المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌((ذكر الأخبار الواردة بأن الله تعالى فوق عرشه)) - إثبات صفة العلو - ابن قدامة

[ابن قدامة]

الفصل: ‌((ذكر الأخبار الواردة بأن الله تعالى فوق عرشه))

((ذِكْرُ الأَخْبَارِ الْوَارِدَةُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ عَرْشِهِ))

(1)

14-

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي (بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ)(2) وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ حَدَّثَنَا)(3) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي نَصْرٍ الْحُمَيْدِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ ثَنَا)(4) أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ)(5) ثَنَا (أَبُو سَعْدٍ)(6)(أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ)(7) ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قال ثنا أبو الحسن أحمد بن عيسى الفرضي)(8) ، ويده على كتفي، قَالَ أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: ثنا أَبُو عمرو هِلالُ بْنُ العلا الرُّقِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، ثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي)(9) ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، (قَالَ) (10) : ثَنَا عَلِيُّ بْنُ

(1) هذا العنوان لا يوجد في الأصل.

(2)

ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى.

(3)

في (م) و (ر)"ثنا" بالاختصار، وبدون "قال".

(4)

في النسخ الأخرى "قال حدثني".

(5)

"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.

(6)

في النسخ الأخرى "أبو سعيد" وكذا وردت كنيته عند الذهبي في العلو، وذكره بهذه الكنية ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة، وابن الأثير في الكامل، ولعل الصواب ما أثبتناه موافقا لما في الأصل، ولما عند الذهبي في السير.

(7)

في (هـ) و (ر)"محمد بن أحمد" وهو خطأ. وإنما هو الإمام المسند محدث أصبهان أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن علي بن أحمد البغدادي الأصل الأصبهاني، المتوفى سنة (540هـ) . انظر: سير أعلام النبلاء 20/119-122.

(8)

لا يوجد في النسخ الأخرى، وهو عند الذهبي موافقا للأصل.

(9)

ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى. وهو في العلو للذهبي موافقا لما في الأصل.

(10)

لا يوجد في النسخ الأخرى.

ص: 90

أَبِي طَالِبٍ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ النَّاطِقُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ جِبْرِيلُ، وَيَدُهُ عَلَى كَتِفِي، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْرَافِيلَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْقَلَمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّوْحَ يَقُولُ: سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى (مِنْ)(1) فَوْقِ الْعَرْشِ يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ، فَلَا يَكُونُ يَبْلُغُ الْكَافَ النُّونَ حَتَّى يَكُونَ مَا يَكُونُ (2) .

(1)"من" لا توجد في النسخ الأخرى، وهي عند الذهبي.

(2)

أورده الذهبي في العلو عن المصنف، وقال: هذا حديث باطل، ما حدث به هلال أبدا، وأحمد المكي كذاب، رويته للتحذير منه. العلو ص 45. قلت: فيه العلاء بن هلال الباهلي، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث ضعيف. وذكره ابن حبان في الضعفاء، وقال: يقلب الأسانيد ويغير الأسماء، فلا يجوز الاحتجاج به. وقال النسائي: يروي عنه ابنه هلال غير حديث منكر، لا أدري منه أتى أو من أبيه. ميزان الاعتدال 3/106، والتهذيب 8/194، والضعفاء الكبير 5/1864.

أما أحمد المكي فقال الذهبي في الميزان 1/91: رمي بالكذب، كذبه أبو زرعة الكشي.

تعليق:

أورد المصنف رحمه الله هذا الحديث وما بعده للاستدلال به على فوقية الله تعالى على عرشه، بمعنى استوائه وعلوه عليه. وإذا كان هذا الحديث مما لا يصح الاستدلال به لعدم صحته، فإن صفة الاستواء من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة الصحيحة، فقد تقدم في أول الكتاب بعض الآيات التي تدل عليها، وهناك الكثير من الأحاديث التي بلغت في جملتها حد التواتر منها ما ذكره المصنف هنا، ومنها ما لم يذكره. وقبل أن أوجز الكلام في مسألة الاستواء فإنني أرى من المناسب أن أوضح أن المتكلمين بدأوا بالعرش فأولوا النصوص الواردة فيه تمهيدا لما بعده، وهو تأويل نصوص الاستواء.

وإذا كانت الأدلة على إثبات العرش مخلوقا من مخلوقات الله في غاية الصحة والوضوح -ولذلك أثبت السلف ما أثبتته- فإن المتكلمين تجرأوا على نصوصه، فأولوها جريا على عادتهم في التعامل مع كل نص يصح ويتعارض مع اتجاههم وتصوراتهم العقلية المجردة. فأولوا العرش الوارد في النصوص بالملك، وربما قالوا بعضهم: إنه فلك مستدير محيط بالعالم من جميع جوانبه، وربما سموه الفلك الأطلس، أو الفلك الواسع.

إلا أن السلف قالوا بإثبات ما أثبتته النصوص من أن العرش حقيقة موجودة وأنه أعظم

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مخلوقات الله تعالى، وأنه جسم مجسم خلقه سبحانه، واستوى عليه، لحكمة أرادها لا لحاجة منه إليه. وتعبد ملائكته سبحانه بحمله لا لحاجة منه إليهم، لأنه سبحانه هو الحامل بقدرته للعرش وما دون العرش، فالقرآن مليء بذكر العرش، وكذا السنة، فلا مجال للمراء. ولا شك في بطلان مذهب المتكلمين ورأيهم في العرش، لأن الله تعالى يقول:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (الحاقة: من الآية17) ، وليس يصح في ذهن أحد ولا في لغة العرب، أن يكون المعنى: ويحمل ملك ربك يومئذ ثمانية، وملك الله تعالى يشمل جميع خلقه من سموات وما فيهن، وأرضين وما فيهن، وكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى، وعلى تفسير هؤلاء المبتدعة يلزم أن يكون المراد أنهم حاملون لجميع مخلوقات الله لا لخلق خاص اسمه العرش، وهذا تفسير في غاية البطلان، وهو تكذيب صريح لله ولرسوله.

كما أن التفسير الآخر باطل أيضا، لأنه قد ثبت في الشرع أن للعرش قوائم تحمله الملائكة، كما ورد في الحديث المتفق عليه "

فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" والعرش في اللغة: عبارة عن السرير الذي للملك كما قال تعالى عن بلقيس: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} (النمل: من الآية: 23) ، وليس هو فلكا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغتهم. انظر: شرح الطحاوية ص248، والعلو للذهبي ص57.

فالعرش من الأمور الغيبة التي يجب علينا الإيمان بها كما أخبر الله ورسوله، أما الاستواء على العرش فمذهب السلف فيه الإيمان بأن الله استوى على عرشه -كما أخبر بذلك القرآن في سبعة مواضع، وكما أخبرت به السنة في مواضع كثيرة- استواء يليق بجلاله، وعظمته، لا تشبيه فيه باستواء المخلوقين، ولا تعطيل له عن حقيقة الصفة، بل لا بد من الإثبات وفق المنهج المرسوم في قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فأخذ السلف بنصوص الإثبات ونصوص التنزيه، فجمعوا بينهما في منهج واحد، كما هو شأنهم وطريقتهم في بقية الصفات. أما المتكلمون فأولوا الاستواء بالاستيلاء والغلبة والقهر، وليس لهم من دليل على هذا التأويل سوى بيت من الشعر للأخطل النصراني، ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 9/261، وهو:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

وعقب عليه بقوله: وهذا البيت تستدل به الجهمية على أن الاستواء على العرش بمعنى

ص: 92

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الاستيلاء، وهذا من تحريف الكلم عن مواضعه، وليس في بيت هذا النصراني حجة ولا دليل على ذلك، ولا أراد الله عز وجل باستوائه على عرشه استيلاءه عليه، تعالى الله عن قول الجهمية علوا كبيرا.

فإنه إنما يقال استولى على الشيء إذا كان ذلك الشيء عاصيا عليه قبل استيلائه عليه

ولا نجد أضعف من حجج الجهمية حتى أداهم الإفلاس من الحجج إلى بيت هذا النصراني المقبوح، وليس فيه حجة. ابن كثير نفس المصدر 9/262.

أقول: وليس استدلالهم هذا عجيبا ولا غريبا، فقد استدلوا بكلام هذا النصراني ذاته في أخطر صفة من صفات الله تعالى ألا وهي صفة الكلام، فإفلاسهم هنا امتداد لإفلاسهم هناك.

وهذا التأويل مرفوض تماما حتى من جهة اللغة -فضلا عما يشتمل عليه من معان لا يجوز إضافتها إلى الله سبحانه- فقد رد ابن الأعرابي -من علماء اللغة- على أصحاب هذا التأويل بقوله لمن قال له: إنما معنى استوى استولى: ما يدريك؟ العرب لا تقول استولى على العرش فلان حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل استولى عليه، والله تعالى لا مضاد له، فهو على عرشه كما أخبر. انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 412. وانظر: تأويلات من أول بهذا المعنى وهم المعتزلة، والأشاعرة، في: الأسماء والصفات للبيقهي ص 410، وغاية المرام في علم الكلام للآمدي 141، والاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص 104، ومتشابه القرآن للقاضي عبد الجبار 1/73، 351.

وذكر الإمام ابن القيم تأويلا آخر ذهب إليه بعض القوم، وهو تأويلهم استوى بمعنى أقبل، ورد عليه فقال رحمه الله: تأويل قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} (لأعراف: من الآية: 54) ، بأنه أقبل على خلقه، فهذا إنشاء منهم لوضع لفظ (استوى على) أقبل على خلقه، وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة، فإنهم ذكروا معاني استوى، ولم يذكر أحد منهم أصلا في معانيه الإقبال على الخلق، فهذه كتب اللغة طبق الأرض، هل تجدون أحدا منهم يحكي ذلك على اللغة؟ وأيضا فإن استوى الشيء، والاستوى إليه وعليه يستلزم وجوده، ووجود ما نسب إليه الاستواء بـ إلى أو بـ على، فلا يقال: استوى إلى أمر معدوم، ولا استوى عليه، فهذا التأويل إنشاء محض، لا إخبار صادق عن استعمال أهل اللغة.

الصواعق المنزلة 1/155.

والتفسير الصحيح للاستواء الذي ذهب إليه السلف هو تفسير استوى بمعنى علا، لأن

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

للاستواء أربعة معان، ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله فقال:

فلهم عبارات عليها أربع قد حصلت للفارس الطعان وهي استقر، وقد علا، وكذلك ار

تفع الذي ما فيه من نكران وكذاك قد صعد الذي هو رابع وأبو عبيدة صاحب الشيباني يختار هذا القول في تفسيره أدرى من الجهمي بالقرآن

وفي اختيار معنى العلو لتفسير الاستواء، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) ، أي علا. انظر: غاية الأماني في الرد على النبهاني 1/460.

وقال مجاهد: استوى: علا على العرش، وحكى أيضا عن أبي العالية تفسيره بمعنى ارتفع. انظر: صحيح البخاري 13/403. كما ورد استعمالهم للألفاظ الأخرى، وكلما تؤدي إلى معنى العلو، كما حكى عن ابن عباس: استوى بمعنى استقر، وفسر أبو عبيدة: استوى بمعنى صعد. انظر: الإتقان للسيوطي 2/706.

فالله تعالى مستو على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه معهم كما قال ابن أبي شيبة رحمه الله: "

بل هو فوق العرش كما قال محيط بالعرش، متخلص من خلقه، بين منهم، علمه في خلقه لا يخرجون من علمه". العرش للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، المتوفى سنة 297هـ، ص 5.

وانظر في تقرير مذهب السلف: الرد على الجهمية للدارمي ص 13-29، وإنما نفى القوم الاستواء وأولوه ليستقيم القول بالحلول لمن قال به منهم، والقول بأنه ليس في مكان لمن قال به. والله المستعان.

ص: 94

15-

قَرَأْتُ عَلَى (أَحْمَدَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدِيٍّ)(1) أَخْبَرَكُمُ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ، أَنْبَأَ أَبُو عُمَرَ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ اللؤلؤي، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْبَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ فيهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّتْ سَحَابَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ: مَا تُسَمُّونَ هَذِهِ؟ قَالُوا: السَّحَابُ، قَالَ: وَالْمُزْنُ، قَالُوا: وَالْمُزْنُ، قَالَ: وَالْعَنَانُ، قَالُوا: وَالْعَنَانُ. قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا بُعْدُ (مَا)(2) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟ قَالُوا لَا نَدْرِي، قَالَ: إِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٍ، وَإِمَّا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَسَبَعْيِنَ سَنَةً، ثُمَّ السَّمَاءُ فَوْقَهَا كَذَلِكَ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، ثُمَّ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِمْ وَرُكَبِهِمْ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِمُ الْعَرْشُ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى فَوْقَ ذَلِكَ (3) .

(1) في النسخ الأخرى "قرأت على أبي المظفر بن حمدي"، وأبو المظفر كنيته.

(2)

"ما" ليست في (هـ) ، ولا في (ر) .

(3)

أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب الجهمية، ح (4723) ، 5/93، والترمذي في التفسير، ح (3320) ، 5/424، وقال: هذا حديث حسن غريب، وروى الوليد بن أبي ثور عن سماك نحوه ورفعه، وروى شريك عن سماك بعض هذا الحديث ولم يرفعه. اهـ.

ورواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 100-102، وابن أبي عاصم في السنة، ح (577) ، 1/253، وأحمد في المسند 1/206-207، والدارمي في الرد على الجهمية ص 19، وابن ماجه ف يالمقدمة، ح (193) ، 1/69، وأورده الذهبي في العلو، وقال: تفرد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة. العلو ص 50، وقد حكم الشيخ الألباني -في تخريجه للسنة لابن أبي عاصم- بضعف إسناده.

قلت: عبد الله بن عميرة الكوفي الذي عليه مدار الحديث -قال فيه البخاري: لا يعلم له سماع من الأحنف. وقال الذهبي: فيه جهالة. وذكره ابن حبان في الثقات، والترمذي حسن حديثه.

انظر: التهذيب 5/344، والميزان 2/469.

أما راوي الحديث عن سماك، وهو وليد بن أبي ثور، فقال عنه العقيلي: يحدث عن سماك بمناكير لا يتابع عليها. التهذيب 11/137-138.

ص: 95

16-

وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمُظَفَّرِ (بْنِ حَمْدِيٍّ)(1) خَبَّرَكُمْ (مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ)(2) أَنْبَأَ (أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ)(3) أَنْبَأَ (الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ)(4) أَنْبَأَ (مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو)(5) ثَنَا (سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ)(6)(ثَنَا)(7) مُحَمَّدُ بن بشار، أثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يُحَدِّثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَهِدَتِ الأَنْفُسُ، (وَضَاعَتِ)(8) الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ، وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا، فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ، وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟ وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ. ثُمَّ قَالَ:(وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ)(9) ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ؟ إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ (10) .

(1)"بن حمدي" ليست في النسخ الأخرى.

(2)

في النسخ الأخرى ذكر بكنيته "أبو الحسين".

(3)

في النسخ الأخرى ذكر لقبه "الخطيب" فقط، وهو البغدادي صاحب التاريخ.

(4)

في النسخ الأخرى "أنبأ أبو عمر". وهي كنيته. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/1057.

(5)

في (هـ) و (ر)"أنبأ أبو علي"، وفي (م)"اللؤلؤي أبو علي"، وهي لقبه ونسبته.

انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء 15/307.

(6)

في النسخ الأخرى ذكر بكنيته فقط "أبو داود".

(7)

في (هـ)"قال حدثنا".

(8)

في النسخ الأخرى "وضاع".

(9)

ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى.

(10)

أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في الجهمية، ح (4726) ، وابن خزيمة في التوحيد ص 103. والآجري في الشريعة ص 293، وابن أبي عاصم في السنة 1/252.

قال الألباني وإسناده ضعيف ورجاله ثقات، لكن محمد بن إسحاق مدلس، ومثله لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث، وهذا ما لم يفعله في ما وقفت عليه من الطرق إليه. انظر تعليقه على هذا الحديث في السنة لابن أبي عاصم 1/252.

وأورده الذهبي في العلو ص 39، وقال فيه: هذا حديث غريب جدا فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا، وأما الله عز وجل فليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤه، ولا إله غيره

وقولنا في هذه الأحاديث: إننا نؤمن بما صح منها، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره، فأما ما في إسناده مقال، واختلف العلماء في قبول تأويله، فإنا لا نتعرض له بتقرير، بل نرويه في الجملة ونبين حاله، وهذا الحديث إنما سقناه لما فيه مما تواتر من علو الله تعالى فوق عرشه، مما يوافق آيات الكتاب. انتهى.

ص: 96

17-

قُرِئَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازَةُ الْمَعْرُوفَةُ (بِنَفِيسَةَ)(1) ، وَأَنَا أَسْمَعُ أَخْبَرَكُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ أَنْبَأَ (أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ)(2) أَنْبَأَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُكْرَمٍ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَتْ زَيْنَبُ تَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَعْظَمُ نَسَائِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَأَنَا خَيْرُهُنَّ مَنْكَحًا، زَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، وَكَانَ جِبْرِيلُ هُوَ السَّفِيرُ بِذَلِكَ، وَأَنَا ابنة عمتك، وليس لَكَ مِنْ نِسَائِكَ قَرِيبَةٌ غَيْرِي (3) .

(1) في الأصل "نفسية" والتصحيح من النسخ الأخرى. ومن المصادر التي ترجمت لها.

(2)

في النسخ الأخرى (أبو الحسين بن بشران فقط) .

(3)

الحديث مرسل. أخرجه الطبري، وأبو القاسم الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان، ذكر ذلك الحافظ في الفتح 13/412. وانظر: تفسير الطبري 22/14، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ:"إن الله أنكحني في السماء" كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، ح (7421) . وفي نفس الموضع عن أنس أيضا بلفظ "زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات"، ح (7420) ، فتح الباري 13/403-404. وأخرجهما بهذين اللفظين ابن سعد في الطبقات (8/103، 106) . وباللفظ الأخير رواه الترمذي في كتاب التفسير، ح (3213) ، 5/354، وباللفظ الأول رواه أحمد في المسند 3/226.

ص: 97

18-

أَخْبَرَنَا (أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِيِّ)(1) أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونَ، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ، ثَنَا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ (الْبَرْتِيُّ)(2) ثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، ثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، هُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي"(3) .

وَفِي لَفْظٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (سَمِعْتُ)(4) رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَمُسْلِمٌ)(5) .

(1) في النسخ الأخرى "أبو الفتح محمد بن عبد الباقي".

(2)

في الأصل "البرقي" وفي (هـ) ، (ر)"البرمي" فقط بدون اسم، وكلاهما خطأ، والصواب ما أثبتناه نقلا عن (م) . وهو كذلك في ترجمته، انظر: تذكرة الحفاظ 2/596.

(3)

هذا اللفظ لا يوجد في غير الأصل من نسخ الكتاب.

(4)

في الأصل "قال" والتصحيح من النسخ الأخرى.

(5)

"ومسلم" لا توجد في الأصل.

والحديث متفق عليه. انظر البخاري، كتاب بدء الخلق، باب "وهو الذي يبدأ الخلق"، ح (3194) ، 6/287، وكتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، ح (7422) ، 13/404، وباب قول الله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، ح (7404) ، 13/383، وباب قوله تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} ، ح (7453) ، 13/440، وباب قوله تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} ، ح (7554) ، 13/522.

ومسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه، ح (2751) ، 4/2107.

وأحمد في المسند 2/358، 381.

وابن أبي عاصم في السنة، ح (608) ، 1/270.

ص: 98

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وابن ماجة، في كتاب الزهد، ب اب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، ح (4295) ، 2/1435. وابن خزيمة في التوحيد ص 58، والآجري في الشريعة ص 290، وأبو إسماعيل الهروي في الأربعين، ح (12) ، ص 55، بتحقيق الدكتور/ علي محمد ناصر فقيهي، وأورده الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح (1629) ، 4/171.

والحديث يشتمل على إثبات ثلاث صفات هي: صفة الاستواء على العرش، وهي ما ساق المصنف الحديث من أجله، وقد تقدم الكلام عليها.

الصفة الثانية: صفة الرحمة، وهي من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة، وقد تقدم الحديث عنها تفصيلا.

أما الصفة الثالثة: فهي صفة الغضب، وهذه الصفة ثابتة لله تعالى كغيرها من الصفات، فقد ثبت بالقرآن كما ثبتت بالسنة، يقول تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} ، النساء/ 93. وقال:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} ، البقرة/ 61، وقال:{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ} ، آل عمران/ 112، وقال تعالى:{وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} ، سورة النور/ 9. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الواردة في هذا المعنى. إلا أن المتكلمين -جريا على عادتهم- أولوا هذه الصفة بحجة أن إثباتها فيه إضافة نقص الله تعالى، لأن الغضب غليان دم لطلب الانتقال -بزعمهم- لذلك أولوا الغضب بإرادة التعذيب.

راجع مشكل الحديث لابن فورك ص 395، وقال محققه: والمراد بالغضب لازمه وهو أيضا العذاب إلى من يقع عليه الغضب. انظر هامش مشكل الحديث ص 394.

وقد رد الإمام ابن تيمية على تأويلهم وشبهتهم فقال: وأما قول القائل: "الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام" فليس بصحيح في حقنا، بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلا.

وأيضا فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب، كما أن الحياء يقارن حمرة الوجه، والوجل يقارن صفرة الوجه، لا أنه هو. وهذا لأن النفس إذا قام بها دفع المؤذي، فإن استشعرت القدرة فاض الدم إلى خارج فكان منه الغضب، وإن استشعرت العجز عاد الدم إلى داخل، فاصفر الوجه كما يصيب الحزين.

وأيضا فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فلا هو مماثلا لنا، لا لذواتنا، ولا لأرواحنا، وصفاته كذلك.

ونحن نعلم بالاضطرار أنا إذا قدرنا موجودين: أحدهما عنده قوة يدفع بها الفساد، والآخر لا فرق عنده بين الصلاح والفساد، كان الذي عند تلك القوة أكمل. ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش كالديوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلمين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش، وحمية يدفع بها الظلم، ويعلم أن هذا أكمل من ذلك، ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الرب بالأكملية في ذلك، فقال في الحديث الصحيح:"لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن" وقال: "أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا أغير منه".

وقول القائل: هذه انفعلات نفسية. فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل، ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلا لها عاجزا عن دفعها، وكان كل ما يجري في الوجوه، فإنه بمشيئته وقدرته، لا يكون إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يكون، له الملك وله الحمد. انتهى. الفتاوى 6/119-120. وهكذا نرى أن القوم أولوا النصوص المثبتة لهذه الصفة مع أنها ثابتة بالعقل -على الوجه الذي ذكره شيخ الإسلام- كما هي ثابتة بالنص أيضا. ويلزم في المعنى الذي فروا إليه ما ألزموا به أنفسهم في المعنى الذي فروا منه، لأن الإرادة يقال فيها ما يقال في غيرها من الصفات، فيمكن أن يقال إنها ميل النفس وهذا انفعال نفسي، فقالوم يقيسون الغائب على الشاهد فيشبهون أولا ثم ينتقلون إلى مرحلة التأويل، فجمعوا بين التشبيه والتعطيل، وهذا شأن كل مبطل، يبدأ من باطل وينتهى إليه، والحال أن منهج الإثبات المقرون بالتنزيه هو المنهج الأقوم الذي لا سبيل إلى نقده. ولذلك وافق السلف بمنهجهم هذا العقل كما وافقوا النقل، أما المتكلمون فقد خالفوا النقل، وخالفوا العقل أيضا من حيث ظنوا أنهم وافقوه.

ص: 99

19-

أَخْبَرَنَا (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي، أَنْبَا (حَمَدُ)(1) بْنُ أَحْمَدَ الْحَدَّادُ) (2) أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ بْنِ نُوحٍ، ثَنَا صَالِحُ بْنُ بَيَّانٍ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ

(1) في النسخ الأخرى "أحمد" وهو خطأ تكرر، وسبق التنبيه عليه.

(2)

في الأصل "أخبرنا محمد أنبأ حمد" وأثبت الاسم كما ورد في النسخ الأخرى.

ص: 100

عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُشْرِفُ عَلَى حَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِ الدُّنْيَا، فَيَذْكُرُهُ اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ (سَمَاوَاتٍ) (1) ، فَيَقُولُ: مَلَائِكَتِي، إِنَّ عَبْدِي هَذَا قَدْ أَشْرَفَ عَلَى حَاجَةٍ مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا، فَإِنْ فَتَحْتُهَا لَهُ فَتَحْتُ لَهُ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ، وَلَكِنْ أَزْوُوهَا عَنْهُ، فَيُصْبِحُ الْعَبْدُ عَاضًّا عَلَى أَنَامِلِهِ يَقُولُ: مَنْ سَبَقَنِي؟ مَنْ دَهَانِي؟ وَمَا هِيَ إِلَّا رَحْمَةٌ رحمه الله بِهَا".

هَذَا حَدِيثٌ (غَرِيبٌ)(2) مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ (عَنِ)(3) الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ. قَالَ (أَبُو نُعَيْمٍ)(4) : لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدِ عن صالح (5) .

20-

أخبر (مُحَمَّدٌ)(6) أَنْبَأَ (حَمَدٌ)(7) أَنْبَأَ (أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ)(8) ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَرَّاءِ، ثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ سِنَانٍ،

(1) في (هـ) ، (م)"سماواته".

(2)

كلمة "غريب" أضفتها من الحلية.

(3)

في الأصل "و" ولعل ما أثبتناه هو الصواب.

(4)

في الأصل "قال أبو نعيم نعيم" وهو خطأ.

(5)

الكلام من بداية قوله: هذا حديث غريب إلى نهايته لا وجود له في النسخ الأخرى.

ورواه أبو نعيم في الحلية 3/305، 7/208.

وأورده الذهبي في العلو ص 44، وقال:"صالح تالف ولا يحتمل شعبة هذا".

قلت: وصالح هذا هو ابن بيان الثقفي، ويقال العبدي، ويعرف بالساحلي. قال الخطيب: كان ضعيفا يروي المناكين عن الثقات. تاريخ بغداد 9/310.

وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم، ويحدث بالمناكير عمن لم يحتمل. الضعفاء الكبير 2/200.

وقال الدارقطني: متروك، وساق له ابن عدي أحاديث باطلة. الميزان 2/290. وانظر: الكامل في الضعفاء لابن عدي 4/1384.

(6)

هو ابن عبد الباقي. تقدم في الحديث السابق.

(7)

في (ر) ، (هـ)"أحمد" وهو خطأ كما تقدم.

(8)

أحمد بن عبد الله، لا يوجد في النسخ الأخرى. وهو أبو نعيم الحافظ صاحب الحلية.

ص: 101

عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أَنْتَ قُبِضْتَ فَمَنْ يُغَسِّلُكَ؟ وَفِيمَ نُكَفِّنُكَ؟ وَمَنْ يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ وَمَنْ يُدْخِلُكَ الْقَبْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يا علي أما الْغُسْلُ فَاغْسِلْنِي أَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ الْمَاءَ، وَجِبْرِيلُ ثَالِثُكُمَا، فَإِذَا أَنْتُمْ فَرَغْتُمْ مِنْ غُسْلِي فَكَفِّنُونِي فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جُدُدٍ، وَجِبْرِيلُ يَأْتِينِي بِحَنُوطٍ مِنَ الْجَنَّةِ، فَإِذَا أَنْتُمْ وَضَعْتُمُونِي عَلَى السَّرِيرِ فَضَعُونِي فِي الْمَسْجِدِ، وَاخْرُجُوا عَنِّي، فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ الرَّبُّ عز وجل مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، ثُمَّ جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ زُمَرًا، ثُمَّ ادْخُلُوا (فَقَومُوا صُفُوفًا صُفُوفًا)(1) ، لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيَّ أَحَدٌ، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ أَدْخَلُوهُ الْمَسْجِدَ، وَخَرَجَ النَّاسُ عَنْهُ، فَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الرَّبُّ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، ثُمَّ جِبْرِيلُ ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ زُمَرًا زُمَرًا (2) .

(1) في النسخ الأخرى "فصفوا صفوفا".

(2)

هذا جزء من حديث مطول رواه أبو نعيم في الحلية 4/77، 78، وأورده الذهبي في العلو من طريق المصنف، وقال: هذا الحديث موضوع. وأراه من افتراءات عبد المنعم، وإنما رويته لهتك حاله. العلو ص 43.

قلت: عبد المنعم بن إدريس بن سنان بن كليب، أورده العقيلي في الضعفاء 3/112. وقال: ذاهب الحديث. وذكره ابن حبان في المجروحين (2/157)، وقال: يضع الحديث على أبيه وعلى غيره. وأورد هذا الحديث أيضا -بطوله- ابن الجوزي في الموضوعات، باب ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم. 1/295-301.

وقال: هذا حديث موضوع محال، كافأ الله من وضعه، وقبح من يشين الشريعة بمثل هذا التخليط البارد، والكلام الذي لا يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بالصحابة، والمتهم به عبد المنعم بن إدريس، قال أحمد بن حنبل: كان يكذب على وهب، وقال يحيى: خبيث كذاب. وقال ابن المديني، وأبو داود: ليس بثقة، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به، وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان. انظر: الموضوعات 1/301.

أقول: أما أبوه فهو إدريس بن سنان بن بنت وهب بن منبه، قال الدارقطني: متروك، وضعفه ابن عدي، وقال ابن معين: يكتب من حديثه الرقاق، وعده ابن حبان في الثقات، وقال: يتقى حديثه من رواية ابنه عبد المنعم عنه. انظر: الضعفاء والمتروكين /158، وميزان الاعتدال 1/169، وتهذيب التهذيب 1/194.

ص: 102

21-

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ أنبأ أحمد أَنْبَأَ حَمَدٌ (1) ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ السِّنْدِيِّ (2) ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ (3) ثَنَا يَحْيَى بْنُ (خُذَامٍ)(4) بْنُ مَنْصُورٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الأَنْصَارِيُّ، ثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عَنِ اللَّهِ عز وجل (5) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي (وَوَحْدَانِيَّتِي)(6)(وَفَاقَةِ خَلْقِي إِلَيَّ)(7) ، وَاسْتِوَائِي عَلَى عَرْشِي، وَارْتِفَاعِ مَكَانِي، إِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِي، وَأَمَتِي، يَشِيبَانِ فِي الإِسْلَامِ، ثُمَّ أُعِذِّبُهُمَا. وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم يَبْكِي عِنْدَ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: بَكَيْتُ لِمَنْ يَسْتَحْيِي اللَّهُ تَعَالَى منه، ولا يستحيي مِنَ اللَّهِ عز وجل (8) .

(1) السند إلى هنا هو بعينه ما ورد في الحديث الذي قبله، فمحمد هو ابن عبد الباقي، و"حمد" الوارد خطأ في جميع النسخ "أحمد" هو ابن أحمد الحداد. وأحمد الأخير هو الحافظ أبي نعيم.

(2)

في (م) انقطاع في السند بين محمد بن عبد الباقي وابن الصباح حيث سقط ثلاثة من رجاله.

(3)

في (م)"محمد بن الصباح".

(4)

في (ر) ، و (هـ)"حرام" وفي (م)"حزام" وفي الأصل "حدام" بحاء ودال مهملتين. والصواب ما أثبت، وهو موافق لما في الحلية. وانظر ترجمته في الميزان 4/372. وجاء في التهذيب "خدام" بالدال المهملة 11/203. وفي التقريب: يحيى بن خذام بكسر المعجمة. وقال المعلق: ما في نسخة التهذيب من الإهمال تصحيف. انظر: التقريب 2/346.

(5)

ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى.

(6)

لا توجد في النسخ الأخرى.

(7)

لا يوجد في (هـ) ، و (ر) .

(8)

أخرجه أبو نعيم في الحلية 2/387، وقال: لم يروه عن مالك إلا أبو سلمة الأنصاري ترد به عنه يحيى بن خذام.

وأورده الذهبي في العلو ص 43، وقال: عداده في الموضوعات وهذا الأنصاري ليس بثقة. وأورده في الميزان 3/600.

قلت: ومحمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري قال عنه العقيلي: منكر الحديث جدا، وقال ابن طاهر: كذا وله طامات. وقال مالك بن دينار: منكر الحديث. انظر الميزان 3/598، والضعفاء الكبير للعقيلي 4/96.

وقد أورد الذهبي مجموعة من طاماته التي أشار إليها ابن طاهر، منها هذا الحديث. انظر: الميزان 3/598-600.

وأورده برهان الدين الحلبي في الكشف الحثيث عمن رومي بوضع الحديث ص 382. وذكر قول ابن طاهر: كذاب له طامات. وقال فقوله: "وله طامات" كناية عن الموضوعات، فالظاهر أنه يضع، لأنه كذاب.

ص: 103

22-

أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودٍ الثَّقَفِيُّ، أَنْبَأَ جَدِّي الْحَافِظُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ، أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطِيبِ (الأَنْبَارِيُّ)(1) أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (2) الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانٍ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، ثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ (عَنْ) (3) عُبَيْدَةَ (الْهُجَيْمِيِّ) (4) قَالَ: قَالَ أَبُو جُرَيٍّ جَابِرُ بْنُ

(1) في (ر)"الأنصاري" وهو خطأ.

(2)

في (هـ) أبو عبد الله بن الحسين. وهو خطأ. وإنما هو الحسين وأبو عبد الله كنيته. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 17/265.

(3)

في (هـ)"ابن" وهو خطأ.

(4)

في جميع النسخ "الجهيمي" وهو خطأ. والتصحيح من مصادر الحديث الأخرى. ومن التهذيب. والهجيمي: بضم الهاء، وفتح الجيم، وسكون الياء -هذه النسبة إلى محلة بالبصرة، نزلها بنو الهجيم بن عمرو بن تميم بن مر بن أد، بطن من تميم، فنسبت المحلة إليهم

وجماعة كثيرة ينسبون إلى القبيلة والمحلة. اللباب 3/382.

قال في التهذيب: عبيدة -بفتح العين- أبو خداش الهجيمي البصري، عن أبي جري الهجيمي حديث لا تحقرن من المعروف شيئا.

وقيل عن أبي تميمة عن أبي جري. التهذيب 7/86.

ص: 104

سُلَيْمٍ: رَكِبْتُ قَعُودًا لِي، وَأَتَيْتُ (مَكَّةَ)(1) فِي طَلَبِهِ، فَأَنَخْتُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِبُرْدَةٍ لَهَا طَرَايِقُ حُمْرٌ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، قُلْتُ: إِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ بِنَا الْجَفَا، فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِنَّ، قَالَ: أدن ثلاثا. فقال: أَعِدْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: إِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَوْمٌ بِنَا الْجَفَا، فَعَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِنَّ، (فَقَالَ) (2) : اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، ولو أَنْ تَصُبَّ فَضْلَ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ (الْمُسْتَسْقِي)(3) ، وَإِذَا لَقِيتَ أَخَاكَ فَالْقَهُ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخْيَلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ سَبَّكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلَا تَسُبَّهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لَكَ أَجْرًا، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ وِزْرًا، وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمَّا خَوَّلَكَ اللَّهُ عز وجل. قَالَ أَبُو جُرَيٍّ: فَوَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَا سَبَبْتُ لِي شَاةً وَلَا بَعِيرًا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرْتَ (إِسْبَالَ)(4) الإِزَارِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالرَّجُلِ القرح، أو الشيء يَسْتَحِي مِنْهُ، قَالَ لَا بَأْسَ إلى نصف السابق، أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبَلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَيْنِ فَتَبَخْتَرَ فِيهِمَا، فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ فَمَقَتَهُ، فَأَمَرَ الأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ. فَاحْذَرُوا وَقَائِعَ اللَّهِ عز وجل" (5) .

(1)"مكة" ليست في (ر) .

(2)

في النسخ الأخرى "قال".

(3)

في (ر) ، و (هـ)"المستقي".

(4)

في الأصل "الإسبال".

(5)

رواه أبو داود في كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، ح (4084) ، 4/344، عن طريق أبي تميمة الهجيمي بدل عبيدة، وقال أبو داود:(وأبو تميمة اسمه طريف بن مجالد) .

وروى بعضه الترمذي في الاستئذان، باب كراهية أن يقول: عليك السلام مبتدئا، ح (2722) ، 5/72، وليس عندهم الشطر الذي فيه الشاهد، وللحديث طرق ذكرها الإمام أحمد في المسند 5/63-64، وليس فيها الشاهد، وأورده الذهبي في العلو ص 36، وقال: إسناده لين.

ص: 105

23-

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ صَابِرٍ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَكَمُ الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِيُّ، أَنْبَأَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْكِتَّانِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ، أَنْبَأَ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفٍ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ (أَبِي) (1) ثَابِتٍ أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ أَنْشَدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم:

شَهِدْتُ بِإِذْنِ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا

رَسُولُ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ من عل

وأنا أَبَا يَحْيَى وَيَحْيَى كِلَاهُمَا

لَهُ عَمَلٌ مِنْ رَبِّهِ مُتَقَبَّلِ

وَأَنَّ أخا الأحقاف إذا قَامَ فِيهِمُ

يَقُولُ بِذَاتِ اللَّهِ فِيهِمْ وَيَعْدِلِ (2)

24 -

أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ أَسْعَدَ بْنِ بَوْشٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْعِزِّ أَحْمَدُ بْنُ (عُبَيْدِ اللَّهِ)(3) بْنِ (كَادِسٍ)(4) أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَينِ الْجَازِرِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَرَجِ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى (الْجَرِيرِيُّ)(5) ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَوْهَرِيُّ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الضَّحَّاكِ، ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ عدي بن عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ: لَمَّا

(1)(أبي) ليست في الأصل. والصحيح إضافتها كما في النسخ الأخرى. وانظر ترجمته في التهذيب 2/187.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 8/695، والهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه أبو يعلى وهو مرسل. ووردت هذه الأبيات في ديوان حسان ص 319، ضمن أبيات أنشدها النبي صلى الله عليه وسلم.

وأورده الذهبي في العلو ص 40، وقال: هذا مرسل.

(3)

في النسخ الأخرى "عبد الله"، وهو خطأ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 19/558.

(4)

في (هـ)"كاؤس".

(5)

في النسخ الأخرى "الحريري" بالحاء المهملة. وهو خطأ، وهو نسبة إلى مذهب محمد بن جرير الطبري، والمعافى كانت نسبته إليه. انظر: اللباب 1/276.

ص: 106

اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفَدَ الشُّعَرَاءُ إِلَيْهِ، فَأَقَامُوا بِبَابِهِ أَيَّامًا لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ يَوْمًا وَقَدْ (أَزْمَعُوا الرَّحِيلَ)(1)(مَرَّ بِهِمْ)(2) بْنُ أَرْطَأَةَ، فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ:

يَا أَيُّهَا (الرَّاكِبُ)(3)(الْمُزْجِي)(4) مَطِيَّتَهُ

هَذَا زَمَانُكَ إِنِّي قد مضى زماني

أَبْلِغْ خَلِيفَتَنَا إِنْ كُنْتَ لاقيه

(أني لذي)(5) الْبَابِ كَالْمَصْفُودِ فِي قَرَنِي

لَا تَنْسَ حَاجَتَنَا أَلْفَيْتُ مَغْفِرَةً

قَدْ طَالَ مُكْثِي عَنْ أَهْلِي وَعَنْ وَطَنِي

قَالَ: فَدَخَلَ عَدِيٌّ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الشُّعَرَاءُ بِبَابِكَ، وسهامهم مسمومة، وأقوالهم نافذة، قَالَ: وَيْحَكَ يا عدي، ما لي وَللشُّعَرَاءُ. قَالَ: أَعَزَّ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِ امْتُدِحَ فَأَعْطَى، وَلَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: امْتَدَحَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ، فَأَعْطَاهُ حُلَّةً قَطَعَ بِهَا لِسَانَهُ. قَالَ: أَوَ تَرْوِي مِنْ قَوْلِهِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، فأنشده:

رأيتك بأخير الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا

نَشَرْتَ كِتَابًا جَاءَ بِالْحَقِّ مُعْلِمَا

شَرَعْتَ لَنَا دِينَ الْهُدَى بَعْدَ جَوْرِنَا

عَنِ الْحَقِّ لَمَّا أَصْبَحَ الْحَقُّ مُظْلِمَا

وَنَوَّرْتَ بِالْبُرْهَانِ أَمْرًا مُدَلَّسًا

واطفأت بالبرهان نار تَضَرَّمَا

فَمَنْ بَلَّغَ عَنِّي النَّبِيَّ مُحَمَّدًا

وَكُلُّ امْرِئٍ يُجْزَى بِمَا كَانَ قَدَّمَا

أَقَمْتَ سَبِيلَ الْحَقِّ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ

وَكَانَ قَدِيمًا رُكْنُهُ قَدْ تَهَدَّمَا

تَعَالَى عُلُوًّا فَوْقَ (عَرْشِ)(6) إِلَهِنَا

وَكَانَ مَكَانُ اللَّهِ أَعْلَى وَأَعْظَمَا

(1) في (م)"وقد أجعوا على الرحيل".

(2)

في (م)"إذ مر بهم" بزيادة "إذ".

(3)

في النسخ الأخرى (الرحل) .

(4)

في (م)(المرخي) .

(5)

في النسخ (هـ) ، و (م)"إني لدي) بالدال المهملة. وفي (م) "إنا" بضمير الجمع.

(6)

في (م)"العرش".

ص: 107

ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ (1) .

25-

قُرِئ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرِ بن شاذان، أبنأ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُغَلِّسِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ، (حَدَّثَنِي)(2) أَبِي، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ لَمَّا حَكَمَ في بني قريضة قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ حُكْمًا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ (3) .

(1) أورده الذهبي في العلو ص 42، عن طريق الهيثم بن عدي، وقال عنه: وهو إخباري ضعيف. وعزاها إلى المصنف.

أقول: والهيثم بن عدي اتهم بالكذب، قال يحيى بن معين، والبخاري: ليس بثقة، كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي، وغيره: متروك الحديث. انظر: الميزان 4/324، والضعفاء الكبير 4/352.

والقصة أوردها كاملة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد 1/205، ط الثانية بالمطبعة الأزهرية، سنة 1346هـ. وابن كثير في البداية والنهاية 9/262.

(2)

في النسخ الأخرى "قال حدثني".

(3)

أورده الذهبي في العلو ص 32، وقال: هذا مرسل.

قلت: وورد عنده محمد بن مالك بدل معبد بن كعب وهو خطأ.

انظر ترجمة معبد في التهذيب 10/224.

وورد الحديث عند ابن إسحاق في السيرة مرسلا أيضا عن علقمة بن وقاص 3/293. وأورده الذهبي من طريق آخر عن سعد بن أبي وقاص، وقا: هذا حديث صحيح أخرجه النسائي من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمر العقدي عن محمد بن صالح التمار، وهو صدوق. اهـ. انظر: العلو ص 32.

والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه، وليس فيه موضع الشاهد. انظر: البخاري، كتاب المغازي، ح (4121) ، فتح الباري 7/411، ومسلم، كتاب الجهاد، ح (1769) ، 3/1389.

وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص 420 من حديث سعد بن أبي وقاص المشار إليه آنفا. وفي سنده محمد بن صالح التمار، قال الحافظ بن حجر: صدوق يخطئ. التقريب 2/170.

وترجم له الذهبي في الميزان 3/581، وذكر خلاف العلماء فيه، فقال: وثقه أحمد، وأبو داود، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي.

أقول: والأرقعة: قال الزمخشري: هي السموات، لأن كل واحدة منها رقيع التي تحتها. الفائق في غريب الحديث 2/77، وقال صاحب لسان العرب: والسموات السبع يقال إنها سبعة أرقعة، كل سماء منها رقعت التي تليها، فكانت طبقا لها، كما ترقع الثوب بالرقعة. انظر: مادة "رقع".

ص: 108

26-

أَخْبَرَنَا (طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ)(1) أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ مَكِّيُّ بْنُ مَنْصُورٍ، أَنْبَأَ (أَبُو بَكْرٍ الْجَرْشِيُّ) (2) ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ (قَالَ) (3) أَنْبَأَ (الشَّافِعِيُّ) (4) أَنْبَأَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ (حَدَّثَنِي) (5) مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَزْهَرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ (عُبَيْدِ اللَّهِ) (6) بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَتَى جِبْرِيلُ "عليه السلام" بِمِرْآةٍ بَيْضَاءَ، فِيهَا نُكْتَةٌ، إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَا هَذِهِ) ؟ (7) قَالَ هَذِهِ الْجُمُعَةُ، فُضِّلْتَ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتُكَ، (فَالنَّاسُ)(8) لُكُمْ فِيهَا تَبَعٌ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَهُوَ عِنْدَنَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا جِبْرِيلُ (مَا)(9) يَوْمُ الْمَزِيدِ؟ قَالَ: إِنَّ رَبَّكَ

(1) في النسخ الأخرى "طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي".

(2)

في النسخ الأخرى "أبو بكر أحمد بن الحسن الجرشي"، والجرشي -بضم الجيم وفتح الراء وكسر الشين المعجمة- نسبة على بني جُرش، بطن من حمير، وقيل إن جرش موضع باليمن، ويحتمل أن تكون هذه القبيلة نزلته فسمي بها. انظر: اللباب 1/272.

(3)

"قال" ليست في النسخ الأخرى.

(4)

في النسخ الأخرى "الشافعي محمد بن إدريس".

(5)

في النسخ الأخرى "قال حدثني".

(6)

في النسخ الأخرى "عبد الله" وهو خطأ. وما في الأصل موافق لما عند الشافعي في مسنده.

(7)

في (هـ)"ما هذه يا جبريل".

(8)

في النسخ الأخرى "والناس".

(9)

في (هـ) ، و (ر)"وما".

ص: 109

(اتَّخَذَ)(1) فِي الْفِرْدَوْسِ وَادِيًا أَفْيَحَ، فَيهِ (كُثُبُ)(2) مِسْكٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل (3) مَا شَاءَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَحَوْلَهُ مِنَابِرُ مِنْ نُوْرٍ، عَلَيْهَا مقاعد النبيين، وخف تَلِكَ الْمَنَابِرَ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، مُكَلَّلَةٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ، عَلَيْهَا الشُّهَدَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ، (فَيَجْلِسُوا) (4) مِنْ وَرَائِهِمْ عَلَى تِلْكَ (الْكُثُبِ) (5) فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: أَنَا رَبُّكُمْ، قَدْ (صَدَقْتُكُمْ)(6) وَعْدِي، (فَسَلُونِي) (7) أُعْطِكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَسْأَلُكَ رِضْوَانَكَ، فَيَقُولُ: قَدْ رَضِيتُ عَنْكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مَا تَمَنَّيْتُمْ، وَلَدَيَّ مَزِيدٌ، فَهُمْ يُحِبُّونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَا يُعْطِيهِمْ فِيهِ رَبُّهُمْ مِنَ الْخَيْرِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَى رَبُّكُمْ عَلَى الْعَرْشِ فِيهِ، (وَفِيهِ خُلِقَ آدَمُ)(8) ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ (9) .

(1) في النسخ الأخرى "أعد".

(2)

في (ر) ، و (هـ)"كثيب".

(3)

ليست في الأصل.

(4)

في النسخ الأخرى "ويجلس".

(5)

في (ر) و (هـ)"الكثيب".

(6)

في النسخ الأخرى "صدقتم".

(7)

في (هـ)، و (ر) :"فاسألوني".

(8)

لا توجد في النسخ الأخرى، وهي عند الشافعي في مسنده.

(9)

أخرجه الشافعي في مسنده، ح (374) ، 1/126، والذهبي في العلو ص 30، وقال: إبراهيم وموسى ضعفاء، وقال في الميزان: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي أحد الضعفاء. وقال يحيى بن معين: كذاب، وقال أحمد بن حنبل: تركوا حديثه، قدري، معتزلي، يروي أحاديث ليس لها أصل. وقال البخاري: تركه ابن المبارك والناس، كان يرى القدر، وكان جهميا. وقال ابن معين: كذاب رافضي. . . . انظر الميزان 1/57، 58. وانظر: التهذيب 1/158.

أما موسى بن عبيدة فهو ابن نشيط، أبو عبد العزيز الزبذي، قال ابن حنبل: منكر الحديث، وقال الحافظ ابن حجر، وغيره: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بشيء. انظر: الضعفاء الصغير للبخاري ص 221، والتقريب 2/282، وميزان الاعتدال 4/213. وممن روى هذا الحديث أيضا الدارمي في الرد على الجهمية ص 38، من طريق آخر. وبنفس طريق الدارمي رواه ابن أبي زمنين المالكي في أصول اعتقاد أهل السنة، ح (36) ، 1/299. ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش ص 95، وابن أبي شيبة في مصنفه 2/150. وهو ضعيف. ضعفه ابن معين، والدارقطني، وأحمد، والنسائي. انظر هامش كتاب العرش ص 95.

ص: 110

27-

أَخْبَرَنَا (مُحَمَّدٌ)(1) أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ (أَبُو الْقَاسِمِ)(2) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحُرْفِيُّ، (قَالَ)(3) ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَّادُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثَنَا زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرَّقَّادِ، عَنْ زِيَادٍ الْنُمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه (4) عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"فَأَدْخُلُ عَلَى رَبِّي عز وجل، وَهُوَ عَلَى عَرْشِهِ تبارك وتعالى" فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ (5) .

(1) في النسخ الأخرى: "محمد بن عبد الباقي".

(2)

في (م)"القاسم".

(3)

"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.

(4)

من النسخ الأخرى.

(5)

رواه الذهبي في العلو ص 32، وقال: زائدة ضعيف، والمتن بنحوه في الصحيح للبخاري من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي". وأخرجه أبو أحمد العسال في كتاب المعرفة بإسناد قوي عن ثابت عن أنس، وفيه:"فآتي باب الجنة فيفتح لي، فآتي ربي تبارك وتعالى وهو على كرسيه، أو سريره، فأخر له ساجدا". وذكر الحديث. اهـ.

أقول: حديث قتادة عن أنس أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، ح (7440) ، فتح الباري، 13/422، وباب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ، ح (7410) ، 13/392.

وأخرج الدارمي في رده على بشر المريسي حديث أبي نضرة عن ابن عباس، نحو حديث ثابت عن أنس ص 14. وأحمد في المسند 1/281-282، 295-296. وفي حديث عمرو بن جرير عن أبي هريرة عند البخاري "

فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع لربي ساجدا

"، كتاب التفسير، باب "ذرية من حملنا مع نوح"، ح (4712) ، 8/395-396. وأخرجه مسلم أيضا في كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، ح (327) ، 1/184-185.

ص: 111

28-

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، أَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ بْنِ سَعْدٍ، (أَخْبَرَكُمْ جَدِّي)(1) أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، (قَالَ)(2) أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دُومَا أَنْبَأَ مَخْلَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنْبَأَ (أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَطَّانُ أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ)(3) أَنْبَأَ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ، أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ السَّاجِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بلغني حديث في الْقِصَاصِ وَصَاحِبُهُ بِمِصْرَ، فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا وَشَدَدْتُ عَلَيْهِ رَحْلًا، ثُمَّ سَرِتُ شَهْرًا حَتَّى وَرَدْتُ مِصْرَ، فَسَأَلْتُ عَنْ صَاحِبِ الْحَدِيثِ فَدُلِلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَهُ بَابٌ لَاطٌ (4) وَغُلَامٌ أَسْوَدُ، فَقُلْتُ: أَهَهُنَا مَوْلَاكَ؟ فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْبَرَ مَوْلَاهُ أَنَّ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا بِالْبَابِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ (لِي) (5) مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ:(أَنَا)(6) جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ادْخُلْ، فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ (لَهُ) (7) : بَلَغَنِي (عَنْكَ)(8) أَنَّكَ تُحِدِّثُ بِحَدِيثٍ فِي الْقِصَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ أَشْهَدْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحْفَظَ لَهُ مِنْكَ، قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا (9) ، ثُمَّ يُنَادِي

(1) في النسخ الأخرى "أخبرك جدك".

(2)

"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.

(3)

ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) .

(4)

أي مغلق.

(5)

"لي" ليست في النسخ الأخرى.

(6)

"أنا" ليست في النسخ الأخرى.

(7)

"له" ليست في (هـ) ، و (ر) .

(8)

"عنك" ليست في النسخ الأخرى.

(9)

غرلا: جمع "الأغرل" وهو الأقلف، والغرلة القلفة. النهاية في غريب الحديث 3/362. وبهما: جمع بهيم. وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه، يعني ليس فيهم شيء من العاهات والأعراض، التي تكون في الدنيا من العمى والعور والعرج، وغير ذلك، وإنما هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة. وقال بعضهم في تمام الحديث: وقيل ما البهم؟ قال: "ليس معهم شيء" يعني من أعراض الدنيا، وهذا يخالف الأول من حيث المعنى. النهاية في غريب الحديث 1/167.

وانظر: منال الطالب لابن الأثير ص 514.

ص: 112

(بِصَوْتٍ)(1) وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى عَرْشِهِ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ غَيْرِ فَضِيعٍ، يُسْمِعُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، (يَقُولُ: أَنَا الدَّيَّانُ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (2) ، وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَأَقْتَصَّنَّ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ، وَلَوْ لَطْمَةً، (وَلَوْ ضَرْبَةَ يَدٍ)(3) وَلَأَقْتَصَّنَّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَلَأَسْأَلَنَّ الْعُودَ لِمَ خَدَشَ صَاحِبَهُ، وَلَأَسْأَلَنَّ الْحَجَرَ لِمَ نَكَبَ صَاحِبَهُ، بِذَلِكَ أَرْسَلْتُ رُسُلِي، وَأَنْزَلْتُ كُتُبِي، وَفِي ذَلِكَ قُلْتُ:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (4) .

(1) ليست في النسخ الأخرى.

(2)

ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى.

(3)

في النسخ الأخرى "ولو ضربة بيده".

(4)

الآية من سورة الأنبياء/ 47. والحديث أخرجه الخطيب البغدادي في الرحلة من ثلاث طرق، هذه إحداها. انظر ح (33) ، ص 115، وفيه زيادة ذكرها الخطيب بعد أن أورد هذا القدر الذي أورده المصنف، فبعد الآية قوله: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط، ألا فلتترقب أمتي العذاب إذا تكافأ الرجال بالرجال، والنساء بالنساء".

إلا أن هذه الطريق وصف إسنادها بالضعف، كما عند الحافظ في الفتح 1/174.

وقال الذهبي: حديث المبتدأ لإسحاق بن (بشير) -هكذا قال الذهبي، وإنما هو ابن بشر- وهو كذاب، وقال بعد أن أورد الحديث: فهذا شبه موضوع.

أقول: وإسحاق بن بشر هو أبو حذيفة البخاري صاحب كتاب المبتدأ. تركوه، وكذبه علي بن المديني، وقال ابن حيان: لا يحل حديثه إلا من جهة التعجب، وقال الدارقطني: كذاب متروك. ميزان الاعتدال 1/184.

وفي سنده أيضا أبو الجارود، ولعله زياد بن المنذر الهمداني أبو الجارود الكوفي الأعمى، قال ابن معين، والنسائي، وغيرهما: متروك. وقال ابن حبان: كان رافضيا يضع الحديث في الفضائل والمثالب. الميزان 2/93.

وأورده الدارقطني في الضعفاء والمتروكين/ 216.

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلا أن الدكتور نور الدين عتر يرى -في تعليقه على كتاب الرحلة للخطيب- أن أبا الجارود هذا ليس هو زياد بن المنذر الذي ذكرت، ويستند في ذلك إلى ثلاثة أمور:

1-

أن أبا الجارود نسب هنا -أي عند البغدادي- عبسيا، أما زياد بن المنذر فإنه نهدي أو همداني.

2-

أن أبا جارود الذي في هذا الحديث تابعي متقدم يروي عن جابر، ويروي عنه مقاتل بن حيان. أما زياد بن المنذر فمتأخر لا رواية له عن الصحابة.

3-

أن الحافظ قال في سند هذا الحديث الذي الذي من طريق أبي الجارود: "وفيه ضعف" أما زياد المنذر فكذاب وضاع لا يصلح أن يقال في إسناده: "فيه ضعف" بل يقال: "واه" أو ما في هذا المعنى مما يفيد الوهن الشديد. اهـ.

وفي نظري أن ما قاله الدكتور نور الدين عتر وارد إلا أنني لم أجد من كني بأبي الجارود إلا زياد بن المنذر.

وفي سنده أيضا -عند الخطيب عمر بن الصبح، وهو ابن عمران التميمي العدوي الخرساني، راوي الحديث عن مقاتل. قال إسحاق بن راهوية أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير في الكذب والبدعة: جهم بن صفوان، وعمرو بن الصبح، مقاتل بن سليمان. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات. وقال الأزدي: كذاب، وقال الدارقطني: متروك. انظر: التهذيب 7/462. فالحديث إذا شبه موضوع كما قال الذهبي.

إلا أن رحلة جابر بن عبد الله ثابتة من طرق أخرى. وقد أخرج البخاري رحمه الله طرفا من هذا الحديث تعليقا في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَه} ، فتح الباري 13/453. وأشار إليه في كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، 1/173. وأخرجه الخطيب في الرحلة من طريق أخرى، ح (31، 32) ، ص 109-114، عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، أن جابر بن عبد الله حدثه، قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم أسمعه منه، قال: فابتعت بعيرا، فشددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى أتيت الشام، فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري، قال: فأرسلت إليه أن جابرا بالباب، قال: فرجع إلى الرسول، فقال: جابر بن عبد الله؟ فقلت: نعم، قال: فرجع الرسول إليه، فخرج إلي فاعتنقني واعتنقته. قال:

ص: 114

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

قلت: حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظلم لم أسمعه، فخشيت أن أموت، أو تموت قبل أن أسمعه. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الله العباد، أو قال: يحشر الله الناس -وأومأ بيده إلى الشام- عراة غرلا بهما. قلت وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء. قال: فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أن الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار، وأحد من الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة.

قال: قلنا: كيف هو وإنما نأتي الله تعالى عراة غرلا بهما؟

قال: بالحسنات والسيئات.

وأخرج الحديث بهذه الطريق البخاري في الأدب المفرد، باب المعانقة، ص 143، وأحمد في المسند 3/495. وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/93، والقرطبي في التذكرة 1/323.

وله طريق ثالثة حيث أخرجه الطبراني في مسند الشاميين، وتمام الرازي في فوائده من طريق الحجاج بن دينار، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: "كان يبلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في القصاص

" ذكر ذلك الحافظ في الفتح، وقال: "إسناده صالح". فتح الباري 1/174. ولا يوجد الشاهد في هذين الطريقين. إلا أنه كما ترى -قد اتفقت جميع الطرق على أن الله يتكلم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب. وهذا يدل على أن الله تعالى يتكلم حقيقة، وأن هذه الصفة لا سبيل إلى تأويلها، فالله تعالى يتكلم بصوت يسمع، ولكن كلامه سبحانه لا يشبه كلام المخلوقين، وصوته لا يشبه أصواتهم بدليل ما ورد في هذا الحديث، من أن كلام الله وصوته يسمعه من بعد ومن قرب على حد سواء، وليس هذا لكلام المخلوق، وصفة الكلام من أخطر الصفات التي تعرض لها المتكلمون بالنفي، حيث نفوا أن يكون الله تعالى يتكلم بصوت يسمع، إذ قالوا بأن كلام الله تعالى نفسي قديم قائم بذاته سبحانه، وهذا يعني أن الله تعالى لا يتكلم حقيقة. انظر: لمع الأدلة للجويني ص 92، تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود، والإرشاد ص 115، والأسماء والصفات للبيهقي ص 273، والمواقف بشرح الجرجاني، قسم الإلهيات ص 149-150، وشرح أم البراهين للسنوسي ص 31.

ص: 115

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وغاية شبهتهم أن الكلام بحرف وصوت يحتاج إلى مخارج، وهذا من صفات المخلوقين، والله منزه عنها.

ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن منشأ الخطأ في هذه المسألة هو عدم التفريق والمباينة بين الخالق وصفاته والمخلوق وصفاته، أما السلف فإنهم متفقون على التمييز بين صوت الرب وصوت العبد، ومتفقون على أن الله تكلم بالقرآن الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم حرفه ومعانيه، وأنه ينادي عباده بصوته. مجموع الفتاوى 2/585.

وقد رد الإمام أحمد بن حنبل على شبهة نفاة الحرف والصوت، ردا مفحما لا يدع مجالا لمتأول حيث قال: "

وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس الله قال للسموات والأرض:{ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين} ، فصلت/ 11، وقال:{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْن} ، الأنبياء/ 79، أتراها سبحت بجوف وفم، ولسان وشفتين؟ والجوارح إذا شهدت على الكافر فقالوا:{لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} ، فصلت/ 21، أتراها نطقت بجوف وفم ولسان؟! ولكن الله أنطقها كيف شاء، من غير أن يقول بجوف ولا فم، ولا شفتين ولا لسان". الرد على الجهمية والزنادقة ص 131.

وفي إثبات الصوت لله تعالى، ونفي المشابهة بينه وبين أصوات المخلوقين يقول الإمام البخاري رحمه الله "ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب أن يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره أن يكون رفيع الصوت، الله عز وجل ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، فليس هذا لغير الله جل ذكره. وفي هذا دليل أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق، لأن صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأن الملائكة يصعقون من صوته، فإذا تنادى الملائكة لم يصعقوا، وقال الله عز وجل: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً} ، البقرة/ 22، فليس لصفة الله ند ولا مثل، ولا يوجد شيء من صفاته في المخلوقين". خلق أفعال العباد/ 59، فالسلف يرون أن الله يتكلم بصوت يسمع، كما دلت على ذلك الأدلة الدامغة من الكتاب والسنة، وأن صوته لا يشبه أصوات خلقه، كما أن ذاته لا تشبه ذاته، فهو سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .

ص: 116