الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((أَقْوَالُ الأَئِمَّةِ رضي الله عنهم)
(1)
76-
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (قَالَ)(2) ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَبَأَ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، أَنْبَأَ أَبِي، ثَنَا سُرَيْجُ (3) بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: اللَّهُ فِي السَّمَاءِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ (4) .
77-
قَالَ أَبُو عُمَرَ (5) : عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الَّذِينَ حُمِلَ عَنْهُمُ التَّأْوِيلُ قَالُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عز وجل: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَا خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ (6) .
78-
وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَعْدَانَ (قَالَ)(7) : سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ قَوْلِهِ (تَعَالَى)(8) : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (9) قَالَ: عِلْمُهُ (10) .
(1) هذا العنوان في الأصل ل 22.
(2)
"قال" لا توجد في النسخ الأخر. وفي (م) : أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن الحجاج، أنبأ أحمد بن الحسن. وفيه خلط كما ترى وإسقاط لما قبل أحمد بن الحسن من رجال السند.
(3)
في النسخ الأخرى: "شريح" وهو خطأ، وإنما هو كما في الأصل: سريج بن النعمان. وهو ابن مروان الجوهري. انظر ترجمته في التهذيب 3/457.
(4)
أخرجه اللالكائي، رقم:(673) ، 2/401، وفيه: حدثني عبد الله بن نافع، قال:"ملك الله في السماء". وإنما الصحيح قال: مالك: الله في السماء. ولعله خطأ مطبعي. وعبد الله بن أحمد في كتاب السنة، رقم:(11) ، 1/107، والآجري في الشريعة ص 289.
(5)
في النسخ الأخرى: وقال أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء
…
(6)
التمهيد 7/138-139.
(7)
"قال" لا توجد في (هـ) .
(8)
من النسخ الأخرى.
(9)
سورة الحديد/ 4.
(10)
التمهيد 7/142. واللالكائي (672) ، 2/401، وشرح حديث النزول لابن تيمية ص 127.
79-
وَقَالَ حَنْبَلٌ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ مَعَكُمْ} ، وَ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} ، قَالَ: عِلْمُهُ (1) ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، عِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ، يَعْلَمُ الْغَيْبَ، رَبُّنَا عَلَى الْعَرْشِ بِلَا حَدٍّ وَلَا صِفَةٍ (2) .
80-
وَرُوِيَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى الْبَغْدَادِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: اللَّهُ عز وجل فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَقُدْرَتُهُ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَى الْعَرْشِ (وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ)(3) ، لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ (4) .
(1) في الأصل: (علمه علمه) بالتكرار.
(2)
أورده ابن تيمية في شرح حديث النزول ص 127، ط. الخامسة، سنة 1397هـ، المكتب الإسلامي، والذهبي في العلو ص 130، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 135.
(3)
من (هـ) .
(4)
أورده الذهبي في العلو ص 130، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 135، وعزاه إلى الخلال في كتاب السنة.
وقد بسط الإمام أحمد رحمه الله الكلام على معنى المعية في كتابه الرد على الجهمية ص 140-144.
كما أوضح شيخ الإسلام ابن تيمية معنى المعية في هاتين الآيتين خاصة، وفي كل ما ورد من لفظ المعية في كتاب الله تعالى، فأوضح أن المعية معيتان: معية عامة، وأخرى خاصة، وضرب لذلك أمثلة مما ورد في القرآن الكريم، فقال رحمه الله: ولفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في هاتين الآيتين، وجاء خاصا كما في قوله:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} النحل/ 128. وقوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} طه/ 46، وقوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} ، التوبة/ 40، فلو كان المراد أنه بذاته مع كل شيء، لكان التعميم يناقض التخصيص، فإنه قد علم أن قوله: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أراد تخصيصه وأبا بكر دون عدوهم من الكفار، وكذلك قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} النحل/ 128، خصهم بذلك دون الظالمين والفجار، وأيضا فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى، كما في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} ، الفتح/ 29،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقوله: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ، النساء/ 146، وقوله:{اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ، التوبة/ 119، وقوله:{وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ} ، الأنفال/ 75، ومثل هذا كثير، فامتنع أن ذاته مختلطة بذوات الخلق. وأيضا فإنه افتتح الآية بالعلم، وختما بالعلم، فكان السياق يدل على أنه أراد أنه عالم به". شرح حديث النزول ص 128.
ثم أوضح رحمه الله أن لفظ المعية في اللغة -وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة- فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه، ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه، فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان، ويخض بعضهم بالإعانة والنصر والتأييد. نفس المصدر ص 128.
وإذا كان هذا هو مذهب السلف في المعية المتفق جملة وتفصيلا مع الكتاب والسنة والعقل والفطرة، فإنه من المناسب أن تعلم أخي القارئ أن مذهب القائلين بالحلول من الجهمية، أو القائلين بوحدة الوجود من الصوفية، قد صوروا معية الله بأقبح صورة، واختاروا لها أرذل معنى، تعالى الله عما يقولون ويعتقدون علوا كبيرا.
يقول العلامة محمد حامد الفقي في تعليقه على كتاب الشريعة للآجري: الذين يقولون -فبحهم الله وأخزاهم-: إن ربهم حال في كل شيء، لأنه عندهم المادة الأولى التي انبثق منها وتولد كل شيء، وضربوا له المثل بالنواة خرجت منها النخلة، وبالخشبة الخام خرج منها الأبواب والكرسي والشبابيك وغيرها، فعندهم -لعنهم الله- أن هذا الوجود علوية وسفلية، طيبة وخبيثة، هو أسماء ربهم وصفاته، وأنه مجالي ومظاهر له -سبحان ربنا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا- ولهذا يقول لسانهم الناطق ابن عربي الحاتمي:
عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا أعتقد كل ما اعتقدوه
ويقول:
العبد رب والرب عبد فليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب، أنى يكلف
ثم أورد رحمه الله كلام عبد الغني النابلسي الذي يقول: إن ذلك الوجود المحض -الذي هو الحق تعالى- هو حقيقة جميع الموجودات، فهو وجودها الذي هي موجودة به، لا وجود لها غيره تعالى، وهو باطنها الذي هو غيب مطلق، وإنه لا تخلو عنه جميع الكائنات، ولذلك الوجود الحق مراتب. ثم ذكر هذه المراتب السبع، وقال في نهايتها: فذه سبع مراتب، الأولى: مرتبة اللاظهور، والستة الباقية هي مراتب الظهور ومشاهدة جميع الموجودات، حاصلة له تعالى عند اندراج الكل في بطون ذاته ووجدته، وهي المشاهدة في نفسه تعالى لجميع الشؤون والمخلوقات في ذاته تكون شهودا غيبيا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أي مع غيبة المشهود في الشاهد، وعدم تميزه عنه، كشهود الشيء المفصل في المجمل قبل التفصيل، وشهود الكثير في الواحد غير متميز في نفسه أيضا، وكالنخلة مع أغصانها وتوابعها من العراجين والتمر والسعف، مندرج في النواة الواحدة غير متميز في نفسه، وهو تلك النواة. إلى أن قال -مستدلا على ذلك الكفر القذر-: فإن الثابت عند أصحاب الفكر والنظر: أن حدوث شيء لا عن شيء، أي لا عن مادة قابلة تكون محلا لاستعداده قبل حدوثه محال، سواء كان الحدوث زمنيا، أو ذاتيا، وإذن ذلك الوجود الحق باعتبار محض إطلاقه، سار في جميع ذوات المخلوقات كلها التي هي اعتبارات منه، إلى أن قال: ون صفات الوجود الحق: هي المخلوقات كلها بجميع أجزائها الظاهرة والناطنة، فهذه المخلوقات كلها أعراض، والمعروض هو الوجود الحق. انتهى كلام النابلسي.
وقد عقب الشيخ الفقي بقوله: فهذا هو حقيقة مذهب الحلولية، الذي ينعق به شيوخ الصوفية، وأصرحهم ابن عربي الحاتمي، وابن الفارض، وابن سبعين، والسهروردي، وأشباههم من الزنادقة المجرمين، لعنهم الله وأخزاهم في الدنيا والآخرة، وطهر القلوب والأرض من مذهبهم الخبيث. انظر: هامش الشريعة للآجري ص 285-287.
أقول: وهذا المذهب الخبيث قد تجاوز بمراحل بعيدة مذهب النصارى القائلين بالحلول مثلهم، إلا أنهم أقل شأنا من هؤلاء، لأنهم إنما قصروا بالحلول على عيسى عليه السلام، وإن الله تعالى حل فيه واتحد اللاهوت بالناسوت، وهذا قول بحلول الله تعالى في بشر كريم، وهو وإن كان في غاية الخبث والبطلان، إلا أن مذهب القائلين بوحدة الوجود على الوجه المتقدم، جعل الحلول في كل شيء، دون تفريق بين طيب وخبيث، فالحلول في جميع الموجودات دون استثناء، ولهذا كانت صرخة أئمة المسلمين من سلف هذه الأمة قوية نافذة في التحذير من هذا المذهب الخبيث. كما قال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين الآجري المتوفى سنة (360هـ) : "
…
أما بعد: فإني أحذر إخواني المؤمنين مذهب الحلولية: الذين لعب بهم الشيطان، فخرجوا بسوء مذهبهم عن طريق أهل العلم، إلى مذاهب قبيحة لا تكون إلا في كل مفتون هالك
…
". الشريعة ص 287.
فلتكن يا أخي المسلم على بصيرة من أعداء الله، أعداء الدين ما فتئوا ينصبون شراكهم لشباب هذه الأمة، ليحيدوا بهم عن الطريق السوي والصراط المستقيم، وليوقعوهم في حبائل الشيطان التي عاونه في نصبها أولياؤه من زنادقة الصوفية الذين يحاولون في هذا العصر الدعوة إلى هذا المذهب بطرق خبيثة ملتوية، فيظهرون في ثوب الحمل الوديع تارة، وفي أثواب التقى والورع، وإنما هو أدعياء دجالون يهتبلون الفرص لنشر باطلهم، وترسيخ دعائمه، قاتلهم الله، ورد كيدهم في نحورهم، وكفى الإسلام والمسلمين شرورهم.
81-
بلغني (1) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله (2) أَنَّهُ قَالَ: (فِي كِتَابِ الْفِقْهِ الأَكْبَرِ)(3) : مَنْ أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ (تَعَالَى)(4) فِي السَّمَاءِ فَقَدْ كَفَرَ (5) .
82-
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنْبَأَ هِبَةُ اللَّهِ (6) ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحَمَدَ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ (7) ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَدَّادَ بْنَ حَكِيمٍ يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الأَحَادِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا" وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الأَحَادِيثِ، إِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ قَدْ رَوَتْهَا الثِّقَاتُ، فَنَحْنُ نَرْوِيهَا، وَنُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا نُفَسِّرُهَا (8) .
(1) في النسخ الأخرى: "وذكر".
(2)
من النسخ الأخرى.
(3)
من النسخ الأخرى.
(4)
من النسخ الأخرى.
(5)
لم أجده في النسخة التي بين يدي من الفقه الأكبر. وقد أورده الإمام الذهبي في العلو ص 101، فقال: وبلغنا عن أبي مطيع البلخلي صاحب الفقه الأكبر قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقال: قد كفر، لأنه تعالى يقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) ، عرشه فوق سماواته، فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر.
وبهذا نرى أن الذهبي قد نسب كتاب الفقه الأكبر إلى أبي مطيع البلخي، ولعله هو الذي جمعه. وأبو مطيع البلخي نقل الذهبي نفسه في الميزان تضعيف جماعة من الأئمة له. انظر: الميزان.
(6)
في النسخ الأخرى: "بن الحسن".
(7)
في النسخ الأخرى: "ثنا زيد" وهو خطأ. وإنما هو أحمد بن علي بن زيد الغجدواني، بضم الغين وسكون الجيم، نسبة إلى غجدوان، وهي قرية من قرى بخاري. انظر: اللباب 2/375.
(8)
أورده اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم:(741) ، 2/433، والذهبي في العلو ص 113.
83-
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَسَاكِرِ بْنِ الْمُرَحِّبِ الْبَطَائِحِيُّ الْمُقْرِئ، قَالَ (1) : أَنْبَأَ الأَمِينُ أَبُو طَالِبٍ عَبْدُ الْقَادِرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْيُوسُفِيُّ، قَالَ (2) : أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ الْبَرْمَكِيُّ، أَنَبَأَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَخِيتٍ (3)، قَالَ (4) : أَنْبَأَ أَبِو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ (5) : ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ الطَّائِيُّ الأَثْرَمُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ: إِنَّهُ هَاهُنَا وَهَاهُنَا (6) .
84-
قَالَ أَبُو بَكْرٍ (7) الأَثْرَمُ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَيْسِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يُحْكَى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، قَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا (8) .
85-
قَالَ الأَثْرَمُ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسِيُّ (9)، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ يَقُولُ: إِنَّمَا يُرِيدُ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ (10) .
(1)"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.
(2)
"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.
(3)
في (هـ)، و (ر) : مجيب: وفي (م) نجيب. وهو خطأ.
(4)
"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.
(5)
"قال" لا توجد في النسخ الأخرى.
(6)
أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة، رقم:(22) ، و (598) ، 1/111، 307، والبخاري في خلق أفعال العباد ص 8، والدارمي في الرد على الجهمية ص 9، والرد على بشر المريسي ص 103، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 76، وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات ص 538.
(7)
لا يوجد في الأصل.
(8)
ذكره ابن أبي يعلى في الطبقات فيما رواه محمد بن إبراهيم القيسي عن الإمام أحمد 1/267. وذكره الإمام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 2/34. وذكر مصدره في ذلك الخلال، وأورد سنده.
(9)
في الأصل وفي (هـ) : "الأنيسي" وفي اجتماع الجيوش الإسلامية: "الأوسي" وما أثبته من (م) ، و (ر) . ولم أجد له ترجمة.
(10)
أورده الذهبي بسنده عن محمد بن حماد عن ابن وهب بلفظ نحوه. العلو ص 118، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 78.
86-
قَالَ: وَقُلْتُ لِسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي الْجَهْمِيَّةِ؟ فَقَالَ: كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ (1) .
87-
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ، أَنْبَأَ هِبَةُ اللَّهِ (2)، قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ يَعْقُوبَ، أَنْبَأَ دَعْلَجُ بْنُ أَحْمَدَ، (ثَنَا)(3) أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، ثَنَا نُوحُ بْنُ مَيْمُونٍ، ثَنَا بَكِيرُ بْنُ مَعْرُوفٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} ، قَالَ: هُوَ عَلَى الْعَرْشِ، وَلَنْ يَخْلوَ شَيْءٌ مِنْ عِلْمِهِ (4) .
88-
وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ)(5) قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ (قَالَ) (6) : فَمَا رَأَيْتُ مَالِكًا وَجَدَ مِنْ شَيْءٍ كَمَوْجِدَتِهِ مِنْ مَقَالَتِهِ، وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ -يَعْنِي الْعَرَقَ- وَأَطْرَقَ القوم، وجعلوا ينظرون مَا يَأْتِي مِنْهُ فِيهِ، قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالإِيمَانُ بِهِ
(1) أورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 77، وعزاه إلى الإمام ابن خزيمة، وأورد بعد قوله الإمام ابن تيمية رحمه الله: وهذا الذي كانت الجهمية يحاولونه، قد صرح به المتأخرون منهم، وكان ظهور السنة وكثرة الأئمة في عصر أولئك يحول بينهم وبين التصريح به، فلما بعد العهد، وخفيت السنة، وانقرضت الأئمة، صرحت الجهمية النفاة بما كان سلفهم يحاولونه، ولا يتمكنون من إظهاره.
(2)
السند إلى هبة الله لا يوجد في الأصل، وأثبته من النسخ الأخرى. وقد عطفه في الأصل بقوله:"قال: وأخبرنا محمد بن الحسين" ويعني "بقال" اللالكائي، حيث تقدم ذكر الأثر الذي قبله في الأصل عن طريقه.
(3)
في (هـ)، و (ر) : أنبأ.
(4)
أخرجه اللالكائي، رقم:(670) ، 2/400، وقد تقدم هذا الأثر، برقم:(73) ، حيث رواه هناك مقاتل عن الضحاك. ولا يمنع ذلك من أن يكون مقاتل قد قال به أيضا.
(5)
"أنه" من (هـ) .
(6)
لا توجد في النسخ الأخرى.
وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ضَالًّا، وَأُمِرَ بِهِ فَأُخْرِج (1) .
(1) أخرجه البيهقي من الأسماء والصفات ص 516 من طريقين:
إحداهما: عن عبد الله بن وهب بلفظ: "
…
الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف، وكيف عنه مرفوع، وأنت رجل سوء صاحب بدعة أخرجوه".
والأخرى: عن يحيى بن يحيى بلفظ مثل لفظ المصنف. وقد جود الحافظ ابن حجر طريق ابن وهب، فقال: "وأخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب
…
فذكره". فتح الباري 13/406-407.
واللالكائي ي شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم:(664) ، 2/398. وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف، ضمن الرسائل المنيرية 1/111. وأبو نعيم في الحلية 6/325-326. والدارمي في الرد على الجهمية ص 27. والذهبي في العلو ص 103، وقال:"هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة". تقدم قول ربيعة، برقم:(75) .
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 81، وقال: وكذلك أئمة أصحاب مالك من بعده، قال يحيى بن إبراهيم الطليطلي في كتاب سير الفقهاء -وهو كتاب جليل غزير العلم- حدثني عبد الملك بن حبيب عن عبد الله بن المغيرة عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون قول الرجل: يا خيبة الدهر، وكانوا يقولون: الله هو الدهر، وكانوا يكرهون قول الرجل: رغم أنفي الله، وإنما يرغم أنف الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: لا والذي خاتمه على فمي، وإنما يختم على فم الكافر، وكانوا يكرهون قول الرجل: والله حيث كان أو إن لله بكل مكان، قال أصبغ: وهو مستو على عرشه، وبكل مكان علمه وإحاطته، وأصبغ من أجل أصحاب مالك وأفقههم. اهـ.
أقول: ومن عجيب المفارقات أن ترى كثيرا من أصحاب مالك المتأخرين فاقوا عقيدته، ودانوا بغيرها، فسلكوا مسلك الأشاعرة في منهجهم في صفة الاستواء والعلو خاصة، وفي جميع الصفات الأخرى عامة، وإنهم بهذا ينزعون ثقتهم بإمام جليل لا يحيدون قيد أنملة عن مذهبه في الفروع، ويضربون مذهبه في الأصول عرض الحائط، وهو شأن بعض أتباع الأئمة الآخرين -أبي حنيفة والشافعي وأحمد، حيث ذهبوا مذاهب في الأصول فارقوا بها مذاهب أئمتهم الذين نهجوا منهج الوحي، ولم يفارقوا التنزيل، فارتضى أولئك المفارقون مذاهب الكلام والسفسطة التي أوردت بهم إلى الزيغ والضلال، نسأل الله الهداية والثبات على الحق.
89-
قَالَ هِبَةُ اللَّهِ (1) : وَأَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ النَّحْوِيُّ، ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نِفْطَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ؟ (فَقَالَ)(2) : هُوَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا أَخْبَرَ عز وجل، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَيْسَ هَذَا مَعْنَاهُ، إِنَّمَا مَعْنَاهُ: اسْتَوْلَى، قَالَ: اسْكُتْ، مَا أَنْتَ وَهَذَا لَا يُقَالُ اسْتَوْلَى عَلَى الشَّيْءِ، أَوْ يَكُونُ (3) لَهُ مُضَادٌّ، فَإِذَا غَلَبَ أَحَدُهُمَا قِيلَ: اسْتَوْلَى، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ النَّابِغَةِ:
أَلَا لِمِثْلِكَ أَوْ مَنْ أَنْتَ سَابِقُهُ
…
سَبَقَ الْجَوَادُ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الأَمَدِ (4)
90-
حَدَّثَنِي ابْنِي أَبُو الْمَجْدِ عِيسَى (بْنُ عَبْدِ اللَّهِ)(5)، قَالَ (6) : أَخْبَرَنَا (7) الشَّيْخُ أَبُو
(1) في النسخ الأخرى: "أخبرنا عبد الله بن محمد أنبأ أحمد بن علي أنبأ هبة الله بن الحسن".
(2)
"فقال" لا توجد في (هـ) .
(3)
عند اللالكائي "إلا أن يكون".
(4)
أخرجه اللالكائي، انظر رقم:(666) ، 2/399، والخطيب البغدادي في تاريخه 5/284، وفيه زيادة:"والله لا مضاد له، وهو على عرشه كما أخبر، والاستيلاء بعد المغالبة".
وأورده الحافظ في الفتح 13/406، وعزاه على أبي إسماعيل الهروي في الفاروق. والإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية ص 83.
وأورد ابن القيم قول ابن الأعرابي أيضا: أراد مني ابن أبي دوءاد أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها استوى بمعنى استولى، فقلت له والله ما يكون هذا، ولا وجدته.
أقول: وهذا التفسير المبتدع كما إنه لا أصل له من الشرع، فإنه لا حظ له من اللغة، بل هو ابتداع صرف قصد أصحابه التخلص من إثبات هذه الصفة، حتى لو كان ذلك بالكذب والالتواء وادعاء ما ليس لهم من الأدلة، ولا يزال هذا دأبهم في جميع الصفات.
(5)
لا يوجد في النسخ الأخرى.
(6)
في (م) : قالا.
(7)
في النسخ الأخرى: "أنبأ".
طَاهِرٍ الْمُبَارَكُ (بْنُ)(1) أَبِي الْمَعَالِي بْنِ الْمَعْطُوشِيِّ، أَنْبَأَ أَبُو الْغَنَائِمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ، أَنْبَأَ (الشَّيْخُ)(2) أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَيْرٍ (3) الْبَرْمَكِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو الْفَضْلِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي (4) حَمْزَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عُمَرَ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنِي (5) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنِي (6) عَبَّاسُ بْنُ دِهْقَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِبِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ: أُحِبُّ أَنْ أَخْلُوَ مَعَكَ، قَالَ: إِذَا شِئْتَ فَبَكَرْتُ يَوْمًا فَرَأَيْتُهُ قَدْ دَخَلَ قُبَّةً، فَصَلَّى فِيهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا أُحْسِنُ أُصَلِّي مِثْلَهَا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرْشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّرَفِ، اللهم إنك تعلم فَوْقَ عَرْشِكَ أَنَّ الْفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْغِنَى، اللهم إنك تعلم فَوْقَ عَرْشِكَ أَنِّي لَا أُوثِرُ عَلَى حُبِّكَ شَيْئًا، فَلَمَّا سَمِعْتُهُ أَخَذَنِي الشَّهِيقُ وَالْبُكَاءُ، فَلَمَّا سَمِعَنِي قَالَ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أعلم أن هذا هاهنا لَمْ أَتَكَلَّمْ (7) .
91-
(أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الزَّكِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَبْهَانَ الْغَنَوِيُّ الرَّقِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا)(8) شَيْخُ الإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ الْقُرَشِيُّ الْهَكَّارِيُّ، قَالَ:
(1)"بن" لا توجد في (هـ) .
(2)
لا توجد في الأصل.
(3)
في النسخ الأخرى: "عمر" وهو خطأ.
(4)
في النسخ الأخرى: "قال حدثني".
(5)
في النسخ الأخرى: "قال حدثني".
(6)
في النسخ الأخرى: "قال حدثني".
(7)
أورده الذهبي بسنده من طريق المصنف. العلو ص 127. وذكر من عقيدته التي رواها ابن بطة في كتاب الإبانة وغيره: إن الله على عرشه استوى كما شاء، وإنه عالم بكل مكان. وأورده الذهبي أيضا في السير 10/473.
وقال الشيخ الألباني: عباس بن دهقان لم أجد له ترجمة. مختصر العلو ص 185.
(8)
ما بين القوسين لا يوجدف في النسخ الأخرى، وفيها: وذكر شيخ الإسلام أبو الحسن
…
أَخْبَرَنَا (1) الزَّاهِدُ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْمَوْصِلِيُّ، (ثَنَا)(2) أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُقْرِي بِالْمَوْصِلِ، قَالَ: كَتَبْتُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ هِشَامٍ (3) الْبَلَدِيِّ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ -هَذَا مَا وَصَّى بِهِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ. ح
(قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ)(4) : وَأَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ خَلِيفَةَ (بْنِ الصَّبَّاحِ الْبَلَدِيُّ)(5)، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ خَلِيفَةَ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عُمَرَ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: هَذِهِ وَصِيَّةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: أَوْصَى أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (وَحْدَهُ)(6) وَأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ (7) ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رسله، و (إن صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ الجنة حق، و (أن)(8) النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ وَالْحِسَابَ، وَالْمِيزَانَ وَالصِّرَاطَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ، عَلَيْهِ أَحْيَا (وَعَلَيْهِ)(9) أَمُوتُ، وَعَلَيْهِ أُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّ اللَّهَ عز وجل يُرَى فِي الآخِرَةِ، يَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ عِيَانًا،
(1) في النسخ الأخرى: "أنبأ" بدون "قال".
(2)
في غير الأصل: "أنبأ".
(3)
في جميع النسخ: "ابن هاشم"، وإنما هو ابن هشام كما جاء في جميع النسخ في السند الثاني، وكما في السير 10/79. وهو عند الذهبي في العلو ص 120.
(4)
ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى، وفيها: قال: وأخبرنا.
(5)
ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) .
(6)
لا توجد في الأصل.
(7)
في الأصل: "ورسوله".
(8)
"أن" لا توجد في النسخ الأخرى.
(9)
لا توجد في غير الأصل.
جِهَارًا، وَيَسْمَعُونَ كَلَامَهُ، (وَأَنَّهُ)(1) فَوْقَ الْعَرْشِ، وَأَنَّ الْقَدَرَ خَيْرَهُ وَشَرَّهُ مِنَ اللَّهِ عز وجل، لَا يَكُونُ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل (2) وَقَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَأنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيُّ (بْنُ أَبِي طَالِبٍ)(3) ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (4) أَجْمَعِينَ، وَأَتَوَلَّاهُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَلِأَهْلِ الجمل وصفين، القائلين وَالْمَقْتُولِينَ، وَجَمِيعِ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجميعن (5) .
(1) في النسخ الأخرى: "وأن الله".
(2)
في غير الأصل: "تعالى".
(3)
ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) .
(4)
في غير الأصل: "رضي الله عنهم".
(5)
هذه الوصية وإن كانت لم تصح سندا عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، فإنها اشتملت على أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، وفي موفقهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يجب أن يقتدي به كل مسلم، لأنهم قصدوا فيهم سواء السبيل، فابتعدوا عن الإفراط وجانبوا التفريط، وقد دأب قوم ممن يدعي الإسلام، على سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والانتقاص من مكانتهم، فاستحقوا بذلك أن يوصفوا بالزندقة ومحاربة الإسلام، لأن القدح في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح في الدين كله أصوله وفروعه، لأنه بلغنا عنهم، وهم واسطتنا فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاهدوا في الله حق حق جهاده وبلغوا دين الإسلام كما أراد الله منهم، ولذلك كانت لهم منزلة عظيمة، حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانتقاص منها حيث قال:
"لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه". رواه مسلم في فضائل الصحابة. ويقول الله تعالى في شأنهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . سورة الحشر/ 8-10. فهذه ثلاثة أصناف ذكرتها هذه الآيات، وما سواها ممن حاد عنها، ليس له إلا الخذلان والبوار. والأحاديث في فضائل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تكاد تحصر ولا تحصى. ولذلك كانت عقيدة أهل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السنة، موافقة لأمر الله تعالى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا بين الإفراط والتفريط، كما قال الإمام الحاوي رحمه الله موضحا هذه العقيدة:"ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، وببغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان". الطحاوية مع الشرح ص 466.
وإن من صميم هذه العقيدة الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وقع بينهم من خلاف، واعتقاد أن كلا منهم مجتهد في ما خالف فيه الآخر، والكل مأجور على اجتهاده. ومن ذلك ما حصل بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، من خلاف آل إلى الاقتتال بينهما، فأهل السنة يرون أن عليا رضي الله عنه مجتهد مصيب فله أجر اجتهاده وأجر إصابته، وأما معاوية رضي الله عنه فمجتهد مخطئ، له أجر اجتهاده ومغفور له خطؤه، وحبهم جميعا هو ما ندين الله تعالى به، لأن في ذلك الفوز والفلاح كما قال الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص 129:"فمن أحبهم وتولاهم ودعا لهم ورعى حقهم وعرف فضلهم فاز مع الفائزين، ومن أبغضهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم إليه الروافض والخوارج لعنهم الله، فقد هلك مع الهالكين". ويقول الإمام الذهبي -مبينا ما يجب أن نتعامل به مع الصحابة رضوان الله عليهم، والأحداث التي ارت بينهم: "كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكن أكثر ذلك منقظع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بين أيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه، لتصفوا القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف، العري عن الهوى، بشرط أن يستغفر لهم، كما علمنا الله تعالى حيث يقول:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . سورة الحشر/10. فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع بأن بعضهم أفضل من بعض، ويقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الأمة، ثم تتمة العشرة المشهود لهم بالجنة، وحمزة، وجعفر، ومعاذ، وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الأفضل بعدهم مثل أبي الدرداء، وسلمان الفارسي،
وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأُولِي الأَمْرِ مَا دَامُوا يُصَلُّونَ، وَالْوُلَاةُ لَا يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ، وَالْخِلَافَةُ فِي قريش، وأن قيليل مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَمْرٌ، وَالْمُتْعَةُ حَرَامٌ، وَأُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ عز وجل، وَلُزُومِ السُّنَّةِ، وَالآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي الله عنهم بنص آية سورة الفتح، ثم عموم المهاجرين والأنصار كخالد بن الوليد، والعباس، وعبد الله بن عمرو، وهذه الحلبة، ثم سائر من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه.
فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك فلا تعرج عليه، ولا كرامة، فأكثره باطل وكذب وافتراء، فدأب الروافض رواية الأباطيل، أو رد ما في الصحاح والمسانيد،
…
والعاقل خصم نفسه، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. انتهى كلام الذهبي. سير أعلام النبلاء 10/92-94.
فالروافض هم حملة لواء سب صحابة رسول الله، إذ لفقوا الافتراءات الظالمة على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآل بهم الأمر إلى تكفيرهم جميعا، إلا بضعة عشر رجلا منهم هم: سلمان الفارسي وأبا ذر، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة ابن اليمان، وأبا الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبا أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت، وأبا سعيد الخدري، وبغض الشيعة يرى أن الطيبين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عددا من هؤلاء.
انظر: العواصم من القواصم مع حاشيته ص 182-183.
ولا غرو أن يذهب هؤلاء الأدعياء هذا المذهب في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم إنما جاءوا لهدم الدين الإسلامي، فبدأوا أولا بحملته ومبلغيه، لأنهم واسطتنا فيه إلى نبي الهدى صلى الله الله عليه وسلم، والقدح فيهم قدح في الإسلام كله، فبدأت معاولهم تعمل في هدم الإسلام منذ ظهور مؤسسهم وزعيمهم عبد الله بن سبأ اليهودي الذي كاد للدين حقدا وحسدا، إلا أن مثلهم ومثل هذا الدين العظيم ودعاته ومبلغيه العظام، من صحابة سيد الأنام، ومن سار على نهجهم من الأئمة الأعلام:
كناطح صخرة يوما لوهنها فلم يضرها وأهى قرنة الوعل
فاللهم من أراد هذا الدين بسوء، فاردد كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، واعصمنا الله من الزلل، وارزقنا حب أصحاب نبيك وحب من أحبهم، وجاز من أبغضهم بشر أعمالهم وقبيح اعتقاداتهم، وسوء مقاصدهم.
(وَأَصْحَابِهِ)(1) ، وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ، وَاجْتِنَابِهَا، وَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَإِنَّ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَلُزُومِ السُّنَّةِ وَالإِيَمَانِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، وَمَنْ حَضَرَنِي مِنْكُمْ فَلْيُلَقِّنِّي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ محمدا عبده وروسله، وَتَعَاهَدُوا (2) الأَظْفَارَ وَالشَّارِبَ قَبْلَ الْوَفَاةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وإذا حضرت فإن كَانَتْ عِنْدِي حَائِضٌ فَلْتَقُمْ، وَلْيُدَخِّنُوا عِنْدَ فِرَاشِي (3) .
92-
قَالَ شيخ الإسلام (4) : وأخبرنا (5) أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَلْقَمَةَ الأَبْهَرِيُّ (6) ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: الْقَوْلُ في السنة التي أَنَا عَلَيْهَا، وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا عَلَيْهَا، أَهْلَ
(1) لا توجد ي (هـ) .
(2)
في (هـ) : "وتعاهد". بدون واو الجماعة.
(3)
أشار إلى هذه الوصية الذهبي في العلو ص 120، فقال: وبإسناد لا أعرفه عن الحسين بن هشام البلدي. وذكر طرفا منها ثم قال: إسنادهما واه. يعني هذه الوصية وما قبلها عنده. وهو ما سيأتي برقم: (92)، وقال في السير 10/79: وصية الشافعي من رواية الحسين بن هشام البلدي غير صحيحه.
أقول: ولعل علته الهكاري، أبو الحسن علي بن أحمد، قال فيه ابن عساكر: لم يكن موثقا، وقال ابن النجار: منهم بوضع الأحاديث وتركيب الأسانيد. انظر: الاعتدال للذهبي 3/112، والكشف الحثيث ص 293.
إلا أن ثمة وصية صحيحة للشافعي رضي الله عنه ذكرها الإمام البيهقي في مناقب الشافعي 2/288-289، بتحقيق السيد أحمد صقر، وهي في الأم للإمام الشافعي 4/48-51. وليس فيها محل الشاهد.
(4)
يعني الكاري المتقدم. كما في العلو للذهبي.
(5)
في النسخ الأخرى: "وأنبأ".
(6)
في (هـ) : "الأخرى".
الْحَدِيثِ الَّذِينَ رَأَيْتُهُمْ (فَأَخَذْتُ عَنْهُمْ)(1) ، مِثْلَ سُفْيَانَ، وَمَالِكٍ، وَغَيْرِهِمَا، الإِقْرَارُ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَذَكَرَ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ:) (2) وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ، يُقَرِّبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كَيْفَ شَاءَ وَذَكَرَ سَائِرَ الاعْتِقَادِ (3) .
93-
(وَبِهَذَا الإِسْنَادِ)(4) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه (5) يَقُولُ -وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ (تَعَالَى)(6) وَمَا يُؤْمِنُ بِهِ- فَقَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، جَاءَ بِهَا كِتَابُهُ، وَأَخْبَرَ بِهَا نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ، لا يسمع أحدا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ رَدَّهَا، لَأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا، وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القول بها في ما رَوَى عَنْهُ (الْعُدُولُ)(7) ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِرٌ، فَأَمَّا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ فَمَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ، لِأَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَلَا بِالرُّؤْيَةِ وَالْفِكْرِ، وَلَا نُكَفِّرُ بِالْجَهْلِ بِهَا أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْخَبَرِ إليه بها، وثبت هَذِهِ الصِّفَاتَ، وَنَنْفِي عَنْهَا التَّشْبِيهَ، كَمَا نَفَى التَّشْبِيهَ عَنْ نَفْسِهِ، فَقَالَ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه قَضَاهَا فِي سَمَائِهِ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ قُلُوبَ أَصْحَابِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم (8) .
(1) ما بين القوسين لا يوجد في (هـ) ، و (ر) .
(2)
ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى، ولا عند الذهبي.
(3)
أورده الذهبي في العلو، وحكم بأن إسناده واه. انظر: العلو ص 120، والعلة للهكاري. وقد تقدم بيان حاله.
(4)
هذه العبارة لا توجد في غير الأصل.
(5)
لا توجد في النسخ الأخرى.
(6)
لا توجد في النسخ الأخرى.
(7)
في الأصل، وفي (هـ)، و (ر) :"العدل" والتصحيح من (م) .
(8)
وهذا أيضا عن طريق الهكاري، فحاله حال سابقه، وقد أورده الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء 10/79-80، نقلا عن كتاب عقيدة الشافعي للهكاري، وليس فيه، وقال الشافعي: خلافه أبي بكر
…
إلخ.
94-
أَخْبَرَنَا (1) أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ (2) قَالَ (3) : أَنَبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسْيَنِ بْنِ زَكَرِيَّا الطُّرَيْثِيثِيُّ قَالَ (4) : أَنْبَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُظَفَّرِ الْمُقْرِئ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُبَيْشٍ (5) الْمُقْرِئُ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ (قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ) (6) ح، وَقَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْقَاهِرِ الطُّوسِيِّ بِالْمَوْصِلِ، أَخَبَرَكُمْ (7) أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَّافِ قَالَ (8) : أَنْبَأَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بِشْرَانَ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ (مَرْدَكٍ)(9) قَالَ (10) : أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَمَا أَدْرَكَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ فِي جَمِيعِ الأَمْصَارِ، وَمَا يَعْتَقِدَانِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَا: أَدْرَكْنَا الْعُلَمَاءَ (فِي جَمِيعِ الأَمْصَارِ)(11)
(1) في النسخ الأخرى: أخبرنا الشيخ أبو الفتح
…
(2)
كذا في الأصل، وفي (ر) . وفي (هـ) ، و (م) سلمان. وما في الأصل موافق لما في العبر 3/44. والشذرات 4/213. وما في النسختين الأخريين موافق لما عند الذهبي في السير 20/481، وفي البداية والنهاية تحريف في نسبه إلى: محمد بن عبد الله بن عبد الواحد بن سليمان. انظر: 12/260. وقد أثبته كما هو في الأصل في جميع موارده لاختلاف المترجمين له في اسم جده الثاني.
(3)
"قال" لا توجد إلا في الأصل.
(4)
"قال" لا توجد إلا في الأصل.
(5)
في (هـ)، و (ر) :"حنيش". وعند اللالكائي: "حبش".
(6)
ما بين القوسين لا يوجد في النسخ الأخرى.
(7)
في (هـ) : "قال أخبركم".
(8)
"قال" لا توجد في غير الأصل.
(9)
هكذا في جميع النسخ، ولعل الصواب:"مدرك"، ولم أعثر على ترجمته.
(10)
"قال" لا توجد في غير الأصل.
(11)
لا توجد في الأصل.
حِجَازًا وَعِرَاقًا وَمِصْرًا وَشَامًا وَيَمَنًا، فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ (1) وَالْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِجَمِيعِ جِهَاتِهِ، وَالْقَدَرُ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ بِلَا كَيْفٍ، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا {لَيْسَ
(1) هذا هو مذهب السلف الذي يتفق مع الأدلة الشرعية، إن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح، وأن هذه الأمور الثلاثة أركان فيه، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله وقد سئل عن الإيمان: الإيمان عندنا داخله وخارجه الإقرار باللسان، والقبول بالقلب، والعمل به. انظر: السنة للإمام أحمد ص 74.
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: "كان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل،
…
فمن آمن بلسانه، وعرف بقلبه، وصدق بعلمه، فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه، ولم يعرف بقلبه، ولم يصدق بعمله، كان في الآخرة من الخاسرين، وهذا معروف عن غير واحد من السلف والخلف، أنهم يجعلون العمل مصدقا للقول". كتاب الإيمان ص 142.
وممن قال من السلف بهذا القول: الأئمة الثلاثة: أحمد بن حنبل، ومحمد بن إدريس الشافعي، ومالك بن أنس، وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري، والأوزاعي، وابن جريج، ومعمر بن راشد وغيرهم. انظر: فتح الباري لابن حجر 1/47. وأدلتهم في ذلك من الكتاب والسنة كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها.
وكما قال السلف بأن هذه أركان للإيمان، فقد قالوا بزيادته ونقصه، زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية، كما ذكر الإمام النووي في شرح مسلم عن عبد الرزاق أنه قال: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا، سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر، والأوزاعي، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والنخعي، والحسن البصري، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، وعبد الله بن المبارك. انظر: شرح مسلم 1/146.
وذكر الإمام ابن تيمية رحمه الله عن أبي الدرداء قوله: الإيمان يزيد وينقص، وقوله: إن من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم: أيزداد إيمانه أم ينقص، وإن من فقه العبد أن يعلم نزعات الشيطان أنى تأتيه. انظر: الإيمان لابن تيمية ص 186. بقي أن نعرف من خالف في ذلك وهم المرجئة على اختلاف أصنافهم، فمن قائل: إن الإيمان قول باللسان فقط، وهم الكرامية ومن وافقهم، ومن قائل: المعرفة بالقلب فقط، على تفاوت بينهم في مدى اعتبار العمل، إلا الكل يتفق على أنه ليس ركنا في الإيمان، وأن الإيمان يزيد ولا ينقص. انظر: مقالات المرجئة في الملل والنحل للشهرستاني ص 141-145. والفرق بين الفرق للبغدادي ص 202.
إلا أن أكثر فرق المرجئة تطرفا تلك الفئة التي حكى الآجري قولها: إن من قال لا إله إلا الله، لم تضره الكبائر أن يعملها، ولا الفواحش أن يرتكبها، وإن البار التقي الذي لا يباشر من ذلك شيئا، والفاجر يكونان سواء. انظر: الشريعة للآجري ص 147.
وهؤلاء هم الذين اشتهر قولهم: لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة. انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/42، ونهاية الإقدام في علم الكلام للشهرستاني ص 471.
فهؤلاء -كما ترى- يذهبون مذهبا إباحيا يدعو إلى الغواية والفجور، ونبذ تعاليم الإسلام. نسأل الله العافية.
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1) .
95-
قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ: وَجَدْتُ فِي (كُتُبِ)(2) أَبِي حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنْظَلِيِّ، مِمَّا سُمِعَ مِنْهُ يَقُولُ: مَذْهَبُنَا وَاخْتِيَارُنَا اتِّبَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، وَالتَّمَسُّكُ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ (3) الأَثَرِ مِثْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ، وَالشَّافِعِيِّ رحمهم الله (تَعَالَى)(4) ، وَلُزُومُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (5) .
(1) أورده اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، برقم:(321) ، 1/176، وفيه تتمة المعتقد فليراجع.
(2)
في النسخ الأخرى: "كتاب" وفي اللالكائي: "في بعض كتب".
(3)
في الأصل: "الأهل".
(4)
من (م) .
(5)
ذكره اللالكائي اطول مما هنا، إذا اشتمل على مذهبه في كثير من أصول العقيدة، ولم يذكر المصنف هنا إلا طرفا مما ورد عند اللالكائي. فليراجع. انظر: شرح اعتقاد أهل السنة، رقم:(323) ، 1/180-182.
96-
أَنْبَأَ أَبُو الْمُطَهَّرِ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الصَّيْدَلَانِيُّ (قَالَ)(1) : أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ، أَنْبَأَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ رحمه الله يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ، قَدِ اسْتَوَى فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَأُلْقِيَ عَلَى بَعْضِ المزابل، حيث يتأذى المسلمون ولا الْمُعَاهِدُونَ بِنَتنِ رِيحِ جِيفَتِهِ، وَكَانَ مَالُهُ فَيْئًا، لَا يَرِثُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِذِ الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ، كَمَا قَالَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (2) .
97-
وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ (عَنِ)(3) ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (4) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى إِلَى
(1) لا توجد في (هـ) .
(2)
هذا الأثر لا يوجد في الأصل، وأجمعت النسخ الأخرى على إيراده.
ذكره الإمام أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/111، وعزاه إلى الحاكم في التاريخ، وفي معرفة علوم الحديث، وهو في معرفة علوم الحديث ص 84.
وفي كتاب التوحيد لابن خزيمة: "فنحن نؤمن بخبر الله جل وعلا، أن خالقنا مستو على عرشه، لا نبدل كلام الله، ولا نقول قولا غير الذي قيل لنا، كما قالت المعطلة الجهمية إنه استولى على عرشه، لا استوى، فبدلوا قولا غير الذي قيل لهم، كفعل اليهود لما أمروا أن يقولوا "حطة" فقالوا: "حنطة" مخالفين لأمر الله جل وعلا، كذلك الجهمية". التوحيد ص 101.
قال المعلق الدكتور محمد خليل هراس رحمه الله: ولهذا قيل لام الجهمية كنون اليهود.
(3)
في (هـ)، و (ر) :"وعن".
(4)
من (هـ) .
سَمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" وَقَالَ (1) : هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، صَحِيحُ الأَسَانِيدِ، لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهِ، وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ طُرُقٍ سِوَى هَذِهِ مِنْ أَخْبَارِ الْعُدُولِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (2) ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، كَمَا قَالَتِ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ مَكَانٍ، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى
(1) إلى هنا فقط يوجد في الأصل، وبقية الكلام إلى نهاية الكتاب لا وجود له في الأصل سوى رقم:(99) الآتي، وقد تأخر حسب وضعه في ترتيب النسخ الثلاث الذي اعتمدته.
(2)
حديث النزول رواه مالك في الموطأ، كتاب القرآن، باب ما جاء في الدعاء، ح (30) ، 1/214، وعنه رواه البخاري في صحيحه كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ح (1145) ، 3/29، وكتاب التوحيد، باب قوله الله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّه} ، ح (7494) ، 13/464، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، ح (758) ، 1/521، وهو حديث كثير الطرق، متواتر من جهة النقل، كما ذكر ابن عبد البر في التمهيد 7/128.
وهذا الحديث من أدلة السلف على علو الله تبارك وتعالى، لأن النزول يكون من أعلى. وقد اتفق السلف على إثبات هذه الصفة لله تبارك وتعالى على ما يليق بجلاله وعظمته، وأن نزوله لا يشبه نزول المخلوق، فهو مستو على عرشه، باب من خلقه كما أخبر، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل يوم القيام لفصل القضاء، ولا منافاة بين استوائه سبحانه وعلوه، وبين نزوله، لأنه ينزل نزولا يليق بجلاله بجلالته وعظمته لا نعلم كيفيته، ولا ندرك كنهه. كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا ما يجب اعتقاده من حديث النزول: "اتفق سلف الأئمة وأئمتها، وأهل العلم بالسنة والحديث على تصديق ذلك، وتلقيه بالقبول، ومن قال ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فقوله حق وصدق، وإن كان لا يعرف حقيقة ما اشتمل عليه من المعاني، كمن قرأن القرآن ولم يفهم ما فيه من المعاني، فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال
الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (2)، وَقُوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (3)، وَقَالَ:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (4)، وَقَالَ:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} (5)، وَقَالَ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى
هذا الكلام وأمثاله علانية، وبلغه الأمة تبليغا عاما لم يخص به أحدا دون أحد، ولا كتمه عن أحد، وكان الصحابة والتابعون تذكره، وتأثره، وتبلغه في المجالس الخاصة والعامة، واشتملت عليه كتب الإسلام التي تقرأ في المجالس الخاصة والعامة، كصحيحي البخاري ومسلم، وموطأ مالك، ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وأمثال ذلك من كتب المسلمين، ولكن من فهم من هذا الحديث وأمثاله ما يجب تنزيه الله عنه، كتمثيله بصفات المخلوقين، ووصفه بالنقص المنافي لكماله الذي يستحقه، فقد أخطأ في ذلك، وإن أظهر ذلك منع منه، وإن زعم أن الحديث يدل على ذلك ويقتضيه فقد أخطأ أيضا في ذلك فإن وصفه سبحانه وتعالى في هذا الحديث بالنزول هو كوصفه بسائر الصفات
…
". شرح حديث النزول ص5.
ويقول الإمام ابن خزيمة: "نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب، من غير أن يصف الكيفية، لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله جل وعلا لم يترك، ولا نبيه عليه السلام بيان بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة، من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير مكلفين القول بصفته، أو بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول، وفي هذه الأخبار ما بال وثبت وصح، أن الله جل وعلا فوق السماء الدنيا، الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: ينزل من أسفل إلى أعلا، ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل". التوحيد ص 125-126.
هذا ما يجب اعتقاده في وصف الله تعالى بالنزول، وقد تجرأ المتكلمون على هذه الصفة، فأولوها كحالهم مع بقية الصفات الخبرية، وخاصة صفة الاستواء، فنحوا بهما منحى واحدا، من أجل أن يستقيم لهم اعتقادهم المتمثل في نفي صفة العلو. والله المستعان.
(1)
سورة طه آية/ 5.
(2)
سورة الفرقان آية/ 59.
(3)
سورة الملك آية/ 16.
(4)
سورة فاطر آية/ 10.
(5)
سورة النحل آية/ 50.
الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} (1)، وَقَالَ:{تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (2)، وَقَالَ:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (3)، وَقَالَ لِعِيسَى:{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (4)، وَقَالَ:{بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} (5)، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ:{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} (6)، يَعْنِي: أَظُنُّ مُوسَى كَاذِبًا فِي أَنَّ لَهُ إِلَهًا فِي السَّمَاءِ، هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ يَقُولُ: إِلَهِي فِي السَّمَاءِ، وَفِرْعَوْنُ يَظُنُّهُ كَاذِبًا. قَالَ: وَمِنَ الْحُجَّةِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ عَلَى العرش فوق السموات السَّبْعِ: أَنَّ الْمَوْجُودِينَ أَجْمَعِينَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ، إِذَا كَرَبَهُمْ أَمْرٌ، وَنَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّةٌ، رَفَعُوا وُجُوهَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، وَنَصَبُوا أَيْدِيهِمْ، رافعين لها، مشرين بِهَا إِلَى السماء، يستغيثون الله رَبِّهِمْ تبارك وتعالى. وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مِنْ (أَنْ)(7) يُحْتَاجَ أَكْثَرِ مِنْ حِكَايَتِهِ، لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُوقِفْهُمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ مُسْلِمٌ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْأَمَةِ الَّتِي أَرَادَ مَوْلَاهَا عِتْقَهَا، وَكَانَتْ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ، فَاخْتَبَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ قَالَ لَهَا: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ (8) فَاكْتَفَى
(1) سورة السجدة آية/ 5.
(2)
سورة المعارج آية/ 4.
(3)
سورة الأنعام آية/ 18.
(4)
سورة آل عمران آية/ 55.
(5)
سورة النساء آية/ 158.
(6)
سورة غافر آية/ 36-37.
(7)
"أن" لا توجد في (م) .
(8)
تقدم حديث الجارية برقم: (9) . وهو هنا دليل الفطرة الذي تقدم بيانه، وحديث الجارية من شواهد الفطرة، كما أنه دليل نقلي يدل على العلو.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَفْعِ رَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ (1) .
98-
قَالَ أَبُو عُمَرَ رحمه الله: أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالإِيمَانِ بِهَا، وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً. وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، الْجَهْمِيَّةُ (2) ، وَالْمُعْتَزِلَةُ (3) كُلُّهَا، وَالْخَوَارِجُ، فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا،
(1) انظر كلام ابن عبد البر هذا في التمهيد 7/128-130. وقد أورده المصنف هنا بتصرف.
(2)
الجهمية: تقدم ذكر طرف من مذهبهم في الصفات في القسم الخاص بالدراسة، وهم أتباع جهم بن صفوان الترمذي، من أهل خراسان، تتلمذ على يد الجعد بن درهم، وعنه أخذ الكلام بضاعته، إذ كان بمنأى عن علم الحديث والأثر، مفارقا بذلك جمهور المسلمين الذي كان مهتما بعلم الحديث وآثار الصحابة ومرياتهم، وكان هو ومن معه من زمرة المتكلمين يرون أن لا علم إلا ما هم فيه من كلام وجدل، ويمقتون أئمة الحديث، ويلقبونهم بالحشوية. وقد حدث مذهب الجهم بعد انقضاء عصر الصحابة رضوان الله عليهم ببلاد المشرق، فعظمت به الفتنة، وتمالأ أهل الإسلام على إنكار بدعته وتضليله، وتضليل كل من اتبعه وافتتن به، وحذروا منهم وعادوهم في الله وذموا من جلس إليهم، ونشطوا في الرد عليهم بما لم يكن معهودا من قبل، فألفت عشرات الكتب من أجل بين زيغ هذه الطائفة، وبعدها عن الإسلام. انظر: تاريخ الجهمية والمعتزلة، لجمال الدين القاسمي ص 10، والخطط للمقريزي 2/357.
(3)
أما المعتزلة فقد ظهرت إثر سؤال طرح في مجلس الحسن البصري رحمه الله وهذا السؤال كان عن مرتكبي الكبائر الذين كفرهم الخوارج، وحكم لهم المرجئة بالإيمان المطلق، وقال أهل السنة هم تحت مشيئة الله ورحمته، وهم مؤمنون بما معهم من إيمان، فساق بقدر جرمهم ومعاصيهم ويوم القيامة يحكم الله فيهم، بما يريد إن شاء عفا عنهم، وإن شاء عاقبهم، إلا أنهم لا يخلدون في النار بل يخرجون منها، بعد أن يلقوا جزاء معاصيهم، واعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن البصري، ليقرر مذهب المعتزلة، الذي انفردت به، وهو أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الكفر والإيمان، وهي ما عرف بالمنزلة بين المنزلتين هذا في الدنيا، أما في الآخرة فمرتكب الكبيرة عندهم خالد مخلد في النار، كمقالة الخوارج. ثم تشعبت آراء المعتزلة، وشرعوا في الحديث عن الصفات إثر تأثرهم بالفلسفة التي أشغلوا أنفسهم بقراءة كتبها، فكانوا بعد ذلك يمجدون كل ما هو عقلي، ولا يلوون على نصوص الوحي إلا بما يتفق مع عقولهم، ويوافق هواهم، ولذلك تأثروا بمقالة الجهمية في الصفات، فكان مذهب الجهمية أصلا انبثق عنه مذهب المعتزلة، وكل من كان عنده تعطيل. ولذلك سمي المعتزلة جهمية، ومن أبرز آرائهم قولهم بخلق القرآن، وأن الإنسان يخلق فعله، وأنه لا دخل لقدرة الله ومشيئته في فعل العبد، ولذلك سموا قدرية. انظر عن المعتزلة: مقالات الإسلاميين للأشعري 1/235 وما بعدها. وكتاب الغلو والفرق الغالية ص 119-120، وتاريخ الجهمية والمعتزلة للقاسمي ص 57-59.
وَلَا يَحْمِلُ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ، وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَقَرَّ بِهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ، وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ (1) .
99-
وَوَجَدْتُ فِي آخِرِ جُزْءٍ فِيهِ حَدِيثَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيِّ (2) هَذِهِ الْحِكَايَةُ بِخَطِّ كَاتِبِ الْجُزْءِ، قال: رَأَيْتُهَا فِي آخِرِ الْجُزْءِ، وَرَأَيْتُ بِخَطِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ شَاذَانَ، سَمِعَ ابْنِي الحَسَنُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ: كُنَّا نُغَسِّلُ مَيِّتًا وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَكَشَفْنَا عَنْهُ الثَّوْبَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: هو على عرشه وحده، هو على عرشه وحده. قَالَ:(فَتَفَرَّقْنَا)(3) مِنْ عِظَمِ مَا سَمِعْنَا، ثُمَّ رجعنا فغسلناه (4) .
(1) انظر مقالة ابن عبد البر في التمهيد 7/145.
(2)
في النسخ الثلاث الأخرى: "الجلدي" بالجيم. وهو خطأ. والخلدي هذا هو شيخ الصوفية، أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير بن قاسم البغدادي، والخلدي: بضم الخاء، وسكون اللام، نسبة إلى الخلد، وهي محلة ببغداد كان يسكن بها. انظر: سير أعلام النبلاء 15/558، وتاريخ بغداد 7/226، واللباب 1/456.
(3)
في غير الأصل: "فنفرنا".
(4)
ولعل هذه الحكاية من حكايات الخلدي، التي يعدها المؤرخون إحدى عجائب بغداد، كما قال الخطيب في تاريخه: كان أهل بغداد يقولون: عجائب بغداد ثلاثة: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات جعفر. انظر: تاريخ بغداد 7/228، وسير أعلام النبلاء 15/559.
فقد وضح الحق في هذه المسألة بحمد الله، من الحجج القاطعة، من الآيات الباهرة، والأخبار المتواترة، وإجماع الصحابة لما ذكروه في أشعارهم، ومنثور كلامهم، من قول أئمتهم وعامتهم، وروايتهم للسنة في ذلك، قابلين لها، مؤمنين بها، مصدقين بما فيها، لم ينكر ذلك منهم منكر، ولا اعترض منهم عليه معترض، ثم من بعدهم عصرا بعد عصر، حتى قال الإمامان أبو زرعة، وأبو حاتم: هذا ما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار، حجازا، وعراقا، وشاما، ويمنا، ولم يخالف في ذلك غير مبتدع غال، أو مفتون ضال، وأول من خالف في ذلك فيما علمنا الجهم بن صفوان، فعاب ذلك عليه وعلى أصحابه الأئمة من العلماء، والسادة من الفقهاء، واستعظموا قولهم وبدعتهم، ثم إن الجهمية مضطرون إلى موافقة أهل الإسلام على رفع أيديهم في الدعاء، وانتظار الفرج من السماء (1) ، وقول سبحان ربي الأعلى، وتلاوة ما يدل على ذلك من كلام الله تعالى، وسنة رسوله المصطفى، ثم لا يزالون يسمعون من السنة ما يقرع رؤوسهم، ويحزن قلوبهم، ويسمعون من عامة المسلمين في أسواقهم ومحاوراتهم من ذلك ما يغيضهم، لا يستطيعون له ردا، ولا يجدون من سماعه بدا، وليس لهم في بدعتهم هذه حجة من كتاب ولا سنة، ولا قول صحابي، ولا إمام مرضي، إلا اتباع الهوى، ومخالفة سنة المصطفى وأئمة الهدى، ومن وفقه الله تعالى لسلوك صراطه المستقيم، والاقتداء بنبيه الصادق الأمين، واتباع صحابته الغر الميامين، ورضي لنفسه بما رضي به أئمة المسلمين، وعامة المؤمنين، أراح نفسه في الدنيا من مخالفة المسلمين، وفي الآخرة من العذاب الأليم، وأتاه الله الأجر العظيم، وهداه إلى الصراط المستقيم، وأنعم عليه بمرافقة النبيين وأصحاب اليمين، بدليل قول الله
(1) يقصد المصنف ان القوم متمردون على الفطرة، ولذلك نجدهم يعودون إليها رغم أنوفهم من غير قصد منهم إلى ذلك، إلا الاضطرار الذي أودعه الله في قلوب مخلوقاته جميعا. ومثلهم في ذلك مثل المشركين الذين لا يذكرون الله إلا في حال الكرب، حين يدعون الله وحده لا شريك، وينسون ما يشركون، وإذا عادوا ونجوا عادوا إلى شركهم.
تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين} (1) ، جعلنا الله سبحانه ممن هداه إلى صراطه المستقيم، ووفق لاتباع رضى رب العالمين، والاقتداء بنبيه محمد خاتم النبيين، والسلف الصالحين، برحمته آمين.
آخر الجزء، والحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده.
(1) سورة النساء/ 69.