المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ سنة خمس عشر ومائتين وألف - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ٢

[الجبرتي]

الفصل: ‌ سنة خمس عشر ومائتين وألف

وتقييدات وتحقيقات ورسائل في فنون شتى ورسالة بليغة في قوله تعالى: {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} وكان الباعث له على تأليفها مناقشة حصلت بينه وبين الشيخ أحمد يونس الخليفي في تفسير الآية بمجلس علي بك الدفتردار فظهر بها على الشيخ المذكور واجاره الأمير المذكور بأن رتب له تدريسا بالمشهد الحسيني ورتب له معلوما بوقته وقدره كل يوم عشرة انصاف فضة يستغلها من جانب الوقف في كل شهر واستمر بقبضها حتى مات في شعبان من هذه السنة رحمه الله ولم يخلف بعده مثله في الفضائل والمعارف.

ص: 357

ثم دخلت‌

‌ سنة خمس عشر ومائتين وألف

.

كان ابتداء المحرم يوم الأحد في خامسه اصعدوا الشيخ السادات إلى القلعة وكان أرسل إلى كبار القبط بأن يسعوا في قضيته ورهن حصصه ويغلق الذي عليه فردوا عليه بأنه لا بد من تشهيل قدر نصف الباقي أولا ولا يمكن غير ذلك وأما الحصص فليست في تصرفه ولما تكرر إرساله للنصارى وغيرهم نقلوهم إلى القلعة ومنعوه الاجتماع بالناس وهي المرة الثالثة.

وفيه اشيع حضور مراكب وغلايين من ناحية الروم إلى ثغر سكندرية وسافر سارى عسكر كلهبر وصحبته العساكر الفرنساوية فغاب أياما ثم عاد إلى مصر ولم يظهر لهذا الخبر اثر.

وفيه طلبوا عسكر من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وأرسلوا إلى الصعيد فجمعوا من شبانهم نحو الألفين وأحضروهم إلى مصر واضافوهم إلى العسكر.

وفي حادي عشرينه اعادوا الشيخ أحمد العريشي إلى القضاء كما كان وعملوا له موكبا وركب معه أعيان الفرنسيس وسوارى عساكرهم بطبولهم وزمورهم والمشايخ والتجار والأعيان وبجانبه قائممقام عبد الله

ص: 357

منو الذي كان سارى عسكر برشيد فلم يزالوا معه حتى اوصلوه إلى المحكمة الكبرى بعد أن شقوا به المدينة.

وفي ذلك اليوم اعني يوم السبت وقعت نادرة عجيبة وهو أن سارى عسكر كلهبر كان مع كبير المهندسين يسيران بداخل البستان الذي بداره بالازبكية فدخل عليه شخص حلبي وقصده فاشار إليه بالرجوع وقال له ما فيش وكررها فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر في قضائها فلما دنا منه مد إليه يده اليسار كأنه يريد تقبيل يده فمد إليه الآخر يده فقبض عليه وضربه بخنجر كان اعده في يده اليمنى أربع ضربات متوالية فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخا فصاح رفيقه المهندس فذهب إليه وضربه أيضا ضربات وهرب فسمع العسكر الذين خارج الباب صرخة المهندس فدخلوا مسرعين فوجدوا كلهبر مطروحا وبه بعض الرمق ولم يجدوا القاتل فانزعجوا وضربوا طبلهم وخرجوا مسرعين وجروا من كل ناحية يفتشون على القاتل واجتمع رؤساؤهم وأرسلوا العساكر إلى الحصون والقلاع وظنوا أنها من فعل أهل مصر فاحتاطوا بالبلد وعمروا المدافع وحرروا القنابر وقالوا: لا بد من قتل أهل مصر عن آخرهم ووقعت هوجة عظيمة في الناس وكرشة وشدة انزعاج وأكثرهم لا يدري حقيقة الحال ولم يزالوا يفتشون على ذلك القاتل حتى وجدوه منزويا في البستان المجاور لبيت سارى عسكر لمعروف بغيط مصباح بجانب حائط منهدم فقبضوا عليه فوجدوه شاميا فاحضروه وسألوه عن اسمه وعمره وبلده فوجدوه حلبيا واسمه سليمان فسألوه عن محل ماواه فأخبرهم أنه يأوي ويبيت بالجامع الأزهر فسألوه عن معارفه ورفقائه وهل أخبر أجد بفعله وهل شاركه أجد في رأيه واقره عل فعله أو نهاه عن ذلك وكم له بمصر من الأيام أو الشهور وعن صنعته وملته وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال فعند ذلك علموا ببراءة أهل مصر من ذلك وتركوا ما كانوا عزموا عليه من محاربة أهل البلد وقد كانوا ارسلوا أشخاصا من ثقاتهم تفرقوا في الجهات

ص: 358

والنواحي يتفرسون في الناس فلم يجدوا فيهم قرائن دالة على علمهم بذلك ورأوهم يسألون من الفرنسيس عن الخبر فتحققوا من ذلك برائتهم من ذلك ثم أنهم أمروا باحضار الشيخ عبد الله الشرقاوي والشيخ أحمد العريشي القاضي وأعلموهم بذلك وعوقوهم إلى نصف الليل والزموهم بأحضار الجماعة الذين ذكرهم القاتل وأنه أخبرهم بفعله فركبوا وصحبتهم الاغا وحضروا إلى الجامع الأزهر وطلبوا الجماعة فوجدوا ثلاثة منهم ولم يجدوا الرابع فأخذهم الاغا وحبسهم ببيت قائممقام بالازبكية ثم أنهم رتبوا صورة محاكمة على طريقتهم في دعاوى القصاص وحكموا بقتل الثلاثة أنفار المذكورين مع القاتل وأطلقوا مصطفى أفندي البوصلي لكونه لم يخبره بعزمه وقصده فقتلوا الثلاثة المذكورين لكونه أخبرهم بأنه عازم على قصده صبح تاريخه ولم يخبروا عنه الفرنسيس فكأنهم شاركوه في الفعل وانقضت الحكومة على ذلك وألقوا في شأن ذلك أرواقا ذكروا فيها صورة الواقعة وكيفيتها وطبعوا منها نسخا كثيرة باللغات الثلاث الفرنساوية والتركية والعربية وقد كنت أعرضت عن ذكرها لطولها وركاكة تركيبها لقصورهم في اللغة ثم رايت كثيرا من الناس تتشوق نفسه إلى الاطلاع عليها لتضمينها خبر الواقعة وكيفية الحكومة ولما فيها من الأعتبار وضبط الأحكام من هؤلاء الطائفة الذين يحكمون العقل ولا يتدينون بدين وكيف وقد تجارى على كبيرهم ويعسو بهم رجل آفاقي أهوج وغدره وقبضوا عليه وقرروه ولم يعجلوا بقتله وقتل من أخبر عنهم بمجرد الاقرار بعد أن عثروا عليه ووجدوا معه آلة القتل مضمخة بدم سارى عسكرهم وأميرهم بل رتبوا حكومة ومحاكمة وأحضروا القاتل وكرروا عليه السؤال والاستفهام مرة بالقول ومرة بالعقوبة ثم أحضروا من أخبر عنهم وسألوهم على انفرادهم ومجمعين ثم نفذوا الحكومة فيهم بما اقتضاه التحكيم وأطلقوا مصطفى أفندي البوصلي الخطاط حيث لم يلزمه حكم ولم يتوجه عليه قصاص كما يفهم جميع ذلك من فحوى المسطور بخلاف ما رأيناه

ص: 359

بعد ذلك من افعال اوباش العساكر الذين يدعون الإسلام ويزعمون أنهم مجاهدون وقتلهم الأنفس وتجاريهم على هدم البنية الإنسانية بمجرد شهواتهم الحيوانية مما سيتلى عليك بعضه بعد.

وصورة ترجمة الأوراق المذكورة.

بيان شرح الاطلاع على جسم سارى عسكر العام كلهبر يوم الخامس والعشرين من شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون أسماءنا وخطنا فيه باش حكيم والجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انتهينا حصة ساعتين بعد الظهر إلى بيت سارى عسكر العام في الأزبكية بمدينة مصر وكان سبب روحتنا هو اننا سمعنا دقة الطبل وغاغة الناس التي كانت تخبران سارى عسكر العام كلهبر انغدر وقتل وصلنا له فرأيناه في آخر نفس فحصنا عن جروحاته فتحقق لنا أنه قد انضرب بسلاح مدبب وله حد وجروحاته كانت أربعة الأول منها تحت البز في الشقة اليمنى الثاني اوطى من الأول جنب السوة الثالث في الذراع الشمال نافذ من شقة لشقة والرابع في الخد اليمين فهذا حررنا البيان بالشرح في حضور الدفنزادر سارتلون الذي وضع اسمه فيه كمثلنا لأجل أن يسلم البيان المذكور إلى سارى عسكر مدير الجيوش تحريرا في سراية سارى عسكر العام في النهار والسنة بعد الظهر بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس نهار تاريخه خمسة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثالثة بعد الظهر نحن الواضعون اسماءنا وخطنا فيه باش حكيم وجرايحي من أول مرتبة الذي صار مرتبة باش جرايحي في غيبته انطلبنا من الدفتردار سارتلون أننا نعمل بيان شرح جروحات الستوين بروتاين المهندس وعضو من اعضاء مدرسة العلماء في بر مصر الذي انغدر هو أيضا في جنب سارى عسكر العام كلهبر مدبر الجيوش ومضروب ستة امرار بسلاح مدبب وله

ص: 360

حد وهذا بيان الجروحات الأول في جنب الصدغ الثاني في الكف في عظمة الأصبع الخنصر الثالث بين الضلوع الشمالية الخامس في الشدق الشمالي والسادس في الصدر من الشقة الشمالية وشق نحو العرق ثم إلى تأييد ذلك وضعنا أسماءنا وخطنا فيه برفقة الدفتردار سارتلون تحريرا في سراية سارى عسكر مدير الجيوش في اليوم والشهر والساعة المرقومة أعلاه بامضاء باش حكيم وخط الجرايحي من أول مرتبة كازابيانكا والدفتردار سارتلون عن.

اول فحص سليمان الحلبي.

نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال من السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في بيت سارى عسكر داماس مدبر الجيوش واحد فسيال من ملازمين بيت سارى عسكر العام حضر وبيده ماسك راجل من أهل البلد مدعيا أن هذا هو الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر المنهوم المذكور انعرف من الستوين بروتاين المهندس الذي كان مع سارى عسكر حين انغدر لأنه أيضا انضرب برفقته بالخنجر ذاته وانجرح بعض جروحات.

ثانيا المتهوم المذكور انشاف بين جماعة سارى عسكر من حد الجيزة وانوجد مخبى في الجنينة التي حصل فيها القتل وفي الجنينة نفسها انوجد الخنجر الذي به انجرح سارى عسكر وبعض حوائج أيضا بتوع المتهوم فحالا بدىء الفحص بحضور سارى عسكر منو الذي هو أقدم أقرانه في العسكر وتسلم في مدينة مصر والفحص المذكور صار بواسطة الخواجا براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام ومحرر من يد الدفتردار سارتلون الذي أحضره سارى عسكر منو لأجل ذلك المتهوم المذكور.

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى سليمان ولادة بر الشام وعمره أربعة وعشرون سنة ثم صنعته كاتب عربي وكانت سكنته في حلب

ص: 361

سئل كم زمان له في مصر فجاوب أنه بقي له خمسة اشهر وأنه حضر في قافلة وشيخها يسمى سليمان بوريجي.

سئل عن ملته فجاوب أنه من ملة محمد وأنه كان سابقا سكن ثلاث سنين في مصر وثلاث سنين أخرى في مكة والمدينة.

سئل هل يعرف الوزير الأعظم وهل له مدة ما شافه فجاوب أنه ابن عرب ومثله ليس يعرف الوزير الأعظم.

وسئل عن معارفه في مدينة مصر فجاوب أنه لم يعرف أحدا وأكثر قعاده في الجامع الأزهر وجملة ناس تعرفه وأكثرهم يشهدون في مشيه الطيب.

سئل هل راح صباح تاريخه الجيزة فجاوب نعم وأنه كان قاصد ينشبك كاتب عند أجد ولكن ما قسم له نصيب.

سئل عن الناس الذين كتب لهم أمس فجاوب أن كلهم سافروا.

سئل كيف يمكن أنه لم يعرف أجد من الذين كتب لهم في الأيام الماضية وكيف يكونون كلهم سافروا فجاوب أنه ليس يعرف الذين كان يكتب لهم وأن غير ممكن أن يتفكر اسماهم.

سئل من هو الآخر في الذين كتب لهم فجاوب أنه يسمى محمد مغر السويسي بياع عرقسوس وأنه ما كتب لأحد في الجيزة.

سئل ثانيا عن سبب روحته للجيزة فجاوب دائما أنه كان قاصدا أن ينشبك كاتبا.

سئل كيف مسكوه في جنينة سارى عسكر فجاوب أنه ما انمسك في الجنينة بل في عارض الطريق فذاك الوقت انقال له أنه ما ينجيك إلا الصحيح لأن عسكر الملازمين مسكوه في الجنينة وفي المحل ذاته انوجدت السكينة وفي الوقت انعرضت عليه فجاوب صحيح أنه كان في الجنينة ولكن ماكان مستخبي بل قاعد لأن الخيالة كانت ماسكة الطرق وما كان يقدر أن يروح للمدينة وأن ما كان عنده سكينة ولم يعرف أن كان هذا موجود في الجنينة

ص: 362

سئل لأي سبب كان تابع سارى عسكر من الصبح فجاوب أنه كان مراده فقط يشوفه.

سئل هل يعرف حنة قماش خضرة التي باينة مقطوعة من لبسه وكانت انوجدت في المحل الذي انغدر فيه سارى عسكر فجاوب بأن هذه ما هي تعلقه.

سئل أن كان تحدث مع أجد في الجيزة وفي أي محل نام فجاوب أنه ما تكلم مع ناس إلا لأجل مشترى بعض مصالح وأنه نام في الجيزة في جامع فاشاروا له على جروحاته التي ظاهرة في دماغه وقيل له أن هذه الجروحات بينت أنه هو الذي غدر سارى عسكر لأن أيضا الستوين بروتاين الذي كان معه عرفه وضربه كم عصاية الذين جرحوه فجاوب أنه ما انجرح إلا ساعة ما مسكوه.

سئل هل كان تحدث نهار تاريخه مع حسين كاشف أو مع ممالكيه فجاوب أنه ما شافهم ولا كلمهم فلما أن كان المتهوم لم يصدق في جواباته أمر سارى عسكر أنهم يضربونه حكم عوائد البلاد فحالا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يقر بالصحيح فارتفع عنه الضرب وانفكت له سواعده وصار يحكي من أول وجديد كما هو مشروح.

سئل كم يوم له في مدينة مصر فجاوب أنه له واحد وثلاثين يوما وأنه حضر من غزة في ستة أيام على هجين.

سئل لاي سبب حضر من غزة فجاوب لأجل أن يقتل سارى عسكر العام.

سئل من الذي ارسله لأجل أن يفعل هذا الأمر فجاوب أنه أرسل من طرف اغات الينكجرية وأنه حين رجع عساكر العثملي من مصر إلى بر الشام ارسلوا إلى حلب بطلب شخص يكون قادرا على قتل سارى عسكر العام الفرنساوي ووعدوا لكل من يقدر على هذه المادة أن يقدموه في الوجاقات ويعطوه دراهم ولأجل ذلك هو تقدم وعرض روحه لهذا.

سئل من هم الناس الذين تصدروا له في هذه المادة في بر مصر وهل

ص: 363

سارر أحدا على نيته فجاوب أن ما أجد تصدر له وأنه راح سكن في الجامع الأزهر وهناك شاف السيد محمد الغزي والسيد أحمد الوالي والشيخ عبد الله الغزي والسيد عبد القادر الغزي الذين ساكنون في الجامع المذكور فبلغهم على مراده فهم أشاروا عليه أنه يرجع عن ذلك لأن غير ممكن أن يطلع من يده ويموت فرط وأن كان لازم يشخصوا واحدا غيره في قضاء هذه المادة ثم إنه كل يوم كان يتكلم معهم في الشغل المذكور وأن امس تاريخه قال لهم أنه رائح يقضي مقصوده ويقتل سارى عسكر وأنه توجه إلى الجيزة حتى ينظر أن كان يطلع من يده وأن هناك قابل النواتية بنوع قنجة سارى عسكر فاستخبر عليه منهم أن كان يخرج برا فسالوه ايش طالب منه فقال لهم أن مقصوده يتحدث معه فقالوا له أنه كل ليلة ينزل في جنينة ثم صباح تاريخه شاف سارى عسكر معديا للمقياس وبعده ماشي إلى المدينة فتبعه لحين ما غدره هذا الفحص صار من حضرة سارى عسكر منو بحضور باقي سوارى العساكر الكبار وملازمين ببيت سارى عسكر العام ثم انختم بامضاء سارى منو والدفتردار سارتلون في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم انقرا على المتهوم وهو أيضا خط يده واسمه بالعربي سليمان امضاء سارى عسكر عبد الله منو امضاء سارى عسكر داماس امضاء الجنرال والتين امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه امضاء دفتر دار البحر لروا امضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كان امضاء الترجمان حنا روكه امضاء داميانوس براشويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام.

فحص الثلاثة مشايخ.

المتهمين نهار تاريخه خمسة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي في الساعة الثامنة بعد الظهر حضروا في منزل سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية السيد عبد الله الغزي ومحمد الغزي والسيد أحمد الوالي وهم الثلاثة متهومين في قتل

ص: 364

سارى عسكر العام كلهبر فسارى عسكر منو أمر بفحصهم فبدىء ذلك حالا في حضور بعض سوارى العساكر المجتمعين لذلك وبواسطة الستوين لوما كا الترجمان كما يذكر أدناه السيد عبد الله الغزي هو الذي سئل أولا لوحده.

سئل عن اسمه وعن مسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد عبد الله الغزي ولادة غزة ومسكنه في مصر في الجامع الأزهر وهناك كان كاره مقرىء القرآن وأنه لم يعرف كم عمره ولكن تخمينه يجيء ثلاثين سنة.

سئل أن كانت سكنته في الجامع الأزهر هل يعرف جميع الغرباء الذين يدخلونه فجاوب أنه ساكن ليل ونهار ويعرف الغرباء الذين فيه.

سئل هل يعرف رجلا حضر من بر الشام من مدة شهر فجاوب أن من مدة خمسين يوم ما شاف أحدا حضر من بر الشام فقيل له أن رجلا من طرف عرضي الوزير حضر من مدة ثلاثين يوما قال أنه يعرفك والظاهر انك لم تكلم بالصدق فجاوب أنه ملهى دائما في وظيفته وأنه ما شاف أحدا من بر الشام بل سمع أن قافلة كانت وصلت من ناحية الشرق فقيل له أيضا أن ناسا حضروا من بر السام يقولون أنهم تكلموا معه ويعرفون فجاوب أن هذا غير ممكن وأنهم يقابلوه مع الذي فتن عليه.

سئل هل يعرف واحد اسمه سليمان كاتب عربي حضر من حلب من مدة ثلاثين يوما فجاوب لا فقيل له أن هذا الرجل يحقق أنه شافه وأنه أخبره ببعض أشياء لازمة فجاوب أنه ما شافه وأن هذا الرجل كذاب وأنه يريد أن يموت أن كان ما يحكي الصحيح فحالا سارى عسكر نده إلى محمد الغزي الذي هو أيضا متهوم في قتل سارى عسكر وبدىء الفحص كما يذكر.

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى الشيخ محمد الغزي وعمره نحو خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وسكن بمصر في الجامع الأزهر ثم صنعته مقرىء القرآن من مدة خمس سنين وما يخرج من الجامع

ص: 365

إلا لكي يشتري ما يأكل.

سئل هل يعرف الغرباء الذين يجيئون يسكنون في الجامع فجاوب أن في بعض الأوقات يحضر ناس غرباء وأما البواب فهوالذي يقارشهم ومن قبله ينام بعض ليالي في الجامع والبعض في بيت الشيخ الشرقاوي.

سئل هل يعرف رجلا يسمى سليمان حضر من بر الشام من مدة ثلاثين يوما فجاوب أنه لم يعرفه وأنه غير ممكن أن يشوف كل الناس لأن الجامع كبير قوي.

سئل أنه يحكي على الذي تكلم به معه سليمان فإن المذكور يحقق أنه تكلم معه في الجامع فجاوب أنه يعرفه من مدة ثلاث سنين وأنه كان عند خبر أنه راح مكةواما من بعده ما شافه ولم يعرف أن كان رجع أم لا.

سئل هل السيد عبد الله العزي يعرفه أيضا فجاوب نعم فقيل له محقق أن أمس تاريخه سليمان المذكور تحدث معه حصة طيبة وأن الشواهد موجودة فجاوب أن هذا صحيح سئل لأي سبب كان بدأ يقول: إنه ما شافه فجاوب أن تخمينه ما قال هذا وأن المترجمين غلطوا.

سئل هل سليمان المذكور ما بلغه عن شيء مذنب قوى وتحقيا لذلك معلوم عندنا أنه كان قصده يحوشه فجاوب أنه لم يعرف هذا الأمر وأن سلميان المذكور راح وجاء كام مرة إلى مصر وبقي له هنا مقدار شهر فقيل له: إنه موجود شواهد أن سليمان المذكور كان أخبره أن مراده لن يغدر سارى عسكر العام وأنه أراد أن يمنعه فجاوب أنه ما بلغه عن هذا الأمر بل أمس تاريخه قال له: إنه رائح ويمكن أن ما بقي يرجع فبعده أحضرنا عبد الله الغزي لأجل يتفحص ثانيا كما يذكر أدناه.

سئل لأي سبب قال: إنه لم يعرف سليمان الحلبي حين سألوه عنه بحيث أن موجودة شواهد أن هذا له في مصر واحد وثلاثون يوما وأنه تقابل واياه جملة مرار وتحدث معه أكثر الأيام فجاوب حقا أنه لم يعرفه.

سئل هل يعرف واحد يسمى محمد الغزي الذي هو مثله مقرى القرآن

ص: 366

في جامع الأزهر فجاوب نعم.

سئل السيد عبد الله المذكور لاي سبب انكر ذلك فجاوب أنهم لخبطوا عليه السؤال وأن هذا الوقت بحيث أنهم سالوه عن سليمان الذي من حلب فيقر أنه يعرفه فقيل له أنه معلوم عندنا أنه شافه مرارا كثيرة وتحدث معه فجاوب أنه بقي له ثلاثة أيام ما شافه.

سئل هل أنه ما قصد يمنعه عن قتل سارى عسكر العام فجاوب أنه ما قال له أبدا على هذا الأمر وأنه لو كان بلغه منه ذلك كان منعه بكل قدرته.

سئل لأي سبب ما يحكى الصحيح بحيث أنه موجودة عليه شواهد فجاوب أنه غير ممكن يوجد عليه شواهد وأنه ما شاف سليمان المذكور إلا لأجل أن يسلموا على بعض حين تقابلوا.

سئل هل سليمان ما أخبره أبدا عن سبب مجيئه إلى مصر فجاوب حاشا فبعد ذلك اخروا الإثنين المذكورين وأحضروا السيد أحمد الوالي الذي هو متهوم وسئل كما يذكر.

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب أنه يسمى السيد أحمد الوالي ولادة غزة وصنعته مقرى القرآن في الجامع الأزهر من مدة عشر سنين ولم يعرف كم عمره.

سئل هل يعرف الغرباء الذين يدخلون في الجامع فجاوب أن وظيفته يقرأ ولا ينتبه إلى الغرباء فقيل له أن بعض الغرباء الذين حضروا هناك عن قريب يقولون أنهم شافوه في الجامع فجاوب أنه ما شاف احدا.

سئل هل شاف رجلا حضر من بر الشام من طرف الوزير وهذا الرجل قال: إنه يعرفه فجاوب لا وأن كانوا يقدروا يحضروا هذا الرجل حتى يقابله.

سئل هل يعرف سليمان الحلبي فجاوب أنه يعرف واحدا يسمى سليمان الذي كان يروح يقرأ عند واحد أفندي وكان طالب أنه يستقيم في الجامع وأن هذا الرجل قال: إنه من حلب ومن مدة عشرين يوما كان شافه وبعدها

ص: 367

ما قابله ثم كان قال له أن الوزير في يافا وأن عساكره ما كان عندهم دراهم وكانوا يفوتوه.

سئل هل هذا الرجل المذكور ما هو تحت حمايته فجاوب أنه لم يعرفه طيبا حتى يضمنه.

سئل هل الإثنان الاخران المتهومان معارفه وهل أن الثلاثة تحدثوا سواء عن قريب أم امس تاريخه مع سليمان المذكور فجاوب لا بل أنه يعرف أن سليمان المذكور كان حضر لزيارة الجامع وأنه وضع في الجامع جملة أوراق مضمونها أنه كان قوي متعبد لخالقه.

سئل هل المذكور امس أيضا ما وضع اوراقا في الجامع فجاوب أن ما عنده خبر بذلك.

سئل هل ما منع سليمان عن فعل ذنب بليغ فجاوب أنه أيدا ما حدثه بهذا الشيء ولكن قال له: إن مراده يفعل شيء جنون وأنه عمل كل جهده حتى يرجعه.

سئل ايش هو الجنان الذي قاصد يعمله وحدثه عليه فجاوب أنه قال له: إنه كان مراده يغازي في سبيل الله وأن هذه المغازاة هي قتل واحد نصراني وليكن ما أخبره باسمه وأنه قصد يمنعه بقوله أن ربنا اعطى القوة للفرنساوية ما أجد يقدر يمنعهم حكم البلاد فبعد هذا المتهوم المذكور انشال لمحله وهذا الفحص تحتم بحضور سوارى العساكر المجموعين بامضاء سارى عسكر منو والدفتردار سارتلون الذي هو ذاته حرر هذا الفحص بأمر سارى عسكر منو ثم بعد قراءته على المتهومين وضعوا اسماءهم وخطهم بالعربي تحريرا في اليوم والشهر والسنة المحرر أعلاه ثلاث امضاآت بالعربي امضاء سارى عسكر منو إمضاء الدفتردار سارتلون امضاء الترجمان لو ما كا سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر.

المادة الأولى أن ينشأ ديوان قضاة لأجل أن يشرعوا على الذين غدروا سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال

ص: 368

المادة الثانية القضاة المذكورون يكونوا تسعة وهم سارى عسكر رينيه سارى عسكر فرياند سارى عسكر روبين الجنرال موراند رئيس المعمار بربراند الوكيل رجينيه دفتردار البحر لرو والدفتردار سارتلون في وظيفة مبلغ والوكيل لبهر في وظيفة وكيل الجمهور.

المادة الثالثة القضاة المذكورون ينظر لهم كاتم سر.

المادة الرابعة القضاةالمذكورين مفوضون الأمر في الكشف والتفتيش وحوش كل من يريدوا حتى أنهم يطلعوا على الذين لهم حصة في الذنب المذكور أو يكون عندهم خبرة.

المادة الخامسة القضاة المذكورون يتفقوا على العذاب اللائق إلى موت القاتل ورفقائه.

المادة السادسة القضاة المذكورون يجتمعوا من نهار تاريخه الذي هو السادس والعشرون من شهر برريال لحد خلاص الشريعة المذكورة امضاء سارى عسكر منو وهذه نسخة من الأصل امضاء الجنرال رنة كتخدا مدبر الجيوش.

شرح اجتماع القضاة في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي.

في اليوم السادس والعشرين من شهر برريال حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوي المحرر في نهار تاريخه اجتمعوا في بيت ساري عسكر رينيه المذكور وساري عسكر وبين ودفتردار البحر لو والجنرال مارتينه عوضا عن سارى عسكر فرياند حكم أمر سارى عسكر منو ثم الجنرال موراند ورئيس العسكر جرجه ورئيس العمارة برتراند ورئيس المدافع فاورو الوكيل رجيه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل ابهر في وظيفة وكيل الجمهور لأجل قضاء شريعة قتل سارى عسكر العام كلهبر الذي انغدر امس تاريخه القضاة المذكورون اجتمعوا مع شيخهم سارى عسكر رينيه وعلى قرار أمر سارى عسكر منو المشروح

ص: 369

أعلاه وحكم المادة الثالثة المحررة فيه استخصوا كاتم السرلهم الوكيل بينه الذي حلف كما هي العوائد ولزم وظيفته ثم القضاة المذكورون وكلوا سارى عسكر رينيه والمبلغ الدفتردار سارتلون في التفتيش والحبس لكل من اكتشفوا عليه حكم ما هو محرر في المادة الرابعة المحررة أعلاه وهذا لكي يظهروا رفقاء القاتل ثم أن السكينة التي وجدت مع القاتل حين انمسك تبقى عند كاتم السر لأجل يظهرها في الوقت الذي يلزم ثم وعدوا المجلس لصباح تاريخه في الساعة الرابعة قبل الظهر ثم حرروا خط يدهم مع كاتم السر امضاء الوكيل رجنيه امضاء رئيس المعمار بريراند امضاء رئيس المدافع فاور امضاء رئيس العسكر جرجه امضاء الجنرال موراند امضاء الجنرال مارتينه إمضاء دفتردار البحر لرو امضاء سارى عسكر روبين إمضاء سارى عسكر رينيه امضاء كاتم السر بينه اقرار الشهود نهار تاريخه في ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون المسمى من حضرة سارى عسكر العام منو أمير الجيوش وفي وظيفة مبلغ حكم الأمر الذي خرج من طرفه.

انتشار القضاة في شرع القاتلين سارى عسكر العام كلهبر والسيتوين بينه المسمى من القضاة المذكورين في مرتبة كاتم السر أنه حضر بين يدنا يوسف برين عسكرى خيال من الطبجية الملازمين بيت سارى عسكر العام وقال لنا هو ورفيقه خيال أيضا يسمى روبرت مسكوا المسلم سليمان المتهوم في غدر سارى عسكر العام وأنهم وجدوه في الجنينة التي معمول فيها الحمامان الفرنساويان الملتزقان بجنينة سارى عسكر وأنهم رأوه مخبأ بين حيطان الجنينة المهدودة وأن الحيطان المذكورة كانت ملغمطة بدم في بعض نواحي وأن سليمان المذكور كان أيضا ملغمطا بدم وأنهم مسكوه في هذه الحالة وأن بعده التزموا يضربوه بالسيف لأجل يمشوه ثم برين المذكور قال بعد حوشة سليمان بساعة في الموضع ذاته الذي

ص: 370

كان مخبأ فيه شاف سكينة بدمها وأنه سلم السكينة في بيت سارى عسكر العام فقربنا إليه اقراره هذا وسألناه هل فيه شيء زائد أم ناقص فجاوب أن هذا كل الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا امضاء برين الخيال امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه ثم حرر أيضا بين أيدينا الشاهد الثاني وهو السيتوين روبرت الخيال أجد الطبجية الملازمين وقال أنه حين كان يفتش على الذي قتل سارى عسكر دخل في الجنينة التي فيها الحمامان الفرنساويان لزق جنينة سارى عسكر العام وهناك شاف برفقة برين المذكور سليمان الحلبي مستخبى في ركن حيطان مهدودة وكان ملغمط دم وفي رأسه شرموطة زرقاء وأن في هذه الحالة عرفت أن هذا هو القاتل وأن الحيطان التي كان فات عليها كانت أيضا ملغمطة دم وأن حين مسكوه بأن منه وهم وأن بعد حوشته بساعة شاف برفقة السيتوين برين في الموضع ذاته سكينة بدمها وأنهم سلموها في بيت سارى عسكر العام والسكينة المذكورة كانت مخبية تحت الأرض فقرأنا عليه اقراره هذا ثم سألناه أن كان ما فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا هو الذي فعله وشافه ثم حرر خط يده معنا حرر بمدينة مصر في النهار والشهر والساعة المحررة أعلاه إمضاء روبرت الخيال امضاء سارتلون إمضاء كاتم السر بينه أنا الدفتردار سارتلون المبلغ رحت إلى بيت السيتوين بروتاين لأنه كان راقدا بسبب جروحاته ثم استلمت منه التبليغ الآتي أدناه أنا حنا قسطنطين بروتاين المهندس وعضو من أعضاء مدرسة العلم في بر مصر انني كنت أتمشور تحت التكعيبة الكبيرة التي في جنينة سارى عسكر وتطل على بركة الأزبكية وكنت برفقة سارى عسكر العام فنظرت رجلا لابسا عثملي خارج من مبتدأ التكعيبة من جنب الساقية فانا كنت بعيد كام خطوة عن سارى عسكر انادى على الغفراء فانتبهت لأجل أشوف السيرة رأيت أن الرجل المذكور يضرب سارى عسكر بالسيكنة ذاتها كام مرة فارتميت على الأرض وفي الوقت سمعت سارى عسكر يصرخ ثانيا فهميت ورحت قريبا من سارى عسكر فرايت الرجل

ص: 371

يضربه فهو ضربني ثانيا كام سكينة التي رمتني وغيبت صوابي وما وعدت نظرت شيا غير انني اعرف طبيب اننا قعدنا مقدار ستة دقائق قبل ما أجد يسعفنا فبعده قريت هذا الإقرار على السيتوين بروتاين وسألته هل فيه زائد أم ناقص فجاوب أن هذا الذي فعله وعاينه ثم حرر خط يده معنا إمضاء بروتاين امضاء سارتلون امضاء كاتم السربينه والسيتوين بروتاين بعد ما ختم الورقة أعلاه قال: إن مقصوده يضيف عليها أن بعد غدر سارى عسكر بزمان قليل حين شاف سليمان الحلبي الذي هو ذاته الذي كان ضرب سارى عسكر وبعده ضربه سليمان المذكور كام سكينة غيبت صوابه فقرينا عليه أيضا هذه الاضافة فجاوب أنها حاوية الحق وما فيها زائد ولا ناقص ثم ختمها معنا أمضاء بروتاين سارتلون إمضاء كاتم السر بينه نهار تاريخه سنة وعشرين في شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المأمور في شرع قتلة سارى عسكر العام كلهبر ذهبت إلى مساعدين سارى عسكر المذكور لأجل أن اسمع اقرارهم ثم كان معي كاتم السر بينه وهم قالوا لنا كما يذكر أدناه السيتوين فورتونه دهوج ابن أربعة وعشرين سنة فسيال في طابور الخيالة ومساعد عند سارى عسكر كلهبر قال: إنه في اليوم الخامس والعشرين من شهر برريال كان سارى عسكر العام حين حضر إلى الأزبكية يشوف بيته الذي كان داير فيه العمارة وأنه شاف رجلا بعمة خضراء ودلق وحش وكان دائما تابع سارى عسكر حين كان دائر يتفرج على المحلات وأنه هو وخلافه حسبوا هذا الرجل من جملة الفعلة فما أجد سأله ولكن حين نزل سارى عسكر من بيته إلى الجنينة لأجل ينفذ إلى جنينة سارى عسكر داماس السيتوين دهوج شاف الرجل المذكور مدسوس بين جماعة سارى عسكر فنهره وطرده برا فبعد ساعتين حين انغدر سارى عسكر السيتوين دهوج المذكور عرف دلق الخائن لأنه كان رماه جنب سارى عسكر وبعده حين انمسك الرجل

ص: 372

فعرفه أنه هو الذي قبل بشويه طرده من الجنينة ثم قرىء هذا المضمون على السيتوين دهوج المذكور لأجل بيان هل يوجد شيء خلافه يزيد أم ينقص فجاوب أن هذا الحق حكم ما عاين وفعل ثم حرر خط يده مع كاتم السر تحريرا في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء السيتوين دهوج إمضاء سارتلون امضاء بينه كاتم السر.

ثاني فحص سليمان الحلبي.

نهار تاريخه سنة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي نحن الواضعون اسماءنا فيه الدفتردار سارتلون برتبة مبلغ والوكيل بينه في رتبة كاتم سر القضاة المنقامين إلى شرع كل من هو متهوم في غدر سارى عسكر العام كلهبر أحضر سليمان الحلبي لأجل نساله من أول وجديد عن صورة غدر وقتل سارى عسكر وهذا صار بواسطة السيتوين براشويش كاتم سر وترجمان سارى عسكر العام كما يذكر أدناه.

سئل المذكور عن قصة سارى عسكر فجاوب أنه حضر من غزة مع قافلة حاملة صابون ودخان وأنه كان راكب هجين وبحيث أن القافلة كانت خائفة أن تنزل بمصر توجهت إلى ريف يسمى الغيظة في ناحية الألفية وهناك استكرى حمارا من واحد فلاح وحضر لمصر ولكن لم يعرف الفلاح صاحب الحمار ثم أن أحمد اغا وياسين اغا من اغوات الينكجرية بحلب وكلوه في قتل سارى عسكر العام بسبب أنه يعرف مصر طيب بحيث أنه سكن فيها سابق ثلاث سنوات وأنهم كانوا وصوه أنه يروح ويسكن في الجامع الأزهر وأن لا يعطي سره لاحد كليا بل يوعي لروحه ويكب الفرصة في قضاء شفله لأنها دعوة تحب السر والنباهة ثم يعمل كل جهده حتى يقتل سارى عسكر لكن حين وصل إلى مصر التزم يسارر الأربعة مشايخ الذين أخبر عنهم لأنه لو كان ما قال لهم فما كانوا يسكنونه في الجامع وأنه كان كل يوم يتحدث معهم في هذا الأمر وأن المشايخ المذكورين

ص: 373

قصدوا يغيروا عقله عن هذا الفعل بقولهم أنه ما يقدر عليه وهو ما دعاهم لمساعدته لأنه كان يعرفه بليدين وأن اليوم الذي قصد التوجه فيه ليقتل سارى عسكر قابل احدهم الذي هو محمد الغزى فعرفه أن مقصوده أن يتوجه إلى الجيزة ليفعل هذا الغدر وأن تخمينه أنه مثل المجنون من حين أراد أن يقضي هذا الأمر لأنه لو كان له عقل ما حضر من غزة لهذا الأمر وأن الأوراق التي وضعها هي بعض آيات من القرآن لأنه عوائد الكتبة أولاد العرب وضعوا ذلك في الجامع وأنه ما أخذ دراهم من أجد في مصر لأن الاغوات كانوا أعطوا له كفايته وأن الافندي الذي كان يروح يقرأ عنده يسمى مصطفى أفندي وكان يقرأ عليه نهار الإثنين والخميس تبع العادة ولكن ما أخبره بسر خوفا أن ينشهر وأما من قبل الأربعة مشايخ المذكورين صحيح أنه قال لهم كل شيء لأنهم من أولاد بلاده ثم حقق لهم أنه ناوى أن يغازى في سبيل الله.

سئل اين كان هو حين رجع الوزير من بر مصر في ابتداء شهر جرمنيال الموافق لشهر الإسلام ذي القعدة فجاوب أنه كان في القدس حاجج من حين كان الوزير أخذ العريش.

سئل اين شاف أحمد اغا الذي يقول أنه عرض عليه مادة قتل سارى عسكر وفي أي يوم قال له ذلك فجاوب أنه حين انكسر الوزير رجع إلى العريش وغزة في أواخر شوال أو في أوائل شهر ذي القعدة الموافق لشهر جرمنيال الفرنساوي وأن أحمد اغا المذكور هو من جملة اغوات الوزير ولكن كان رسم عليه في غزة من حين أخذ العريش وحين رجع ارسله إلى القدس في بيت المتسلم ثم إنه يوم وصوله توجه سلم عليه في بيت المتسلم وشكا له من إبراهيم باشا متسلم حلب الذي كان يظلم اباه الذي يسمى الحاج محمد أمين بياع سمن وحططوه غرامات زائدة ومن الجملة واحدة قبل سفر الوزير من الشام ثم وقع بعرضه بشأن ذلك ثم إنه رجع عند أحمد اغا ثاني يوم وأن الاغا في وقتها قال له: إنه محب إبراهيم باشا وأنه ما يقصر ويوصيه في راحة ابيه ولكن بشرط أنه يروح يقتل أمير الجيوش الفرنساوية

ص: 374

ثم في ثالث ورابع يوم كرر عليه أيضا هذا السؤال وحالا ارسله إلى ياسين اغا في غزة لأجل أن يعطي له مصروفه وأنه من بعد هذا الكلام بأربعة أيام سافر من القدس إلى الخليل وهناك قعد كام يوم وما وصله ولا مكتوب من أحمد اغا وأما أحمد اغا المذكور كان أرسل خداما إلى غزة لأجل يخبر ياسين اغا بالذي اتفقوا عليه.

سئل كام يوم قعد في الخليل فجاوب عشرين يوما.

سئل لاي سبب قعد عشرين يوما في الخليل وهل في هذه المدة ما وصله مكاتيب من الإثنين الاغوات فجاوب أن السكة كانت ملانة عرب وأنه خائف منهم فالتزم يستنظر سفر القافلة التي سافر برفقتها وأنه كان في غزة في اواخر شهر ذي القعدة الموافق لغرة شهر فلوريال الفرنساوي.

سئل ايش عمل في غزة وآيش قال له ياسين اغا فجاوب أن ثاني يوم وصوله راح شاف الاغا والمذكور قال له أنه يعرف الشغل الذي هو سبب مشواره هذا وأنه اسكنه في الجامع الكبير وهناك مرار عديدة كان يروح يشوفه ليلا ونهارا ويتحدث معه في هذا الأمر ووعده أنه يرفع الغرائم عن ابيه وأنه دائما يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه ثم بلغه عن كل الذي كان لازم يفعله كما شرح أعلاه وهذا صار سرا بينهم ثم أعطى له أربعين قرشا لمصروف السفر وبعد عشرة أيام سافر من غزة راكب هجين ووصل هنا بعد ستة أيام كما عرف سابقا وأن سفره من غزة كان في أوائل شهر ذي الحجة الموافق إلى نصف شهر فلوريال الفرنساوي فبقى باين أنه حين غدر سارى عسكر كان له واحد وثلاثون يوما في مدينة مصر.

سئل هل يعرف الخنجر الملغمط دم الذي قتل به سارى عسكر فجاوب نعم يعرفه.

سئل من اين أحضر هذا الخنجر وهل أجد من الاغوات اعطاه له أم أجد خلافهم فجاوب أنه ما أجد اعطاه له وإنما بحيث أنه كان قصد قتل سارى عسكر توجه إلى سوق غزة واشترى أول سلاح شافه

ص: 375

سئل هل أن أحمد أغا أو ياسين اغا ما حدثاه اصلا عن الوزير وعشموه بشيء من طرفه أن كان يقدر يقتل سارى عسكر فجاوب لا بل أنهم ذاتهم وعدوه أنهم يساعدوه في كل ما يلزمه أن كان يخرج هذا الشيء من يده.

سئل هل أن الوزير نادى في تلك النواحي بقتل الفرنساوية فجاوب أنه لا يعلم بل يعرف أن الوزير كان أرسل طاهر باشا لأجل يعين الذين كانوا بمصر وأنه رجع حين شاف العثملي مقبلين لبر الشام من مصر.

سئل هل هو فقط الذي توكل في هذه الإرسالية فجاوب أن تخمينه هكذا لأن هذا الكلام قد حصل سرا ما بينه وبين الاغوات.

سئل كيف كان يعمل حتى أنه كان يعرف الاغوات بالذي فعله فجاوب أنه كان قصده يروح هو بنفسه يخبرهم أو يرسل لهم حالا ساعي فبعد خلاص الفحص المذكور انقرأ على المتهوم وهو حرر خط يده مع المبلغ وكاتم السر والترجمان حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه أمضاء سليمان الحلبي بالعربي امضاء كاتم السر بينه.

مقابلة المتهمين مع بعضهم نهار تاريخه ستة وعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا الواضع اسمي فيه مبلغ القضاة المنقامين لشرع كل من هو متهوم في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا الشيخ محمد الغزي لأجل تجدد فحصه ونقابله مع سليمان الحلبي قاتل سارى عسكر ولهذا كان موجود معنا السيتوين بينه كاتم سر القضاة المذكورين وصار كما يذكر أدناه.

سئل الشيخ محمد الغزي هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم.

سئل سليمان الحلبي هل يعرف الشيخ محمد الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم.

سئل محمد الغزي هل أن سليمان الحلبي ما قال له من قيمة واحد وثلاثين يوما أنه حضر من بر الشام من طرف أحمد اغا وياسين الاغا لأجل يقتل سارى

ص: 376

عسكر العام وهو كل يوم ماحدثه في هذا الشغل حتى أنه في آخر يوم قال له أنه رائح إلى الجيزة حتى يغدر سارى عسكر فجاوب أن هذا ما له اصل لكن حين شافوا بعضا وقع بينهم سلام فقط ومن قبل آخر يوم الذي نوى فيه سليمان على الرواح إلى الجيزة جاب له ورق وحبر وقال له أنه ما يرجع إلا غدا فقيل أنه ما يخبر بالصحيح لأن سليمان يحقق أنه أخبره بهذه السيرة كل يوم وأن عشية قبل غدر سارى عسكر كان قال له أنه رائح لقضاء هذا الأمر فجاوب أن هذا الرجل يكذب.

سئل هل كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي وهل في الأيام الاخيرة ما راح بات عنده فجاوب أن من حين دخول الفرنساوية ما راح أبدا بات عنده وأما قبل دخول الفرنساوية كان يبيت عنده بعض مرار فقيل له: إنه ما يحكي الصحيح لأن في فحص أمس قال: إنه كان يروح مرارا عديدة يبيت عند الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما قال ذلك.

سئل سليمان الحلبي هل يقدر يثبت على الشيخ محمد الحاضر بأنه كل يوم كان يخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا عشية النهار الذي صباحه صار القتل فجاوب نعم وأنه ما قال إلا الصحيح وأن الشيخ محمد الغزى ما كان يقر بالحق امرنا بضربه كعادة البلد فحالا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يحكي على كل شيء فارتفع عنه الضرب.

سئل هل سليمان أخبره على ضميره في قتل سارى عسكر فجاوب أن سليمان كان قال له: إنه حضر من غزة لأجل أنه يغازي في سبيل الله بقتل الكفرة الفرنساوية وأنه منعه عن ذلك بقوله أنه يحصل له من ذلك ضرر وما عرفه أنه مراده يغدر سارى عسكر إلا الليلة التي راح فيها إلى الجيزة وصباحها قتله.

سئل لاي سبب ما حضر أخبرنا على سليمان المذكور فجاوب أنه أبدا ما كان يصدق أن واحدا مثل هذا يقدر على قتل سارى عسكر والذي الوزير بذاته ما قدر عليه

ص: 377

سئل هل أخبر بالذي قال له: عليه سليمان لاحد من المدينة وخصوصا إلى الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما أخبر أحدا بذلك وحتى إذا وضعوه تحت القتل ما يقول بذلك.

سئل هل يعرف أحدا خلاف سليمان حضر لأجل غدر الفرنساوية وأين هم قاعدين فجاوب أنه ما يعرف وأن سليمان ما قال له على احد.

سئل سليمان المذكور أنه يشهر رفقاءه فجاوب أنه لم يعرف أجد في مصر وأن تخمينه ما فيه غيره الذي قاصد قتله الفرنساوية فبعد هذا صرفنا محمد الغزي المذكور لحبسه وابقينا سليمان لأجل نقابله مع السيد أحمد الوالي الذي حالا أحضرناه لأجل ذلك.

سئل هل يعرف سليمان الحلبي الموجود ههنا فجاوب نعم.

سئل أيضا سليمان هل يعرف السيد أحمد الوالي الموجود ههنا فجاوب هو أيضا نعم.

سئل السيد أحمد الولاي هل أن سليمان ما أخبره على نيته في قتل سارى عسكر وخصوصا في العشية التي قصد بها التوجه لذلك فجاوب أن سليمان حين وصل من مدة ثلاثين يوما كان قال له أنه حضر حتى يغازي في الكفرة وأنه نصحه عن ذلك بقوله أن هذا شيء غير مناسب وما أخبره على سيرة سارى عسكر.

سئل سليمان المذكور أنه يبين هل حدثه أحمد الوالي في قتل سارى عسكر وكم يوم له ما حدثه فجاوب أن في أوائل وصوله قال له أنه حضر بقصد الغزو في الكفار وأن السيد أحمد ما رضي له بذلك ثم بعد ستة أيام أخبره على نيته في قتل سارى عسكر ومن بعدما عاد حدثه بذلك وقبل الغدر بأربعة أيام ما كان قابله فقيل للسيد أحمد الوالي أنه لم يصدق في قوله لأنه ينكر أن سليمان ما أخبره بأنه كان ناوي بقتل سارى عسكر فجاوب الآن لما فكره سليمان افتكر أنه أخبره.

سئل لاي سبب ما اشهر سليمان المذكور فجاوب أنه ما اشهره لسببين

ص: 378

الأول: إنه كان يخمن أنه يكذب والثاني ما كان مستعنيه في فعل مادة مثل هذه.

سئل هل سليمان ما عرفه برفقائه وهل هو ما تحدث مع أجد بذلك وخصوصا مع شيخ الجامع الذي هو ملزوم يخبر بكل ما يجري فجاوب أن سليمان ما قال له على رفقائه وهو ما أخبر بذلك أحدا ولا أيضا شيخ الجامع.

سئل هل يعرف الأمر الذي خرج من سارى عسكر العام بأن كل من شاف عثملي في البلد يخبر عنه فجاوب أنه ما درى بذلك.

سئل هل سكن سليمان بالجامع لسبب أنه قال له على مراده في قتل سارى عسكر فجاوب لا لأن كل أهل الإسلام تقدر تسكن في الجامع.

سئل سليمان هل أنه ما قال بأنهم ما كانوا يريدوا يسكنوه لولا أنه قال لهم على سبب مجيه لمصر فجاوب أن كامل الغرباء لازم يخبروا عن سبب حضورهم وأما هو يقول: الحق أن ما أجد من المشايخ ارتضى على مقصوده فبعد هذا ارسلنا السيد أحمد الوالي إلى حبسه وبقي سليمان الحلبي لأجل مقابلة السيد عبد الله الغزي الذي أحضرناه في الحال.

سئل سليمان هل يعرف السيد عبد الله الغزي الموجود ههنا فجاوب نعم.

سئل السيد عبد الله الغزي هل ما بلغه نية سليمان في قتل سارى عسكر فجاوب وأقر أن يوم حضور سليمان عرفه أنه حضر يغازي في الكفرة وأنه مراده يقتل سارى عسكر وأنه قصد يمنعه عن ذلك.

سئل لأي سبب ما شكاه فجاوب أنه كان يظن أن سليمان المذكور يتوجه عند المشايخ الكبار وأن المذكورين كانوا يمنعوه ولكن من الآن صار يخبر بالذين يحضرون بهذه النية.

سئل هل يعرف أن سليمان أخبر أحدا خلافه في مصر فجاوب أن ما عنده علم بذلك

ص: 379

سئل هل يعرف أن موجود بمصر ناس خلاف سليمان متوكلين في قتل الفرنساوية فجاوب أن ما عنده خبر وأن تخمينه لم يوجد أحد.

فبعد ذلك انقرأ هذا الفحص على الأربعة المتهومين وهم سليمان الحلبي ومحمد الغزىوالسيد أحمد الولاي والسيد عبد الله الغزى وسألوهم هل جواباتهم هذه صحيحة ولافيها زائد ولا ناقص فأربعتهم جاوبوا لاثم حرروا خط يدهم معنا بالعربي برفقة الإثنين المترجمين وكاتم السر حرر بمدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه امضاء المتهومين بالعربي امضاء الترجمان لو ما كان امضاء دمياسومر برا شويش كاتم السر وترجمان سارى عسكر العام امضاء المبلغ سارتلون امضاء كاتم السر بينه بعد خلاص الفحص المشروح أعلاه أنا المبلغ سارتلون سالت الأربعة المتهومين المذكورين أنهم يختاروا لهم واحدا ليتكلم عنهم قدام القضاة ويحامي عنهم والمذكورون قالوا أن ما هم عارفون من يختاروا فأورينا لهم الترجمان لوماكا لأجل يمشي لهم في ذلك.

بيان فحص مصطفى أفندي.

نهار تاريخه ستة وعشرين شهر برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي أنا المبلغ سارتلون وبينه كاتم سر القضاة المنتشرين لشرع كل من كان له جرة في قتل سارى عسكر العام كلهبر أحضرنا مصطفى أفندي لكي تفحص منه على الذي قد حصل.

سئل عن اسمه وعمره ومسكنه وصنعته فجاوب بأنه يسمى مصطفى أفندي ولادة برصة في بر أناضول وعمره واحد وثمانون سنة وساكن في مصر ثم صنعته معلم كتاب.

سئل هل من مدة شهر شاف سليمان الحلبي فجاوب أن هذا الرجل مشدود من مدة ثلاث سنين وأنه من مدة عشرة أو عشرين يوما حضر عنده وبات ليلة ومن حيث أنه رجل فقير قال له: يروح يفتش له على محل غيره.

سئل هل سليمان المذكور ما أخبره أنه حضر من بر الشام حتى يقتل

ص: 380

سارى عسكر العام فجاوب لا بل حضر عنده ليسلم عليه فقط لكونه معلمة من قديم.

سئل هل سليمان ما عرفه عن سبب حضوره لهذا الطرف وهل هو نفسه ما استخبر عن ذلك فجاوب أن كل اجتهاده كان في أنه يصرفه من عنده بحيث أنه رجل فقير بل سأله عن سبب حضوره فأخبره لأجل يتقن القراءة.

سئل هل يعرف بأن سليمان راح عند ناس من البلد وخصوصا عند أجد من المشايخ الكبار فجاوب أنه لا يعرف شيئا لأنه ما شافه إلا قليلا وأنه لم يقدر يخرج كثيرا من بيته بسبب ضعفه وكبره.

سئل هل أنه ما يعلم القرآن إلا مشاديده فجاوب نعم.

سئل هل أن القرآن يرضي بالمغازاة ويأمر بقتل الكفرة فجاوب أنه ما يعرف ايش هي المغازاة التي القرآن ينبي عنها.

سئل هل يعمل مشاديده هذه الأشياء فجاوب واحد اختيار مثله ماله دعوة في هذه الأشياء بل أنه يعرف أن القرآن ينبي عن المغازاة وأن كل من قتل كافرا يكسب اجرا.

سئل هل علم هذا الغرض لسليمان فجاوب أنه ما علمه إلا الكتابة فقط.

سئل هل عنده خبر أن أمس تاريخه رجل مسلم قتل سارى عسكر الفرنساوية الذي ما هو من ملته وهل بموجب تعليم القرآن هذا الرجل فعل طيب ومقبول عند النبي محمد فجاوب أن القاتل يقتل وأما هو يظن أن شرف الفرنساوية هو من شرف الإسلام وإذا كان القرآن يقول غيره شيا هو ما له علاقة فحالا قدمنا سليمان المذكور وقابلناه بمصطفى أفندي ثم سالناه هل شاف مصطفى أفندي مرارا كثيرة وهل بلغه عن نيته فجاوب أنه ما شافه سوى مرة واحدة لأجل أنه يسلم عليه بحيث أنه معلمه القديم.

وبما أنه رجل اختيار وضعيف قوي ما رأى مناسب يخبره عن ضميره.

سئل هل هو من ملة المغازين وهل أن المشايخ سمحوا له في قتل الكفار في مصر ليكتب له أجر ويقبل عند النبي محمد فجاوب أنه ما فتح سيرة المغازاة

ص: 381

إلا إلى الأربعة مشايخ فقط الذين سماهم.

سئل هل أنه ما تحدث مع الشيخ الشرقاوي فجاوب أنه ما شاف هذا الشيخ لأنه ما هو من ملته بسبب أن الشيخ الشرقاوي شافعي وهو حنفي فبعد هذا قرينا على سليمان ومصطفى أفندي إقرارهم هذا فجاوبوا أن هذا هو الحق وما عندهم ما يزيدوا ولا ينقصوا ثم حرروا خط يدهم برفقة الترجمان ونحن حرر بمصر في اليوم والشهر والسنة والمحررة أعلاه امضاء الإثنين المتهومين بالعربي امضاء لوماكا الترجمان امضاء سارتلون امضاء كاتم السر بينه.

هذه الرواية المنقولة في اليوم السابع والعشرين من شهر برريال السنة الثامنة من إقامة الجمهور الفرنساوي عن الوكيل سارتلون بحضور مجمع القضاة المفوضين لمحاكمة قاتل سارى عسكر العام كلهبر وأيضا لمحاكمة شركاء القاتل المذكور يا ايها القضاة أن المناحة العامة والحزن العظيم الذي نحن مشتملون بهما الآن يخبران بعظم الخسران الذي حصل الآن بعسكرنا لأن سارى عسكرنا في وسط نصراته ومماجده ارتفع بغتة من بيننا تحديد قاتل رذيل ومن يد مستأجره من كبراء ذوي الخيانة والغيرة الخبيثة والان أنا معين ومأمور لاستدعاء الانتقام للمقتول وذلك بموجب الشريعة من القاتل المسفور وشركائه كمثل أشنع المخلوقات لكن دعوني ولو لحظة خالطا فيض دموع عيني وحسراتي بدموعكم ولوعاتكم التي سببها هذا المفدى الأسيف والمكرم المنيف فقلبي احتسب جدا اهتياجه لتأدية تلك الجزية لمستحقها فوظيفتي كأنها ليست في الرؤية إلا الما بتغريق المهيب بماء هذه المصنوعة الشنيعة التي بوقوعها ارتبكت سمعتم الآن قراءة أعلام وفحص المتهمين وباقي المكتوبات عما جرى منهم وقط ما ظهر سيئة أظهر من هذه السيئة التي أنتم محاكمون فيها من صفة الغدارين ببيان الشهود واقرار القاتل وشركائه والحاصل كل شيء متحد ورامي الضياء المهيب لمناورة ذا القتل الكريه إني أنا راوي لكم سرعة الأعمال جاهد نفسي أن ظفرت لمنع غضبي منهم منها فلتعلم

ص: 382

بلاد الروم والدنيا بكمالها أن الوزير الأعظم سلطنة العثمانية ورؤساء جنود جنود عسكرها رذلوا أنفسهم حتى ارسلوا قتال معدوم العرض إلى الجريء والا نجب كلهبر الذي لا استطاعوا بتقهيره وكذلك ضعوا إلى عيوب مغلوبيتهم المجرم الظالم بالذي ترأسوا قبل السماء والأرض تذكروا جملتكم تلك الدول العثمانية المحاربين من اسلامبول ومن أقاصي أرض الروم وأناضول واصلين منذ ثلاثة شهور بواسطة الوزير لتسخير وضبط بر مصر وطالبين تخليتها بموجب الشروط الذي بمتفقيتهم بذاتهم مانعوا اجراءها والوزير أرق بر مصر وبر الشام بمناداته مستدعي بها قتل عام الفرنساوية وعلى الخصوص هو عطشان لانتقامه لقتل سر عسكرهم وفي لحظة الذين هم أهالي مصر محتفين باغويات الوزير كانوا محرومين شفقات ومكارم نصيرهم وفي دقيقة الذين هم اسارى ومجروحين العثملية هم مقبولين ومرعبين في دور ضيوفنا وضعفائنا تقيد الوزير بكل وجوه بتكميل سوء غفارته تلوه منذ زمان طويل واستخدم لذلك أغا مغضوبا منه ووعد له اعادة لطفه وحفظ رأسه الذي كان بالخطر أن كان يرتضي بذا الصنع الشنيع وهذا المغوى هو أحمد اغا المحبوس بغزة منذ ما ضبط العريش وذهب للقدس بعد انهزام الوزير في أوائل شهر جرمينال الماضي والاغا المرقوم محبوس هناك بدار متسلم البلد وفي ذلك الملجأ فهو مفتكر باجراء السوء الخبيث الذي يستثقل التقدير لافهيم ولا معه تدبير سيما هو عامل شيء لاجراء انتقام الوزير وسليمان الحلبي شب مجنون وعمره أربعة وعشرون سنة وقد كان بلا ريب متدنس بالخطايا ظهر عند ذا الاغا يوم وصوله القدس وبترجى صيانته لحراسة أبيه تاجر بحلب من اذيات إبراهيم باشا وإلى حلب يرجع له سليمان يوم غدره فقد كان استفتش الاغا عن احتيال اصل وفصل ذا الشب المجنون وعلم أنه مشتغل بجامع بين قراء القرآن وأنه هو الآن بالقدس للزيارة وأنه قد حج سابقا بالحرمين وأن العته النسكي هو منصوب في أعلى رأسه المضطرب من زيغاته وجهالاته بكمالة

ص: 383

إسلامه وباعتمده أن المسمى منه جهاد وتهليك الغير المؤمنين فمما أنهى وأيقن أن هذا هوالايمان ومن ذلك الآن مارما بقي تردد أحمد اغا في بين ما نوى منه فوعد له حمايته وانعامه وفي الحال ارسله إلى ياسين اغا ضابط مقدار من جيوش الوزير بغزة وبعثه بعد أيام لمعاملته وأقبضه الدراهم اللازمة له وسليمان قد امتلأ من خباثته وسلك بالطرق فمكث واحد وعشرين يوم في بلد الخليل يجبرون منتظر فيه قبيلة لذهاب البادية وكل مستعجل ووصل غزة في أوائل شهر فلوريال الماضي وياسين اغا مسكنه بالجامع لاستحكام غيرته والمجنون يواجهه مرارا وتكرارا بالنهار والليل مدة عشرة أياما مكثه بغزة يعلمه وبعد ما أعطاه أربعين غرشا أسديا ركبه بعقبيه الهجين الذي وصل مصر بعد ستة أيام وممتن بخنجر دخل بأواسط شهر فلوريال إلى مصر التي قد سكنها سابقا ثلاث سنين وسكن بموجب تربياته بالجامع الكبير ويتحضر فيه للسيئة التي هو مبعوث لها ويستدعي الرب تعالى بالمناداة وكتب المناجاة وتعليقها بالسور مكانه بالجامع المذكور علاه وتأنس مع الأربعة مشايخ الذين قرأ والقرآن مثله وهم مثل مولودين ببر الشام وسليمان أخبرهم بسبب مراسلته وكان كل ساعة معهم متؤامرين به لكن ممنوعين بصعوبة ومخطرات الوحدة محمد الغزي والسيد أحمد الوالي وعبد الله الغزي وعبد القادر الغزي هم معتمدين سليمان بارتهان ما نواه ولا عاملوا شيء لممانعته أو لبيانه وعن مداومة سكونهم به صاروا مسامحين ومشتركين في قبحة القاتل هو منتظر واحد وثلاثين يوم معدودة بمصر فعقبة جزم توجهه إلى الجيزة وبذاك اليوم اعقد سره إلى الشركاء المذكورين أعلاه وكان كل شيء صار سهل جزم القاتل بمصنوعته الشنيعة وبيوم الغدوة طلع السر عسكر من الجيزة متوجها مصر وسليمان طوى الطرق ولحقه هلقدو حتى لزم أن يطروده مرارا مختلفة لكن هو المكار عقيب غدرا تعداه وفي يوم الخامس والعشرين من شهرنا الجاري وصل واختفى في جنينة السر عسكر لتقبيل يده فالسر عسكر لا أبي عن قيافة

ص: 384

فقره وفي حال ما السر عسكر ترك له يده ضربه سليمان بخنجرة ثلاث جروح وقصد الستوين بروتاين الذي هو رئيس المعمار ومصاحب العرفاء وجاهد لحماية السر عسكر لكن ما نفع جسارته فهو بذاته وقع أيضا مجروح عن يد القاتل المسفور بستة جروحات وبقي لا مستطيع شيء وهكذا وقع بلا صيانة وهو الذي كان من الأماجد في الحرب ومخاطرات الغزا وهو أول الذين مضوا برياسة عسكر دولة الجمهور الفرنساوي المنصور الرهن الرهين وهو فتح ثانيا بر مصر حينئذ بهجوم سحائب من العثمانية فكيف اقتدر واضم الوجع العميق الجملة إلى دموع الأجناد إلى لوعات الرؤساء وجميع الجنرالية أصحابه بالمجاهدة والمماجدة بالمناحة وموالهة العسكر أنتم جميعا تنعوه والمحاسنات تستأهله وتنبغي له القاتل سليمان ما قدر يهرب من مغاشاة الجيوش غضوبين له الدم ظاهر في ثيابه وخنجره واضطرابه ووحشة وجهه وحاله كشفوا جرمه وهو بالذات مقر بذنبه بلسانه ومسمى شركاه وهو كمادح نفسه للقتل الكريه صنع يديه وهو مستريح بجواباته للمسائل وينظر محاضر سياسات عذابه بعين رفيعة والرفاهية هي الثمر المحصول من العصمة والتفاوه فكيف تظهر بوجوه الآثمين ومسامحينهم شركاء سليمان الاثيم كانوا مرتهنين سره للقتل الذي حصل من غفلتهم وسكوتهم قالوا باطلا أنهم ما صدقوا سليمان هو مستعدد بذا الإثم وقالوا باطلا أيضا أن لو كانوا صدقوا ذا المجنون كانوا في الحال شايعين خيانته لكن الأعمال شهود تزور وتنبيء أنهم قابلوا القاتل وما غيروا له نية إلا خوف مهلكتهم ومصممين تهلكة غيرهم ولا هم مستعذرين وجها من الوجوه لا حكى لهم شيء من مصطفى أفندي بما أن لا ظهر شيء عند ذاك الشيب يثبت معاقرته بشكل العذاب اللائق للمذنبين هو تحت اصطفاكم بموجب الأمر من الذي أنتم مأمورن بعقيبه لمحاكمة السيئين وأظن أن يليق أن تصنعوا لهم من العذابات العادية ببلاد مصر ولكن عظمة الاثم تستدعي أن يصير عذابه مهيبا فإن سألتوني أجبت أنه يستحق الخوزقة وأن قبل كل شيء تحرق

ص: 385

يد ذا الرجل الاثيم وأنه هو يموت بتعذيبه ويبقى جسده لمأكول الطيور وبجهة المسامحين له يستحقون الموت لكن بغير عقوبة كما قلت لكم ونبهت فليعلم الوزير والعملية الظالمين تحت أمره حد جزاء الآثمين الذين ارتكبوا بقصد انتقامهم لعدم المروءة أنهم عدموا من عسكرنا واحد مقدام سبب دائمي دموعنا ولوعتنا الأبدية فلا يحسبوا ولا يأملوا بأقلال جزائنا إنما خليفة السر عسكر المرحوم هو رجل قد شهر شجاعة ومضى قدماه بصفاء ضمير منير وهو مشار إليه بالبنان لمعرفة بتدبير الجنود والجمهور المنصور وهو يهدينا بالنصرة وأما أولئك المعدومون القلب والعرض فلا احمرت وجوههم بانتقامهم وأنهزامهم باق ثم عدم اعتبارهم بالتواريخ لا بد أنهم باقين بالرذالة لا نفع لهم قدام العالم إلا اكتساب خجالتهم ولعدم المبالاة حالا كشفتها لهم اثبت محاكمات كما يأتي بيانها.

اولا أن سليمان الحلبي مثبت اسمه الكريه بقتل السرعسكر كلهبر فلهذا هو يكون مدحوضا بتحريق يده اليمنى وبتحريقه حتى يموت فوق خازوقه وجيفته باقية فيه لمأكولات الطيور.

ثانيا أن الثلاثة مشايخ المسمين محمد الغزى وعبد الله الغزي وأحمد الغزي يكونون متبينين منكم أنهم شركاء لهذا القاتل فلذلك يكونون مدحوضين بقطع رؤسهم.

ثالثا أن الشيخ عبد القادر الغزي يكون مدحوضا بذلك العذاب.

رابعا أن اجراء عذابهم يصير بعودة المجتمعين لدفن السر عسكر وإمام العسكر وناس البلد لذاك الفعل موجودين فيه.

خامسا أن مصطفى أفندي تبين غير مثبوت مسامحته وهو مطلوق إلى مانرى.

سادسا أن ذا الأعلام وبيناته وما جرى بطبع في خمس نسخ ويؤول من لسان الفرنساوي بالعربي والتركي لتلزيقها بمحلات بلاد بر مصر بكمالها بموجب المأمور حرر بمصر القاهرة في اليوم السابع وعشرين من

ص: 386

شهرنا برريال سنة ثمانية من إقامة الجمهور المنصور ممضى سارتلون.

الفتوى الخارجة من طرف ديوان القضاة المنتشرين بأمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية في مصر.

لاجل شرعية كل من له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر في السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي وفي اليوم السابع وعشرين من شهر برريال اجتمعوا في بيت سارى عسكر رينيه المذكور وسارى عسكر روبين ودفتردار البحرلرو والجنرال مارتينه والجنرال مورانه ورئيس العسكر جوجه ورئيس المدافع فاور ورئيس المسار برترنه والوكيل رجينه والدفتردار سارتلون في رتبة مبلغ والوكيل لبهر في رتبة وكيل الجمهور والوكيل بينه في رتبة كاتم السر وهذا ما صار حكم أمر سارى عسكر العام منو أمير الجيوش الفرنساوية الذي صدر أمس وأقام القضاة المذكورين لكي يشرعوا على الذي قتل سارى عسكر العام كلهبر في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولكي يحكموا عليه بمعرفتهم فحين اجتمعوا القضاة المذكورون وسارى عسكر رينيه الذي هو شيخهم أمر بقراءة الأمر المذكور أعلاه الخارج من يد سارى عسكر منو ثم بعده المبلغ قرأ كامل الفحص والتفتيش الذي صدر منه في حق المتهومين وهم سليمان الحلبي والسيد عبد القادر الغزي ومحمد الغزي وعبد الله الغزي وأحمد الوالي ومصطفى أفندي فبعد قراءة ذلك أمر سارى عسكر رينيه بحضور المتهومين المذكورين قدام القضاة وهم من غير قيد ولا رباط بحضور وكيلهم والابواب مفتحة قدام كامل الموجودين فحين حضروا سارى عسكر رينيه وكامل القضاة سألوهم جملة سؤالات وهذا بواسطة الخواجا براشويش الترجمان فهم ما جاوبوا إلا بالذي كانوا قالوه حين انفحصوا فسارى عسكر رينيه سالهم أيضا أن كان مرادهم يقولوا شيأ مناسبا لتبرئتهم فأجاوبوه بشيء فحالا سارى عسكر المذكور أمر بردهم إلى الحبس مع الخفراء عليهم ثم أن سارى عسكر رينيه التفت إلى القضاة وسالهم ايش رأيهم في عدم حديث المتهومين وأمر

ص: 387

بخروج كامل الناس من الديوان وقفل المحل عليهم لأجل يستشارو بعضهم من غير أن أحدا يسمعهم ثم انوضع أول سؤال وقال:.

سليمان الحلبي ابن أربعة وعشرين سنة وساكن بحلب منهم بقتل سارى عسكر العام وجرح السيتوين بروتاين المهندس وهذا صار في جنينة سارى عسكر العام في خمسة وعشرين من الشهر الجاري فهل هو مذنب فالقضاة المذكورون ردوا كل واحد منهم لوحده والجميع بقول واحد أن سليمان الحلبي مذنب.

السؤال الثاني السيد عبد القادر الغزى مقرى قرآن في الجامع الأزهر ولادة غزة وساكن في مصر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر العام وما بلغ ذلك وقصد الهروب فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب.

ثم وضع السؤال الثالث وقال محمد الغزى ابن خمسة وعشرين سنة ولادة غزة وساكن في مصر مقرى قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه بلغه بالسر في غدر سارى عسكر وأنه حين ذلك الغادر كان نوى الرواح لقضاء فعله بلغه أيضا وهو ما عرف أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب.

السؤال الرابع عبد الله الغزى ابن ثلاثين سنة ولادة عزة ومقرى قرآن في الجامع الأزهر متهوم أنه كان يعرف في غدر سارى عسكر وأنه ما بلغ أحدا بذلك فهو هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب.

السؤال الخامس أحمد الوالي ولادة غزة مقرى قرآن في جامع الأزهر متهوم أن عنده خبر في غدر سارى عسكر وأنه ما بلغ أحدا بذلك فهل هو مذنب فالقضاة جاوبوا تماما أنه مذنب.

السؤال السادس مصطفى أفندي ولادة برصة في براناضول عمره واحد وثمانين سنة ساكن في مصر معلم كتاب ما عنده خبر بغدر سارى عسكر فهل هو مذنب فالقضاة تماما جاوبوا بأنه غير مذنب وأمروا باطلاقه

ص: 388

فبعد ذلك القاضي وكيل الجمهور طلب أنهم يفتوا بالموت على المذنبين المشروحين أعلاه فالقضاة تشاوروا مع بعضهم ليعتمدوا على جنس عذاب لائق لموت المذنبين أعلاه ثم بدؤا بقراءة خامس مادة من الأمر الذي اخرجه امس سارى عسكر منو بسبب ذل والذي بموجبه أقامهم قضاة في فحص وموت كل من كان له جرة في غدر وقتل سارى عسكر العام كلهبر ثم اتفقوا جميعهم أن يعذبوا المذنبين ويكون لائق للذنب الذي صدر وأفتوا أن سليمان الحلبي تحرق يده اليمين وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وهذا يكون فوق التل الذي برا قاسم بك ويسمى تل العقارب وبعد دفن سارى عسكر العام كلهبر وقدام كامل العسكر وأهل البلد الموجودين في المشهد ثم أفتوا بموت السيد عبد الغادر الغزى مذنب أيضا كما ذكر أعلاه وكل ما تحكم يده عليه يكون حلال للجمهور الفرنساوي ثم هذه الفتوى الشرعية تكتب وتوضع فوق البيت الذي مختص بوضع رأسه وأيضا افتوا على محمد الغزى وعبد الله وأحمد الوالي أن تقطع رؤسهم وتوضع على نبابيت وجسمهم يحرق بالنار وهذا يصير في المحل المعين أعلاه ويكون ذلك قدام سليمان الحلبي قبل أن يجري فيه شيء هذه الشريعة والفتوى لازم أن ينطبعا باللغة التركية والعربية والفرنساوية من كل لغة قدر خمسمائة نسخة لكي يرسلوا ويعلقوا في المحلات اللازمة والمبلغ يكن مشهل في هذه الفتوى تحريرا في مدينة مصر في اليوم والشهر والسنة المحررة أعلاه ثم أن القضاة حطوا خط يدهم باسمائهم برفقة كاتم السر ممضى في اصله ثم هذه الشريعة والفتوى انقرت وتفسرت على المذنبين بواسطة السيتوين لو ما كان الترجمان قبل قصاصهم فهم جاوبوا أن ما عندهم شيء يزيدوا ولا ينقصوا على الذي أقروا به في الأول فحالا قضوا أمرهم في ثمانية وعشرين من شهر برريال حكم الاتفاق وقبل نصف النهار بساعة واحدة حرر بمصر في ثمانية وعشرين برريال السنة الثامنة من انتشار الجمهور الفرنساوي ثم ختموا باصله الدفتردار سارتلون وكاتم

ص: 389

السر بينه وهذه نسخة من الأصل امضاء بينه كاتم السر آه وهذا آخر ما كتبوه في خصوص هذه القضية ورسموه وطبعوه بالحرف الواحد ولم اغير شيئا مما رقم إذ لست ممن يحرف الكلم وما فيه من تحريف فهو كما في الأصل والله أعلم وأحكم.

ولما فرغوا من ذلك اشتغلوا بامر عسكرهم المقتول وذلك بعد موته بثلاثة أيام كما ذكر ونصبوا مكانه عبد الله جاك منو ونادوا ليلة الرابع من قتلته وهي ليلة الثلاثاء خامس عشرين المحرم في المدينة بالكنس والرش في جهات حكام الشرطة فلما أصبحوا اجتمع عساكرهم وأكابرهم وطائفة عينها القبط والشوام وخرجوا بموكب مشهده ركبانا ومشاة وقد وضعوه في صندوق من رصاص مسنم الغطاء ووضعوا ذلك الصندوق على عربة وعليه برنيطته وسيفه والخنجر الذي قتل به وهو مغموس بدمه وعملوا على العربة أربعة بيارق صغار في اركانها معمولة بشعر أسود ويضربون بطبولهم بغير الطريقة المعتادة وعلى الطبول خرق سود والعسكر بايديهم البنادق وهي منكسة إلى أسفل وكل شخص منهم معصب ذراعه بخرقة حرير سوداء ولبسوا ذلك الصندوق بالقطيفة السوداء وعليها قصب مخيش وضربوا عند خروج الجنازة مدافع وبنادق كثيرة وخرجوا من بيت الأزبكية على باب الخرق إلى درب الجماميز إلى جهة الناصرية فلما وصلوا إلى تل العقارب حيث القلعة التي بنوها هناك ضربوا عدة مدافع وكانوا أحضروا سليمان الحلبي والثلاثة المذكورين فأمضوا فيهم ما قدر عليهم ثم ساروا بالجنازة إلى أن وصلوا باب قصر العيني فرفعوا ذلك الصندوق ووضعوه على علوة من التراب يوسط تخشيبة صنعوها وأعدوها لذلك وعملوا حولها داربزين وفوقه كساء أبيض وزرعوا حوله اعواد سرو ووقف عند بابها شخصان من العسكر ببنادقهما ملازمان ليلا ونهارا يتناوبان الملازمة على الدوام وانقضى أمره واستقر عوضه في السر عسكرية قائممقام عبد الله جاك منو وهو الذي كان متوليا على رشيد من قدومهم وقد كان أظهر أنه

ص: 390

أسلم تسمى بعبد الله وتزوج بامرأة مسلمة وقلدوا عوضه في قائمقامية بليار فلما أصبح ثاني يوم حضر قائممقام والاغا إلى الأزهر ودخلا إليه وشقا في جهاته وأروقته وزواياه بحضرة المشايخ.

وفي يوم الخميس حضر سارى عسكر عبد الله جاك منو وقائمقام لو الاغا وطافوا به أيضا وأرادوا حفر أماكن للتفتيش على السلاح ونحو ذلك ثم ذهبوا فشرعت المجاورون به في نقل امتعتهم منه هو نقل كتبهم واخلاء الاروقة ونقلوا الكتب الموقوفة بها إلى أماكن خارجة عن الجامع وكتبوا أسماء المجاورين في ورقة وأمروهم أن لا يبيت عندهم غريب ولا يؤوا إليهم آفاقيا مطلقا وأخرجوا منه المجاورين من طائفة الترك ثم أن الشيخ الشرقاوي والمهدي والصاوي توجهوا في عصريتها عند كبير الفرنسيس منو وأستاذ نوه في قفل الجامع وتسميره فقال بعض القبطة الحاضرين للاشياخ هذا لا يصح ولا يتفق فحنق عليه الشيخ الشرقاوي وقال اكفونا شر دسائسكم ياقبطة وقصد المشايخ من ذلك منع الريبة بالكلية فإن للأزهر سعة لا يمكن الاحاطة بمن يدخل فربما دس العدو من يبيت به واحتج بذلك على انجاز غرضه ونيل مراده من المسلمين والفقهاء ولا يمكن الاحتراس من ذلك فاذن كبير الفرنسيس بذلك لما فيه من موافقة غرضه باطنا فلما أصبحوا قفلوه وسمروا أبوابه من سائر الجهات.

وفي غايته جمعوا الوجاقلية وأمروهم باحضار ما عندهم من الأسلحة فأحضروا ما أحضروه فشددوا عليهم في ذلك فقالوا لم يكن عندنا غير الذي أحضرناه فقالوا وأين الذي كنا نرى لمعانه عند متاريسكم فقالوا تلك اسلحة العساكر العثمانية والأجناد المصرية وقد سافروا بها.

واستهل شهر صفر بيوم الثلاثاء سنة 1215.

في أوائله سافر بعض الأعيان من المشايخ وغيرهم إلى بلاد الارياف بعيالهم وحريمهم وبعضهم بحث حريمه وأقام هو مسافر الشيخ محمد الحريري وصحب معه حريم الشيخ السحيمي وصهره الشيخ المهدي فلما

ص: 391

رآهم الناس عزم الكثير منهم على الرحلة وأكثروا المراكب والجمال وغير ذلك فلما أشيع ذلك كتب الفرنسيس أوراقا ونادوا في الأسواق بعدم انتقال الناس ورجوع المسافرين ومن لم يرجع بعد خمسة عشر يوما نهبت داره فرجع أكثر الناس ممن سافر أو عزم على السفر إلا من أخذ له ورقة بالاذن من مشاهير الناس احتج بعذر كائن في خدمة لهم أو قبض خراج أو مال أو غلال من التزامه.

وفيه قرروا فردة أخرى وقدرها أربعة ملايين وقدر المليون مائة وستة وثمانون ألف فرانسة وكان الناس ما صدقوا قرب تمام الفردة الأولى بعد ما قاسوا من الشدائد ما لا يوصف ومات أكثرهم في الحبوس وتحت العقوبة وهرب الكثير منهم وخرجوا على وجوههم إلى البلاد ثم دهوا بهذه الداهية أيضا فقرروا على العقار والدور مائتي ألف فرانسة وعلى الملتزمين مائة وستين ألفا وعلى التجار مائتي ألف وعلى أرباب الحرف المستورين ستين ألفا واسقطوا في نظير المنهوبات مائة ألف وقسموا البلدة ثمانية اخطاط وجعلوا على كل خطة منها خمسةوعشرين ألف ريال ووكلوا بقبض ذلك مشايخ الحارات والأمير الساكن بتلك الخطة مثل المحتسب بجهة الحنفي وعمر شاه وسويقة السباعين ودرب الحجر ومثل ذي الفقار كتخدا جهة المشهد الحسيني وخان الخليلي والغورية والصنادقية والاشرفيةوحسن كاشف جهة الصليبة والخليفة وما في ضمن كل من الجهات والعطف والبيوت فشرعوا في توزيع ذلك على الدور الساكنة وغير الساكنة وقسموها عال وأوسط ودون وجعلوا العال ستين ريالا والوسط أربعين والدون عشرين ويدفع المستأجر قدر ما يدفع المالك والدار التي يجدونها مغلقة وصاحبها غائب عنها يأخذون ما عليها من جيرانها.

وفي سادس عشرينه أفرجوا عن الشيخ السادات ونزل إلى بيته بعد أن غلق الذي تقرر عليه واستولوا على حصصه وأقطاعه وقطعوا مرتباته وكذلك

ص: 392

جهات حريمه والحصص الموقوفة على زاوية أسلافه وشرطوا عليه عدم الاجتماع بالناس وأن لا يركب بدون اذن منهم ويقتصد في أمور معاشه ويقلل اتباعه.

شهر ربيع الأول سنة 1215.

فيه نادوا على الناس الخارجين من مصر من خوف الفردة وغيرها بأن من لم يحضر من بعد اثنين وثلاثين يوما من وقت المناداة نهبت داره واحيط بموجوده وكان من المذنبين واشتد الأمر بالناس وضاقت منافسهم وتابعوا نهب الدور بأدنى شبهة ولا شفيع تقبل شفاعته أو متكلم تسمع كلمته واحتجب سارى عسكر عن الناس وامتنع من مقابلة المسلمين وكذلك عظماء الجنرالات وانحرفت طباعهم عن المسلمين زيادة عن أول واستوحشوا منهم ونزل بالرعية الذل والهوان وتطاولت عليهم الفرنساوية وأعوانهم وأنصارهم من نصارى البلد الاقباط والشوام والاروام بالإهانة حتى صاروا يامرونهم بالقيام إليهم عند مرورهم ثم شددوا في ذلك حتى كان إذا مر بعض عظمائهم بالشارع ولم يقم إليه بعض الناس على أقدامه رجعت إليه الأعوان وقبضوا عليه وأصعدوه إلى الحبس بالقلعة وضربوه واستمر عدة أيام في الأعتقال ثم يطلق بشفاعة بعض الأعيان.

وفيه أنزلوا مصطفى باشا من الحبس وأهدوا إليه هدايا وأمتعة وأرسلوه إلى دمياط فأقام بها أياما وتوفي إلى رحمة الله تعالى.

شهر ربيع الثاني سنة 1215.

فيه اشتد أمر المطالبة بالمال وعين لذلك رجل نصراني قبطي يسمى شكر الله فنزل بالناس منه ما لا يوصف فكان يدخل إلى دار أي شخص كان لطلب المال وصحبته العسكر من الفرنساوية والفعلة وبأيديهم القزم فيأمرهم بهدم الدار أن لم يدفعوا له المقرر وقت تاريخه من غير تأخير إلى غير ذلك وخصوصا ما فعله ببولاق فإنه كان يحبس الرجال مع النساء ويدخن عليهم بالقطن والمشاق وينوع عليهم العذاب ثم رجع إلى مصر يفعل كذلك

ص: 393

وفيه أغلقوا جميع الوكائل والخانات على حين غفلة في يوم واحد وختموا على جميعها ثم كانوا يفتحونها وينهبون ما فيها من جميع البضائع والاقمشة والعطر والدخان خانا بعد خان فإذا فتحوا حاصلا من الحواصل قوموا ما فيه بما احبوا بابخس الاثمان وحسبوا غرامته فإن بقى لهم شيء أخذوه من حاصل جاره وإن زاد له شيء أحالوه علىجاره الآخر كذلك وهكذا ونقلوا البضائع على الجمال والحمير والبغال وأصحابها تنظر وقلوبهم تنقطع حسرة على مالهم وإذا فتحوا مخزنا دخله امناؤهم ووكلاؤهم فيأخذون من الودائع الخفيفة أو الدراهم وصاحب المحل لا يقدر على التكلم بل ربما هرب أو كان غائبا.

وفيه حرروا دفاتر العشور وأحصوا جميع الأشياء الجليلة والحقيرة ورتبوها بدفاتر وجعلوها اقلاما يتقلدها من يقوم بدفع مالها المحرر وجعلوا جامع أزبك الذي بالازبكية سوقا لمزاد ذلك بكيفية بطول شرحها وأقاموا على ذلك أياما كثيرة يجتمعون لذلك في كل يوم ويشترك الإثنان فاكثر في القلم الواحد وفي الاقلام المتعددة.

وفيه كثر الهدم في الدور وخصوصا في دور الأمراء ومن فر من الناس وكذلك كثر الاهتمام بتعمير القلاع وتحصينها وانشاء قلاع في عدة جهات وبنوا بها المخازن والمساكن وصهاريج الماء وحواصل الجبخانات حتى ببلاد الصعيد القبلية.

واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1215.

والأمور من أنواع ذلك تتضاعف والظلومات تتكاثف وشرعوا في هدم اخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب النصر من الحارات والدور والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والأضرحة فكانوا إذا دهموا دارا وركبوها للهدم لا يمكنون أهلها من نقل متاعهم ولا أخذ شيء من أنقاض دارهم فينهبونها ويهدمونها وينقلون الانقاض النافعة من الاخشاب والبلاط إلى حيث عمارتهم وأبنيتهم وما بقى يبيعون منه ما أحبوا

ص: 394

بأبخس الأثمان ولوقود النيران وما بقى من كسارات الخشب يحزمه الفعلة حزما ويبيعونه على الناس باغلى الاثمان لعدم حطب الوقود ويباشر غالب هذه الافاعيل النصارى البلدية فهدم للناس من الأملاك والعقار ما لا يقدر قدره وذلك مع مطالبتهم بما قرر على أملاكهم ودورهم من الفردة فيجتمع على الشخص الواحد النهب والهدم والمطالبة في أن واحد وبعد أن يدفع ما على داره أو عقاره وماصدق أنه غلق ما عليه إلا وقد دهموه بالهدم فيستغيث فلا يغاث فترى الناس سكارى وحيارى ثم بعد ذلك كله يطالب بالمنكسر من الفردة وذلك أنهم لما قسموا الاخطاط كما تقدم وتولى ذلك أمير الخطة وشيخ الحارة والكتبة والأعوان وزعوا ذلك برأيهم ومقتضى أغراضهم فأول ما يجتمعون بديوانهم يشرع الكتبة في كتابة التنابيه وهي أوراق صغار باسم الشخص والقدر المقرر عليه وعلى عقاره بحسب اجتهادهم ورأيهم وعلى هامشها كراء طريق المعينين ويعطون لكل واحد من أولئك القراسة عدة من تلك الأوراق فقبل أن يفتح الإنسان عينيه ما يشعر إلا والمعين واقف بابه وبيده ذلك التنبيه فيوعدوه حتى ينظر في حاله فلا يحد بدا من دفع حق الطريق فما هو إلا أن يفارقه حتى يأتيه المعين الثاني بتنبيه آخر فيفعل معه كالاول وهكذا على عدد الساعات فإن لم يوجد المطلوب وقف ذلك القواس على داره ورفع صوته وشتم حريمه أو خادمه فيسعى الشخص جهده حتى يغلق ما تقرر عليه بشفاعة ذي وجاهة أو نصراني وما يظن أنه خلص إلا والطلب لاحقه أيضا بمعين وتنبيه فيقول ما هذا فيقال له أن الفردة لم تكمل وبقى منها كذا وكذا وجعلنا على العشرة خمسة أو ثلاثة أو ما سولت لهم أنفسهم فيرى الشخص أن لا بد من ذلك فما هو إلا أن خلص أيضا الاوكرة أخرى وهكذا أمرا مستمرا ومثل ذلك ما قرر على الملتزمين فكانت هذه الكسورات من أعظم الدواهي المقلقة ونكسات الحمى المطبعة.

وفي خامسة كان عيد الصليب وهو انتقال الشمس لبرج الميزان والأعتدال

ص: 395

الخريفي وهو أول سنة الفرنسيس وهي السنة التاسعة من تاريخ قيامهم ويسمى عندهم هذا الشهر وتدميير وذلك يوم عيدهم السنوي فنادوا بالزينة بالنهار والوقدة بالليل وعملوا شنكات ومدافع وحراقات ووقدات بالازبكية والقلاع وخرجوا صبح ذلك اليوم بمواكبهم وعساكرهم وطبولهم وزمورهم إلى خارج باب النصر وعملوا مصافهم فقرىء عليهم كلام بلغتهم على عادتهم وكأنه مواعظ حربية ثم رجعوا بعد الظهر.

وفي هذه السنة زاد النيل زيادة مفرطة لم يعهد مثلها فيما رأينا حتى انقطعت الطرقات وغرقت البلدان وطف الماء من بركة الفيل وسال إلى درب الشمسي وكذلك حارة الناصرية وسقطت عدة دور من المطلة على الخليج ومكث زائدا إلى آخر توت.

واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1215.

فيه قرروا على مشايخ البلدان مقررات يقومون بدفعها في كل سنة أعلى وأواسط وأدنى فالأعلى وهو ما كانت بلده ألف فدان فأكثر خمسمائة ريال والأوسط وهو ما كانت خمسمائة فأزيد ثلثمائة ريال والادنى مائة وخمسون ريالا وجعلوا الشيخ سليمان الفيومي وكيلا في ذلك فيكون عبارة عن شيخ المشايخ وعليه حساب ذلك وهو من تحت يد الوكيل الفرنساوي الذي يقال له: يريدون فلما شاع ذلك ضجت مشايخ البلاد لأن منهم من لا يملك عشاءه فاتفقوا على أن وزعوا ذلك على الاطيان وزادت في الخراج واستملوا البلاد والكفور من القبطة فأملوها عليهم حتى الكفور التي خربت من مدة سنين بل سموا اسماء من غير مسميات.

وفيه شرعوا في ترتيب الديوان على نسق غير الأول من تسعة أنفار فيه خصوصي وعمومي على ما سبق شرحه بل هو ديوان واحد مركب من الشيخ الأمير والشيخ الصاوي وكاتبه والشيخ موسى السرسي والشيخ تسعة رؤساء هم الشيخ الشرقاوي رئيس الديوان والمهدي كاتب السر خليل البكري والسيد علي الرشيدي نسيب سارى عسكر والشيخ الفيومي

ص: 396

والقاضي الشيخ إسمعيل الزرقاني وكاتب سلسلة التاريخ السيد إسمعيل الخشاب والشيخ علي كاتب عربي وقاسم أفندي كاتب رومي وترجمان كبير القس رفائيل وترجمان صغير الياس فخر الشامي والوكيل الكمثارى فوريه ويقال له مدير سياسة الأحكام الشرعية ومقدم وخمسة قواسه متعممين لا غير وليس فيهم قبطي ولا وجاقلي ولا شامي ولا غير ذلك وليس واختاروا لذلك بيت رشوان بك الذي بحارة عابدين وكان يسكنه برطلمان فانتقل منه إلى بيت الجلفي بالخرنفش وعمر وبيض وفرشت قاعة الحريم بمجلس الديوان فرشا فاخرا وعينوا عشر جلسات في كل شهر وانتقل إليها فوريه وسكنها بأتباعه واعدوا للمترجمين والكتبة من الفرنساوية مكانا خاصا يجلسون به في غير وقت الديوان على الدوام لترجمة أوراق الوقائع وغيرها وجعلوا لها خزائن للسجلات وفتحوا أيضا بجانبها دارا نفذوها إليها وشرعوا في تعميرها وتأنيقها وسموها بمحكمة المتجر وأخذوا يرتبون انفارا من تجار المسلمين والنصارى يجلسون بها للنظر في القضايا المتعلقة بقوانين التجار والكبير على ذلك كله فوريه ولم يتم ذلك المكان الثاني.

وفي خامس عشره شرعوا في جلسة الديوان وصورته أنه إذا تكامل حضور المشايخ يخرج إليهم الوكيل فوريه وصحبته المترجمون فيقومون له فيجلس معهم ويقف الترجمان الكبير رفائيل ويجتمع أرباب الدعاوي فيقفون خلف الحاجز عند آخر الديوان وهو من خشب مقفص وله باب كذلك وعنده الجاويش يمنع الداخلين خلاف أرباب الحوائج ويدخلهم بالترتيب الأسق فالاسبق فيحكي صاحب الدعوة قضية فيترجمها له الترجمان فإن كانت من القضايا الشرعية فأما أن يتمها قاضي الديوان بما يراه العلماء أو يرسلوها إلى القاضي الكبير بالمحكمة أن احتاج الحال فيها إلى كتابة حجج أو كشف من السجل وأن كانت من غير جنس القضايا الشرعية كأمور الالتزام أو نحو ذلك يقول الوكيل ليس هذا من شغل

ص: 397

الديوان فإن ألح على أرباب الديوان في ذلك يقول اكتبوا عرضا لسارى عسكر فيكتب الكاتب العربي والسيد إسمعيل يكتب عنده في سجله كل ما قال المدعي والمدعى عليه وما وقع في ذلك من المناقشة وربما تكلم قاضي الديوان في بعض ما يتعلق بالامور الشرعية ومدة الجلسة من قبيل الظهر بنحو ثلاث ساعات إلى الاذان أو بعده بقليل بحسب الاقتضاء ورتبوا لكل شخص من مشايخ الديوان التسعة أربعة عشر ألف فضة في كل شهر عن كل يوم أربعمائة نصف فضة وللقاضي والمقيد والكاتب العربي والمترجمين وباقي الخدم مقادير متفاوتة تكفيهم وتغنيهم عن الارتشاء وفي أول جلسة من ذلك اليوم عملت المقارعة لرئيس الديوان وكاتب السر فطلعت للشرقاوي والمهدي على عادتهما وكذلك الجاويشية والترجمان وكتبت تذكرة من أهل الديوان خطأ بالسارى عسكر يخبرونه فيها بما حصل من تنظيم الديوان وترتيبه وسر الناس بذلك لظنهم أنه انفتح لهم باب الفرج بهذا لديوان ولما كانت الجلسة الثانية ازدحم الديوان بكثرة الناس وأتوا إليه من كل فج يشكون.

وفي ثالث عشرينه أمروا بجمع الشحاذين أي السؤال بمكان وينفق عليهم نظار الأوقاف.

وفيه أيضا أمروا بضبط ايراد الأوقاف وجمعوا المباشرين لذلك وكذلك الرزق الاحباسية والاطيان المرصدة على مصالح المساجد والزوايا وأرسلوا بذلك إلى حكام البلاد والأقاليم.

وفي غايته حضر رجل إلى الديوان مستغيث بأهله وأن قلق الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قائممقام وهو رجل زيات وسبب ذلك أن امرأة جاءت إليه لتشتري سمنا فقال لها: لم يكن عندي سمن فكررت عليه حتى حنق منها فقالت له: كأنك تدخره حتى تبيعه على العثملي تريد بذلك السخرية فقال لها: نعم رغما عن انفك وأنوف الفرنسيس فنقل عنه مقالته غلام كان معها حتى أنهوه إلى قائممقام فأحضره وحبسه ويقول أبوه أخاف

ص: 398

أن يقتلوه فقال الوكيل: لا لا يقتل بمجرد هذا القول وكن مطمئنا فإن الفرنساوية لا يظلمون كل هذا الظلم فلما كان في اليوم الثاني قتل ذلك الرجل ومعه أربعة لا يدري ذنبهم وذهبوا كيوم مضى.

واستهل شهر رجب الفرج سنة 1215.

والطلب والنهب والهدم مستمر ومتزايد وأبرزوا أوامر أيضا بتقرير مليون على الصنائع والحرف يقومون بدفعه في كل سنة قدره مائة ألف وستة وثمانون ألف ريال فرانسة ويكون الدفع على ثلاث مرات كل أربعة أشهر يدفع من المقرر الثلث وهو اثنان وستون ألف فرانسة فدهى الناس وتحيرت افكارهم واختلطت اذهانهم وزادت وساوسهم واشيع أن يعقوب القبطي تكفل بقبض ذلك من المسلمين ويقلد في ذلك شكر الله واضرابه من شيطاين أقباط النصارى واختلفت الروايات فقيل أن قصده أن يجعلها على العقار والدور وقيل بل قصده توزيعها بحسب الفردة وذلك عشرها لأن الفردة كانت عشرة ملايين فالذي دفع عشرة يقوم بدفع واحد على الدوام ولاستمرار ثم قيدوا لذلك رجلا فرنساويا يقال له دناويل وسموه مدبر الحرف فجمع الحرف وفرض عليهم كل عشرة أربعة فمن دفع عشرة في الفردة يدفع أربعة الآن فعورض في ذلك بأن هذا غير المنقول فقال هذا باعتبار من خرج من البلد ومن لم يدخل في هذه الفردة كالمشايخ والفارين فإن الذي جعل عليهم أضيف على من بقي فاجتمع التجاروتشاورا فيما بينهم في شأن ذلك فرأوا أن هذا شيء لا طاقة للناس به من وجوه الأول وقف الحال وكساد البضائع وانقطاع الأسفار وقلت ذات اليد وذهاب البقية التي كانت في أيدي الناس في الفرد والدواهي المتتابعة الثاني أن الموكلين بالفردة السابقة وزعوا على التجار والمتسببين وكل من كان له اسم في الدفتر من مدة سنين ثم ذهب ما في يده وافتقر حاله وخلا حانوته وكيسه فالزموه بشقص من ذلك وكلفوه به وكتب اسمه في دفتر الدافعين ويلزمه ما يلزمهم وليس ذلك في الأمكان الثالث أن الحرفة التي دفعت مثلا ثلاثين الفا يلزمها ثلاثة آلاف في السنة على الرأي الأول وعلى الثاني

ص: 399

اثنا عشر ألفا وقد قل عددهم وغلقت أكثر حوانيتهم لفقرهم وهجاجهم وخصوصا إذا ألزموا بذلك المليون فيفر الباقي ويبقى من لا يمكنه الفرار ولا قدرة للبعض بما يلزم الكل.

وفيه أمر الوكيل بتحرير قائمة تتضمن اسماء الذين تقلدوا قضاء البلاد من طرف القاضي والذين لم يتقلدوا وأخبر أن السر في ذلك أن مناصب الأحكام الشرعية استقر النظر فيها له وأنه لا بد من استئناف ولايات القضاة حتى قاضي مصر بالقرعة من ابتداء سنة الفرنساوية ويكتب لمن تطلع له القرعة تقليد من سارى عسكر الكبير فكتبت له القائمة كما أشار.

وفي رابعه قتل جماعة بالرميلة وغيرها ونودى عليهم هذا جزاء من يتداخل في الفرنسيس والعثملي.

وفي سادسه عملت القرعة على طهابل زاد تكرارها ثلاث مرات لقاضي مصر واستقرت للعريشي على ما هو عليه وخرج له التقليد بعد مدة طويلة.

وفي ثامنه قتل غلام وجارية بباب الشعرية ونودي عليهما هذا جزاء من خان وغش وسعى بالفساد فيقال انهما كانا يخدمان فرنساويا فدسا له سما وقتلاه.

وفي تاسعه حضر جماعة من الوجاقلية إلى الديوان وهم يوسف باشا جاويش ومحمد اغا سليم كاتب الجاويشية وعلي أغا يحيى باشجاويش الجراكسة ومصطفى اغا ابطال ومصطفى كتخدا الرزاز وذكروا أنهم كانوا تعهدوا بباقي الفردة المطلوبة من الملتزمين وقدرها خمسة وعشرين ألف ريال وقد استدانوا لذلك قدرا من البن بخمسة وثلاثين ألف ريال فرانسة ليوفوا ما عليهم من الديوان وأنهم أرسلوا إلى حصصهم يطالبون الفلاحين بماعليهم من الخراج فامتنع الفلاحون من الدفع وأخبروا أن الفرنساوية خرجوا عليهم ومنعوهم من دفع المال للملتزمين فكتب لهم عرض حال في شأن ذلك وأرسل إلى سارى عسكر ولم يرجع جوابه.

وفي رابع عشره صنع الجرنال بليار المعروف بقائم مقام عزومة لمشايخ

ص: 400

الدويان والوجاقلية وأعيان التجار وأكابر نصارى القبط والشوام ومد لهم اسمطة حافلة وتعشوا عنده ثم ذهبوا إلى بيوتهم.

وفي ثاني عشرينه طيف بأمرأتين في شوارع مصر بين يدي الحاكم ينادى عليهما هذا جزاء من يبيع الاحرار وذلك انهما باعتا امراة لبعض نصارى الاروام بتسعة ريالات.

وفيه طلب الخواجة الفرنسيسي المعروف بموسى كافو من الوجاقلية بقية الفردة المتقدم ذكرها فأجابوا بأن سبب عجزهم عن غلاقها توقف الفلاحين عن دفع المال بأمر الفرنساوية وعدم تحصيلهم المال من بلادهم ثم احيلوا بعد كلام طويل على استيفاء الخازندار لأن ذلك من وظائفه لا من وظائف الديوان.

وفي سابع عشرنيه حضر الوجاقلية ومعهم بعض الأعيان وحريمات ملتزمان يستغيثون بأرباب الديوان ويقولون أنه بلغنا أن جمهور الفرنساوية يريدون وضع أيديهم على جميع الالتزام المفروج عنه الذي دفعوا حلوانه ومغارمه ولا يرفع أيدي الملتزمين عن التصرف في الالتزام جملة كافيةوقد كان قبل ذلك أنهى الملتزمون الذين لم يفرجوا لهم عن حصصهم أما لفرارهم وعودهم بالأمان وأما لقصر أيديهم عن الحلوان وأما لشراقي بلادهم وأما لانتظارهم الفرج وعود العثمانيين فيتكرر عليهم لحلوان والمغارم فلما طال المطال وضاق حال الناس عرضوا أمرهم وطلبوا من مراحم الفرنساوية الافراج عن بعض ما كان بأيديهم ليتعيشوا به ووقع في ذلك بحث طويل ومناقشات يطول شرحها ثم ما كفى حتى بلغهم أن القصد نزع المفروج عنه أيضا ونزع أيدي المسلمين بالكلية وأنه يستشفعون بأهل الديوان عند سارى عسكر بأن يبقى عليهم التزامهم يتعيشون به ويقضون ديونهم التي استدانوها في الحلوان ومغارم الفردة فقال فوريه الوكيل هل بلغكم ذلك من طريق صحيح فقالوا نعم بلغنا من بعض الفرنساوية وقال الشيخ خليل البكري وأنا سمعته من الخازندار وقال

ص: 401

الشيخ المهدي مثل ذلك وأنهم يريدون تعويضهم من أطيان الجمهور فقال الملتزمون أن بيدنا الفرمانات والتمسكات من سلفكم بونابارته ومن السلاطين السابقين ونوابهم وقائمون بدفع الخراج وأنهم ورثوا ذلك عن آبائهم وأسلافهم وأسيادهم وإذا أخذ منهم الالتزام اضطروا إلى الخروج من البلد والهجاج وخراب دورهم ويصبحون صعاليك ولا يأتمنهم الناس وطالب البحث في ذلك والوكيل مع هذا كله ينكر وقوع ذلك مرة ويناقش أخرى إلى أن انتهى الكلام بقوله له أن هذا الكلام في هذا وأمثاله ليس من وظيفتي فإني حاكم سياسة الشريعة لا مدبر أمر البلاد نعم من وظيفتي المعاونة والنصح فقط.

وفي خامس عشرينه اتفق أن جماعة من أولاد البلد خرجوا إلى النزهة جهة الشيخ قمر ومعهم جماعة الآتية يغنون ويضحكون فنزل إليهم جماعة من العسكر الفرنساوية المقيمين بالقلعة خارج الحسينية وقبضوا عليهم وحبسوهم وأرسلوا شخصا منهم إلى شيخ البلد بليار وأخبروه بمكانهم ليستفسر عن شأنهم فلقيه ثم رده إلى القلعة الظاهرية تانيا فبات عند اصحابه ثم طلبهم في ثاني يوم فذهبوا وصحبتهم جماعة من العسكر بالبندق تحرسهم فقابلوه ومن عليهم بالاطلاق وذهبوا إلى منازلهم.

وفيه منعوا الاغا والوالي والمحتسب من عوائدهم على الحرف والمتسببين فإنها اندرجت في أقلام العشور ورتبوا لهم جامكية من صندوق الجمهور يقبضونها في كل شهر.

واستهل شهر شعبان سنة 1215.

فيه أجيب الملتزمون بابقاء التزامهم عليهم وأنكروا ما قيل في رفع أيديهم وعوتب من صدق هذه الأكذوبة وأن كانت صدرت من الخازندار فانما كانت على سبيل الهزل أو يكون التحريف من الترجمان أو الناقل.

وفيه حضر التجار إلى الديوان وذكروا أمر المليون وأن قصدهم أن يجعلوه موزعا على الرؤوس ولا يمكن غير ذلك وطال الكلام والبحث في

ص: 402

شأن ذلك ثم انحط الأمر على تفويض ذلك لرأي عقلاء المسلمين وأنهم يجتمعون ويدبرون ويعملون رأيهم في ذلك بشرط أن لا يتداخل معهم في هذا الأمر نصراني أو قبطي وهم الضامنون لتحصيله بشرط عدم الظلم وأن لا يجعلوا على النساء ولا الصبيان ولا الفقهاء ولا الخدامين شيئا وكذلك الفقراء ويراعي في ذلك حال الناس وقدرتهم وصناعتهم ومكاسبهم ثم قالوا: نرجو أن تضيفوا إلينا بولاق ومصر القديمة فلم يجابوا إلى ذلك لكونهم جعلوهما مستقلين وقرروا عليهما قدرا آخر خلاف الذي قرروه على مصر.

وفيه لخصوا عرضا ولطفوا فيه العبارة لسارى عسكر فأجيبوا إلى طلبهم ما عدا بولاق ومصر القديمة وأخرجوا من أرباب الحرف الصيارفة والكيالين والقبانية وجعلوا عليهم بمفردهم ستين ألف ريال خلاف ما يأتي عليهم من المليون أيضا يقومون بدفعها في كل سنة والسر في تخصيص الثلاث حرف المذكورة دون غيرها أن صناعتهم من غير رأس مال.

وفيه افدروا ديوانا لذلك ببيت داود كاشف خلف جامع الغورية وتقيد لذلك السيد أحمد الزرو وأحمد بن محمود محرم وإبراهيم أفندي كاتب البهار وطائفة من الكتبة وشرعوا في تحرير دفاتر باسماء الناس وصناعاتهم وجعلوها طبقات فيقولون فلان من نمرة عشرة أو خمسة أو ثلاثة أو اثنين أو واحد ومشوا على هذا الأصطلاح.

وفيه أبطلوا عشور الحرير الذي يتوجه من دمياط إلى المحلة الكبرى.

وفيه أرسل سارى عسكر يسأل المشايخ عن الذين يدورون في الأسواق ويكشفون عوراتهم ويصيحون ويصرخون ويدعون الولاية وتعتقدهم العامة ولا يصلون صلاة المسلمين ولا يصومون هذا جائز عندكم في دينكم أو هو محرم فأجابوه بأن ذلك حرام ومخألف لديننا وشرعنا وسنتنا فشكرهم على ذلك وأمر الحكام بمنعهم والقبض على من يرونه كذلك فإن كان مجنونا ربط بالمارستان أو غير مجنون فأما أن يرجع عن حالته

ص: 403

وفيه أرسل رئيس الاطباء الفرنساوي نسخا من رسالة ألفها في علاج الجدري لارباب الديوان لكل واحد نسخة على سبيل المحبة والهدية ليتناقلها الناس ويستعملوا ما أشار إليه فيها من العلاجات لهذا الداء العضال فقبلوا منه ذلك وأرسلوا له جوابا شكر له على ذلك وهي رسالة لا بأس بها في بابها.

وفي حادي عشره وجدت امرأة مقتولة بغيط عمر كاشف بالقرب من قناطر السباع فتوجه بسبب الكشف عليها رسول القاضي والاغا وأخذوا الغيطانية وحبسوهم وكان بصحبتهم أيضا القبطان الحاكم بالخط ولم يظهر القاتل ثم أطلقوا الغيطانية بعد أيام.

وفيه كمل المكان الذي أنشؤوه بالازبكية عند المكان المعروف بباب الهواء وهو المسمى في لغتهم بالكمرى وهو عبارة عن محل يجتمعون به كل عشر ليال ليلة واحدة يتفرجون به على ملاعيب يلعبها جماعة منهم بقصد التسلي والملاهي مقدار أربع ساعات من الليل وذلك بلغتهم ولا يدخل أجد إليه إلا بورقة معلومة وهيئة مخصوصة.

وفي سادس عشرة ذكروا في الديوان أن سارى عسكر أمر وكيل الديوان أن يذكر لمشايخ الديوان أن قصده ضبط واحصاء من يموت ومن يولد من المسلمين وأخبرهم أن سارى عسكر بونابارته كان في عزمه ذلك وأن يقيد له من يتصدى لذلك ويرتبه ويدبره ويعمل له جامكية وافرة فلم يتم مرامه والان يريد تتميم ذلك ويطلب منهم التدبير في ذلك وكيف يكون وذكر لهم أن في ذلك حكما وفوائد منها ضبط الإنساب ومعرفة الأعمار فقال بعض الحاضرين وفيه معرفة انقضاء عدة الأزواج أيضا ثم اتفق الرأي على أن يعلموا بذلك قلقات الحارات واخطاط وهم يقيدون على مشايخ الحارات والاخطاط بالتفحص عن ذلك من خدمة الموتى والمغسلين والنساء القوابل وما في معنى ذلك ثم ذكر الوكيل أن سارى عسكر ولد له مولود

ص: 404

فينبغي أن تكتبوا له تهنئة بذلك المولود الذي ولد له من المرأة المسلمة الرشيدية وجوابا عن هذا الرأي فكتبوا ذلك في ورقة كبيرة وأوصلها إليه الوكيل فوريه.

وفي غايته سقطت منارة جامع قوصون سقط نصفها الأعلى فهدم جانبا من بوائك الجامع ونصفها الأسفل مال على الأماكن المقابلة له بعطفة الدرب النافذ لدرب الاغوات وبقي مسندا كذلك قطعة واحدة إلى يومنا هذا واظن أن سقوطها من فعل الفرنسيس بالبارود.

واستهل شهر رمضان سنة 1215.

ثبت هلاله ليلة الجمعة وعملت الرؤية وركب المحتسب ومشايخ الحرف بالطبول والزمور عل العادة وأطلقوا له خمسين ألف درهم لذلك نظير عوائده التي كان يصرفها في لوازم الركبة.

وفي خامسه وقع السؤال والفحص عن كسوة الكعبة التي كانت صنعت على يد مصطفى أغا كتخدا الباشا وكملت بمباسرة حضرة صاحبنا العمدة الفاضل الاريب الأديب الناظم الناثر السيد إسمعيل الشهير بالخشاب ووضعت في مكانها المعتاد بالمسجد الحسيني وأهمل أمرها إلى حد تاريخه وربما تلف بعضها من رطوبة المكان وخرير السقف من المطر فقال الوكيل أن سارى عسكر قصده التوجه بصحبتكم يوم الخميس قبل الظهر بنصف ساعة إلى المسجد الحسيني ويكشف عنها فإن وجد بها خللا أصلعه ثم يعيدها كما كانت وبعد ذلك يشرع في إرسالها إلى مكانها بمكة وتكسى بها الكعبة على اسم المشيخة الفرنساوية فقالوا له شأنكم وما تريدون وقرىء في المجلس فرمان بمضمون ذلك.

وفي ذلك اليوم قرىء فرمان مضمونه أنه وردت مكاتبات من فرانسا بوقوع الصلح بينهم وبين أهل الجزائر وتونس بشروط ممضاة مرضية وقد أطلقوا الأذن للتجار من أهل الجهتين بالسفر للتجارة فمن سافر له الحماية والصيانة في ذهابه وايابه وقامته باسم دولة الجمهور الفرنساوية

ص: 405

إلى آخره ولم يظهر لذلك أثر.

وفيه قرىء تقليد الشيخ أحمد العريشي بقضاء مصر ووصل أيضا تقليد القضاء بدمياط لاحمد أفندي عبد القادر وأبيار للعلامة الشيخ رضوان نجا ومحلة مرحوم للشيخ عبد الرحمن طاهر الرشيدي وذلك على موجب القرعة السابقة من مدة شهرين أو أكثر وقرى ذلك بالديوان ولم يحصل بعد ذلك غيرهم فلما كان صبح ذلك اليوم أرسل شيخ البلد بليار إلى العريشي ومشايخ الديوان والوجاقلية فلما تكاملوا خلع على القاضي العريشي فروة سمور بولايته القضاء وركب بصحبته الجميع وجملة من العساكر الفرناسوية وشيخ البلد بجانبه ومشوا من وسط المدينة إلى أن وصلوا المحكمة بين القصرين فجلسوا ساعة من النهار وقرىء تقليده بحضرة الجميع ووكيل الديوان فوريه ثم رجعوا إلى منازلهم.

وفي يوم الخميس الموعود بذكره توجه الوكيل ومشايخ الديوان إلى المشهد الحسيني لانتظار حضور سارى عسكر الفرنسيس بسبب الكشف على الكسوة وازدحم الناس زيادة على عاتهم في الإزدحام في رمضان فلما حضر ونزل عن فرسه عند الباب وأراد العبور للمسجد رأى ذلك الإزدحام فهاب الدخول وخاف من العبور وسأل ممن معه عن سبب هذا الإزدحام فقالوا له هذه عادة الناس في نهار رمضان يزدحمون دائما على هذه الصورة في المسجد ولو حصل منكم تنبيه كنا أخرجناهم قبل حضوركم فركب فرسه ثانيا وكر راجعا وقال نأتي في يوم آخر وانصرف حيث جاء وانصرفوا.

وفي ليلة السبت تاسعه حصلت كائنة سيدي محمود وأخيه سيدي محمد المعروف بابي دفية وذلك أن سيدي محمود المذكور كان بينه وبين علي باشا الطرابلسي صداقة ومحبة أيام إقامته بالجيزة وحج صحبته في سنة تسع ومائتين وألف فلما وقعت حادثة الفرنساوية وخرج علي باشا

ص: 406

المذكور مع من خرج إلى الشام ووردت العساكر العثمانية صحبة يوسف باشا الوزير في العام الماضي وصحبته علي باشا المذكور وله به مزيد الوصلة والعناية والمرجع في المشورة لخبرته بالاقطار المصرية ومعرفته أهالي البلاد استشاره في شخص يعرفه يكون عينا بمصر ليراسله ويطالعه بالأخبار فأشار عليه بمحمود أفندي المذكور فكانوا يراسلونه ويطالعهم بالأخبار سرا فلما قدموا إلى مصر في السنة الماضية وجرى ما جرى من نقض الصلح ورجوع الوزير ولم يزل سيدي محمود تأتيه المراسلات بواسطة السيد أحمد المحروقي أيضا ولان علي باشا ارتحل إلى الديار الرومية فيطالعهم كذلك بالأخبار مع شدة الحذر خوفا من سطوة الفرنساوية وتجسس عيونهم المقيدة لذلك فكان يذهب القاصد ويرد له الجواب فلما كان في التاريخ ورد عليه رسول ومعه جواب وأربعة أوراق مكتوبة باللغة الفرنساوية وفيها الأمر بتوزيعها ووضعها في أماكن معينة حيث سكن الفرنساوية فوزع اثنين وقصد وضع الثالثة في موضع جمعيتهم فلم يمكنه ذلك إلا ليلا فأعطاها خادمة وأمره أن يشكها بمسمار في حائط ذلك المكان وهو بالقرب من الحمام المعروف بحمام الكلاب ففعل وتلكأ في الذهاب فأطلع عليه بعض الفرنسيس من أعلى الدار فنزل إليه وأخذ الورقة وقبضوا على ذلك الخادم وصادف ذلك مرور حسن القلق وهو يتوقع نكتة تكون له بها الوجاهة عند الفرنساوية فأغتنم هذه الفرصة وقبض على الخادم مع الفرنساوية وسيده ينظر إليه من بعيد وعلم أنه وقع في خطب لا ينجيه منه إلا الفرار فرفع إلى داره وتناجى مع أخيه وأستشاره فيما وقع فيه وكيف يكون العمل فأشار عليه بالاختفاء ويستمر أخوه بالمنزل مستهدفا للقضاء وليكون وقاية على منزله وعرضه وليس هو مقصودا بالذات فكان كذلك وتغيب سيدي محمود وأصبح الطلب قاصده فلما لم يجده قبضوا على أخيه سيدي محمد أفندي ومن كان معه بالبيت وهو الشيخ خليل المنير وقرابته إسمعيل حلبي ونسيبه البرنوسي والسقاء وشيخ

ص: 407

حارتهم وحبسوهم ببيت قائممقام وهم سبعة أنفار بالخادم المقبوض عليه أولا واوقفوا حرسا بدراهم واجتهدوا في الفحص عن سيدي محمود وتكرار السؤال عليه من أخيه ورفقائه أياما فلما لم يقفوا له على خبر أحاطوا بالدار ونهبوا ما فيها وصحبتهم الخادم يدلهم على المتاع والمخبأت ثم أصعدوهم إلى القلعة وضيقوا عليهم وأرسلوا خلف الشواربي شيخ قليوب ومن كان ينتقل عندهم وألزموهم بأحضاره فانكروه وجحدوه ثم أطلقوا خادمه بعد أن أعطوه خمسين ريالا فرانسة وجعلوا له ألفان أن دلهم عليه وقيدوا به عينا يتبعه أينما توجه فأستمر أياما يغدو ويروح في مظناته لم يقع له على خبر فردوه إلى السجن ثانيا عند أصحابه ولم يزالوا حتى فرج الله عنهم وأما المطلوب فوقع له مزيد المشقة في مدة اختفائه وتبرأ منه غالب أصحابه ومعارفه من العربان وغيرهم وتنكروا منه ولم يزل حتى استقر عند شيخ العرب موسى أبي حلاوة وأولاده بناحية أمييه بالقليوبية باطلاع الشواربي فأكرموه وواسوه وأخفوا أمره ولم يزل مقيما عندهم في غاية الأكرام حتى فرج الله عنه.

ولما كان يوم الخميس رابع عشره تقيد للحضور بسبب الكشف على الكسوة استوفو خازندار الجمهور وفوريه وكيل الديوان فحضر صحبتهم المشايخ والقاضي والاغا والوالي والمحتسب بعدما أخلى المسجد من الناس وأحضروا خدامين الكسوة الاقدمين وحلوارباطاتها وكشفوا عليها فوجدوا بها بعض خلل فأمروا بإصلاحه ورسموا لذلك ثلاثة آلاف فضة وكذلك رسموا للخدمة الذين يخدمونها ألف نصف فضة ولخدمة الضريح ألف نصف ثم ركبوا إلى منازلهم ثم طويت ووضعت في مكانها بعد اصلاحها.

وفي رابع عشرينه ضربت مدافع كثيرة بسبب ورود مركبين عظيمين من فرانسا فيهما عساكر وآلات حرب وأخبار بأن بونابارته أغار على بلاد النيمسا وحاربهم وحاصرهم وضايقهم وأنهم نزلوا على حكمه وبقى الأمر بينهم وبينه على شروط الصلح وأنه استغنى عن هذه الأشياء المرسلة

ص: 408

وسيأتي في أثرهم مركبان آخران فيهما أخبار تمام الصلح ويستدل بذلك على أن مملكة مصر صارت في حكم الفرنسيس لا يشركهم غيرهم فيها هكذا قالوا في ورقة بالديوان.

واستهل شهر شوال سنة 1215.

فيه بدا أمر الطاعون فانزعج الفرنساوية من ذلك وجردوا مجالسهم من الفرش وكنسوها وغسلوها وشرعوا في عمل كرنتينات ومحافظات.

وفي ثامنه قال وكيل الديوان للمشايخ أن حضرة سارى عسكر بعث إلى كتابا معناه أيضاح ما يتعلق بأمر الكرنتينه ويرى رأيكم في ذلك وهل توافقون على رأي الفرنساوي أم تخالفون فقالوا حتى تنظر ما هو المقصود فقال حضرة أرباب الديوان يجب عليهم أن يعملوا الطريق الذي يكون سببا لانقطاع هذه العلة فاننا نبغي لهم ولغيرهم الخير فإن أجابوا فذاك والا فليزموا ولو قهرا وربما استعملنا القصاص ولو بالموت عند المخالفة ومن الذي يتغافل عما يكون سببا لقطع هذا الداء فإن رأينا قدانعقد على ذلك ويجب أن يتفق معنا أرباب الديوان لأن حفظ الصحة واجب ولذا نرى كثيرا من الناس ولا سيما المتشرعون يستعمل الطبيب عند المرض وغايته حفظ الصحة وما نحن فيه من ذلك ونذكر لكم أن بلاد الغرب قد اعتمدوا فعل الكرنتينة الآن فعلماء القاهرة أولى بأن لا يتأخروا عن استعمال الوسائط إذ قد ربطت الأسباب بالمسببات فقيل له وما الذي تأمرون به أن يفعل فقال هو الحذر لا غير وهو الغاية والنتيجة وهو أنه إذا دخل الطاعون بيتا إلا يدخل فيه أجد ولا يخرج منه أجد مع ما يترتب على ذلك من القوانين المختصة به وخدمة المريض وعلاجه وسيوضح لكم ذلك فيما بعد يعني أن تذعنوا للطاعة وعدم المخالفة وظل البحث والمناقشة في ذلك بين أرباب الديوان والوكيل وانفض المجلس على أن الوكيل سيفاوض سارى عسكر في ذلك ثم يدبرون أمرا وطريقة يكون فيها الراحة للناس البلدية والفرنساوية فإن ذلك فيه مشقة على أهل البلد لعدم الفتهم

ص: 409

لهذه الأمور.

وفي ثالث عشرة ضربت عدة مدافع من القلاع لا يدري سببها.

وفي رابع عشر قرىء فرمان من سارى عسكر بالديوان وألصقت منه نسخ في مفارق الطرق والأسواق.

ونصه بعد البسملة والحمدلة من عبد الله جاك منوسر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى كامل الأهالي كبير وصغير غني وفقير المقيمين حالا بمحروسة مصر وبملكة مصر الناس الذين هم من الأشقياء والمفسدين ولا يفتشون إلا على الأضرار بالناس واضراركم يظهرون في وسط المدينة بينكم أخبارا رديئة تزويرا لتخويفكم وتخويف المملكةوكل ذلك كذب وافتراء فانما نحن نخبركم جميعا أن كلا من الأهالي المذكورة من أي طائفة وملة كان الذي يثبت عليه بالاشها أو النشر من نفسه بينكم تلك الأخبار الرديئة المكذوبة تخويفا لكم وإضلالا بالناس ففي الحال ذلك الرجل يمسك وترمى رقبته بوسط واحدة طرق مصر ويا أهالي مصر انتبهوا وتذكروا هذه الكلمات وكونوا مسترحين البال ومترفهين الحال إنما دولة الجمهور الفرنساوي حاضرة لحمايتكم وصيانتكم ولكن ناظر كذلك إلى تعذيب العصاة والسلام على من اتبع الهدى والصدق والاستقامة تحرير في شهر وافتور سنة تسع الموافق لحادي عشر شهر شوال انتهى.

فعلم الناس من ذلك الفرمان ورودشىء وحصول شيء على حد كاد المرتاب أن يقول خذني وليس للناس ذكر ولا فكر إلا في بواقي الفردة وما لزمهم في المليون ولا شغل لكل فرد إلا بتحصيل ما فرض عليه ولعل ذلك بسبب الأوراق الواصلة على يد سيدي محمود أبي دفية باللغة الفرنساوية التي تقدم ذكرها واشتهر أيضا أنه وردت عليهم أخبار بوصول مراكب انكليز جهة أبي قير وفي ذلك المجلس سئل الوكيل عن ضرب المدافع لأي شيء فقال: لابد وأن أحيط علمكم ببعض ذلك في هذا المجلس وهو أن

ص: 410

الفرنساوية كانت تحارب القرانات والآن وقع صلح بينهم وبين القرانات ما عدا الانكليز فإنه الآن مضيق عليه وربما كان ذلك سببا لرضاه بالدخول في الصلح وقد خرج من فرانسا عمارة ربما توجهت على الهند وربما أنهم يقدمون إلى مصر وقد وصل لسارى عسكر أمر من المشيخة بوصول مراكب الموسقو التي تحمل الذخائر إلى الفرنساوية وأن يمكنهم من دخول اسكندرية وقد خرج سنة غلايين من فرانسا إلى بحر الهند فربما قدموا بعد ذلك إلى جهة السويس وبورود هذه الأخبار تعين خلوص مصر إلى جمهور الفرنساوية وفي سألف الزمان كانت جميع القرانات التي بالجهة الشمالية ضدا للفرنساوية وقد زالت الآن هذه الضدية ومتى انقضى أمر الحرب عمت الرحمة والرأفة والنظر بالملاطفة للرعية والذي أوجب الاغتصاب والعسف إنما هو الحرب ولو دامت المسالمة لما وقع شيء من هذا فقال بعض أهل الديوان سنة الملوك العفو والصفح وما مضى لابعاد فارحموا واعفوا عما سلف فقال الوكيل قد وقع الأمتحان ولم يبق إلا السلم والمسامحة.

وفيه قبضوا على القلق المعروف بعمر أغا وهو أغات المغاربة المرتبة عندهم عسكرا وعلى شخصين آخرين يدعى أحدهما علي جلبي والآخر مصطفى جلبي وسجنا بالقلعة وسبب ذلك أنه حضر إلى مصطفى جلبي مكتوب من نسبيه بجهة الشام يطلب منه بعض حوائج فقرىء ذلك المكتوب بحضرة عمر القلق ورفيقه الآخر فوشي بهم رجل قواس فقبضوا على الجميع وكان مصطفى جلبي المذكور سكن ببيته محمد أفندي ثاني قلفة فدخلوا يفتشون عليه في الدار فلم يجدوه فالزموا به محمد أفندي المذكور وأزعجوه وأحاط به عدة من العسكر ولم يمكنوه من القيام من مجلسه ولا من اجتماعه بأحد وبعد أن وجدوا ذلك الإنسان لم يفرجوا عن محمد أفندي بل استمر معهم في الترسيم ووجدوا مكانا بالدار به أسلحة وأمتعة فنهبوه وانتهبت الدار والحارة وحصل عندهم غاية الكرب والمشقة حتى أن بعض جيران ذلك المحل كبر عنده الخوف وغلب عليه الوهم فمات

ص: 411

فجأة رحمه الله ثم فرج الله عن محمد أفندي بعد ثلاثة أيام وأطلق عمر القلق لظهور براءته ولم يكن له جرم غير العلم والسكوت وانتقل محمد أفندي من تلك الدار وما صدق بخلاصة مها وبقي علي جلبي ومصطفى جلبي في الحبس وفي سابع عشره استفيضت الأخبار بوصول مراكب إلى أبي قير كما تقدم.

وفي ثامن عشره خرج جملة من العسكر الفرنساوية وسافروا إلى الجهة البحرية برا وبحرا.

وفي عشرينه اجتمع أهل الديوان فيه على العادة فبدأ الوكيل يقول أنه كان يظن أنه يكون حرب ولكن وردت أخبار أن المراكب التي حضرت إلى اسكندرية وهي نحو مائة وعشرين مركبا قد رجعت فقيل له وما هذه المراكب فقال مراكب فيها طائفة من الانكليز وصحبتهم جماعة من الاروام ليس فيها مراكب كبار إلا قليل جدا وباقيها صغار تحمل الذخيرة ثم قال: إن حضرة سارى عسكر قد كان وجه اليكم فرمانا في شأن ذلك قبل أن يتبين الأمر وهو وأن كان قد فات موضعه من حيث أنه كان يظن أن هناك حرب ولكن من حيث كونه قد برز إلى الوجود فينبغي أن يتلى على مسامعكم ثم أمر رفائيل الترجمان بقراءته ونصه من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى جميع الكبير والصغير الأغنياء والفقراء المشايخ والعلماء وجميعهم الذين يتبعون الدين الحق والحاصل لجميع أهالي بر مصر سلمهم الله بمقام السر عسكر الكبير بمصر في أربعة عشر شهر ونتور سنة تسع من قيام الجمهور الفرنساوية واحد ولا ينقسم ثم كتب تحت ذلك البسملة ولفظ الجلالة وتحته أن الله هو هادي الجنود ويعطي النصرة لمن يشاء والسيف الصقيل في يد ملاكه يسابق دائما الفرنساوية ويضمحل أعداؤهم أن الانكليزية الذين يظلمون كل جنس للشرفي كل المواضع فهم ظهروا في السواحل وأن كانوا يتجرؤا يضعوا أرجلهم في البر فيرتدوا في

ص: 412

الحال على اعقابهم في البحر والعثمانيين متحركين كهؤلاء الانكليزية يعلمون أيضا بعض حركات فإن كان يقدموا ففي الحال يرتدوا وينقلعوا في غبار وعفار البادية فأنتم يا أهالي مملكة ومحروسة مصراني أنا أخبركم أن كان تسلكوا في طريق الخائفين الله وتبقوا مستريحين في بيوتكم ومقيمين كما كنتم في أشغالكم وأغراضكم فحينئذ لا خوف عليكم ولكن أن كان واحد منكم يسلك للفساد واضلالكم بالعداوة ضد دولة الجمهور الفرنساوي فأقسمت بالله العظيم وبرسوله الكريم أن رأس ذلك المفسد ترمي تلك الساعة فتذكروا في كل المواقع حين محاصرة مصر الاخيرة وجرى دماء آبائكم ونسائكم وأولادكم في كل مملكة مصر وخصوصا محروسة مصر وخواصكم انتهبوا تحت الغارات وطرحوا علكيم فردة قوية غير المعتاد فأدخلوا في عقولكم واذهانكم كل ما قلت لكم الآن والسلام على كل من هو في طريق الخير فالويل ثم الويل على كل من يبعد من طريق الخير ممضي خالص الفؤاد عبد الله جاك منو.

وفي ذلك اليوم عملوا شنكا وضربوا عدة مدافع من القلاع فارتاع الناس لذلك واضطربوا شديدا فسئل من الفرنسيس فأخبروا أن ذلك سرور بقدوم مركبين من فرانسة إلى اسكندرية.

وفي ذلك اليوم أيضا وقع بمجلس الديوان بين الوكيل والمشايخ مفاوضة ومناقشة وذلك أنه لما أشيع خبر ورود المراكب إلى أبي قير شحت الغلال وارتفعت من الرقع على العادة وزادت أثمانها فتفاوضوا في شأن ذلك وأنه لا بد من الأعتناء من الحكام وزجر الباعة وطواف المحتسب وشيخ البلد على الرقع والسواحل ولما قرىء الفرمان المذكور قال بعض الحاضرين العقلاء لا يسعون في الفساد وإذا تحركت فتنة لزموا بيوتهم فقال الوكيل ينبغي للعقلاء ولامثالكم نصيحة المفسدين فإن البلاء يعم المفسد وغيره فقال بعضهم هذا ليس بجيد بل العقاب لا يكون إلا على المذنب قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} وقال آخر من أهل المجلس

ص: 413

ولا تزروا وزرة وزر أخرى فقال الوكيل: المفسدون فيما وقدم هاجوا الفتنة فعمت العقوبة والمدافع والبنبات لا عقل لها حتى تمير بين المفسد والمصلح فإنه لا تقرأ القرآن وقال آخر: المخلص نيته تخلصه فقال الوكيل: إن المصلح من يشمل صلاحه الرعية فإن صلاحه في حد ذاته يخصه فقط والثاني أكثر نفعا وطال البحث والمناقشة في نحو ذلك فلما كان عصر ذلك اليوم ورد فرمان من سارى عسكر إلى وكيل الديوان فأرسل خلف الشيخ إسمعيل الزرقاني فاستدعاه وسلمه إليه وأمره أن يطوف به على مشايخ الديوان في بيوتهم فيقرؤه وهو مبنى على جواب المناقشة المذكورة وصورته بعد البسملة والجلالة من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش دولة جمهور الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى كافة المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله تعالى فضائلهم وألهمهم الحكمة الواجبة لاجراء فرائضهم نرسل لحضراتكم يا مشايخ ويا علماء الكرام نداء جديد خطابا إلى جميع أهالي مملكة مصر وخصوصا أهل محروسة مصر ولا شبهة لي في تقييدكم لتنبيههم بكل ما هو محرر فيها وغير ذلك تذكروا أن هذا التنبيه هو غرضكم إنما حضراتكم ههنا رجال دولة الجمهور الفرنساوي فيبقى في عقولكم وأذهانكم كل وما وقع حين قصاص مصر الاخيرة تفهموا بناء على ذلك كيف هو واجب إلى أمنيتكم وراحتكم ضبط الخلائق لأنه أن كان يصير أصغر الحركات فلا بدا ثقلها يقع على رؤسكم وغير ذلك ورد لنا في الحال أخبار من فرانسا أنه كملت المصالحة مع امبراطور النيمسا وأن قيصر الروسيا بيزو أقام المحاربة ضد دولة العثمانية والسلام.

ولما أصبح ثاني يوم اجتمع المشايخ ببيت الشيخ عبد الله الشرقاوي وحضر الاغا والوالي والمحتسب وأحضروا مشايخ الحارات وكبراء الاخطاط ونصحوهم وأنذروهم وأمروهم بضبط من دونهم وأن لا يغفلوا أمر عامتهم وحذروهم وخوفوهم العاقبة وما يترتب على قيام المفسدين وجهل

ص: 414

الجاهلين وأنهم هم المأخوذون بذلك كما أن من فوقهم مأخوذ عنهم فالعاقل يشتغل بما يعنيه على أنه لم يبق في الناس إلا رسوم هافتة وانفصلوا على ذلك هذا وديوان المليون يعملون فيه بالجد والاجتهاد وبث المعينين من القواسة والفرنساوية في المطالبة بالثلث والكسرة الباقية من الفردة والتشديد في أمر الكرنتينة وازعاج الناس من ذلك وخوفهم من حصول الطاعون وأشاعوا فيما بينهم أن من أصابه هذا الداء في مكان كشفوا عليه فإن كان مريضا بذلك الداء أخذوا ذلك المصاب إلى الكرنتينة عندهم وانقطع خبره عن أهله إلا أن كان له أجل باق ويشفى من ذلك ويعود إليهم صحيحا والا فلا يراه أهله بعد ذلك أصلا ولا يدري خبره لأنه إذا مات أخذه الموكلون بالكرنتينة ودفنوه بثيابه في حفرة وردموا عليه التراب وأما داره فلا يدخلها أجد ولا يخرج منها مدة أربعة أيام ويحرقون ثيابه التي تختص به ويقف على بابه حرس فإن مر أجد ولمس الباب أو الحد المحدود قبضوا عليه وأدخلوه الدار وكرتنوه وأن مات الشخص في بيته وظهر أنه مطعون جمعوا ثيابه وفرشه وأحرقوها وغسله الغاسل وحمله الحمالون لا غير وأخرجوه من غير مشهد وإمامه ناس تمنع المارين من التقرب منه فإن قرب منه أجد كرتنوه في الحال وبعد دفنه يكرتنون على كل من باشره بغسل أو حمل أو دفن فلا يخرجون إلا لخدمة أخرىمثلها بشري لامساس فهال الناس هذا الفعل واستبشعوه وأخذوا في الهرب والخروج من مصر إلى الارياف لذلك والتوهم وقوع الفتنة بورود أخبار المراكب إلى أبي قير وتحذر الفرنساوية واستعدادهم وتأهبهم ونقل أمتعتهم إلى القلعة.

وفي تاسع عشرة خرجت عساكر كثير بحمولهم وفرشهم وذهبوا إلى جهة الشرق وأشيع حضور عرضي العثمانية ووصولهم إلى العريش صحبة يوسف باشا الوزير.

وفيه أصعدوا الشيخ السادات إلى القلعة من غير إهانة

ص: 415

وفي يوم الثلاثاء رابع عشرينه قبضوا أيضا على حسن اغا المحتسب وأصعدوه إلى القلعة أيضا بشخص يخدمه فحبسوه بالبرج الكبير فأما الشيخ السادات فسأل الموكل به عن ذنبه وجرمه الموجب لحبسه فقال لم يكن إلا الحذر من اثارة تلك الفتن في البلد واهاجه العامة لبغضك الفرنسيس لما سبق لك منهم من الايذاء وأما المحتسب فإن الشيخ البكري والسيد أحمد الزرو ذهبا إلى قائمقام وإلى سارى عسكر وتكلما في شأنه فأجابهما بأن هذا لم يكن من شغلكما وقيل للسيد أحمد انك رجل تاجروذاك أمير وليس من جنسك حتى تشفع فيه فقال اننا محتاجون إليه لأجل مساعدته معنا في قبض المليون ولا نعرف له ذنبا يوجب حبسه لأنه ناصح في خدمة الفرنسيس فقالا على لسان الترجمان: الله يعلم ذنبه وسارى عسكر وهو أيضا يعلم ذلك من نفسه ولما سجنوه لم يقلدوا مكانه غيره فكان كتخداه يركب مع الاغا وأمامهم الميزان ونوبة الحسبة وفيه نادوا في الأسواق بالأمان وعدم الانزعاج من أمر الكرنتينه وأن من مات لاتحرق إلا ثيابه التي على بدنه لا غير وكان أشيع في الناس ما تقدم وزادوا على ذلك حرق الدار التي يموت فيها أيضا وأن قصدهم أيضا عمل كرنتينه على البلد بتمامها فحصل من هذا المشاع في الناس كرب عظيم ووهم جسيم فنودي بذلك ليسكن روع الناس.

وفي يوم الخميس سادس عشرينه أرسل كبير الفرنسيس وطلب رؤساء الديوان والتجار فحضروا إلى منزله فأعلمهم أنه مسافر إلى بحري وترك بمصر قائمقام بليار وجملة من العسكر والكتبة والمهندسين وأوصاهم بأن يكون نظرهم على البلد وكان في العزم حبسهم رهينة فاستشار في ذلك فاقتضى رأيهم تأخير ذلك وركب من فوره مسافرا ولم يرجع من هذه السفرة إلى مصر وحضر الجماعة إلى الديوان واجتمعوا بالوكيل فوريه فأخبرهم أنه حضر إلى ناحية أبي قير طائفة من الانكليز وصحبتهم طائفة من المالطية وأخرى نابلطية وطلعوا إلى قطعة ارض رخوة بين

ص: 416

سلسولين من الماء وأن الفرنساوية محيطون بهم من كل جهة.

وفي سابع عشرينه رجعت العساكر التي كانت توجهت إلى جهة الشرق بحمولهم وأثقالهم وصحبتهم سارى عسكر الشرقية رينه فسافروا من يومهم ولحقوا بكبيرهم برا وبحرا أو أخبروا عنهم لم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى الصالحية وأرسلوا هجانة إلى العريش فلم يجدوا أحدا فكروا راجعين وأشاعوا أن الجهة الشرقية لم يأت إليها أجد مطلقا وأصل الخبر أن سارى عسكر رينه كاشف القليوبية والشرقية أخبره بعض عربان المويلح بأنهم شاهدوا مراكب انكليزية ترددت بالقلزم فأرسل بخبر ذلك إلى سارى عسكر منو ويقول له في ضمن ذلك ويشير عليه بأن يتوجه صحبة جانب من العسكر ويحصن نواحي الأسكندرية خوفا من ورود الانكليز تلك الناحية وأن رينه يتكفل له بمن يرد إلى ناحية الشرق وأكد عليه في ذلك فأجابه سارى عسكر بقوله أن الانكليز لا يأتون من هذه الناحية وأنهم يأتون من ساحل الشام ويأمره بالارتحال والذهاب إلى الصالحية يرابط فيها فتواني في الحركة وأرسل إليه ثانيا بمعنى الجواب الأول ويحثه على تحصين ثغور الأسكندرية وترددت بينهما المراسلات في ذلك ومضت أيام فيما بين ذلك فورد الخبر للفرنساوية بورود مراكب الانكليز وتردادها تجاه الأسكندرية ثم رجوعها فكتب سارى عسكر منو يقول لرينه: إنهم تراؤا ليوهموا بأن قصدهم ورود الأسكندرية ثم غابوا وأنهم رجعوا ليطلعوا بناحية الطينة ويستحثه على الرحلة والذهاب إلى الصالحية فلم يسعه إلا الأمتثال والارتحال وكتب إليه كتابا يقول فيه أنهم لا يريدون إلا ثغر الأسكندرية وإنما لم يسعفهم الريح فلا تغتر برجوعهم وأنه رحل امتثالا للأمر ويشير عليه هو أيضا بعدم تأخره عن الذهاب إلى الأسكندرية ويقبل إشارته فلم يستمع وتأخر عن ذلك ورحل رينه إلى جهة البركة ولم يستعجل الذهاب ثم انتقل إلى الزوامل ثم إلى بلبيس وفي كل يوم ووقت يرسل

ص: 417

إليه سارى عسكر منو ويأمره بالذهاب إلى الصالحية وهو يتلكأ في الرحيل ثم أرسل له آخرا يقول له: إنه وردت علينا أخبار بأن يوسف باشا الوزير متحرك إلى القدوم ويحتم عليه في الرحيل إلى الصالحية فعند ذلك جمع رينه سوارى عسكره وعرض عليهم ذلك وسفه رأيه وأن هذا الخبر لا أصل له وأنا أعلم اننا لا نصل إلى الصالحية حتى يأتي الخبر بخلاف ذلك ويأتينا الأمر بالرجوع والذهاب إلى الأسكندرية فلا نستفيد إلا التعب والمشقة وارتحل بمن معه من غير استعجال فوصلوا إلى القرين في ثلاثة أيام وإذا بمراسلة سارى عسكر منو إلى رينه يخبره بأن الانكليز وصلوا إلى أبي قير وطلعوا إلى البر وتحاربوا مع أمير الأسكندرية ومن معه من الفرنساوية وظهروا عليهم ويستعجله في الرجوع والذهاب إلى الأسكندرية فقال رينه هذا ما كنت أخمنه وأظنه وارتحل راجعا وعدي على برانبابة بعساكره وتقدم سارى عسكر منو وسبقه إلى الأسكندرية.

شهر القعدة سنة 1215.

في ثالثه أمر وكيل الديوان أرباب الديوان بأن يكتبوا السارى عسكر مكتوبا بالسلام ففعلوا ما أمروا به.

وفي سادسه توفي محمد أغا مستحفظان مطعونا مرض يوم السبت وتوفي ليلة الأحد فوضعوه في نعش وخرج به الحمالون لا غير وإمامه الطرادون ولم يعملوا له مشهدا ولا جماعة وكرتنوا داره وأغلقوها على من فيها ولم يقلدوا عواضه أحدا بل أذنوا لعبد العال أن يركب عوضا عنه وذلك بمعونة نصر الله النصراني ترجمان قائممقام فاستقر عبد العال المذكور أغات مستحفظان ومحتسبا فكان ذلك من جملة النوادر والعبر فإن عبد العال هذا كان من اسافل العامة وكان أجبر البعض نصارى الشوام بخان الحمزاوي يخدمه ثم توسط بمصطفى اغا السابق بسبب معرفته للنصارى المترجمين حتى تقدم بوساطته وقلدوه الاغاوية فجعله كتخداه ومشيره فلما تولى محمد آغا تقيد معه كما كان مع مصطفى آغا

ص: 418

ولكن دون الحالة التي كان عليها مع ذلك لصلاحية محمد أغا المقتول فلما توفي في هذا الوقت ترك لعبد العال أمر المنصب لاشغال الفرنساوية بما هو الاهم من انفتاح الحروب والطاعون وغير ذلك.

وفي يوم الثلاثاء تاسعه اشيع في الناس وصول العثمانيين إلى ناحية غزة وأن جواسيسهم وصلوا إلى العريش وقدمت الهجانة إلى الفرنساوية بالخبر فلما كان عشاء تلك الليلة طلبوا المشايخ إلى الديوان فلما تكامل حضورهم حضر فورية الوكيل وصحبته آخر من الفرنسيس من طرف قائمقام فتكلم فوريه كلاما كثيرا ليزيل عنهم الوهم ويؤانسهم يزخرف القول كقوله أنه يحب المسلمين ويميل بطبعه إليهم وخصوصا العلماء وأهل الفضائل ويفرح لفرحهم ويغتم لغمهم ولا يحب لهم إلا الخير وسياسة الأحكام تقتضي بعض الأمور المخالفة للمزاج وأن سارى عسكر قبل ذهابه رسم لهم رسوما وأمرهم بأجرائها والمشي عليها في أوقاتها وأنه عند سفره قصد أن يعوق المشايخ وأعيان الناس ويتركهم في الترسيم رهينة عن المسلمين فلما ظهر له وتحقق أن الذين وردوا إلى أبي قير ليسوا من المسلمين وإنما هم انكليزية ونابلطية واعداء للفرنساوية وللمسلمين أيضا وليسوا من ملتهم حتى يتعصبوا من أجلهم والآن بلغنا أن يوسف باشا الوزير وعساكر العثمانية تحركوا إلى هذا الطرف فلزم الأمر لتعويق بعض الأعيان وذلك من قوانين الحروب عندنا بل وعندكم ولا يكون عندكم تكدر ولا هم بسبب ذلك فليس إلا الأعزاز والاكرام أينما كنتم والوكيل دائما نظره معهم ولا يغفل عن تعليل مزاجهم في كل وقت ويوم ثم انتهى الكلام وانقضى المجلسن على تعويق أربعة أشخاص من المشايخ وهم الشيخ الشرقاوي والشيخ المهدي والشيخ الصاوي والشيخ الفيومي فأصعدوهم إلى القلعة في الساعة الرابعة من الليل مكرمين وأجلسوهم بجامع سارية ونقلوا إلى مكانهم الشيخ السادات فاستمر معهم بالمسجد وأمروا الأربعة الباقية من أعضاء

ص: 419

الديوان وهم البكرى والأمير والسرسى وكاتبه أن يكون نظرهم على البلد ويجتمعون بشيخ البلد ولا ينقطعون عنه وأن المشايخ المحجوزين لا خوف عليهم ولا ضرروهم معززون مكرمون وأطلقوا لكل شيخ منهم خادما يطلع إليه وينزل ليقضي له أشغاله وما يحتاج إليه من منزله والذي يريد من احبابهم وأصحابهم زيارتهم يأخذ له ورقة بالاذن من قائمقام ويطلع بها فلا يمنع وكذلك اصعدوا إبراهيم أفندي كاتب البهارا وأحمد ابن محمود محرم وحسين قرأ إبراهيم ويوسف باشجاويش تفكجيان وعلي كتخدا يحيى آغات الجراكسة ومصطفى آغا ابطال وعلي كتخدا النجدلي ومحمد أفندي سليم ومصطفى أفندي جمليان ورضوان كاشف الشعراوي وغيرهم وأمروا المشايخ الباقية والذين لم يحبسوا بتقيدهم ونظرهم إلى البلد والعامة وأنهم يترددون على بليار قائمقام ويعلمونه بالامور التي ينشأ عنها الشرور والفتن وأهمل ديوان المليون والمطالبة بثلثه وكذلك كسرة الفردة ونفس الله عن الناس وكذلك تسوهل في أمر الكرنتينة واجازة الأموات وعدم الكشف عليهم وتصديق الناس بما يخبرون به في مرض من يموت وذلك لكثرة اشغالهم وحركاتهم وتحصنهم ونقل متاعهم وصناديقهم وفرشهم وذخائرهم إلى القلعة الكبيرة على الجمال والحمير ليلا ونهارا والطاعون متعلق فيهم ويموت منهم العدة الكثيرة في كل يوم.

وفي حادي عشرة افرجوا عن الشيخ سليمان الفيومي وأنزلوه من القلعة ليكون مع من لم يحبس وأمرهم الوكيل بالتقيد والحضور إلى الديوان على عادتهم ولا يهملونه فكانوا يحضرون ويجلسون حصة يتحدثون مع بعضهم ولا يرد عليهم إلا القليل من الدعاوي ثم ينصرفون إلى منازلهم وكذلك أمروا الشيخ أحمد العريشي القاضي بأن يحضر ويجلس من غير سابقة له بذلك وذلك حفظا للناموس لا غير.

وفي ثالث عشرة نقل الكمثارى فوريه الوكيل متاعه إلى القلعة

ص: 420

وصعد إليها فلم ينزل وأرسل إلى الشيخ سليمان الفيومي تذكرة يأمره فيها بأن ينقل فراش المجلس ويودعه في مكان بداره ففعل ما أمره به ولم يتركوا به إلا الحصر وامر بحضور أرباب الديوان على عادتهم فكانوا يفرشون سجاجيدهم ويجلسون عليها حصة الجلوس ثم ينصرفون.

وفي رابع عشره نقلوا حسن آغا المحتسب من البرج إلى جامع سارية صحبة المشايخ وكذلك فوريه الوكيل جعل سكنه الجامع المذكور وأظهر أن قصده مؤانستهم وليس إلا لضيق مساكن القلعة وإزدحام الفرنسيس وكثرة ما نقلوه إليها من الأمتعة والذخائر والفلال والاحطاب مع ما هدموه من أماكنها حتى أنهم سدوا ابواب الميدان وجعلوه من جملة حقوقها فكانوا ينزلون إليه ويصعدون منه من باب السبع حدرات.

وفي تاسع عشره ورد مكتوب من كبير الفرنسيس من ناحية اسكندرية مؤرخ بثالث عشر القعدة وهو جواب عن المكتوب المرسل إليه السابق ذكره وصورته بعد الصدر المعتاد من عبد الله جاك منو سر عسكر أمير عام جيوش الفرنساوية بالشرق ومظاهر حكومتها ببر مصر حالا إلى كامل المشايخ والعلماء الكرام المقيمين بالديوان المنيف بمحروسة مصر أدام الله فضائلهم ورد لنا مكتوبكم العزيز ورأينا بكامل السرور كل ما فصلتم لنا به وثبت من مفهومنا صدق ودادكم لنا ولعساكر دولة جمهور الفرنساوية ودمتم حضراتكم وكافة أهالي مصر بالحمية والاستقامة الموعودة ومعلوم على فضائلكم أن الله يهدي كلا فما النصر إلا منه ووضعت عليه اعتمادي وما توفيقي إلا به وبرسوله الكريم عليه السلام الدائم وأن ابتغيت النصرة فما هو إلا لسهول خيراتي إلى بر مصر وسكان ولايتها وخير أمور أهلها والله تعالى يكون دائما معكم ويكرم وجوهكم بالسلامة.

وفيه سمع ونقل عن بعض الفرنسيس أنه وقع الحرب بين الفرنساوية والانكليزية وكانت الهزيمة على الفرنساوية وقتل بينهم مقتلة كبيرة

ص: 421

وانحازوا إلى داخل الأسكندرية ووقع بينهم الاختلاف وأنهم منوسارى عسكر رينه وداماص ورابه منهما ما رابه وكان سببا لهزيمته فيما يظن ويعتقد فقبض عليهما وعزلهما من امارتهما وذلك أن رينه وداماص لما ذهبا على الصورة المتقدمة ونظر رينه وأرسل من كشف على متاريس الانكليز فوجدها في غاية الوضع والاتقان فأجتمعوا للمشورة على عادتهم ودبروا بينهم أمر المحاربة فرأى سارى عسكر منو رأيه فلم يعجب رينه ذلك الرأي وأن فعلنا ذلك وقعت الغلبة علينا وإنما الرأي عندي كذا وكذا ووافقه على ذلك داماص وكثير من عقلائم فلم يرض بذلك منو وقال: أنا سارى عسكر وقد رأيت رايي فلم يسعهم مخالفته وفعلوا ما أمر به فوقعت عليهم الهزيمة وقتل منهم في تلك الليلة خمسة عشر ألفا وتنحى رينه وداماص ناحية ولم يدخلا في الحرب بعسكرهما فاغتاظ منه ونسبهما للخيانة والمخامرة عليه وتسفيههم لرايه وأكذ ذلك عنده انهما لما حضرا إلى الأسكندرية أخذا معهما أثقالهما وما كان لهما بمصر لعلمهما عاقبة الأمر وسوء رأى كبيرهما فاشتد انكاره عليهما وعزل عنهما العسكر وحبسهما ثم اطلقهما ونزلا إلى المراكب مع عدة من أكابرهم وسافر إلى بلادهما وأن منو أرسل إلى بونابارته يخبر عن ورود الانكليز ويستنجده فأرسل إليه عسكرا فصادفوا الجماعة المذكورين في الطريق فأخبروهم عن الواقع وردوهم من اثناء الطريق وقد أشاروا لذلك في بعض مكاتباتهم واخبر أيضا المخبرون أن الانكليز اطلقوا حبوس المياه الملحة حتى اغرقت طرق الأسكندرية وصارت جميعها لجة ماء ولم يبق لهم طريق مسلوك إلا من جهة العجمي إلى البرية وأن الانكليز تترسو أقبالهم من جهة الباب الغربي.

وفيه ورد الخبر بأن حسين باشا القبطان ورد بعساكره جهة أبي قير وطلع عسكره من المراكب إلى البر وقويت القرائن الدالة على صحة هذه الأخبار وظهرت لوائح ذلك الفرنسيس مع شدة تجلدهم وكتمان

ص: 422

أمرهم وتنميق كلامهم.

وفيه سدوا باب البرقية المعروف بباب الغريب وبنوه فضاق خناق الناس بسبب الخروج إلى القرافة بالاموات فكان الذي مدفنه ببستان المجاورين يخرج بجنازته من باب النصر ويمرون بها من خلف السور المسافة الطويلة حتى ينتهوا إلى مدفنهم فحصل للناس مشقة شديدة وخصوصا مع كثرة الأموات فكلم يوم الأحد حادى عشرينه بعض المشايخ قائمقام في شان ذلك فأرسل إلى قبطان الحنطة ففتح بابا صغيرا من حائط السور جهة كفر الطماعين على قدر النعش والحمالين والمشاة.

وفي ثاني عشرينه سافر جماعة من أعيان الفرنساوية إلى جهة بحرى وهم استوف الخازندار العام ومدبر الحدود وفوريه وكيل الديوان وشنانيلو مدبر املاك الجمهور وبرنار وكيل دار الدرب وريج خازندار دار الضرب ولابرت رئيس مدرسة المكتب وحافظ سجلاتهم وكتبهم وأخذوا معهم طائفة من رؤساء القبط وفيهم جرجس الجوهري وأشيع في الناس بأن سفرهما لتقرير الصلح وليس كذلك.

وفي ثالث عشرينه توكل بحضور الديوان كمثارى يقال له جيرار وحضر يوم الجمعة سادس عشرينه بصحبة كاتب سلسلة التاريخ محبنا الفاضل العمدة السيد إسمعيل المعروف بالخشاب وحضرة قاسم أفندي امين الدين كاتب الديوان فلما استقر به الجلوس أخبر أنه ورد كتاب من كبيرهم جاك منو باللغة الفرنساوية مضمونه أنه مقيم بسكندرية وهو مؤرخ بعشرين القعدة ومثل ذلك من الكلام الفارغ.

وفيه قدم ثلاثة أنفار من العرب صحبة جماعة من الفرنسيس وذهبوا بهم إلى بيت قائمقام فاستفسر منهم فاختل كلامهم وتبين كذبهم فأمر بحبسهم.

وفيه حضر جماعة من الفرنسيس من جهة الشرق ومعهم دواب كثيرة وآلات حرب ومروا في شارع المدينة ومنعوا الناس من شرب الدخان

ص: 423

خوفا على البارود من النار ولم يعلم سبب قدومهم ثم تبين أنهم الذين كانوا محافظين بالصالحية وبعد أيام حضر أيضا الذين كانوا بالقرين وكذلك الذين كانوا ببلبيس وناحية الشرق شيئا بعد شيء.

شهر ذي الحجة الحرام سنة 1215.

فيه حصل الاجتماع بالديوان وأخبر الوكيل أن كبيرهم قد بعث أخبارا بالامس منها أنه قد مات جماعة من كبراء الانكليز وأن أكثر عساكرهم مريضون بمرض الزحير والرمد وربما يحصل الصلح عن قريب ويرجعون إلى بلادهم وأن العطش مضاررهم وبعثوا عدة مراكب لتأتيهم بالماء فتعذر عليهم ذلك ثم سأل عن أحوال البلد وسكون الرعية والغلال والأقوات فأجيب بأن البلد مطمئنة والرعية ساكنة والغلال موجودة فقال لا بد من اعتنائكم بجميع هذه الأمور الموجبة للراحة.

وفيه أشيع أن الانكليز ومن معهم من العثمانية ملكوا ثغر رشيد وابراجها وحاربوا من كان بها من الفرنسيس حتى اجلوهم عنها ودخلوها.

وفي ذلك اليوم قبضوا على نيف وستين من مغاربة الفحامين وطولون والغورية ونفوهم وذلك من فعل عبد العال الآغا.

وفيه أمر بليار قائمقام بركوب أجد المشايخ صحبة عبد العال ويمرون بشوارع المدينة فكان يركب معه مرة الشيخ محمد الأمير ومرة الشيخ سليمان الفيومي وذلك لتطمئن الرعية.

وفي سادسه قرىء مكتوب زعموا أنه حضر من سارى عسكر منو من جهة الأسكندرية وصورته بعد البسملة والجلالة والصدر المعتاد إلى حضرات كافة المشايخ والعلماء الكرام المستشارين بمحفل الديوان المنيف بمحروسه مصر أدام الله تعالى فضائلهم وما النصرة إلا من الله وبشفاعة رسوله الكريم عليه السلام الدائم العساكر الفرنساوية والانكليزية هما إلى هذا الآن حصيران قبلهما فحصنا أطرافنا بمتاريس وخنادق لا تغلب ولا تهجن وغير ذلك يلزم نخبر حضراتكم لتهدية تمشياتكم ولأجل انتظامها

ص: 424

أن سلطان الروسية المحمية أعلن بواسطة مرسله إلى حضرة السلطان سليم أذعن الأمر إلى عساكره لأجل ما يتجانبوا ويتراووا ويخلو من بر مصر جميعا والا لابد من سلطان الروسيات الجمعية الإقامة بالمحاربة بمعية مائة ألف عسكرية ضد العثمانية وضد قسطنطينية فبناء على ذلك أرسل السلطان سليم أوامره بفرمانه خطابه إلى عساكره لتخلية بر مصر ولكامل من بالبر المذكور لكي وثم ولكن ذهب الانكليزية كفا للارتشاء بعض من مقدار العسكر العثمانية وبتقديم امتثالهم إلى أوامر سلطانهم فاعلنوا وأخبروا كل ذلك إلى أهالي مصر فانتظموا كما كنتم دائما بالخير واعتمدوا واعتنوا بحماية وصيانة دولة الجمهور الفرنساوية والله تعالى يديم فضائلكم عن الالهام بالخير والسلامات حرر في الخامس والعشرين من شهر جرمينيال سنة تسعة الموافق لثلاثة ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر وكتب بألفاظه وحروفه من خط منشئه لوما كالترجمان ثم قال الترجمان أن الفرنساوي الذي حمل هذا الكتاب نقل لي عن سر عسكر أنه ناشر لكم ألوية الشكر على قيامكم بوظائفكم فدوموا على ذلك فأجيب السمع والطاعة تم أن بعض الحاضرين من المشايخ أخبر بأن رجلا من المنوفية يقال له موسى خالد كان الفرنساوية أحسنوا إليه وقدموه على أقرانه فلما خرجوا من المنوفية أفسد في البلاد وقطع الطريق ولا يتمكن أجد من أهل هذه الجهة أن يخرج من بلده لتحصيل معاشه وأنه قبض على الشيخ عابدين القاضي وصادره في نحو ثلاثة آلاف ريال وكذلك صادر كثيرا من أغنياء منوف وغيرها وأخذ أموالهم فقال الوكيل: ستسكن الفتنة ويعاقب المفسدون ثم أمر بكتابة مكاتيب ممضاة من مشايخ الديوان خطابا للتجار والمتسببين ولمشايخ البلاد يأمرونهم بإرسال الغلال والاقوات إلى مصر فكتبوا للمحلة الكبرى منوف والمنصورة والفشن وبني سويف.

وفيه كتبوا جوابا من مشايخ الديوان لكبير الفرنسيس جوابا عن

ص: 425

المكتوب المذكور آنفا.

وفيه ذكر قائمقام بليار لبعض الرؤساء أنه إذا رجع سارى عسكر منصورا ودامت أهل البلد على طاعتهم وسكونهم رفع عنهم نصف المليون والظلم.

وفي عاشره افرجوا عن ابن محرم التاجر بتوسل والدته بقائمقام بليار على مصلحة الفين ريال فرانسة.

وفيه خرج عبد العال إلى ناحية أبي زعبل ورجع ومعه ثلاثة أشخاص من الفلاحين ضرب عنق أحدهم.

وفي ثاني عشرة قبض عبد العال على أناس من الغورية والصاغة ومرجوش وغيرهم وألزمهم بمال وسئل عن ذلك فقال لم أفعله من قبل نفسي بل عن أمر من الفرنسيس.

وفيه حفروا خندقا عند تلال البرقية فكان الذين يخرجون بالاموات يصعدون بهم من فوق التل ثم ينزلون ويمرون عل سقالة من الخشب على الخندق المحفور فحصل للناس غاية المشقة واتفق أن ميتا سقط من على رقاب الحمالين وتدحرج إلى أسفل التل.

وفيه ورد الخبر بموت مراد بك بالوجه القبلي بالطاعون وكان موته رابع الشهر ودفن بسوهاج عند الشيخ العارف وأقيم عزاؤه عند زوجته الست نفيسة وبنت له قبرا بمدفن على بك وأسمعيل بك بالقرافة بالقرب من قبة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأشيع نقله إليه ثم ترك ذلك وبطل وكان الفرنساوية عند ما اصطلح معهم وأعطوه امارة الصعيد رتبوا لزوجته المذكورة في كل شهر مائة ألف فضة واستمرت تقبض ذلك حتى أخرج الفرنساوية جوابات إلى الأمراء المرادية يعزونهم في أستاذ هم وتقريرا إلى عثمان بك الجوخدار المعروف بالطنبرجي بأن يكون أميرا ورئيسا على خشداشينه وعوضا عن مراد بك ويستمرون على امريتهم وطاعتهم.

وفيه حضرت جوابات المراسلات التي أرسلت إلى البلاد بسبب

ص: 426

الغلال والاقوات بأن المتسببين والتجار أجابوا بالسمع والطاعة غير أن المانع لهم قطاع الطريق وتعدى العرب ومنعهم السبيل وأن أبواب البلدان مغلوقة بحيث لا يمكن الخروج منها فإذا أمنت الطرق حضر المطلوب وكلام هذا معناه وأما الساعي المرسل إلى المنصورة فإنه رجع من اثناء الطريق ولم يمكنه الوصول إليها لأن العساكر القادمة قد دخلوها وصارت في حكمهم.

وفيه أي في هذا الشهر زاد أمر الطاعون وطعن مصطفى أغا أبطال بالقلعة فلما ظهر فيه ذلك رفعوه بطريق مهانة وأنزلوه إلى الكرنتينه بباب العزب وألقوه بها ثم تكلم في شأنه أرباب الديوان فانزلوه إلى داره فمات بها وكذلك وقع لحسين قرأ إبراهيم التاجر وعلى كتخدا النجدلي وذلك في أوائله وفي كل يوم يموت من الفرنسيس الكائنين بالقلعة الثلاثون والاربعون وينزلون بهم من كرنتينة القلعة على الاخشاب مثل الأبواب كل ثلاثة أو أربعة سواء يحملهم الحمالون وامامهم اثنان من الفرنسيس يمنعون الناس ويباعدونهم عن القرب منهم إلى أن يخرجوا بهم من باب القرافة فيلقوهم في حفر عميقة قد اعدها الحفارون ويهيلون عليهم التراب حتى يعلوهم ثم يلقون صفا آخر ويغطونهم بالتراب وهكذا حتى تمتلىء الحفرة ويبقى بينها وبين الأرض نحو الذراع فيكبسونها بالتراب والاحجار ويحفرون أخرى غيرها كذلك فيكون في الحفرة الواحد اثنا عشر وستة عشر وأكثر فوق بعضهم البعض وبينهم التراب ويرمونهم بثيابهم وأغطيتهم وتواسيمهم التي في أرجلهم وذلك المكان الذي يدفنون به في العلوة الكائنة خارج مزار القادرية بين الطريقين الموصلين إلى جهة مزار الإمام الشافعي رضي الله عنه.

وفيه انهى مشايخ الديوان تعرض عبد العال لمصادرة الناس وطلب المال بعد تأمينهم وتبشيرهم برفع نصف المليون عنهم فأجيبوا بأن ذلك على سبيل القرض لتعطل المال الميري واحتياج العسكر إلى النفقة وقيل

ص: 427

لهم أيضا: إن كان يمكنكم أن تكتبوا إلى البلاد بدفع الميري رفعنا الطلب عن الناس فقالوا هذا غير ممكن لحصول البلاد في حيازة القادمين وقطع الطريق من وقوف العرب بها وعدم الانتظام وإنما القصد الملاطفة والرفق فإن وظيفتنا النصح والوساطة في الخير.

وفي يوم الخميس سادس الحجة حضر استوف الخازندار وجرجس الجوهري ومن معهما من القبطة وغيرهم ما عدا الفرنسيس الذين ذهبوا معهم فأرسلت أوراق بحضور مشايخ الديوان والتجار والأعيان من الغد فلما كان في صبحها حصلت الجمعية وأحضر الخازندار والوكيل وعبد العال وعلى أغا الوالي وبعض التجار كالسيد أحمد الزرو والحاج عبد الله التاودي شيخ الغورية والحاج عمر الملطيلي التاجر بخان الخليلي ومحمود حسن وكليمان الترجمان فتكلم استوف وترجم عنه الترجمان بقوله أن سارى عسكر الكبير منو يقرئكم السلام ويثنى عليكم كثيرا وسينجلى هذا الحادث إن شاء الله تعالى ويقدم في خير ويرى أهل مصر ما يسرهم وقد هلك من الانكليز خلق كثير وباقيهم أكثرهم مرمودون الأعين وبمرض الزحير وجاءت طائفة منهم إلى الفرنساوية وانضموا إليهم من جوعهم وعطشهم ولتعلموا أن الفرنساوية لم يسلموا في رشيد قهرا عنهم بل تركوها قصدا وكذلك أخلينا دمياط لأجل أن يطمعوا ويدخلوا إلى البلاد وتتفرق عساكرهم فتتمكن عند ذلك من اسئصالهم ونخبركم أنه قد وردت إلى اسكندرية مركب من فرانسا وأخبرت أن الصلح قد تم مع كامل القرانات ما عدا الانكليز فإنهم لم يدخلوا في الصلح وقصدهم عدم سكون الحرب والفتن ليستولوا على أموال الناس وأعلموا أن المشايخ المحبوسين بالقلعة وغيرهم لا بأس عليهم وإنما القصد من تعويفهم وحبسهم رفع الفتن والخوف عليهم وشريعة الفرنساوية اقتضت ذلك ولا يمكن مخالفتها ومخالفتها كمخالفة القرآن العظيم عندكم وقد بلغنا أن السلطان العثملي أرسل إلى عسكره بالكف عن الفرنساوية والرجوع

ص: 428

عن قتالهم فخألف عليه بعض السفهاء منهم وخرجوا عن طاعته وأقاموا الحرب بدون اذنه فأجابه بعض الحاضرين بقوله أن القصد حصول الراحة والصلح والفرنساوية عندنا أحسن حالا من الانكليز لأننا قد عرفنا أخلاقهم ونعلم أن الانكليز إنما يريدون بانضمامهم إلى العثملية تنفيذ أغراضهم فقط فإنهم يدلون العثملي ويغرونه حتى يوقعوه في المهالك ثم يتركوه كما فعلوا سابقا ثم قال الخازندار أن الفرنساوية لا يحبون الكذب ولم يعهد عليهم فلازم أن تصدقوا كل ما أخبروكم به فقال بعض الحاضرين إنما يكذب الحشاشون والفرنساوية لا يأكلون الحشيش ثم قال الخازندار أن وقع من أهل مصر فشل أو فساد عوقبوا أكثر من عام أول وأعلموا أن الفرنساوية لا يتركون الديار المصرية ولا يخرجون منها أبدا لأنها صارت بلادهم وداخله في حكمهم وعلى الفرض والتقدير إذا غلبوا على مصر فإنهم يخرجون منها إلى الصعيد ثم يرجعون إليها ثانيا ولا يخطر في بالكم قلة عساكرهم فإنهم على قلب رجل واحد وإذا اجتمعوا كانوا كثيرا وطال الكلام في مثل هذه التمويهات والخرافات وأجوبة الحاضرين بحسب المقتضيات ثم قال الخازندار القصد منكم معاونة الفرنساوية ومساعدتهم وغلاق نصف المليون ولشفع بعد ذلك عند سارى عسكر في فوات النصف الثاني حكم ما عرفكم قائمقام بليار فاجتهدوا في غلاقه من الأغنياء واتركوا الفقراء فأجابوا في آخر الكلام بالسمع والطاعة فقال لكن ينبغي التعجيل فإن الأمر لازم لأجل نفقه العسكر ثم قال لهم ينبغي أن تكتبوا جوابا بالسارى عسكر تعرفونه فيه عن راحة أهل البلد وسكون الحال وقيامكم بوظائفكم وهو أن شاء الله يحضر اليكم عن قريب وانفض المجلس وكتب الجواب المأمورية وأرسل.

وفيه ورد الخبر بوصول طاهر باشا الارنؤدي بجملة من العساكر الارنؤدية إلى أبي زعبل

ص: 429

وفيه خرج عدة من عساكر الفرنساوية وضربوا أربع قرى من الريف بعلة موالاة العرب وقطاع الطريق فنهبوهم وحضروا إلى مصر بمتاعهم ومواشيهم.

وفيه أرسل بليار قائمقام يطلب من الوجاقلية بقية ما عليهم من المال المتأخر من فردة الملتزمين وقدره اثنا عشر ألف ريال وأن تأخروا عن الدفع احاط العسكر بيوتهم ونقلهم إلى أضيق الحبوس بل واستعملهم في شيل الاحجار فاعتذروا بضيق ذات يدهم وحبسهم فتصدر إليهم السيد أحمد الزرو وتشفع عند قائمقام بأن يقوموا بدفع أربعة آلاف ريال ويؤجلوا بالباقي وينزلوا من القلعة لتحصيل ذلك فأجابه وأنزل علي أغا يحيى اغات الجراكسة ويوسف باشجاويش إلى بيت عبد العال وحبسهم بمكان بداره وحبس معهم مصطفى كتخدا الرزار فكان يتهددهم ويرسل إليهم أعوانه يقولون لهم شهلوا ما عليكم والا ضربكم الاغا بالكرابيج فسبحان الفعال لما يريد فإن عبد العال هذا الذي يتهددهم ربما كان لا يقدر على الوصول إلى الوقوف بين يدي بعض اتباعهم فضلا عنهم.

وفيه أحاط الفرنسيس بمنزل حسن أغا لوكيل المتوفي قبل تاريخه وذلك بسبب أنه وجد ببيته غلام فرنساوي مختف أسلم وحلق رأسه وقبضوا على أجد خشداشينه وحبسوه لكونه علم ذلك ولم يخبر به.

وفيه حضرت رسل من طرف عرضي الوزير لقائمقام بليار فاجتمعوا به وخلا بهم ووجههم من ليلتهم فلما حصلت الجمعية بالديوان سئل الوكيل عن ذلك فقال نعم أنهم أرسلوا يطلبون الصلح.

وفي ثامن عشره أفرجوا عن إبراهيم أفندي كاتب البهار ليساعد في قبض نصف المليون.

وفي رابع عشرينه قبضوا على أبي القاسم المغربي شيخ رواق المغاربة وحبسوه بالقلعة بسبب أنه كان يتكلم في بعض المجالس ويقول أنا شيخ المغاربة وأحكم عليهم ويتباهى بمثل هذا القول فنقل عنه ذلك إلى

ص: 430

عبد العال والفرنسيس وظنوا صحة قوله وأنه ربما أثار فتنة فقبضا عليه وحبسوه وكذلك حبسوا محمد أفندي يوسف ثاني قلفه وآخر يقال له عبيد السكري.

وفي خامس عشرينه أبرزوا مكتوبا وزعموا أنه حضر من سارى عسكرهم وقرىء بالديوان وصورته بعد الصدر خطابا إلى كافة العلماء والمشايخ الكرام بمحفل الديوان المنيف بمحروسة مصر حالا أدام الله تعالى فضائلهم ورد لنا مكتوبكم وانشرح قلبي من كل ما شهدتم لنا فيه بأنه يثبت عقلكم السليم وصدقكم وتقييد قلوبكم في طارق الدستور فدوموا مهتدين بهذه الملكة ولا بد لفضائلكم من دولة جمهورنا كامل الوفاء من حسن رضا واطمئنان عليكم منها ومن طرف عمدة أصحاب الجراءة والشجاعة حضرة القونصل أولها بونابارته وعلى الخصوص من طرفنا وكان ضد اوامري أن الستويان فوريه الذي كنت وضعته قرب فضائلكم ترك ذلك الموضع وتوجه إلى اسكندرية وما تلك الفعلة إلا من نقص جسارته في ذي الوقعة فبدلناه جنب فضائلكم بالستويان جيرار رجل واجب الأستوصاء لأجل عرضه وفضله وخصوصا لأجل غيرته وجسارته فلذلك هو كسب اعتمادي فاعتمدوا إلى كل ما هو قائل بفضائلكم من جانبنا وبمنه وعونه تعالى عن قريب نواجهكم بمصر بخير وسلامة ودوموا حسب تدبيراتكم لتنظيم البلد ومماسكة الطاعة بين الأمة الحامدة والسياسة بين غيرهم وكذلك نرجو من رب الأجناد بحرمة سيد العباد أن تشدوا قلوبكم توكلا له لأن عوننا اسمه العظيم حرر في ثلاثة عشر فلوريال سنة تسعة موافقا لثمانية عشر ذي الحجة سنة ألف ومائتين وخمسة عشر ممضي عبد الله جاك منو انتهى بالفاظه وحروفه.

وفي سادس عشرينه أعادوا فرش الديوان بأمر الوكيل جيرار.

وفيه أفرجوا عن محمد كاشف سليم الشعراوي بشفاعة حسين كاشف وسافر إلى جهة الصعيد

ص: 431

وفي ثامن عشرينه وردت الأخبار بوصول ركاب الوزير يوسف باشا إلى مدينة بلبيس وذلك يوم الجمعة رابع عشرينه.

وفيه أخبر وكيل الديوان أن سارى عسكر أرسل كتابا إلى الست نفيسة بالتعزية ورتب لها في كل شهر مائة ألف نصف وأربعين وانقضت هذه السنة بحوادثها وما حصل فيها فمنها توالى الهدم والخراب وتغيير المعالم وتنويع المظالم وعم الخراب خطة الحسينية خارج باب الفتوح والخروبي فهدموا تلك الاخطاط والجهات والحارات والدروب والحمامات والمساجد والمزارات والزوايا والتكايا وبركة جناق وما بها من الدور والقصور المزخرفة وجامع الجنبلاطية العظيم بباب النصر وما كان به من القباب العظام المعقودة من الحجر المنحوت المربعة الاركان الشبيهة بالأهرام والمنارة العظيمة ذات الهلالين واتصل هدم خارج باب النصر بخارج باب الفتوح وباب القوس إلى باب الحديد حتى بقي ذلك كله خرابا متصلا واحدا وبقي سور المدينة الأصلي ظاهرا مكشوفا فعمروه ورموا ماتشعث منه وأوصلوا بعضه ببعض بالبناء ورفعوا بنيانه في العلو وعملوا عند كل باب كرانك وبدنات عظاما وأبوابا داخلة وخارجه وأخشابا مغروسة بالأرض مشبكة بكيفيه مخصوصة وركزوا عند كل باب عدة من العسكر مقيمين وملازمين ليلا ونهارا ثم سدوا باب الفتوح بالبناء وكذلك باب البرقية وباب المحروق وأنشؤا عدة قلاع فوق التلال البرقية ورتبوا فيها العساكر وآلات الحرب والذخيرة وصهاريج الماء وذلك من حد باب النصر إلى باب الوزير وناحية الصوة طولا فمهدوا أعالي التلال وأصلحوا طرقها وجعلوا لها مزالق وانحدارات لسهولة الصعود والهبوط بقياسات وتحريرات هندسية على زوايا قائمة ومنفرجة وبنوا تلك القلاع بمقادير بين أبعادها وهدموا أبنية رأس الصوة حيث الحطابة وباب الوزير تحت القلعة الكبيرة وما بذلك من المدارس القديمة المشيدة والقباب المرتفعة وهدموا أعالي المدرسة النظامية ومنارتها وكانت في غاية من

ص: 432

الحسن وجعلوها قلعة ونبشوا ما بها من القبور فوجدوا الموتى في توابيت من الخشب فظنوا داخلها دراهم فكسروا بعضها فوجدوا بها عظام الموتى فأنزلوا تلك التوابيت وألقوها إلى خارج فاجتمع أهل تلك الجهة وحملوها وعملوا لها مشهدا بجمع من الناس ودفنوها داخل التكية المجاورة لباب المدرج وجعلوا تلك المدرسة قلعة أيضا بعد أن هدموا منارتها أيضا وكذلك هدموا مدرسة القانبية والجامع المعروف بالسبع سلاطين وجامع الجركسي وجامع خوند بركة الناصرية خارج باب البرقية وكذلك أبنية باب القرافة ومدارسها ومساجدها وسدوا الباب وعملوا الجامع الناصري الملاصق له قلعة بعد أن هدموا منارته وقبابه وسدوا أبواب الميدان من ناحية الرميلة وناحية عرب اليسار وأوصلوا سهور باب القرافة بجامع الزمر وجعلوا ذلك الجامع قلعة وكذلك عدة قلاع متصلة بالمجراة التي كانت تنقل الماء إلى القلعة الكبيرة وسدوا عيونها وبواكيها وجعلوها سورا بذاتها ولم يبقوا منها إلا قوصرة واحدة من ناحية الطبي جهة مصر القديمة جعلوها بابا ومسلكا وعليها الكرنك والغفر والعسكر الملازمين الإقامة بها ولقبض المكس من الخارج والداخل وسدوا الجهة المسلوكة من ناحية قنطرة السد بحاجز خشب مقفص وعليه باب يقفل مقفص أيضا وعليه حوسجية ملازمون القيام عليه وذلك حيث سواقي المجراة التي كانت تنقل الماء إلى القلعة وحفروا خلف ذلك خندقا.

وأما ما أنشؤه وعمروه من الأبراج والقلاع والحصون بناحية ثغر الأسكندرية ورشيد ودمياط وبلاد الصعيد فشيء كثير جدا وذلك كله في زمن قليل.

ومنها تخريب دور الأزبكية وردم رصيفاتها بالأتربة وتبديل اوضاعها وهدم خطة قنطرة الموسكي وما جاورها من أول القنطرة المقابلة للحمام إلى البوابة المعروفة بالعتبة الزرقاء حيث جامع أزبك وما كان في ضمن

ص: 433

ذلك من الدور والحوانيت والوكائل وكوم الشيخ سلامة فيسلك المار من على القنطرة في رحبة متسعة تنتهي إلى رحبة الجامع الأزبكي وهدموا بيت الصابونجي ووصلوه بجسر عريض ممتد ممهد حتى ينتهي إلى قنطرة الدكة وفي متوسط ذلك الجسر ينعطف جسر آخر إلى جهة اليسار عند بيت الألفي حيث سكن سارى عسكر ممتد ذلك الجسر إلى قنطرة المغربي ومنها يمتد إلى بولاق على خط مستقيم إلى ساحل البحر حيث موردة التبن والشون ووزعوا بحافتيه السيسبان والاشجار وكذلك برصيفات الأزبكية وهدموا المسجد المجاور لقنطرة الدكة مع ما جاوره من الأبنية والغيطان وعملوا هناك بوابة وكرنكا وعسكرا ملامين الإقامة والوقوف ليلا ونهارا وذلك عند مسكن بليار قائمقام وهي دار جرجس الجوهري وما جاوره وكان في عزمهم ايصال ما انتهوا الىهدمه بقنطرة الموسكي إلى صور باب البرقية ويهدمون من حد حمام الموسكي حتى يتصل المهدوم بناحية الأشرفية ثم إلى خان الخليلي إلى اسطبل الطارمة العروفة الآن بالشنواني إلى ناحية كفر الطماعين إلى البرقية ويجعلون ذلك طريقا واحدا متسعا وبحافتيه الحوانيت والخانات وبها أعمدة وأشجار وتكاعيب وتعاريش وبساتين من أولها إلى آخرها من حد باب البرقية إلى بولاق فلما انتهوا في الهدم إلى قنطرة الموسكي تركوا الهدم ونادوا بالمهلة ثلاثة أشهر وشرعوا في أبنية حوائط بحافتي القنطرة ومعاطف ومزالق إلى حارة الافرنج وحارة النباقة وذلك بالحجر النحت المتقن الوضع وكذلك عمروا قناطر الخليج المتهدمة داخل مصر وخارجها على ذلك الشكل مثل قنطرة السد والقنطرة التي بين أراضي الناصرية وطريق مصر القديمة وقنطرة الليمون وقنطرة قدبدار وقنطرة الاوز وغير ذلك ثم فاجأهم حادث الطاعون ووصول القادمين فتركوا ذلك واشتغلوا بأمور التحصين وسيأتي تتمة ذلك ومنها توالي خراب بركة الفيل وخصوصا بيوت الأمراء التي كانت بها وأخذوا أخشابها لعمارة القلاع ووقود النيران والبيع

ص: 434

وكذلك ما كان بها من الرصاص والحديد والرخام وكانت هذه البركة من جملة محاسن مصر وفيها يقول أبو سعيد الاندلسي وقد ذكر القاهرة وأعجبني في ظاهرها بركة الفيل لأنها دائرة كالبدر والمناظر فوقها كالنجوم وعادة السلطان أن يركب فيها بالليل ويسرج أصحاب المناظر على قدر هممهم وقدرتهم فيكون بذلك لها منظر عجيب.

وتخرب أيضا جامع الرويعي وجعلوه خمارة وبعض جامع عثمان كتخدا القزد علي الذي بالقرب من رصيف الخشاب وجامع خير بك حديد الذي بدرب الحمام بقرب بركة الفيل وجامع البنهاوي والطرطوشي والعدوى وهدموا جامع عبد الرحمن كتخدا المقابل لباب الفتوح حتى لم يبق به إلا بعض الجدران وجعلوا جامع أزبك سوقا لبيع أقلام المكوس.

ومنها أنهم غيروا معالم المقياس وبدلوا أوضاعه وهدموا قبته العالية والقصر البديع الشاهق والقاعة التي بها عامود المقياس وبنوها على شكل آخر لا بأس به لكنه لم يتم وهي على ذلك باقية إلى الآن ورفعوا قاعدة العامود العليا ذراعا وجعلوا تلك الزيادة من قطعة رخام مربعة ورسموا عليها من جهاتها الأربع قراريط الذراع.

ومنها أنهم هدموا مساطب الحوانيت التي بالشوارع ورفعوا أحجارها مظهرين أن القصد بذلك توسيع الأزقة لمرور العربات الكبيرة التي ينقلون عليها المتاع واحتياجات البناء من الاحجار والجبس والجير وغيره والمعنى الخفي الشافي خوفا من التترس بها عند حدوث الفتن كما تقدم وكانوا وصلوا في هدم المساطب إلى باب زويلة ومن الجهة الاخرى إلى عطفه مرجوش فهدموا مساطب خط قناطر السباع والصليبة ودرب الجماميز وباب سعادة وباب الخرق إلى آخر باب الشعرية ولو طال الحال لهدموا مساطب العقادين والغورية والصاغة والنحاسين إلى آخر باب النصر وباب الفتوح فحصل لارباب الحوانيت غاية الضيق لذلك وصاروا يجلسون في داخل فجوات الحوانيت مثل الفيران في الشقوق وبعض الزوايا والجوامع

ص: 435

والرباع التي درجها خارج عن سمت حائط البناء لما هدموا درجة وبسطته بقي باب مدخله معلقا فكانوا يتوصدون إليه بدرج من الخشب مصنوع يضعونه وقت الحاجة ويرفعونه بعدها وذلك عمل كثير.

ومنها تبرج النساء وخروج غالبهن عن الحشمة والحياء وهو أنه لما حضر الفرنسيس إلى مصر ومع البعض منهم نساؤهم كانوا يمشون في الشوارع مع نسائهم وهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات والمناديل الحرير الملونة ويسدلن على مناكبهن الطرح الكشميري والمزركشات الصبوغة ويركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ومداعبة المكارية معهم وحرافيش العامة فمالت إليهم نفوس أهل الاهواء من النساء الأسافل والفواحش فتداخلن معهم لخضوعهم للنساء وبذل الأموال لهن وكان ذلك التداخل أولا مع بعض احتشام وخشية عار ومبالغة في اخفائه فلما وقعت الفتنة الاخيرة بمصر وحاربت الفرنسيس بولاق وفتكوا في أهلها وغنموا أموالها وأخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات صرن مأسورات عندهم فزيوهن بزي نسائهم وأجروهن على طريقتهن في كامل الأحوال فخلع أكثرهن نقاب الحياء بالكلية وتداخل مع أولئك المأسورات غيرهم من النساء الفواجر ولما حل بأهل البلاد من الذل والهوان وسلب الأموال واجتماع الخيرات في حور الفرنسيس ومن والاهم وشدة رغبتهم في النساء وخضوعهن له وموافقة مرادهن وعدم مخالفة هواهن ولو شتمته أو ضربته بتاسومتها فطرحن الحشمة والوقار والمبالاة والأعتبار واستملن نظراءهن واختلسن عقولهن لميل النفوس إلى الشهوات وخصوصا عقول القاصرات وخطب الكثير منهم بنات الأعيان وتزوجوهن رغبة في سلطانهم ونوالهم فيظهر حالة العهد الإسلام وينطق بالشهادتين لأنه ليس له عقيدة يخشى فسادها وصار مع حكام الاخطاط منهم النساء المسلمات متزيبات بريهم ومشوا معهم في الاخطاط للنظر في أمور الرعية والأحكام العادية والأمر والنهي والمناداة

ص: 436

وتمشي المرأة بنفسها أو معها بعض أترابها وأضيافها على مثل شكلها وأمامها القواسة والخدم وبأيديهم العصي يفرجون لهن الناس مثل مايمر الحاكم ويأمرن وينهين في الأحكام.

ومنها أنه لما أوفى النيل أذرعه ودخل الماء إلى الخليج وجرت في السفن وقع عند ذلك من تبرج النساء واختلاطهن بالفرنسيس ومصاحبتهم لهن في المراكب والمرقص والغناء والشرب في النهار والليل في الفوانيس والشموع الموقدة وعليهن الملابس الفاخرة والحلي والجواهر المرصعة وصحبتهم آلات الطرب وملاحو السفن يكثرون من الهزل والمجون ويتجاوبون برفع الصوت في تحريك المقاديف بسخيف موضوعاتهم وكتائف مطبوعاتهم وخصوصا إذا دبت الحشيشة في رؤسهم وتحكمت في عقولهم فيصرخون ويطبلون ويرقصون ويزمرون ويتجاوبون بمحاكاة ألفاظ الفرنساوية في غنائهم وتقليد كلامهم شيء كثير.

وأما الجواري السود فانهن لما علمن رغبة القوم في مطلق الانثى ذهن إليهم أفواجا فرادى وأواجا فنططن الحيطان وتسلقن إليهم من الطيقان ودلوهم على مخبآت أسيادهن وخبايا أموالهم ومتاعهم وغير ذلك.

ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه سارى عسكر القبطة جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية مميزين عنهم بقبع يلبسونه على رؤوسهم مشابه لشكل البرنيطة وعليه قطعة فروة سوداء من جلد الغنم في غاية البشاعة مع ما يضاف إليها من قبح صورهم وسواد أجسامهم وزفارة أبدانهم وصيرهم عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الاحمر وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وابراج وباب كبير يحيط به بدنات عظام وكذلك بنى أبراجا في ظاهر الحارة جهة بركة الأزبكية وفي جميع السور المحيط والابراج طيقانا للمدافع وبنادق الرصاص على هيئة سور مصر الذي رمه

ص: 437

الفرنساوية ورتب على باب القلعة الخارج والداخل عدة من العسكر الملازمين للوقوف ليلا ونهارا وبأيديهم البنادق على طريقة الفرنساوية ومنها قطعهم الأشجار والنخيل من جميع البساتين والجنائن الكائنة بمصر وبولاق ومصر القديمة والروضة وجهة قصر العيني وخارج الحسينية وبساتين بركة الرطلي وأرض الطبالة وبساتين الخليج بل وجميع القطر المصري كالشرقية والغربية والمنوفية ورشيد ودمياط كل ذلك لاحتياجات عمل القلاع وتحصين الأسوار في جميع الجهات وعمل العجل والعربات والمتاريس ووقود النار وكذلك المراكب والسفن وأخذ أخشابها أيضا مع شدة الاحتياج إليها وعدم انشاء الناس سفنا جديدة لفقرهم وعدم الخشب والزفت والقار والحديد وباقي اللوازم حتى أنهم حال حلولهم الديار المصرية وسكنهم بالازبكية كسروا جميع القنج والاغربةالتي كانت موجودة تحت الأعيان بقصد التنزه وكذلك ما كان ببركة الفيل وبسبب ذلك شحت البضائع وغلت الأسعار وتعطلت الأسباب وضاقت المعايش وتضاعفت أجر حمل التجارات في السفن لقلتها.

ومنها هدم القباب والمدافن الكائنة بالقرافة تحت القلعة خوفا من تترس المحاربين بها فكانوا يهدمون ذلك بالبارود على طريقة اللغم فيسقط المكان بجميع اجزائه من قوة البارود وانحباسه في الأرض فيسمع له صوت عظيم ودوي فهدموا شيئا كثيرا على هذه الصورة وكذلك إزالوا جانبا كبيرا من الجبل المقطم بالبارود من الجهة المحاذية للقلعة خوفا من تمكن الخصم منها والرمي على القلعة.

ومنها زيادة النيل المفرطة التي لم يعهد مثلها في هذه السنين حتى غرقت الاراضي وحوصرت البلاد وتعطلت الطرق فصارت الأرض كلها لجة ماء وغرق غالب البلاد التي على السواحل فتهدم من دورها شيء كثير وأما المدينة فإن الماء جرى من جهة الناصرية إلى الطريق المسلوكة وطفح من بركة الفيل إلى درب الشمسي وطريق قنطرة عمر شاه

ص: 438

ومنها استمرار انقطاع الطرق واسباب المتاجر وغلو البضائع المجلوبة من البلاد الرومية والشامية والهندية والحجازية والمغرب حتى غلت اسعار جميع الأصناف وانتهى سعر كل شيء إلى عشرة امثاله وزيادة على ذلك فبلغ الرطل الصابون إلى ثمانين نصفا واللوزة الواحدة بنصفين وقس على ذلك وأما الأشياء البلدية فإنها كثيرة موجودة وغالبها يباع رخيصا مثل السمن والعسل النحل والأرز والغلال وخصوصا الأرز فإنه بيع في ايامهم بخمسمائة نصف فضة الأردب وكانت النصارى باعة العسل النحل يطوفون به في بلاليص محملة على الحمير ينادون عليه في الأزقة بأرخص الاثمان.

ومنها وقوع الطاعون بمصر والشام وكان معظم عمله ببلاد الصعيد أخبرني صاحبنا العلامة الشيخ حسن المعروف بالعطار المصري نزيل اسيوط مكاتبة ونصه ونعرفكم يا سيدي أنه قد وقع في قطر الصعيد طاعون لم يعهد ولم تسمع بمثله وخصوصا ما وقع منه باسيوط وقد انتشر هذا البلاء في جميع البلاد شرقاوغربا وشاهدنا منه العجائب في أطواره وأحواله وذلك أنه اباد معظم أهل البلاد وكان اكثره في الرجال سيما الشبان والعظماء وكل ذي منقبة وفضيلة وأغلقت الأسواق وعزت الأكفان وصار المعظم من الناس بين ميت ومشيع ومريض وعائد حتى أن الإنسان لا يدري بموت صاحبه أو قريبه إلا بعد أيام ويتعطل الميت في بيته من أجل تجهيزه فلا يوجد النعش ولا المغسل ولا من يحمل الميت إلا بعد المشقة الشديدة وأن أكبر كبير إذا مات لا يكاد يمشي معه مازاد على عشرة انفار تكترى وماتت العلماء والقراء والملتزمون والرؤساء وأرباب الحرف ولقد مكثت شهرا بدون حلق رأسي لعدم الحلاق وكان مبدأ هذا الأمر من شعبان وأخذ في الزيادة في شهر ذي القعدة والحجة حتى بلغ النهاية القصوى فكان يموت كل يوم من اسيوط خاصة زيادة على الستمائة وصار الإنسان إذا خرج من بيته لا يرى إلا جنازة أو مريضا

ص: 439

أو مشتغلا بتجهيز ميت ولا يسمع إلا نائحة أو باكية وتعطلت المساجد من الاذان والأمامة لموت أرباب الوظائف واشتغال من بقى منهم بالمشي أما الجنائز والسبح والسهر وتعطيل الزرع من الحصاد ونشف على وجه الأرض وأبادته الرياح لعدم وجدان من يحصده وعلى التخمين أنه مات الثلثان من الناس هذا مع سعي العرب في البلاد بالفساد والتخويف بسبب خلو البلاد من الناس والحكام إلى أن قال ولو شئت أن اشرح لك يا سيدي ما حصل من أمر الطاعون لملأت الصحف مع عدم الايفاء وتاريخه ثامن عشرين الحجة سنة تاريخه.

من مات في هذه السنة من الأعيان.

مات الإمام الالمعي والذكي اللوذعي من عجنت طينته بماء المعارف وتآخت طبيعته مع العوارف العمدة العلامة والنحرير الفهامة فريد عصره ووحيد دهره الشيخ محمد بن أحمد بن حسن بن عبد الكريم الخالدي الشافعي الشهير بابن الجوهري وهو أجد الاخوة الثلاثة وأصغرهم ويعرف هو بالصغير ولد سنة احدى وخمسين ومائة وألف ونشأ في حجر والده في عفة وصون وعفاف وقرأ عليه وعلى أخيه الأكبر الشيخ أحمد ابن أحمد وعلي الشيخ خليل المغربي والشيخ محمد الفرماوي وغيرهم من فضلاء الوقت وأجازه الشيخ محمد الملوي بما في فهرسته وحضر دروس الشيخ عطية الاجهوري في الأصول والفقه وغير ذلك فلازمه وبه تخرج في الالقاء وحضر الشيخ علي الصعيدي والبراوي وتلقى عن الشيخ الوالد حسن الجبرتي كثيرا من العلوم ولازم التردد عليه والأخذ منه مع الجماعة ومنفردا وكان يحبه ويميل إليه ويقبل بكليته عليه وحج مع والده في سنة ثمان وستين وجاور معه فاجتمع بالشيخ السيد عبد الله الميرغني صاحب الطائف واقتبس من أنواره واجتنى من ثماره وكان آية في الفهم والذكاء والغوص والاقتدار على حل المشكلات وأقرأ الكتب وألقى الدروس بالاشرفية وأظهر التعفف والانجماع عن خلطة الناس

ص: 440

والذهاب والترداد إلى بيوت الأعيان والتزهد عما بأيديهم فأحبه الناس وصار له أتباع ومحبون وساعده على ذلك الغنى والثروة وشهرة والده وأقبال الناس عليه ومدحتهم له وترغيبهم في زيادته وتزوج ببنت الخواجا الكريمي وسكن بدارها المجاورة لبيت والده بالازبكية واتخذ له مكانا خاصا بمنزل والده يجلس فيه في أوقات وكل من حضر عند أبيه في حال انقطاعه من الأكابر أو من غيرهم للزيارة أو للتلقي يأمره بزيارة ابنه المترجم والتلقي عنه وطلبهم الدعاء منه ويحكى لهم عنه مزايا وكرامات ومكاشفات ومجاهدات وزهديات فازداد اعتقاد الناس فيه وعاشر العلماء والفضلاء من أهل عصره ومشايخه وقرنائه وتردد عليهم وترددوا عليه ويبيتون عنده ويطمعهم ويكرمهم ويتنزه معهم في أيام النيل مع الحشمة والكمال ومجانبة الأمور المخلة بالمروأة ولما مات أخوه الكبير الشيخ أحمد وقد كان تصدر بعد والده في اقراء الدروس اجمع الخاص والعام على تقدم المترجم في اقراء الدروس في الأزهر والمشهد الحسيني في رمضان فامتنع من ذلك وواظب على حالة انجماعه وطريقته واملائه الدروس بالاشرفية وحج في سنة سبع وثمانين ومائة وألف وجاور سنة وعقد دروسا بالحرم وانتفع به الطلبة ثم عاد إلى وطنه وزاد في الانجماع والتحجب عن الناس في أكثر الأوقات فعظمت رغبة الناس فيه ورد هداباهم مرة بعد أخرى وأظهر الغني عنهم فازداد ميل الناس إليه وجبلت قلوبهم على حبه واعتقاده وتردد الأمراء وسعوا لزيارته أفواجا وربما احتجب عن ملاقاتهم وقلد بعضهم بعضا في السعي ولم يعهد عليه أنه دخل بيت أمير قط أو أكل من طعام أجد قط إلا بعض أشياخه المتقدمين وكانت شفاعته لا ترد عند الأمراء والأعيان مع الشكيمة والصدع بالامر والمناصحة في وجوههم إذا أتوا إليه وازدادت شهرته وطار صيته ووفدت عليه الوفود من الحجاز والغرب والهند والشام والروم وقصدوا زيارته والتبرك به وحج أيضا في سنة تسع وتسعين لما حصلت الفتنة بين أمراء

ص: 441

مصر فسافر بأهله وعياله وقصد المجاورة فجاور سنة واقرأ هناك دروسا واشترى كتبا نفيسة ثم عاد إلى مصر واستمر على حالته في انجماعه وتحجبه عن الناس بل بالغ في ذلك ويقرىء ويملي الدروس بالاشرفية وأحيانا بروايتهم بدرب شمس الدولة وأحيانا بمنزله بالازبكية ولما توفي الشيخ أحمد الدمنهوري وتولىمشيخة الأزهر الشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي باتفاق الأمراء والمتصدرين من الفقهاء وهاجت حفائظ الشافعية ذهبوا إليه وطلبوه للمشيخة فأبى ذلك ووعدهم بالقيام لنصرتهم وتولية من يريدونه فأجتمعوا ببيت الشيخ البكري واختاروا الشيخ أحمد العروسي لذلك وأرسلوا إلى الأمراء فلم يوافقوا على ذلك فركب المترجم بصحبة الجمع إلى ضريح الإمام الشافعي ولم يزل حتى نقض ما أبرمه العلماء والأمراء ورد المشيخة إلى الشافعية وتولى الشيخ أحمد العمروسي وتم له الأمر كما تقدم ذلك في ترجمة العريشي ولما توفي الشيخ أحمد العروسي كان المترجم غائبا عن مصر في زيارة سيدي أحمد البدوي فأهمل الأمر حتى حضر وتولى الشيخ عبد الله الشرقاوي باشارته ولم يزل وافر الحرمة معتقدا عند الخاص والعام حتى حضر الفرنساوية واختلت الأمور وشارك الناس في تلقي البلاء وذهب ما كان له بأيدي التجار ونهب بيته وكتبه التي جمعها وتراكمت عليه الهموم والأمراض وحصل له اختلاط ولم يزل حتى توفي يوم الأحد حادي عشرين شهر القعدة سنة تاريخه بحارة برجوان وصلى عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن عند والده وأخيه بزاوية القادرية بدرب شمس الدولة وبالجملة فكان من محاسن مصر والفريد في العصر ذهنه وقاد ونظمه مستجاد وكان رقيق الطبع لطيف الذات مترفها في مأكله وملبسه.

ومات الأجل الأمثل العمدة الوجيه السيد عبد الفتاح بن أحمد ابن الحسن الجوهري أخو المترجم المذكور وهو أسن منه واصغر من اخيه الشيخ أحمد ولد سنة احدى واربعين ومائة وألف ونشأ في حجر أبيه

ص: 442

وحضر الشيخ الملوي وبعض دروس ابيه وغيره ولم يكن معتنيا بالعلم ولم يلبس زي الفقهاء وكان يعاني التجارة ويشارك ويضارب ويحاسب ويكاتب فلما توفي أخوه الأكبر الشيخ أحمد وامتنع أخوه الأصغر الشيخ محمد من التصدر للاقراء في محله اتفق الحال على تقدم المترجم حفظا للناموس وبقاء لصورة العلم الموروث فعند ذلك تزيابزي الفقهاء ولبس التا والفراجة الواسعة وأقبل على مطالعة العلم وخالط أهله وصار يطالع ويذاكر وأقرأ دروس الحديث بالمشهد الحسيني في رمضان مع قلة بضاعته وذلك بمعونة الشيخ مصطفى بن الشيخ محمد الفرماوي فكان يطالع الدرس الذي يمليه من الغد ويتلقى عنه مناقشات الطلبة وثبت على ذلك حتى ثبتت المشيخة وتقررت العالمية كل ذلك مع معاناته التجارة وتردد إلى الحرمين واثرى واقتن كتبا نفيسة وعروضا وحشما واشترى المماليك والعبيد والجواري والأملاك والالتزام ولم يزل حتى حصلت حوادث الفرنساوية وصادروه وأخذوا منه خمسة عشر ألف فرانسة وداخله من ذلك كرب وانفعال زائد فسافر إلى بلدة جارية في التزامه يقال لها كوم النجار فأقام بها أشهرا ثم ذهب إلى شيبين الكوم بلدة أقاربه وأقام بها إلى أن مات في هذه السنة وذلك بعد وفاة أخيه الشيخ محمد بنحو خمسة أيام ودفن هناك رحمه الله تعالى.

ومات الإمام العلامة الثقة الهمام النحرير الذي ليس له في فضله نظير أبو محمد أحمد بن سلامة الشافعي المعروف بأبي سلامة اشتغل بالعلم وحضر العلوم النقلية والنحوية والمنطقية وتفقه على كثير من علماء الطبقة الأولى كالشيخ علي قايتباي والحفني والبراوي والملوي وغيرهم وتبحر في الأصول والفروع وكان مستحضرا للفروع الفقهية والمسائل الغامضة في المذاهب الأربع ويغوص بذهنه وقياسه في الأصول الغريبة ومطالعة كتب الأصول القديمة التي اهملها المتأخرون وكان الفضلاء يرجعون في ذلك إليه ويعتمدون قوله ويعولون في الدقائق عله إلا أن الدهر لم يصافه على

ص: 443

عادته وعاش في خمول وضيق وخشونة ملبس وفقد رفاهية بحيث أن من يراه لا يعرف لرثائه ثيابه وكان مهذبا حسن المعاشرة جميل الخلق والنادرة مطبوعا فيه صلاح وتواضع ونزل مؤقتا في مسجد عبد الرحمن كتخدا الذي أنشأه تجاه باب الفتوح بمعلوم قدره ثمانية انصاف يتعيش بها مع ما برد عليه من بعض الفقهاء والعامة الذين يحتاجون إليه في مراجعة المسائل والفتاوي فلما خرب المسجد المذكور في حادثة الفرنسيس وجهات أوقافه انقطع عنه ذلك المعلوم وكان ذا عائلة ومع ذلك لا يسأل شيأ ولا يظهر فاقة توفي في يوم الأحد حادي عشرين جمادى الآخرة من السنة عن خمس وسبعين سنة تقريبا رحمه الله.

ومات الأمير مراد بك محمد مات بسهاج قادما إلى مصر باستدعاء الفرنسيس ودفن بها عند الشيخ العارف وكان موته رابع شهر الحجة كما تقدم وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب ومحمد بك مملوك علي بك وعلي بك مملوك إبراهيم كتخدا الفازدغلي اشترى محمد بك مراد بك المذكور في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف وذلك في اليوم الذي قتل فيه صالح بك الكبير فأقام في الرق أياما قليل أعقه وأمره وأنعم عليه بالاقطاعات الجليلة وقدمه على أقرانه وتزوج بالست فاطمة زوجة الأمير صالح بك وسكن داره العظيمة بخط الكبش.

ولما مات علي بك تزوج بسريته أيضا وهي ألست نفيسة الشهيرة الذكر بالخير ولما انفرد محمد بك بأمارة مصر كان هو وإبراهيم بك أكبر أمرائه المشار إليهما دون غيرهما فلما سافر محمد بك إلى الديار الشامية محاربا للظاهر عمر أقام عوضه في إمارة مصر إبراهيم بك وأخذ صحبته مراد بك وباقي أمرائه فلما مات محمد بك بعكا اجتمع أمراؤه على رأى مماليكه في رآسه مراد بك فتقدم وقدمه عليهم وحملوا جثة سيدهم وحضروا بأجمعهم إلى مصر فاتفق راي الجميع على إمارة من استخلفه سيدهم وقدمه دون غيره وهو إبراهيم بك ورضى الجميع بتقدمه ورياسته

ص: 444

لوفور عقله وسكون جاشه فاستقر بمشيخة مصر ورياستها ونائب نوابها ووزرائها وعكف مراد بك علي لذاته وشهواته وقضى أكثر زمانه خارج المدينة مرة بقصره الذي أنشأه بالروضة وأخرى بجزيرة الذهب وأخرى بقصر قايماز جهة العادلية كل ذلك مع مشاركته لإبراهيم بك في الأحكام والنقض والإبرام والايراد والأصدار ومقاسمة الأموال والدواوين وتقليد مماليكه وأتباعه الولايات والمناصب وأخذ في بذل الأموال وانفاقها على أمرائه وأتباعه فانضم إليه بعض أمراء على بك وغيرهم ممن مات أسيادهم كعلي بك المعروف بالملط وسليمان بك الشابوري وعبد الرحمن بك عثمان فأكرمهم وواساهم ورخص لمماليكه في هفواتهم وسامحهم في زلاتهم وحظى عنه كل جريء غشوم عسوف ذميم ظلوم فانقلبت أوضاعهم وتبدلت طباعهم وشرهت نفوسهم وعلت رؤسهم فتناظروا وتفاخروا وطمعوا في أستاذ هم وشمخت آنافهم عليه وأغاروا حتى على ما في يده واشتهر بالكرم والعطاء فقصده الراغبون وامتدحه الشعراء والغاوون وأخذا الشيء من غير حقه واعطاه لغير مستحقه.

ثم لما ضاف عليه المسالك ورأى أن رضا العالم غاية لا تدرك أخذ يتحجب عن الناس فعظم فيه الهاجس والوسواس وكان يغلب على طبعه الخوف والجبن مع التهور والطيش والتورط في الاقدام مع عدم الشجاعة ولم يعهد إليه أنه انتصر في حرب باشرها أبدا علىما فيه من الأدعاء والغرور والكبر والخيلاء والصلف والظلم والجور.

ولما قدم حسن باشا إلى مصر وخرج المترجم مع خشداشينه وعشيرته هاربين إلى الصعيد حتى انقضت أيام حسن باشا وأسمعيل بك ومن كان معه ورجعوا ثانيا بعد أربع سنين وشيء من الشهور من غير عقد ولا حرب تعاظم في نفسه جدا واختص بمساكن إسمعيل بك وجعل إقامته بقصر الجيزة وزاد في بنائه وتنميقه وبنى تحته رصيفا محكما وأنشأ بداخله بستانا عظيما نقل إليه أصناف النخيل والاشجار والكروم واستخلص

ص: 445

غالب بلاد اقليم الجيزة لنفسه شراء ومعاوضة وغصبا وعمر أيضا قصر جزيرة الذهب وجعل بها بستانا عظيما وكذلك قصر ترسا وبستان المجنون وصار يتنقل في تلك القصور والبساتين ويركب للصيد في غالب أوقاته واقتنى المواشي من الأبقار والجواميس الحلابة والأغنام المختلفة الاجناس فكان عنده بالجيزة من ذلك شيء كثير جدا وعمل له ترسخانة عظيمة وطلب صناع آلات الحرب من المدافع والقنابر والبنب والجلل والمكاحل واتخذ بها أيضا معامل البارود خلاف المعامل التي في البلد وأخذ جميع الحدادين والسباكين والنجارين فجمع الحديد المجلوب والرصاص والفحم الحطب حتى شحت جميع هذه الأدوات لكونه كان يأخذ كل ما وجده منها وكذلك حطب القرطم والترمس والذرة لحرق قمام الجير والجبس للعمارة وأوقف الأعوان في كل جهة يحجزون المراكب التي تأتي من البلاد بالاحطاب يأخذونها ويجمعونها للطلب ويبيعون لأنفسهم ما أحبوا ويأخذون الجعالات على ما يسمحون به أو يطلقونه لأربابه بالوسائط والشفاعات وأحضر أناسا من القليونجية ونصارى الاروام وصناع المراكب فانشؤا له عدة حربية وغلايين وجعلوا بها مدافع وآلات حرب على هيئة مراكب الروم صرف عليها أموالا عظيمة ورتب بها عساكر وبحرية وأدر عليهم الجماكي والأرزاق الكثيرة وجعل عليهم رئيسا كبيرا رجلا نصرانيا وهو الذي يقال له: نقولا بنى له دارا عظيمة بالجيزة وأخرى بمصر وله عزوة وأتباع من نصارى الأروام المرتبين عسكرا وكان نقولا المذكور يركب الخيل ويلبس الملابس الفاخرة ويمشي في شوارع مصر راكبا وإمامه وخلفه قواسة يوسعون له الطريق في مروره على هيئة ركوب الأمراء كل ذلك خطرات من وساوسه لا يدري أجد لاي شيء هذا الاهتمام ولأي حاجة انفاق هذا المال في الخشب والحديد واعطاؤه لنصارى الاروام واختلفت آراء الناس في ذلك فمن قائل أن ذلك خوفا من خشداشينه وقائل من مخافة العثمانية كما تقدم في قضية حسن باشا والبعض يظن خلاف ذلك

ص: 446

وليس غير الوهم والتخيل الفاسد والخوف شيء وبقيت آلات الحرب جميعها والبارود بحواصله والجلل والبنيات حتى أخذ جميعه الفرنسيس فيقال: إنه كان بحواصل الترسخانة من جنس الجلل أجد عشر ألف جلة كذا نقل عن معلم الترسخانة أخذ جميع ذلك الفرنسيس يوم استيلائهم على الجيزة والقصر.

ومما اتفق أنه وقعت مشاجرة في بعض نصارى الاروام القليونجية وبعض السوقة بمصر القديمة فتعصب النصارى على أهل البلد وحاربوهم وقتلوا منهم نيفا وعشرين رجلا وانتهت الشكوى إلى الأمير فطلب كبيرهم فعصى عليه وامتنع من مقابلته وعمر مدافع المراكب ووجهها جهة قصره فلم يسعه إلا التغافل وراحت على من راح واستوزر رجلا بربريا وهو المسمى بابراهيم كتخدا السنارى وجعله كتخداه ومشيره وبلغ من العظمة ونفوذ الكلمة بإقليم مصر ما لم يبلغه أعظم أمير بها وبنى له دارا بالناصرية واقتنى المماليك الحسان والسرارى البيض والحبوش والخدم وتعلم اللغة التركية والأوضاع الشيطانية واختص ذلك السنارى أيضا ببعض رعاع الناس وجعله كتخدا يأتمر بأمره ويتوصل به أعاظم الناس في قضاء أشغالهم ولما حصل لمراد بك الإقامة بالجيزة واختار السكن بها وزين له شيطانه العزلة عن خشداشينه وأقرانه وترك لإبراهيم بك أمر الأحكام والدواوين ومقتضيات نواب السلطنة العثمانية مع كونه لا ينفذ أمرا دون رأيه ومشورته واحتجب هو عن الاجتماع بالناس بالكلية حتى عن الأمراء الكبار من أقرانه كان السفير وبينهم وبينهم إبراهيم كتخدا المذكور فكان هو عبارة عنه وربما نقض القضايا التي انبرم أمرها عند إبراهيم بك أو غيره بنفسه أو عن لسان مخدومه وأقام المترجم على عزلته بالبر الغربي نحو الست سنوات متوالية لا يعدى إلى البر الشرقي أبدا ولا يحضر الديوان ولا يتردد إلى الأقران وإذا حضر الباشا المولى على مصر ووصل إلى بر انبابة ركب وسلم عليه مع الأمراء ورجع إلى قصره

ص: 447

فلا يراه بعد ذلك أبدا وتعاظم في نفسه وتكبر على اقرانه وأبناء جنسه فتزاحمت على سدته الطلاب وتكالبت على جيفته الكلاب فانزوى من نبشهم وتوارى من نهشهم فإذا بلغه قدوم من يختشيه أو وصول من يرتجيه وكان يستحي من رده أو يخشى عاقبة صده ركب في الحال وصعد إلى الجبال وربما وصلة الغريم على غفلة فيجده قد شمع الفتلة فإن صادفه واجتمع عليه اعطاه ما في يديه أو وعده بالخير أو وهبه ملك الغير فما يشعر الميسور إلا ولقمته قد اختطفتها النسور.

ثم أخذ يعبث بدواوين الأعشار والمكوسات والبهار فيحول عليهم الحوالات ويتابع لمماليكه ختم الوصولات فتجاذب هو وإبراهيم بك ذلك الإيراد وتعارضت أوراقهما وخافا في المعتاد ثم اصطلحا على أن تكون له الدواوين البحرية ولقسيمه ما يرد من الأصناف الحجازية وما انضاف إلى قلم البهار وحسب في دفاتر التجار فانفرد كل منهما بوظيفته وفعل بها من الاجحاف ما سطر في صحيفته فاحدث المترجم ديوانا خاصا بنفر رشيد على الغلال التي تحمل إلى بلاد الافرنج وسموه ديوان البدعة وأذن ببيع الغلال لمن يحملها إلى بلاد الافرنج أو غيرها وجعل على كل اردب دينارا خلاف البراني والتزم بذلك رجل سراج من أعوانه الموصوفين بالجور وسكن برشيد وبقيت له بها وجاهة وكلمة نافذة فجمع من ذلك أموالا وايرادا عظيما وكانت هذه البدعة السيئة من أعظم أسباب قوة الفرنسيس وطمعهم في الإقليم المصري مع ما أضيف إلى ذلك من أخذ أموالهم ونهب تجاراتهم وبضاعاتهم من غير ثمن واقتدى به أمراؤه وتناظروا في ذلك وفعل كل منهم ما وصلت إليه همته واستخرجته فطنته واختص بالسيد محمد كريم الأسكندري ورفع شأنه بين أقرانه فمهد له الأمور بالثغر به وأجرى أحكامه به وفتح له باب المصادرات والغرامات ودله على مخبآت الأمور وأخذ أموال التجار من المسلمين وأجناس الافرنج حتى تجسمت العداوة بين المصريين والفرنسيس وكان

ص: 448

هو من اعظم الأسباب في تملك الفرنسيس للثغر كما ذكر ذلك في قتلته وذلك أنه لما خرجت من مراكب الفرنساوية وعمارتهم لا يدري أجد لاي جهة يقصدون تبعهم طائفة الانكليز إلى الأسكندرية فلم يجدوهم وكانوا ذهبوا أولا إلى جهة مالطه فوقف الانكليز قبالة الأسكندرية وأرسلوا قاصدهم إلى الثغر يسالون عن خبر الفرنساوية فردهم المذكور ردا عنيفا فاخبروه الخبر على جليته وأنهم اخصامهم وعلموا بخروجهم فاقتفوا أثرهم ونريد منكم أن تعطونا الماء والزاد بثمنه ونقف لهم على ظهر البحر فلا نمكنهم من العبور إلى ثغركم فلم يقبل منهم ولم يأذن في تزويدهم فذهبوا ليتزدوا من بعض الثغور فما هو إلا أن غابوا في البحر نحو الأربعة أيام إلا والفرنسيس قد حضروا وكان ما كان.

ومما سولت به نفس المترجم بارشاد بعض الفقهاء عمارة جامع عمرو ابن العاص وهو الجامع العتيق وذلك أنه لما خرب هذا الجامع بخراب مدينة الفسطاط وبقيت تلالا وكيمانا وخصوصا ما قرب من ذلك الجامع ولم يبق بها بعض العمار إلا ما كان من الأماكن التي على ساحل النيل وخربت في دولة القزدغلية وأيام حسن باشا لما سكنتها عساكره ولم يبق بساحل النيل إلا بعض أماكن جهة دار النحاس وفم الخليج يسكنها اتباع الأمراء ونصارى المكوس وبها بعض مساجد صغار يصلى بها السواحلية والنواتية وسكان تلك الخطة من القهوجية والباعة والجامع العتيق لا يصل إليه أجد لبعده وحصوله بين الأتربة والكيمان وكان فيما أدركنا الناس يصلون به آخر جمعة في رمضان فتجتمع به الناس على سبيل التسلي من القاهرة ومصر وبولاق وبعض الأمراء أيضا والأعيان ويجتمع بصحبته أرباب الملاهي من الحواة والقراداتية وأهل الملاعيب والنساء الراقصات المعروفات بالغوازي فبطل ذلك أيضا من نحو ثلاثين سنة لهدمه وخراب ماحوله وسقوط سقفه واعمدته وميل شقته اليمنى بل وسقوطها بعد ذلك فحسن ببال المترجم هذه وتجديده بإرشاد بعض

ص: 449

الفقهاء ليرقع به دينه الخلق فاهتم لذلك وقيد به نديمه الحاج قاسم المعروف بالمصلي فجعله مباشرا على عمارته وصرف عليه اموالا عظيمة أخذها من غير حلها ووضعها في غير محلها وأقام أركانه وشيد بنيانه نصب اعمدته وكمل زخرفته وبني به منارتين وجدد جميع سقفه بالخشب النقي وبيضه جميعه فتم على أحسن ما يكون وفرشه بالحصر الفيومي وعلق به القناديل وحصلت به الجمعية آخر جمعة برمضان سنة اثنتي عشرة ومائتين وألف فحضر الأمراء والأعيان والمشايخ وأكبر الناس وعامتهم وبعد انقضاء الصلاة عقد له الشيخ عبد الله الشرقاوي مجلسا وأملى حديث من بني لله مسجدا وآية: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} وعند فراغه ألبس فروة من السمور وكذلك الخطيب فلما حضرت الفرنساوية في العام القابل جرى عليه ما جرى على غيره من الهدم والتخريب وأخذ أخشابه حتى أصبح بلقعا أشوه مما كان فياليتها لم تتصدق وبالجملة فمناقب المترجم لا تحصى وأوصافه لا تستقصى وهو كان من أعظم الأسباب في خراب الإقليم المصري بما تجدد منه ومن مماليكه واتباعه من الجور والتهور ومسامحته لهم فلعل الهم يزول بزواله.

ومات الأمير حسن بك الجداوي مملوك علي بك وهو من خشداشين محمد بك أبي الذهب مات بغزة بالطاعون وكان من الشجعان الموصوفين والأبطال المعروفين ولما انفرد علي بك بمملكة مصر ولاه امارة جدة فلذلك لقب بالجداوي وذلك سنة أربع وثمانين ومائة وألف وابتلى فيها بأمور ظهرت بها شجاعته وعرفت فروسيته ولذلك خير يطول شرحه ولما حصلت الوحشة بين إسمعيل بك والمحمديين كان المترجم ممن نافق معه وعضده هو وخشداشينه رضوان بك وعبد الرحمن بك وكانت لهم الغلبة ونما أمره عند ذلك وظهر شأنه بعد أن كان خمل ذكره وهو الذي تجاسر على قتل يوسف بك في بيته بين مماليكه وعزوته ثم خامر على إسمعيل بك وانقلب مع المحمديين عندما خرج لمحاربتهم بالصعيد فخادعوه وراسلوه

ص: 450

وانضم إليهم بمن معه ورجعوا إلى مصر وفر إسمعيل بك بمن معه إلى الشام واستقر هو وخداشينه في مملكة مصر مشاركين لهم مظهرين عليهم الشمم طامعين في خلوص الأمر لهم متوقعين بهم الفرصة مع التهور الموجب لتحذر الآخرين منهم إلى أن استعجلوا اشعال نار الحرب فجرى ما جرى بينهم من الحروب والمحاصرة بالمدينة وانجلت عن خذلانهم وهزيمتهم وظهور المحمديين عليهم وقتل بها عدة من أعيانهم ومواليهم ومن انضم إليهم وربما عوقب من لا جناية له كما سطر ذلك في محله وفر المترجم مع بعض من بقى من عشيرته إلى القليونجية فقبض عليه وأتى به أتى مصر ففر إلى بولاق بمفرده والتجأ إلى بيت الشيخ الدمنهوري فأحاط به العساكر فنط من سطح الدار وخلص إلى الزقاق وسيفه مشهور في يده فصادف جنديا فقتله وأخذ فرسه فركبه وفر والعساكر خلفه تريد أخذه وتتلاحق به من كل جهة وهو يراوغهم ويقاتلهم حتى خلص إلى بيت إبراهيم بك فأمنه واتفقوا على إرساله إلى جدة فلما أقلع به في القلزم أمر رئيس المركب أن يذهب به إلى القصير وخوفه القتل أن لم يفعل فذهب به إلى القصير فتوجه منها إلى اسنا وعلمت به عشيرته وخشداشينه ومماليكه فتلاقوا به واستقر أمرهم بها بعد وقائع يطول شرحها فأقام نيفا وعشر سنين حتى رجع إليهم إسمعيل بك بعد غيبته الطويلة وانضم إليهم واصطلح معهم إلى أن كان ما كان من وصول حسن باشا إلى الديار المصرية واخراج المحمديين وادخاله للمذكور مع إسمعيل بك ورضوان بك واتباعهم وتأميرهم بمصر واستقرارهم بها بعد رجوع حسن باشا إلى بلاده ووقوع الطاعون الذي مات به إسمعيل بك ورضوان بك وغيرهم من الأمراء فاستقل بمن بقي من الأمراء وفعل معهم من التهور والحمق الشر ما أوجب لهم بغض النعيم والحياة معه وخامر عليه من كان يأمن إليه فلم يسعه ومن معه إلا الفرار ورضى ذاك لنفسه بالذل والعار ودخلت المحمديون إلى مصر المحميةواستقر هو كما

ص: 451

كان بالجهة القبلي فأقام على ذلك سبع سنين وبعض أشهر إلى أن وقعت حادثة الفرنسيس واستولوا على الإقليم المصري وحضرت العساكر بصحبة الوزير يوسف باشا ووقع ما وقع من الصلح ونقضه وانحصر المترجم مع من انحصر بالمدينة من المصرلية والعثمانية فقاتل وجاهد وأبلى بلاء حسنا شهد له بالشجاعة والإقدام كل من العثمانية والفرنساوية والمصرلية فلما انفصل الأمر وخرجوا إلى الجهة الشامية لم يزل محرصا ومرابطا ومجتهدا حتى مات بالطاعون في هذه السنة وفاز بالشهادتين وقدم على كريم يغفر الذنوب جميعا أنه هو الغفور الرحيم وامراؤه الموجودون الآن عثمان بك المعروف بالحسيني وأحمد بك أمره الوزير عوضا عن أستاذه.

ومات الأمير عثمان بك المعروف بطبل وهو من مماليك إسمعيل بك أمره في سنة اثنتين وتسعين ثم خرج مع سيده وتغرب معه في غيبته الطويلة فلما رجع إلى مصر في أيام حسن باشا تولى إمارة الحج في سنة خمس ومائتين وألف وكان سيده يقدمه على أقرانه ويظن به النجاح ولما طعن وعلم أنه مفارق الدنيا أحضره وأوصاه وحذره من أعدائه وقال له: إني حصنت لك مصر وسورتها وصيترها بحيث تملكها بنت عمياء فلما مات سيده تشوق للإمارة حسن بك الجداوي وعلي بك الدفتردار فلم يرض كل منهما بالآخر وتخوفا من بعضهما فاتفق رأيهما على تأمير عثمان بك المذكور كبيرا عوضا عن سيده وسكن داره وعقدوا الدواوين عنده فنزل عن إمارة الحج لحسن بك تابع حسن بك قصبة رضوان واشتغل هو بأمور الدولة ومشيخة مصر فلم يفلح وخامر مع أخصامه وأخصام سيده والتف عليهم سرا وصدق تمويهاتهم وخذل نفسه ودولته وذلك غيظا من حسن بك كما سبقت إليه الإشارة وكل من حسن بك وعثمان بك الجداوي وعلي بك الدفتردار يتخوف نفاق صاحبه لتكرر ذلك منهما في الوقائع السابقة وانحراف طبع كل عن صداقة الآخر الباطنية ولم

ص: 452

يخطر ببالهما بل ولا ببال أجد من المجانين فضلا عن العقلاء ركون المشار إليه إلى أعدائه وأعداء سيده العداوة الموروثة فكانا كلما شرعا في تدبير شيء من مكايد الحرب تبطهما واقعدهما وهما يظنان نصحه ويعتقدان خلوصه ومعرفته ولكونه تعلم سياسة الحروب من سيده لكثرة تجاربه وسياحته ولم يعلما أنه يمهد لنفسه طريقا مع الأعداء إلى أن كان ماكان من مساعدته لهم بالتغافل والتقاعد حتى تحولوا إلى الجهة الشرقية خلص إليهم بمن انضم إليه من عشيرته فلم يسع الباقين إلا الهرب وأسلم هو نفسه لأعدائه فأظهروا له المحبة وولوه إمارة الحج حكم عهدهم بذلك وأن تكون له إمارة الحج ما دام حيا فخرج في تلك السنة أميرا على الحج اعنى سنة ست ومائتين وألف وكذلك سنة سبع ونهب الحج في تلك السنة وفر المترجم إلى غزة فصودرت زوجاته واقتسمت اقطاعه ورجع بعد حين إلى مصر وأهمل أمره وأقام بطالا واستمر كآحاد الطائفة من الأجناد ويغدو ويروح إليهم ويرجو رفدهم إلى أن حدثت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج إلى الشام ولم يزل هناك حتى مات بالطاعون في السنة المذكورة وكان دائما يقول عند تذكره الدولة والنعيم ذلك تقدير العزيز العليم.

ومات الأمير عثمان بك المعروف بالشرقاوي وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب أيضا الكبار وتأمر في أيامه وعرف بالشرقاوي لكونه تول الشرقية ووقع منه ظلم وجبروت بعد موت أستاذه وصادر كثيرا من الناس في أموالهم ثم انكف عن ذلك وزعم أن ذلك كان باغراء مقدمة فشهره وقتله ولم يزل في امارته حتى مات في الشام بالطاعون.

ومات أيوب بك الكبير وهو أيضا من مماليك محمد بك وكان من خيارهم يغلب عليه حب الخير والسكون ويدفع الحق لاربابه وتأمر على الحج وشكرت سيرته واقتنى كتبا نفيسة واستكتب الكثير من المصاحف والكتب بالخطوط المنسوبة وكان لين الجانب مهذب النفس بحب أهل

ص: 453

الفضائل ذا ثروة عزوة وعفة لا يعرف إلا الجد ويجتنب الهزل ويلوم ويعترض على خشداشينه في أفعالهم ولا يعجبه سولكهم ولا يهمل حقا توجه عليه وإذا ساوم شيئا وقال له البائع: هذا بعشرة يقول له بل هو بخمسة مثلا وهذا ثمنها حالا وقد يكون ذلك رأس مالها أو بزيادة قليلة ويرضي البائع بذلك ويقبض الثمن في المجلس وهكذا كان شانه وطريقته.

ومات الأمير مصطفى بك الكبير وهو أيضا من مماليك محمد بك تولى الصعيد وإمارة الحج عدة مرار وكان فظا غليظا متمولا بخيلا شحيحا وفي امارته على الحج ترك زيارة المدينة لخوفه من العرب وشحه بعوائدهم وقلة اعتنائه بشعائر الدين وانتقد ذلك على المصريين من الدولة وغيرها وكان ذلك من أعظم ما اجترحه من القبائح.

ومات الأمير سليمان بك المعروف بالاغا توفي بأسيوط بالطاعون وهو أيضا من مماليك محمد بك الكبير وهو أخو إبراهيم بك المعروف بالوالي صهر إبراهيم بك الكبير وهو الذي مات غريقا في وقعة الفرنسيس الأولى بانبابة مدبرا فارا فسقط في البحر وغرق وكان هو وأخوه المترجم قبل تقلدهما الصنجقية أحدهما والي الشرطة والآخر آغات مستحفظان فلم يزالا يلقبان بذلك حتى ماتا وكان المترجم محبا لجمع المال وله أفطاع واسعة وخصوصا بجهة قبلي وفي آخر أمره استوطن اسيوط لأنها كانت في اقطاعه وبنى بها قصرا عظيما وأنشأ بعض بساتين وسواقي واقتنى أبقارا وأغناما كثيرة ومما اتفق له أنه جز صوف الأغنام وكانت أكثر من عشرة آلاف ثم وزعه على الفلاحين وسخرهم في غزله بعد أن وزنه عليهم ثم وزعه على القزازين فنسجوه اكسيه ثم جمع التجار وباعه عليهم بزيادة عن السعر الحاضر فبلغ ذلك مبلغا عظيما.

ومات الأمير قائد أغا وهو من مماليك محمد بك أيضا وكان يلقب أيام كشوفيته بقائد نار لظلمه وتجبره وولى أغات مستحفظان في سنة ثمان

ص: 454

وتسعين ومائة وألف فأخاف العامة وكان يتنكر ويتزيا بأشكال مختلفة ويتجسس على الناس وذلك أيام خروج إبراهيم بك إلى قبلي ووحشته من مراد بك وانفراد مراد بك بأمارة مصر فلما تصالحا ورجع إبراهيم بك رد الاغاوية لعلي أغا فحنق المترجم لذلك وقلق قلقا عظيما وترامى على الأمراء وصار يقول أن لم يردوا لي منصبي قتلت علي أغا أو قتلت نفسي فلما حصل منه ذلك عزلوا علي أغا وقلدوا سليم آغا امين البحرين أغاوية مستحفظان ولم يبلغ غرضه ولم ترض نفسه بالخمول وأكثر عنده من الأعوان والاتباع فيحضرون بين يديه الشكاوى والدعاوى ويضرب الناس ويحبسهم ويصادرهم في أموالهم ويركب وبين يديه العدة الوافرة من القواسة والخدم يحملون بين يديه الحراب والقرابين والبنادق وخلفه الكثير من الأجناد والمماليك واتخذ له جلساء وندماء يباسطونه ويضاحكونه ولم يزل كذلك حتى خرج مع عشيرته إلى الصعيد عند حضور حسن باشا فاستولى على كثير من حصص الاقطاع فلما رجعوا في أواخر سنة خمس بعد المائتين سكن دار جوهر أغا دار السعادة سابقا بالخرنقش وقد كان مات في الطاعون وتزوج سريته قهرا واستكثر من المماليك والجند وتاقت نفسه للامارة وتشوف إلى الصنجقية وسخط على زمانه والأمراء الذين لم يلبوا دعوته ولم يبلغوه أمنيته وصارت جلساؤه وندماؤه لا يخاطبونه إلا بالإمارة ويقولون له يا بك ويكره من يخاطبه بدون ذلك وكان له من الأولاد الذكور اثنا عشر ولدا لصلبه يركبون الخيول ماتوا في حياته وكان له أخ من أقبح خلق الله في الظلم اتخذ له اعوانا واتباعا وليس عنده ما يكفيهم فكان يخطف كل ما مر بخطته بباب الشعرية من قمح وتبن وشعير وغير ذلك ولا يدفع له ثمنا هلك قبله بنحو ست سنين بناحية قبلي وأتوا بجيفته إلى مصر مقرفصا ودفن بمدفن أخيه بتربة المجاورين ومن جملة أفاعيله القبيحة أنه كان يجر سيفه ويضرب رقاب الحمير ويزعم أنه يقطعها في ضربة واحدة ولم يزل المترجم أخوه على حالته حتى خرج

ص: 455

من مصر عند مجيء الفرنسيس وعاد بصحبة عرضي العثملي ومات قاسم بك مع من مات من الأمراء والصناجق بالشام فقلده الوزير الصنجيقة فيمن تقلد وأدرك أمنيته فأقام قليلا وهلك فيمن هلك بالطاعون فكان كما قال القائل كالمتمني أن يرى فلقا من الصباح فلما أن رآه عمي.

ومات أيضا حسن كاشف المعروف بجركس وهو أيضا من مماليك محمد بك وأشراق عثمان بك الشرقاوي وكان من الفراعنة وهو الذي عمر الدار العظيمة بالناصرية وصرف عليها أموالا عظيمة فما هو إلا أن تمم بناءها ولم يكمل بياضها حتى وصلت الفرنسيس فسكنها الفلكيون والمدبرون وأهل الحكمة والمهندسون فلذلك صينت من الخراب كما وقع بغيرها من الدور لكون عسكرهم لم يسكنوا بها وتقلد المذكور الصنجقية بالشام أيضا ثم هلك بالطاعون.

ومات الأمير حسن كتخدا المعروف بالجربان بالشام أيضا وأصله من مماليك حسن بك الأزبكاوي وكان ممتهنا في المماليك فسموه بالجربان لذلك فلما قتل أستاذه بقى هو لا يملك شيئا فجلس بحانوت جهة الأزبكية يبيع فيها تنباكا وصابونا ثم سافر إلى المنصورة فأقام بها مدة تحت قصر محمود جربجي ثم رجع إلى مصر في أيام دولة علي بك وتنقلت به الأحوال فأنعم عليه علي بك بامرية بناحية قبلي فلما حصلت الوحشة بين علي بك ومحمد بك وخرج محمد بك من مصر إلى قبلي خرج إليه المترجم ولاقاه وقدم بين يديه ما كان عنده من الخيام واليرق والخيول وانضم إليه ولم يزل حتى تملك محمد بك واستوزر إسمعيل أغا الجلفي وكان يبغض المترجم لامور بينهما فلم يزل حتى أوغر عليه صدر مخدومه وادى به الحال إلى الاقصاء والبعد إلى أن انضم إلى مراد بك وتقرب منه وكان مفوها لينا مشاركا قد حنكته الأيام والتجارب فجعله كتخدا ووزيره واشتهر ذكره وعمر دارا بناحية باب اللوق بالقرب من غيظ الطواشي وصار من الأعيان المعدودين وقصدته أرباب الحاجات واحتجب

ص: 456

في غالب الأوقات واتحد به محمد اغا البارودي فقربه من مراد بك وبلغ إلى ما بلغ معه وكان يعترى المترجم مرض شبيه بالصرع ينقطع به أياما عن السعي والركوب ولم يزل حتى مات مع من مات بالشام.

ومات الأمير قاسم بك المعروف بالموسقو وكان من مماليك إبراهيم بك وكان لين الجانب قليل الاذى إلا أنه كان شيخا لا يدفع حقا توجه عليه ولما مات خشداشه حسن بك الطحطاوي تزوج بزوجته وشرع في بناء السبيل المجاور لبيته بحارة قوصون بالقرب من الداودية فما قرب اتمامه إلا وقد قدمت الفرنسيس لمصر فخربوه وشعثوا بنيانه وخرقوا حيطانه وأخذوا عواميده وبقى على حالته مثل ما فعلوه بدور تلك الخطة وغيرها ومات أيضا المترجم بالشام.

ومات علي آغا كتخدا الجاويشية وهو من مماليك الدمياطي ونسب إلى محمد بك وأخيه إبراهيم بك ورقاه واختص به وولاه آغات مستحفظان في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف لم يزل إلى سنة ثمان وتسعين فخرج مع إبراهيم بك إلى المنية عندما تغاضب مع مراد بك فلما تصالحا قلد الاغاوية كما كان فحنق قائد آغا وكان ما كان من عزله وولاية سليم اغا كما سبق الالماع بذلك عند ذكر قائد أغا ثم تقلد كتخدا الجاويشية في سنة ست ومائتين وألف ولم يزل متقلدا ذلك حتىخرج مع من خرج في حادثة الفرنسيس وكان ذا مال وثروة مع مزيد شح وبخل واشترى دار عبد الرحمن كتخدا القازدغلي العظيمة التي بحارة عابدين وسكنها وليس له من المآثر إلا السبيل والكتاب الذي أنشأه بجوار داره الاخرى بدرب الحجر وهو من أحسن المباني وقد حماه الله من تخريب الفرنسيس وهو باق إلى يومنا هذا ببهجته ورونقه.

ومات الأمير يحيى كاشف الكبير وهو من مماليك إبراهيم بك الاقدمين وكان لطيف الطباع حسن الاوضاع وعنده ذوق وتودد عطارديا يحب الرسومات والنقوش والتصاوير والاشكال ودقائق الصناعات والكتب

ص: 457

المشتملة على ذلك مثل كليلة ودمنه والنوادر والأمثال واهتم في بناء السبيل المجاور لداره بخطة عابدين فرسم شكله قبل الشروع فيه في قرطاس بمعونة الأسطا حسن الخياط ثم سافر إلى الأسكندرية وأحضر ما يحتاجه من الرخام والأعمدة المرمر الكبيرة والصغيرة وأنواع الاخشاب وحفر أساسه واحكم وضعه واستدعى الصناع والمرخمين فتانقوا في صناعته ونقش رخامه على الرسم الذي رسمه لهم كل ذلك بالحفر بالآلات في الرخام وموهوه بالذهب فما هو إلا أن ارتفع بنيانه وتشيدت اركانه وظهر للعيان حسن قالبه وكاد يتم ما قصده من حسن مآربه حتى وقعت حادثة الفرنسيس فخرج مع من خرج قبل إتمامه وبقى على حالته إلى الآن ولما خرج سكن داره برطلمين واستخرج مخباة بين داره والسبيل فيها ذخائره ومتاعه فاوصلها للفرنسيس.

ومات الأمير رشوان كاشف وهو من مماليك مراد بك وكان له أقطاع بالفيوم فكان معظم إقامته بها فاحتكر الورد وما يخرج من مائه والخل المتخذ من العنب والخيش واتجر في هذه البضائع بمراده واختياره وتحكم في الإقليم تحكم الملاك في املاكهم وعبيدهم وذلك قوة واقتدار.

ومات الأمير سليم كاشف باسيوط مطعونا وهو من مماليك عثمان بك المعروف بالجرجاوي من البيوت القديمة وخشداش عبد الرحمن بك عثمان المتوفي في سنة خمس ومائتين وألف بالطاعون الذي مات به إسمعيل بك وخلافه وتزوج ابنته بعد موته وكان ملتزما بحصة من اسيوط وشرق الناصري واستوطن باسيوط وبنى بها دارا عظيمة وعدة دور صغار وانشأ بها عدة بساتين وغرس بها وبشرق الناصري اشجارا كثيرة وعمر عدة قناطر وحفر ترعا وصنع جسورا واسبلة في مفاوز الطرق وانشأ دارا بمصر بالمناخلية بسوق الانماطيين واشترى دارا جليلة كانت لسليمان بك المعروف بابي نبوت بحارة عابدين وعمرها وزخرفها وانشأ باسيوط جامعا عظيما ومكتبا فما هو إلا أن أكمل بنيانه حتى قدمت الفرنسيس

ص: 458