الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحداث سنة أربع وستين وأربعمائة، أحداث سنة خمس وستين وأربعمائة:
أحداث أربع وستين وأربعمائة:
فتح نظام الملك حصن فضلون:
فيها سار نظام الملك الوزير إلى بلاد فارس، فافتتح حصن فضلون، وكان يضرب المثل بحصانته، وأُسِر فضلون صاحبه، فأطلقه السلطان.
الوباء في الغنم:
وفيها كان الوباء في الغنم، حتى قيل: إن راعيًا بطرف خراسان كان معه خمسمائة شاة ماتوا في يوم.
وفاة قاضي طرابلس ابن عمار:
ومات قاضي طرابلس أبو طالب بن عمار، الذي كان قد استولى عليها، توفِّي في رجب.
تملُّك جلال الملك طرابلس:
وتملَّك بعده جلال الملك أبو الحسن بن عمار، وهو ابن أخي القاضي، فامتدت أيامه إلى بعد الخمسمائة، وأخذت منه الفرنج طرابلس، فلا قوة إلا بالله1.
أحداث سنة خمس وستين وأربعمائة:
مقتل ألب أرسلان:
فيها قُتِلَ السلطان ألب أرسلان، وقام في الملك ولده ملكشاه2.
انتقال السلطنة إلى نظام الملك:
فسار أخو السلطان قاروت بك صاحب كرمان بجيوشه يريد الاستيلاء على السلطنه، فسبقه إلى الري السلطان ملكشاه ونظام الملك، فالتقوا بناحية همذان في رابع شعبان، فانتصر ملكشاه، وأسر عمه قاروت، فأمر بخنقه بوترٍ فخنق، وأقرَّ مملكته على أولاده، وردَّ الأمور في ممالكه إلى نظام الملك، وأقطعه أقطاعًا عظيمةً، من جملتها مدينة طوس، ولقَّبه "الأتابك"، ومعناه: الأمير الوالد، وظهرت شجاعته وكفايته، وحسن سيرته.
الفتنة بين جيش المستنصر العبيدي والعبيد والعربان:
وفيها، وفي حدودها وقعت فتنة عظيمة بين جيش المستنصر العبيدي، فصاروا فئتين: فئة الأتراك والمغاربة، وقائد هؤلاء ناصر الدولة أبو عبد الله الحسين بن حمدان، من أحفاد صاحب الموصل ناصر الدولة بن حمدان، وفئة العبيد وعربان الصعيد. فالتقوا بكوم الريش، فانكسر العبيد، وقُتِلَ منهم وغرق نحو أربعين ألفًا، وكانت وقعة مشهورة.
وقويت نفوس الأتراك، وعرفوا حسن نية المستنصر لهم، وتجمَّعوا وكثروا، فتضاعفت عدتهم، وزادت كلف أرزاقهم، فخلت الخزائن من الأموال، واضطربت
1 راجع: الكامل في التاريخ "10/ 71، 72"، والنجوم الزاهرة "5/ 89"، ونهاية الأرب "26/ 317، 318".
2 راجع: صحيح التوثيق "7/ 509".
الأمور، فتجمَّع كثير من العساكر، وساقوا إلى الصعيد، وتجمعوا مع العبيد، وجاءوا إلى الجيزة، فالتقوا هم والأتراك عدة أيام، ثم عبر الأتراك إليهم النيل مع ناصر الدولة بن حمدان، فهزموا العبيد.
ثم إنهم كاتبوا أم المستنصر واستمالوها، فأمرت مَنْ عندها من العبيد بالفتك بالمقدمين، ففعلوا ذلك، فهرب ناصر الدولة، والتفت عليهم الترك، فالتقوا، ودامت الحرب ثلاثة أيام بظاهر مصر، وحلف ابن حمدان لا ينزل عن فرسه ولا يذوق طعامًا حتى ينفصل الحال، فظفر بالعبيد، وأكثر القتل فيهم، وزالت دولتهم بالقاهرة، وأخذت منهم الإسكندرية، وخلت الدولة للأتراك، فطمعوا في المستنصر، وقلَّت هيبته عندهم، وخلت خزائنه البتة.
وطلب ابن حمدان العروض، فأخرجت إليهم، وقومت بأبخس ثمن، وصرفت إلى الجند، فقيل: إن نقد الأتراك كان في الشهر أربعمائة ألف دينار.
تغلب العبيد على ابن حمدان:
وأمَّا العبيد فغلبوا على الصعيد، وقطعوا السبل، فسار إليهم ابن حمدان، ففروا منه إلى الصعيد الأعلى، فقصدهم وحاربهم، فهزموه، وجاء الفَلُّ إلى القاهرة، ثم نُصِر عليهم وعظم شأنه، واشتدت وطأته، وصارحوا الكُلّ، فحسده أمراء الترك لكثرة استيلائه على الأموال، وشكوه إلى الوزير، فقوى نفوسهم عليه وقال: إنما ارتفع بكم.
فعزموا على مناجزته، فتحوَّل إلى الجيزة، فنهبت دوره ودور أصحابه، وذلَّ وانحلَّ نظامه.
انكسار ابن حمدان أمام المستنصر:
فدخل في الليل إلى القائد تاج الملوك شاذي واستجار به، وحالفه على قتل الأمير إِلْدِكْز، والوزير الخطير، فركب إِلْدِكْز فقتل الوزير، ونجا إلدكز، وجاء إلى المستنصر فقال: إن لم تركب وإلا هلكت أنت ونحن، فركب في السلاح، وتسارع إليه الجند والعوام، وعبى الجيش، فحملوا على ابن حمدان فانكسر واستحر القتل بأصحابه.
تغلُّب ابن حمدان على خصومه من جديد:
وهرب فأتى بني سنبس، وتَبِعَه فَلٌّ من أصحابه، فصاهر بني سنبس وتقوَّى بهم، فسار الجيش لحربه، فأراد أحد المقدمين أن يفوز بالظفر، فناجزه بعسكره، والتقوا فأسره ابن حمدان، وقتل طائفة من جُنْده.
ثم عدَّى إليه فرقة ثانية لم يشعروا بما تمَّ، فحمل عليهم، ورفع رءوس أولئك على الرماح، فرعبوا وانهزموا، وقتلت منهم مقتلة. وساق وكبس بقية العساكر، فهزمهم، ونهب الريف، وقطع الميرة عن مصر في البرِّ والبحر، فغلت الأسعار، وكثر الوباء إلى الغاية، ونهبت الجند دور العامَّة، وعظم الغلاء، واشتد البلاء.
رواية ابن الأثير عن الغلاء في مصر:
قال ابن الأثير: حتى إنَّ أهل البيت الواحد كانوا يموتون كلهم في ليلةٍ واحدة.
واشتدَّ الغلاء حتى حكي أنَّ امرأة أكلت رغيفًا بألف دينار، فاستبعد ذلك، فقيل: إنها باعت عروضها، وقيمته ألف دينار، بثلاثمائة دينار، واشترت به قمحًا، وحمله الحمَّال على ظهره، فنهبت الحملة في الطريق، فنهبت هي مع الناس، فكان الذي حصل لها رغيفًا واحدًا.
مصالحة الأتراك لناصر الدولة بن حمدان:
وجاء الخلق ما يشغلهم عن القتال، ومات خلق من جند المستنصر، وراسل الأتراك الذين حول ناصر الدولة في الصلح، فاصطلحوا على أن يكون تاج الملك شاذي نائبًا لناصر الدولة بن حمدان بالقاهرة يحمل إليه المال.
الحرب بين ابن حمدان وتاج الملك شاذي:
فلمَّا تقرَّر شاذي استبدَّ بالأمور، ولم يرسل إلى ابن حمدان شيئا، فسار ابن حمدان إلى أن نزل بالجيزة، وطلب الأمراء إليه فخرجوا، فقبض على أكثرهم، ونهب ظواهر القاهرة، وأحرق كثيرًا منها، فجهز إليه المستنصر عسكرًا، فبيتوه، فانهزم، ثم إنه جمع جمعًا وعاد إليهم، فعمل معهم مصافًا، فهزمهم، وقطع خطبة المستنصر بالإسكندرية ودمياط، وغلب على البلدين وعلى سائر الريف، وأرسل إلى العراق يطلب تقليدًا وخلعًا.
اضمحلال أمر المستنصر:
واضمحلَّ أمر المستنصر وخمل ذكره، وبعث إليه ابن حمدان يطلب الأموال، فرآه الرسول جَالسًا على حصيرٍ، وليس حوله سوى ثلاثة خدم، فلما أدَّى الرسالة قال: أما يكفي ناصر الدولة أن أجلس على مثل هذه الحال؟ فبكى الرسول وعاد إلى ناصر الدولة فأخبره بالحال، فرقَّ له وأجرى له كل يومٍ مائة دينار.
وقدِمَ القاهرة وحكم فيها، وكان يظهر التسنُّن ويعيب المستنصر.
وكاتب عسكر المغاربة فأعانوه، ثم قبض على أمِّ المستنصر وصادرها، فحملت خمسين ألف دينار، وكانت قد قل ما عندها إلى الغاية.
تفرق أولاد المستنصر:
وتفرَّق عن المستنصر أولاده وكثير من أهله من القحط، وضربوا في البلاد، ومات كثير منهم جوعًا، وجرت عليهم أمورٌ لا توصف في هذه السنة بالديار المصرية من الفناء والغلاء والقتل.
وانحطَّ السعر في سنة خمس وستين.
المبالغة في إهانة المستنصر:
قال ابن الأثير: وبالغ ناصر الدولة بن حمدان في إهانة المستنصر، وفرَّق عنه عامَّة أصحابه، وكان يقول لأحدهم: إنني أريد أن أوليك عمل كذا، فيسير إليه، فلا يمكنه من العمل، ويمنعه من العود، وكان غرضه من ذلك ليخطب للقائم بأمر الله أمير المؤمنين، ولا يمكنه ذلك مع وجودهم، ففطن له الأمير إِلْدِكْز، وهو من أكبر أمراء وقته، وعلم أنه متى تمَّ له ما أراد تمكَّن منه ومن أصحابه، فأطلع على ذلك غيره من أمراء الترك.
قتل ابن حمدان:
فاتفقوا على قتل ابن حمدان، وكان قد أمن لقوته وعدم عدوه. فتواعدوا ليلةً، وجاءوا سحرًا إلى داره، وهي المعروفة بمنازل العزِّ بمصر، فدخلوا صحن الدار من غير استئذان، فخرج إليهم في غلالةٍ؛ لأنَّه كان آمنًا منهم، فضربوه بالسيوف، فسبَّهم وهرب، فلحقوه وقتلوه، وقتلوا أخويه فخر العرب، وتاج المعالي، وانقطع ذكر الحمدانية بمصر.
ولاية بدر الجمالي مصر:
فلمَّا كان في سنة سبعٍ وستين ولي الأمر بمصر بدر الجمالي أمير الجيوش، وقتل إِلْدِكْز، والوزير ابن كُدِينَه، وجماعةً، وتمكَّن من الدولة إلى أن مات.
ولاية الأفضل:
وقام بعده ابنه الأفضل1.
1 راجع: المنتظم "7/ 276، 277"، والبداية والنهاية "12/ 106"، والعبر "3/ 256"، والكامل في التاريخ "10/ 86"، ومرآة الجنان "3/ 89، 90".