقف عليها الشيخ بخطه، فقال:

اعتَنَى بالفضل " يحيى " فاغتَنى

عن " بسيط ب " وجيز " نافعِ

وتحلَّى " منتقاه " فضله

فتجلّى بلطيف " جامع "

ناصباً أعلام علمٍ، جازما

بمقالٍ رافعاً لل " رافعي "

فكأنّ " ابن صلاحٍ " حاضرٌ

وكأنْ ما غاب عنا " الشافعي "

قلت: وقال فيه الأسنوي أيضاً:

يا ناهجاً منهاجَ حَبْر وناسك

دققت دقائق فكره وحقائقُهْ

بادر ل " محيي الدين " فيما رمتَه

يا حبذا " منهاجُه " و " دقائقُهْ "

وقال غيره:

إن رمتَ فِقهاً صافياً كالعاج

فعليك يا ذا الذهن ب " المنهاج "

فيه الصحيح مع الفصيح وعمدة ال

مُفْتين والحكام والحُجّاج

من قاسه بسواه مان وذاك من

غبْنٍ ومن حسدٍ وسوءِ مزاج

وللبرهان الجعبري:

لله دَرّ إمام زاهدٍ ورع

أبدى لنا من فتاوى الفقه " منهاجا "

ألفاظُه كعقود الدّر ساطعةٌ

على الرياض تزيد الحسن إبهاجا

فاسلكه تَحْظ بأحكام تُنيف على

علم " المحرَّر " تأويباً وإدلاجا

ص: 10

وانهلْ من " الروضة " الغنّاء زاهرةً

بحراً من الفقه عذبَ الورد ثجّاجا

أحيَ لنا الدين " محبيه " فألبسه

بما تنوّع من تصنيفه تاجا

يا ربِّ حيِّ ثرى " يحيى " ونَمِّ له

نوراً يسير به في العَرْض فجّاجا

بوِّئه قربَك في الفردوس منزلةً

مع الذي نال في مسراه معراجا

وللعلاء المقدسي تلميذه:

ما صنف العلماء ك " المنهاج "

في شرعة سلفٌ ولا مِنهاج

فاجهد على تحصيله وكن آمنا

بالحق في تفصيله من هاجٍ

وله أيضاً:

يا طالباً علم الإمام الشافعي

هو في اختصار " محرَّر " للرافعي

فاجهد على تحصيله وانسخ سوا

هـ بلفظه العذب البديع النافع

وقال شاعر العصر الشمس النواجي:

يمِّمْ حمى النووي ولُذْ بعلومه

وأنِخْ ب " روضته " تفز بحقائقِهْ

واصرف لها ساعاتِ وقتك تريقِ

درجاً إلى " منهاجه " و " دقائقه "

قال التقي السبكي في أول القطعة التي شرحها منه ما نصه: هذا الكتاب في هذا الوقت هو عمدة الطلبة وكثير من الفقهاء، في معرفة المذهب، انتهى كلام السبكي.

وممن علمته شرحه من الأئمة: البهاء أبو العباس محمد بن أبي بكر بن عرّام السكندري، والد التقي محمد ففي ترجمته أنه علق على " المنهاج ".

والكمال بن المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد، بن الزمْلَكاني الدمشقي.

والبرهان إبراهيم بن التاج بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الفركاح.

علق كل منهما تعليقا - كما رأيته في ترجمتيهما، وأن أولهما سمى شرحه " السراج الوهاج في إيضاح المنهاج "، وقطعته جيدة، وفي أوقاف الكتب الباسطية لأبن الفركاح عليه نكت صغيره الحجم، سماها:" بعضُ غرض المحتاج ".

وشرحه المجد أبو بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني، نحو شرحه على " التنبيه " في الحجم، لكن ذاك أحسن من هذا.

وكذا شرحه الشيخ نور الدين فرج بن أحمد بن محمد الأردبيلي، كتب من ست مجلدات، وهي بالمدرسة المحمودية.

الشيخ تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي سماه " الابتهاج " لكنه لم يكمل، وقال في خطبته: وقد كنت في سنة ثمان وسبعمائة شرعت في شرح عليه كبير جداً في غاية النفاسة، سميته " العبير المذهب في تحرير المذهب "، عملت منه قطعة لطيفة من أول الصلاة، ولم يتفق الاستمرار عليه.

وقد انتهت كتابته في " الابتهاج " إلى الطلاق، في ثمانية أجزاء. وشرع ولده البهاء أبو حامد أحمد في إكماله، فمات قبل أن يتم أيضاً. وكذا كمّل على السبكي من المتأخرين: الشيخ نور الدين محمود بن أحمد بن محمد الحموي، عرف بابن خطيب الدهيشة، وما أعرف هل تمّ أو لا؟ وكتب عليه شيئاً محمد بن عيسى بن عبد الله السكسكي المصري، ثم الدمشقي.

والعماد محمد الأسنوي أخو الجمال الآتي شرحاً رأيت منه إلى البيع في مجلد لطيف، عند النجم بن حجي.

وكذا كتب عليه الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لؤلؤ بن النقيب، شرحاً لم يكمل ولا اشتهر ونكتاً كملت وانتفع بها، وهي كثيرة الفائدة.

والشيخ جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم ابن الحسن الأسنوي، وما أحسنه وأتقنه.! لكنه لم يكمل، وصل فيه إلى المسافات، فكمّل عليه الشيخ بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، ثم استأنف وصار شرحه مستقلاً، لكن التكملة أكثر تداولاً.

وللبدر عليه أيضاً " الديباج "، في مجلد. وكذا كمل على الأسنوي تلميذه: الشيخ زين الدين أبو بكر بن الحسين المراغي، ثم استأنف " فيما أظن " فصار شرحه أيضاً مستقلاً.

والقاضي عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة، تكلم على مواضع فيه. قال الولي العراقي: إنه صنف عليه شرحاً لم يكمله.

والعماد أبو الفداء إسماعيل بن خليفة الحسباني، له شرح في عشرة مجلدات، فيه نقول كثيرة وأبحاث نفيسة، لكنه " كما قال ابن قاضي شهبة " لم يشتهر، لأن ولده لم يمكّن أحداً من كتابته، فاحترق غالبه في الفتنة، قال: ورأيت منه مجلداً بخط الأذرعي، وكأنه كتب لنفسه منه نسخة، وهو ينقل أغلب ما فيه من النقول والبحوث في " القوت ".

والجمال محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الشَّريشي، في أربعة أجزاء، اختصره من شرح الرافعي الصغير.

ص: 11

والتقي أبو بكر بن محمد بن الحصني، شرحه في عشرة أجزاء، وكأنه بعد سنة ست وسبعين، والشيخ شهاب الدين أحمد بن حمدان الأذرعي. له " غنية المحتاج "، و " قوت المحتاج "، وحجمهما متقارب، وفي كل منهما ما ليس في الآخر، إلا أنه كان في الأصل وضع أحدهما لحل ألفاظ الكتاب فقط فما انضبط له ذلك، بل انتشر جداً.

وشرح قطعة منه القاضي برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم بن البدر ابن جماعة، في مجلد رأيته بخطه.

وشرحه الشرف أبو الروح عيسى بن عثمان العزِّي، مصنف " أدب القضاء "، في " كبير " نحو عشر مجلدات، و " صغير " في مجلدين، لخصه من كلام الأذرعي، مع فوائد كبيرة من " الأنوار ". وله شرح ثالث متوسط بينهما.

والشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقِّن، في " كبير " عُدِم، وسماه " كما قال قاضي صفد فيما أرسل به إليه "" جامع الجوامع "، وإنه نحو ثلاثين جزءاً و " متوسط " سماه:" العمدة ". و " مختصر " سماه: " العجالة "، وله أيضاً:" نهاية المحتاج لتوجيه المنهاج "، قَدْر المتن، وخرّج أحاديثه وضبط لغاته وغير ذلك.

والشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان البلقيني كتب على ربع الجراح كتابة أطال فيها النفس، في خمس مجلدات وكذا كتب منه قطعاً غير ذلك، من ذلك من النكاح نحو مجلّد.

والشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن العماد الأقفهسي، في " مطول " لم يوجد منه الآن سوى قطعة يسيرة تنتهي إلى صلاة الجماعة، في ثلاثة مجلدات. و " مختصر " في مجلدين.

والشيخ كمال الدين محمد بن موسى الدميري، في أربعة مجلدات، ضمّنه فوائد كثيرة خارجة عن الفقه. قال في خطبته: وأول من شرحه الشيخ الإمام العلامة تقي الدين السبكي، فسبك إبريزه، ثم شيخنا الشيخ جمال الدين، لخّصه بعبارته الوجيزة، ثم العلامة شيخنا الشيخ سراج الدين بن أبي الحسن، فبيّن من أدلته الصحيح والغريب والحسن، ونقى شرحه ولغاته عن الطرف الوسن، ثم شرحه العلامة الأذرعي فسكّت وبكّت، ثم النّقاب ابن النقيب، نقّب عليه ونكّت، فكان كالجدول من البحر المحيط، والخلاصة من " البسيط " و " الوسيط "، ثم علق عليه أئمة من علماء العصر، كتبوا فأحسنوا ما صنعوا، وقوم أطنبوا، وقوم تمّموا فتعبوا وأتعبوا، وكل منهم عادت عليه بركة علاّمة نوى، فبلغ قصده، ولكل امرئ ما نوى:

وقلَّ من جدَّ في أمر يحاوله

واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

انتهى كلام الدميري.

وقد ظهر بما قلناه إن السبكي ليس أول من شرحه، نعم: إن كان بالنظر إلى الوفاء بالمقصود فالأولية صحيحة. ثم أن في تقديمه لابن الملقّن على الأذرعي مع الإتيان بثم: إشارة إلى أنه وإن تأخرت وفاته عن الأذرعي، فإنه صنف شرحه قديماً في أيام شيخه الأسنوي، حتى إن الأذرعي وقف عليه واستفاد منه، واعترض عليه في مواضع. وأما تعيين من أبهمه فيمكن أن يكون أشار إلى البدر الزركشي، والمراغي، أو أحدهما، والله أعلم.

وفي ترجمة القاضي فخر الدين أبي اليمن محمد بن محمد بن محمد بن أسعد القاياتي، جدِّ شيختنا أم هانئ الهورنية لأمها والدة العلامة سيف الدين الحنفي، رحمهما الله من معجم شيخنا: أنه حفظ " المنهاج " وكتبه بخطه.

وكتب عليه " مع قلة بضاعته " وشرحه أيضاً: الشيخ شمس الدين محمد ابن محمد بن الخضر العيزري، في شرحين، أحدهما:" كنز المحتاج إلى إيضاح المنهاج "، والآخر:" السراج الوهاج في حل المنهاج ".

وشرح فرائضه الجمال يوسف بن الحسن بن محمد الحموي، خطيب المنصورية، وهو في مجلد عند العلامة النجم بن حجي، بورك في حياته.

وشرحه الجمال عبد الله بن محمد بن طيمان، الطَّيماني، اختصره من شرح الشرف الغزّي. وكذا كتب عليه ملخِّصاً من الأذرعي وغيره شيئاً لم يشتهر، بغلاقة لفظه واختصاره.

وكتب على خطبته شرحاً مطوَّلاً: الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن محمد بن عماد، عرف بابن الهائم، الفرضي.

وللشيخ عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة عليه: " زاد المحتاج في نكت المنهاج "، و " منهج المحتاج في نكت المنهاج "، و " بغية المحتاج إلى نكت المنهاج "، و " القصد الوهاج في حواشي المنهاج "، و " المنهج الوهاج في شرح المنهاج "، و " سائل الابتهاج في شرح المنهاج "، و " منبع الابتهاج في شرح فرائض المنهاج "، و " السبيل الوهاج في شرح فرائض المنهاج "، وغير ذلك مما وجد منه شرح الخطبة وأماكن مفرّقة عند أبي حجي المذكور.

ص: 12

وشرحه الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج الغزّي، في ثلاثة أسفار، ورأيت في طبقات ابن قاضي شهبة أنه " أي الغزِّي " كتب عليه قطعة مطولة في مجلدين، إلى الصلاة، فأظنه غير الأول.

وعمل عليه نكتاً القاضي جلال الدين البلقيني، لكنها لم تكمل، وصل إلى الجراح.

وشرحه الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عيسى، بن خطيب عذراء في أجزاء، غالبه مأخوذ من الرافعي، فيه فوائد غريبة.

والتقي أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الحصني، في خمسة مجلدات. والنجم أبو الفتوح عمر بن حجي الدمشقي، لكن على مواضع منه. وفقيه الشام التقي أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة. وبعد مدة شرحه ولده البدر في شرحين.

وكتب على خطبته، وإلى التيمم: الشيخ العلامة القاضي شمس الدين محمد بن علي القاياتي، وعلى مناسكه مواضع منه: شيخنا شيخ الإسلام وأبو الفضل بن حجر رحمه الله.

وعلى جميع الكتاب: شيخه الشرف أبو الفتح محمد بن أبي بكر المراغي، ولده الماضي.

والشيخ المحقق جلال الدين محمد بن أحمد المحلي. وهو مختصر في مجلد في غاية التحرير.

وشرع فقيه المذهب: الشرف المناوي، في شرح مطوّل عليه، فكتب منه قطعة.

وكتب عليه صاحبنا الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون تصحيحاً مطوّلاً سماه: " مغني الراغبين "، ومتوسطاً سماه:" هادي الراغبين "، ومختصراً.

وآخرون هم الآن في قيد الحياة بمصر والشام، كثّر الله منهم، وأبقاهم ليؤخذ العلم عنهم، وكذا بلغني أن لابن صَوْراء، ونور الدين البكري، عليه شرحان لم يكملا، فتحرّرْ أمرهما. ويقال: إن الذي لابن صَوْراء إنما هو الجمع بينه وبين " الحاوي "، سماه:" الابتهاج ".

ونظمه الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم رن رضوان الموصلي، والقاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان الزرعي المقدسي، عُرف بابن قرموز.

والعلامة الشهاب أحمد بن ناصر الباعوني، قاضي دمشق. ووالد قاضيها: جمال الدين يوسف، رحمهما الله.

ونظم فرائضه فقط ناصر الدين محمد بن محمد بن يوسف المنزلي، عرف بابن سويدان، سماه " وجهة المحتاج ونزهة المنهاج ".

واختصره الشيخ أثير الدين أبو حيان الأندلسي، وسماه:" الوهاج ".

وكتب عليه مضموناً مع " التنبيه ": الشيخ تاج الدين أبو نصر السبكي في " التوشيح ". وكذا الشيخ وليّ الدين أبو زرعة العراقي، وأضاف إليهما " الحاوي ".

ومن فور جلالته وجلالة مؤلفه انتساب جماعة ممن حفظه إليه، فيقال له: المنهاجي، وهذه خصوصية لا أعلمها الآن لغيره من الكتب.

وحكى لي صاحبنا الزين عبد الرحمن بن أحمد الهمامي، الدمشقي، الحنفي: إن أخاه الشمس محمد المقدسي حصل له توعك في صغره أدى إلى خرسه، حتى بلغ السنة السادسة، وإن والدهما توجه به إلى الشيخ عبد الله العجلوني، أحد جماعة التقي الحصني، وأمام جامع ابن منجك بالقبيبات، ملتمساً بركته ودعائه، فدعا له وبشره بالعافية، وألزمه بأن يجعله شافعياً، ويقرئه " المنهاج " بقصد بركة مؤلفه، مع كون سلفه وإخوته كلهم حنفية، فامتثل ذلك فعوفي عن قرب، فحفظ القرآن و " المنهاج " في أربع سنين، وهو الآن عين الدماشقة في كتابة المصاحف.

" شرح المهذب " وكتابه " شرح المهذب " لم يصنف في المذهب على مثل أسلوبه. قال الأسنوي وابن الملقِّن: ليته أكمله، وانخرمت باقي كتبه، وبه عُرف مقداره.

وقال الذهبي: إنه في غاية الحسن والجودة.

وقال العماد ابن كثير في تاريخه: إنه لو كمل لم يكن له نظير في بابه، فإنه أبدع فيه وأجاد، وأفاد وأحسن الانتقاد، وحرر الفقه في المذهب وغيره، والحديث على ما ينبغي، واللغة والعربية، وأشياء مهمة، لا أعرف في كتب الفقه أحسن منه. قال: على أنه يحتاج إلى أشياء كثيرة تزداد عليه، وتضاف إليه. وقال في " طبقات الشافعية ": سلك فيه طريقة وسطى حسنة، مهذبة سهلة، جامعة لأشتات الفضائل، وعيون المسائل، وجامع الأوائل، ومذاهب العلماء، ومفردات الفقهاء، وتحرير الألفاظ، ومسالك الأئمة الحفاظ، وبيان صحة الحديث من سقمه، ومشهوره من مكتتمه، وبالجملة فهو كتاب ما رأيت على منواله من أحد من المتقدمين، ولا حذا على مثاله متأخر من المصنفين.

ص: 13

وقرأت في تاريخه من نصه: رأيت في ليلة الاثنين، الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة، الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله، فقلت له: يا سيدي الشيخ، لم لا أدخلت في شرحك " المهذّب " شيئاً من مصنفات ابن حزم؟ فقال ما معناه: إنه لا يحبه، فقلت له: أنت معذور فيه، فإنه جمع بين طرفي النقيض في فروعه وفي أصوله، أما هو في الفروع فظاهري جامد يابس، وهو في الأصول مؤول مئع، قرمط القرامطة، وهرمسة الهرامسة. ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم، ثم أشرت إلى أرض خضراء تشبه النجيل، بل هي أردأ شكلاً منه، لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي، فقلت له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها، انظر، هل ترى فيها شجراً مثمراً، أو شيئاً يُنتفع به؟ ثم قلت: إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر. هذا حاصل ما رأيته، ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضراً عندما أشرت للشيخ محيي الدين إلى الأرض المنسوبة إلى ابن حزم، وهو ساكت لا يتكلم.

وقال العثماني قاضي صفد: إنه " يعني شرح المهذب " لا نظير له، لم يصنّف مثله، ولكنه ما أكمله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذ لو أكمله ما احتيج إلى غيره، وبه عُرف قدره، واشتهر فضله.

وقال التقي السبكي في أول التكملة التي عملها تلوه " وقد وصف المؤلف بالشيخ الإمام العلامة، علم الزهاد، قدوة العبّاد، أوحد عصرة، وفريد دهره، محيي علوم الأولين، وممهِّد سنن الصالحين ": إن بعضهم طالت " يعني في تكملة شرح المهذب " رغبته إليّ وكثّر إلحاحه عليّ، وأنا في ذلك أقدّم رجلاً وأواخر أخرى، واستهول الخطب، وأراه شيئاً أمراً، وهو في ذلك لا يقبل عذراً، وأقول: قد يكون تعرّضي لذلك مع قصوري عن مقام هذا الشارح إساءة إليه، وجناية مني عليه، وأني " لي أن " أنهض بما نهض به وقد أُسعِف بالتأييد، وساعدته المقادير فقرّبت منه كل بعيد؟ ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء: أحدها: فراغ البال واتساع الزمان، وكان رحمه الله قد أوتي من ذلك الحظّ الأوفى، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من تعيُّش ولا أهل.

والثاني: جمع الكتب التي يُستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله تعالى قد حصل له من ذلك حظ وافر، لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت.

والثالث: حسن النية وكثرة الورع والزهد، والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان رحمه الله تعالى قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى.

فمن تكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أنَّى يضاهيه أو يدانيه من ليست فيه واحدة منها؟ إلى أن قال: وقد استخرت الله تعالى وقلت في نفسي: لعل ببركة صاحبه ونيته يعينني الله تعالى عليه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإن كنّ الله بإكماله فلا شك في ذلك من فضل الله تعالى وبركة صاحبه ونيته، إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان، انتهى كلام السبكي.

وانتهت كتابته " كما رأيته بخطه في أربعة مجلدات " إلى التفليس. ولم يتهيأ إكماله لأحد ممن انتدب لذلك، لا العماد إسماعيل الحُسباني، ولا التاج السبكي، ولا الشهاب ابن النقيب، ولا السراج البلقيني؛ وسماه " الينبوع في تكملة المجموع "، كتب منه مجلداً من النكاح، ولا الزين العراقي، ولا ولده، رحمة الله عليهم أجمعين، وعُدّ ذلك من كرامات مؤلفه.

وكتب الكمال جعفر الأدفوي على مقدمة " شرح المهذب " أشياء حسنة، وزاد أموراً مهمة. وشرع شيخنا في نكت عليه، فكتب يسيراً من أوائلها.

" حول الروضة " وأما " الروضة " فقد انتدب لاختصارها القطب محمد بن عبد الصمد عبد القادر السنباطي، لكنه لم يُكمل.

والشمسان: محمد بن عبد المنعم المنفلوطي، ومحمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان لكنه لم يشتهر، لغلاقة لفظه.

والشمس محمد بن أبي بكر بن عبد الله الأنصاري الفُوي السكندري، المتوفي سنة أربعين وسبعمائة.

والعز محمد بن محمد بن محمود بن محمد بن بندار، التبريزي الأصل، المقدسي، البعلي.

والنجم عبد الرحمن بن يوسف الأصفوني.

والجمال محمد بن أحمد بن محمد الشريشي.

وفتح الدين محمد بن علي بن إسماعيل العشائشي، قاضي المرتاحية، في مجلدين لطيفين، وكان حيا في سنة أربع وتسعين وسبعمائة.

والشرف أبو الروح عيسى بن عثمان الغزّي، مصنف " أدب القضاء "، اختصرها مع زيادات كثيرة أخذها من " المنتقى " وغيره.

ص: 14

والزين أبو العباس احمد بن ناصر الدين محمد بن أحمد بن محمد البكري، جد الشيخ جلال الدين دام النفع به، وهو بمدرسة الجمالي ناظر الخواص " كما ذكره لي حفيده "، وأنه سماه:" عمدة المفيد وتذكرة المستفيد "، قال: واختصرها من قبلة والده، لكنه لم يكمل.

وكذا اختصرها الشمس محمد بن علي بن جعفر البلالي.

ومحيي الدين أحمد بن النحاس، نزيل دمياط، لكنه لم يكمل أيضا.

والشرف ابن المقرئ اليماني، في الروض، وقد كثر تداوله في هذا التاريخ وشرح واختصر أيضا.

والشهاب ابن رسلان المقدسي، وهو عند صاحبنا الشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون.

والشمس محمد بن محمد بن احمد الحجازي، مع زيادات ضمها إليه من " المهمات " وغيرها. ووصف الشيخ في أولها بالإمام الأجل، الفاضل الكامل الورع، المتقي، مفتي الشام، علامة عصره: محيي الدين أبي زكريا، نوَّر الله ضريحه، وجعل من الرحيق المختوم غُبُوقه وصُبُوحه.

وأفرد المجد الزنكلوني زوائدها.

وكتب عليها نُكتاً في قدر " المنهاج ": الكمال النشّاي، وهي في كتب النجم ابن حجي.

وكتب عليها الشيخ سراج الدين البلقيني حواشي، جرّدها البدر الزركشي قديماً، ورأيته بخطه، واستدرك شيخنا عليه بخطه ما تجرّد بعد تجريده من الحواشي. وجرّدها أيضا الوليّ العراقي.

وكذا لولده القاضي جلال الدين عليها حواشٍ أيضاً جردها أخوه شيخنا القاضي علم الدين وجمع بينهما وبين حواشي والدهما، رحمة الله عليهم.

وشرح قطعا منها شيخنا العسقلاني، في آخرين ممن كتب عليها مضمومة مع " الشرح الكبير "" أصلها " كالإسنوي، والأذرعي، وسيأتي كلام كل منهما فيها، والزركشي.

وكذا من المتأخرين: فقيه طرابلس الشمس محمد بن يحيى بن أحمد بن زهرة.

وكان للزين أبي حفص عمر بن أبي الحرم الكتّاني على نسخته ب " الروضة " حواش، لأنه ولع في آخر عمره بمناقشاته، وقد جرد هذه الحواشي بعض أصحابه من غير علمه، وليس فيها كبير قائل، بل في غالبها تعنّت. وقد وقف التقيّ السبكي على بعضها وأجاب عن كلامه.

وأثنى على " الروضة " الأئمة، فقال الأذرعي في أول " الوسيط " هي عمدة أتباع المذهب في هذه الأمصار، بل سار ذكرها في النواحي والأقطار، فصارت كتاب المذهب المطوّل، وإليها المفزع في النقل وعليها المعوّل، فإليها يلجأ الطالب النبيه، وعليه يعتمد الحاكم في أحكامه، والمفتي في فتاويه، وما ذاك إلا لحسن النية، وإخلاص الطوية، غير إنه " رحمه الله " اختصرها من كتاب الإمام الرافعي " رحمه الله "، من نُسخ فيها سُقْم، فجاء في مواضع منها خلل، فإنه اعتمد في اختصاره على نسخة الإمام البادرائي التي بخزانة مدرسته بدمشق المحروسة، وفيها سُقْم، واستعان عليها بنحوها، فحل بذلك نقص وخلل يخفى على المبتدئ، ويُشكل على المنتهي، وكان مع ذلك " رحمه الله تعالى " كالسائق المجد، حتى قيل: إن تصنيفه بلغ في كل يوم كراستين أو أكثر، فهو كما قال القائل:

وطويلُ باعِي الهمِّ قد قعدتْ له

عزماتُه رُصْداً بكل طريق

فإذا ونَى أَذكرْنه قِصَر المَدى

ورضَى السَّبُوق وخَجلةَ المَسبوق

إلى أن قال: واعلم وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يتقيه حق تقاته، أني لم أقصد بما أشرت إليه الاعتراض على الشيخ، ولا التعقّب لكلامه بالتوهمّ والإزواء، معاذ الله، وإنما أردت النصيحة له وللمسلمين، وإفادة المتعلمين، فلقد كان من أحرص الناس على ذلك وبذل وسعه فيه، وإنما سبب ما اتفق له من ذلك ما أشرت إليه، ودللتك عليه، هذا مع استغراقه أكثر الأوقات بالطاعات، والأوراد والأعمال الزاكيّات، ولو تأمل ذلك بعض التأمل لوضح لديه، وبرهن عليه، ولكنه كان كالجواد المسرع عنه في ميدانه. ولقد حكي عنه أنه كان يكتب حتى تكل يده وتعجز، فيضع القلم ثم ينشد:

لئن كان هذا الدمع يجري صبابةٌ

على غير سُعدَى فهو دمع مُضيّعُ

وهذا منه رضي الله عنه من باب قوله سبحانه وتعالى: (والذين يؤتون ما أوتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون)، قال الحسن رحمه الله: كانوا يعملون أعمال البر ويخشون أن لا تُتَقَبل منهم.

ص: 15

ولقد حُكي عنه رحمه الله: أنه همّ قبل وفاته بقليل بغسل " الروضة " كما غسل نحو ألف كراسة من تعليقاته، فقيل له: قد سارت بها الركبان، فقال: في نفسي منها أشياء، أو كما قال.

ولم يتفق له مراجعتها وتحريرها، بل هجمت عليه المنية قبل إدراك الخمسين، فرضي الله عنه وعن جميع عباده الصالحين، فإنه من أمّن الأصحاب عليه في سلوك المذهب، فمن كتبه تفقهت، وبكلامه تبصرت، وفي منهاجه سلكت، وبدعائه انتفعت، وذلك أنه كان قد حصل لي فترة عن الطلب في حدود الثلاثين وسبعمائة، مدة مديدة، فرأيت كأني أسير على غير جادة، ثم حانت مني التفاتة إلى جهة القبلة، فإذا خلق كثير مشاة، عليهم ثياب بيض نقية، فوقع لي أنه الشيخ وأتباعه، فنزلت من دابتي ومشيت معهم على الجادة نحو دمشق، فما هو إلا ونحن بميدان الحصى، وإذ بشخص من أقاربي قد تلقاني فسلّم عليّ، وأطال وقوفه معي، فالتفتّ فلم أرى منهم أحداً، فلمته، وجعلت أقفو آثارهم، وأسال عن سبيلهم فأرشد إليه، حتى صرت بين البساتين التي بين المدينة والصالحية، وإذا بكثير من ذلك الجمع منقطعين في الطرقات، فمن جالس مسند ظهره إلى جدار، ومن ماد ساقيه من الإعياء، ومن مضطجع ومستلق يئن كالمريض، فجعلت أدوس ثياب بعضهم أو شيء من بدنهم من شدة الإسراع، إلى أن بلغت المدرسة الشِّبلية الحنفية المشهورة، وإذا بالشيخ ومعه رجلان فقط فلما قربت منهم التفت فرآني، فالتمست منه الدعاء وأقسمت عليه، فتبسم وسعى وحده نحوي خطوات، ثم أخذ في الدعاء لي، فالتفت فإذا والدي رحمه الله واقف يؤمِّن على دعائه، ثم انصرف إلى صاحبيه ومضوا، فاستيقظت مسروراً وراجعت طلب المذهب، ثم ظهر لي أثر الرؤيا صبيحتها كفلق الصبح، وذلك أن القريب الذي أوقفني عنهم تقرّب إليّ بعد الرؤيا بأيام، واجتهد في صحبتي وملازمتي، بحيث لا يفارقني في أغلب الأوقات، ويحول بيني وبين الطلب، إلى أن درج إلى رحمة الله فتماثل الحال، وكانت تلك الوقفة معه في المنام ما ذكرته، فرحمه الله وإيانا، ثم إني أكببت على تحصيل مؤلفات الشيخ والنظر فيها، فرأيت من قضاء حقه أن أنبِّئ على ما يتفق لي العثور عليه في " روضته " وغيرها.

وكذا أثنى على " الروضة "، بل وعلى سائر تصانيفه، التاج السبكي، حيث قال فيه " طبقاته الكبرى " ما نصه:" لا يخفى على ذي بصيرة أن الله تعالى بالنووي عناية وبمصنفاته "، واستدل على ذلك بما يقع في ضمنه من فوائد، حتى لا تخلو ترجمته عن فوائد. فأقول: ربما غيَّر لفظ من ألفاظ الرافعي، إذا تأمله المتأمِّل استدركه عليه وقال: لم يف بالاختصار ولا جاء بالمراد، ثم يجده عند التنقيب قد وافق الصواب، ونطق بفصل الخطاب وما يكون من ذلك عن قصد منه لا يعجب منه، فإن المختصر ربما غيّر الكلام من يختصر كلامه من مثل ذلك، وإنما العجب من مغيَّر يشهد العقل بأنه لم يقصد إليه، ثم وقع منه على الصواب، وله أمثلة منها: قال الرافعي في " كتاب الشهادات " في " فصل التوبة عن المعاصي الفعلية " في التائب: إنه يختبر مدة يغلب على الظن فيها إنه أصلح عمله وسريرته، وأنه صادق في توبته، وهل تتقدّر تلك المدة؟ قال قائلون: لا، إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقة، ويختلف الأمر فيه بالأشخاص وأمارات الصدق، هذا ما اختاره الإمام والعبادي، وإليه أشار صاحب الكتاب بقوله: حتى يستبرئ مدة فيعلم.. إلى آخره، وذهب آخرون إلى تقديرها، وفيه وجهان، قال أكثرهم: يستبرئ سنة، انتهى بلفظه.

فإذا تأملت قوله: قال أكثرهم، وجدت الضمير في مستحق العود على الآخرين الذاهبين إلى تقديرها، لا إلى مطلق الأصحاب، فلا يلزم أن يكون أكثر الأصحاب على التقدير، فضلاً عن التقدير سنة، بل المقدّر بعضهم، واختلف المقدّرون في المدة وأكثرهم على أنها سنة، فهذا ما يعطيه لفظ الرافعي في " الشرح الكبير ". وصرح النووي في " الروضة " بأن الأكثرين على تقدير المدة سنة. فمن عارض بينها وبين الرافعي متأملاً قضي بمخالفتها له، لأن عبارة " الشرح " لا تقتضي أن أكثر الأصحاب على التقدير وأنه سنة، بل أن أكثر المقدرين الذين هم من الأصحاب على ذلك ثم يتأيد هذا القاضي بالمخالفة بأن عبارة الشافعي رضي الله عنه ليس فيها قدير بسنة ولا بستة أشهر، وإنما قال: أشهراً، وطلق الأشهر رضي الله عنه إطلاقاً.

ص: 16

إلا أن هذا إذا عاود كتب المنهج وجد الصواب ما فعل النووي، فقد عزى التقدير وأن مقدارها سنة، إلى أصحابها قاطبة، فضلاً عن أكثرهم " ومنهم ": الشيخ أبو حامد الأسفرائيني في " تعليقه "، وهذه عبارته: قال الشافعي: ويختبر مدة أشهر ينتقل فيها من السيئة إلى الحسنة ويعفّ عن المعاصي، وقال أصحابنا: ويختبر سنة.

وكذلك قال القاضي حسين في " تعليقه "، ولفظه: قال الشافعي: مدة من المدد، قال أصحابنا: سنة، انتهى.

وكذلك الماوردي، ولفظه: وصلاح عمله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في حده، فاعتبره بعضهم بستة أشهر، واعتبرها أصحابنا بسنة، انتهى.

وكذلك الشيخ أبو حامد، فإنه قال في " المهذب ": وقدّر أصحابنا المدة بسنة.

وكذلك البغوي في " التهذيب "، وجماعات، كلُّهم عزوا التقدير بسنة إلى الأصحاب فضلاً عن أكثرهم، ولم يقل بعض الأصحاب: إلا القاضي أبو الطيب، والإمام، ومن تبعهما، فإنهم قالوا: قال بعض أصحابنا: يقدر بسنة. قال بعضهم: زاد الإمام إن المحققين على عدم التقدير.

ومن تأمل ما نقلناه أيقن بأن الأكثرين على التقدير بسنة، وبه صرح الرافعي في " المحرر "، ولوّح إليه تلويحاً في " الشرح الصغير ". وظهر حسن صنيع النووي وإن لم يقصده، عناية من الله تعالى به، انتهى كلام التاج.

وكان الحامل له على جزمه بكونه لم يقصده عدم تصريحه بأنه من زياداته، وذلك غير لازم، والله أعلم.

وقال قاضي صفد العثماني: هي خلاصة مذهب الشافعي، وهي عمدة المفتين والحكام بعصرنا. أخبرنا الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن خفاجة الصفدي، وكان من العلماء العاملين، قال: رأيت رسول الله صلى اله عليه وسلم بمنامي، فقلت: يا رسول الله، ما تقول في النووي، قال: نعم الرجل النووي. فقلت: صنّف كتاباً وسماه " الروضة " فما تقول فيها؟ قال: هي الروضة كما سماها.

وأول من أدخلها قوص: نور الدين علي بن الشهاب هبة الأسنائي، الشافعي، كتبها بخطه وأدخلها قوص.

" حول شرح مسلم " وقال ابن كثير في وصف " شرح مسلم ": إنه جمع فيه شروحات من تقدّم من المغاربة وغيرهم، وزاد فيه ونقص، انتهى كلامه.

وقد اختصره الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن الياس، القونوي، الحنفي، صاحب " درر البحار "، وتعقب عليه فيه مواضع، وقال مرة: هو أزهد مني، لكني

وذكر شيئاَ لا أثبته.

وكذا انتفى منه الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي، واستدرك عليه في كثير منه، فالتقط شيخنا من كلامه الاستدراك خاصة في كراسة.

وكذا استدرك شيخنا على الشيخ مواضع كان عزمه إفرادها من هوامش نسخته، فما اتفق، مع أنه كان شديد الدب معه، حتى سمعته مراراً يقول: لا أعلم نظيره في قبول مقالة عند سائر أرباب الطوائف، قال: وفي التعقبات لابن العماد على الجمال الأسنوي بركة ظاهرة للشيخين، وقال: أخبرني الجمال محمد بن أبي بكر المصري بزُبَيْد، أنه شاهد الجمال أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر الرَّيْمي اليماني، القاضي الشافعي، عند موته وقد اندلع لسانه واسودّ فكانوا يرون أن ذلك بسبب اعتراضه وكثرة وقيعته في الشيخ محيي الدين النووي. ونحوه فيما بلغني ما اتفق لشخص كرماني من اليمن في عصر ابن المقرئ وغيره، وكان ينازع في إطلاق النووي تحريم النظر للأمرد، كأنه لكونه كان منتمياً لابن عربي، ويطلق لسانه فيه بسبب ذلك وشبهه، فإنه لم يمت حتى سقط لسانه، رحمه الله ونفعنا ببركته.

وكتب شيخنا على فُتيا تتعلق بمسألة إفراد الصلاة عن السلام، بعد مخالفته له في إطلاق الكراهة؛ ولعله " يعني الشيخ " أطلع لذلك على دليل خاص، وأنشد:

إذا قالت حذام فصدِّقوها

فإن القول ما قالت حذام

ثم وقفت على كراسه من أول نكت شيخنا على " شرح مسلم " قال فيها: قصد بجمعها بركة الشارح، إذ كان ذلك أمراً متفقاً عليه.

ولقد حكى لي العلامة الرباني الكمال إمام الكاملية وشيخها " بورك في حياته ": أنه رآه في النوم وعليه ثوب " طرح مدقوق غسيل "، قال: فقبلت يده وسلمت عليه، ودعا لي كثيراً، وقلت له: إنه يشق عليّ من يعترض عليك، فقال: إنهم يعملون وجه الحسنة سيئة، انتهى المنام.

ولم يزل أهل التحقيق ممن أدركناهم وأخذنا عنهم، لا ينفكون عن الاعتناء بكلامه، والجواب عما لعل فيه بعض الإيهام، رحمة الله عليهم.

" حول كتابيه: التحقيق، والتحرير "

ص: 17