المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحداث سنة سبع وستين وأربعمائة - تاريخ الإسلام - ط التوفيقية - جـ ٣١

[شمس الدين الذهبي]

الفصل: ‌أحداث سنة سبع وستين وأربعمائة

‌أحداث سنة سبع وستين وأربعمائة

أحداث سبع وستين وأربعمائة:

دخول بدر الجمالي مصر وتمهيدها:

قال ابن الأثير: قد ذكرنا في سنة خمسٍ ما كان من تغلُّب الأتراك وبني حمدان على مصر، وعجْز صاحبها المستنصر عن منعهم، وما وصل إليه من الشدة العظيمة، والفقر المدقع، وقتل ابن حمدان، فلما رأى المستنصر أن الأمور لا تنصلح ولا تزداد إلا فسادًا، أرسل إلى بدر الجمالي، وكان بساحل الشام، فطلبه ليوليه الأمور بحضرته، فأعاد الجواب: إنَّ الجند قد فسدوا، ولا يمكن إصلاحهم، فإن أذنت أن استصحب معي جندًا حضرت وأصلحت الأمور، فإذن له أن يفعل ما أراد، فاستخدم عسكرًا يثق بهم وبنجدتهم، وسار في هذا العام من عكَّا في البحر زمن الشتاء، وخاطر لأنه أراد أن يهجم مصر بغتةً.

وكان هذا الأمر بينه وبين المستنصر سرًّا، فركب البحر في كانون الأول، وفتح الله له بالسلامة، ودخل مصر، فولاه المستنصر جميع الأمر، ولقَّبه "أمير الجيوش"، فلمَّا كان الليل بعث من أصحابه عدة طوائف إلى أمراء مصر، فبعث إلى كل أمير طائفة ليقتلوه ويأتوه برأسه، ففعلوا، فلم يُصبحوا إلا وقد فرغ من أمراء مصر، ونقل جميع حواصلهم وأموالهم إلى قصر المستنصر، وسار إلى دمياط، وكان قد تغلَّب عليها طائفة، فظفر بهم وقتلهم، وشيد أمرها.

وسار إلى الإسكندرية فحاصرها ودخلها عنوة، وقتل طائفة ممن استولوا عليها.

وسار إلى الصعيد فهذَّبه، وقتل به في ثلاثة أيام اثني عشر ألف رجل، وأخذ عشرين ألف امرأة، وخمسة عشر ألف فرس، وبيعت المرأة بدينار، والفرس بدينارٍ ونصف.

فتجمَّعوا بالصعيد لحربه، وكانوا عشرين ألف فارس، وأربعين ألف راجل، فساق إليهم فكبسهم وهم على غرةٍ في نصف الليل، فأمر النفاطين1 فأضرموا النيران وضربت الطبول والبوقات، فارتاعوا وقاموا لا يعقلون، وألقيت النار في دَجْلةٍ هناك،

1 النفاطين: هم الذين يستخرجون النفط من معدنه، والنفط: مزيج من الهدروكربونات يحصل عليها بتقطير زيت البترول الخام، أو قطران الفحم الحجري، وهو سريع الاشتعال.

ص: 15

وامتلأت الدنيا نارًا، وبلغت السماء، فولوا منهزمين، وقتل منهم خلق، وغرق خلق، وسلم البعض، وغنمت أموالهم ودوابُّهم.

ثم عمل بالصعيد مصافًا آخر، ونصر عليهم، وأحسن إلى الرعية، وأقام المزارعين فزرعوا البلاد، وأطلق لهم الخراج ثلاث سنين، فعمرت البلاد وعادت -وذلك بعد الخراب- إلى أحسن ما كانت عليه.

وفاة الخليفة القائم بأمر الله:

وفي شعبان توفِّي أمير المؤمنين القائم بأمر الله العباسي، واستخلف بعده حفيده عبد الله بن محمد، ولقِّب بالمقتدي بأمر الله. وحضر قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والشيخ أبو نصر بن الصباغ، ومؤيد الملك ولد نظام الملك، وفخر الدولة بن جهير الوزير، ونقيب النقباء طراد العباسي، والمعمر بن محمد نقيب العلويين، وأبو جعفر بن أبي موسى الهاشمي الفقيه، فكان أول من بايعه الشريف أبو جعفر، فإنه لمَّا فرغ من غسل القائم بايعه وتمثل:

إذا سيد مضى قام سيد

ثم ارتج عليه، فقال المقتدي:

قئول لما قال الكرام فعول

فلمَّا فرغوا من بيعته صلَّى بهم العصر.

وكان أبوه الذخيرة أبو العباس محمد بن القائم قد توفي أيام القائم، ولم يكن له غيره، فأيقن الناس بانقراض نسل القائم، وانتقال الخلافة من البيت القادري، وكان للذخيرة جارية تسمَّى أرجوان، فلمَّا مات ورأت أباه قد جزع ذكرت له أنها حامل، فتعلقت الآمال بذلك الحمل، فولدت هذا بعد موت أبيه بستة أشهر، فاشتدَّ سرور القائم به، وبالغ في الإشفاق عليه، والمحبة له، وكان ابن أربع سنين في فتنة البساسيري، فأخفاه أهله، وحمله أبو الغنائم بن المحلبان إلى حران، ولمَّا عاد القائم إلى بغداد أعيد المقتدي، فلما بلغ الحلم جعله ولي عهده.

وزارة ابن جهير:

ولما استخلف أقرَّ فخر الدولة ابن جهير على وزارته بوصيةٍ من جده.

ص: 16

أخذ البيعة من السلطان ملكشاه:

وسير عميد الدولة ابن فخر الدولة إلى السلطان ملكشاه لأخذ البيعة، وبعث معه تحفًا وهدايا.

قطع الخطبة للعباسيين بمكة:

وفيها بعث المستنصر بالله العبيدي إلى ابن أبي هاشم صاحب مكة هديةً جليلة، وطلب منه أن يعيد له الخطبة، فقطع خطبة المقتدي بالله، وخطب للمستنصر بعد أن خطب لبني العباس بمكة أربع سنين، ثم أعيدت خطبتهم في السنة الآتية.

اختلاف العرب بإفريقية:

وفيها اختلفت العرب بإفريقية وتحاربوا، وقويت بنو رياح على قبائل زغبة، وأخرجوهم عن البلاد.

حريق بغداد:

وفيها وقع ببغداد حريق عظيم بمرة، هلك فيه ما لا يعلمه إلا الله. قال صاحب "مرآة الزمان": أكلت النار البلد في ساعةٍ واحدة، فصارت بغداد تُلُولًا.

تحديد المنجمين موعد النيروز:

وفيها جمع نظام الملك المنجمين، وجعلوا النيروز أول نقطةٍ من الْحَمَلِ، وقد كان النيروز قبل ذلك عند حلول الشمس نصف الحوت، وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم.

عمل الرصد للسلطان ملكشاه:

وفيها عمل الرصد للسلطان ملكشاه، وأنفق عليه أموالًا عظيمة، وبقي دائرًا إلى آخر دولته.

وفاة صاحب حلب:

وفيها مات صاحب حلب عز الدولة محمود بن نصر، وتملَّك ابنه نصر بعده1.

1 راجع البداية والنهاية "12/ 108، 109"، والنجوم الزاهرة "5/ 96-98"، وشذرات الذهب "3/ 324-329"، والمختصر في أخبار البشر "2/ 191، 192".

ص: 17