الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ ، قَالَ: "
اسْتَفْتَى رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ: أَيُّهَا الْعَالِمُ أَفْتِنِي. فَقَالَ: إِنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخَافُ
اللَّهَ "
حَدَّثَنَا أَبُو طَلْحَةَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْفَزَارِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ الْمُحَبَّرِ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّهُ تَلَا: "
{وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] فَقَالَ: «الْعَالِمُ الَّذِي عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ فَعَمِلَ بِطَاعَةِ
اللَّهِ وَاجْتَنَبَ سَخَطَهُ»
حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ ، مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ يَزِيدَ الْبَحْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ:
«لَيْسَ الْعِلْمُ لِلْمَرْءِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ»
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي دَارِمٍ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَزِيدَ الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنِي مُقَاتِلُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ: "
خَرَجْنَا مَعَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِلَى مِنًى فِي جَمَاعَةٍ فِيهِمْ أَبُو مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِي ، فَقَالَ سُفْيَانُ فِي بَعْضِ مَا
يَتَكَلَّمُ بِهِ: الْعَالِمُ بِاللَّهِ الْخَائِفُ مِنَ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ ، وَمَنْ لَمْ يُحْسِنِ الْعِلْمَ وَالْخَوْفَ مِنَ اللَّهِ فَهُوَ جَاهِلٌ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ. الْمُسْلِمُونَ شُهُودُ أَنْفُسِهِمْ عَرَضُوا أَعْمَالَهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ فَمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ تَمَسَّكُوا بِهِ ، وَإِلَّا اسْتَعْتَبُوا مِنْ قَرِيبٍ " قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ: إِنَّهُ وَاللَّهِ أَحْسَنُ مِنَ الدُّرِّ. وَهَلْ الدُّرُّ إِلَّا صَدَقَةٌ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ:
سُئِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هَلْ لِلْعُلَمَاءِ عَلَامَةٌ يُعْرَفُونَ بِهَا؟ قَالَ: عَلَامَةُ الْعَالِمِ مَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ
، وَاسْتَقَلَّ كَثِيرُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَرَغِبَ فِي عِلْمِ غَيْرِهِ ، وَقَبِلَ الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ أَتَاهُ بِهِ ، وَأَخَذَ الْعِلْمَ حَيْثُ وَجَدَهُ ، فَهَذِهِ عَلَامَةُ الْعَالِمِ وَصِفَتُهُ " قَالَ الْمَرُّوذِيُّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: هَكَذَا هُوَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا الْمَرُّوذِيُّ ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: قِيلَ لِابْنِ الْمُبَارَكِ:
كَيْفَ يُعْرَفُ الْعَالِمُ الصَّادِقُ؟ فَقَالَ: " الَّذِي يَزْهَدُ الدُّنْيَا ، وَيَعْقِلُ أَمْرَ آخِرَتِهِ. فَقَالَ: نَعَمْ كَذَا نُرِيدُ أَنْ
يَكُونَ "
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودٍ السَّرَّاجُ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ ، يَقُولُ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَسْرُوقٍ الطُّوسِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْجُنَيْدِ ، يَقُولُ: عُوتِبَ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ عَلَى تَرْكِهِ الْمَجَالِسَ وَقِيلَ لَهُ: مَا بَالُكَ لَا تَكْتُبُ الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ حَدِيثَيْنِ فَأَنَا مُحَاسِبٌ نَفْسِي بِهِمَا ، فَإِذَا أَنَا عَلِمْتُ أَنِّي قَدْ عَمِلْتُ بِهِمَا كَتَبْتُ غَيْرَهُمَا. قِيلَ: وَمَا الْحَدِيثَانِ؟ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَ «حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ» وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ اعْتِذَارِي إِلَيْهِ ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا قَدْ عَرَّفَنِي مِنْ زَلَلِي. فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا رَأَيْنَا أَفْقَهَ مِنْهُ ، وَلَا أَشَدَّ مُحَاسَبَةً مِنْهُ لِنَفْسِهِ. قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: أَوْصِنِي. قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ ، وَصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيكَ. ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْعَلَاءِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ زَائِدَةَ ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَخْلَدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ:
«كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ وَبَصَرِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَزُهْدِهِ
وَصَلَاحِهِ وَبَدَنِهِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَطْلُبُ الْبَابَ مِنَ الْعِلْمِ فَلَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْكَاذِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، ثنا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، قَالَ:
«يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عز وجل»
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ النَّحْوِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُبَابِ ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ:
حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَجَاءٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ عِصْمَةُ بْنُ أَبِي عِصْمَةَ ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَنْطَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، قَالَ: كَتَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه عَنِّي كَلَامًا. قَالَ الْعَبَّاسُ: وَأَمْلَاهُ عَلَيْنَا. قَالَ:
لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ - يَعْنِي لِلْفَتْوَى - حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: أَمَّا أُولَاهَا: فَأَنْ يَكُونَ
لَهُ نِيَّةٌ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ نِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ نُورٌ وَلَا عَلَى كَلَامِهِ نُورٌ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَيَكُونُ لَهُ خُلُقٌ وَوَقَارٌ وَسَكِينَةٌ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَيَكُونُ قَوِيًّا عَلَى مَا هُوَ فِيهِ وَعَلَى مَعْرِفَتِهِ. وَأَمَّا الرَّابِعَةُ: فَالْكِفَايَةُ ، وَإِلَّا مَضَغَهُ النَّاسُ. وَأَمَّا الْخَامِسَةُ: فَمَعْرِفَةُ النَّاسِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رحمه الله: " فَأَقُولُ - وَاللَّهُ الْعَالِمُ -: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَنْعَمَ نَظَرَهُ ، وَمَيَّزَ فِكْرَهُ ، وَسَمَا بِطَرْفِهِ ، وَاسْتَقْصَى بِجَهْدِهِ ، طَالِبًا خَصْلَةً وَاحِدَةً فِي أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَالْمُتَصَدِّرِينَ لِلْفَتْوَى فِيهَا لَمَا وَجَدَهَا. بَلْ لَوْ أَرَادَ أَضْدَادَهَا وَالْمَكْرُوهَ وَالْمَرْذُولَ مِنْ سَجَايَا دَنَاءَةِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ فِيهِمْ لَوَجَدَ ذَلِكَ مُتَكَاثِفًا مُتَضَاعِفًا. وَاللَّهَ نَسْأَلُ صَفْحًا جَمِيلًا وَعَفْوًا كَثِيرًا.
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: أَدْرَكْتُ الْفُقَهَاءَ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُونَ:
لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى إِلَّا الْمَوْثُوقُ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَدِينِهِ
وَوَرَعِهِ وَفِقْهِهِ وَحِلْمِهِ وَرِفْقِهِ وَعِلْمِهِ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ ، وَبِمَنْ نَقَلَهَا ، وَالْمَعْمُولِ بِهِ مِنْهَا وَالْمَتْرُوكِ ، عَالِمًا بِوُجُوهِ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا الْأَحْكَامُ ، عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ رَأْي لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَالِاخْتِلَافِ. وَلَا صَاحِبُ حَدِيثٍ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالْفِقْهِ وَالِاخْتِلَافِ وَوُجُوهِ الْكَلَامِ فِيهِ ، وَلَيْسَ يَسْتَقِيمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ ، قَالُوا: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا أَنَّ طُعْمَتَهُ مِنَ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِ مُنَّزَّلَةٌ بِهِمْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِمْ ، فَلَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلْفَتْوَى ، وَلَا مَوْثُوقٍ بِهِ فِي فَتْوَاهُ ، وَلَا مَأْمُونٍ عَلَى النَّاسِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ رضي الله عنه:" قَدِ اقْتَصَرْتُ يَا أَخِي - صَانَكَ اللَّهُ - مِنْ صِفَةِ الْفَقِيهِ عَلَى مَا أَوْرَدْتُ ، وَكَفَفْتُ عَنْ أَضْعَافِ مَا أَرَدْتُ ، فَإِنِّي مَا رَأَيْتُ الْإِطَالَةَ بِالرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَجَاوِزَةً مَا قَصَدْنَا مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ. نَعَمْ ، أَيْضًا وَتَهْجِينٌ لَنَا ، وَسُبَّةٌ عَلَيْنَا ، وَغَضَاضَةٌ عَلَى الْمَوسُومِينَ بِالْعِلْمِ وَالْمُتَصَدِّرِينَ لِلْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا ، مَعَ عَدَمِ الْعَالِمِينَ لِذَلِكَ وَالْعَامِلِينَ بِهِ. فَأُسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يَمْقُتَنَا فَإِنَّا نَعُدُّ أَنْفُسَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الْفُهَمَاءِ الْعَارِفِينَ ، وَنَحْسَبُ أَنَّا أَئِمَّةٌ مُتَصَدِّرُونَ عِلْمًا وَفُتْيَا ، وَقَادَةُ أَهْلِ زَمَانِنَا ، وَلَعَلَّنَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْفَاجِرِينَ وَمِنْ شِرَارِ الْفَاسِقِينَ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رحمه الله قَالَ: " إِنَّا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ أَحْسَبُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَحْسِنُهُ وَلَعَلَّهَا تُعْلِنُ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنَّ قَائِلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ. مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ غَفْرًا ، شَرُّ النَّاسِ الْعُلَمَاءُ إِذَا فَسَدُوا» . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: " يُوشِكُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ ، وَمِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ ، مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرِبَةٌ مِنَ الْهُدَى ، عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ ، مِنْ عِنْدِهِمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ ، وَفِيهِمْ تَعُودُ. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِالْمِلْحِ ، وَالطَّعَامُ لَا يَطِيبُ إِلَّا بِهِ ، فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ فَسَدَ الطَّعَامُ وَذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِلْحُ الْأَرْضِ، لَا تَسْتَقِيمُ الْأَرْضُ إِلَّا بِهِمْ ، وَإِذَا فَسَدَ الْعُلَمَاءُ فَسَدَتِ الْأَرْضُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَدِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْكُوفَةَ ، فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ:«أَشَنْتُمُ الْعِلْمَ وَأَذْهَبْتُمْ نُورَهُ. لَوْ أَدْرَكَنِي وَإِيَّاكُمْ عُمَرُ لَأَوْجَعَنَا ضَرْبًا» . هَذَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رحمه الله لِمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ ، وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، وَنُظَرَاؤُهُمْ. فَمَا ظَنُّكَ بِقَوْلِهِ لَوْ رَأَى أَهْلَ عَصْرِنَا؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ صَفْحًا جَمِيلًا وَعَفْوًا كَبِيرًا. فَيَا طُوبَى لَنَا إِنْ كَانَتْ مُوجِبَاتُ أَفْعَالِنَا أَنْ نُوجَعَ ضَرْبًا فَإِنِّي أَحْسَبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَصَدَّرُ لِهَذَا الشَّأْنِ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ الَّذِي قَدْ مَضَى وَصْفُهُمْ ، وَيَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَدْرَكُوهُ لَاحْتَاجُوا إِلَيْهِ وَأَمَّمُوهُ ، وَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْهُمْ وَالْأَقْوَالَ الْمَأْثُورَةَ عَنْهُمْ كَانَتْ مِنْ عَجْزِهِمِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَضَعْفِ نَحَائِزِهِمْ. اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، فَلَقَدْ عِشْنَا لِشَرِّ زَمَانٍ ، فَقَدْ:
حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ السُّكَّرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى السَّاجِيُّ ، حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِيُّ ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ:
«إِذَا كُنْتَ فِي زَمَانٍ يُرْضَى فِيهِ بِالْقَوْلِ دُونَ الْفِعْلِ ، وَالْعِلْمِ دُونَ الْعَمَلِ ، فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ فِي شَرِّ زَمَانٍ بَيْنَ
شَرِّ النَّاسِ» وَلَقَدْ رُوِيَ عَنْ حَبْرٍ مِنْ أَحْبَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَسَيِّدٍ مِنْ سَادَاتِ عُلَمَائِهَا أَنَّهُ قَالَ: مَا أَرَى أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ هَذَا الْخَلْقَ إِلَّا بِذُنُوبِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا زَلَّ عَنِ الْمَحَجَّةِ وَعَدَلَ عَنِ الْوَاضِحَةِ ، وَآثَرَ مَا يَهْوَاهُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ ، وَسَامَحَ نَفْسَهُ فِيمَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ زَلَّ النَّاسُ بِزَلَلِهِ ، وَانْهَمَكُوا مُسْرِعَيْنِ فِي أَثَرِهِ ، يَقْفُونَ مَسْلَكَهُ وَيَسْلُكُونَ مَحَجَّتَهُ ، وَكَانَ مَا يَأْتُونَهُ وَيَرْتَكِبُونَهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَحَوبَاتِ الْمَآثِمِ بِحُجَّةٍ ، وَعَلَى اتِّبَاعِ قُدْوَةٍ ، فَلَا تَجْرِي مَجْرَى الذُّنُوبِ الَّتِي تُمْحَى بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَمُرْتَكِبُهَا بَيْنَ الْوَجَلِ وَالِانْكِسَارِ ، فَالْمُقْتَدُونَ بِهِ فِيهَا كَالسَّفِينَةِ إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ بِغَرَقِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ وَجَوْهَرٌ خَطِيرٌ ، أَضْعَافُ ثَمَنِهَا وَقِيمَتِهَا بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَعُودَ إِلَى جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ وَنَسْتَوْفِقُ اللَّهَ لِصَوَابِ الْقَوْلِ وَصَالِحِ الْأَعْمَالِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَمَّا الْحَالِفُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا ، أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقْتُلَ أَخَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحُدَّ لِذَلِكَ حَدًّا ، أَوْ يُوَقِّتَ لَهُ وَقْتًا ، فَهُوَ غَيْرُ حَانِثٍ ، مَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِي إِنْفَاذِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، مَعَ مُوَاظَبَةِ الْأَوْقَاتِ لِمُوَاظَبَةِ عَزْمِهِ ، وَتَصْحِيحِ نِيَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي إِصْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ وَإِقَامَتِهِ عَلَيْهِ مُبَارَزَةٌ لِلَّهِ عز وجل فِي تَعَدِّي حُدُودِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَاسْتِجْلَابِ غَضَبِهِ وَلَعْنَتِهِ ، وَالْخُلُودِ فِي أَلِيمِ عَذَابِهِ ، فَإِنْ تَلَاوَمَتْ نِيَّتُهُ ، أَوْ وَقَفَ عَزْمُهُ ، وَحُلَّ عَقْدُ الْإِصْرَارِ مِنْ قَلْبِهِ ، عَزَمَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ أَبَدًا فَسَاعَتُهُ بَانَتِ امْرَأَتُهُ ، وَانْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَفِي تَرَدُّدِهِ فِي يَمِينِهِ وَضَرْبِهِ عَرْضَ الْبِلَادِ وَمُلَاقَاةِ الرِّجَالِ يَلْتَمِسُ الْمَخْرَجَ مِنْ يَمِينِهِ وَالْخَلَاصَ مِنْ حَنَثِهِ مِنْ غَيْرِ الْوَفَاءِ بِيَمِينِهِ مَا دَلَّ عَلَى تَلَاوُمِ نِيَّتِهِ وَوُقُوفِ عَزْمِهِ ، وَفُتُورِ قَلْبِهِ عَمَّا كَانَ حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَصَارَ ذَلِكَ إِلَى صَرِيحِ الْحِنْثِ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُفْتِي: أَنْ تَسْأَلَ امْرَأَتَكَ أَنْ تَفْتَدِيَ مِنْكَ نَفْسَهَا بِشَيْءٍ تُعْطِيكَهُ مِنْ مَالِهَا ، فَإِذَا قَبِلَتِ الْفِدْيَةَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ، فَانْخَلَعَتْ مِنْكَ وَسَقَطَتْ عَنْكَ الْيَمِينُ الْأُولَى ، ثُمَّ اخْطُبْهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَتَزَوَّجْهَا تَزْوِيجًا ثَانِيًا ، وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ مَعَكَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَجْرِي مَجْرَى الْفَتْوَى ، وَلَا يُقَالُ لِقَائِلِهِ مُفْتٍ ، وَلَا فَقِيهٌ ، لِأَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ تَعْلِيمُ الْحَقِّ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ. قَالَ اللَّهُ عز وجل:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ} [النساء: 176] يَقُولُ: يَسْتَعْلِمُونَكَ. قُلِ اللَّهُ يُعَلِّمُكُمُ الْحَقَّ. وَيَدُلُكَ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} [يوسف: 46] . فَالْفَتْوَى هِيَ: تَعْلِيمُ الْحَقِّ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ الْحِيلَةَ وَالْمُمَاكَرَةَ فِي دِينِ اللَّهِ ، وَالْخَدِيعَةَ لِمَنْ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، حَتَّى يُخْرِجَ الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ ، فَلَا يُقَالُ لَهُ مُفْتٍ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ ، وَشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ، فَقَدْ تَيَقَّنَ عِلْمًا ، وَعَلِمَ يَقِينًا أَنَّ هَذِهِ حِيلَةٌ لِإِبَاحَةِ مَا حَظَرَهُ اللَّهُ ، وَتَوْسِعَةِ مَا ضَيَّقَهُ اللَّهُ ، وَتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ ، وَلَفْظِ حَقٍّ فِي ظَاهِرِهِ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ فِي بَاطِنِهِ. وَقَدْ عَلِمَ الْمُؤْمِنُونِ ، وَالْعُلَمَاءُ الرَّبَّانِيُّونَ ، وَالْفُقَهَاءُ الدَّيَّانُونَ ، أَنَّ الْحِيلَةَ عَلَى اللَّهِ وَفِي دِينِ اللَّهِ لَا تَجُوزُ ، وَأَنَّ فَاعِلَهَا مُخَادِعٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ، وَمَا يُخَادِعُ إِلَّا نَفْسَهُ ، لَا مَنْ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ، وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَيَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ، وَمَنْ قَالَ:{إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29] . وَمَنْ قَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبَلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] وَمَنْ قَالَ: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمِلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61] قَدْ عَلِمَ اللَّهُ عز وجل أَنَّ الْخُلْعَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ هَذَا الْمُفْتِي لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَلَا هُوَ الَّذِي عَلِمَهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ عِبَادِهِ. وَذَلِكَ أَنَّا نَجْدُ اللَّهَ عز وجل قَدْ جَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ ، وَجَعَلَ عَقْدَ النِّكَاحِ بِأَيْدِيهِمْ ، وَجَعَلَ النِّسَاءَ كَالْعَوَارِي عِنْدَهُمْ. وَلَمَّا جَازَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْقَوْلِ وَالنِّفَارِ وَالْبُغْضِ وَالنَّشَازِ ، مَا إِنْ تَعَاشَرَا مَعَهُ خَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا الْخُرُوجَ عَنْ أَحْكَامِ الطَّاعَةِ إِلَى شُرُورِ الْمَعْصِيَةِ ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَرْأَةِ إِلَى حَلِّ عِصْمَتِهَا بِنَفْسِهَا ، وَكَانَ وَجُوبُ الْمَهْرِ عَلَى الزَّوْجِ وَمَا يَخَافُهُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ يَمْنَعُهُ مِنْ تَخْلِيَةِ سَبِيلِهَا. جَعَلَ لِذَلِكَ حُكْمًا بَائِنًا مِنَ الْخُلْعِ بِإِعْطَاءِ الْفِدْيَةِ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِهِ نَفْسَهَا ، وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ بِذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا. فَأَمَرَ بِالْخُلْعِ وَقَبُولِ الْفِدْيَةِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ لِذَلِكَ نَفْسِهِ ، وَسَمَّاهُ حَدًّا مِنْ حُدُودِهِ الَّتِي مَنْ تَعَدَّاهَا كَانَ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَقَالَ عز وجل:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229] فَجَعَلَ الِاخْتِلَاعَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَثَامًا ، وَأَخْذَ الرَّجُلِ مِنْهَا الْفِدْيَةَ حَرَامًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَخَافَتِهِمَا عِصْيَانَ اللَّهِ ، وَالْإِقَامَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى عِشْرَةٍ فِيهَا تَعَدِّي حُدُودِهِ وَالْمَعْنِي بِالْخُلْعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ حَالُهَا فِي تِبْيَانِ أَنَّ هَذَا الْحَالِفَ قَدْ وَضَعَ الْخُلْعَ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ وَقَصَدَهُ. {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] : فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ