المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة اثنتين وتسعين ومائة: - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ١٣

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة اثنتين وتسعين ومائة:

‌أحداث سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ:

تُوُفِّيَ فِيهَا: صَعْصَعَةُ بْنُ سَلامٍ خَطِيبُ قُرْطُبَةَ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمِصْرِيُّ، عَرْعَرَةُ بْنُ الْبَرْنَدِ الشَّامِيُّ الْبَصْرِيُّ، عَلِيُّ بْنُ ظَبْيَانَ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ، الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى الْبَرْمَكِيُّ، تُوُفِّيَ مَسْجُونًا، يَحْيَى بْنُ كريب الرعيني المصري، يوسف ابن الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ.

شُخُوصُ هَرْثَمَةَ إِلَى خُرَاسَانَ:

وَفِيهَا شَخَصَ هَرْثَمَةُ إِلَى خُرَاسَانَ، وَوَجَّهَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى فِي الظَّاهِرِ أَمْوَالا وَخُلَعًا وَسِلاحًا. فَلَمَّا نَزَلَ نَيْسَابُورَ جَمَعَ وُجُوهَ أَصْحَابِهِ فَخَلا بِكُلٍّ مِنْهُمْ وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ يَكْتُمَ أَمْرَهُ، وَوَلَّى كُلَّ رَجُلٍ بَلَدًا وَدَفَعَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ وَجَهَّزَهُ سِرًّا إِلَى بَلَدِهِ. فَعَلَ هَذَا خَوْفًا مِنْ ثَوْرَةِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى.

ثُمَّ سَارَ، فَلَمَّا كَانَ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرْوَ دَعَا ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ أَسْمَاءَ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَدَفَع إِلَى كُلِّ رَجُلٍ رُقْعَةً بِاسْمِ مَنْ وَكَّلَهُ بِحِفْظِهِ إِذَا دَخَلَ مَرْوَ.

ثُمَّ وَجَّهَ إِلَى عَلِيٍّ: إِنْ أَحَبَّ الأَمِيرُ أَنْ يُوَجِّهَ ثِقَاتِهِ لِقَبْضِ مَا مَعِي فَعَلَ، فَإِنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَتِ الأَمْوَالُ أَمَامَ دُخُولِي كَانَ أَقْوَى لِلأَمِيرِ وَأَفَتَّ فِي عَضُدِ أَعْدَائِهِ. فَوَجَّهَ عَلِيٌّ جَمَاعَةً لِقَبْضِ الأموال؛ فقل هَرْثَمَةُ: اشْغِلُوهُمُ اللَّيْلَةَ. فَفَعَلُوا.

ثُمَّ سَارَ إِلَى مَرْوَ، فَلَمَّا صَارَ مِنْهَا عَلَى مِيلَيْنِ تَلَقَّاهُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَوَلَدُهُ وَقُوَّادُهُ؛ فَلَمَّا وَقَعَتْ عَيْنُ هَرْثَمَةَ عَلَيْهِ ثَنَى رِجْلَهُ لِيَنْزِلَ، فَصَاحَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَئِنْ نَزَلْتَ لأَنْزِلَنَّ.

ص: 5

فثبت ودنا، فاعتنقا، ثم سارا إِلَى قَنْطَرَةٍ لا يَجُوزُهَا إِلا فَارِسٌ. فَحَبَسَ هَرْثَمَةُ لِجَامَ الْفَرَسِ وَقَالَ لِعَلِيٍّ: سِرْ، فَقَالَ: لا وَاللَّهِ. فَقَالَ هَرْثَمَةُ: لا وَاللَّهِ، أَنْتَ أَمِيرُنَا. ثُمَّ نَزَلَ بِمَنْزِلِ عَلِيٍّ، وَأَكَلا مِنَ السِّمَاطِ. ثُمَّ دَفَعَ الْخَادِمُ كِتَابَ الرَّشِيدِ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمَّا رَأَى أَوَّلَ حرف مِنْهُ سُقِطَ مِنْ يَدِهِ. ثُمَّ أَمَرَ هَرْثَمَةُ بِتَقْيِيدِهِ وَتَقْيِيدِ وَلَدِهِ وَعُمَّالِهِ. ثُمَّ صَارَ إِلَى الْجَامِعِ فَخَطَبَ وَبَسَطَ مِنْ آمَالِ النَّاسِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الرَّشِيدَ وَلاهُ ثُغُورَهُمْ بِمَا بَلَغَهُ مِنْ سُوءِ سِيرَةِ الْفَاسِقِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، وَإِنِّي مُنْصِفُكُمْ مِنْهُ.

فَأَظْهَرُوا السُّرُورَ وَضَجُّوا بِالدُّعَاءِ. ثُمَّ انْصَرَفَ وَدَعَا بِعَلِيٍّ وَآلِهِ فَقَالَ: أَعْفُونِي مِنَ الإِقْدَامِ بِالْمَكْرُوهِ عَلَيْكُمْ. وَنُودِيَ بِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ لِعَلِيٍّ وَدِيعَةٌ فَأَخْفَاهَا. فَأَحْضَرَ النَّاسُ شَيْئًا كَثِيرًا إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَاسْتَصْفَى هَرْثَمَةُ حَتَّى حُلِيِّ النِّسَاءِ وَالثِّيَابِ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَامَهُمْ لِمَظَالِمِ النَّاسِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ حَمَلَ عَلِيًّا إِلَى الرَّشِيدِ.

تَوَجُّهُ الرَّشِيدِ لِحَرْبِ رَافِعٍ:

وَفِيهَا تَوَجَّهَ الرَّشِيدُ نَحْوَ خُرَاسَانَ لِحَرْبِ رَافِعٍ. فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَبَاهُ شَيَّعَ الرَّشِيدَ إِلَى النَّهْرَوَانِ، فَجَعَلَ يُحَادِثُهُ فِي الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ قَالَ: يَا صَبَّاحُ، لا أَحْسَبُكَ تَرَانِي بَعْدَهَا. فَقُلْتُ: بَلْ يَرُدُّكَ اللَّهُ سَالِمًا. ثُمَّ قَالَ: وَلا أَحْسَبُكَ تَدْرِي ما أجد. فقلت: لا والله. فقال: تعالى حَتَّى أُرِيَكَ. وَانْحَرَفَ عَنِ الطَّرِيقِ، وَأَوْمَأَ إِلَى الْخَوَاصِّ فَتَنَحَّوْا، ثُمَّ قَالَ: أَمَانَةَ اللَّهِ يَا صَبَّاحُ أَنْ تَكْتُمَ عَلَيَّ. وَكَشَفَ عَنْ بَطْنِهِ، فَإِذَا عُصَابَةُ حَرِيرٍ حَوْلَ بَطْنِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ عِلَّةٌ أَكْتُمُهَا النَّاسَ كُلَّهُمْ.

وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِي عَلَيَّ رَقِيبٌ، فَمَسْرُورٌ رَقِيبُ الْمَأْمُونِ، وَجِبْرِيلُ بْنُ بَخْتَيْشُوعَ رَقِيبُ الأَمِينِ وَنَسِيتُ الثَّالِثَ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلا وَهُوَ يُحْصِي أَنْفَاسِي وَيَعُدُّ أَيَّامِي وَيَسْتَطِيلُ دَهْرِي. فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَالسَّاعَةَ أَدْعُو بِبِرْذَوْنَ، فَيَجِيئُونَ بِهِ أعْجَفَ ليزيد في علتي. ثم دعا ببرذون، فجاؤوا بِهِ كَمَا وَصَفَ، فَنَظَرَ إِلَيَّ ثُمَّ رَكِبَهُ وَانْصَرَفَ.

تَحَرُّكُ الْخُرَّمِيَّةِ:

وَفِيهَا تَحَرُّكُ الْخُرَّمِيَّةِ بِبِلادِ أَذْرَبَيْجَانَ، فَسَارَ لِحَرْبِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ فِي عَشَرَةِ آلافٍ، فَأَسَرَ وَسَبَى.

ص: 6