الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البساسيري. وخرج من خزائنهم ثمانون ألف قطعة بِلَّور، وخمسة وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم، وأحد عشر ألف كزاغند، وعشرون ألف سيف مُحلَّى، هكذا نقله ابن الأثير.
قال صاحب "مرآة الزمان" والعُهده عليه: خَرجت امرأة من القاهرة وبيدها مُدّ جوهر، فقالت: مَن يأخذه بمُدّ بُرّ؟ فلم يلتفت إليها أحدٌ، فألقته في الطريق وقالت: هذا ما نفعني وقت الحاجة، ما أريده، فلم يلتفت أحدٌ إليه.
وقال ابن الفضل يهنّئ القائم بأمر الله بقصيدة، منها:
وقد علم المصريُّ أن جُنُوده
…
سِنُو يوسفٍ فيها وطاعونُ عَمَوَاسِ
أقامتْ به حتى استراب بنفسه
…
وأوجَس منها خيفةً أيَّ إِيجاسِ
1 انظر: البداية والنهاية "12/ 97"، والنجوم الزاهرة "5/ 84، 85"، وشذرات الذهب "3/ 38، 39"، تاريخ الخلفاء "ص: 669"، وصحيح التوثيق "7/ 508".
أحداث سنة ثلاث وستين وأربعمائة
…
أحداث ثلاث وستين وأربعمائة:
الخطبة في حلب للخليفة القائم:
فيها خطب محمود بن شبل الدولة بن صالح الكلابي صاحب حلب بها للخليفة القائم، وللسلطان ألب أرسلان، عندما رأى من قوة دولتهما، وإدبار دولة المستنصر، فقال للحلبيين: هذه دولة عظيمة نحن تحت الخوف منهم، وهم يستحلُّون دماءكم لأجل مذهبكم، يعني التشيُّع، فأجابوا ولبس المؤذنون السواد، فأخذت العامَّة حصر الجامع وقالوا: هذه حصر الإمام علي، فليأتِ أبو بكر بحصر يُصلّي عليها الناس، فبعث الخليفة القائم له الخِلَع مع طراد الزَّيْنبي نقيب النُّقَباء.
مسير ألب أرسلان إلى حلب:
ثم سار ألب أرسلان إلى حلب من جهة ماردين، فخرج إلى تلقِّيه من ماردين صاحِبُها نصْر بن مروان، وقدَّم له تُحَفًا، ووصلَ إلى آمِد فرآها ثغرًا منيعًا فتبرَّك به، وجعل يمر يده على السور ويمسح بها صدره، ثم حاصر الرها فلم يظفر بها، فترحل إلى حلب وبها طِرادٌ بالرسالة، فطلب منه محمود الخروج عنه إلى السلطان، وأن
يعفيه من الخروج إليه، فخرج وعرف السلطان بأنه قد لبس خلع القائم وخطب له، فقال: إيش تسوى خطبتهم ويؤذنون بحي على خير العمل؟ ولا بد أن يدوس بساطي.
فامتنع محمود، فحاصرها مدَّةً، فخرج محمود ليلةً بأمه، فدخلت وخدمت وقالت: هذا ولدي فافعل به ما تحب.
فعفا عنه وخلع عليه، وقدَّم هو تقادُم جليلة، فترحَّل عنه.
موقعة منازكرد:
وفيها الوقعة العظيمة بين الإسلام والروم.
قال عزّ الدين في "كامله": فيها خرج أرمانوس طاغية الروم في مائتي ألف من الفرنج والروم والبجاك والكرج، وهم في تجمُّل عظيم، فقصدوا بلاد الإسلام، ووصل مَنَازْكِرْدٍ1 بُليدة من أعمال خلاط، وكان السلطان ألب أرسلان بخوي من أعمال أَذْرَبَيْجان، قد عاد من حلب، فبلغه كثرة جموعهم، وليس معه من عساكره إلا خمس عشرة ألف فارس، فقصدهم وقال: أنا ألتقيهم صابرًا محتسبًا، فإن سلمت فبنعمة الله تعالى، وإن كانت الشهادة فابني ملكشاه ولي عهدي.
فوقعت مقدمته على مقدمة أرمانوس فانهزموا وأسر المسلمون مقدمهم، فأحضر إلى السلطان فجدع أنفه، فلمَّا تقارب الجمعان أرسل السلطان يطلب المهادنة، فقال أرمانوس: لا هدنة إلا بالري، فانزعج السلطان، فقال له إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دينٍ وَعَد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنَّهم يدعون للمجاهدين.
فلمَّا كان تلك الساعة صلى بهم، وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه، ودعا فأمَّنوا، فقال لهم: من أراد الانصراف فلينصرف، فما ههنا سلطان بأمر ولا بنهي، وألقى القوس والنشاب، وأخذ السيف، وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنَّط وقال: إن قتلت فهذا كفني.
1 منازكرد: وقال في معجم البلدان "5/ 202": منازجرد -بعد الألف زاي ثم جيم مكسورة وراء ساكنة- وهي بلد مشهورة بين خلاط وبلاد الروم، يعدُّ في أرمينية، وأهله أرمن الروم.
وزحف إلى الروم، وزحفوا إليه، فلمَّا قاربهم ترجَّل وعفَّر وجهه بالتراب وبكى، وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل الجيش معه، فحصل المسلمون في وسطهم، فقتلوا في الروم كيف شاءوا، وأنزل الله نصره، وانهزمت الروم، وقتل منهم ما لا يحصى، حتى امتلأت الأرض بالقتلى، وأسر ملك الروم، أسره غلام لكوهرائين، فأراد قتله ولم يعرفه، فقال له خدم مع الملك: لا تقتله فإنَّه الملك.
وكان هذا الغلام قد عرضه كوهرائين على نظام الملك، فرده استحقارًا له، فأثنى عليه أستاذُه، فقال نظام الملك: عسى يأتينا بملك الروم أسيرًا، فكان كذلك.
ولما أحضر إلى بين يدي السلطان ألب أرسلان ضربه ثلاث مقارع بيده، وقال: ألم أرسل إليك في الهدنة فأبيت؟ فقال: دعني من التوبيخ وافعل ما تريد.
قال: ما كان عزمك أن تفعل بي لو أسرتني؟ قال: أفعل القبيح.
قال: فما تظن أنني أفعل بك؟ قال: إمَّا أن تقتلني، وإمَّا أن تشهرني في بلادك، والأخرى بعيدة، وهي العفو، وقبول الأموال، واصطناعي.
قال له: ما عزمتُ على غير هذه.
ففدى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وأن ينفذ إليه عسكره كلما طلبه، وأن يطلق كل أسير في مملكته، وأنزله في خيمةٍ، وأرسل إليه عشرة آلاف دينار ليتجهَّز بها، وخلع عليه وأطلق له جماعة من البطارقة، فقال أرمانوس: أين جهة الخليفة؟ فأشاروا له، فكشَفَ رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة، وهادنه1 السلطان خمسين سنةً، وشيعه مسيرة فرسخ.
وأمَّا الروم -لعنهم الله- فلمَّا بلغهم أنه أُسِرَ ملَّكوا عليهم ميخائيل، فلمَّا وصل أرمانوس إلى طرف بلاده بلغه الخبر، فلبس الصوف وأظهر الزهد2، وجمع ما عنده من المال، فكان مائتي ألف دينار وجوهر بتسعين ألف دينار، فبعث به، وحلف أنه لا بقي يقدر على غير ذلك.
1 هادنه: أي أعطاه مصالحة، والهدنة: هي المصالحة بعد الحرب، أو فترة تعقب الحرب يتهيأ فيها العدوان للصلح، ولها شروط خاصة "ج" هُدَن.
2 الزهادة في الشيء: خلاف الرغبة فيه، والرضا باليسير مما يتيقن حله، وترك الزائد على ذلك لله تعالى.
ثم إن أرمانوس استولى على بلاد الأرمن.
وكانت هذه الملحمة من أعظم فتح في الإسلام، ولله الحمد.
مسير أَتْسِز بن أبق في بلاد الشام:
قال: وفيها سار أَتْسِز بن أبق الخوارزمي من أحد أمراء ألب أرسلان في طائفةٍ من الأتراك، فدخل الشام، فافتتح الرملة، ثم حاصر بيت المقدس وبه عسكر المصريين فافتتحه، وحاصر دمشق، وتابع النهب لأعمالها حتى خرَّبها، وثبت أهل البلد فرحل عنه.
قلت: ولكن خرب الأعمال ورعى الزرع عدة سنين حتى عدمت الأقوات بدمشق، وعظم الخطب والبلاء.
فلا حول ولا قوة إلّا بالله1.
1 وراجع: المنتظم "8/ 260-265"، ونهاية الأرب "26/ 313-315"، والبداية والنهاية "12/ 100، 101".