المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الجزية وأنها لا تؤخذ من وثني - المهذب في اختصار السنن الكبير - جـ ٧

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌كتاب الجزية وأنها لا تؤخذ من وثني

‌كتاب الجزية وأنها لا تؤخذ من وثني

قال الشافعي: لقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ} (1) وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} (2).

14490 -

الزهري (خ م)(3) حدثني سعيد، أن أبا هريرة أخبره أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قال لا إله إلا اللَّه عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه".

14491 -

الأعمش (م)(4) عن أبي سفيان، عن جابر. وعن أبي صالح، عن أبي هريرة قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه؛ فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه".

14492 -

ابن عيينة، عن عبد الملك بن نوفل، عن رجل من مزينة يقال له: ابن عصام، عن أبيه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال: إذا سمعتم مؤذنًا أو رأيتم مسجدًا فلا تقتلوا أحدًا".

14493 -

عقيل (خ م)(5) عن الزهري، أخبرني عبيد اللَّه، عن أبي هريرة قال: "لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف

(1) التوبة: 5.

(2)

البقرة: 193.

(3)

البخاري (6/ 130 رقم 2946)، ومسلم (1/ 52 رقم 21)[33].

وأخرجه النسائي (7/ 77 رقم 3972) من طريق يونس وفي (7/ 78 رقم 3974) من طريق شعيب بن أبي حمزة كلاهما عن الزهري به.

(4)

مسلم (1/ 52 - 53 رقم 21)[35].

وأخرجه النسائي (7/ 79 رقم 3977)، وابن ماجه (2/ 1295 رقم 3928) من طريق الأعمش به.

(5)

البخاري (12/ 288 رقم 6924)، ومسلم (1/ 51 - 52 رقم 20)[32].

وأخرجه أبو داود (2/ 93 رقم 1556)، والترمذي (5/ 5 رقم 2607)، والنسائي (7/ 77 رقم 3970) كلهم من طريق عقيل به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 3742

تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه؛ فمن قال: لا إله إلا اللَّه، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه؟ ! فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه لقاتلتهم على منعه. قال عمر: فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق".

قال الشافعي: هذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقًا والمراد مشركو الأوثان، ولم يكن بحضرة رسول اللَّه ولا بقربه أحد من مشركي أهل الكتاب إلا يهود المدينة، وكانوا حلفاء الأنصار ولم تكن الأنصار استجمعت أول ما قدم رسول اللَّه إسلامًا فوادعت يهود رسول اللَّه ولم تخرج إلى شيءٍ من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر فتكلم بعضها بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول اللَّه فيهم ولم يكن بالحجاز علمته إلا يهودي أو نصاري قليل بنجران وكانت المجوس بهجر وبلاد البربر وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركون أهل أوثان كثير.

14494 -

شعيب، عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب، عن أبيه "أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرًا وكان يهجو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره، وكان رسول اللَّه قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومنهم المشركون، ومنهم اليهود وهم أهل الحلقة والحصون وهم حلفاء الحيين الأوس والخزرج، فأراد رسول اللَّه حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم، وكان الرجل يكون مسلمًا وأبوه مشرك، والرجل يكون مسلمًا وأخوه مشرك، وكان المشركون واليهود من أهل المدينة حين قدم رسول اللَّه يؤذونه وأصحابه أشد الأذي فأمر اللَّه رسوله والمسلمين بالصبر والعفو فقال:{وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا. . .} (1) الآية وفيهم نزلت: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} (2) فلما أبي كعب أن ينزع عن أذى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأذى المسلمين أمر رسول اللَّه سعد بن معاذ أن يبعث رهطًا ليقتلون فبعث إليه سعد محمد بن مسلمة الأنصاري وأبا عبس الأنصاري والحارث ابن أخي سعد بن

(1) آل عمران: 186.

(2)

البقرة: 109.

ص: 3743

معاذ في خمسة رهط. . . " وذكر الحديث في قتله "فلما قتلوه فزعت اليهود ومن كان معهم من المشركين، فغدوا على رسول اللَّه حين أصبحوا فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من سادتنا فقتل. فذكر لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول في أشعاره وينهاهم به، ودعاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم وبين المسلمين كتابًا ينتهوا إلى ما فيه، فكتب صحيفة تحت العذق الذي في دار بنت الحارث فكانت تلك الصحيفة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عند علي" (1).

14495 -

ابن إسحاق، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال:"لا أصاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قريشا يوم بدر فقدم المدينة جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا فقالوا: يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزلت: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ} (2) و {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أصحاب رسول اللَّه {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ. . .} إلى قوله: {الْأَبْصَارِ} (3) (4) ".

14496 -

ابن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر وصالح بن أبي أمامة قالا (5):"بعث رسول اللَّه حين فرغ من بدر بشيرين إلى أهل المدينة زيد بن حارثة وعبد اللَّه بن رواحة، فلما بلغ ذلك كعب بن الأشرف قال: ويلكم أحق هذا هؤلاء ملوك العرب وسادة الناس -يعني قتلى قريش- ثم خرج إلى مكة فجعل يبكي على قتلى قريش ويحرض على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

وتؤخذ الجزية من النصارى واليهود

قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (6).

(1) أخرجه أبو داود (3/ 154 رقم 3000) من طريق شعيب به مختصرًا.

(2)

آل عمران: 12.

(3)

آل عمران: 13.

(4)

أخرجه أبو داود (3/ 154 رقم 3001) من طريق ابن إسحاق به.

(5)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(6)

التوبة: 29.

ص: 3744

14497 -

الثوري (م د س)(1) عن علقمه بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أو جيش أوصاه بتقوى اللَّه في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرًا وقال: إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن أجابوك إليها فأقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام؛ فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأعلمهم أنهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم أنهم يكونون مثل أعراب المسلمين يجري عليهم حكم اللَّه الذي كان يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوا فأقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن باللَّه وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم اللَّه فلا تنزلهم فإنكم لا تدرون ما حكم اللَّه فيهم ولكن أنزلوهم على حكمكم، ثم اقضوا فيهم بعد ما شئتم". قال علقمة: فذكرته لمقاتل بن حيان فقال: حدثني مسلم بن هيصم، عن النعمان بن مقرن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ورواه عبيد اللَّه بن موسى ويحيى بن آدم، عن الثوري ولم يذكر عبيد اللَّه سند مقاتل ولفظه:"فأرادوك على أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة نبيك فلا تجعل لهم ولكن اجعل لهم ذمتك وذمه آبائك وذمم أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم آبائكم أهون عليكم من أن تخفروا ذمة اللَّه وذمة رسوله" ولم يخرج (م) إسناد مقاتل.

شعبة (م)(2) حدثني علقمة، أن سليمان بن بريدة حدثه، عن أبيه قال:"كان رسول اللَّه إذا بعث أميرًا على جيش. . . " الحديث. وقد رواه يحيى بن بكير، عن الليث، عن جرير بن حازم، عن شعبة.

14498 -

شعيب، عن الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: "بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك (3)، وأن لا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل: الحج الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه

(1) مسلم (3/ 1357 - 1358 رقم 1731)[3]، وأبو داود (3/ 37 رقم 2612)، والنسائي في الكبرى (5/ 207 - 208 رقم 8680).

(2)

مسلم (3/ 1358 رقم 1731)[4]. وسبق تخريجه.

(3)

كتب بالهامش: خ إلى قوله: مشرك.

ص: 3745

رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مشرك وأنزل اللَّه في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. . .} إلى قوله: {حَكِيمٌ} (1) فكان المشركون يوافون بالتجارة وينتفع بها المسلمون، فلما حرم اللَّه على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم فقال:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} (1) ثم أحل في الآية التي تتبعها الجزية ولم يكن الأخذ قبل ذلك، فجعلها عوضًا مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم فقال:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (1) فلما أحل اللَّه ذلك للمسلمين عرفوا أنهم قد عاضهم أفضل مما كانوا وجدوا عليه مما كان المشركون يوافون به من التجارة" (2) أظن غالبه من كلام الزهري.

14499 -

ابن أبي نجيج، عن مجاهد "في آية الجزية: نزلت حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بغزوة تبوك". ابن إسحاق قال: "فلما انتهى رسول اللَّه إلى تبوك أتاه يُحَنّهْ بن رُؤْبَه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية".

14500 -

فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد قال:"يقاتل أهل الأوثان على الإسلام ويقاتل أهل الكتاب على الجزية".

من تنصر قبل نزول الفرقان

14501 -

شعبة (د)(3) عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:" {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ. . .} (4) قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لها ولد لتهودنه، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار، فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، أبناؤنا. فأنزل اللَّه: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ. . .} (4) قال سعيد بن جبير: من شاء لحق بهم ومن شاء دخل في الإسلام".

(1) التوبة: 28.

(2)

أخرجه البخاري (7/ 683 رقم 4363)، ومسلم (2/ 982 رقم 1347)[435]، وأبو داود (2/ 195 رقم 1946) والنسائي (5/ 234 رقم 2958) كلهم من طرق الزهري به مختصرًا.

(3)

أبو داود (3/ 58 رقم 2682).

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 304 رقم 11048) من طريق شعبة به.

(4)

البقرة: 256.

ص: 3746

رواه أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد قوله ولفظه:" {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (1) نزلت في الأنصار. قلت: خاصة؟ قال: خاصة، كانت المرأة إذا كانت برزة أو مقلاة تنذر لئن ولدت ولدًا لتجعلنه في اليهود تلتمس بذلك طول بقائه، فجاء للإسلام وفيهم منهم، فلما أجليت النضير قالت الأنصار: يا رسول اللَّه، أبناؤنا وإخواننا فيهم؟ فسكت عنهم، فنزلت {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (1) فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد خُير أصحابكم؛ فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فأجلوهم معهم".

من قال يؤخذ منهم الجزية عربًا كانوا أو عجمًا

قال الشافعي: أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجزية من أكيدر دُومة وهو رجل يقال: من غسان أو كِندة.

14502 -

يحيى بن زكريا، نا ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن أنس بن مالك وعثمان بن أبي سليمان "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة، فأخذوه فأتوه به فحقن له دمه وصالحه على الجزية"(2).

14503 -

يونس، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان وعبد اللَّه بن أبي بكر (3)"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث خالدًا إلى أكيدر بن عبد الملك -رجل من كندة كان ملكًا على دومة وكان نصرانيّا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين وفي ليلة مقمرة صافية وهو على سطح ومعه امرأته، فأتته البقر تحك بقرونها باب القصر فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط؟ قال: لا واللَّه، قالت: فمن يترك مثل هذا؟ قال: لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له: حسان، فخرجوا معه بمطاردهم، فتلقتهم خيل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه حسان وكان عليه قباء ديباج مخوص بالذهب فاستلبه إياه خالد، فبعث به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه، ثم إن خالدًا قدم بأكيدر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية وخلى سبيله فرجع إلى قومه" قال الشافعي: وأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب، ومن أهل نجران وفيهم عرب.

14504 -

أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ "بعثني

(1) البقرة: 256.

(2)

أخرجه أبو داود (3/ 166 رقم 3037) من طريق يحيى بن أبي زائدة به.

(3)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

ص: 3747

رسول اللَّه إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارًا أو عدله معافرَ" (1). قال يحيى بن آدم: وإنما هذه الجزية على أهل اليمن وهم عرب؛ لأنهم أهل كتاب ألا ترى أنه قال: "لا يفتن يهودي عن يهوديته" يعني: في روايته، عن جرير، عن منصور، عن الحكم (2)، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا أنه كتب إلى معاذ بذلك.

14505 -

أسباط بن نصر (د)(3) عن السدي، عن ابن عباس قال:"صالح رسول اللَّه أهل نجران على ألفي حُلة".

قال الشافعي: أخذ رسول اللَّه الجزية من أكيدر الغساني، ويروون أنه صالح رجالا من العرب على الجزية، فأما عمر ومن بعده إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تغلب وتنوخ وبهْرا وخِلْط من خلط العرب وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية يضاعف عليهم الصدقة وذلك جزية وإنما الجزية على الأديان لا على الأنساب، ولولا أن نأثم بتمني باطل وددنا أن الذي قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجري صغار على عربي، ولكن اللَّه أجُّل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به.

14506 -

يحيى بن أبي بكر، نا عبد اللَّه بن عمر القرشي، حدثني سعيد بن عمرو بن سعيد "أنه سمع أباه يوم المرج يقول: سمعت أبي يقول: سمعت عمر يقول: لولا أني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إن اللَّه سيمنع الدين بنصارى من ربيعة على شاطئ الفرات ما تركت عربيًّا إلا قتلته أو يسلم" (4).

قلت: عبد اللَّه مجهول.

ابن إسحاق في قصة ورود خالد من جهة الصدّيق الحيرَة، ومحاورة هانئ بن قبيصة إياه "فقال خالد: أدعوكم إلى الإسلام وإلى أن تشهدوا أنه لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتقروا بأحكام المسلمين على أن لكم مثل ما لهم وعليكم مثل ما عليهم. فقال هانئ: فإن لم أشأ ذلك فمَهْ؟ قال: فإن أبيتم ذلك أديتم

(1) أخرجه أبو داود (2/ 101 رقم 1576)، والترمذي (3/ 20 رقم 623) والنسائي (5/ 25 - 26 رقم 2450)، وابن ماجه (1/ 576 رقم 803) كلهم من طريق أبي وائل به.

(2)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(3)

أبو داود (3/ 167 رقم 3041).

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 235 رقم 8770) من طريق يحيى به، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد اللَّه ابن عمر القرشي هذا لا أعرفه.

ص: 3748

الجزية عن يد. قال: فإن أبينا ذلك. قال: فإن أبيتم ذلك وطنتكم بقومٍ الموت أحب إليهم من الحياة إليكم. فقال: أجلنا هذه ننظر في أمرنا. قال: قد فعلت. فلما أصبح القوم غدا هانئ فقال: إنه قد اجتمع أمرنا على أن نؤدي الجزية فهلم فلأصالحك. فقال له خالد: كيف وأنتم قوم عرب تكون الجزية والذل أحب إليكم من القتال والعز، فقال: نظرنا فيما يقتل منا فإذا هم لا يرجعون، ونظرنا إلى ما يؤخذ منا من المال فقل ما نلبث حتى يُخِلَفه اللَّه لنا. فصالحهم على تسعين ألفًا".

من زعم أنما تؤخذ الجزية من العجم

14507 -

الثوري (ت س)(1) عن الأعمش، عن يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:"عاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا طالب وعنده ناس من قريش وعند رأسه مقعد رجل، فلما رآه أبو جهل فجلس فقال: ابن أخيك يذكر آلهتنا. فقال أبو طالب: ما شأن قومك يشكونك؟ قال: يا عم، أريدهم على كلمة تدين لهم العرب وتؤدي إليهم العجم الجزية. قال: ما هي؟ قال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه. [فقاموا] (2): وقالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ ! ونزلت "ص" (3).

قلت: بعضهم رواه، فقال: يحيى بن عباد بدل عمارة، وحسنه (ت) وهو منكر؛ فإن الجزية إنما فرضت بعد أبي طالب بسنين.

ذكر كتب أنزلها اللَّه تعالى قبل نزول القرآن

قال تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} (4) قال الشافعي: وليس يعرف تلاوة كتاب إبراهيم وذكر زبور داود، فقال:{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (5).

14508 -

عمران القطان، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان،

(1) الترمذي (5/ 341 رقم 3232)، والنسائي في الكبرى (5/ 235 رقم 8769)، وقال الترمذي: حسن.

(2)

في "الأصل": فقالوا: والمثبت من "هـ".

(3)

ص: 5.

(4)

النجم: 36، 37.

(5)

الشعراء: 196.

ص: 3749

والقرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" (1). وفيما روى:

14509 -

الربيع بن صبيح، عن الحسن قال:"أنزل اللَّه مائة وأربع (2) كتب من السماء".

المجوس

14510 -

ابن عيينة، عن أبي سعد بن المرزبان، عن نصر بن عاصم، قال: قال فروة بن نوفل الأشجعي: "علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب؟ فقام إليه المستورد فأخذ (يُلَبّبهُ) (3) فقال: يا عدو اللَّه، تطعن على أبي بكر وعمر وعلي، قد أخذوا منهم الجزية. فذهب به إلى القصر فخرج علي رضي الله عنه عليهما، فقال: ألبدا. فجلسا في ظل القصر، فقال علي: أنا أعلم الناس بالمجوس، كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه، وإن ملكهم. سكر فوقع على ابنته أو أخته، فاطلع عليه بعض أهل مملكته، فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته، فلما أتوه قال: تعلمون دينًا خيرًا من دين آدم وقد كان ينكح بنيه من بناته؟ وأنا على دين آدم، ما يرغب بكم [عن] (4) دينه. قال: فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم، وذهب العلم الذي في صدورهم، فهم أهل كتاب، وقد أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر منهم الجزية" رواه الشافعي عنه، قال ابن خزيمة: وهم ابن عيينة، ليس بنصر؛ بل هو عيسى بن عاصم الأسدي كوفي.

14511 -

ابن عيينة (خ)(5) عن عمرو سمع بجالة بن عبدة يقول: "كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، فأتاه كتاب عمر: اقتلوا كل ساحر وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس. ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر" قالت الشافعي: هذا متصل وحديث نصر بن عاصم، عن علي متصل، وبه نأخذ، وقد روى من حديث الحجاز حديثان منقطعان في أخذ الجزية من المجوس.

(1) كتب في الحاشية: لم يخرجوه، ومتنه حسن.

(2)

في "هـ": وأربعة.

(3)

في "هـ": بلببه.

(4)

من "هـ".

(5)

البخاري (6/ 297 رقم 3156، 3157).

وأخرجه أبو داود (3/ 168 رقم 3043) والترمذي (4/ 125 رقم 1587)، والنسائي في الكبرى (5/ 234 رقم 8768) كلهم من طريق سفيان به، قال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 3750

14512 -

مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (1) "أن عمر ذكر المجوس فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال له ابن عوف: أشهد لسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: سنوا بهم سنة أهل الكتاب".

14513 -

مالك، عن ابن شهاب أنه بلغه "أن رسول اللَّه أخذ الجزية من مجوس البحرين، وأن عثمان أخذها من البربر، وأن عمر أخذها من مجوس فارس".

ابن وهب، أنا يونس، عن ابن شهاب، حدثني ابن المسيب "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وأن عمر أخذها من مجوس السواد، وأن عثمان أخذها من مجوس بربر".

14514 -

ثنا محمد بن مسكين (د)(2) نا يحيى بن حسان، نا هشيم، أنا داود بن أبي هند، عن قشير بن عمرو، عن بجالة بن عبدة، عن ابن عباس قال:"جاء رجل من [الأسْبَذِيين] (3) من أهل البحرين وهم مجوس أهل هجر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمكث عنده ثم خرج فسألته ما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيكم؟ قال: شرًّا. قلت: مه. قال: الإسلام أو القتل. قال: وقال عبد الرحمن ابن عوف: قبل منهم الجزية. قال ابن عباس: فأخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا ما سمعت أنا من الأسبذي" قال المؤلف: نعم ما صنعوا إذا تركوا رواية مجوسي.

14515 -

موسى بن عقبه (خ)(4) قال: قال ابن شهاب (م)(5): حدثني عروة أن المسور ابن مخرمة أخبرنا أن عمرو بن عوف -وهو حليف لبني عامر بن لؤي كان شهد بدرًا- أخبره "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة إلى البحرين فأتى بجزيتها وكان رسول اللَّه صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمالٍ من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه فوافت صلاة الصبح مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له فتبسم حين رآهم وقال: أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء فقالوا: أجل يا رسول اللَّه. فقال:

(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(2)

أبو داود (3/ 168 - 169 رقم 3044).

(3)

في "الأصل": الأسبذين. والمثبت من "هـ".

(4)

البخاري (11/ 247 رقم 6425).

(5)

مسلم (4/ 2273 رقم 2961)[6].

وأخرجه الترمذي (4/ 552 رقم 2462)، والنسائي في الكبرى (5/ 234 رقم 8766)، وابن ماجه (2/ 1324 رقم 3997) كلهم من طريق ابن شهاب به. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 3751

أبشروا وأملوا ما يسركم، فواللَّه ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها وتلهيكم كما ألهتم".

وإبراهيم بن سعد (م)(1) عن صالح، عن ابن شهاب به.

14516 -

معتمر بن سليمان، ثنا سعيد بن عبيد اللَّه، نا بكر بن عبد اللَّه وزياد بن جبير، عن جبير بن حية قال: "بعث عمر الناس من أفناء الأمصار يقاتلون المشركين -فذكر الحديث في إسلام الهرمزان- قال: فقال: إني مستشيرك في مغازي هذه فأشر علي في مغازي المسلمين. قال: نعم يا أمير المؤمنين. الأرض مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وله جناحان وله رجلان؛ فإن كسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس، وإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس، وإن شدخ الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس، فَمُر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى. قال جبير: فندبنا عمر واستعمل علينا رجلًا من مزينة يقال له: النعمان بن مقرن وحشر المسلمين معه، قال: وخرجنا فيمن خرج من الناس حتى إذا دنونا من القوم وأداة الناس وسلاحهم الجحف والرماح الكسرة والنبل قال: فانطلقنا نسير ومالنا كثير خيول -أو مالنا خيول- حتى إذا كنا بأرض العدو وبيننا وبين القوم نهر، خرج علينا عامل لكسرى في أربعين ألفًا حتى وقفوا على النهر ووقفنا من حياله الآخر قال: يا أيها الناس، أخرجوا إلينا رجلا يكلمنا، فأخرج إليه المغيرة بن شعبة وكان رجلا قد اتجر وعلم الألسنة، فقام ترجمان القوم فتكلم دون ملكهم. قال: فقال الناس: ليكلمي رجل منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، فقال: ما أنتم؟ فقال: نحن ناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء طويل، نمص [الجلد](2) والنوى من الجوع، ونلبس الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك إذ بعث رب السموات ورب الأرض إلينا نبيًا من أنفسنا نعرف أباه وأمه، فأمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللَّه وحده أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا عن رسالة ربنا أن من قتل منا صار إلى جنة ونعيم لم يَر مثله قط ومن بقي منا ملك رقابكم. قال: فقال الرجل: بيننا وبينكم بعد غد حتى نأمر بالجسر يجسر. قال: فافترقوا وجسروا الجسر، ثم إن أعداء اللَّه قطعوا إلينا في مائة ألف: ستون ألفًا يجرون الحديد وأربعون ألفًا رماة الحدق، فأطافوا بنا عشر مرات وكنا

(1) مسلم (4/ 2273 رقم 2961)[6].

(2)

من "هـ".

ص: 3752

اثني عشر ألفًا، فقالوا: هاتوا لنا رجلًا يكلمنا، فأخرجنا المغيرة، فأعاد عليهم كلامه الأول فقال الملك: أتدرون ما مثلنا ومثلكم؟ قال المغيرة: وما مثلنا ومثلكم قال: مثل رجل له بستان ذو رياحين، وكان له ثعلب قد آذاه، فقال له رب البستان: يا أيها الثعلب، لولا أن ينتن حائطي من جيفتك لهيأت ما قد قتلك، وإنا لولا أن تنتن بلادنا من جيفتكم لكنا قد قتلناكم بالأمس. قال له المغيرة: هل تدري ما قال الثعلب؟ قال: يا رب البستان، إن أموت في حائطك ذا بين الرياحين أحب إلى من أن أخرج إلى أرض قفر ليس بها شيء، وإنه واللَّه لو لم يكن دين وقد كنا من شقاء العيش فيما ذكرت ذلك ما عدنا في ذلك الشقاء أبدًا حتى نشارككم فيما أنتم فيه أو نموت، فكيف بنا ومن قتل منا صار إلى رحمة اللَّه وجنته ومن بقي منا ملك رقابكم؟ ! قال جبير: فأقمنا عليهم يومًا لا نقاتلهم ولا يقاتلونا، فقام المغيرة إلى النعمان بن مقرن، فقال: أيها الأمير، إن النهار قد صنع ما ترى، واللَّه لو وليت من أمر الناس مثل الذي وليت منهم لألحقت الناس بعضهم ببعض حتى يحكم اللَّه بين عباده بما أحب. فقال النعمان: ربما أشهدك اللَّه مثلها ثم لم يندمك ولم يخزك ولكني شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كثيرًا كان إذا لم يقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلاة، ألا أيها الناس إني لست لكلكم اسمع، فانظروا إلى دابتي هذه فإذا حركتها فاستعدوا، من أراد أن يطعن برمحه فلييسر رمحه، ومن أراد أن يضرب بعصاه فلييسر عصاه، ومن أراد أن يطعن بخنجره فلييسره، ومن أراد أن يضرب بسيفه فلييسر سيفه، ألا أيها الناس إني محركها الثانية فاستعدوا، ثم إني محركها الثَّالثة فشهدوا على بركة اللَّه، فإن قتلت فالأمير أخي، فإن قتل أخي فالأمير حذيفة، فإن قتل حذيفة فالأمير المغيرة بن شعبة. قال: وحدثني زياد بن جبير أن أباه قال: قتلهم اللَّه، فنظرنا إلى بغل موقرٍ عسلًا وسمنًا قد كدست القتلى عليه فما أشبهه إلا كومًا من كوم السمك يلقى بعضه على بعض فعرفت أنه إنما يكون القتل في الأرض ولكن هذا شيء صنعه اللَّه، وظهر المسلمون وقتل النعمان وأخوه، وصار الأمر إلى حذيفة" (1) فهذا حديث زياد وبكر، قال: وثنا أبو رجاء الحنفي قال: "كتب حذيفة إلى عمر أنه أصيب من المهاجرين فلان وفلان وممن لا نعرف أكثر، فلما قرأ الكتاب رفع صوته ثم بكى وبكى، فقال: بل اللَّه يعرفهم ثلاثًا" رواه البخاري مختصرًا، وفيه دلالة على أخذ الجزية من المجوس.

(1) أخرجه البخاري (6/ 298 رقم 3159، 3160) من طريق المعتمر به.

ص: 3753

14517 -

عمران القطان (د)(1) عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال:"أن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية".

باب لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم

14518 -

الثوري، عن قيس بن مسلم، عن الحسن بن محمد بن علي (2) قال:"كتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم قبل منه ومن أبي ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة" إجماع الجمهور يؤكد هذا المرسل، ولا يصح ما روي عن حذيفة في نكاح مجوسيه.

كم الجزية

14519 -

الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين بقرة تبيعًا ومن كل أربعين بقرة مسنة ومن كل حالم دينارًا أو عدله ثوب معافر"(3). ورواه نا النفيلي (د)(4) ثنا [أبو](5) معاوية، فأسقط مسروقًا. وقال: والمعافري ثياب باليمن. وزاد أبو معاوية: نا الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروق، عن معاذ مرفوعًا مثله.

قال (د)(6): هذا منكر، وبلغني عن أحمد أنه أنكره -يعني: رواية إبراهيم- والصواب أبو وائل، كذا رواه سفيان وشعبة ومعمر وجرير وأبو عوانة ويحيى بن سعيد وحفص بن غياث، وبعضهم قال عن مسروق "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا. . . ".

وأخبرنا الحسن بن علي بن المؤمل، نا عمرو بن عبد اللَّه البصري، نا محمد بن عبد الوهاب، أنا يعلى، نا الأعمش، عن شقيق، عن مسروق. والأعمش عن إبراهيم قالا: قال معاذ: "بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة ثنية ومن كل

(1) أبو داود (3/ 168 رقم 3042).

(2)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(3)

تقدم.

(4)

أبو داود (3/ 167 رقم 3038).

(5)

من "هـ".

(6)

لفظ أبي داود في المطبوع من السنن: رواه جرير ويعلى ومعمر وشعبة وأبو عوانة ويحيى بن سعيد عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق، قال يعلى ومعمر عن معاذ مثله.

ص: 3754

ثلاثين تبيعًا أو تبيعة ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر" (1). فهذا هو المحفوظ أن حديث إبراهيم منقطع، وقد رويناه عن عاصم، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ، مرفوعًا.

14520 -

الشافعي، أنا إبراهيم بن محمد، أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر بن عبد العزيز (2)"أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن أن على كل إنسان منكم دينارًا كل سنة أو قيمته من المعافر يعني أهل الذمة منهم".

وأنا مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن "أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن دينارًا كل سنة. فقلت لمطرف: فإنه يقال: وعلى النساء أيضًا. فقال: ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتًا عندنا.

14521 -

يحيى بن آدم، نا جرير، عن منصور، عن الحكم (2) قال:"كتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى معاذ باليمن: على كل حالم أو حالمة دينارًا أو قيمته، ولا يفتن يهودي عن يهودية"(3) هذا منقطع. ولم يأت بهذا إلا عبد الرزاق، عن معمر، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، عن معاذ ومعمر إذا روي عن غْير الزهري يغلط كثيرًا. وحمله ابن خزيمة على أخذه إذا طابت بها نفسًا.

قلت: أوجبه على المرأة ابن حزم الأندلسي بخبر معمر.

ورواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس "أن النبي عليه السلام كتب إلى معاذ أن من أسلم من المسلمين فله ما للمسليمين وعليه ما عليهم ومن أقام على يهوديته أو نصرانيته فعلى كل حالم دينار أو عدله من المعافر، ذكر أو أنثى حر أو مملوك، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين بقرة مسنة، وفي كل أربعين من الإبل ابنة لبون، وفيما سقت السماء أو سقي [فيحًا] (4) العشر، وفيما سقي بالغرب نصف العشر".

14522 -

الشافعي: سألت محمد بن خالد وعبد اللَّه بن عمرو بن مسلم وعددًا من علماء أهل اليمن فكلهم حكى لي، عن عدد منهم مضوا قبلهم يحكون، عن عدد مضوا قبلهم كلهم

(1) أخرجه النسائي (5/ 26 رقم 2451) من طريق يعلى به، وتقدم.

(2)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(3)

أخرجه أبو داود في المراسيل (133 - 134 رقم 117) من طريق محمد بن قدامة عن جرير به.

(4)

في "الأصل": فتحًا. والمثبت من "هـ".

ص: 3755

ثقة "أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة، ولا يثبتون أن النساء كن فيمن يؤخذ منه الجزية، وقال عامتهم: لم يؤخذ من زروعهم، وقد كانت لهم زروع ولا من مواشيهم شيء علمناه، وقال لي بعضهم: قد جاءنا بعض الولاة فخمس [زروعهم] (1) أو أرادها فأنكر ذلك عليه، فكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير. قال: وسألت عددًا كثيرًا من ذمة أهل اليمن متفرقين في بلدان اليمن فكلم أثبت لي لا يختلف قولهم أن معاذًا أخذ منهم دينارًا عن كل بالغ منهم، وسموا البالغ: حالمًا، قالوا: وكان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ أن على كل حالم دينارًا".

14523 -

ابن وهب، أخبرني مسلمة بن علي، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرض الجزية على كل محتلم من أهل اليمن دينارًا دينارًا".

14524 -

يونس، عن ابن إسحاق، حدثني عبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم قال:"هذا كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن. . . " فذكره، وفي آخره:"وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلامًا خالصًا من نفسه فدان دين الإسلام؛ فإنه من المؤمنين، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يفتن عنها، وعلى كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عوضه من الثياب، فمن أدى ذلك فإن له ذمة اللَّه وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو اللَّه ورسوله والمؤمنين". هذا منقطع.

14525 -

وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة قال:"هذا كتاب من محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن. . . " فذكر نحو الذي قبله والآخر منقطع.

14526 -

وأخبرنا أبو سهل محمد بن نصرويه بن أحمد المروزي، ثنا محمد بن صالح

(1) في "الأصل": زورعهم. والمثبت من "هـ".

ص: 3756

المعافري، ثنا أبو يزن إبراهيم بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد العزيز بن عفير بن عبد العزيز بن عفير بن زرعة ابن سيف بن ذي يزن الحميري، حدثني عمي أحمد بن حبيش بن عبد العزيز، حدثني أبي، حدثني أبي عبد العزيز، حدثني أبي عفير، حدثني أبي زرعة بن سيف قال:"كتب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتابًا هذا نسخته، فذكرها وفيها ومن يكن على يهوديته أو على نصرانيته، فإنه لا يغبر عنها وعليه الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار أو قيمته من المعافر" في سنده مجاهيل. إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي الحويرث (1):"ضرب رسول اللَّه على نصارى بمكة دينارًا لكل سنة" كذا لفظ يحيى بن آدم عنه.

وقال الشافعي: أنا إبراهيم ولفظ: "ضرب على نصراني بمكة يقال له: موهب دينارًا كل سنة" وزاد فيه، "وأنه عليه السلام ضرب على نصارى أيلة ثلاثمائة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثًا، وأن لا يغشوا مسلمًا".

وأنا إبراهيم بن محمد، أنا إسحاق بن عبد اللَّه:"أنهم كانوا ثلاثمائة فضرب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة دينار كل سنة" قال الشافعي: ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها إليه فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صولحوا عليه.

14527 -

أسباط بن نصر (د)(2) عن السدي، عن ابن عباس قال:"صالح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حُلة النصف في صفر والنصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعًا وثلاثين فرسًا وثلاثين بعيرًا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلام يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد" قال الشافعي: قد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار".

(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(2)

أبو داود (3/ 167 رقم 3041).

ص: 3757

الزيادة على الدينار بالصلح

14528 -

ابن نمير (1)، ثنا عبيد اللَّه بن نمير، نا نافع، عن أسلم [أنه](2) أخبره "أن عمر كتب إلى أمراء أهل الجزية أن لا يضعوا الجزية إلا على من جرت -أو مرت- عليه المواسي، وجزيتهم أربعون درهمًا على أهل الورق منهم، وأربعة دنانير على أهل الذهب، وعليهم أرزاق المسلمين من الحنطة مدين وثلاثة أقساط زيت لكل إنسان كل شهر ومن الودك والعسل شيء لم يضبطه وعليهم من البز التي كان يكسوها أمير المؤمنين الناس شيء لم يحفظه ويضيفون من نزل بهم من أهل الإسلام ثلاثة أيام على أهل العراق خمسة عشر صاعًا لكل إنسان، وكان عمر لا يضرب الجزية على النساء، وكان يختم في أعناق رجال على الجزية".

عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد اللَّه، عن نافع، عن أسلم "أن عمر كتب إلى عماله أن لا يضربوا الجزية على النساء والصبيان ولا يضربوها إلا على كل من جرت عليه المواسي، ويختم في أعناقهم وتجعل جزيتهم على رءوسهم على أهل الورق أربعين درهمًا ومع ذلك أرزاق المسلمين وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الشام منهم مدي حنطة وثلاثة أقساط زيت، وعلى أهل مصر أردب حنطة وكسوة وعسل -لا يحفظه نافع كم ذاك- وعلى أهل العراق خمسة عشر صاعًا حنطة" قال عبيد اللَّه: وذكر كسوة لا أحفظها.

شعبة، أنا الحكم سمعت عمرو بن ميمون، عن عمر. . . فذكره، قال:"ثم أتاه عثمان بن خيف فجعل يكلمه من وراء الفسطاط يقول: واللَّه لئن وضعت على كل جريب من أرض درهمًا وقفيزًا من طعام وزدت على كل رأس درهمين لا يشق ذلك عليهم ولا يجهدهم. قال: نعم، فكانت ثمانية وأربعين فجعلها خمسين".

(1) في "هـ" أبي. وما أثبتناه هو الصواب، وابن نمير هو عبد اللَّه بن نمير من رجال التهذيب.

(2)

من "هـ".

ص: 3758

الشافعي -في القديم- عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب (1)"أن عمر كان إذا استغنى أهل السواد زاد عليهم وإذا افتقروا وضع عنهم".

علي بن مسهر، عن الشيباني، عن أبي عون محمد بن عبيد اللَّه (2) قال:"وضع عمر على رءوس الرجال على الغني ثمانية وأربعين درهمًا وعلى الوسط أربعة وعشرين وعلى الفقير اثني عشر درهمًا". وكذا روى قتادة عن أبي مجلز (1)، عن عمر والكل مرسل.

الضيافة في الصلح

مر حديث أبي الحويرث المرسل.

مالك، عن نافع، عن أسلم "أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهمًا ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام".

ابن عيينة، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب:"أن عمر فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مطر أو مرض أنفق من ماله" قال الشافعي: حديث أسلم بضيافة ثلاث أشبه لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثًا، وقد يجوز أن يكون جعلها في قوم ثلاثًا، وعلى قوم يومًا وليلة ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضًا.

مسلم بن إبراهيم، نا هشام، ثنا قتادة، عن الحسن، عن الأحنف:"أن عمر كان يشترط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة وأن يصلحوا قناطر، وإن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته" رواه غيره، عن هشام. وفيه:"وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته".

الضيافة ثلاثة أيام

14529 -

الليث (خ م)(3) نا المقبري، عن أبي شريح العدوي سمعت أذناي وأبصرت

(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(2)

ضبب عليها المصنف للخلاف في اسمه وفي "هـ": عبد اللَّه الثقفي.

(3)

البخاري (10/ 460 رقم 6019)، ومسلم (3/ 1352 رقم 48)[14].

وأخرجه الترمذي (4/ 304 رقم 1967) من طريق الليث به، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وأخرجه البخاري (10/ 548 رقم 6135)، وأبو داود (3/ 341 رقم 3748)، والنسائي في الكبرى كما في التحفة (9/ 224 رقم 12056) من طريق مالك. وأخرجه الترمذي (4/ 304 رقم 1968)، وابن ماجه (2/ 1212 رقم 3675) من طريق ابن عجلان، كلاهما -مالك وابن عجلان- عن المقبري له، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ص: 3759

عيناي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته. قيل: يا رسول اللَّه، وما جائزته؟ قال: يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام، فما كان أكثر من ذلك فهو صدقة ولا يثوى عنده حتى يحرجه، ومن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".

قال أشهب (د)(1): "سئل مالك عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: جائزته يوم وليلة. قال: يكرمه ويتحفه ويحفظه يومًا وليلة، وثلاثة أيام ضيافة".

14530 -

الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"حق الضيافة ثلاثة أيام؛ فما زاد على ذلك فهو صدقة".

قلت: سنده حسن، رواه معمر عنه.

14531 -

القطان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا:"الضيافة ثلاثة أيام فما زاد على ذلك فهو صدقة".

ضيافة الوارد

14532 -

الليث (خ)(2) عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة:"قلنا: يا رسول اللَّه، إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا، فما ترى؟ قال: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا؛ فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم".

14533 -

شعبة (د ق)(3) عن منصور، سمعت الشعبي يحدث، عن أبي كريمة سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"ليلة الضيف حق على كل مسلم من أصبح الضيف بفنائه فهو عليه حق - أو قال: دين إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه".

قلت: ورواه سفيان وأبو عوانة، عن منصور، وأبو كريمة هو المقدام بن معدي كرب.

14534 -

شعبة (د)(4) أخبرني أبو الجودي الشامي، سمعت سعيد بن المهاجر يحدث،

(1) أبو داود (3/ 342 رقم 3748).

(2)

البخاري (10/ 548 رقم 6137).

وأخرجه مسلم (3/ 1353 رقم 1727)[17]، وأبو داود (3/ 343 رقم 3752)، والترمذي (4/ 125 رقم 1589)، وابن ماجه (2/ 1212 رقم 3676) من طريق يزيد به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن.

(3)

أبو داود (3/ 342 رقم 3750) من طريق أبي عوانة، وابن ماجه (2/ 1212 رقم 3677) من طريق سفيان. كلاهما عن منصور به.

(4)

أبو داود (3/ 343 رقم 3751).

ص: 3760

عن المقدام ابن معدي كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل ضاف قومًا وأصبح الضيف محرومًا إلا كان على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله".

14535 -

يعلى بن الحارث المحاربي ثنا غيلان بن جامع، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال:"خرج قوم من الأنصار من الكوفة إلى المدينة، فأتوا على حي من بني أسد وقد أرملوا فسألوهم البيع وقد راح عليهم مال لهم حسن، قالوا: ما عندنا بيع فسألوهم القرى، قالوا: ما نطيق قراكم، فلم يزل بينهم وبين الإعراب حتى اقتتلوا، فتركت لهم الإعراب البيوت وما فيها فأخذوا لكل عشرة منهم شاة، قال: فأتوا عمر فذكروا ذلك له، فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه، وقال: لو كنت تقدمت في هذا لفعلت وفعلت كذا وكذا، ثم كتب إلى أهل الأمصار وأهل الذمة بنزل ليلة الضيف".

14536 -

قال قيس: فأخبرني عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ أن أباه أخبره "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قسم غنمًا بين أصحابه، فأعطى كل عشرة شاة، وأنها كانت سنة، قال: وقد أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ بالقدور فأكفئت، وهو يومئذٍ بخيبر". وأخبرني ابن أبي ليلى "أن عمر كتب بنزل ليلة في المسلمين والمعاهدين" قال ابن أبي ليلى: قد أذكر أن أهل الأرض كانوا يستقبلوننا بنزل ليلة نقول بالفارسية: بشام: أي (عشاء)(1).

14537 -

يحيى بن أبي بكر، نا إسماعيل بن عياش، حدثني الأحوص بن حكيم وأبو بكر بن أبي مريم، عن حكيم بن عمير (2) قال:"كتب عمر إلى أمراء الأجناد. . . " فذكره، وفيه:"وأيما رفقة من المهاجرين آواهم الليل إلى قرية من قرى المعاهدين من (مسافريهم) (3) فلم يأتوهم بالقرى؛ فقد برئت منهم الذمة".

14538 -

حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني، عن جندب قال:"كنا نصيب من ثمار أهل الذمة وأعلافهم ولا نشاركهم في نسائهم ولا أموالهم وكنا نسخر العلج (تهدينا الطريق) (4) ".

14539 -

معاذ بن معاذ، نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن زيد بن صعصعة "قلت لابن عباس: إنا نأتي القرية بالسواد فنستفتح الباب؛ فإن لم يفتح لنا كسرنا الباب فأخذنا الشاة فذبحناها، قال: ولم تفعلون ذلك؟ قلت: إنا نراه لنا حلالًا، قال فتلا هذه الآية: {ذَلِكَ

(1) في "هـ": شام.

(2)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(3)

في "هـ": مسافرين.

(4)

في "هـ": تهدينا إلى الطريق.

ص: 3761

بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (1) وهذا وإن كان في المعاهدين فلأنهم لم يصالحوهم على الضيافة فلم يحل لهم تناولها".

من ترفع عنه الجزية

مر خبر معاذ أنه يأخذ من كل حالم دينارًا.

14540 -

الحسن بن الحر، عن نافع، عن أسلم، عن عمر "أنه كتب إلى أمراء أهل الجزية أن لا يضربونها إلا على من جرت عليه الموسى (2) وكان لا يضرب الجزية على النساء والصبيان" قال يحيى بن آدم: هذا المعروف عند أصحابنا وروى عبيد اللَّه عن نافع، عن أسلم نحوه وزاد وكان عمر يختم أهل الجزية في أعناقهم.

الذمي يسلم فترفع عنه الجزية والعشر

14541 -

أبو كدينة، عن قابوس بن أبي ظبيان (د ت)(3) عن أبيه، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس على مؤمن جزية، ولا تجتمع قبلتان في جزيرة العرب". تابعه جرير (د ت) عن قابوس.

14542 -

عطاء بن السائب، عن حرب بن عبيد اللَّه، عن جده أبي أمه، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنما العشور على اليهود والنصارى، وليس على مسلم عشور"(4) ورواه جرير بن عبد الحميد، عن عطاء يقال عن حرب بن هلال، عن أبي أمه -رجل من بني تغلب- أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"ليس. . . ".

ورواه عبد السلام بن حرب (د)(5) عن عطاء فقال: عن حرب بن عبيد اللَّه بن عمر الثقفي، عن جده قال:"أتيت النبي فأسلمت وعلمني الإسلام وكيف آخذ الصدقة من قومي ممن أسلم، ثم رجعت إليه فقلت: يا رسول اللَّه (كل ما) (6) علمتني قد حفظت إلا الصدقة، أفأعشرهم؟ قال: لا إنما العشر على النصارى واليهود" وفي لفظ لأبي داود: "خراج" مكان "العشور".

(1) آل عمران: 75.

(2)

في "هـ": المواس.

(3)

أبو داود (3/ 165 رقم 3032)، والترمذي (3/ 27 رقم 633).

(4)

أخرجه أبو داود (3/ 169 رقم 3046).

(5)

أبو داود (3/ 169 رقم 3049) من طريق عطاء به.

(6)

في "الأصل": كلما.

ص: 3762

ورواه سفيان (د)(1) عن عطاء، عن حرب، عن خال له. ورواه حماد بن سلمة، عن عطاء، عن حرب، عن خاله أحمد بن يونس، نا أبو بكر بن عياش، عن نصير، عن عطاء، عن حرب، عن أبيه، عن أبي جده أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: . . . فذكره. ورواه البخاري في تاريخه عن أحمد فأسقط عن أبيه ثم قال: وقال أبو حمزة، عن عطاء، عن الحارث الثقفي "أن أباه أخبره -وكان له وفادة- فإن صح فمراده تعشير أموالهم إذا تجروا".

14543 -

حماد بن سلمة، عن عبيد اللَّه بن رواحة حدثني مسروق "أن رجلًا من الشعوب (2) أسلم فكانت تؤخذ منه الجزية فأتى عمر فأخبره، فكتب أن لا تؤخذ منه جزية".

الشروط التي يأخذها الإمام على أهل الذمة وما يكون منهم نقضًا للعهد يشترط عليهم أن لا يستنقصوا بالمرسلين بالنبي صلى الله عليه وسلم

14544 -

مغيرة (د)(3) عن الشعبي (4)، عن علي "أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دمها".

14545 -

البخاري في تاريخه (5) قال نعيم بن حماد، نا (ابن المبارك)(6) أنا حرملة بن عمران، حدثني كعب بن علقمة "أن (غرفة) (7) بن الحارث الكندي مر به نصراني فدعاه إلى الإسلام فتناول النبي صلى الله عليه وسلم وذكره فرفع غرفة يده فدق أنفه فدفع إلى عمرو بن العاص. فقال عمرو: أعطيناهم العهد. فقال غرفة: معاذ اللَّه أن نكون أعطيناهم أن يظهروا شتم النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطيناهم على أن نخلي بينهم وبين كنائسهم، يقولون فيها ما بدا لهم وأن لا نحملهم ما لا يطيقون، وإن أرادهم عدو قاتلناهم من ورائهم، ونخلي بينهم وبين أحكامهم إلا أن يأتونا راضين بأحكامنا فنحكم بينهم بحكم اللَّه وحكم رسوله، وإن غيبوا عنا لم نعرض لهم فيها. قال عمرو: صدقت" وكان غرفة له صحبة.

(1) أبو داود (3/ 169 رقم 3047).

(2)

الشعوب: العجم.

(3)

أبو داود (4/ 129 رقم 4362).

(4)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(5)

التاريخ الكبير (7/ 110 رقم 491).

(6)

في "هـ": المبارك.

(7)

في "هـ": عرفة. والصواب بالمعجمة؛ قال الحافظ في التهذيب (4/ 471): ذكره ابن نافع في المهملة، وكذا ذكره ابن حبان ثم أعاده في المعجمة وهو الصواب.

ص: 3763

ويشترط عليهم أن من أصاب مسلمة بزنا أو نكاح أو قطع الطريق على مسلم أو فتن مسلمًا عن دينه أو أعان المحاربين علينا فقد نقض عهده. قال الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه: لم يختلف أهل السير، ابن إسحاق وابن عقبة وجماعة "أن بني قينقاع كان بينهم وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موادعة وعهد فأتت امرأة من الأنصار إلى صائغ منهم ليصوغ لها حليًّا وكانت اليهود معادية للأنصار، فلما جلست عند الصائغ عهد إلى بعض حدائده فشد به أسفل ذيلها (وجنبها) (1) وهي لا تشعر، فلما قامت المرأة وهي في سوقهم نظروا إليها متكشفة، فجعلوا يضحكون منها ويسخرون، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنابذهم وجعل ذلك منهم نقضًا للعهد. . . " وذكر حديث بني النضير وما صنع عمر في اليهودي الذي استكره المرأة فوطئها.

موسى بن عقبة، قال ابن شهاب حديث رسول اللَّه "حين خرج إلى بني النضير يستعينهم في عقل [الكلابيين](2) وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في رجال من أصحابه إلى بني النضير يستعينهم في عقل الكلابيين وكانوا زعموا قد دسوا إلى قريش حين نزلوا بأحد في قتال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة، فلما كلمهم رسول اللَّه في عقل الكلابيين قالوا: اجلس أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا له. فجلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه في ظل جدار ينتظر أن يصلحوا أمرهم، فلما خلوا والشيطان معهم لا يفارقهم ائتمروا بقتل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن تجدوه أقرب منه الآن فاستريحوا منه (فأمنوا)(3) في دياركم ويرفع عنكم البلاء. فقال رجل: إن شئتم ظهرت فوق البيت ودليت عليه حجرًا فقتلته. فأوحى اللَّه إليه فأخبره بما ائتمروا به من شأنه فعصمه اللَّه فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كأنه يريد يقضي حاجة وترك أصحابه في مجلسهم وانتظره أعداء اللَّه فراث عليهم وأقبل رجل من أهل المدينة فسألوه عنه، فقال: لقيته قد دخل أزقة المدينة. فقالوا لأصحابه: عجل أبو القاسم أن (نقيم)(4) أمرنا في حاجته التي جاء بها، ثم قام أصحاب رسول اللَّه فرجعوا ونزل القرآن، واللَّه أعلم بالذي جاء أعداء اللَّه، فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

(1) في "هـ": وجيبها.

(2)

في "الأصل": الكلابين. والمثبت من "هـ".

(3)

في "هـ": تأمنوا.

(4)

في "هـ": يقيم.

ص: 3764

اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (1) فلما أظهر اللَّه رسوله على ما أرادوا به وعلى خيانتهم للَّه ورسوله أكثر بإجلائهم وإخراجهم من ديارهم، وأمرهم أن يسيروا حيث شاءوا. . . " الحديث.

14546 -

جرير بن حازم، عن مجالد، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة قال:"كنا مع عمر بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدى عليه، فغضب غضبًا شديدًا، فقال [لصهيب] (2): انظر من صاحب هذا. فانطلق صهيب فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي، فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضبًا شديدًا، فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين فإني أخاف عليك بادرته، فجاء معه معاذ فلما انصرف عمر من الصلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا يا أمير المؤمنين، قال: أجئت بالرجل الذي ضرب؟ قال: نعم. فقام إليه معاذ بن جبل فقال له: يا أمير المؤمنين، إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه، فقال له عمر: ما لك ولهذا؟ ! قال: يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق بامرأة مسلمة (فنخس) (3) الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار فغشيها، ففعلت ما ترى. قال: ائتني بالمرأة لتصدقك. فأتى عوف المرأة، فذكر الذي قال له عمر، قال أبوها وزوجها: ما أردت فضحتها؟ ! فقالت المرأة واللَّه لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين. فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلغ عنك، فأتيا فصدقا عوفًا، فقال عمر لليهودي: ما على هذا عاهدناكم. فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيها الناس، فوا بذمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم فمن فعل هذا فلا ذمة له، قال سويد: فإنه لأول مصلوب رأيته" تابعه ابن أشوع، عن الشعبي، عن عوف بن مالك.

(1) المائدة: 11.

(2)

في "الأصل": لصاحب. والمثبت من "هـ".

(3)

في "الأصل": فنحس.

ص: 3765

ويشترط عليهم أن لا يحدثوا في بلد لنا كنيسة ولا ناقوسًا ولا حمل خمر ولا إدخال خنزير ولا تهدم كنائسهم

14547 -

معمر، عن زيد بن رفيع، عن حرام بن معاوية قال:"كتب إلينا عمر بن الخطاب أن أدبوا الخيل، ولا يرفعن بين ظهرانيكم الصليب، ولا تجاورنكم الخنازير".

14548 -

سليمان التيمي، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"كل مصر مصره المسلمون لا يبنى فيه بيعة ولا كنيسة، ولا يضرب فيه بناقوس، ولا يباع فيه لحم خنزير".

أسباط (د)(1) عن السدي، عن ابن عباس قال:"صالح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة. . . " الحديث وفيه: "ولا تهدم لهم بيعة، ولا يخرج لهم قس، ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا حدثًا أو يأكلوا الربا".

معتمر، سمعت أبي يحدث، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"أيما مصر اتخذه العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة -أو قال: كنيسة- ولا يضربوا فيه بناقوس، ولا يدخلوا فيه خمرًا ولا خنزيرًا، وأيما مصرٍ اتخذه العجم فعلى العرب أن يفوا لهم بعهدهم فيه، ولا يكلفوهم ما لا طاقة لهم به".

الإمام يكتب كتاب الصلح على الجزية

14549 -

أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا علي بن محمد بن سختويه، نا يعقوب بن يوسف المطوعي، نا الربيع بن ثعلب، نا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار، عن سفيان والوليد بن روح (2) والسري بن مصرف، عن طلحة بن مصرف، عن مسروق، عن عبد الرحمن بن غنم قال: "كتبت لعمر حين صالح أهل الشام: بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد اللَّه عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا: إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرًا

(1) أبو داود (3/ 167 رقم 3041).

(2)

في "هـ": نوح.

ص: 3766

ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب، ولا نجدد ما خرب منها، ولا نحيي من كان منها في خطط المسلمين، وأن لا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار، ونوسع أبوابها للمارة وابن السبيل، وأن ننزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم، وأن لا نؤمن (1) في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسًا ولا نكتم غشًّا للمسلمين، ولا نعلم أولادنا القرآن، ولا نظهر شركًا، ولا ندعو إليه أحدًا، ولا نمنع أحدًا من قرابتنا الدخول في الإسلام إن أراده، وأن نوقر المسلمين، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا جلوسًا، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب السروج، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئًا من السلاح ولا نحمله معنا، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية، ولا [نبيع](2) الخمور، وأن نجز مقاديم رءوسنا، وأن نلزم زيّنا حيثما كنا، وأن نشد الزنانير على أوساطنا، وأن لا نظهر صليبنا وكتبنا في شيء من طريق المسلمين ولا أسواقهم، وأن لا نظهر الصليب على كنائسنا، وأن لا نضرب بناقوس في كنائسنا بين حضرة المسلمين، وأن لا نخرج سعانينًا ولا (باعوثًا)(3)، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طريق المسلمين، ولا تجاورهم موتانا، ولا نتخذ من الرفيق ما جرى عليه سهام المسلمين، وأن نرشد المسلمين ولا نطلع عليهم في منازلهم، فلما أتيت عمر بالكتاب زاد فيه: وأن لا نضرب أحدًا من المسلمين - شرطنا لهم ذلك على أنفسنا وأهل ملتنا وقبلنا عنهم الأمان فإن نحن خالفنا شيئًا مما شرطناه لكم فضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما يحل لكم من أهل المعاندة والشقاق".

قلت: يحيى بن عقبة، قال أبو حاتم: يفتعل الحديث. وقال النسائي وغيره: ليس بثقة.

ويشترط عليهم أن يفرقوا بين هيئتهم وهيئتنا

14550 -

الثوري، عن عبيد اللَّه، عن نافع، عن أسلم قال:"كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن اختموا رقاب أهل الجزية في أعناقهم".

(1) كتب في الحاشية: نئوي.

(2)

في "الأصل": نبع. والمثبت من "هـ".

(3)

في "هـ": باعونا.

ص: 3767

14551 -

إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير" علقه البخاري (1) عنه وقد رواه حفص بن عبد اللَّه عنه.

ابن جريج (خ)(2) أخبرني زياد أن ثابتًا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره، عن أبي هريرة، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير".

14552 -

روح (م)(3) نا ابن جريج فأخبرني أبو الزبير سمع جابرًا يقول: "الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل".

14553 -

سفيان (خ م)(4) عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا:"إنكم (لاقو) (5) العدو غدًا فلا تبدءوهم بالسلام؛ فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم".

14554 -

مالك (خ)(6) عن ابن دينار، عن ابن عمر أن رسول اللَّه قال:"إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم إنما يقول: السام عليك، فقل: عليك".

14555 -

معمر (خ م)(7) عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت:"دخل رهط من اليهود على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: ففهمتها، فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال: مهلًا يا عائشة، إن اللَّه يحبُّ الرفق في الأمر كله. فقلت: ألم تسمع ما قالوا؟ ! قال: فقد قلت: عليكم" قال أصحابنا: "هذه السنن لا يمكن استعمالها إلا بعد

(1) البخاري (11/ 18 رقم 6234).

(2)

البخاري (11/ 18 رقم 6234).

وأخرجه مسلم (4/ 1703 رقم 2160)[1]، وأبو داود (4/ 351 رقم 5199) كلاهما من فريق ابن جريج به.

(3)

أخرجه مسلم كما تقدم تخريجه في الحديث السابق من طريق روح عن ابن جريج بالإسناد السابق ولم يذكر فيه قول جابر: "الماشيان. . . " وراجع "هـ"(9/ 203).

(4)

البخاري (12/ 293 رقم 6928)، ومسلم (4/ 1706 رقم 2164) [9]. قلت:

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 102 رقم 10211، 10212) من طريق سفيان به.

(5)

كذا في "الأصل"، وفي "هـ": لاقون.

(6)

البخاري (12/ 293 رقم 6928).

(7)

البخاري (11/ 197 رقم 6395)، ومسلم (4/ 176 رقم 2195)[3].

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 103 رقم 10215) من طريق معمر به.

ص: 3768

المعرفة، وليس كل أحد يعرفهم فلابد من غيار يتميزون به عن المسلمين".

14556 -

ابن وهب، حدثني عاصم بن حكيم، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبيه، عن عقبة بن عامر:"أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم، فسلم فرد عليه عقبة وعليك ورحمة اللَّه وبركاته، فقال له الغلام: أتدري على من رددت؟ فقال: أليس برجلٍ مسلم؟ فقالوا: لا، ولكنه نصراني، فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: إن رحمة اللَّه وبركاته على المؤمنين؛ لكن أطال اللَّه حياتك وأكثر مالك" وروينا عن ابن عمر معناه في الابتداء بالسلام.

قلت: عاصم ثقة.

باب

14557 -

سهيل (م)(1) عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدءوهم بالسلام، واضطروهم إلى أضيقه". وفي لفظ (م)(1): "إذا لقيتموهم فلا تبدءوهم بالسلام، واضطروهم إلى أضيق الطرق" قال: هذا للنصارى في النعت، ونحن نراه للمشركين".

ولا يدخلوا مساجدنا بلا إذن

14558 -

أسباط بن نصر، عن سماك، عن عياض الأشعري، عن أبي موسى:"أن عمر أمره أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد، وكان لأبي موسى كاتب نصراني يرفع إليه ذلك، فعجب عمر وقال: إن هذا لحافظ. وقال: إن لنا كتابًا في المسجد وكان جاء من الشام فادعه فليقرأ. قال أبو موسى: إنه لا يستطيع أن يدخل المسجد، قال عمر: أجنب هو؟ قال: لا؛ بل نصراني. قال: فانتهرني وضرب فخذي وقال: أخرجه. وقرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2). . . " وذكر الحديث.

(1) مسلم (4/ 1707 رقم 2167)[13].

(2)

المائدة: 51.

ص: 3769

وينصفون

14559 -

أشعث بن شعبة (د)(1) ثنا أرطاة بن المنذر، سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص يحدث، عن العرباض بن سارية قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلًا ماردًا منكرًا فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمارنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن عوف، اركب فرسك ثم ناد: إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن، وأن اجتمعوا للصلاة. فاجتمعوا ثم صلى بهم، ثم قام فقال: أيحسب أحدكم متكئًا على أريكته قد يظن أن اللَّه لم يحرم شيئًا إلا ما في القرآن، ألا وإني واللَّه قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء وإنها لمثل القرآن وأكثر، وإن اللَّه لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم إذا [أعطوكم] (2) الذي عليهم".

قلت: أشعث فيه ضعف.

14560 -

زائدة نا منصور (د)(3) عن هلال بن يساف، عن رجل من ثقيف، عن رجل من جهينة، قال رسول اللَّه:"إنكم لعلكم تقاتلون قومًا وتظهرون عليهم فيعادونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم وتصالحونهم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك؛ فإنه لا يحل لكم" قال الثقفي: صحبت الجهني في سفر مكان من أعف الناس عن الأعداء". خرجه (د) من حديث أبي عوانة عن منصور.

14561 -

ابن وهب، أخبرني أبو صخر المدني أن صفوان بن سليم أخبره، عن ثلاثين من أبناء الصحابة، عن آبائهم دنية، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من ظلم معاهدًا وانتقصه وكلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة -وأشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم

(1) أبو داود (3/ 170 رقم 3050).

(2)

في "الأصل": أعطوهم. والمثبت من "هـ".

(3)

أبو داود (3/ 170 رقم 3051).

ص: 3770

بأصبعه إلى صدره- ألا ومن قتل معاهدًا له ذمة اللَّه وذمة رسوله حرم اللَّه [عليه](1) ريح الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفًا" (2).

14562 -

أبو معاوية، وعبد الواحد بن زياد (خ)(3) عن الحسن بن عمرو، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"من قتل معاهدًا بغير حق لم يرح رائحة الجنة وإنه لتوجد ريحها من مسيرة أربعين عامًا" وكذلك رواه عمرو بن عبد الغفار، عن حسن. ورواه مروان بن معاوية عنه فقال: عن مجاهد، عن جنادة بن أبي أمية، عن عبد اللَّه بن عمرو وقال:"وإن ريحها لتوجد من كذا وكذا".

14563 -

الثوري، عن يونس، حدثني الحكم بن الأعرج، عن الأشعث بن ثرملة العجلي، عن أبي بكرة قال رسول اللَّه:"من قتل نفسًا معاهدة بغير حلها فقد حرم اللَّه عليه الجنة أن يشم ريحها"(4).

قلت: أشعث وثقه ابن معين، وهذا إِسناد صالح.

ويرفق بهم في أخذ الجزية

14564 -

يونس (م)(5) عن ابن شهاب، عن عروة:"أن هشام بن حكيم وجد رجلًا وهو على حمص يشمس ناسًا من النبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟ ! إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: إن اللَّه يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا".

14565 -

جعفر الأحمر، نا عبد المك بن عمير، أخبرني رجل من ثقيف قال:"استعملني علي على بُزرج سابور فقال: لا تضربن رجلًا سوطًا في جباية درهم ولا تبيعن لهم رزقًا ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعتملون عليها ولا تقم رجلًا قائمًا في طلب درهم. قلت: يا أمير المؤمنين إذا أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: وإن رجعت كما ذهبت ويحك إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو -يعني: الفضل". رواه يحيى بن آدم في الخراج عنه ثم قال:

(1) من "هـ".

(2)

أخرجه أبو داود (3/ 170 رقم 3052) من طريق ابن وهب به.

(3)

البخاري (6/ 311 رقم 3166).

وأخرجه ابن ماجه (2/ 896 رقم 2686) من طريق أبي معاوية به.

(4)

أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 226 رقم 8743) من طريق يونس به.

(5)

مسلم (4/ 2018 رقم 2613)[119].

وأخرجه أبو داود (3/ 169 رقم 3045)، والنسائي في الكبرى (5/ 236 رقم 8771) من طريق يونس به.

ص: 3771

14566 -

ونا ابن عيينة، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس:"أن إبراهيم سأله: ما في أموال أهل الذمة؟ قال: العفو -يعني: الفضل".

ولا يؤخذ في الجزية خمر ولا خنزير

14567 -

إبراهيم بن بشار، نا سفيان، عن عبد المك بن عمير، عمن سمع ابن عباس يقول:"دخلت على عمر وهو يقلب يده هكذا فقلت له: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: عويمل لنا بالعراق خلط في فيء المسلمين أثمان الخمر وأثمان الخنازير، ألم يعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لعن اللَّه اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم أن يأكلوها فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها؟ قال سفيان: يقول: لا تأخذوا في جزيتهم الخمر والخنازير، ولكن خلوا بينهم وبين بيعها؛ فإذا باعوها فخذوا أثمانها في جزيتهم".

الوصاة بأهل الذمة

14568 -

حرملة بن عمران (م)(1) عن عبد الرحمن بن شماسة، سمعت أبا ذر يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا، فإذا رأيتم رجلين يقتتلان على موضع لبنة فأخرج منها. قال: فمر بربيعة وعبد الرحمن ابن شرحبيل بن حسنة يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها".

14569 -

شعبة (خ)(2) نا أبو جمرة، سمعت جويرية بن قدامة التميمي يقول: "حججت فأتيت المدينة فسمعت عمر يخطب فقال: إني رأيت ديكًا نقرني نقرة أو نقرتين، قال: فما كانت إلا جمعة أو نحو ذلك حتى أصيب، ثم أذن لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأهل المدينة ثم أذن لأهل الشام ثم أذن لأهل العراق فكنا في آخر من دخل فإذا عمامة سوداء -أو برد أسود- قد عصب على طعنته وإذا الدم يسيل، فقلنا: أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: أوصيكم بكتاب اللَّه فإنكم لن تضلوا ما اتبعتموه، وأوصيكم بالمهاجرين فإن الناس يكثرون ويقلون، وأوصيكم بالأنصار فإنهم شعب الإسلام الذي نجا إليه، وأوصيكم بالأعراب فإنهم أصلكم

(1) مسلم (4/ 1970 رقم 2543)[226].

(2)

البخاري (6/ 308 رقم 3162) مختصرًا.

ص: 3772

ومادتكم -وقال مرة أخرى: فإنهم إخوانكم وعدو عدوكم- وأوصيكم بذمة اللَّه فإنهم ذمة نبيكم صلى الله عليه وسلم ورزق عيالكم، ثم قال: قوموا عني".

أبو بكر بن عياش (خ)(1) عن حصين، عن عمرو بن ميمون، عن عمر أنه قال:"أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم".

ولا يقرب المسجد الحرام مشرك للآية

14570 -

الزهري (خ)(2) عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: "بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك وأن لا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر وإنما قيل: الحج الأكبر من أجل قول الناس. الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج في العام القابل الذي حج فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع مشرك، وأنزل اللَّه في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (3). . . " الحديث.

14571 -

زهير، ثنا أبو إسحاق، عن [زيد](4) بن يثيع، عن علي قال:"أرسلت إلى أهل مكة بأربع: لا يطوفن بالكعبة عريان، ولا يقربن المسجد الحرام مشرك بعد عامه، ولا يدخل الجنه إلا نفس مؤمنة، ومن كان له عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته" رواه ابن عيينة، عن أبي إسحاق لكن قال:"ولا يجتمع مسلم ومشرك بعد عامهم هذا في الحج، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر".

(1) البخاري (8/ 499 رقم 4888).

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 485 رقم 11581) من طريق حصين به.

(2)

البخاري (6/ 322 رقم 3177).

وأخرجه مسلم (2/ 982 رقم 1347)[435]، وأبو داود (2/ 195 رقم 1946)، والنسائي (5/ 234 رقم 2957) من طريق الزهري به.

(3)

التوبة: 28.

(4)

في "الأصل": يزيد. وضبب عليها. والمثبت من "هـ". ويزيد بن يثيع من رجال التهذيب.

ص: 3773

ويطرد المشرك من الحجاز

14572 -

نا أبو أحمد -هو مرار الهمذاني- (خ)(1) ثنا محمد بن يحيى الكناني أبو غسان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال:"لما فدعت بخيبر قام عمر خطيبًا فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالها وقال: نقركم ما أقركم اللَّه وإن عبد اللَّه خرج إلى ماله هناك فعدي عليه من الليل ففدعت يداه وليس لنا هناك عدو غيرهم وهم تهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع على ذلك أتاه أحد بني أبي الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين، تخرجنا وقد أقرنا محمد وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟ فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فأجلاهم وأعطاهم قيمة مالهم من الثمر مالًا وإبلًا وعروضًا من أقتاب وحبال وغير ذلك".

فضيل بن سليمان (خ)(2) نا موسى بن عقبة، أخبرني نافع، عن ابن عمر "أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول اللَّه لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض إذا ظهر عليها للَّه ولرسوله وللمسلمين، فسأل اليهود رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا العمل لهم نصف الثمر فقال: أقركم على ذلك ما شئنا فأقروا بها. وأجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء وأريحا".

14573 -

ابن عيينة (خ م)(3) عن سليمان بن أبي مسلم، سمعت سعيد بن جبير، سمعت ابن عباس يقول:"يوم الخميس وما يوم الخميس. ثم بكى ثم قال: اشتد وجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده أبدًا فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقال: ذروني؛ فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحوٍ مما كنت أجيزهم. والثالثة نسيتها".

(1) البخاري (5/ 385 رقم 2730).

وأخرجه أبو داود (3/ 157 رقم 3007) مختصرًا من طريق ابن إسحاق عن نافع به.

(2)

البخاري (6/ 290 رقم 3152).

وأخرجه مسلم (3/ 1187 رقم 1551)[6] من طريق موسى بن عقبة به.

(3)

البخاري (6/ 196 رقم 3053)، ومسلم (3/ 1257 رقم 1637)[20].

وأخرجه أبو داود (3/ 165 رقم 3029) ببعضه، والنسائي في الكبرى (3/ 434 رقم 5854) كلاهما من طريق سفيان به.

ص: 3774

14574 -

الثوري (م)(1) عن أبي الزبير، عن جابر أن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلمًا".

14575 -

يحيى القطان، عن إبراهيم بن ميمون، نا (سعيد)(2) بن سمرة بن جندب، عن أبيه، عن أبي عبيدة بن الجراح قال:"آخر ما تكلم به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شر الناس الذين اتخذوا قبورهم مساجد".

قلت: إسناده صالح.

14576 -

مالك، عن إسماعيل بن أبي حكيم سمع عمر بن عبد العزيز يقول:"بلغني أنه كان من أخرى ما تكلم به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: قاتل اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب".

14577 -

مالك، عن ابن شهاب (3) أن رسول اللَّه قال:"لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، قال مالك: قال ابن شهاب: ففحص عن ذلك عمر بن الخطاب حتى أتاه الثلج واليقين عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب. فأجلى يهود خيبر، قال مالك: وأجلي يهود (4) نجران وفدك".

14578 -

قابوس بن أبي ظبيان (د)(5) عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعًا:"لا يكون قبلتان في بلد واحد" ورويناه عن أبي كدينة، عن قابوس ولفظه:"لا يجتمع قبلتان في جزيرة العرب".

قلت: قابوس لين.

قال المؤلف: وأجلى رسول اللَّه يهود بني النضير ثم يهود المدينة. أخبرني الحاكم أخبرني أبو السري محمد بن أحمد بن حامد بالطابران، ثنا أحمد بن داود الحنظلي، ثنا سويد بن سعيد، نا حفص بن ميسرة.

14579 -

عن موسى بن عقبة (خ م)(6) عن نافع عن ابن عمر "أن يهود بني النضير

(1) مسلم (3/ 1388 رقم 1767)[63].

وأخرجه أبو داود (3/ 165 رقم 3031)، والترمذي (4/ 133 - 134 رقم 1606)، والنسائي في الكبرى (5/ 210 رقم 8686) كلهم من طريق الثوري به.

(2)

في "هـ": سعد. انظر تعجيل المنفعة.

(3)

ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(4)

كتب في الحاشية: نصارى.

(5)

أبو داود (3/ 165 رقم 3032).

وأخرجه الترمذي (3/ 27 رقم 633) من طريق قابوس به، وتقدم.

(6)

تقدم قريبًا في أول الباب.

ص: 3775

وقريظة حاربوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأجلى بني النضير وأقر قريظة. . . " الحديث، وفيه: "وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم قوم عبد اللَّه بن سلام وبني حارثة وكل يهودي كان بالمدينة، وكان اليهود والنصارى ومن سواهم من الكفار لا يقرون فيها فوق ثلاثة أيام على عهد عمر، ولا أدري أكان عمر يفعل ذلك بهم أم لا".

قلت: صدر الحديث في الصحيحين.

14580 -

الليث (خ م)(1) حدثني المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة:"بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج إلينا رسول اللَّه فقال: انطلقوا إلى يهود. فخرجنا معه حتى جئنا إلى بيت المدارس، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال: يا معشر يهود، أسلموا تسلموا. قالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم: ذلك أريد، أسلموا تسلموا. قالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال لهم: ذلك أريد. ثم قالها الثالثة وقال: اعلموا أن الأرض للَّه ولرسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم شيئًا من ماله فليبعه وإلا فاعلموا أنما الأرض للَّه ولرسوله".

حد الحجاز وهو جزيرة العرب

قال سعيد بن عبد العزيز (د)(2): جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصي اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر. وقال أبو عبيدٍ: هي ما بين حفر أبي موسى إلى أقصى اليمن، وأما العرض فما بين رمل يَبْرين إلى منقطع السماوة. ثم قال: وقال الأصمعي: جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطرار الشام. وقال أبو عبد الرحمن المقرئ: هي من لدن القادسية إلى قعر عدن إلى البحرين.

14581 -

أشهب (د)(3) قال مالك: "أجلى عمر أهل نجران ولم يجلوا من تيماء؛ لأنها ليست من بلاد العرب فأما الوادي فإني أرى أنما لا يجلى من فيها من اليهود أنهم لم يروها من أرض العرب". قال الشافعي: وإن سأل من يؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها ولم أعلم أحدًا أجلى ذميا من اليمن وليست اليمن بحجاز فلا يجليهم أحد من اليمن ولا بأس

(1) البخاري (6/ 312 رقم 3167)، ومسلم (3/ 1387 رقم 1765)[61].

وأخرجه أبو داود (3/ 154 رقم 3003)، والنسائي في الكبرى (5/ 210 رقم 8687) كلاهما من طريق الليث به.

(2)

أبو داود (3/ 166 رقم 3033).

(3)

أبو داود (3/ 163 رقم 3033).

ص: 3776

بمصالحتهم على إقامتهم بها. قال المؤلف: قد جعلوا اليمن من أرض العرب والجلاء وقع على أهل نجران وذمة أهل الحجاز دون أهل ذمة اليمن؛ لأنها ليست بحجاز لا لأنهم لم يروها في أرض العرب، وفي الحديث تخصيص وفي خبر أبي عبيدة كالدليل على موضع الخصوص.

14582 -

الواقدي، حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:"خرجنا مع رسول اللَّه من خيبر إلى وادي القري. . . " الحديث، وفيه:"فأقام رسول اللَّه بوادي القرى أربعة أيام وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القري وترك الأرض والنخل بأيدي يهود وعاملهم عليها، فلما كان عمر أخرج يهود خيبر وفدك و [لم] (1) يخرج أهل تيماء ووادي القرى؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام، ونرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز وأن ما وراء ذلك من الشام". قال المؤلف: هذا أظنه من كلام الواقدي.

عبد العزيز بن يحيى، سمعت مالكًا يقول:"جزيرة العرب المدينه ومكه واليمن، فأما مصر فمن المغرب، والشام فمن الروم، والعراق من بلاد فارس".

الرخصة في إقامة الذمي بالحجاز إذا مر ثلاث ليال

14583 -

مالك، عن نافع، عن أسلم "أن عمر ضرب اليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوقون بها ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث".

أخذ العشور من جلابة الذمة في العام

14584 -

ابن عيينة، عن هشام، عن أنس بن سيرين قال:"بعثني أنس بن مالك على العشور فقلت: تبعثني على العشور من بين عملك (2) فقال: ألا ترضى أن أؤهلك على ما جعلني عليه عمر أمرني أن أجد من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر وممن لا ذمه له العشر. ابن عون، عن أنس بن سيرين قال: أرسل إلى أنس فأبطأت عليه ثم أرسل إلى فأتيته فقال: إن كنت لأرى أني لو أمرتك أن تعض على حجر كذا وكذا ابتغاء مرضاتي لفعلت، اخترت لك خير عمل فكرهته إني أكتب لك سنة عمر، قلت: فاكتب لي سنة عمر. قال: فكتب: من المسلمين من كل أربعين درهمًا درهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهمًا درهم، وممن لا ذمه له من كل عشرة دراهم درهم. قلت: من لا ذمة له؟ قال: الروم كانوا يقدمون الشام".

(1) في "الأصل": من. والمثبت من "هـ".

(2)

في "هـ": غلمك. وقال معلقه: كذا ولعله: غلمتك.

ص: 3777

المقرئ، نا أبو حنيفة، عن الهيثم الصيرفي، عن أنس بن سيرين قال:"جعل عمر أنس بن مالك على صدقة البصرة، فقال لي أنس بن مالك: أبعثك على ما بعثني عليه عمر، فقلت: لا أعمك لك حتى تكتب لي عهد عمر الذي عهد إليك. فكتب لي أن خذ من أموال المسلمين ربع العشر ومن أموال أهل الذمة إذا اختلفوا بها للتجارة نصف العشر ومن أموال أهل الحرب العشر".

14585 -

مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه "أن عمر كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر".

14586 -

مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، قال:"كنت عاملًا مع عبد اللَّه ابن عتبة على سوق المدينة زمن عمر وكان يأخذ من النبط العشر".

14587 -

مالك "أنه سأل ابن شهاب: على أي وجه أخذ عمر من النبط العشر؟ فقال: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر".

14588 -

معمر، عن الزهري، عن السائب قال:"كنت أعاشر مع ابن عتبة زمان عمر فكان يأخذ من أهل الذمة أنصاف عشور أموالهم فيما تجروا فيه".

14589 -

يحيى بن آدم، نا قيس، عن عاصم الأحول، عن الحسن قال:"كتب أبو موسى إلى عمر: أن تجار المسلمين إذا دخلوا دار الحرب أخذوا منهم العشر. فكتب إليه عمر: خذ منهم إذا دخلوا إلينا مثل ذلك العشر، وخذ من تجار أهل الذمة نصف العشر، ومن المسلمين من مائتين خمسة وما زاد فمن كل أربعين درهمًا درهمًا".

14590 -

يحيى، ونا قيس، عن مغلس، عن مقاتل بن حيان، عن أبي مجلز، عن زياد ابن حدير قال:"كتبت إلى عمر في أناس من أهل الحرب يدخلون أرضنا أرض أهل الإسلام فيقيمون فكتب إليَّ: إن أقاموا سنة أشهر فخذ منهم العشر وإن أقاموا سنة فخذ منهم نصف العشر".

الثوري، عن خالد بن عبد اللَّه بن العبسي، عن عبد اللَّه بن معقل، عن زياد بن حدير قال:"ما كنا نعشر مسلمًا ولا معاهدًا، قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار أهل الحرب كما يعشرونا إذا أتيناهم".

14591 -

أبو بكر بن عياش، عن نصير، عن عطاء بن السائب، عن حرب ابن عبيد اللَّه، عن أبيه، عن أبي (جده) (1) قال رسول اللَّه:"ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى" ورواه البخاري في تاريخه دون ذكر أبيه.

(1) في "هـ": حمدة.

ص: 3778

14592 -

أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن زياد بن حدير قال:"كنت أعشر بني تغلب كلما أقبلوا وأدبروا، فانطلق شيخ منهم إلى عمر فقال: إن زيادًا يعشرنا كلما أقبلنا وأدبرنا! فقال: تكفى ذلك. ثم أتاه الشيخ بعد ذلك وعمر في جماعة فقال: يا أمير المؤمنين، أنا الشيخ النصراني. فقال: عمر وأنا الشيخ الحنيف، قد كفيت. قال وكتب إليَّ أن لا يعشرهم في السنة إلا مرة".

14593 -

مالك، عن يحيى بن سعيد، عن رزيق بن حيان "أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه ومن مر بك من أهل الذمة فخذ مما يديرون من التجارات من أموالهم من كل عشرين دينارًا دينارًا؛ فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئًا واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابًا إلى مثله من الحول".

السنة أن لا تقتل الرسل

14594 -

ابن إسحاق (د)(1) حدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن نعيم بن مسعود، عن أبيه "سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه ورسول اللَّه يقول لهما: وأنتما تقولان مثل ما يقول، فقالا: نعم، فقال: أما واللَّه لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما".

14595 -

الثوري (د)(2) عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب "أنه أتى ابن مسعود فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حنة وإني مررت بمسجد بني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة، فأرسل إليهم عبد اللَّه فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة، قال له: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلًا بالسوق".

الثوري، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أنه قال لابن النواحة: لولا أنك رسول لقتلتك".

المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه قال:"مضت السنة أن لا تقتل الرسل".

الحربي ومن عليه حد يأوي إلى الحرم

14596 -

مالك (خ م)(3) عن ابن شهاب، عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح

(1) أبو داود (3/ 83 رقم 2761).

(2)

أبو داود (3/ 84 رقم 2762).

وأخرجه النسائي في الكبرى (5/ 205 رقم 8675) من طريق الأعمش، عن أبي إسحاق بنحوه.

(3)

البخاري (6/ 191 رقم 3044)، ومسلم (2/ 989 رقم 1357)[450].

وأخرجه أبو داود (3/ 60 رقم 2683)، والترمذي (4/ 174 رقم 1693)، والنسائي (5/ 200 رقم 2867)، وابن ماجه (2/ 938 رقم 2805) كلهم من طريق مالك به، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

ص: 3779

وعلى رأسه مغفر، فلما نزعه جاءه رجل فقال: ابن خطل معلق بأستار الكعبة. فقال: اقتلوه".

14597 -

أسباط (د س)(1) عن السدي، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال:"لما كان يوم الفتح آمن رسول اللَّه الناس إلا أربعة نفرٍ وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبدَ اللَّه بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح".

14598 -

زيد بن الحباب (د)(2) ثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن المخزومي، حدثني أبي، عن جده سعيد بن يربوع "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم الحويرث بن نقيد ومقيس وهلال بن خطل وعبد اللَّه بن أبي سرح. فأما الحويرث فقتله علي، وأما قيس فقتله ابن عم له لحًا، وأما هلال بن خطل فقتله الزبير، وأما عبد اللَّه بن سعد فاستأمن له عثمان وكان أخاه من الرضاعة وقينتين كانت لمقيس تغنيان بهجاء رسول اللَّه قتلت إحداهما وأفلتت الأخرى فأسلمت".

قلت: عند أبي داود: نا عمر، حدثني جدي، عن أبيه.

14599 -

الليث (خ م)(3) عن المقبري، عن أبي شريح "أنه قال لعمرو بن سعيد -وهو يبعث البعوث إلى مكة-: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولًا قام به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به حمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن مكة حرمها اللَّه ولم يحرمها الناس؛ فلا يحل لامرئ يؤمن باللَّه واليوم [الآخر](4) أن يسفك بها دمًا ولا يعضد بها شجرة؛ فإن أحد ترخص لقتال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن اللَّه قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًا بدم ولا فارًا بخربة". قال الشافعي: معناه أنها لم

(1) أبو داود (3/ 59 رقم 2683)، والنسائي (7/ 105 رقم 4067).

(2)

أبو داود (3/ 59 رقم 2684).

(3)

تقدم.

(4)

من "هـ".

ص: 3780

تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب بقتل أبي سفيان في دار بمكة غيلة إن قدر عليه، وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة فدل على أنها لا تمنع أحدًا من شيء وجب عليه وأنها إنما تمنع من أن ينصب عليها الحراب كما ينصب على غيرها.

14600 -

الواقدي، حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، والواقدي، ثنا عبد اللَّه بن أبي عبيدة، عن جعفر بن عمرو بن أمية. ونا عبد اللَّه بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون وزاد بعضهم على بعض فذكر قصة في بعث أبي سفيان:"من يقتل محمدًا صلى الله عليه وسلم غيلة وأن اللَّه أطلع عليه نبيه وأسلم الرجل، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم ابن حريش: أخرجا حتى تأتيا أبا سفيان؛ فإن أصبتماه غرة فاقتلاه. . ." ثم ذكر قصة في رؤية معاوية عمرًا وإخباره إياه بذلك وأن عمرًا وسلمة أسندا في الجبل وتغيبا في غار ثم خرج عمرو فقتل عبد اللَّه بن مالك ابن أخي طلحة بن عبيد اللَّه وجاء إلى خبيب وهو مصلوب فأنزله وأهال عليه التراب.

قلت: إسناده منقطع والواقدي هالك.

14601 -

زكريا (ت)(1) عن الشعبي، عن الحارث بن مالك بن برصاء قال:"قال رسول اللَّه عليه السلام يوم فتح مكة: لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة".

قلت: صححاه (ت)(2).

14602 -

معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال:"من قتل أو سرق في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجاس ولا يكلم ولا يؤذي ويناشد حتى يخرج؛ فإذا خرج أقيم عليه ما أصاب فإن قتل أو سرق في الحل ثم أدخل الحرم فأرادوا أن يقيموا عليه الحد أخرجوه من الحرم إلى الحل، وإن قتل أو سرق في الحرم أقيم عليه في الحرم". قال المؤلف: تركنا رأي ابن عباس بالظواهر التي وردت في إقامة الحدود دون تخصيص الحرم بتركها فيه من صاحب الشريعة.

(1) الترمذي (4/ 136 رقم 1611).

(2)

وفي النسخة المطبوعة: هذا حديث حسن صحيح. . إلخ

ص: 3781

هدية المشرك للإمام

14603 -

عبد الوهاب الخفاف، ثنا سعيد (خـ)(1) عن قتادة، عن أنس "أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة فلبسها". علقه (خ).

14604 -

معتمر (خ م)(2) نا أبي، عن أبي عثمان أنه حدث، عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها فقال: أبيع أم عطية -أو قال: أم هبة-؟ فقال: بل بيع. قال: فاشترى منها شاة فصنعت فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى، وايم اللَّه ما من الثلاثين ومائة إلا قد حز له رسول اللَّه حزّة من سواد بطنها إن كان شاهدًا أعطاه، وإن كان غائبًا خبأ له. قال: وجعل منها قصعتين فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فحملناه على البعير - أو كما قال".

14605 -

وهيب (خ م)(3) عن عمرو بن يحيى، عن العباس الساعدي، عن أبي حميد الساعدي قال:"سافرت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك. . ." فذكر الحديث، وفيه:"وأهدى ملك أيلة إلى رسول اللَّه بغلة بيضاء فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بردة وكتب له ببحرهم".

14606 -

معاوية بن سلام (د)(4) عن زيد أنه سمع أبا سلام قال: حدثني عبد اللَّه الهوزني قال: "لقيت بلال مؤذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: يا بلال. حدثني حصيف كانت نفقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . " فذكر الحديث وفيه: "فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت، فقال لي

(1) البخاري (5/ 272 رقم 2616).

(2)

البخاري (5/ 272 رقم 2618)، ومسلم (3/ 1626 رقم 2056)[175].

(3)

البخاري (6/ 308 رقم 3161)، ومسلم (4/ 1786 رقم 1392)[12].

وأخرج أبو داود (3/ 179 رقم 3079) من طريق وهيب به.

(4)

أبو داود (3/ 171 رقم 3055).

ص: 3782

رسول اللَّه: أبشر، فقد جاءك اللَّه بقضائك". ثم قال: ألم تر إلى الركائب المناخات الأربع؟ فقلت: بلى، فقال: إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعامًا أهداهن إليّ عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك. ففعلت.

14607 -

إسرائيل، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن علي قال:"أهدى كسرى إلى رسول اللَّه فقبل منه، وأهدى قيصر إليه فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منهم".

قلت: ثوير واه.

وقال الشافعي في القديم: "أهدى أبو سفيان إلى رسول اللَّه أدمًا فقبل منه، وأهدى إليه صاحب الإسكندرية مارية أم إبراهيم فقبلها، وغيرهما قد أهدى إليه ولم يجعل ذلك بين المسلمين".

14608 -

عمران القطان، عن قتادة، عن يزيد بن عبد اللَّه، عن عياض بن حمار قال:"أهديت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ناقة أو هدية، فقال: أسلمت؟ قلت: لا. فقال: "إني نهيت عن زبْدِ المشركين" (1).

حماد بن زيد، نا أبو التياح، نا الحسن، عن عياض:"أهديت إلى رسول اللَّه فقال لي: أسلمت؟ فقلت: لا. فأبى أن يقبلها وقال: إنا لا نقبل زبْد المشركين. قلت للحسن: ما زبْد المشركين؟ قال: رِفدهم".

قال المؤلف: يحتمل رده هديته التنزيه، وقد يَغيظه برد هديته فيحمله ذلك على الإسلام، وأحاديث القبول أثبت.

نصاري العرب تضعّف عليهم الصدقة

14609 -

أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق الشيباني، عن السفاح، عن داود بن كردوس، قال:"صالح عمر بني تغلب على أن يضاعف عليهم الصدقة ولا يمنعوا أحدًا منهم أن يسلم وأن لا يغمسوا أولادهم" ورواه أبو معاوية، عن الشيباني ولفظه:"صالح بني تغلب على أن لا يَصْبَغوا في دينهم شيئًا، وعلى أن عليهم الصدقة مضاعفة، وعلى أن لا يُكرَهوا على دين غير دينهم فكان داود يقول: ما لبني تغلب ذمّة قد صبغوا".

(1) أخرجه أبو داود (3/ 173 رقم 3057)، والترمذي (4/ 119 رقم 1577) من طريق عمران القطان به. وقال الترمذي: حسن صحيح.

ص: 3783

عبد السلام بن حرب، عن الشيباني، عن السفاح، عن داود بن كردوس، عن عبادة بن النعمان التغلبي "أنه قال لعمر: إن بني تغلب من قد علمتَ شوكتهم وإنهم بإزاء العدو فإن ظاهروا عليك العدو اشتدت مؤنتهم، فإن رأيت أن تعطيهم شيئًا فافعل. قال: فصالحهم على أن لا يغمسوا أحدًا من أولادهم في النصرانية وتضاعف عليهم الصدقة. فكان عبادة يقول: قد فعلوا فلا عهد لهم".

قال الشافعي عقيبه: هكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق "فقالوا: رامهم على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما تؤدي العجم، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض. يعنون: الصدقة - فقال عمر: لا، هذا فرض على المسلمين فقالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية. ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعّف عليهم الصدقة".

ذبيحة نصارى تغلِبَ

14610 -

الشافعي، أنا إبراهيم (1) بن محمد، عن عبد اللَّه بن دينار، عن سعد الجاري أو عبد اللَّه بن سعد مولى عمر أن عمر قال:"ما نصارى العرب بأهل كتاب، وما يحل لنا ذبائحهم، وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو نضرب أعناقهم".

قال الشافعي: إنما تركنا أن نجبرهم على الإسلام أو نضرب أعناقهم؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من نصارى العرب وأن عمر وعثمان وعليًّا أقروهم. وإن كان عمر قال هذا، وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم؛ لأن اللَّه إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نُزِّل.

14611 -

أيوب، عن محمد، عن عَبيدة قال علي:"لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب؛ فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم -أو من دينهم- إلا بشرب الخمر".

عثمان بن عمر، أنا هشام، عن محمد، عن عَبيدة:"سألت عليًّا عن ذبائح نصارى بني تغلب، قال: لا تأكلوه "فإنهم لم يتعلقوا عن دينهم بشيء إلا بشرب الخمر".

14612 -

شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن زياد بن حُدير قال: قال علي: "لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتلنّ المقاتلة ولأسبين الذرية؛ فإني كتبت الكتاب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم على أن لا ينصِّروا أبناءهم".

قلت: إبراهيم صدوق حديثه حسن.

(1) كتب بالحاشية: إبراهيم ضعيف.

ص: 3784

14613 -

جبارة بن المغلس، حدثني عبد الحميد بن بهرام، حدثني شهر، حدثني ابن عباس قال:"نهى رسول اللَّه عن ذبيحة نصارى العرب" سنده ضعيف.

مالك، عن ثور الديلي (1)، عن ابن عباس "أنه سُئل عن ذبائح نصارى العرب فقال: لا بأس بها. وتلا: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (2) ". رواه ابن وهب، عن مالك، فقال: عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال الشافعي: والذي يروى من حديث ابن عباس في إحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة أخبرنيه الدراوردي وابن أبي يحيى، عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس "أنه سئل عن ذبائحهم، فقال قولًا حَكَياه هو إحلالها، وتلا: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (2) " ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة، وثور لم يلق ابن عباس. قوله:"صاحبنا" يريد مالكًا. ونحن نرغب عنه؛ لقول عمر وعلي.

تعشير أموال بني تغلب إذا تجروا

14614 -

شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن زياد بن حدير، قال:"بعثني عمر إلى نصارى بني تغلب وأسرني أن آخذ منهم، أَمَرَ في نصف عشر أموالهم، ونهاني أن أعشر مسلمًا أو ذا ذمة يؤدي الخراج. قال: يعني فيما أظن بقوله مسلمًا يقول: من أسلم منهم؛ لأنه إنما أرسل إلى نصارى بني تغلب" وقوله: أو ذا ذمة يؤدي الخراج يقول: إن أهل الذمة لا يعرض لهم في مواشيهم ولا في عشر زروعهم وثمارهم إلا بني تغلب؛ لأنهم صولحوا على ذلك.

قال المؤلف: ويحتمل أنه لم يكن في صلح أولئك الذين كانوا في ولايته من أهل الذمة تعشير أموالهم التي يتجرون بها".

أبو إسحاق الشيباني، عن جامع بن شداد، عن زياد بن حدير قال:"كتب إليَّ عمر أن لا تعشّر بني تغلب في السنة إلا مرة".

(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(2)

المائدة: 51.

ص: 3785

الهدنة لمصلحة

14615 -

معمر (خ)(1) قال: قال: الزهري، أخبرني عروة، عن المسور ومروان يصدق حديث كل واحد منهما صاحبَه قالا: "خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلّد رسول اللَّه الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة، وبعث بين يديه عينًا له من خزاعة يخبره عن قريش، وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بوادي الأشظاظ قريب من عسفان أتاه عينُه الخزاعي فقال: إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا لك جموعًا، وإنهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت فقال: أشيروا عليّ أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم قال: فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين وإن نجوا تكن عنقًا قطعها اللَّه أو ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلاناه، فقال أبو بكر: اللَّه ورسوله أعلم يا نبي اللَّه، إنما جئنا معتمرين ولم نجىء نقاتل أحدًا ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فروحوا إذًا. قال الزهري: وكان أبو هريرة يقول: ما رأيت أحدًا قط كان أحسن مشورة لأصحابه من رسول اللَّه. قال الزهري في حديث المسور ومروان: فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالد بن الوليد بالغَمِيم في خيلٍ لقريش طليعة، فخذوا ذات اليمين. فواللَّه ما شعر بهما خالد حتى إذا هو بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرًا لقريش وسار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ حَلْ فألحّت، فقال الناس: خلأت القصواء، خلأت القصواء! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل. ثم قال: والذي نفسي بيده لا يسألوني خُطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها. ثم زجرها فوثبت به قال: فعدل عنها حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرّضه الناس تبرّضًا فلم يُلْبثه الناس أن نزحوه فشُكي إلى رسول اللَّه العطش،

(1) البخاري (5/ 388 رقم 2731، 2732).

وأخرجه النسائي في الكبرى (5/ 263 رقم 8840) من طريق معمر به، وأبو داود (2/ 146 رقم 1754) من طريق سفيان عن الزهري به.

ص: 3786

فانتزع سهمًا من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه. قال: فواللَّه ما زال يجيش لهم بالريّ حتى صدروا عنه، فبينا هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه وكانوا عيبة نصح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال: تركت كعب بن لؤي نزلوا أعداد مياة الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال: إنّا لم نجىء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب، وأضرت بهم فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن اللَّه أمره. فقال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم نعرضه عليكم فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا في أن يحدثنا عنه بشيء، وقال ذوو الرأي منهم هات ما سمعته يقول: فحدثهم فقال: عروة بن مسعود الثقفي: أي قوم ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أو لست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا لا. قال: ألستم تعلمون أني أستنفرت أهل عكاظ. فلما جمحوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته، فقالوا: ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له نحوًا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذاك: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك، وإن تكن الأخرى فواللَّه أني لأرى وجوهًا وأري أوشابًا من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه. فقال: من ذا؟ فقال: أبو بكر. فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندى لم أجزك بها بها لأجبتك. وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: آخر يدك عن لحية رسول اللَّه. فرفع عروة يده فقال: من هذا؟ قالوا: المغيرة. فقال: أي غدر أو لست أسعى في غدرتك؟ وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء وأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء. ثم إن عروة جعل يرمق النبي صلى الله عليه وسلم بعينه قال: فواللَّه ما تنخم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في

ص: 3787

كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون النظر إليه تعظميًا له. فرجع إلى أصحابه فقال: أي قوم واللَّه لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، واللَّه إن رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا، واللَّه إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها جلده ووجهه، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا [تكلموا](1) خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدّون إليه النظر تعظميًا له، واللَّه لقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آته. قالوا: ائته. فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: النبي: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له. فبعثت له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان اللَّه، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت. فلما رجع إلى أصحابه قال: رأبت البدن قد قلدت، وأشعرت فلم أر أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص. فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا مكرز، وهو رجل فاجر. فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال معمر: فأخبرني أيوب، عن عكرمة، أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سهل لكم من أمركم. قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل. فقال: هات أكتب بيننا وبينكم كتابًا فدعا الكاتب. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال سهيل: أما الرحمن فواللَّه ما أدري ما هو. ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: لا نكتبها إلا بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم. ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه. فقال سهيل: واللَّه لو كنا نعلم أنك رسول اللَّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك. ولكن اكتب: محمد بن عبد اللَّه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: واللَّه إني لرسول اللَّه وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد اللَّه، قال الزهري: وذلك لقوله: لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلا أعطيتهم إياها - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: واللَّه

(1) من "هـ"، وفي "الأصل": تكلم.

ص: 3788

لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن لك من العام المقبل. فكتب فقال سهيل: على أن لا يأتينك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. فقال المسلمون: سبحان اللَّه كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ ! فبينا هم كذلك إذا جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف -وعند ابن المبارك: - عن معمر يرصف- في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمي بنفسه بين المسلمين. فقال أبوه: هذا يا محمد أول ما ما أقاضيك عليه أن ترده إليّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا لم نقض الكتاب بعد. قال: فواللَّه لا نصالحك على شيء أبدًا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فأجزه لي. قال: ما أنا بمجيزه. قال: بلى فافعل. قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى، قد أجزناه لك. فقال أبو جندل: أي: معاشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلمًا، ألا ترون ما قد أتيت وكان قد عذب عذابًا شديدًا في اللَّه عز وجل فقال عمر: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: "ألست نبي اللَّه؟ ". قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: إني رسول اللَّه ولست أعصيه وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطّوّف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي اللَّه حقًّا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل، إنه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه حتى تموت، فواللَّه إنه لعلى الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنه سيأتي البيت ويطوف به؟ قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه فتطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا، فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فانحروا ثم احلقوا. قال: فواللَّه ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا رسول اللَّه، أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فقام فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك ونحر هديه ودعا حالقه يعني -فحلقه- فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا ثم جاء نسوة

ص: 3789

مؤمنات، فأنزلت:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ. . .} حتى بلغ: {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (1) فطلق عمر يومئذٍ امرأتين كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع عليه السلام إلى المدينة، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم".

"وفي رواية ابن المبارك، عن معمر: "فقدم عليه أبو بصير بن أسيد الثقفي مسلمًا مهاجرًا فاستأجر الأخنس بن شريق رجلا كافرًا من بني عامر بن لؤي ومولى معه وكتب معهما إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسأله الوفاء، فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فيه. فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحدهما: واللَّه إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيدًا. فاستله الآخر. فقال: أجل واللَّه إنه لجيد، لقد جربت فيه ثم جربت. قال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد، وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال النبي: لقد رأى هذا ذعرًا. فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قُتل واللَّه صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي اللَّه، قد واللَّه وفى اللَّه ذمتك: قد رددتني إليهم ثم أنجاني اللَّه منهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويلُ امِّه مِسْعَرَ حرب لو كان له أحد. فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت أبو جندل فلحق به، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فواللَّه ما يسمعون بعيرٍ خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده اللَّه والرحم لمّا أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن، فأرسل إليهم وأنزل اللَّه:{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ. . .} حتى بلغ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} (1) وكانت حميتهم أكرهم لم يقروا أنه نبي اللَّه ولم يقروا ببسم اللَّه الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت".

وفي مغازي موسى بن عقبة معنى هذه القصة، وزاد: "ثم إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دعا عمر

(1) الممتحنة: 10.

ص: 3790

ليرسله إلى قريش وهو ببلدح فقال له عمر: يا رسول اللَّه، لا ترسلني إليهم؛ فإني أتخوفهم على نفسي ولكن أرسل عثمان. فأرسله إليهم فلقي أبان بن سعيد بن العاص فأجاره وحمله بين يديه على الفرس حتى جاء قريشًا فكلمهم بالذي أمره به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأرسلوا معه سهيل ابن عمرو ليصالحه عليهم وبمكة يومئذ من المسلين ناس كثير من أهلها فدعوا عثمان ليطوف بالبيت فأبى أن يطوف وقال: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول اللَّه فرجع إلى رسول اللَّه ومعه سهيل. . .". وذكر الحديث وفيه: "فبعث رسول اللَّه بالكتاب إلى قريش مع عثمان. . ." ثم ذكر قصة فيما كان بين الفريقين من الترامي بالحجارة والنبل وارتهان المشركين عثمان وارتهان المسلمين سهيل بن عمرو ودعا رسول اللَّه المسلمين إلى البيعة "فلما رأت قريش ذلك رعبهم اللَّه فأرسلوا من كانوا ارتهنوه ودعوا إلى الموادعة والصلح، فصالحهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكاتبهم".

مدة الهدنة

قال الشافعي: كانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين.

ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة، عن مروان والمسور بن مخرمة "في قصة الحديبية: فدعت قريش سهيلا فقالوا: اذهب إلى هذا فصالحه، ولا يكونن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة. فخرج من عندهم فلما رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقبلا قال: قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى إلى رسول اللَّه جرى بينهما القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم من بعض، وأن يرجع عنهم عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلوا بينه وبين مكة، فأقام بها ثلاثًا وأن لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك، وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال".

14616 -

وروى عاصم بن عمر بن حفص العمري -وهو واه- عن عبد اللَّه بن دينار، عن ابن عمر قال:"كانت الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة عام الحديبية أربع سنين".

(1) الفتح: 24 - 26.

ص: 3791

نزول الفتح

14617 -

ابن أبي عروبة (م)(1) عن قتادة أن أنسًا حدثهم قال: "لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (2) مرجعهم من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحروا الهدي، فقال: لقد أنزلت عليّ آيات هي أحب إليّ من الدنيا. قالوا: يا رسول اللَّه، قد علمنا ما يفعل اللَّه بك، فما يفعل اللَّه بنا؟ قال: فنزلت: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ. . .} (3) الآية".

عثمان بن عمر (خ)(4) نا شعبة، عن قتادة، عن أنس:" {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (5) قال: فتح الحديبية. فقال رجل: يا رسول اللَّه، هنيئًا مريئًا، هذا لك فما لنا؟ فأنزل اللَّه: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (3). قال شعبة: فقدمت الكوفة فحدثتهم ثم قدمت البصرة فذكرت ذلك لقتادة، فقال: أما الأول فعن أنس، وأما {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ} فعن عكرمة".

14618 -

عبد العزيز بن سياه (خ م)(6) نا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل قال: "قدم سهل بن حنيف يوم صفين فقال: أيها الناس، اتهموا أنفسكم لقد كنا مع رسول اللَّه يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي كان بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين المشركين

(1) مسلم (3/ 1413 رقم 1786)[97].

(2)

الفتح: 1، 2.

(3)

الفتح: 5.

(4)

البخاري (7/ 516 رقم 4172).

(5)

الفتح: 1.

(6)

البخاري (6/ 324 رقم 3182)، ومسلم (3/ 1411 - 1412 رقم 1785)[94].

وأخرجه النسائي في الكبرى (6/ 463 رقم 11504) من طريق عبد العزيز بن سياه به.

ص: 3792

قال: فأتى عمر. فقال: يا رسول اللَّه، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: ففيم نعطي الدنية في أنفسنا ونرجع ولما يحكم اللَّه بيننا وبينهم؟ قال: يا ابن الخطاب، إني رسول اللَّه ولن يضيعني اللَّه. فانطلق ولم يصبر متغيظًا فأتى أبو بكر فقال: يا أبا بكر، ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم اللَّه بيننا وبينهم؟ قال: يا ابن الخطاب إنه رسول اللَّه ولن يضيعه اللَّه أبدًا. فنزل القرآن فأرسل إليه فأقرأه إياه. فقال: يا رسول اللَّه، أوفتح هو؟ قال: نعم. فطابت نفسه ورجع".

قال الشافعي: قال ابن شهاب: فما كان في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد (أحجزت)(1) الناس فلما أمنوا لم يكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله فلقد أسلم في سنتين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.

14619 -

ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة، عن مروان والمسور "وانصرف رسول اللَّه راجعًا، فلما كان بين مكة والمدينة نزلت عليه سورة الفتح كلها، وكانت القضية في سورة الفتح وما ذكر اللَّه من بيعة رسوله تحت الشجرة، فلما أمن الناس وتفاوضوا لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه فقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان فيه قبل ذلك وكان صاح الحديبية فتحًا عظيمًا".

14620 -

إسرائيل (خ)(3) عن أبي إسحاق، عن البراء قال: "تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فينًا فتحًا، ونعد نحن الفتح بيعة الرضوان، نزلنا في يوم الحديبية وهي بئر فوجدنا الناس قد نزحوها فلم يدعوا فيها قطرة، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجلس فدعا بدلو فنزع منها ثم أخذ منه بفيه فمجه فيها ودعا اللَّه، فكثر ماؤها حتى صدرنا وروينا ونحن أربع عشرة مائة.

(1) في "هـ": أحجرت.

(2)

كتب في الحاشية صدق، ألا ترى عسكر النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم الحديبية ألف وأربعمائة، وبعد ذلك بعامين يوم الفتح كانوا عشرة آلاف.

(3)

البخاري (7/ 505 رقم 4150).

ص: 3793

مهادنة الأئمة عند النوازل

14621 -

عبد الرحمن بن أبي الزناد (د)(1) عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنما الإمام جنة يقاتل به".

14622 -

الوليد بن مسلم (خ د)(2) عن عبد اللَّه بن العلاء، سمعت بسر بن عبيد اللَّه سمع أبا إدريس يقول: سمعت عوف بن مالك يقول: "أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم فقال لي: يا عوف، اعدد ستًّا بين يدي الساعة: موتي ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم ثم استفاضة المال فيكم حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية كل غاية اثنا عشر ألفًا". قال الوليد: فذكرنا هذا فقال لنا شيخ مدني: أخبرني سعيد، عن أبي هريرة أنه كان يحدث بهذا الحديث عن رسول اللَّه ويقول: مكان "فتح بيت المقدس": "عمران بيت المقدس".

14623 -

الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية قال: مال مكحول وابن أبي زكريا إلى خالد ابن معدان فملت معهم، فحدثنا خالد، عن جبير بن نفير أنه قال: "انطلق بنا إلى ذي مخبر -رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيناه فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ستصالحكم الروم صلحًا آمنًا، ثم تغزون أنتم وهم عدوًّا فتنصرون وتسلمون وتغنمون ثم تنصرفون فتنزلون بمرخ ذي تلول، فيرفع رجل من النصرانية الصليب فيقول: غلب الصليب، فيغضب

(1) أبو داود (3/ 82 رقم 2757).

(2)

البخاري (6/ 320 رقم 3176)، وأبو داود (4/ 300 رقم 5000).

وأخرجه ابن ماجه (2/ 1341 رقم 4042) من طريق الوليد بن مسلم به.

ص: 3794

رجل من المسلمين، فيقوم إليه فيدقه، فعند ذلك تغضب الروم ويجمعون الملحمة" (1).

المهادنة إلى غير مدة

14624 -

موسى بن عتبة (خ م)(2) عن نافع، عن ابن عمر "أن عمر أجلى اليهود والنصارى من الحجاز، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها فكانت الأرض حين ظهر عليها للَّه ولرسوله وللمسلمين فأراد إخراج اليهود منها، فسألوه ليقرهم على أن يكفوه عملها ولهم نصف التمر، فقال لهم: نتركم لها على ذلك ما شئنا. فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا" لفظ ابن جريج عن موسى، وكذا رواه الفضيل بن سليمان عن موسى "نقركم على ذلك ما شئنا" وكذا رواه أسامة بن زيد عن نافع، ولفظ عبيد اللَّه عن نافع "ما بدا لرسول اللَّه" ولفظ مالك عن نافع:"نقركم ما أقركم اللَّه" وكذا في رواية ابن شهاب عن ابن المسيب مرسلًا، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة موصولًا كما مر.

قال الشافعي: فإن قيل: فلم لا تقول: "أقركم ما أقركم اللَّه" يعني: كل إمام بعد رسول اللَّه، قيل: الفرق بينه وبين رسول اللَّه في أن أمر اللَّه كان يأتي رسوله بالوحي ولا يأتي أحدًا غيره وحي.

مهادنة من نقوى على قتاله

14625 -

سفيان بن حسين، عن الحكم، عن القاسم، عن ابن عباس "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الموسم فأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، قال: فبينا أبو بكر نازل في بعض الطريق إذا سمع رغاء ناقة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم القصواء، فخرج فزعًا وظن أنه رسول اللَّه فإذا علي، فدفع إليه كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتى على الموسم وأمر عليًا أن ينادي بهؤلاء الكلمات، فانطلقنا فحجَّا فقام علي فنادى في وسط أيام التشريق: إن اللَّه ورسوله بريء من كل مشرك، فسيحوا

(1) أخرجه أبو داود (3/ 86 - 87 رقم 2767)، وابن ماجه (2/ 1369 رقم 4089) كلاهما من طريق الأوزاعي به.

(2)

البخاري (7/ 383 رقم 4028)، ومسلم (3/ 1387 - 1388 رقم 1766)[62].

ص: 3795

في الأرض أربعة أشهر، واعلموا أنكم غير معجزي اللَّه، لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. كان ينادي بهذا فإذا بحّ قام أبو هريرة فنادى بها".

14626 -

شعبة، عن مغيرة، عن الشعبي، عن المحرر بن أبي هريرة، عن أبيه أنه قال:"كنت مع على حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي حتى صَحِلَ صوتي، فقيل له: بأي شيء كنت تنادي؟ فقال: أمرنا أن ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأشهر فإن اللَّه بريء من المشركين ورسوله، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك"(1) مر في حديث زيد بن يثيع عن علي" ومن كان له عهد (فعهدته) (2) إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر".

قال الشافعي: وجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية بعد فتح مكة تسيير أربعة أشهر، وقد مر هذا في حديث الزهري في النكاح.

ولا خير في بذل ما لهم ليكفوا عنا

قال الشافعي: لأن القتل للمسلم شهادة، وأن الإسلام أعز من ذلك وأهله ظاهرون على الحق قاتلين ومقتولين. ومر في حديث المغيرة "في قصة الأهواز: أخبرنا نبينا عن ربنا أن من قتل منا صار إلى الجنة ومن بقي منا ملك رقابكم".

14627 -

همام (خ)(3) عن إسحاق بن عبد اللَّه، حدثني أنس "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعث خاله -وكان اسمه: حرام- أخا أم سليم في سبعين رجلًا فقتلوا يوم بئر معونة وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل وكان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: أن يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء. قال: فطعن في بيت امرأة من بني فلان فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان، ائتوني بفرسي. فركبه، فمات على ظهر فرسه، فانطلق حرام أخو أم سليم ورجلان معه رجل أعرج، ورجل من بني فلان فقال: كونا -يعني: قريبًا مني- حتى آتيهم، فإن أمنوني

(1) أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 407 رقم 3949) من طريق شعبة به.

(2)

في "هـ": فعهده.

(3)

البخاري (6/ 23 رقم 2801).

ص: 3796

كنتم كذا، وإن قتلوني أتيتم أصحابكم. فأتاهم حرام. فقال: أتؤمنوني أبلغكم رسالة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: نعم. فجعل يحدثهم وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه -قال همام أحسبه قال: فأنفذه بالرمح- فقال: اللَّه أكبر، فزت ورب الكعبة، فلحق الرجل فقتل كلهم إلا الأعرج كان في رأس الجبل، فحدثني أنس قال: أنزل علينا ثم كان من المنسوخ: "إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبعين صباحًا على رعل وذكوان وبني لحيان، وعصية عصت اللَّه ورسوله".

معمر (خ) حدثني ثمامة بن عبد اللَّه سمع أنسًا يقول: "لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله يوم بئر معونة فقال: بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم قال: فزت ورب الكعبة".

14628 -

هشام (خ)(2) عن أبيه، عن عائشة قالت:"استأذن أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من مكة -الحديث في الهجرة- ومعهما عامر بن فهيرة، فقتل عامر يوم بئر أمية، فقال له بن الطفيل: من هذا -وأشار إلى قتيل؟ قال: هذا عامر بن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض! قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم، فنعاهم وقال: إن أصحابكم أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا، فأخبرهم عنهم. قال: وأصيب منهم يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت سمي به عروة، ومنذر بن عمرو سمي به منذر".

14629 -

أيوب (م)(3) عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال رسول اللَّه:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم كذلك".

(1) البخاري (7/ 446 رقم 4092).

وأخرجه النسائي في الكبرى (5/ 80 رقم 8297) من طريق معمر به.

(2)

البخاري (7/ 449 - 450 رقم 4093).

(3)

مسلم (3/ 1523 رقم 1920)[170].

وأخرجه الترمذي (4/ 437 رقم 2229)، وابن ماجه (1/ 5 رقم 10) كلاهما عن أبي قلابة به، وقال الترمذي حسن صحيح.

ص: 3797

الرخصة في الإعطاء في الفداء ونحوه

14630 -

أيوب (م)(1) عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم فدا رجلا برجلين" ومر حديث سلمة بن الأكوع "في التي استوهبها رسول اللَّه منه وبعث بها إلى مكة ففدى بها أسرى بها".

14631 -

منصور (خ)(2) عن أبي وائل، عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أطعموا الجائع وفكوا العاني وعودوا المريض".

14632 -

زهير (خ)(3) عن مطرف، عن الشعبي، عن أبي جحيفة "قلت لعلي: هل عندكم من الوحي شيء؟ قال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه اللَّه رجلا، وما في الصحيفة. قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مؤمن بقتل مشرك. قلت لمطرف: ما فكاك الأسير؟ قال: أن يفك من العدو جرت بذلك السنة، والعقل المعقلة".

(1) مسلم (3/ 1262 - 1263 رقم 1641)[8].

وأخرجه الترمذي (4/ 115 رقم 1568)، والنسائي في الكبرى (5/ 201 رقم 8664) من طريق أيوب به.

وأخرجه أبو داود (3/ 239 رقم 3316)، والنسائي في الكبرى (5/ 175 رقم 8592) من طريق أيوب به مطولًا.

(2)

البخاري (6/ 193 رقم 3046).

وأخرجه أبو داود (3/ 187 رقم 3105)، والنسائي في الكبرى (5/ 202 رقم 8666) من طريق منصور به.

(3)

البخاري (12/ 272 رقم 6915).

وأخرجه الترمذي (4/ 17 رقم 1412)، والنسائي (8/ 23 رقم 4744)، وابن ماجه (2/ 887 رقم 2658) كلهم من طريق مطرف به.

ص: 3798

الهدنة على رد من جاء مسلمًا

14633 -

الثوري (خ)(1) عن أبي إسحاق، عن البراء، قال:"صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء على أن من أتاه من المشركين رده إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه وعلى أن يدخلها من قابل فيقيم بها ثلاثة أيام، ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح: السيف والقوس، ونحوه، فجاء أبو جندل يحجل في قيوده فرده إليهم".

14634 -

حماد بن سلمة (م)(2) عن ثابت عن أنس: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشًا يوم الحديبية قال لعلي: اكتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو: لا نعرف الرحمن الرحيم، أكتب: باسمك اللهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللَّه. فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول اللَّه لصدقناك ولم نكذبك، اكتب اسمك واسم أبيك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب: محمد بن عبد اللَّه. وكتب: من أتانا منكم رددناه عليكم، ولمن أتاكم منا تركناه عليكم. فقالوا: يا رسول اللَّه، نعطيهم هذا؟ قال: من أتاكم منا فأبعده اللَّه، ومن أتانا منهم فرددناه جعل اللَّه له فرجًا ومخرجًا".

14635 -

ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة، عن مروان والمسور "في قصة الحديبية قال: حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم من بعض وأن يرجع عنهم عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلوا بينه وبين مكة، فأقام بها ثلاثًا وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب، وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك، وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا. . . إلى أن قال: فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو جندل يرسف في الحديد وقد كان أبوه حبسه فأفلت،

(1) البخاري (5/ 358 - 359 رقم 2700) معلقًا.

(2)

مسلم (3/ 1411 رقم 1784)[93].

ص: 3799

فلما رآه سهيل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بلبته فتله، وقال: يا محمد، قد ولجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت. وصاح أبو جندل بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له: أبا جندل، اصبر واحتسب؛ فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد صالحنا هؤلاء القوم وجرى بيننا وبينهم العهد وإنا لا نغدر. فقام عمر يمشي إلى جنب أبي جندل وأبوه مثله وهو يقول: أبا جندل، اصبر واحتسب؛ فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب. وجعل عمر يدني منه قائم السيف، فقال عمر: رجوت أن يأخذه فيضرب به أباه فضن بأبيه. . ." وذكر الحديث، فلما قدم رسول اللَّه المدينة واطمأن بها أفلت إليه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة، فكتب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيه الأخنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف وبعثا بكتابهما مع مولى لهما ورجل من بني عامر بن لؤي استأجره ليرد عليهما أبا بصير فقدما على رسول اللَّه فدفعا إليه كتابهما فدعا رسول اللَّه أبا بصير فقال له: يا أبا بصير، إن هؤلاء القوم قد صالحونا على ما قد علمت وإنا لا نغدر؛ فالحق بقومك. فقال: يا رسول اللَّه، تردني إلى المشركين يفتنوني في ديني ويعبثون بي! قال: اصبر أبا بصير واحتسب؛ فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين من المؤمنين فرجًا ومخرجًا. فخرج أبو بصير وخرجا حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلسوا إلى سور جدار، فقال أبو بصير للعامري: أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ قال: نعم. قال: انظر إليه. قال: إن شئت فاستله فضرب به عنقه، وخرج المولى يشتد فطلع على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول اللَّه قال: هذا رجل قد رأى فزعًا! فلما انتهى إليه قال: ويحك، ما لك؟ قال: قتل صاحبكم صاحبي. فما برح حتى طلع أبو بصير متوشحًا السيف، فوقف فقال: يا رسول اللَّه، وفت ذمتك وأدى اللَّه عنك وقد امتنعت بنفسي من المشركين أن يفتنوني في ديني أو أن يعبثوا بي. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ويلُ أمِّه مِحَشُّ (1) حرب لو كان معه رجال. فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص -وكان طريق أهل مكة إلى الشام- فسمع به من كان بمكة من المسلمين قريب من

(1) قال الحافظ في الفتح (5/ 413): وقع في رواية ابن إسحاق: محش - بحاء مهملة وشين معجمة وهو بمعنى مسعر، وهو العود الذي يحرك به النار.

ص: 3800

الستين -أو السبعين- فكانوا لا يظفرون برجل من قريش إلا قتلوه، ولا تمر عليهم عير إلا اقتطعوها حتى كتبت فيهم قريش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقدموا عليه المدينة".

موسى بن عقبة في هذه القصة: "فقال رسول اللَّه: ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد. وجاء أبو بصير بسلبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خمس يا رسول اللَّه. فقال: إني إذا خمسته لم أوف بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك واذهب حيث شئت. فخرج أبو بصير معه خمسة نفر كانوا قدموا معه من المسلمين من مكة حتى كانوا بين العيص وذى المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر لا تمر بهم عير لقريش إلا أخذوها وقتلوا أصحابها، وانفلت أبو جندل بن سهيل في سبعين راكبًا أسلموا وهاجروا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هدنة المشركين".

نقض الصلح فيما لا يجوز كرد النساء

14636 -

الليث (خ)(1) عن عقيل، عن ابن شهاب أنه قال: "بلغنا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قاضي مشركي قريش على المدة التي جعل بينه وبينهم يوم الحديبية أنزل اللَّه فيما قضى به بينهم فأخبرني عروة أنه سمع مروان والمسور يخبران عن أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترطه سهيل أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فخليت بيننا وبينه، فكره المؤمنون ذلك وألغطوا به، أو قال كلمة أخرى -قال البيهقي: ورأيته في نسخة. وامتعظوا- وأبى سهيل إلا ذلك فكاتب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلمًا وجاء المؤمنات مهاجرات، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول اللَّه يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم، فلما أنزل اللَّه فيهن: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ

(1) البخاري (5/ 368 رقم 2711، 2712، 2713).

ص: 3801

مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (1) قال عروة: فأخبرتني عائشة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يمتحنهن بهذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ. . .} (1) الآية قالت: فمن أقر بهذا الشرط منهن قال لها: قد بايعتك. كلامًا يكلمها به واللَّه ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله".

محمد بن ثور (د)(2) عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة قال:"خرج رسول اللَّه زمن الحديبية. . ." الحديث وزاد: "ثم جاء نسوة مؤمنات مهاجرات فنهاهم اللَّه أن يردوهن، وأمرهم أن يردوا الصداق".

ابن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني الزهري قال:"دخلت على عروة وقد كتب إليه ابن أبي هنيدة يسأله عن قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} (1) فكتب إليه عروة (3): إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان صالح أهل الحديبية وشرط لهم أن من أتاه بغير إذن وليه رده عليهم، فلما هاجر المسلمات إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمره اللَّه بامتحانهن؛ فإن كن جئن رغبة في الإسلام لم يردهن عليهم. قال اللَّه: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (1) فحبس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال".

14637 -

وحدثني الزهري وعبد اللَّه بن أبي بكر قالا: "هاجرت أم كلثوم بنت عقبة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فجاء أخواها الوليد وفلان ابنا عقبة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يطلبانها فأبى أن يردها عليها" وقد مر في رواية معتمر "فقال سهيل: على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته" ففيه دلالة على أن النساء لم يدخلن.

(1) الممتحنة: 10.

(2)

أبو داود (2/ 146 رقم 1754) وقد تقدم.

(3)

ضبب فوقها المصنف للانقطاع.

ص: 3802

من جاء من العبيد مسلمًا

14638 -

عطاء (خ)(1) عن ابن عباس قال: "وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم".

14639 -

عبد العزيز بن يحيى الحراني، نا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق (د ت)(2) عن أبان بن صالح، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن علي قال:"خرج عبدان إلى رسول اللَّه يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم فقالوا: واللَّه يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك، وإنما خرجوا هربًا من الرق، فقال ناس: صدقوا يا رسول اللَّه ردهم إليهم فغضب. وقال: ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث اللَّه عليكم من يضرب رقابكم على هذا. وأبى أن يردهم وقال: هم عتقاء اللَّه".

قلت: ورواه (ت) وصححه من حديث شريك، عن منصور.

14640 -

ابن إسحاق، عن عبد اللَّه ابن المكدم الثقفي قال:"لما حاصر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل الطائف خرج إليه رقيق من رقيقهم أبو بكرة وكان عبدًا للحارث بن كلدة [المنبعث] (3) ويحنس ووردان في رهط من رقيقيهم فأسلموا، فلما قدم وفد أهل الطائف على رسول اللَّه، فأسلموا سألوا يا رسول اللَّه، رد علينا رقيقنا الذين أتوك، قال: لا، أولئك عتقاء اللَّه. ورد على كل رجل ولاء عبده فجعله إليه" هذا منقطع.

14641 -

حجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:"أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعتق من خرج إليه يوم الطائف من عبيد المشركين. رواه أبو معاوية عنه هكذا، ولفظ حماد بن سلمة عنه "أن أربعة أعبد وثبوا إلى رسول اللَّه زمن الطائف فأعتقهم".

وقال حفص بن غياث، عن حجاج بسنده "أن عبدين خرجا من الطائف فأسلما

(1) البخاري (9/ 327 رقم 5286).

(2)

أبو داود (3/ 65 رقم 2700) من طريق ابن إسحاق به، والترمذي (5/ 592 رقم 3715) من طريق شريك عن منصور به، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث ربعي عن علي.

(3)

في "الأصل" المُشْعَث. والمثبت من "هـ". وانظر ترجمته المنبعث من كتب تراجم الصحابة.

ص: 3803

فأعتقهما رسول اللَّه أحدهما أبو بكرة".

14642 -

ابن جريج (خ)(1) قال عطاء، عن ابن عباس قال:"وإن هاجر عبد منهم -يعني: أهل الحرب- أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين".

14643 -

الليث (م)(2) عن أبي الزبير، عن جابر قال:"جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيه. فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبابع أحد بعد حتى يسأله: أعبد هو؟ ". قال الشافعي: ولو كان الإسلام يعتقه لم يشتر منه حرًّا ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب.

التشديد في نقض العهد

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3).

14644 -

الأعمش (خ م)(4) عن عبد اللَّه بن مرة، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن عمرو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر".

(1) البخاري (9/ 327 رقم 5286).

(2)

مسلم (3/ 1225 رقم 1602)[123].

وأخرجه أبو داود (3/ 250 رقم 3358)، والترمذي (4/ 129 رقم 1596)، والنسائي (7/ 292 رقم 462)، وابن ماجه (2/ 958 رقم 2869) من طريق الليث به. وقال الترمذي: حديث جابر حديث حسن غريب صحيح.

(3)

المائدة: 1.

(4)

البخاري (1/ 111 رقم 34)، ومسلم (1/ 78 رقم 58)[106].

وأخرجه أبو داود (4/ 221 رقم 4688)، والترمذي (5/ 20 رقم 2632)، والنسائي (8/ 116 رقم 5020) من طريق الأعمش به.

ص: 3804

14645 -

مالك (خ د)(1) وإسماعيل بن جعفر (م)(2) عن عبد اللَّه بن دينار، سمع ابن عمر يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان" زاد مالك: "غدرة فلان بن فلان".

14646 -

شعبة (د ت س)(3) عن أبي الفيض، عن سليم بن عامر الحميري قال:"كان بين معاوية وبين الروم، عهد فكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس -أو برذون- فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول اللَّه يقول: من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقده ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء" فرجع معاوية. رواه عدة عن شعبة.

قلت: صححه (ت).

14647 -

الطيالسي نا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن (د س)(4) عن أبيه، عن أبي بكرة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل معاهدًا فِي غير (كنهه) (5) حرم اللَّه عليه الجنة".

14648 -

عبيد اللَّه بن موسى، أنا بشير بن مهاجر، عن ابن بريدة، عن أبيه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط اللَّه عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس اللَّه عنهم القطر".

قلت: سنده صالح.

قال: وخالفه الحسين بن واقد فرواه عن عبد اللَّه بن بريدة، عن ابن عباس قوله.

وفي الباب عن ابن عمر مرفوعًا.

14649 -

أبو هلال، عن قتادة، عن أنس قال:"خطبنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: لا إيمان لمن لا أمان له، ولا دين لمن لا عهد له".

قلت: سنده قوي. وفي القرآن آيات في وفاء العهد.

(1) البخاري (10/ 578 رقم 6178)، وأبو داود (3/ 82 رقم 2756).

(2)

مسلم (3/ 1360 رقم 1735)[10].

(3)

أبو داود (3/ 83 رقم 2759)، والترمذي (4/ 121 - 122 رقم 1580)، والنسائي في الكبرى (5/ 223 - 224 رقم 8732).

(4)

أبو داود (3/ 83 رقم 2760)، والنسائي (8/ 24 - 25 رقم 4747).

(5)

كتب في الحاشية: أي حقه.

ص: 3805

لا يوفى بما يكون معصية

14650 -

لحديث طلحة بن عبد الملك الأيلي (خ)(1) عن القاسم، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللَّه فلا يعصه". قال الشافعي: أسر المشركون امرأة وأخذوا ناقة للنبي صلى الله عليه وسلم فانفلتت الأنصارية على الناقة فنذرت أن تنحرها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم.

14651 -

أتاه عبد الوهاب (م)(2) ثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران. وقال الشافعي: وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر".

14652 -

إسماعيل بن أبي أويس (م)(3) نا عبد العزيز بن المطلب، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه" قال الشافعي: فاعلم أن طاعة اللَّه أن لا يفي باليمين إذا كان غيرها خيرًا منها، وأن يكفر بما فرض اللَّه من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفى بكل عقد نذر وعهد مسلم أو مشرك كان مباحًا لا معصية للَّه فيه.

(1) البخاري (11/ 589 رقم 6696).

وأخرجه أبو داود (3/ 232 رقم 3289)، والترمذي (4/ 88 رقم 1526)، والنسائي (7/ 17 رقم 3806 - 3808)، وابن ماجه (1/ 687 رقم 2126) كلهم من طريق طلحة به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

مسلم (3/ 1262 - 1263 رقم 1641)[8].

(3)

مسلم (3/ 1272 رقم 1650)[13].

ص: 3806

نقض أهل العهد أو بعضهم العهد

14653 -

معمر (د)(1) عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "في قصة بني النضير، وما أجمعوا عليه من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: فلما كان الغد غدا عليهم بالكتائب فحصرهم، فقال لهم: إنكم واللَّه لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه. فأبوا أن يعطوه عهدًا فقاتلهم يومهم ذلك ثم غدا على بني قريظة بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء فهذا عهد بني قريظة فأما نقضهم العهد" فقال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة ح. وحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرضي وعثمان بن يهوذا القرظي، عن رجال من قومه قالوا: "كان الذين حزبوا الأحزاب نفر من بني النضير ونفر من بني وائل وكان من بني النضير حيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحُقيق وأبو عمار ومن بني وائل حيي من الأنصار من أوس اللَّه وحوح بن عمرو، ورجال منهم خرجوا حتى قدموا على قريش فدعوهم إلى حرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنشطوا لذلك -ثم ذكر القصة في خروج أبي سفيان والأحزاب- قال: وخرج حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، فلما سمع به كعب أغلق حصنه دونه فقال: ويحك يا كعب، افتح لي حتى أدخل عليك. فقال: ويحك يا حيي إنك، امرؤ مشئوم وإنه لا حاجة لي بك، ولا بما جئتني به إني لم أر من محمد إلا صدقًا ووفاء وقد وادعني ووادعته، فدعني وارجع عني. فقال: واللَّه إن علقت دوني إلا عن (جشيشتك)(2) أن آكل معك منها فاحفظه ففتح له، فلما دخل عليه قال: ويحك يا كعب، جئتك بعز الدهر بقريش معها قادتها حتى أنزلتها برومة وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتها إلى جانب أحد جئتك ببحر

(1) أبو داود (3/ 156 رقم 3004).

(2)

الجشيشة: هي أن تطحن الحنطة طحنًا جليلا ثم تجعل في القدور ويلقى عليها لحم أو تمر وتطبخ، وقد يقال لها: دشيشة - بالدَّال، النهاية (1/ 273).

ص: 3807

طام لا يرده شيء قال: جئتني واللَّه بالذل ويلك فدعني وما أنا عليه؛ فإنه لا حاجة لي بك ولا بما تدعوني إليه. فلم يزل حيي يفتله في الذروة والغارب حتى أطاع له وأعطاه حيي العهد والميثاق لئن رجعت قريش وغطفان قبل أن يصيبوا محمدًا لأدخلن معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك فنقض كعب العهد وأظهر البراءة من رسول اللَّه، وما كان بينه وبينه".

14654 -

قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر (1) قال: "لما بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خبر كعب ونقض بني قريظة بعث إليهم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ وخوات بن جبير وعبد اللَّه بن رواحة ليعلموا خبرهم، فلما انتهوا إليهم وجدوهم في أخبث ما بلغهم" وحدثني عاصم بن عمر، عن شيخ من بني قريظة. . . فذكر "قصة سبب إسلام ثعلبة وأسد ابني سعيد وأسد بن عبيد ونزولهم عن حصن بني قريظة وإسلامهم وخرج في تلك الليلة -فيما ذكر ابن إسحاق عن عمرو بن سعدي القرظي- فمر بحرس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا؟ قال: أنا عمرو بن سعدي. وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم وقال: لا أغدر [بمحمد] (1) أبدًا. فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني عثرات الكرام. ثم خلى سبيله فخرج حتى بات في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، ثم ذهب فلم يدر أين ذهب من الأرض، فذكر شأنه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ذاك رجل نجاه اللَّه بوفائه".

وذكر ابن عقبة في هذه القصة "أن حييًّا لم يزل بهم حتى شأمهم، فاجتمع ملاؤهم على الغدر على أمر رجل واحد غير أسد وأسيد وثعلبة خرجوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".

14655 -

ابن جريج (خ م د)(3) عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر "أن يهود النضير وقريظة حاربوا رسول اللَّه فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومنَّ عليهم حتى حاربوا بعد،

(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.

(2)

لكن "هـ"، وفي "الأصل": محمد.

(3)

البخاري (7/ 383 رقم 4028)، ومسلم (3/ 1387 - 1388 رقم 1766)[62]، وأبو داود (7/ 157 رقم 3005).

ص: 3808

فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأموالهم وأولادهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا برسول اللَّه فأمّنهم وأسلموا". قال الشافعي: وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل كان للإمام قتال جماعتهم قد أعان خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا عام الفتح بغدر النفر الثلاثة، وترك الباقين معونة خزاعة وإيوائهم من (قابل)(1) خزاعة.

14656 -

ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن عروة، عن مروان بن الحكم والمسور أنهما حدثاه جميعًا قالا: "كان صلح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بينه وبين قريش أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالت: نحن ندخل في عهد قريش وعهدهم فمكثوا في تلك الهدنة نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا ثم إن بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم وثبوا على خزاعة الذين دخلوا في عقد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلًا بماء لهم يقال له: الوَتير قريب من مكة، فقالت قريش: ما يعلم بنا محمد وهذا الليل وما يرانا أحد. فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح فقاتلوهم معهم [للضغن](2) على رسول اللَّه، وأن عمرو بن سالم ركب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر، وقد قال آيات شعر، فلما قدم على رسول اللَّه أنشده:

اللهم إني ناشد محمدًا

حِلفَ أبينا وأبيه الأتلدا

كنا والدًا وكنتَ ولدًا

ثمت أسلمنا ولم ننزع يدًا

فانصر رسول اللَّه نصرًا عتدًا

وادع عباد اللَّه يأتوا مددا

فيهم رسول اللَّه قد تجردا

أن سيم خسفًا وجهه تربدًا

في فيلق كالبحر يجري مُزبدا

إن قريشًا أخلفوك الموعدا

ونقضوا ميثاقك المؤكدا

زعموا أن لست أدعو أحدا

(1) في "الأصل": قابل. وفي "هـ": قاتل.

(2)

في "الأصل" للظغن والمثبت من "هـ".

ص: 3809

فهم أذل وأقل عددا

قد جعلوا لي بكداء مرصدا

هم بيتونا بالوتير هُجّدا

فقتلونا ركعًا وسُجّدًا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت يا عمرو بن سالم. فما برح حتى مرت عنانة في السماء فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب. وأمر الناس بالجهاز وكتمهم مخرجه وسأل اللَّه أن يعمي على قريش خبره حتى يبغتهم في بلادهم. قال موسى بن عقبة: ثم إن بني نفاثة من بني الديل أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين رسول اللَّه وبين قريش وكانت بنو كعب في صلح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكانت بنو نفاثة في صلح قريش فأعانت بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق واعتزلهم بنو مدلج ووفوا بالعهد، قال: ويذكرون أن ممن أعانهم صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو، فأغارت بنو الديل على بني عمرو وعامتهم زعموا النساء والصبيان وضعفاء الرجال فأثخنوهم وقتلوا منهم حتى أدخلوهم دار بديل بن ورقاء بمكة قال: فخرج ركب من بني كعب حتى أتوا على رسول اللَّه وذكروا له الذي أصابهم وما كان من قريش عليهم في ذلك والذي أعانوا به عليهم، ثم ذكر جهاز النبي صلى الله عليه وسلم ودخول أبي بكر عليه، فقال: يا رسول اللَّه، أتريد أن تخرج مخرجًا؟ قال: نعم. قال: لعلك تريد بني الأصفر؟ قال: لا. قال: أفتريد أهل نجد؟ قال: لا. قال: فلعلك تريد قريشًا؟ قال: نعم. قال: أليس بينك وبينهم مدة؟ ! قال: ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب. وأذَّن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الناس بالغزو" وأما الحكم بين المعاهدين فمر في الحدود والغصب وغيرهما.

كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم

قلت: وفي الخميس والميلاد.

14657 -

الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار (1) قال عمر:"لا تعلَّموا بطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم؛ فإن السخطة تنزل عليهم".

14658 -

نافع بن يزيد سمع سليمان بن أبي زينب وعمرو بن الحارث سمع سعيد بن

(1) ضبب عليها المصنف للانقطاع.

ص: 3810

سلمة سمع أباه سمع عمر بن الخطاب قال: "اجتنبوا أعداء اللَّه في عيدهم".

14659 -

الفريابي قال: ذكر سفيان عن عوف عن الوليد -أو أبي الوليد- عن عبد اللَّه بن عمرو قال: "من (بنى) (1) ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة" قال الخطابي: الصواب: تَنَى: أقام.

أبو أسامة، نا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد اللَّه بن عمرو قال:"من بنى في بلاد الأعاجم فصنع نوروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة". وكذا رواه القطان وابن أبي عدي وغندر عن عوف مرفوعًا.

14660 -

أبو أسامة، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد قال:"أتي علي رضي الله عنه بهدية النيروز فقال: ما هذه؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين هذا يوم النيروز. قال: فاصنعوا كل يوم فيروز. قال أبو أسامة: كره أن يقول: نيروز". قال المؤلف: في هذا كالكراهة لتخصيص يوم بذلك لم يجعله الشرع مخصوصًا به.

تم كتاب الجزية

* * *

(1) كتب بالحاشية. تَنَى: أي أقام. والصواب: تنأ. انظر النهاية (1/ 198).

ص: 3811