المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أفرده بالترجمة - المنهل العذب الروي

[السخاوي]

الفصل: ‌من أفرده بالترجمة

والسلطان " بحمد الله تعالى " يفعل الخيرات، فما يترك هذه القضية تفوته. واعلم أنك عندي " بحمد الله تعالى " أقل من أن أهتم بشأنك أو ألتفت إلى خيالاتك وبطلانك، ولكني أردت أن أعرِّفك بعض أمري، لتدخل نفسك في منابذة المسلمين بأسرهم، ومنابذة سلطانهم " وفقه الله تعالى " على بصيرة منه، وترتفع عنك جهالة بعض الأمر، ليكون دخولك بعد ذلك معاندة لا عذر لك فيها.

ويا ظالم نفسه، أتتوهم أنه يخفى عليّ وعلى من سلك طريق نصائح المسلمين وولاة الأمور وحماة الدين، أنّا لا نعتقد صدق قول الله تعالى:(والعاقبة للمتقين) ؟ وقوله تعالى: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)، وقوله تعالى:(والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا) . وقوله تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقوله تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم خذلان من خذلهم "، والمراد بهذه الطائف: أهل العلم، كذا قاله أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وغيره من أهل العلم والفهم، وقوله صلى الله عليه وسلم:" والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " هذا فيمن كان في واحد من الناس، فكيف الظن بمن هو في عون المسلمين أجمعين، مع إعظام حرمات الشرع ونصيحة السلطان وموالاته، وبذل النفس في ذلك؟ واعلم أني والله لا أتعرض لك بمكروه، سوى إني أبغضك لله تعالى، وما امتناعي عن التعرض لك بمكروه عن عجز، بل أخاف الله رب العالمين من إيذاء من هو من جملة الموحدين، وقد أخبرني من أثق بخيره وصلاحه، وكراماته وفلاحه، إنك إن لم تبادر في التوبة حُلّ بك عقوبة عاجلة، تكون بها آية لمن بعدك، ولا يأثم بها أحد من الناس، بل هو عدل من الله تعالى يوقعه بك عبرة لمن بعدك، فإن كنت ناظراً لنفسك فبادر بالرجوع عن سوء فعالك، وتدارك ما أسلفته من قبح مقالك، قبل أن يحل بك ما لا تقال به عثرتك، ولا تغتر بسلامتك وثروتك ووصلتك، وفكّر في قول القائل:

قد نادت الدنيا على نفسها

لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر وأريته

وجامع بددتُ ما يجمع

والسلام على من اتبع الهدى، والحمد لله رب العالمين.

‌من أفرده بالترجمة

قلت: وقد أفرد ترجمته بالتصنيف خادمه العلامة علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي، عرف بابن العطار، الذي كان لشدة ملازمته له وتحققه به، يقال له: مختصر النووي، استوفيت مقاصده هنا، وهو عمدتي بل عدتي، بن عمدة كل من أتى بعده.

ووقع في كلام الذهبي في " سير النبلاء " إنه في ست كراريس، والمتداول بالأيدي في كراس وشيء، فيحتمل أن يكون كان كتب في جميع المراثي، ثم حذفها بعض النُّساخ، ووجدت في نسخة وقفت عليها ما يستأنس به لذلك.

وظاهر صنيع الذهبي في تاريخه يشعر بكون التي وقف عليها في، لم يستوفي المراثي فيها وقد وقفت على نسخة بجميع المراثي، بخط تلميذه جد شيخ شيوخنا المسند الشهاب أحمد بن البدر حسن، لأبيه، وهو أبو عبد الله محمد ابن الواعظ أبي عبد الله محمد بن زكريا بن يحيى بن مسعود بن غنيمة، السويداوي، عرف هو وأبوه بالقدسي، كتبها بالخانقاه الشميساطية بدمشق، وهي سماعهِ على مؤلفها، بقراءة المحدث ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن طغريل ابن الصيرفي، سوى ورقتين، فبقراءة السويداوي، وذلك في ثلاثة مجالس، آخرها يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة، بمنزل المؤلف بدار الحديث النورية، وصحح بخطه.

ص: 39

وكتب السويداوي: إن المصنف ابتدأ في تصنيفها في منصف شعبان سن ثمان وسبعمائة، ودعا له بقوله: عافاه الله، وأحسن عقباه. وسبب ذلك أنه كان أصيف بالفالج من قبيل سنين، ويحتمل أن يكون تصنيفا آخر، وهو بعيد. لكن يُستأنس له بما وجدته في كلام الذهبي مُدرجا في كلام ابن العطار، ما لم اقف عليه في النسختين، على أن ابن العطار قال ما نصه: ورأيت منه أموراً تحتمل مجلدات. وذكر ما يرغب في مناقب العلماء، قول سفيان بن عُيينة: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. وقول محمد بن يونس: ما رأين للقلب أنفع من ذكر الصالحين. وأنه دوّنها لتكون سببا للترحم عليه والدعاء له، لما له عليه من الحقوق المتكاثرة التي لا يطيق حصرها، ووصفه بشيخي وقدوتي، الإمام للتصانيف المفيدة، والمؤلفات الحميدة، أو حد دهره، وفريد عصره، الصوام القوام، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، صاحب الأخلاق المرضية، والمحاسن السَّنية، العالم الرباني، المتفق على علمه وأمانته وجلالته، وزهده وروعه وعبادته، وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته، له الكرامات الطافحة، والمكرمات الواضحة، والمؤثر بنفسه وماله للمسلمين، والقائم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين، مع ما هو عليه في المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الثقل، والاجتهاد عن الخروج مع خلاف العلماء ولو كان بعيداً، والمراقبة لأعمال القلوب وتصفيتها من الشوائب، يحاسب نفسه على الخطرة بعد الخطرة.

وكان محققا في علمه وفنونه مدققاً في علمه وكل شؤونه، حافظاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفاً بأنواعه كلها من صحيحه وسقيمه، وغريب ألفاظه وصحيح معانيه واستنباط فقهه، حافظاً لمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما اشتهر من جميع ذلك وما هُجر، سالكاً في كل ما ذكر طريق السلف، قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل، فبعضها للتصنيف، وبعضها للتعليم، وبعضها للصلاة، وبعضها للتلاوة والذكر لله تعالى، وبعضها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكذا أفردها التقي محمد بن الحسن اللخمي في أربع أوراق، وقال: إنه كان عالما بالفقه وفروعه من أقوال الشافعي وأوجه أصحابه، مكث نحو عشرين سنة يفتي ويعلم الناس العلم والفقه والحديث والأدب والزهد، وكان ليس في عصره في بلاد المسلمين مثله، محققاً، حافظاً متقناً، ورعاً، مدققاًَ في الحديث عالماً بصحيحه وحسنه، وسقيمه. وغريبه وأحكامه، عارفا بلغته وأسماء رجاله، وضبطهم وجرحهم وتعديلهم، ومواليدهم ووفياتهم، محققاً في الألفاظ المشكلة.

له في فنونه يد طولى، كثير النقل جداً، مداوماً للمطالعة والتأليف، عارفاً بفن التصريف، وفن العربية واللغة، كثير النقل فيهما. عارفا بالأصلين معرفة جيدة، وبالقراءات السبع وغيرها، كثير الخبرة بمذاهب العلماء، المشهورة والمهجورة، ليّن القلب، سالكا طريق السلف في الزهد في الدنيا، والمبالغة في الخشوع والورع، غزير الدمعة كثير الصمت، حافظا لسانه أشد الحفظ، غاضا للطرف، طويل الفكرة، حسن الأخلاق جداً، إذا آذاه أحد يقول له: يا مبارك الحال. مثابرا على الصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أشد المواطن وأصعبها، محاسباً لنفسه، حافظاً لأوقاته، قد جزّأ كل وقت منها لنوع من العمل، فغالبها للاشتغال بالعلم، وبعضها للتعليم والعبادة، كالصلاة بالليل والتسبيح والقراءة والتدبر.

أثنى عليه الأئمة الصلحاء، العلماء العارفون، وتأسف المسلمون عليه بعد مماته أسفاً بليغا، وجزعوا عليه جزعاً شديداً الخاص منهم والعام، والمادح في حال حياته والذام.

وأفردها أيضاً مريده اللامة الرباني كمال الدين، إمام الكاملية وشيخها، في جزء سماه:" بغية الراوي في ترجمة النواوي "، وقرأها " على ما بلَّغني به العلَاّمة أبو الفضل النُّويري خطيب مكّة شرَّفها الله تعالى " عند ضريح الشيخ، نفعنا الله ببركاتهم، وكذا أرسل إليّ صاحبنا الشيخ الثقة الورع الحجة برهان الدين إبراهيم القادري، نفعنا الله ببركته، غير أن تصنيفي هذا قُرئ عند ضريح الشيخ أيضاً، جوزي خيراً.

ص: 40