الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبشرات من عوامل القوة النفسية التي سهلت الفتح:
وكانت هذه القوات الإسلامية تتحرك وهي على ثقة تامة بالنصر، فقد بشرهم الله سبحانه وتعالى بالنصر في كثير من الآيات الكريمة، في مثل قوله تعالى:
وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن، والشام، والمشرق، والمغرب، حين كانوا في أشد حالات الضيق في غزوة الأحزاب (يوم الخندق) عام5 هـ2.
وعندما وَفدَ تميم الداري إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه حبرى، وبيت عينون ومسجد إبراهيم علية السلام (حبرون) ، وكتب له بذلك كتاباً3. وهذه من أرض الشام التي كانت تخضع لحكم الدولة البيزنطية، فهي بشارة بفتح الشام.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى على الروم أن يملكوا بلاد الشام برمتها إلى أخر الدهر، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل"4.
وهذه بشارة بفتح الشام في العراق وبلاد فارس.
ٍوعندما وفد عدي بن حاتم رضي الله عنه5 بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح العملاق والمشرق قائلا (عن عدي بن حاتم) :
"
…
إني أعلم الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتبعه ضعفة الناس، ومن لا قوة لهم، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟ " قلت:"لم أرها، وقد سمعت بها".
1 سورة التوبة الآية:33.
2 انظر: ابن هشام_ السيرة 3/219.
3 البلاذري_ فتوح البلدان 135، وتنسب إليه أسرة التميمي التي لا تزال تقيم في مدينة الخليل، والقدس من أرض فلسطين إلى اليوم.
4 ابن كثير_ البداية والنهاية 7/59 ويعلق قائلا: (وقد وقع ما أخبر به صلوات الله وسلامه عليه، وسيكون ما أخبر به جزمًا، لا يعود ملك القياصرة إلى الشام أبداً، لأن قيصر علم جنس عند العرب، يُطلق على كل من ملك الشام مع بلاد الروم، فهذا لا يعود لهم أبداً) .
5 عدي بن حاتم أمير صحابي من الأجواد العقلاء، أبوه حاتم المشهور بالكرم في الجاهلية. كان رئيس طيء في الجاهلية والإسلام. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بغير أمان ولا كتاب. فأكرمه الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 9هـ أسلم وكان نصرانيا. وثبت على الإسلام في الردة ولعب دوراً جيداً حتى قال فيه ابن الأثير (خير مولود في أرض طيء، وأعظمه بركة عليهم) فقد أحضر صدقة قومه إلى أبي بكر. وشهد فتح العراق ومات بالكوفة. انظر: ابن حجر_ الإصابة 2/468، الزركلي_ الأعلام 4/220 الذهبي_ سير أعلام النبلاء 3/162.
قال: "فالذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر، حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد، وليفتحن كنوز كسرى بن هرمز".
قال: قلت: "كنور ابن هرمز؟! "
قال: "نعم كسرى بن هرمز، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد
…
" 1.
وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بفتح مصر في قوله صلى الله عليه وسلم:
"إنكم ستفتحون مصرِ، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحماًَ- أو قال: ذمة وصهراً"2.
يشير بذلك إلى هاجر أم إسماعيل عليه السلام، وإلى مارية القبطية أم إبراهيم ابنه.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً؟ فقال:
"مدينة هرقل" 3 إشارة إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، والمدينة الأخرى يقصد بها "روما" مركز البابوية في إيطاليا.
وهذه المبشرات ليست تنبؤات بشرية تصيب مرة، وتخطيء مرات ولكنها مبشرات يقينية، صدرت من رسولِ الله الذيَ لا ينطق عن الهوى:{إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} 4 - وقد أضافت دليلاً صادقاً على وجود خطة منظمة للفتح، وعلى عدم ارتجالية الفتوحات، دفعت المسلمين لفتح الأمصار زمن الراشدين والأمويين، وهم على يقين من تحقيق ذلك.
وكان القادة يُرَغّبون جند الإسلام في الجهاد، ويعلمونهم ما وعد الله نبيه من النصر، وإظهار دينه5.
1 ابن كثير _ البداية والنهاية 5/66، ابن هشام _ السيرة 4/581، ابن حجر _ الإصابة في تمييز الصحابة2/468.
2 صحيح مسلم _ في كتاب الفضائل _ باب وصية النبي بأهل مصر، فتح الباري 6/102، البلاذري_ فتوح البلدان 220.
3 رواه عن ابن عمر الدرامي، وأحمد وابن أبي شيبة، والحاكم، والمقدسي.
وهذه البشرى جعلت المسلمين يجدون لفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في عهد معاوية رضي الله عنه في حرب السنوات السبع مع الروم 51_58هـ. وحاصروها في زمن سليمان بن عبد الملك عام 98هـ. بقيادة مسلمة بن عبد الملك إلى أن أمر عمر بن عبد العزيز بالانسحاب عام 99هـ. لأسباب عديدة ليس هنا موضع تفاصيلها.
وقد وفق المسلمون في فتحها على يد محمد الفاتح العثماني عام 857هـ/1453م. واتخذها العثمانيون عاصمة لدولتهم باسم "استنبول" أو الآستانة.
أما المدينة الثانية "روما" مركز البابوية الكاتوليكية في إيطاليا فقد نجح المسلمون في حصارها في فترة من فترات التاريخ في القرن الثالث الهجري. حتى اضطر البابا أن يدفع مثاقيل كثيرة من الذهب لقاء انسحابهم منها. فرجعوا عنها. وبقيت البشرى_ بشرى رسول صلى الله عليه وسلم_ بفتحها بإذن الله.
4 سورة النجم الآية: 3.
5 انظر: مثلاً خطبة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في جنده يوم القادسية. اليعقوبي_ تاريخ 2/241.
وقد تجاهل المستشرقون هذه الأخبار الثابتة من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله، وصوروا الفتوحات الإسلامية على أنها حركة ارتجالية، هدفها القوي رغبة أبي بكر في إشغال العرب عن أنفسهم، وخصوماتهم، وإغرائهم بالغنائم، والمنافع المادية1. وأقوالهم تلك تدحضها الحقائق الثابتة، كما وقعوا في التناقض كعادتهم عند تناولهم أحداث التاريخ الإسلامي، والحضارة الإسلامية.
وكمثال على ذلك يقول "بروكلمان" متلاعباً بالألفاظ:
"ما في مقدور أبي بكر أن ينفذ خطة النبي الأخيرة2 - تلك التي تفضي بنشر الإيمان في ما وراء حدود الوطن الأم، ذلك بأنه كان عليه أن يوجد فرصة من النشاط الخارجي لهذه القوى التي كانت في الماضي على استعداد دائم لأن تتفانى في منازعَات لا نهاية لها"3.
وعلى العموم فقد كانت هناك خطة واضحة للفتوحات الإسلامية من أجل تبليغ الدعوة، وهي خطة راشدة مستنيرة حتى أن أبا بكر رضي الله عنه منع المرتدين من الاشتراك في الفتوحات الأولى4. وهذه الخطة تُقدم إذا كان الإقدام حزماً ومناسباً، وتتأنى إذا كان التأني خيراً للمسلمين وللشعوب غير المسلمة من أهل البلاد. فتردّد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الانسياح- في بلاد فارس، وفي فتح مصر (إن صح) ، وفي فتح الهند، وفي فتح إفريقيا- لم يكن مبعثه عدم الرغبة في فتح هذه البلاد أمام دعوة الإسلام، ولكنه من ضمن خطة، لتثبيت المكاسب الإسلامية، والتمكن من إقامة الإسلام في الأراضي المفتوحة، واستنهاض طاقات الشعوب التي أظلتها رايته، وتجميعها، ثم توجيهها الوجهة الصالحة، ومن أجل الدعوة، حتى تصبح تلك الأقطار نقاط ارتكاز جديدة، تنطلق منها الدعوة وتمتد، إلى أقطار أخرى، تسهم فيها شعوب تلك الأقطار بدلاً من أن تكون شوكة في جنب المجاهدين، أو خنجراً يوجه إلى ظهورهم في خلفهم.
1 مثل "فلهوزن"_ تاريخ الدولة العربية 23، "برناد لويس":the arabs in history 52،"نتنج"_ العرب وانتصاراتهم 47، "روم لاندو"_ الإسلام والعرب 209، "بروكلمان"_ تاريخ الشعوب الإسلامية 1/23، "كلود كاهين"_ تاريخ العرب والشعوب الإسلامية، "فيليب حتي"_ تاريخ العرب 178، صانعوا التاريخ العربي 44،58_59.
2 لاحظ أنه يعترف بوجود خطة للفتح وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يتجاهل ذلك!
3 تاريخ الشعوب الإسلامية 1/90.
4 انظر: كتابه إلى خالد بن الوليد وعياض بن غنم: الطبري 3/347، ابن عساكر_ تاريخ دمشق 1/222، وكتابه رضي الله عنه إلى خالد بن سعد بن العاص وهو بتيماء_ الطبري 3/388.