الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها أنه عدم البصل الاحمر حتى بيع الرطل بسعر القنطار في الزمن السابق وعدم الملح أيضا بسبب احتكاره وعدم المراكب التي تجلبه من بحري لما ترتب عليهم من زيادة الجمرك وعدم مكاسبهم فيه لأن الذي تولى على جمرك الملاحة صار يأخذه من أصحابه على ذمته بسعر قليل معلوم ويبيعه على ذمته بسعر كثير لمن يسافر به إلى جهة قبلي وذلك خلاف ما يأخذه من المراكب التي تحمله فامتنع المتسببون فيه من تجارته فعز وجوده في آخر السنة حتى بيع الربع بثمانين نصفا من ثلاث انصاف وضجت الناس من ذلك فأرسل ذلك الملتزم ثلاثة مراكب على ذمته ووسقها ملحا وصار يبيع الربع بعشرين نصفا ويبيعه المسبب بثلاثين وهذا لم يعهد فيما تقدم من السنين وعدم أيضا الصابون بسبب تأخر القافلة حتى بيع بأغلى ثمن ثم حضرت القافلة فانحل سعره وتواجد وغير ذلك مما لا يمكن الاحاطة به ونسأل الله تعالى حسن العاقبة
سنة ثمان عشرة ومائتين وألف
.
شهر محرم الحرام سنة 1218.
استهل بيوم السبت في ذلك اليوم وقعت زعجة عظيمة في الناس وحصلت كرشات في مصر وبولاق وحوانيتهم ورفعوا منها ماخف من متاعهم من الدكاكين وبعضهم ترك حانوته وهرب والبعض سقط متاعه من يده ولم يشعر من شدة ما لحقهم من الخوف والارجاف ولم يعلم سبب ذلك فيقال أن السبب في ذلك أن جماعة من كبار العسكر ذهبوا إلى الباشا وطلبوا جماكيهم المنكسرة وخرجهم فقال لهم اذهبوا إلى الدفتردار فذهبوا إلى الدفتردار فقال لهم جمكيتكم عند محمد علي فذهبوا إلى محمد علي وكانوا وعدوهم بقبض جامكيتهم في ذلك اليوم فلما ذهبوا إلى محمد علي قال لهم لم أقبض شيئا فعلموا معه شراسة وضرب بينهم بعض بنادق وهاجت العسكر عند بيت محمد علي سرششمه فحصلت هذه الزعجة في مصر وبولاق ثم سكن ذلك بعد أن وعدهم بعد ستة أيام
وفيه وردت عدة تقارير وبها جبخانة وجملة من العسكر وصحبتهم إبراهيم اغا الذي كان كاشف الشرقية عام أول وكان توجه إلى اسلامبول فحضر وصحبته ذلك فحملوا الجبخانة وطلعوها إلى القلعة فيقال أنها متوجهة إلى جدة بسبب فتنة الحجاز وقيل غير ذلك.
وفي يوم الجمعة سابعه ثارت العسكر وحضروا إلى بيت الدفتردار فاجتمعوا بالحوش وقفلوا باب القيطون وطردوا القواسة وطلع جمع منهم فوقفوا بفسحة المكان الجالس به الدفتردار ودخل أربعة منهم عند الدفتردار فكلموه في انجاز الوعد فقال لهم أنه اجتمع عندي نحو الستين ألف قرش فأما أن تأخذوها أو تصبروا كم يوم حتى يكمل لكم المطلوب فقالوا: لا بد من التشهيل فإن العسكر تقلقوا من طول المواعيد فكتب ورقة وأرسلها إلى الباشا بأن يرسل إليه جانب دراهم تكملة للقدر الحاصل عنده في الخزينة فرجع الرسول وهو يقول: لا أدفع ولا آذن بدفع شيء فأما أن يخرجوا ويسافروا من بلدي أو لا بد من قتلهم عن آخرهم فعندما رجع بذلك الجواب قال له: ارجع إليه واخبره أن البيت قد امتلأ بالعساكر فوق وتحت وأني محصور بينهم فعند وصول المرسال وقبل رجوعه أمر الباشا بأن يديروا المدافع ويضربوها على بيت الدفتردار وعلى العسكر فما يشعر الدفتردار إلا وجلة وقعت بين يديه فقام من مجلسه إلى مجلس آخر وتتابع الرمي واشتعلت النار في البيت وفي الكشك الذي أنشأه ببيت جده المجاور لبيته وهو من الخشب والحجنة من غير بياض لم يكمل فالتهب بالنهار فنزل إلى اسفل والارنؤد محيطة به وبات تحت السلالم إلى الصباح ونهب العسكر الخزينة والبيت ولم يسلم إلا الدفتردار والأوراق وضعوها في صناديق وشالوها وكان ابتداء رمي المدافع وقت صلاة الجمعة وأما أهل البلد فإنهم كانوا متخوفين ومتطيرين من قومه أو فزعة تحصل من العسكر قبل ذلك فلما عاين الناس تجمعهم ببيت الدفتردار شاع ذلك في المدينة ومر الوالي يقول للناس: ارفعوا متاعكم
واحفظوا أنفسكم وخذوا حذركم وأسلحتكم فأغلق الناس الدكاكين والدروب وهاجوا وماجوا فلما سمعوا ضرب المدافع زاد تطيرهم وتخيلوا هجوم العكسر ونهب البلد بل ودخول البيوت ولا راد يردهم ولا حاكم يمنعهم ونادى المنادي معاشر الناس وأولاد البلد كل من كان عنده سلاح فليلبسه واجتمعوا عند شيخ مشايخ الحارات يذهب بكم إلى بيت الباش وحضرت أوراق من الباشا لأهل الغورية ومغاربة الفحامين وتجار خان الخليل وأهل طولون يطلبهم بأسلحتهم والحضور عنده والتحذير من التخلف فذهب بعض الناس فأقاموهم عند بيت حريم الباشا وبيت بن المحروقي المجاور له وهو بيت البكري القديم فباتوا ليلتهم هناك وحضر حسن آغا والي العمارة عشاء تلك الليلة وطاف على الناس يحرضهم على القيام ومعاونة الباشا وتجمع بعض الاوباش بالعصي والمساوق وتحزبوا أحزابا وعملوا متاريس عند رأس الوراقين وجهة العقادين والمشهد الحسيني فلما دخل الليل بطل الرمي إلى الصباح فشرعوا في الرمي بالمدافع والقنابر من الجهتين وتترست العساكر بجامع أزبك وبيت الدفتردار وبيت محمد علي وكوم الشيخ سلامة وداخل الناس خوف عظيم من هذه الحادثة وأما القلعة الكبيرة فإن الباشا مطمئن من جهتها لأنه مقيد بها الخازندار ومعه عدة من الارنؤد وغيرهم وقافل أبوابها ولما كان يوم الجمعة امس تاريخه قبل حصول الواقعة وحضر اغات الإنكشارية والوجاقلية لأجل السلام على عادتهم ودخلوا عند كتخدا بك فقال لهم: نبهوا على أهل البلد بغلق الدكاكين والأسواق والاستعداد فإن العسكر حاصل عندهم قلة أدب فلما طلعوا عند الباشا أعلموه بمقالة كتخدا بك فقال لهم: نعم فقال له آغات الانكشارية: يا سلطانم ينبغي الاحتفاظ بالقلعة الكبيرة قبل كل شيء فقال: إن بها الخازندار واوصيته بالاحتفاظ وغلق الأبواب فقال له الاغا: لكن ينبغي أن نترك عند كل باب من خارج قدر خمسين انكشاريا فقال وايش فائدتهم ما عليكم من هذا الكلام
تريدون تفريق عساكري اذهبوا لما امرتكم به وذلك لأجل انفاذ القضاء وحضر طاهر باشا أيضا في ذلك الوقت وهو كالمحب ومكمن العداوة فلم يقابله الباشا وأمره بأن يذهب إلى داره ولا يقارش فلما كان في صبحها يوم السبت رتب الباشا عساكره على طريقة الفرنسيس وهو المسمى بالنظام الجديد فخرجوا بأسلحتهم وبنادقهم وخيولهم وهم طوابير ومروا حوالي البركة وانقسموا فرقتين فرقة أتت على رصيف الخشاب وفرقة على جهة باب الهواء ليأخذوا الارنؤدية بينهم ويحصروهم من الجهتين فلما حضرت الفرقة التي من ناحية رصيف الخشاب قاتلوا الارنؤدية فعند ذلك أركبوا الدفتردار وأخذوه إلى بيت طاهر باشا ومعه أتباعه وأنهزم الارنؤدية من تلك الجهة وانحصروا جهة جامع ازبك واشتغلوا بمحاربة الفرقة الاخرى وتحققوا الهزيمة والخذلان وعندما وصلت عساكر الباشا إلى بيت الدفتردار والمحروقي وبيت حريم الباشا اشتغلوا بالنهب واخراج الحريم وتركوا القتال وتفرقوا بالمنهوبات وفترت همة الفرقة الأخرى وجرى أكثرهم ليخطف شيئا ويغنم مثلهم وقالوا نحن نقاتل ونموت لاعلى شيء وأصحابنا ينهبون ويغنمون فهزموا أنفسهم لذلك وتراجع الارنؤدية واشتدت عزيمتهم ورجع البعض منهم على عساكر الباشا فهزموا من بقي منهم وملكوا الجهة التي كانوا أجلوهم عنها فعند ذلك ظهر طاهر باشا وركب إلى الرميلة وتقدم إلى باب العزب فوجده مغلوقا فعالج الطاقات الصغار التي في حائط باب العزب القريبة من الأرض المعدة لرمي المدافع من أسفل ففتح بعضها ودخل منها بعض عسكر فتلاقوا مع الارنؤد المحافظين داخل الباب فالتف بعضهم على بعض ثم طلعوا عند الخازندار وكان عنده ابن أخت طاهر باشا ممرضا قبل ذلك بايام وصحبته طائفة أيضا فالتفوا على بعضهم وصاروا عصبة وطلبوا مفاتيح القلعة من الخازندار فمانعهم ولما رأى منهم العين الحمراء سلمهم المفاتيح فنزلوا وفتحوا الأبواب لطاهر باشا وحبسوا الخازندار وأنزلوا من القلعة مدافع وبنبات وجبخانة
إلى الأزبكية لجماعتهم وكذلك قيدوا بالقلعة طبجية وعساكر كل ذلك ومحمد باشا لا يدري بشيء من ذلك فلم يشعر إلا والضرب نازل عليه من القلعة فسأل ما هذا فقيل له: إنهم ملكوا القلعة فسقط في يذه وعند ذلك نزل طاهر باشا من القلعة وشق من وسط المدينة وهو يقول بنفسه مع المنادي أمان واطمئنان افتحوا دكاكينكم وبيعوا واشتروا وما عليكم باس وطاف يزور الأضرحة والمشايخ والمجاذيب ويطلب منهم الدعاء ورفع الناس المتاريس من الطرق وانكفوا عن مقارشة العسكر وكذلك لم يحصل أذية من العسكر لاحد من الرعية وأمروا بفتح مخابز العيش والمآكل وأخذوا واشتروا عن غير اجحاف ولا بخس فلما علم الباعة منهم ذلك ذهبوا إليهم بالعيش والكعك والجبن والفطير والسميط وغير ذلك ودخلوا فيهم يبيعون عليهم وهم يشترون منهم بالمصلحة وصار بعض أولاد البلد يذهب إلى الفرجة ويدخل بينهم ويمر من وسطهم فلا يتعرضون لهم ويقولون: نحن مع بعضنا وأنتم رعية فلا علاقة لكم بنا ووجدوا مع البضع سلاحا ذهب به عندما أرسل الباشا ونادى بالناس فردوهم بلطف وكل ذلك على غير القياس وطاهر باشا لم يكن له شغل إلا الطواف بالمدينة والأسواق وخارج البلد ويقول للفلاحين الذين يجلبون الحطب والجلة والسمن والجبن من الارياف كونوا على ما أنتم عليه وهاتوا أسبابكم وبيعوا واشتروا وليس عليكم باس وحضر إليه الوالي فأمره بالمرور والمناداة بالأمن للناس واستمر الحرب بين الفريقين نهار السبت واشتد ليل الأحد طول الليل فما أصبح النهار حتى زحف عساكر الارنؤد إلى جامع عثمان كتخدا والي حارة النصارى من الجهة الاخرى وطلعوا إلى التلول التي بناحية بولاق وملكوا بولاق وهجموا على مناخ الجمال الذي بالقرب من الشيخ فرج فقتلوا من به من عسكر التكرور وهرب من بقى منهم عريانا وقبضوا على منش القبطان وعدوا بالغليون إلى برانبابة ونهبوا ما فيه وكان به مال القبطان وذخائره التي جمعها من مظالم المراكب والمسافرين والقادمين شيا كثيرا وكذلك ذهبت
طائفة منهم إلى قصر العيني وقبضوا على من به ومن عبيد الباشا وعروهم وأخذوهم أسرى ونهبوا بيت السيد أحمد المحروقي بالازبكية وهو بيت البكري القديم وقد كان اخلاه لنفسه وعمره وسكنه بحريمه فنهبوا منه شيئا كثيرا يفوق الحصر واخرجوا منه النساء بعد ما فتشوهن أو افتدين أنفسهن وكذلك بيت حريم الباشا الملاصق له بعد ما أرسل الباشا عساكره قبل بيوم فنقل منه الحريم عنده بطولهن لا غير ونهبوا بيت جرجس الجوهري وأخذوا منه أشياء نفيسة كثيرة وفراوي مثمنة وحريم بيت الباشا لم يتمكنوا منه إلا بعد انفضاض القضية بيومين بسبب أن المحافظين عليه كانوا ثمانية عشر فرنساويا فحاصروا فيه هذه المدة حتى خرجوا منه بامان وأما سكان تلك الخطة فإنهم كانوا يذهبون إلى طاهر باشا أو محمد علي فيرسل معهم عسكر لخفارتهم حتى ينقلوا امتعتهم أو أمكنهم إلى جهات بعيدة عن ذلك المحل ليامنوا على أنفسهم من الحرب وهرب المحروقي وابنه عند الباشا ولاحت لوائح الخذلان على الباشا واستعد للفرار فإنه لما بات تلك الليلة لم يجد عليقا ولا خبزا فعلقوا على الخيل أرزا وتعشى الباشا بالقسمات وأرسل إلى حارة النصارى فطلب منهم خبزا فأرسلوا له خبزا فخطفه الارنؤد في الطريق ولم يصل إليه ثم عسكر الارنؤد أحضروا آلة بنية ووضعوها بالبركة وضربوا بها على بيت الباشا فوقعت واحدة على الباذاهنج فألتهب فيه النار فأرادوا اطفاءها فلم يجدوا سقائين تنقل الماء ويقال أن الخازندار الذي كان بالقلعة لما قبضوا عليه التزم لهم بحرق بيت الباشا ويطلقوه فأرسل بعض أتباعه إلى مكانه الذي ببيت الباشا فأوقدوا فيه النار في ذلك الوقت واشتعلت في الاخشاب والسقوف وسرت إلى مساكن الباشا فعند ذلك نزل الباشا إلى أسفل وأنزل الحريم وعددهن سبع عشرة امرأة فأركبهن بغالا وأمر الدلاة والهوارة أن يتقدموهن وركب صحبتهن المحروقي وابنه وترجمانه وصير فيه وعبيده وفراشوه وتأخر الباشا حتى أركب الحريم ثم ركب في مماليكه ومن بقي من عسكره
وأتباعه وركب معه حسين آغاشنن وبعض آغوات وصحبته ثلاث هجن وخرج إلى جزيرة بدران فعندما أشيع ركوبه هجمت عساكر الارنؤد على البيت واشتغلوا بالنهب هذا والنار تشتعل فيه وكان ركوبه قبيل أذان العصر من يوم الأحد تاسع المحرم وخرج خلفه عدة وافرة من عسكر الارنؤد فرجع عليهم وهزمهم مرتين وقيل ثلاثا وأما المحروقي ومن معه فإنهم تشتتوا من بعضهم خلف الدلاة ولم يلحقوهم وانقطع حزام بغلته فنزل عنها فأدركه العساكر المتلاحقة بالباشا فعروه وشلحوه هو واتباعه وابنه وأخذوا منهم نحو عشرين ألف دينار اسلامبولي نقدية وقيل جواهر بنحو ذلك فأدركهم عمر أغا بينباشي المقيم ببولاق فوقعوا عليه فأمنهم واخذهم معه إلى بولاق وباتوا عنده إلى ثاني يوم وأخذ لهم أمانا وحضر إلى طاهر باشا وقابله وكذلك جرجس الجوهري ونهب العسكر بيت الباشا وأخذوا منه شيئا كثيرا وباتت النار تلتهب فيه والدخان صاعد إلى عنان السماء حتى لم يبق فيه إلا الجدران التحتانية الملاصقة للارض واحترقت وأنهدمت تلك الأبنية العظيمة المشيدة العالية وما به من القصور والمجالس والمقاعد والرواشن والشبابيك والقمريات والمناظر والتنهات والخزائن والمخادع وكان هذا البيت من أضخم المباني المكلفة فإنه إذا حلف الحألف أنه صرف على عمارته من أول الزمان إلى أن احترق عشر خزائن من المال أو أكثر لا يحنث فإن الألفي لما انشأه صرف عليه مبالغ كثيرة وكان اصل هذا المكان قصرا عمره وانشأه السيد إبراهيم ابن السيد سعودي اسكندر من فقهاء الحنفية وجعل في اسفله قناطر وبوائك من ناحية البركة وجعلها برسم النزهة لعامة الناس فكان يجتمع بها عالم من اجناس الناس وأولاد البلد شيء كثير وبها قهاوي وبياعون وفكهانية ومغاني وغير ذلك ويقف عندها مراكب وقوارب بها من تلك الاجناس فكان يقع بها وبالجسر المقابل لها من عصر النهار إلى آخر الليل من الخط والنزاهة ما لا يوصف ثم تداول ذلك القصر أيدي الملاك وظهر علي بك وقساوة حكمه فسدوا تلك البوائك
ومنعوا الناس عنها لما كان يقع بها في الاحيان من اجتماع أهل الفسوق والحشاشين ثم اشترى ذلك القصر الأمير أحمد أغا شويكار وباعه بعد مدة فاشتراه الأمير محمد بك الألفي في سنة احدى عشرة ومائتين وألف وشرع في هدمه وتعميره وانشائه على الصورة التي كان عليها وكان غائبا جهة الشرقية فرسم لكتخداه صورته في كاغد بكيفية وضعه فحضر ذو الفقار كتخدا وهدم ذلك القصر وحضر الجدران ووضع الأساس وأقام الدعائم ووضع سقوف الدور السفلى فحضر عند ذلك مخدومه فلم يجده على الرسم الذي حدده له فهدمه ثانيا وأقام دعائمه على مراده واجتهد في عمارته وطلب له الصناع والمؤن من الاحجار والأخشاب المتنوعة حتى شحت المؤن في ذلك الوقت وأوقفت أربعة من أمرائه على أربع جهاته وعمل على ذمة العمارة طواحين للجبس وقمن الجير وأحضر البلاط من الجبل قطعا كبارا ونشرها على قياس مطلوبة وذلك الرخام وذلك خلاف انقاض رخام المكان وانقاض الأماكن التي اشتراها وهدمها وأخذ اخشابها وانقاضها ونقلها على الجمال وفي المراكب لأجل ذلك فمنها البيت الكبير الذي كان أنشأه حسن كتخدا الشعراوي على بركة الرطلي وكان به شيء كثير من الاخشاب والانقاض والشبابيك والرواشن نقلت جميعها إلى العمارة فصار كل من الأمراء المشيدين يبني وينقل ويبيع ويفرق على من أحب حتى بنوا دورا من جانب تلك العمارة والطلب مستمر حتى أتموه في مدة يسيرة وركب على جميع الشبابيك شرائح الزجاج أعلى وأسفل وهو شيء كثير جدا وفي المخادع المختصة به ألواح الزجاج البلور الكبار التي يساوي الواحد منهما خمسمائة درهم وهو كثير أيضا ثم فرشه جميعه بالبسط الرومي والفرش الفاخر وعلقوا به الستائر والوسائد المزركشة وطوالات المراتب كلها مقصبات وبنى به حمامين علويا وسفليا إلى غير ذلك فما هو إلا أن ثم ذلك فأقام به نحو عشرين يوما ثم خرج إلى الشرقية فأقام هناك وحضر الفرنسيس فسكنه سارى عسكر بونابارته فعمر فيه
أيضا عمارة ولما سافر وأقام مكانه كلهبر عمر فيه أيضا فلما قتل كلهبر وتولى عوضه عبد الله منو لم يزل مجتهدا في عمارته وغير معاليمه وادخل فيه المسجد وبنى الباب على الوضع الذي كان عليه وعقد فوقه القبة المحكمة وأقام في أركانها الأعمدة بوضع محكم متقن وعمل السلالم العراض التي يصع منها إلى الدور العلوي والسفلي من على يمين الداخل وجعل مساكنه كلها تنفذ إلى بعضها البعض على طريقة وضع مساكنهم واستمر يبني فيه ويعمر مدة إقامته إلى أن خرج من مصر فلما حضر العثمانية وتولى على مصر محمد باشا المذكور رغب في سكنى هذا المكان وشرع في تعميره هذه العمارة العظيمة حتى أنه رتب لحرق الجير فقط اثني عشر قمينا تشتغل على الدوام والجمال التي تنقل الحجر من الجبل ثلاث قطارات كل قطار سبعون جملا وقس على ذلك بقية اللوازم ورموا جميع الأتربة في البركة حتى ردموا منها جانبا كبيرا ردما غير معتدل حتى شوهوا البركة وصارت كلها كيمانا واتربة والعجب أن منتهى الرغبة في سكن هذه البركة وأمثالها إنما هو تسريح النظر وانبساط النفس باتساعها واطلاقها وخصوصا أيام النيل حين تمتلىء بالماء فتصير لحة ماء دائرة بركارية مملوءة بالزوارق والقنج والشطيات المعدة للنزهة تسرح فيها ليلا ونهارا وعند دخول المساء يوقدون القناديل بدائرها في جميع قواطين البيوت فيصير لذلك منظر بهيج لا سيما في الليالي المقمرة فيختلط ضحك الماء في وجه البدر والقناديل وانعكاس خيالها كأنها أسفل الماء أيضا وصدى أصوات القيان والاغاني في ليال لا تعد من الأعمار إذ الناس ناس والزمان زمان فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إلى أن كان ما كان وقعت هذه الحوادث فتضاعف المسخ والتشويه والعجب أنه لما وقعت الحرابة بين الفرنساوية والعثمانية وأهل مصر وأقام الحرب 36 يوما وهم يضربون على ذلك بالبيت بالمدافع والقنابر لم يصبه شيء ولم ينهدم منه حجرا واحدا ولما وقعت هذه الحرابة بين الباشا وعسكره احترق وأنهدم في ليلة واحدة كذلك احترق بيت الدفتردار وهو بيت ثلاثة ولية الذي كان أنشأه رضوان كتخدا
الجلفي وكان بيتا عظيما ليس له نظير في عمارته وزخرفته وكلفته وسقوفه من اغرب ما صنعته أيدي بني آدم في الدقة والصنعة وكله منقوش بالذهب واللازورد والأصباغ وعلى مجالسه العليا قباب مصنعة وارضه كلها بالرخام الملون فأحترق جميعه ولم يبق به شيء إلا بعد الجدران اللاطئة بالأرض وسكنت الفتنة وشق الوالي علي آغا الشعراوي وذو الفقار المحتسب وأغات الانكشارية ونادوا بالأمان والبيع والشراء فكانت مدة ولاية هذا الباشا عل مصر سنة وثلاثة اشهر وواحدا وعشرين يوما وكان سيء التدبير ولا يحسن التصرف ويحب سفك الدماء ولا يتروى في ذلك ولا يضع شيئا في محله ويتكرم على من لا يستحق ويبخل على من يستحق وفي آخر مدته داخله الغرور وطاوع قرناء السوء المحدقين به والتفت إلى المظالم والفرد على الناس وأهل القرى حتى أنهم كانوا حرروا دفاتر فردة عامة على الدور والأماكن بأجرة ثلاث سنوات وقيل اشنع من ذلك فأنقذ الله منه عباده وسلط عليه جنده وعساكره وخرج مرغوما مقهورا على هذه الصورة ولم يزل في سيره إلى أن نزل بقليوب بعد الغروب فعشاه الشواربي شيخ قليوب ثم سار ليلا إلى دجوة فأنزل الحريم والاثقال في ثلاثة مراكب وسار هو إلى جهة بنها وغالب جماعته تخلفوا عنه بمصر وكذلك الكتخدا وديوان أفندي والخازندار الذي كان بالقعلة والسلحدار وخليل أفندي خزنة كاتب.
وفي يوم الإثنين عاشره نودى بالأمان أيضا وأن العساكر لا يتعرضون لاحد بأذية وكل من تعرض له عسكري بأذية ولو قليلة فليشتكه إلى القلق الكائن بخطته ويحضره إلى طاهر باشا فينتقم له منه.
وفي يوم الخميس وقت العصر حضر الاغا والوجاقلية إلى بيت القاضي وأعلموه باجتماعهم في غد عند طاهر باشا ويتفقون على تلبيسه قائمقام ويكتبون عرض محضر بحاصل ما وقع.
وفي 2 ذلك اليوم حضر جعفر كاشف تابع إبراهيم بك وبيده مراسلة خطابا للعلماء والمشايخ وقيل أنه كان بمصر من مدة أيام وكان يجتمع
بطاهر باشا كل وقت بالشيخونية فلما أصبح يوم الجمعة رابع عشره اجتمع المشايخ عند القاضي وركبوا صحبته وذهبوا عند طاهر باشا وعملوا ديوانا وأحضر القاضي فروة سمور البسها لطاهر باشا ليكون قائمقام حتى تحضر له الولاية أو يأتي وال وكلموه على رفع الحوادث والمظالم وظنوا فيه الخيرية واتفقوا على كتابة عرضحال بصورة ما وقع وقرأوا المكتوب الذي حضر من عند الأمراء القبالى وهو مشتمل على آيات واحاديث وكلام طويل ومحصلة أنهم طائعون وممتثلون ولم يحصل منهم تعد ولا محاربة وإنما إذا حضروا إلى جهة أو بلدة وطلبوا المرور عليها أو قضاء حاجة من بندر منعهم الحاكم والعساكر التي بها ونابذ بالمحاربة والطرد ومع ذلك إذا وقعت بيننا محاربة لا يثبتون لنا وينهزمون ويفرون وقد تكرر ذلك المرة بعد المرة ولا يخفي ما يترتب على ذلك من النهب والسلب وهتك الحرائر وقد وقع لنا لما حضرنا بالمنية فحصل ما حصل وبدؤنا بالطرد والابعاد حصل ما حصل مما ذكر وعوقب من لا جنى وذنب الرعية والعباد في رقابكم وقد التمسنا من ساداتنا المشايخ أن يتشفعوا لنا عند حضرة الوزير ويعطينا ما يقوم بمؤنتنا ومعايشنا فأبى حضرة الوزير إلا أخراجنا من القطر المصري كليا وبعثتم تحذرونا مخالفة الدولة العلية مستدلين علينا بقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم تذكروا لنا آية تدل على أننا نخرج من تحت السماء ولا آية تدل على أننا نلقي بأيدينا إلى التهلكة وذكرتم لنا أن حريمنا وأولادنا بمصر ربما ترتب على المخالفة وقوع الضرر بهم وقد تعجبنا من ذلك فإننا إنما تركنا حريمنا ثقة بأنهم في كفالتكم وعرضكم على أن المروءة تابى صرف الهمة إلى امتداد الأيدي للحريم والرجال للرجال على أن املك دورا والله يقلب الليل والنهار والملك بيد الله يؤتيه من يشاء قل: اللهم مالك الملك الاية فلما قرىء ذلك بتفاصيله تعجب السامعون له فكأنما كانوا ينظرون من خلف حجاب الغيب وأخذ ذلك المكتوب طاهر باشا
وأودعه في جيبه ثم قال الحاضرون: فما يكون الجواب قال: حتى نتروى في ذلك ثم كتب لهم جوابا يخبرهم فيه بما وقع ويأمرهم بأنهم يحضرون بالقرب من مصر لربما اقتضى الحال إلى المعاونة.
وفي يوم الإثنين سابع عشرة كتبوا العرض المحضر بصورة ما وقع وختم عليه المشايخ والوجاقلية وأرسلوه إلى اسلامبول وأما محمد باشا المهزوم فإنه لم يزل في سيره حتى وصل إلى المنصورة وفرد على أهلها تسعين ألف ريال وكذلك فرد على علي ما أمكنه من بلاد الدقهلية والغربية فردا ومظالم وكلفا وصادف في طريقه بعض المعينين حاضرين بمبالع الفردة السابقة فأخذها منهم.
وفي ليلة الثلاثاء بعد المغرب ثامن عشرة أرسل طاهر باشا عدة من العسكر فقبضوا على جماعة من بيوتهم وهم آغات الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز ومصطفى آغا الوكيل وأيوب كتخدا الفلاح وأحمد كتخدا علي والسيد أحمد المحروقي فأنزلوه إلى بيته في ثاني يوم وعملوا عليه ستمائة ولزم العسكر بيته وكذلك بقية الجماعة منهم من عمل عليه مائتا كيس وأقل وأكثر وأقاموا في الترسيم.
وفي يوم الجمعة حادي عشرينه ركب طاهر باشا بالموكب والملازمين وصلى الجمعة بجامع الحسين.
وفيه وردت الأخبار بأن الأمراء المصرية رجعوا إلى قبلي ووصلوا إلى قرب بني سويف.
وفيه تشفع شيخ السادات في مصطفى آغا الوكيل واخذه إلى بيته وعملوا عليه مائتين وعشرين كيسا فلما كان يوم الأحد أرسل طاهر باشا يطلب مصطفى اغا الوكيل من عند شيخ السادات فركب معه شيخ السادات وسعيد اغا وكيل دار السعادة وذهبا صحبته إلى بيت طاهر باشا فلما طلعوا إلى أعلى الدرج خرج عليهم جماعة من العسكر وجذبوا مصطفى أغا من بينهم وقبضوا عليه وأنزلوه إلى أسفل وأخذوه إلى القلعة ماشيا على أقدامه
فحنق الشيخ السادات ودخل على طاهر باشا وتشاجر معه فأطلعه على مكتوب مرسل من محمد باشا إليه فقال: هذا لا يؤأخذ به إنما يؤأخذ إذا كان المكتوب منه إلى محمد باشا ثم انحط الأمر عل أنه لا يقتله ولا يطلقه ثم إن طاهر باشا ركب ليلا وذهب إلى شيخ السادات وأخذ خاطره بعد ما فزع من حضوره إليه في ذلك الوقت.
وفي ثالث عشرينه اطلعوا يوسف كتخدا الباشا إلى القلعة والزموه بمال وكذلك خزنة كاتب.
وفيه خرج أمير الالزم لملاقات الحجاج فنصب وطاقه بقبة النصر وأقام هناك.
وفيه حضر هجان على يده مكاتيب كر مؤرخة في عشرين شهر الحجة مضمونها أن الوهابيين أحاطوا بالديار الحجازية وأن شريف مكة الشريف غالب تداخل مع شريف باشا وأمير الحاج المصري والشامي وارشاهم على أن يتعوقوا معه أياما حتى ينقل ما له ومتاعه إلى جدة وذلك بعد اختلاف كبير وحل وربط وكونهم يجتمعون على حربه ثم يرجعون على ذلك إلى أن اتفق رأيهم على الرحيل فأقاموا مع الشريف اثنى عشر يوما ثم رحلوا ورحل الشريف بعد أن احرق داره ورحل شريف باشا أيضا إلى جدة.
وفيه قبضوا على أنفار من الوجاقلية أيضا المستورين وطلبوا منهم دراهم وعملوا على طائفة القبط الكتبة خمسمائة كيس بالتوزيع.
وفي خامس عشرينه قبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وكذلك عملوا على طائفة من اليهود مائة كيس.
وفيه حضر أحمد أغا شويكار إلى مصر بمراسلة من الأمراء القبالي.
وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه سافرت التجريدة المعينة لمحمد باشا وكبيرها حسن بك أخو طاهر باشا فنزلوا في مراكب وفي البر أيضا.
وفي يوم الخميس قبضوا على المعلم ملطي القبطي من أعيان كتبة القبط
وهو الذي كان قاضيا أيام الفرنسيس فرموا رقبته عند باب زويلة وكذلك قطعوا رأس المعلم حنا الصبحاني اخي يوسف الصبحاني من تجار الشوام عند باب الخرق في ذلك اليوم وأقاما مرميين إلى ثاني يوم.
وفي يوم السبت غايته رجع أحمد آغا شويكار بجواب من الباشا إلى رفقائه وأشيع وصول إبراهيم بك ومن معه إلى زاوية المصلوب ووصلت مقدماتهم إلى بر الجيزة يقبضون الكلف من البلاد.
وفيه أفرجوا عن يوسف كتخدا الباشا بعد أن دفع ثمانين كيسا ونزل من القلعة إلى داره.
وفيه أرسل طاهر باشا إلى مصطفى أفندي رامز الكاتب وإبراهيم أفندي الروزنامجي وسليمان أفندي فأخذوهم عند عبد الله أفندي رامز الروزنامجي الرومي.
شهر صفر 1218.
استهل بيوم الأحد في ثانيه حضر الأمراء القبالي إلى الشيخ الشيمي.
وفي ليلة الأربعاء رابعه خنقوا أحمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز كتخدا العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما إلى خارج.
وفي صبحها يوم الأربعاء حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه أنه انتقل من مكانه وذهب إلى جهة دمياط وأنه تخلف عنه العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الأمان فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أمانا ويضموهم اليهم.
وفي ذلك اليوم أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية إلى البر الغربي ليسلم على الأمراء المصرلية وفي ذلك الوقت أمر باحضار حسن اغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا واعطاه الفي فرانسا وأمره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق
انه خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر إليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا إلى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الارنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون إليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في أنفسهم أنهم فخذ السلطنة وأن الارنؤد خدمهم وعسكرهم واتباعهم ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع إلى طائفة الارنؤد جماكيهم المنكسرة أو يحولهم بارواق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئا من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا اعطيكم إلا من وقت ولايتي فإن كان لكم شيء فأذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم واوغر صدورهم وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والي المدينة فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفرا بعددهم واسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم وهم إسمعيل اغا ومعه آخر يقال له موسى اغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم: ليس لكم عندي إلا من وقت ولايتي وأن أن لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك إلى الحوش وسحبت طوائفهم الأسلحة وهاجوا في اتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الأسلحة والبارود الذي في أماكن اتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في لناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبايديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فأنزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا إلى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والاغا ينادون بالأمن والأمان حسب مارسم أحمد باشا وكرروا المناداة بذلك ثم نادوا باجتماع الانكشارية
البلدية وخلافهم عند أحمد باشا على طائفة الارنؤد وقتلهم واخرجهم من المدينة فتحزبوا أحزابا ومشوا طوائف طوائف وتجمع الارنؤد جهة الأزبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية إذا ظفروا باحد من الارنؤد أخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الارنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية لم يلتفت إليها أجد ولم يجسر أجد من اتباعه على الدخول إلى البيت واخراجها ودفنها وزالت دولته وانقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يوما ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته اسمر اللون نحيف البدن اسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلا عن العربي ويغلب عليه لغة الارنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية وكان يبيت فيها كثيرا ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي إلى السطح في الليل ويذكر معه ثم سكن هناك بحريمه وقد كان تزوج بامرأة من نساء الأمراء وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور فيذكر معهم ولما راوأ منه ذلك خرج الكثير من الاوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطور طويلا ومرقعة ودلفا وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة والفاظ موهمة بأنه من أرباب الأحوال ونحو ذلك ولما قتل اقام مرميا إلى ثاني يوم لم يدفن ثم دفنوه من غير رأس بقبة عند بركة الفيل وأخذ بعض الينكجرية راسه وذهبوا بها ليوصلوها إلى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الارنؤد فقتلوهم واحذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب أحمد باشا مكتوبا إلى محمد باشا يعلمه بصورةالواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد اغا أرسل كل واحد مكتوبا بمعنى ذلك وظنوا تمام النصف ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور
الناس من الحبانية إلى ضلع السمكة إلى درب الجماميز ثم أن أحمد باشا أحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب إلى محمد علي ويخاطبوه بأن يذعن إلى الطاعة فلما ذهبوا إليه وخاطبوه في ذلك أجاب بأن أحمد باشا لم يكن واليا على مصر بل إنما هو والي المدينة المنورة على ساكنها افضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وأنا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة وأما أحمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر إلى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الارنؤد وتحزيوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم إلى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تحوف ولما أصبح نهار الخميس مر الوالي والاغا ينادون بالأمان برسم حكم أحمد باشا ثم أن أحمد باشا أرسل أوراقا إلى المشايخ بالحضور فذهبوا إليه فقال لهم اريد منكم أن تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الارنؤد وقتلهم فقالوا سمعا وطاعة وأخذوا في القيام فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وأرسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له أن عادتنا أن يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الأزهر ونجتمع به ونرسل إلى الرعية فإنهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى اغا الوكيل حاضرا فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا وكان أحمد باشا أرسل أحضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله أفندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى أغا الوكيل كان مرهونا عند شيخ السادات كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وابهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب إلى عند أحمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الأمراء فلما أصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف
الى بر مصر ومروا في الأسواق وعدى أيضا محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا إلى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح وأقاموا هناك وأرسل إبراهيم بك ورقة إلى أحمد باشا يقول فيها أنه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الارنؤد حالا واحدا ولا تتداخلوا مع الانكشارية فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية إلى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا أيضا عدة مدافع متراسلة على جهة بيت أحمد باشا وكان ساكنا في بيت علي بك الكبير بالداودية فعند ذلك أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق أن المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين إلى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا إلى بيوتهم ثم أن إبراهيم بك أرسل ورقة إلى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج إلى خارج البلد ومعه مهلة إلى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم إلى الليل وأن خألف فلا يلومن إلا نفسه فلما رأى حال نفسه مضمحلا لم يجد بدا من الأمتثال إلا أنه لم يجد جمالا يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه: وقل له: يرسل لي جمالا وأنا أخرج وأما تسليم القاتلين فلا يمكن فقال له أما حضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له: وكيف يكون العمل فقال: يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غدا حملت الاثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا إلى محمد علي والتجؤا إليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج أحمد باشا في حالة شنيعة واتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى اكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعند ما خرج من
البيت دخل الارنؤد ونهبوا جميع ما فيه ولم يزل سائرا حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية إلى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الارنؤد والكشاف المصرلية والعرب والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وإمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم إبراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يوما وليلة لا غير وفي ذلك اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثير أخذ ذلك جميعه الارنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والأعيان وعدوا إلى بر الجيزة وسلموا على إبراهيم بك والأمراء.
وفيه استاذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الإقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه إلى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا إلى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة وإذا بجماعة من كبار الارنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا إليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي أغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الاوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولا على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضرب على يده اليمنى واخرجوه إلى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا لرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج اتباعهم في اسوأ حال
يطلبون النجاة بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع إلى حريم البارودى الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضا في تلك الأيام فعند ما رأت وصول الجماعة ارسلت إلى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلاف الأمر فوجده قد تم فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في أثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب إلى داره ثم أن علي أغا الشعراوى استاذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصا ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤسهما إلى الأمراء بالجيزة ولم يردوهما ولم يدفنا معهما ثم رفعهما بالتابوت إلى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الأزبكية من غير رؤوس فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الارنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيمانا عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كبارا وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم إلى قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الأمان وفتحوا باب القلعة وخرج أحمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم إلى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية داخل القلعة وحولهم العساكر فلما ذهبوا بهم إلى الجيزة أرسلوا أحمد باشا إلى قصر العيني وأبقوا الإثنين وهم إسمعيل أغا وموسى أغا بالقصر الذى بالجيزة ونودى بالأمان للرعية حسب ما رسم إبراهيم وعثمان بك
البرديسي ومحمد علي.
وفي يوم السبت حضر أحمد بك أخو محمد علي إلى جهة خان الخليلي لاجراء التفتيش على منهوبات الارنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الأتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوى وأماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الارنؤد على الخانات والوكائل والأماكن وشلحوا ناسا كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصى عليهم فتخوف أهل خان الخليلي ومن جاورهم واستمر الارنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصا في اى جهة قبة شبه ما بالاتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصا أن وجدوا شيئا معه من السلاح أو سكينا فتوقي أكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلا عن الجهات البرانية.
وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا إلى المدينة وعلى اكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون إلى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون إلى بر الجيزة وبعضهم إمامه المناداة بالأمان عند مرور بوسط المدينة.
وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد المنوفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم.
وفي يوم الإثنين قتلوا شخصا بباب الخرق يقال أنه كان من أكبر المتحزبين على الارنؤد وجمع منهوبات كثيرة.
وفيه أيضا قتلوا إسمعيل اغا وموسى اغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم أنهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا إلى قصر العيني وبقي الإثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما إلى البر الآخر وقطعوا رأسهما عند الناصرية وأخذوا الراسين وذهبوا بهما إلى زوجة طاهر باشا بالشيخوخة ثم طلعوهما إلى اخى طاهر باشا بالقلعة.
وفيه تقلد سليم أغا اغات مستحفظان سايقا الاغاوية كما كان وركب وشق المدينة باعوانه وإمامه جماعة من العسكر الارنؤد ولبسوا أيضا حسين
أغا أمين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمدا المعروف بالبرديسي كتخدا قائد أغا وجعلوه محتسبا وشق كل منهم بالمدينة وامامهم المناداة بالأمن والأمان والبيع والشراء.
وفيه اخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم إلى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعد ما أخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذى بقى لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوا حال وانحس بال وهم نحو الخمسمائة إنسان ومنهم من التجأ إلى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجؤا إلى المماليك وانتموا إليهم وخدموهم فسبحان مقلب الأحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب إلى اقليم القليوبية أوراقا وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الأصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد.
وفي يوم الأربعاء حادى عشره حضر محمد علي وعبد الله أفندى رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا إبراهيم بك إلى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس.
وفيه أرسل إبراهيم بك فجمع الأعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها أن المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع إلى بحربرا عن كل اردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامرة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذى كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والأملاك ومنها أن الحلوان عن المحلول
ثلاث سنوات ومنها أنه يحسب المضاف والبراني إلى ميرى البلاد وغير ذلك.
وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر إبراهيم بك والأمراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعا وقدموا لهم تقادم.
وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدى بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضا.
وفي يوم الأحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الارنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدا وسلموا القلعة إلى الأمراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي إلى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك إبراهيم إلى باب العزب وسليم أغا مستحفظان إلى القصر فعند ذلك اطمان الناس بنزولهم من القلعة فإنهم كانوا على تخوف من إقامتهم بها وكثر فيهم اللغظ بسبب ذلك فلم يزل الأمراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقى بها طائفة من الارنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان.
وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل إلى دمياط كما تقدم.
وفي يوم الإثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الأخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وأن الشريف غالب أحرق داره وارتحل إلى جدة وأن الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه إلى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة
والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على أن يذهبوا إلى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون إليه وإلى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الأمراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق أن جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دراهم فمر بهم بعض المماليك من أتباع البرديسي فأستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا إلى سيدهم وأعلموه فأرسل إلى إبراهيم بك فركب إلى العرضى ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الألفى وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر إلى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة إلى جهة العادلية وامامهم وخلفهم بعض الأمراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو ألف وخمسامئة وازيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتاخرين عنهم وأخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الارنؤدية على ابواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم وأغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الألفى يذهب معهم إلى القنطرة ونودى في عصريته بالأمان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله مهدور.
وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة إمامه على الأتراك الانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقة شخصا من الأتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك
ويسلمه عسكر الارنؤد فيودعونه في مكان من امثاله حتى يتحققوا أمره.
وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعا لهم فاشتكلوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوى.
وفيه حضر أيضا ثلاثة من المماليك إلى وكالة الصاغة إلى رجل رومي ططرى وسألوه عن جوارى سود عنده لمحمد باشا وأنهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجوارى فذهب ذلك الططرى إلى محمد علي فأرسل إلى البرديسي ورقة بطلب الجوارى أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن إلى صاحبهن.
وفيه حضر أيضا جماعة من المماليك إلى بيت عثمان أفندى بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار.
وفي يوم الجمعة نهبوا أيضا دار أحمد أفندى الذى كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعما أنه هو الذى دل عليه.
وفي يوم السبت مر سليم أغا وإمامه المناداة على الاغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحد.
وفي يوم الأحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرا واخبروا أنهم خرجوا من مكة مع الحجاج وأن عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل إلى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي أعلى من الكعبة وذلك
بعد أن عقد مجلسا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليه من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة واخبروا أن الشريف غالبا وشريف باشا ذهبا إلى جدة وتحصنا بها وأنهم فارقوا الحجاج في الجديدة.
وفيه كتبوا عرضالحين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الارنؤد على الانكشارية لما أثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكايعهما الخراب لولا قرب الأمراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا أيدى المتعدين والثاني يتضمن رفع الأحداثات التي في ضمن الاوامر التي كانت مع الدفترادر التي تقدمت الإشارة إليها.
وفيه عزم الأمراء على التوجه إلى جهة بحرى فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف إلا إبراهيم بك واتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب إلى جهة رشيد وصحبته عساكر أيضا.
وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير إلى البر الشرقي وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة واخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والاسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضا ذهابا وايابا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضا محمد أفندى باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي.
وفيه عدى إبراهيم بك إلى قصر العيني وركب مع البرديسي إلى جهة الحلي وودعه ورجع إلى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الألفي مقيما بقصر الجيزة.
وفيه وردت الأخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة إلى دمياط أبقي بفارسكور إبراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من
العسكر فتحصنوا بها فلما حضر إليهم حسن بك أخو طاهر بك بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا ما لا خير فيه وقتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضا ثم أن بعض أكابر العسكر المنهزمين أرسل إلى حسن بك يطلب منه أمانا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانا فحضروا إليه وانضموا لعسكره وسهلوا له أمر محمد باشا وأنه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون اصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت إلى أن عادوا وتأهبوا للحرب ثانيا وخرج إليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون إليه من أولئك فلما أن نشبت الحرب بينهم أخذوهم مواسطة فاثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وأنهزموا إلى فارسكور فتلقاهم أهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم إلا من كان في عزوة أو هرب إلى جهة أخرى وحضر الكثير منهم إلى مصر في أسوأ حال.
وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة.
وفيه حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح أفندى إلى سكندرية فأرسل خورشيد أفندى حاكم الأسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته إلى إبراهيم بك وأخبره واطلعه على المكتوب الذى حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح أفندى المذكور إلى بولاق فأرسل إبراهيم بك رضوان كتخدا وأحمد بك الارنؤدى وأمرهما بأن يأخذا ما معه من الأوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع إلى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الأوراق خطاب لطاهر باشا وأنه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وأنهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر إذا انقطعت علوفاتهم واننا وجهنا له ولاية سنانيك وإن
طاهر باشا يستمر على المحافظة وأحمد باشا قائمقام إلى أن يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد أحمد باشا قائمقام دون طاهر باشا أن طاهر باشا ارنؤد وليس له إلا طوخان ومن قواعدهم القديمة أنهم لا يقلدون الارنؤد ثلاثة اطواخ أبدا.
وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل.
وفي يوم الأحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم زكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير وأكثرهم اوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم اغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والأجناد والعسكر فاستلموا لمحمل من أمير الحاج وأمروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر إلى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروبا من الوهابي ولغظ الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق اقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وأرسل إلى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها.
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيآت اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصى الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ}
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} فأخبر سبحانه أنه اكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما انزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن أمته: "تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع وثبت" في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى قال: "فمن" وأخبر في الحديث الآخر أن أمته: "ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قالوا من هي يا رسول الله قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي اعظمها الأشراك بالله والتوجه إلى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه وتعالى اغنى الأغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصا لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والانبياء.
والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدى من هو كاذب كفار وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فأخبر أنه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} وهو سبحانه وتعالى لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} وقال تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه اياها ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الانبياء والأولياء وهذا الذى ذكرناه لا يخألف فيه أجد من العلماء المسلمين بل قد اجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والإئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم وأما ما حدث من سؤال الانبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الاوثان" وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي إلى الشرك
فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضا أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا تمثالا إلا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} وندعو الناس إلى إقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} فهذا هو الذى نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أقول: إن كان كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه اغاثة اللهفان والحافظ المقريزى في تجريد التوحيد والإمام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد يد الشيطان وغير ذلك انتهى
وفي ذلك اليوم نودى على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة أمير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا أيضا حجاج المغاربة من الدخول إلى المدينة ومن دخل منهم لأجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا إلى بولاق وأقاموا هناك.
وفي يوم الإثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد إنسانا من أكابر غزة يسمى علي أغا شعبان حضر إلى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفته بأمور الهندسة فوجده جالسا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف إمامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه ألف دينار ذهبا بأخبار اخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلا لا بأس به.
شهر ربيع الأول سنة 1218.
استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج الجميع كانوا نحو الفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فإنهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته.
وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا إلى جرجا ومعه مكاتبة إلى الأمراء المصرلية وأنه وصل إلى اسيوط فكتبوا له أمانا بالحضور إلى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط.
وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك إلى ثغر دمياط بالريالة إلى محمد باشا.
وفي يوم الأربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور إلى سكندرية متوجها إلى اسلامبول وأنعم عليه إبراهيم بك بخمسين ألف فضة.
وفي يوم الجمعة كان المولد النبوى ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الأسواق تلك الليلة التي قبلها ولكن دون ذلك
وأما الأزبكية فلم يعمل وقدة الاقبالة بيت البكرى لاستيلاء الخراب عليها.
وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللا وبارودا إلى جهه بحرى وأشيع بأن كثيرا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا إلى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا إلى طريق دمياط.
وفي يوم الأربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره.
وفي يوم الإثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه واتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الأبكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالا شنيعة من الفسق والفجور وأخذوا حتى ما على اجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع أسباب التجار التي بها من اصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئا كثيرا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الارز الذى هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذى قيمته خمسمائة ريال بريالين إلى غير ذلك والأمر لله وحده والتجأ الباشا إلى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الأمان فأمنوه من القرية وحضر إلى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه إليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظا به ولما وصل الخبر بذلك إلى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت
وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذى قتل حسين اغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه إبراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب إلى وكيل الألفي أيضا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه.
وفي يوم الجمعة ذهب المذكور إلى مقام الإمام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق.
وفي ذلك اليوم عمل إبراهيم بك ديوانا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية.
وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي إلى اسكندرية واليا على مصر عوضا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابا للأمراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم أنه متولي على الاقطار المصرية عوضا عن محمد باشا من اسكندرية إلى اسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم إلى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا وأحمد باشا أنهم يتوجهون بالعساكر إلى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا إلى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم إلى المدينة بمعاونة الارنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم واخراج من بقى على غير صورة إلى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فاننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب أن لا تدخلوا المدينة إلا بأذن الدولة فإن تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فإن سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك أن لنا معكم
بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم اثنان من طرفنا عاقلان تعلمون معهما مشاورة فكتبوا له جوابا حاصله أن محمد باشا لما كان متوليا لم نزل نترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا إلا قسوة ولا يسمح لنا بالإقامة بالقطر المصرى جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة إلى أن حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلما وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا إلى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر إلينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر ومن المدينة والرعية وأما محمد باشا فإنه نزل إلى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوحه عثمان بك البرديسي لتأمين أهالي القرى إلى أن وصل إلى ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر إلا ومحمد باشا صدمهم ليلا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وأنهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الأعزاز والاكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم اننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من أوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم أن حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فاننا لا نستعين إلا بالله وأننا أرسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب.
وفي ثاني عشرينه حضر واحد اغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانين وما احدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال إلى الباشا فكتبوا ذلك وامضوا عليه ونادوا في الأسواق برفع ما احدثه الفرنساوية والعثمانية
من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا إلى الاغا الواصل ألف ريال حق طريقه وسافر.
وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل إلى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها إبراهيم أفندى فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف إلى البلد وخرج يحاصر إبراهيم أفندى فهم على ذلك وإذا بالسيد علي باشا القبطان وصل إلى رشيد وأرسل إلى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له: نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد إلى الرحمانية ودخل السيد على القبطان إلى رشيد.
وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي إلى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادى هناك يجمع الفردة وتوجه إلى طندتا وعمل على أولاد الخادم ثمانين ألف ريال فحضروا إلى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوى هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لإبراهيم بك لم يبق عندنا شيء فإن الفرنساوية نهبونا وأخذوا اموالنا ثم أن محمد باشا أرسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلمثائة ألف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية.
وفي يوم الإثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا إلى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الارنؤد الذين كانوا سابقا في خدمته وجماعة من الأجناد المصرلية ولم يكن معه من اتباعه إلا ست مماليك فقط فإن مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الارنؤد ومنهم من يخدم الارنؤد المحافظين عليه ووافق أن ذلك اليوم كان جمع سيدى أحمد البدوى ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع إليها فرأى جمع الناس فظن أنهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال وكان إبراهيم بك في ذلك بيوم حضر إلى بولاق ودخل إلى بيت السيد عمر نقيب الأشراف باستدعاء
فجلس عنده ساعة ثم ركب إلى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضا ثم ركب إلى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر إليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانا وركب مماليكه حميرا وذهبوا به إلى بيت إبراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا إبراهيم بك طلع إلى الحريم فلم ينزل إليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف إلى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب إبراهيم بك إلى قصر العيني فركب المحرمجي وأخذ معه الباشا وذهب به إلى قصر العيني فقابل إبراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الألفى وباقي الأمراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع أكابرهم إلى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد إبراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم أن إبراهيم بك قدم له حصانا وقام وركب مع المحرمجي إلى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار.
وفي ثاني يوم غايته ركب إبراهيم بك الألفي وذهبا إلى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد أن كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم واحسانهم وبقى تحت حكمهم فالعياذ بالله من زوال النعم وقهر الرجال.
شهر ربيع الثاني سنة 1218.
استهل بيوم الأربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب إقامة بنديرة الانجليز بمصر.
وفيه عدى البرديسي من المنصورة إلى البر الغربي متوجها إلى جهة رشيد.
وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا أن الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم أخبار بأن العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والأوراق فيها خطاب من شريف
باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته.
وفي يوم الإثنين نادى الاغا والوالي بالأسواق على العثمانية والاتراك والاغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدد وأمروا عثمان بك أمير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادى عليهم صحبته وكذلك إبراهيم باشا.
وفي يوم الأربعاء خرج عثمان بك إلى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا بيبعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال وأكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقى منهم أناس التجؤا إلى بعض المصرلية والانجليز وانتموا اليهم.
وفيه وصلت الأخبار بأن البرديسي وصل إلى رشيد وأن السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك البرديسي إلى رشيد فرد على أهلها مبلغ دراهم يقال ثمانين ألف ريال.
وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه آغات الانكشارية والوالي وأكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالافرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بندريرته في بركة الأزبكية من ناحية قنطرة الدكة على صارى طويل مرتفع في الهواء واجتمع إليه كثير من النصارى الشوام والاقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الافرنجي.
وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي إلى إبراهيم بك يخبر فيها أنه لما وصل إلى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل إليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال
له: ما المراد أن كان حضرة الباشا واليا على مصر فليات على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وأن كان خلاف ذلك فاخبرونا به إلى أن انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الافرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام.
وفي عشرينه وصل حسن باشا الذى كان والي جرجا إلى مصر العتيقة فركب إبراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية إلى جبخانته فأخذوها وطلعوا بها إلى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا إلى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظا به من كل ناحية.
وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي أن محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في أن يركب إلى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن إبراهيم بك في ذلك فأذن له بأن يركب ويعمل رماحة ثم يأتي إليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود واوصى على ذبح اغنام ويعملون له كبابا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته إبراهيم باشا فلما ركب وخرج إلى خارج الناصرية أرسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية أنهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن اعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين إلى الأزبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل إلى أحمد بك الارنؤدى وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله إلى بيت أحمد بك المذكور ووصل الخبر إلى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي اتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فامر الكشاف بالركوب وأرسل إلى البواقي بالطلوع إلى القلعة وحفظ أطارف
البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فأنزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلف رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الارنؤد المصرلية وكذلك المماليك أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم إلى القلعة ولما دخل محمد باشا عند أحمد بك ومن معه من أكابر الارنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه وأخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة ألف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشا لأن فرسه اصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به عند وصوله إلى بيت أحمد بك وركب معه أحمد بك أيضا وأخذوه إلى عند إبراهيم بك بقصر العيني فخلع إبراهيم بك على أحمد بك فروة سمور وقدم له حصانا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان.
وفي يوم الأحد سادس عشرينه وردت الأخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على االعثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد أن حاربوا عليه نيفا وعشرين يوما واسروا السيد على القبطان واخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وأرسلوهم إلى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد أن قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث يوم.
وفي يوم الأربعاء عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة اصابع وهو نحو الثلثين واظلم الجو وابتدأوه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في أيام زيادة النيل نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
شهر جمادى الأولى سنة 1218.
استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة إبراهيم بك
قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة.
وفيه وردت الأخبار بأن علي باشا كسر السد الذى ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الأيام بالمرمة والعمارة إذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الأحوال وأهمل غالب الأمور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الاراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك أمره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك إلى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لأجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الاراضي إلى قريب دمنهور واختلطت بخليج الأشرفية وشرقت الاراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الأسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل إلى أهل الأسكندرية فلم يصل إليهم إلا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير أو ما خزنوه من مياه الأمطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح أفندى معين لخصوص السد وأحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الأتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر أهل القرى والنواحي فما هو إلا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا إلى الثغر وخرج الأجناد المصرلية وحاربوا السيد على باشا القبطان على برج وشيد فخاف حضورهم إلى الأسكندرية ففتحه ثانيا ورجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح أفندى المذكور في الفارغ بعد ما صرف عليه اموالا عظيمة وأما أهل سكندرية فإنهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر إلى ازمير وبعضهم إلى قبرص ورودس والاضات وبعضهم اكترى بالايام وأقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة إلا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم أيضا
مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل أن علي باشا المذكور فرد عليهم مالا وقبض على ستة انفار من أغنياء المغاربة واتهمهم أنهم كتبوا كتابا للبرديسي يعدونه أنه إذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسا بشفاعة القبطان الذى في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه أن يطلق فيه ماء البحر المالح فإن فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد أخبر من له معرفة ودراية بالأمور أنه ربما خرب اقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا أيضا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز.
وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان إلى مصر وطلع إلى قصر العيني وقابل إبراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانا معددا وأكرمه وعظمه وانزلوه عند علي بك أيوب واعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والأجناد المصريين ارتحلوا من رشيد إلى دمنهور قاصدين الذهاب إلى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر.
وفيه أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أياما ثم انحط الرأى على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميرى عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط آلاف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا اقليم البحيرة فإنه خرب عن آخره ثم أن البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الأمداد الذى اتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من
الشوادر والحواصل والأخشاب والأحطاب والبن والارز وقلت الاقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الارزبل والارز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الاقلام ولا تحيط به الاوهام.
وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسىء نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الاراضي فأنزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطا وينقص قيراطين إلى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الاردب ونصف اردب والفقير لا يأخذ الاويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس إلى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم اغا مستحفظان ينزل إلى بولاق في كل يوم صار الأمراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن اصحابها ويخزنوها لأنفسهم حتى قلت: الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الأسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج إلى الأستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا إلى إبراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له: وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والاقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم إلا على نفسي فقالوا: إذا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا.
وفي أواخره وردت الأخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع أنهم متوجهون إلى الأسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لامور الأول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني الحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الأسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون
ولا ما يشربون.
واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1218 بيوم الأحد.
وفي أوائله نقص ماء النيل ووقف ماء الخليج وازدحم السقاؤن على نقل الماء إلى الصهاريج والاسبلة ليلا ونهارا من الخليج وقد تغير ماؤه بما يصب فيه من الخرارات والمراحيض ولم ينزل بالأراضي التي بين بولاق والقاهرة قطرة ماء وزاد ضجيج الناس وارتفعت الغلات من السواحل والعرصات بالكلية فكانت الفقراء من الرجال والنساء يذهبون بغلقانهم إلى السواحل ويرجعون بلا شيء وهم يبكون ويولولون.
وفي سادسه وصل البرديسي ومن معه من العساكر إلى بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم وعدوا لملاقاتهم فلما أصبح يوم السبت عدى محمد علي والعساكر الأرنؤدية إلى بر مصر وكذلك البرديسي فخرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وغلقانهم وعيطوا في وجوههم فوعدهم بخير وأصبح البرديسي مجتهدا في ذلك وأرسل محمد علي خازنداره ففتحوا الحواصل التي ببولاق ومصر العتيقة وأخرجوا منها الغلال إلى السواحل واجتمع العالم الكثير من الرجال والنساء فأذنوا لكل شخص من الفقراء بويبة غله لا غير فكان الذي يريد الشراء يذهب إلى خازندار البرديسي ويأخذ منه ورقة بعد المشقة والمزاحمة ويذهب بها فيكيلون له ويدفع ثمنها لصاحب الغلة وما رتبوه عليها فحصل للناس اطمئنان واشترى الخبازون أيضا وفتحوا الطوابين والمخابز وخبزوا وباعوا فكثر الخبز والكعك بالأسواق وجعلوا سعر القمح ستة ريالات الأردب والفول خمسة ريالات وكذلك الشعير أن وجد وكان السعر لاضابط له منهم من كان يشتريه بثمانية وتسعة وسبعة خفية ممن توجد عنده الغلة في مصر أو الارياف فعند ذلك سكن روع الناس واطمأنت نفوسهم وشبعت عيونهم ودعوا لعثمان بك البرديسي.
وفي هذا الشهر تحقق الخبر بجلاء الوهابي عن جدة ومكة ورجوعه إلى بلاده وذلك بعد أن حاصر جدة وحاربها تسعة أيام وقطع عنها الماء ثم
رحل عنها وعن مكة ورجع الشريف غالب إلى مكة وصحبته شريف باشا ورجع كل شيء إلى حاله الأول ورد المكوس والمظالم.
وفي يوم الأحد وصل البرديسي إلى بيته بالناصرية وهو بيت حسن كاشف جركس وبيت قاسم بك وقد فرشا له ونقلوا محمد باشا من بيت جركس إلى دار صغيرة بجواره وعليه الحرس.
وفي يوم الإثنين عملوا ديوانا عند إبراهيم بك فاجتمع فيه هو والبرديسي والألفي وتشاوروا في أمر جامكية العسكر فوزعوا على أنفسهم قدرا وكذلك على باقي الأمراء والكشاف والأجناد كل منهم على قدر حاله في الإيراد والمراعاة فمنهم من وزع عليه عشرون كيسا ومنهم عشرة وخمسة واثنان وواحد ونصف واحد وطلبوا من جمرك البهار قدرا كبيرا فعملوا على كل فرقتين مائة ريال وفتحوا الحواصل وأخرجوا منها متاع الناس وباعوه بالبخس على ذلك الحساب وأصحابه ينظرون وأخذوا ابن الحضارمة والينبعاوية بحيث وقف الفرق البن بستة ريالات على صاحبه وأخذوا من ذلك الأصل ألف فرق بن وأخرجت من الحواصل وحملت.
وفي يوم السبت رابع عشره انزلوا فردة أيضا على أهل البلد ووزعوها على التجار وأرباب الحرف كل طائفة قدرا من الأكياس خمسين فما دونها إلى عشرة وخمسة وبثت الأعوان للمطالبة فضج الناس وأغلقوا حوانيتهم وطلبوا التخفيف بالشفاعات والرشوت للوسائط والنصارى فخفف عن البعض وبعد منتصف الشهر انقلب الوضع المشروع في الغلة وانعكس الحال إلى أمر شنيع وهو أنهم سعروها كل اردب بستة ريالات بظاهر الحال ولا يبيع صاحب الغلة غلته إلا بأذن من القيم بعد ما يأخذ منه نصف الغلة أو الثلث أو الربع على حسب ضعفه وقوته من غير ثمن وإذا أرادوا ذو الجاه الشراء ذهب أولا سرا وقدم المصلحة والهدية إلى بيت القيم فعند ذلك يؤذن له في مطلوبه فيكيلون له الغلة ليلا وصار يتأخر في حضوره إلى الساحل إلى قريب الظهر فيذهب الناس والفقراء فينتظرونه وإذا حضر
ازدحموا عليه وتقدم أرباب المصانعات والوسايط فيؤذن لهم ويؤخذ منهم عن كل اردب ريال يأخذها القيم لنفسه زيادة عن الثمن وعن الكلفة وهي نحو الخمسين فضة خلاف الاجرة ويرجع الفقراء من غير شيء وأطلقوا للمحتسب أن يأخذ في كل يوم أربعمائة اردب منها مائتان للخبازين ومائتان توضع بالعرصات داخل البلد فكان يأخذ ذلك إلى داره ولا يضعون بالعرصات شيئا ويعطى للخبازين من المائتين خمسين أردبا أو ستين ويبيع الباقي باغراضه بما أحب من الثمن ليلا فضج الناس وشح الخبز من الأسواق وخاطب بعض الناس الأمراء الكبار في شأن ذلك واستمر الحال على ذلك إلى آخر الشهر والأمر في شدة وتسلط العسكر والمماليك على خطف ما يصادفونه من الغلة أو التبن أو السمن فلا يقدر من يشترى شيئا من ذلك أن يمر به ولو قل حتى يكترى واحدا عسكريا أو مملوكا يحرسه حتى يوصله إلى داره وأن حضرت مركب بها غلال وسمن وغنم من قبلي أو بحرى أخذوها ونهبوا ما فيها جملة فكان ذلك من أعظم أسباب القحط والبلاء.
وفي عشرينه مات محمد بك الشرقاوى وهو الذى كان عوض سيده عثمان بك الشرقاوى.
شهر رجب الفرد سنة 1218.
استهل بيوم الثلاثاء فيه رفعوا خازندار البرديسي من الساحل وقلدوا محمد كاشف تابع سليمان بك الاغا أمين البحرين والساحل ورفق بالامر واستقر سعر الغلة بألف ومائتين نصف فضة الاردب فتواجدت بالرقع والساحل وقل الخطف وأما السمن فقل وجوده جدا حتى بيع الرطل بستة وثلاثين نصفا فيكون القنطار بأربعين ريالا وأما التبن فصار يباع بالقدح أن وجد وسرب الناس بهائمهم من عدم العلف.
وفيه حضر واحد انكليزى وصحبته مملوك الألفي وبعض من الفرنسيس فعملوا لهم شنكا ومدافع وأشيع حضور الألفي إلى سكندرية ثم تبين أن هذا الانكليزى أتى بمكاتبات فلما مر على مالطة وجد ذلك المملوك
وكان قد تخلف عن سيده لمرض اعتراه فحضر صحبته إلى مصر فأشيع في الناس أن الألفي حضر إلى الأسكندرية وأن هذا خازنداره سبقه بالحضور إلى غير ذلك.
وفيه حضر أيضا بعض الفرنسيس بمكاتبة إلى القنصل بمصر وفيها الطلب بباقي الفردة التي بذمة الوجاقلية فخاطب القنصل الأمراء في ذلك فعملوا جمعية وحضر المشايخ وتكلموا في شأن ذلك ثم قالوا أن الوجاقلية الذين كانت طرفهم تلك الفردة مات بعضهم وهو يوسف باشجاويش ومصطفى كتخدا الرزاز وهم عظماؤهم ومن بقي منهم لا يملك شيئا فلم يقبلوا هذا القول ثم اتفق الأمر على تأخير هذه القضية إلى حضور الباشا ويرى رأيه في ذلك وحضر أيضا صحبة أولئك الفرنسيس الخبر بموت يعقوب القبطي فطلب أخوه الأستيلاء على مخلفاته فدافعته زوجته وأرادت أخذ ذلك على مقتضى شريعة الفرنسيس فقال أخوه أنها ليست زوجته حقيقة بل هي معشوقته ولم يتزوج بها على ملة القبط ولم يعمل لها الأكليل الذى هو عبارة عن عقد النكاح فأنكرت ذلك فأرسل الفرنسيس يستخبرون من قبط مصر عن حقيقة ذلك فكتبوا لهم جوابا بأنها لم تكن زوجته على مقتضى شرعهم وملتهم ولم يعمل بينهم الأكليل فيكون الحق في تركته لأخيه لا لها.
وفيه ورد الخبر بوقوع حادثة بالاسكندرية بين عساكر العثمانية وأجناس الافرنج المقيمين بها واختلفت الرواة في ذلك وبعد أيام وصل من أخبر بحقيقة الواقعة وهي أن علي باشا رتب عنده طائفة من عسكره على طريقة الافرنج فكان يخرج بهم في كل يوم إلى جهة المنشية ويصطفون ويعملون مرش وارد بوش ثم يعودون ذلك مع انحراف طبيعتهم عن الوضع في كل شيء فخرجوا في بعض الأيام ثم عادوا فمروا بمساكن الافرنج ووكالة القنصل فأخرج الافرنج رؤوسهم من الطيقان نساء ورجالا ينظرون ركبهم ويتفرجون عليهم كما جرت به العادة فضربوا عليهم من اسفل بالبنادق فضرب الافرنج عليهم أيضا فلم يكن إلا أن هجموا عليهم ودخلوا
يحاربونهم في أماكنهم والأفرنج في قلة فخرج القناصل الستة ومن تبعهم ونزلوا إلى البحر وطلعوا غليون الريالة وكتبوا كتابا بصورة الواقعة وأرسلوه إلى اسلامبول وإلى بلادهم وأما العسكر اتباع الباشا فإنه لما خرج الافرنج وتركوا أماكنهم دخلوا إليها ونهبوا متاعهم وما أمكنهم وأرسل إلى القناصل خورشيد باشا فصالحهم وأخذ بخواطرهم واعتذر إليهم وضمن لهم ما أخذ منهم فرجعوا بعد علاج كبير وجمع الباشا علماء البلدة وأعيانها وطلب منهم كتابة عرض محضر على ما يمليه على غير صورة الحال فأمتنعوا عن الكتابة إلا بصورة الواقع وكان المتصدر للرد الشيخ محمد المسيرى المالكي فمقته ووبخه ومن ذلك الوقت صار يتكلم في حقه ويزدريه إذا حضر مجلسه وسكنت على ذلك.
وفي يوم الجمعة رابعه اجتمع المشايخ وذهبوا إلى إبراهيم بك وكلموه بسبب ما أخذوه من حصة الالتزام بالحلوان أيام العثمانيين ثم استولى على ذلك جماعتهم وأمروهم فطمنهم بالكلام اللين على عادته وكلموه أيضا على خبز الجراية المرتبة لفقراء الأزهر فأطلق لهم دراهم تعطى للخباز يعمل بها خبزا.
وفي ثامنه كتبوا مراسلة على لسان المشايخ وأرسلوها إلى علي باشا باسكندرية مضمونها طلبه لمنصبه والحضور إلى مصر ليحصل الاطمئنان والسكون وتأمين الطرقات ويبطل أمر الاهتمام بالعساكر والتجاريد ولأجل الأخذ في تشهيل أمور الحج وأن تأخر عن الحضور ربما تعطل الحج في هذه السنة ويكون هو السبب في ذلك إلى غير ذلك من الكلام.
وفي عاشره سافر جعفر كاشف الإبراهيمي رسولا إلى أحمد باشا الجزار بعكا لغرض باطني لم يظهر.
وفي هذه الأيام كثرت الغلال بالساحل والعرصات ووصلت مراكب كثيرة وكثر الخبز بالأسواق وشبعت عيون الناس ونزل السعر إلى ثمانية ريالات وسبعة وانكفوا عن الخطف إلا في التبن.
وفي منتصفه فتحوا طلب مال الميرى ومال الجهات ورفع المظالم عن
سنة تاريخه وعين لطلبها من البلاد أمراء كبار ووجهت الغربية والمنوفية لعسكر الارنؤد فزاد على ذلك حق الطرق للمعينين للطلب والاستعجالات وتكثير المغارم والمعينين وكلفهم على من يتوانى في الدفع هذا وطلب الفردة مستمر حتى على أعيان الملتزمين ومن تأخر عن الدفع ضبطوا حصته وأخذوها واعطوها لمن يدفع ما عليها من مياسير المماليك فربما صالح صاحبها بعد ذلك عليها واستخلصها من واضع اليد أن أمكنه ذلك.
وفي اواخره نبهوا على تعمير الدور التي اخربها الفرنسيس فشرع الناس في ذلك وفردوا كلفها على الدور والحوانيت والرباع والوكائل واحدثوا على الشوارع السالكة دروبا كثيرة لم تكن قبل ذلك وزاد الحال وقلد أهل الاخطاط بعضهم كما هو طبيعة أهل مصر في التقليد في كل شيء حتى عملوا في الخطة الواحدة دربين وثلاثة واهتموا لذلك اهتماما عظيما وظنوا ظنونا بعيدة وأنشؤا بدنات وأكتافا من احجار منحوتة وبوابات عظيمة ولزم لبعضها هدم حوانيت اشتروها من اصحابها وفردوا أثمانها عن أهل الخطة.
وفي اواخره أيضا نجزت عمارة عثمان بك البرديسي في الأبراج والبوابات التي أنشأها بالناصرية فإنه انشأ بوابتين عظيمتين بالرحبة المستطيلة خارج بيته الذى هو بيت حسن كاشف جركس احداهما عند قناطر السباع والأخرى عند المزار المعروف بكعب الاحبار وبنى حولهما ابراجا عظيمة وبها طيقان بداخلها مدافع افواهما بارزة تضرب إلى خارج ونقل إليها مدافع الباشا التي كانت بالازبكية فسبحان مقلب الأحوال.
وفيه نزل إبراهيم بك والبرديسي وحسين بك اليهودى إلى بولاق وأخذوا ما وجدوه بساحل الغلة وأرسلوه إلى بحرى فأرتج الناس من ذلك وعزت الغلال وزاد سعرها بعد الانحلال.
شهر شعبان سنة 1218.
أوله يوم الأربعاء فيه وصل كاتب ديوان علي باشا الذى يقال له: ديوان أفندى وعلى يديه مكاتبة وهي صورة خط شريف وصل من الدولة
مضمونه الرضا عن الأمراء المصرلية بشفاعة صاحب الدولة الصدر الأعظم يوسف باشا وشفاعة علي باشا والي مصر وأن يقيموا بأرض مصر ولكل أمير فائظ خمسة عشر كيسا لا غير وحلوان المحلول ثمان سنوات وأن الاوسبة والمضاف والبراني يضم إلى الميرى وأن الكلام في الميرى والأحكام والثغور إلى الباشا والروزنامجي الذى يأتي صحبة الباشا والجمارك والمقاطعات على النظام الجديد للدفتردار الذى يحضر أيضا فلما قرىء ذلك بحضرة الجمع من الأمراء والمشايخ اظهروا البشر وضربوا مدافع ثم اتفق الرأى على إرسال جواب ذلك الفرمان فكتبوا جوابا مضمونه مختصرا أنه وصل إلينا صورة الخط الشريف وحصل لنا بوروده السرور بالعفو والرضا وتمام السرور حضوركم لتنتظم الأحوال واعظمها تشهيل الحج الشريف وأرسلوه ليلة الإثنين ثانية صحبة رضوان كتخدا إبراهيم بك ومحمود باشجاويش الانكشارية وصحبتهما من الفقهاء السيد محمد ابن الدواخلي من طرف الشيخ الشرقاوى.
وفي هذه الأيام كثر عيث العسكر وعربدتهم في الناس فخطفوا عمائم وثيابا وقبضوا على بعض أفراد وأخذوا ثيابهم وما في جيوبهم من الدراهم.
وفيه وصل قاضي عسكر مصر وكان معوقا بالاسكندرية من جملة المحجوز عليهم.
وفي يوم الجمعة عاشره وقف جماعة من العسكر في خط الجامع الأزهر في طلوع النهار وشلحوا عدة أناس وأخذوا ثيابهم وعمائمهم فأنزعج الناس ووقعت فيهم كرشة وصلت إلى بولاق ومصر العتيقة وأغلقوا الدكاكين واجتمع أناس وذهبوا إلى الشيخ الشرقاوى والسيد عمر النقيب والشيخ الأمير فركبوا إلى الأمراء وعملوا جمعية وأحضروا كبار العساكر وتكلموا معهم ثم ركب الاغا والوالي وإمامه عدة كبيرة من عسكر الارنؤد وخلافهم والمنادى ينادى بالأمن والأمان للرعية وأن وقع من العسكر والمماليك خطف شيء يضربوه وأن لم يقدروا عليه فليأخذوه إلى حاكمه ومثل هذا الكلام الفارغ وبعد مرور الحكام بالمنادة خطفوا
عمائم ونساء.
وفي ليلة الأربعاء ثامنه حضر الوالي إلى قصر الشوك ونزل عند رجل من تجار خان الخليلي يسمى عثمان كجك فتعشعى عنده ثم قبض عليه وختم على بيته واخذه صحبته وخنقه تلك الليلة ورماه في بئر فاستمر بها أياما حتى انتفخ فأخرجوه واخذته زوجته فدفنته وسببه أنه كان يجتمع بالعثمانيين ويغريهم بنساء الأمراء وأن بعضهم اشترى منه أواني نحاسا ولم يدفع له الثمن فطالب حريمه في أيام محمد باشا فلم تدفع له فعين عليها جماعة من عسكر محمد باشا ودخل بها إلى دارها وطالبها فقالت له عندى شيء فطلع إلى داخل الحريم وصحبته العسكر ودخل إلى المطبخ وأخذ قدور الطعام من فوق الكوانين وقلب ما فيها من الطعام واخذها وخرج.
وفي يوم الأحدثاني عشرة نبه القاضي الجديد على أن نصف شعبان ليلة الثلاثاء وأخبر أن اتباعه شاهدوا الهلال ليلة الثلاثاء وهم عند البغاز على أن الهلال كان ليلة الأربعاء عسر الرؤية جدا فكان هذا أول احكامه الفاسدة وفي يوم الأربعاء اشيع أن الأمراء في صبحها قاصدون عمل ديوان ببيت إبراهيم بك ليلبسوا ستة من الكشاف ويقلدوهم صناجق عوضا عمن هلك منهم وهم سليمان كاشف مملوك إبراهيم بك الوالي الذى تزوج عديلة بنت إبراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وعبد الرحمن كاشف مملوك إبراهيم عثمان بك المرادى الذى قتل بأبي قير الذى تزوج امرأة سيده أيضا وعمر كاشف مملوك عثمان بك الاشقر الذى تزوج امرأة سيده أيضا ومحمد كاشف مملوك المنفوخ ورستم كاشف مملوك عثمان بك الشرقاوى ومحمد كاشف مملوك سليمان بك الاغا وتزوج ابنته أيضا فلما وقع الاتفاق على ذلك تجمع الكشاف الكبار ومماليك مراد بك وآخرون من طبقتهم وخرجوا غضابا نواحي الآثار ثم اصطلحوا على تلبيس خمسة عشر صنجقا.
فلما كان يوم الأحد تاسع عشرة عملوا ديوانا بالقلعة والبسوا فيه خمسة
عشر صنجقا وهم أربعة من طرف إبراهيم بك الكبير وهم صهراه سليمان زوج عديلة هاشم ابنة الأمير إبراهيم بك الكبير عوضا عن سيده وأسمعيل كاشف مملوك رشوان بك الذى تزوج بزوجة سيده زينب هانم ابنة الأمير إبراهيم بك أيضا ومحمد كاشف الأشقر الذى تزوج بإمرأته وخليل اغا كتخدا إبراهيم بك ومن طرف البريسي حسين آغا الوالي وسليمان خازندار مراد بك وشاهين كاشف مراد ومحمد تابع محمد بك المنفوخ المرادى ورستم تابع عثمان الشرقاوى وعبد الرحمن كاشف تابع عثمان الطنبرجي الذى تزوج بإمرأته ومن طرف الألفي عثمان آغا الخازندار وحسين كاشف المعروف بالوشاش وصالح كاشف وعباس كاشف تابع سليمان بك الآغا ولبسوا حسن آغا مراد واليا عوضا عن حسين المذكور.
وفيه ورد الخبر بوصول طائفة من الانكليز إلى القصر وهم يزيدون على الألفين.
وفي عشرينه حضر مكتوب من رضوان كتخدا إبراهيم بك من اسكندرية يخبر فيه أنه وصل إلى اسكندرية وقابل الباشا ووعد بالحضور إلى مصر وأنه يأمر بتشهيل أدوات الحج ولوازمه واطلق أربعة واربعين نقيرة حضرت إلى رشيد ببضائع للتجار.
وفيه حضر جعفر كاشف الإبراهيمي من الديار الشامية وقد قابل أحمد باشا الجزار وأكرمه ورجع بجواب الرسالة وسافر ثانيا بعد أيام.
وفيه قلدوا سليمان بك الخازندار ولاية جرجا وخرج بعسكره إلى مصر القديمة وجلس هناك بقصر المحرمجي فاتفق أن جماعة من عسكره الأتراك الذين انضموا إليهم من العثمانية تشاجروا مع العساكر البحرية جماعة حسين بك اليهودى بسبب امرأة رقاصة في قهوة فقتل من الأتراك ثلاثة ومن البحرية أربعة وانجرح منهم كذلك جماعة فحنق حسين بك وتترس بالمقياس وبالمراكب ووجه المدافع إلى القصر وضرب بها عليه وكان سليمان بك غائبا عن القصر فدخلت جلة داخل القصر من الشباك بين جماعة من
الأمراء كانوا جالسين هناك ينتظرون رب المكان ففزعوا وخرجوا من المجلس وبلغ سليمان بك الخبر فذهب إلى البرديسي وأعلمه فأرسل البرديسي يطلب حسين بك فامتنع من الحضور والتجأ إلى الألفي فأرسل البرديسي خبرا إلى الألفي بعزل حسين بك عن قبطانبة البحر وتولية خلافه فلم يرض الألفي بعزله وقال لا يذهب ولا يعزل وترددت بينهم الرسل وكادت تكون فتنة ثم انحط الأمر على أن حسين بك يطلع إلى القلعة يقيم بها يومين أو ثلاثة تطيبا لخاطر سليمان بك واخمادا للفتنة فكان كذلك واستمر على ما هو عليه.
وفي يوم الأحد سادس عشرينه البس إبراهيم بك عثمان كاشف تابع علي أغا كتخدا جاويشان واستقروا به كتخدا جاويشان عوضا عن سيده وكان شاغرا من مدة حلول الفرنساوية.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه ركب حسين بك أخو طاهر باشا في عدة وافرة وحضر إلى بيت عثمان بك البرديسي بعد العصر على حين غفلة وكان عند الحريم فأنزعج من ذلك ولم يكن عند في تلك الساعة إلا أناس قليلة فأرسل إلى مماليكه فلبسوا اسلحتهم وأرسلوا إلى الأمراء والكشاف والأجناد بالحضور وتواني في النزول حتى اجتمع الكثير منهم وصعد بعض الأمراء إلى القلعة وحصل بعض قلقة ثم نزل إلى التنهة واذن لاخي طاهر باشا بالدخول إليه في قلة من اتباعه وسأل عن سبب حضوره على هذه الصورة فقال نطلب العلوفة ووقع بينهما بعض كلام وقام وركب ولم يتمكن من غرضه وأرسل البرديسي إلى محمد علي فحضر إليه وفاوضه في ذلك ثم ركب من عنده بعد المغرب.
وفي تلك الليلة نادوا بعمل الرؤية فاجتمع المشايخ عند القاضي وكلموه في ذلك فرجع عما كان عزم عليه ونادوا بها ليلة الخميس فعملت الرؤية تلك الليلة وركب المحتسب بموكبه على العادة إلى بيت القاضي فلم يثبت الهلال تلك الليلة ونودى بأنه من شعبان وأصبح الناس مفطرين فلما كان صبحها حضر بعض المغاربة وشهدوا برؤيته فنودى بالامساك وقت
الضحى وترقب الناس الهلال ليلة الجمعة فلم يره إلا القليل من الناس بغاية العمر وهو في غاية الدقة والخفاء.
شهر رمضان المعظم سنة 1218.
استهل بيوم الجمعة في ثانيه قرروا فردة على البلاد برسم نفقة العسكر أعلى وأوسط وأدنى ستين الفا وعشرين الفا وعشرة مع ما الناس فيه من الشراقي والغلاء والكلف والتعايين وعيت العسكر وخصوصا بالارياف.
وفيه نزلت الكشاف إلى الأقاليم وسافر سليمان بك الخازندار إلى جرجا واليا على الصعيد وصالح بك الألفي إلى الشرقية.
وفي ثامنه وصل إلى ساحل بولاق عدة مراكب بها بضائع رومية ويميش وهي التي كان أطلقها الباشا وفيها حجاج وقرمان.
وفيه حضر ساع من الأسكندرية وعلى يده مكتوب من رضوان كتخدا ومن بصحبته يخبرون بأن الباشا كان وعدهم بالسفر يوم الإثنين وبرز خيامه وخازنداره إلى خارج البلد فورد عليه مكاتبة من أمراء مصر يأمرونه بأن يحضر من طريق البر على دمنهور ولا يذهب إلى رشيد فانحرف مزاجه من ذلك وأحضر الرسل الذين هم رضوان كتخدا ومن معه واطلعهم على المكاتبة وقال لهم: كيف تقولون أني حاكمكم وواليكم ثم يرسلون يتحكمون على أني لا أذهب إلى مصر على هذا الوجه فأرسلوا بخبر ذلك.
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره غيمت السماء غيما مطبقا وامطرت مطرا متتابعا من آخر ليلة الأربعاء إلى سادس ساعة من ليلة الخميس وسقط بسببها عدة أماكن قديمة في عدة جهات وبعضها على سكانها وماتوا تحت الردم وزاد منها بحر النيل وتغير لونه اصفر مما سال فيه من جبل الطفل وبقى على ذلك التغير أياما إلا أنه حصل بها النفع في الاراضي والمزارع.
وفي منتصفه ورد الخبر بخروج الباشا من الأسكندرية وتوجهه إلى الحضور إلى مصر على طريق البر وشرعوا في عمل المراكب التي تسمى بالعقبة لخصوص ركوب الباشا وهي عبارة عن موكب كبير قشاشي يأخذونها من أربابها قهرا
وينقشونها بأنواع الأصباغ والزينة والالوان ويركبون عليها مقعدا مصنوعا من الخشب المصنع وله شبابيك وطيقان من الخرط وعليه بيارق ملونه وشراريب مزينة وهو مصفح بالنحاس الأصفر ومزين بأنواع الزينة والستائر والمتكفل بذلك آغات الرسالة فلما خرج الباشا من الأسكندرية أرسل محمود جاويش والسيد محمد الدواخلى إلى يحيى بك يقولان له أن حضرة الباشا يريد الحضور إلى رشيد في قلة وأما العساكر فلا يدخل أجد منهم إلى البلد بل يتركهم خارجها فلما وصلوا إلى يحيى بك وأرادوا يقولون له ذلك وجدوه جالسا مع عمر بك كبير الارنؤد الذى عنده وهم يقرؤن جوابا أرسله الباشا إلى عمر بك المذكور يطلبه لمساعدته والخروج معه أمسكه بعض اتباع يحيى بك مع الساعي فلما سمعوا ذلك قالوا لبعضهم اى شيء هذا وتركوا ما معهم من الكلام وحضروا إلى مصر صحبة رضوان كتخدا.
وفي يوم الجمعة سادس عشره ضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها لورود الخبر بموت حسين قبطان باشا وتوليه خلافه.
وفي عشرينه اشيع سفرالالفي لملاقاة الباشا وصحبته أربعة من الصناجق وأبرز الخيام من الجيزة إلى جهة انبابة وأخذوا في تشهيل ذخيرة وبقسماط وجبخانه وغير ذلك.
وفي رابع عشرينه عدى الألفى ومن معه إلى البر الشرقي وأشيع تعدية الباشا إلى بر المنوفية فلما عدوا إلى البر الشرقي انتقلوا بعرضيهم وخيامهم إلى جهة شبرا وشرعوا في عمل مخابز العيش في شلقان.
وفيه حضر واحد بيان آغا يسمى صالح أفندى وعلى يده فرمان فأنزلوه ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك ولا يجتمع به أحد.
وفي غايته وصل الباشا إلى ناحية منوف وفردوا له فردا على البلاد وأكلوا الزروعات وما أنبتته الأرض.
وانقضى هذا الشهر وما حصل به من عربدة الانؤد وخطفهم عمائم الناس وخصوصا بالليل حتى كان الإنسان إذا مشى يربط عمامته خوفا عليها وإذا تمكنوا من أجد شلحوا ثيابه وأخذوا
ما معه من الدراهم ويترصدون لمن يذهب إلى الأسواق مثل سوق أنبابه في يوم السبت لشراء الجبن والزبد والأغنام والابقار فيأخذون ما معهم من الدراهم ثم يذهبون إلى السوق وينهبون ما يجلبه الفلاحون من ذلك للبيع فامتنع الفلاحون عن ذلك الافي النادر خفية وقل وجوده وغلا السمن حتى وصل إلى ثلثمائة وخمسين نصف فضة العشرة أرطال قباني وأما التبن فصار أعز من التبر وبيع قنطاره بألف نصف فضة أن وجد وعز وجود الحطب الرومي حتى بلغ سعر الحملة ثلثمائة فضة وكذا غلا سعر باقي الاحطاب وباقي الأمور المعدة للوقود مثل البقمة وجلة البهائم وحطب الذرة ووقفت الارنؤد لخطف ذلك من الفلاحين فكانوا يأتون بذلك في آخر الليل وقت الغفلة ويبيعونه بأغلى الأثمان وعلم الارنؤد ذلك فرصدوهم وخطفوهم ووقع منهم القتل في كثير من الناس حتى في بعضهم البعض وغالبهم لم يصم رمضان ولم يعرف لهم دين يتدينون به ولا مذهب ولا طريقة يمشون عليها اباحية أسهل ما عليهم قتل النفس وأخذ مال الغير وعدم الطاعة لكبيرهم وأميرهم وهم أخبث منهم فقطع الله دابر الجميع وأما ما فعله كشاف الأقاليم في القرى القبلية والبحرية من المظالم والمغارم وأنواع الفرد والتساويف فشىء لا تدركه الأفهام ولا تحيط به الأقلام وخصوصا سليمان كاشف البواب بالمنوفية فنسأل الله العفو والعافية وحسن العاقبة في الدين والدنيا والآخرة.
استهل شهر شوال بيوم السبت 1218.
وفي ثانيه سب رجلا تاجرا من وكالة التفاح ثلاثة من العسكر فهرب منهم إلى حمام الطنبدى فدخلوا خلفه وقتلوه داخل الحمام وأخذوا مافي جيبه من الدراهم وغيرها وذهبيوا وحضر أهله وأخذوه في تابوت ودفنوه ولم ينتطح فيه شاتان وقتل في ذلك اليوم أيضا رجل عند حمام القيصرلي وغير ذلك.
وفيه وصل الباشا إلى ناحية شلقان وصحبته عساكر كثيرة انكشارية وغيرهم من الذين خرجوا مطرودين من مصر وصحبته نحو ستين
مركبا في البحر بها أثقاله ومتاعه وعساكر أيضا.
وفيه ركب الألفي والأمراء ما عدا إبراهيم بك والبرديسي فإنهما لم يخرجا من بيوتهما وذهبوا إلى مخيمهم بشبرا وخرج أيضا محمد علي وأحمد بك وأتباعهم وابقوا عند بيوتهم طوائف منهم.
وفيه وقعت مشاجرة بين الارنؤدية جهة بيوت سوارى العساكر بسبب امرأة قتل فيها خمسة أنفار بالازبكية.
وفي ثالثة أوقفوا على أبواب المدينة جماعة من العساكر باسلحتهم فازعج الناس وارتاعوا من ذلك وأغلقوا الدروب والبوابات ونقلوا أمتعتهم وبضائعهم من الدكاكين وأكثروا من اللغط وصار العسكر الواقفون بالأبواب يأخذون من الداخل والخارج دراهم ويفتشون جيوبهم ويقولون لهم: معكم أوراق فيأخذون بحجة ذلك ما في جيوبهم.
وفي رابعه غيروا العسكر بأجناد من الغز المصرلية فجلس على كل باب كاشف ومعه جماعة من العسكر فكان الكاشف الذى على باب الفتوح يأخذ ممن يمر به دراهم فإن بزى الفلاحين بأن كا لابس جبة صوف أو زعبوط أخذ منه ما في جيبه أو عشرة أنصاف أن كان فقيرا وأن كان من أولاد البلد ومجمل الصورة أو لابس جوخة ولو قديمة طالبه بألف نصف فضة أو حبسه حتى يسعى عليه أهله ويدفعونها عنه ويطلقه وسدوا باب الوزير وباب المحروق وقفلوا باب البرقية المعروف بالغريب بعد أن كانوا عزموا على سده بالبناء ثم تركوه بسبب خروج الأموات.
وفيه نودى بوقود القناديل ليلا على البيوت والوكائل وكل ثلاثة دكاكين قنديل وفي صبحها خامسه شق الوالي وسمر عدة حوانيت بسبب القناديل وشدد في ذلك.
وفيه انتقل الألفي ومن معه من الأمراء إلى ناحية شلقان ونصبوا خيامهم قبال عرضى الباشا وكلموه عن نزوله في ذلك المكان ونصب الخيام في داخل الخيام ودوسهم لهم فقال لهم هذه منزلتنا ومحطتنا فلم يسمع الباشا وأتباعه الاقلعهم الخيام والتأخر
فهذه كانت أول حقارة فعلها المصرلية في العثمانية ونصب محمد علي وأحمد بك وعساكرهم جهة البحر ثم أن خدم الألفى أخذوا جمالا ليحملوا عليها البرسيم فنزلوا بها إلى بعض الغيطان فحضر أميرا خور الباشا بالجمال لأخذ البرسيم أيضا فوجدوا جمال الألفى وأتباعه فنهرهم وطردوهم فرجعوا إلى سيدهم وأخبروه فأمر بعض كشافه بالركوب إليهم فركب رامحا إلى الغيظ وأحضر أميراخور الباشا وقطع رأسه قبالة صيوان الباشا ورجع إلى سيده بالجمال ورأس أميراخور فذهب اتباع الباشا وأخبروه بقتل أميراخور وأخذ الجمال فحنق وأحضر رضوان كتخدا إبراهيم بك وتكلم معه ومن جملة كلامه أنا فعلت معكم ما فعلت وصالحت عليكم الدولة ولم تزل تضحك على ذقني وأنا اطاوعك وأصدق تمويهاتك إلى أن سرت إلى ههنا فأخذتم تفعلون معي هذه الفعال وتقتلون أتباعي وترذلوني وتأخذون حملتي وجمالي فلاطفه رضوان كتخدا في الجواب واعتذر إليه وقال له: هؤلاء صغار العقول ولا يتدبرون في الأمور وحضرة أفندى شأنه العفو والمسامحة ثم خرج من بين يديه وأرسل إلى اتباع الألفي فاحضر منهم الجمال وردها إلى وطاق الباشا وحضر إليه عثمان بك يوسف المعروف بالخازندار وأحمد آغا شويكار فقابلاه واخذا بخاطره ولم يخرج إليه أجد من الأمراء سواهما.
وفي خامسه نادوا بخروج العساكر الارنؤدية إلى العرضى وكل من بقي منهم ولم يكن معه ورقة من كبيره فدمه هدر.
وصار الوالي بعد ذلك كلما صادف شخصا عسكريا من غير ورقة قبض عليه وغيبه واستمر يفتش عليهم ويتجسس على أماكنهم ليلا ونهارا ويقبض على من يجده متخلفا والقصد من ذلك تمييز الارنؤدية من غيرهم المتداخلين فيهم وكذلك من مر على المتقيدين بأبواب المدينة وذلك باتفاق بين المصرلية والارنؤدية لأجل تميزهم من بعضهم وخروج غيرهم.
وفيه أطلعوا السيد على القبطان أخا على باشا إلى القلعة.
وفي سادسه خرج البرديسي إلى جهة شلقان ولم يخرج إبراهيم بك
ولم يتنقل من بيته فنصب خيامه على موازاة خيام الألفى وباقي الأمراء كذلك إلى الجبل والارنؤدية جهة البحر وقد كان الباشا أرسل إلى محمد علي وكبار الارنؤدية وغيرهم من قبائل العربان ومشايخ البلاد المشهورين مكاتبات قبل خروجه من الأسكندرية يستميلهم إليه ويعدهم ويمنيهم أن قاموا بنصرته ويحذرهم ويخوفهم أن استمروا على الخلاف وموافقة العصاة المتغليين. فنقل الارنؤدية ذلك إلى المصرلية وأطلعوهم على المكاتبات سرا فيما بينهم واتفقوا على رد جواب المراسلة من الارنؤدية بالموافقة على القيام معه إذا حضر إلى مصر وخرج الأمراء لملاقاته والسلام عليه فيكون هو وعساكره أمامهم والارنؤدية المصرية من خلفهم فيأخذونهم مواسطة فيستأصلونهم والموعد بشلفان وسهلوا له أمر الأمراء المصرلية وأنهم في قلة لا يبلغون الفا ولو بلغوا ذلك فمن المنضمين إليهم من خلاف قبيلتهم وهم أيضا معنا في الباطن. ودبروا له تدبيرا ومناصحات تروج على الأباليس منها أن يختار من عسكره قدر كذا من الموصوفين بالشجاعة والمعرفة بالسباحة والقتال في البحر ويجعلهم في السفن قبالته في البحر وأن يعدوا بالعساكر البرية إلى البر الشرقي من مكان كذا ويجعل الخيالة والرجالة معه على صفة ذكروها له. ولما وصل إلى الرحمانية أرسل له الارنؤد مكاتبة سرا بأن يعدى إلى البر الشرقي وبينوا له الصواب ذلك وهو يعتقد نصحهم فعدى إلى البر الشرقي. فلما حضر إلى شلقان رتب عساكره وجعلهم طوابير وجعل كل بينباشا في طابور وعملوا متاريس ونصبوا المدافع واوقفوا المراكب بما فيها من العساكر والمدافع بالبحر على موازاة العرضي. فخرج الألفي كما ذكر بمن معه من الأمراء المصرلية والعساكر الارنؤدية وأرسل إلى الباشا بالانتقال والتأخر فلم يجد بدا من ذلك فتأخر إلى زفيتة ونزل ونصب هناك وطاقة ومتاريسه. وفي وقت تلك الحركة تسلل حسين بك الافرنج ومن معه من العساكر بالغلايين والمراكب واستعملوا على مركب الباشا واحتاطوا بها وضربوا عليهم بالبنادق والمدافع وساقوهم إلى جهة مصر وأخذوهم اسرى وذهبوا بهم
الى الجيزة وبعدها قتلوا من كان فيهم من العساكر المحاربين وكبيرهم يسمى مصطفى باشا أخذوه أسيرا أيضا. وكان بالمركب أناس كثيرة من التجار وصحبتهم بضائع واسباب رومية كان الباشا عوقهم بسكندرية فنزلوا في المراكب ليصلوا ببضائعهم وطمعا في عدم دفعهم الجمرك فوقعوا أيضا في الشرك وارتبكوا فيمن ارتبك ولما تأخر الباشا عن منزلته واستقر باراضي زفيتة احاطت به المصريون والعربان وتحلقوا حوله ووقفوا لعرضيه بالرصد فكل من خرج عن الدائرة خطفوه ومن الحياة أعدموه وأرسل إليه الألفي على كاشف الكبير فقال له حضرة ولدكم الألفي يسلم عليكم ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم وما الموجب لكثرتها وهذه هيئة المنابذين لا المسالمين والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا باتباعهم وخدمهم المختصين بخدمتهم وقد ذكروا لك ذلك وأنتم بسكندرية. فقال نعم وإنما هذه العساكر متوجهة إلى الحجاز تقوية لشريف باشا على الخارجي وعندما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشلهم ونرسلهم. فقال: إنهم اعدوا لكم قصر العيني تقيمون به فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم كما لا يخفاكم ذلك وأما العسكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون إلى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى نشهل لهم احتياجاتهم ونرسلهم ولسنا نقول ذلك خوفا منهم وإنما البلدة في قحط وغلاء والعساكر العثمانية منحرفوا الطباع ولا يستقم حالهم مع الارنؤدية ويقع بينهم ما يوجب الفشل والتعب لنا ولكم.
وفي ليلة الجمعة رابع عشره حصل خسوف للقمر جزئي بعد رابع ساعة من الليل ومقدار المنخسف أربع اصابع وثلث وانجلى في سابع ساعة إلا شيئا يسيرا.
وفي ذلك اليوم أرسل البرديسي إلى شيخ السادات تذكرة صحبة واحد كاشف من اتباعه يطلب عشرين ألف ريال سلفة فلاطفه ورده بلطف فرجع إلى مخدومه وأبقى ببيت الشيخ جماعة من العسكر فوبخه على
الرجوع من غير قضاء حاجة وأمره بالعود ثانيا فعاد إليه في خامس ساعة من الليل وصحبته جماعة أخرى من العسكر فازعجوا أهل البيت وأرسلت عديلة هانم ابنة إبراهيم بك إلى المعينين تأمرهم أن لا يعملوا قلة أدب وأرسلت إلى ابيها لأن منزلها بجواره فاهتم لذلك وأرسل خليل بك إلى البرديسي فكفه عن ذلك بعد علاج وسعي ورفع المعنيين.
وفي ليلة الخميس عشرينه وصلت أخبار ومكاتبات من الأمراء الذين ذهبوا بصحبة الباشا بالقرين فضربوا مدافع كثيرة بعد العشاء ونصف الليل. ومضمون ما ذكروه في المراسلة أن الباشا أراد أن يكبسهم بمن معه ليلا وكان معهم سائس يعرف بالتركي فحضر إليهم واخبرهم فتحذروا منهم فلما كبسوهم وقعت بينهم محاربة وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بك المنفوخ وانجرح المنفوخ أيضا جرحا بليغا واصيب الباشا وصاحبه من غير قصد والليل ليس له صاحب فقضى عليه وكان ذلك مقدورا وفي الكتاب مسطورا وانكم ترسلوا لنا أمانا بالحضور إلى مصر والا ذهبنا إلى الصعيد. هذا ما قالوه والواقع أنهم لما سافروا معه كان بصحبته خمسة وأربعون نفسا لا غير والعساكر التي كانت سافرت قبله نجعت إلى الصالحية أو ذهبت حيث شاء الله وكان إمامه عسكر المغاربة وخلفه الأمراء المصرلية. فلما وصلوا إلى اراضي القرين ونزلوا هناك عمل المغاربة مع الخدم مشاجرة وجسموها إلى أن تضاربوا بالسلاح فقامت الأجناد المصرلية من خلفهم فصار الباشا ومن معه في الوسط والتحموا عليهم بالقتال ففر من اتباعه أربعة عشر نفسا إلى الوادى وثلاثة عشر رموا بأنفسهم في ساقية قريبة منهم من حلاوة الروح وضرب الباشا بعض المماليك منهم بقرابينة فأصابته وقتل معه ابن اخته حسن بك وكتخداه وباقي الثمانية عشر فلما سقط الباشا وبه رمق رأى أجد الأميرين فقال له: في عرضك يا فلان أن معي كفنا بداخل الخرج فكفني فيه وادفني ولا تتركني مرميا. فلما انقضى ذلك اعطى ذلك الأمير لبعض العرب دنانير وأعطاه الكفن الذى اوصاه عليه وقال له: اذهب إلى مقتلهم
وخذ الباشا وادفنه في تربة. ففعل كما امروا وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها. وانقضى أمرهم. هذا أخبار بعض تلك البلاد المشاهدين للواقعة وكل ذلك وبال فعله وسوء سريرته وخبث ضميره فلقد بلغنا أنه قال لعسكره أن بلغت مرادى من الأمراء المصريين وظفرت بهم وبالارنؤد أبحت لكم المدينة والرعية ثلاثة أيام تفعلون بها ما شئتم. والدليل على ذلك ما فعله بالاسكندرية مدة إقامته بها من الجور والظلم ومصادرات الناس في أموالهم وبضائعهم وتسلط عساكره عليهم بالجور والخطف والفسق وترذيله لأهل العلم واهانته لهم حتى أنه كان يسمى الشيخ محمد المسيرى الذى هو أجل مذكور في الثغر بالمزور وإذا دخل عليه مع امثاله وكان جالسا اتكأ ومد رجليه قصدا لاهانتهم.
خبر علي باشا المترجم المذكور.
كان اصله من الجزائر مملوك محمد باشا حاكم الجزائر فلما مات محمد باشا وتولى مكانه صهره ارسله بمراسلة إلى حسين قبطان باشا وكان أخوه المعروف بالسيد علي مملوك للدولة ومذكورا عند قبطان باشا ومتولي الريالة فنوه بذكره فقلده قبطان باشا ولاية طرابلس واعطاه فرمانات ويرق فذهب إليها وجيش له جيوشا ومراكب وأغار على متوليها وهو أخو حمودة باشا صاحب تونس وحاربه عدة شهور حتى ملكها بمخامرة أهلها لعلمهم أنه متوليها من طرف الدولة. وهرب أخو حمودة باشا عند اخيه بتونس فلما استولى علي باشا المذكور على طرابلس اباحها لعسكره ففعلوا بها اشنع وأقبح من التمرلنكية من النهب وهتك النساء والفسق والفجور وسبي حريم متوليها وأخذهن أسرى وفضحهن بين عسكره ثم طالبهم بالأموال. وأخذ اموال التجار وفرد على أهل البلد وأخذ اموالهم ثم أن المنفصل حشد وجمع جموعا ورجع إلى طرابلس وحاصره أشد المحاصرة وقام معه المغرضون من أهل البلدة والمقروصون من علي باشا. فلما رأى الغلبة على نفسه نزل إلى المراكب بما جمعه من الأموال والذخائر وأخذ معه غلامين جميلين من أولاد الأعيان شبه الرهائن
وهرب إلى اسكندرية وحضر إلى مصر والتجأ إلى مراد بك فأكرمه وأنزله منزلا حسنا عنده بالجيزة وصار خصيصا به. وسبب مجيئه إلى مصر ولم يرجع إلى القبطان علمه أنه صار ممقوتا في الدولة لأن من قواعد دولة العثمانيين أنهم إذا أمروا أميرا في ولاية ولم يفلح مقتوه وسلبوه وربما قتلوه وخصوصا إذا كان ذا مال. ثم حج المترجم في سنة سبع ومائتين وألف من القلزم وأودع ذخائره عند رشوان كاشف المعروف بكاشف الفيوم لقرابة بينهما من بلادهما ولما كان بالحجاز ووصل الحجاج الطرابلسية ورأوه وصحبته الغلامان وذهبوا إلى أمير الحاج الشامي وعرفوه عنه وعن الغلامين وأنه يفعل بهما الفاحشة فأرسل معهم جماعة من اتباعه في حصة مهملة وكبسوا عليه على حين غفلة فوجدوه راقدا ومعه أجد الغلامين فسبه الطرابلسية ولعنوه وقطعوا لحيته وضربوه بالسلاح وجرحوه جرحا بالغا وأخذوا منه الغلامين وكادوا يقتلونه لولا جماعة من جماعة أمير الحاج. ثم رجع إلى مصر من البحر أيضا وأقام في منزلته عند مراد بك زيادة عن ست سنوات إلى أن حضر الفرنسيس إلى الديار المصرية فقاتل مع الأمراء وتغرب معهم في قبلي وغيره ثم انفصل عنهم وذهب من خلف الجبل وسار إلى الشام فأرسله الوزير يوسف باشا بعد الكسرة بمكاتبات إلى الدولة فلم يزل حتى وقعت هذه الحوادث وقامت العسكر على محمد باشا واخرجوه ووصل الخبر إلى اسلامبول فطلب ولاية مصر على ظن بقاء حبل الدولة العثمانية وأوامرها بمصر وليس بها إلا طاهر باشا والارنؤد وجعل على نفسه قدرا عظيما من المال ووصل إلى اسكندرية وبلغه انعكاس الأمر وموت طاهر باشا وطرد الينكجرية وانضمام طائفة الارنؤد للمصرلية وتمكنهم من البلدة فاراد أن يدير أمرا ويصطاد العقاب بالغراب فيجوز بذلك سلطنة مجددة ومنقبة مؤبدة فلم تنفعه التدابير ولم تسعفه المقادير فكان كالباحث على حتفه بظلفه والجادع بيده مارن أنفه ولم يعلم أنها القاهرة كم قهرت جبابرة وكادت فراعنة:
إذا لم يكن عون من الله للفتى
…
فأول ما يجني عليه اجتهاده
وكان صفته أبيض اللون عظيم اللحية والشوارب أشقرهما قليل الكلام يا لربي يحب اللهو والخدعة.
ولما انقضى أمره وأرسل سليمان بك ومحمد بك مكاتبات إلى شاهين بك ونظرائه بما ذكروا أن يأخذوا لهم أمانا من إبراهيم بك البرديسي فكتبوا لهم أمانا بعد إمتناع منهما واظهار التغير والغضب والتأسف على التفريط منهما في قتله.
وفي يوم الخميس المذكور عملوا ديوانا وأحضروا صالح أغا قابجي باشا الذى حضر أولا ونزل ببيت رضوان كتخدا إبراهيم بك وقرأوا الفرمان الذى معه وهو يتضمن ولاية علي باشا. الأوامر المعتادة لا غير وليس فيها ما كان ذكره علي باشا من الجمارك والالتزام وغيره.
وتكلم الشيخ الأمير في ذلك المجلس وذكر بعض كلمات ونصائح في اتباع العدل وترك الظلم وما يترتب عليه من الدمار والخراب وشكا الأمراء والمتآمرون من أفعال بعضهم البعض وتعدى الكشاف النازلين في الأقاليم وجورهم على البلاد وأنه لا يتحصل لهم من التزامهم وحصصهم ما يقوم بنفقاتهم فاتفق الحال على إرسال مكاتبات للكشاف بالحضور والكف عن البلاد.
واما مصطفى باشا فإنهم أنزلوه في مركب مع اتباع الباشا الذين كانوا بقصر العيني وسفروهم إلى حيث شاء الله.
وفيه وصل الألفي من سرحته إلى مصر القديمة فأقام في قصره الذى عمره هناك وهو قصر البارودى يومين ثم عدى إلى الجيزة ودخل اتباعه بالمنهوبات من الجمال والابقار والأغنام ومعهم الجمال محملة بالقمح الأخضر والفول والشعير لعدم البرسيم فإنهم رعوا ما وجدوه في حال ذهابهم وفي رجوعهم لم يجدوا خلاف الغلة فرعوها وحملوا باقيها على الجمال لو شاء ربك ما فعلوه.
وفي ثاني عشرينه وقعت معركة بين الارنؤودية وعسكر التكرور بالقرب من الناصرية بسبب حمل برسيم وضربوا على بعضهم بنادق رصاص وقتل
بينهم انفار واستمروا على مضاربة بعضهم البعض نحو سبعة أيام وهم يترصدون لبعضهم في الطرقات.
وفي خامس عشرينه عملوا ديوانا وقرأوا فرمانا وصل من الدولة مع الططر خطابا لعلي باشا والأمراء بتشهيل أربعة آلاف عسكرى وسفرهم إلى الحجاز لمحاربة الوهابيين وإرسال ثلاثين ألف اردب غلال إلى الحرمين.
وأنهم وجهوا أربع باشات من جهة بغداد بعساكر وكذلك أحمد باشا الجزار أرسلوا له فرمانا بالاستعداد والتوجه لذلك فإن ذلك من اعظم ما تتوجه إليه الهمم الإسلامية وامثال ذلك من الكلام والترفق وفيه بعض القول بالحسب والمروأة بتنجيز المطلوب من الغلال وأن لم تكن متيسرة عندكم تبذلوا الهمة في تحصيلها من النواحي والجهات بأثمانها على طرف الميرى بالسعر الواقع.
وفيه تقيد لضبط مخلفات علي باشا صالح أفندى ورضوان كتخدا ونائب القاضي وباشكاتب.
وفيه حضر الأمراء الذين توجهوا بصحبة الباشا إلى الشرقية.
وفي هذا اليوم حضر عثمان كاشف البواب الذى كان بالمنوفية وترك خيامه واثقاله واعوانه على ما هم عليه وحضر في قلة من اتباعه.
وفيه نقلوا عسكر التكرور من ناحية قناطر السباع إلى جهة أخرى واخرجوا سكانا كثيرة من دورهم جهة الناصرة وأزعجوهم من مواطنهم واسكنوا بها عساكر وطبجية.
وفيه انزلوا السيد علي القبطان من القلعة إلى بيت علي بك أيوب كما كان وهذا السيد علي هو أخو علي باشا المقتول كما ذكر واصله مملوك وليس شريف كما يتبادر إلى الفهم من لفظة سيد أنها وصف خاص للشريف بل هي منقولة من لغة المغاربة فإنهم يعبرون عن الأمير بالسيد بمعنى المالك وصاحب السيادة.
وفي سادس عشرينه انزلوا محمل الحاج من القلعة مطويا من غير هيئة وأشيع في الناس دورانه إلى بيت إبراهيم بك صحبه أجد الكشاف وطائفة
من المماليك واتفق الرأى على سفره من طريق بحر القلزم صحبه محمد جاويش مستحفظان ومعه الكسوة والصرة وكان حضر الكثير من حجاج الجهة القبلية بجمالهم ودوابهم ومتاعهم فلما تحققوا عدم السفر حكم المعتاد باعوا جمالهم ودوابهم بالرميلة بأبخس الأثمان لعدم العلف بعد ما كلفوها بطول السنة. وما قاسوه أيضا في الأيام التي أقاموها بمصر في الانتظار والتوهم.
شهر ذى القعدة سنة 1218.
استهل بيوم الإثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الارنؤد من القلعة وكانوا نحو الأربعمائة فذهبوا إلى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية.
وفيه ألبس إبراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع أنه قلده دفتردارية مصر وذهب إلى البرديسي فخلع عليه أيضا وكذلك الألفي وذلك إكراما وتنويها بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه.
وفي ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الألفي الكبير إلى ثغر رشيد يوم الأربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر إلى ادكو ثم إلى رشيد في يوم الأربعاء المذكور وقصده الإقامة برشيد ستة أيام فلما وصلت تلك الاخبارعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته والمتآمرين حسدا لرآسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتواء أمرهم مع كبار العسكر. وأرسل البرديسي كتابا إلى مملوكه يحيى بك تابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الألفي هناك وركب هو إلى النيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ وأسمعيل بك
صهر إبراهيم بك وعمر بك الإبراهيمي إلى بر الجيزة ليلة الأحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا إلى السفر من آخر الليل صحبه الألفي الصغير وعدى أيضا قبلهم حسين بك الوشاش الألفي ونصب خيامه بحرى منهم. فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا إلى حسين بك يطلبونه إليهم فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له: أين الخيول فاننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة وها هو اخوك الألفي قد ركب وهو مقبل. فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا إلى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه فأسرعوا إلى ذلك وبقى هو وحده ينتظر فرسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا إلى البرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والارنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلا وكمنوا بمكان ينتظرون الإشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما عملوا ذلك حضروا إلى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الألفي مخامرا أيضا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الأمراء على القصر إلى آخر الليل فحضر إلى الألفي من أيقظة وأعلمه بقتل حسين بك وإحاطتهم بالقصر فأراد الأستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلا فركب خلفه الأمراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تهبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لانهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والأجناد ونهبوا ما فيه من الاثقال والأمتعة والفرش وغيرها وكان كاتبه المعلم غالي ساكنا بالجيزة وكذلك كثير من اتباعه ومقدميه فذهبوا إلى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الأموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلا ولا حقيرا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط وأصبح الناس بالمدينة يوم الأحد لا يعلمون شيئا من ذلك إلا أنهم سمعوا الصراخ
ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل أنه قتل ببر الجيزة. فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت روياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك إلا من صراخ أهل بيته. وكل ذلك وقع وإبراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل إليه عن الخبر. واحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال الصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر اشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية إلى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الإثنين ثامنه ركب إبراهيم بك وأمراؤه إلى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الأعظم إلى العادلية وإمامه الكسوة في أناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرا من عسكر الارنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من أمر الألفي الكبير فإنه لما حضر إلى رشيد يوم الأربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكا وطعاما وما يليق به وسأله عن مدة إقامته برشيد فقال له اريد الإقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر. ولم يكن معه إلا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فأستاذ نه يحيى بك في إرسال الخبر إلى مصر ليأتي الأمراء إلى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم إنه لم يقم برشيد إلا ليلة واحدة وانزل امتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل إلى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع إلى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار إلى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة. ويأبى الله إلا ما يريد فلم يسعفه الريح وكان تأخيره سببا لنجاته. ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الألفي الصغير بعض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر
نصف الليل فلما أصبح الصباح حضر إليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه إلى منوف العلا فأقام هناك يوم الأحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرا إلى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الارنؤد الموجهة إليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم: أين تريدون؟ فقالوا: نريد الألفي فقال لهم: ها هو الألفي فسكتوا. ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه إلى الألفي فكذب ذلك وقال هذا شيء لا يكون ولا يصح أن اخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لأجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم أن طائفة منهم أدركت الغراب الذي قدمه له البطروشي وكان متأخرا عن المراكب فصعدوا إليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك فأرسل إليهم بعض من معه من الأتراك ليستخبر عن شأنهم وأمرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه أخذ بالحزم ونزل في الحال إلى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وأمرهم أن يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة إلى البحر فلاقاهم طائفة أخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدا عنهم فاعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه اياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل إلى شبرا الشهابية فنظر إلى رجل ساع وأعلمه أنه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب يخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع إلى البر وامر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على أقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا إلى ناحية قرنفيل ودخل إلى نجع عرب الحويطات والتجأ إلى امرأة منهم فاجارته ولبت دعوته وركبته فرسا واصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار إلى قرب الخانكة ليلا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلى وكبيرهم يقال له سعد إبراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع
الهجانة إلى ناحية الجبل ومضى فسمع الأجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا إليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا أنه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والأجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من أدركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به أجد منهم وخرم عليه سعد إبراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذى على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب أمره.
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الأجناد سائرين لانهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل إلا هو وأخذوا في الاحتياط عليه ما امكن فأرسلوا عسكرا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقا وغربا فذهبت طائفة منهم إلى الشرقية وطائفة إلى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة إلى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك إلى صالح بك الألفي الذى بالشرقية وذهب شاهين بك إلى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك أيوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل إلى دجوة تعوق بسبب قلة المعادى فلما وصل إلى منوف فوجدوه عدى إلى الجهة الأخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الاجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الألفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال إلى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد إمامه شاهين بك فأرسل يطلب منه أمانا فأجابه إلى ذلك وأرسل إلى مصر من يأتي بالأمان واطمأن شاهين ليلا فلما أصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى إلى القليوبية فبلغه خبر الألفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه أنه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني فقبض عليهم وأحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم
وأرسلهم إلى البرديسي.
واما مراكبه فإنه عندما نزل إلى القنجة وفارقها أدركها العسكر الذين قابلوه في المراكب ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الأموال وظرائف الانكليز والأمتعة والجوخ والاسلحة والجواهر. فانه لما وصل إلى القرالي اكرمه إكراما كثيرا وأهدى إليه تحفا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الأمانة يرسل له بها غلالا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها إلى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك. وأما الألفي الصغير فإنه ذهب إلى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على البلاد ومن عصى عليه أو تواني في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم. وأما صالح بك الألفي فإنه لما وصل إليه الخبر وقدوم الموجهين إليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته واثقاله فلم يدركوه أيضا.
وفي يوم الثلاثاء أحضروا مماليك الألفي الكبير وجوخداره إلى بيت البرديسي وأرسل إبراهيم بك والبرديسي مكاتبات إلى الأمراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الإبراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الألفي الصغير والكبير أن وردا عليهما.
وأما شاهين بك فإنه عدى إلى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع في يوم الثلاثاء المذكور وإمامه العرب المتهمون بأنهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرا كثيرا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقا من خشب وجدوه مرميا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الألفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع أستاذ نا وفي داخله جوهر ثمين وأرسلوا عدة من المماليك والهجانة إلى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره أنه لم يكن حاضرا في نجعة وأن أمه أو خالته هي التي اعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم. فحبسه أياما ثم اطلقه وقيل: إنه مر
عليه علي بك أيوب ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضا.
وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد أغا شويكار إلى جهة الشرقية ومرزوق بك إلى القليوبية يفتشون على الألفي.
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة إلى الألفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وإبراهيم كاشف.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحاج بالمحمل إلى السويس.
وفي يوم السبت حضر علي بك أيوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل.
وفيه سافر قنصل الانكليز من مصر بسبب هذه الحادثة فإنه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلاما كثيرا منه أنه قال لهما هذا الذى فعلتماه لأجل نهب مال القرالي ومطلوب مني أربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة على الألفي وغير ذلك فلاطفاه وأراد منعه من السفر فقال لا يمكن أني أقيم ببلدة هذا شأنها وطريقتنا لانقيم إلا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبا وسافر وأراد أيضا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه.
وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الأمراء وشددوا في الطلب واستقلوا الأمراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق أغا كلاما كثيرا فسمعوا في الكلام مع الأمراء المصرلية فوعدوهم إلى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الأحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي ألف ريال منها خمسون على غالي كاتب الألفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلا.
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية.
وفي يوم الأربعاء سابع عشره توفي إبراهيم أفندى الروزنامجي وفيه
حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم وقتلوا رجلا نصرانيا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وامتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالأمان.
وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالأمان ودخل إلى مصر.
وفي يوم الأحد أفرجوا عن كشاف الألفي المحبوسين.
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ وأسمعيل بك إلى ناحية شرق اطفيح لأنه اشيع أن الألفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان إلى جميع النواحي واعطوهم دراهم يفتشون على الألفي.
وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك ووزعوها على العقار والأملاك اجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني بدفعه صاحب الملك.
وفي يوم الأربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الأجناد وطافوا بالاخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الاجر فنزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما هم فيم من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الارياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق افواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه اشيع ابطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا إلى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الأمراء مثل قولهن ايش تأخذ من تفليسي با برديسي وصبغن أيديهن
بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا أيضا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير إلى الجامع الأزهر وذهبوا إلى المشايخ فركبوا معهم الأمراء ورجعوا ينادون بأبطالهم. وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الأسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم نحن معكم سواسو أنتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميرى ليست عليكم أنتم أناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد. وحضر كتخدا محمد علي مرسلا من جهته إلى الجامع الأزهر وقال مثل ذلك ونادى به في الأسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الأمراء ومالوا إلى العسكر وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية. فان محمد علي لما حرش العساكر على محمد بك باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والارنؤد ثم بالاتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف أنه أن تم له الأمر ونما أمر الأتراك لا يبقون عليه فعاجله وإزاله بمعونة الأمراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه. كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا البرديسي فإنه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر وأغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره وأقامهم حوله في الأبراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالالفي واتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الاحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني إليهم فاضطروهم إلى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل. وعند ذلك تبرأ
محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم إليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا إلى الله في إزالة الأمراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الأمراء على الرعية باطنا بل اظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبا إلى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول: لا بد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لاوامرنا ثم أخذوا يدبرون على العسكر وأرسلوا إلى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا إلى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية وأسمعيل بك صهر إبراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتيا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الألفي وانتظاره وأرسلوا إلى سليمان بك حاكم الصعيد بالحضور من اسيوط بمن حوله من الكشاف والأمراء وإلى يحيى بك حاكم رشيد وأحمد بك حاكم دمياط واصعدوا محمد باشا المحبوس إلى القلعة وعلم الانؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالازبكية في يوم الأحد ثامن عشرينه فارتاع الناس وأغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر إلى إبراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الأمراء والكشاف والاجناد. وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الارزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وأنشأ بها أماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الآرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالابراج والبوابات التي انشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الاخرى كما سبق ذكر ذلك. فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسا صحبة عثمان بك يوسف فقام وقال له كن أنت في مكاني هنا حتى اخرج وارتب الأمر وارجع اليك وتركه وركب إلى خارج فضربوا عليه بالرصاص
فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب إلى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والأجناد فقاتلوا من وجدوه واوقعوا النهب في الدار وانضم إليهم اجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤس وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة وذهبوا بهم إلى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك.
وفي سابع ساعة من الليل أرسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الأسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به إلى القاضي واطلعوه عليه وأمروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك. فلما أصبح أرسل إليهم فقالوا: لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله إليهم واطلعوا عليه وأشيع بين الناس. واما إبراهيم بك فإنه استمر مقيما ببيته بالداودية وأمر مماليكه واتباعه أن يجلسوا برؤس الطرق الموصلة إليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهيشة المقابل لباب زويله وكذلك ناحية تحت الربع والقربية وجهة سويقة لاجين والداودية وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك إلى الصباح واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والأجناد ووصل إليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بارواحهم. وعلم إبراهيم بك بخروج البرديسي وأنه أن استمر على حاله أخذ فركب في جماعته في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرا حتى خرج إلى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين واصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه إلى داره ودفنوه
وقبضوا على عمر بك تابع الاشقر الإبراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه. وأما الذين بالقلعة من الأمراء فإنهم أصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الارنؤد بالازبكية إلى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج إبراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم إلا أنهم ابطلوا الرمي وتهيؤا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك وعند نزولهم ارادوا أخذ محمد باشا وعلي باشا القبطان وإبراهيم باشا فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من أخذهم ونهب المغاربةالضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملؤا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوه وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الإبراهيمي وسليم اغا مستحفظان من وقت مجيئهم إلى مصر متقيدين ومرتبطين بها ليلا ونهارا لا ينزلون إلى بيوتهم إلا ليلة في الجمعة بالنوبة إذا نزل احدهم أقام الآخران وطلع محمد علي إليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه امامهم المنادى ينادى بالأمان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي وأشيع في الناس رجوع محمد باشا إلى ولاية مصر فبادر المحروقي إلى المشايخ فركبوا إلى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية وأقام على ذلك بقية يوم الإثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية أشهر كاملة فإنه حضر إلى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الأول وهو آخر يوم منه وأطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الأمراء على اسوا حال من مصر ولم يأخذوا شيئا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره إلا ما كان في جيوبهم أو كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف أبي دياب فإنه كان مقيما بقصر العيني أو الغائبين منهم جهة قبلي وبحرى. واما من كان داخل البلد فإنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر أموالهم وبيوتهم
وذخائرهم وامتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الأعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم أدنى نسبة أو شبهة بل وبعض الرعية إلا من تدراكه الله برحمته أو التجأ إلى بعض منهم أو صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ إليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها ما لا يوصف من تلك الأمور وخربوا أكثر البيوت وأخذوا اخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والادهان وكان شيئا كثيرا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الأمراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد. ولو رجع الأمراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فإنه وأن كان خبيثا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الألفي الكبير بعد ما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الأسفار والفراتين في البحار فجازوه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل اتباعه وحبسهم وبلصهم واتخذوهم أعداء واخصاما من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم إلا الحسد والحقد وحذرا من رآسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في اعينهم فإن الألفي واتباعه كانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى إلى أن حصل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصا كونها على يد هؤلاء
وكانوا يرون في أنفسهم أن الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا أنهم صاروا أتباعهم وجندهم مع أنهم كانوا قادرين على إزالتهم من الإقليم وخصوصا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا واخرجوا جميع العسكر وحازوهم إلى جهة البحر وحصنوا أبواب البلد بمن يثقون به من اجنادهم ورسموا لهم رسوما امتثلوها فلو أرسلوا لهم بعد ايقاعهم بعلي باشا أقل اتباعهم وأمروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له أدنى فطنه حصول ذلك فكان الأمر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم إلى المدينة ثانيا وعند ذلك تحقق لذوى الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الألفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون اتباعه ويخشونهم وخصوصا لما سمعوا بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك أمر عظيم استمر في اخلاطهم يوما وليلة إلى أن اجلاه البرديسي ومن معه يشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصا على قتل الألفي واتباعه فعند ذلك زالت هيبتهم من قلوب العسكر واوقعوا بهم ما اوقعوا ولا يحيق المكر السيء إلا باهله.
شهر ذى الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء سنة 1218.
فيه قلدوا علي أغا الشعراوى واليا على مصر.
وفيه نهبوا بيت محمد أغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه.
وفي ليلة الأربعاء انزلوا محمد باشا خسروا وإبراهيم باشا إلى بولاق وسفروهما إلى بحرى ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية أحمد باشا الذى تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصفا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى أنه لما نزل من القلعة إلى بيت محمد علي نظر إلى بيته من الشباك مهدوما منخربا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وأمرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال:
إن السبب في سفره اخوة طاهر باشا فإنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم أنه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه.
ومن الاتفاقيات العجيبة أيضا أن طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا اقام بعده اثنين وعشرين يوما وكذلك لما غدر المصرلية بالالفي لم يقيموا بعد ذلك الأمثل ذلك.
وفيه صعد عابدى بك أخو طاهر باشا بالقلعة وأقام بها.
وفي ليلة الخميس ثالثة اطلقوا عثمان بك يوسف وسافر إلى جماعته جهة قبلي يقال أنه افتدى نفسه منهم بمال واطلقوه ومعه خمسة مماليك واعطوه خمسة جمال واربعة هجن وخيلا.
وفيه أفرجوا عن محمد آغا المحتسب وابقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والأسواق وأما الأمراء فإنهم باتوا أول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا إلى حلوان وحضر إليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في الطرية وتركوا لهم الحملة ووصل إليهم أيضا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا إليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا الزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا إلى أن صارت أوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة.
وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الأمراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لاحد من العساكر الكائنة بقبلي وأن قتل منهم أجد اقتصوا من حريمهم وأولادهم بمصر.
وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل إلى مصر.
وفي يوم الأحد سادسه اصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الأجناد المصرية إلى القلعة
وفيه عدى كثير من العسكر إلى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين.
وفي سابعه ظهر محمد بك الألفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادى عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الأيام وخلص إليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه وأحضر أناسا من العرب وجعل لهم مالا كثيرا عليه وأخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزى البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه إشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك وتابعه ومروا من خلف الجبل وذهب إلى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك.
وفي تاسعه وصل أحمد باشا خورشيد إلى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهرى بتصليح بيت إبراهيم بك بالداودية وفرشه.
وفي ليلة الإثنين رابع عشره وصل الباشا إلى ثغر بولاق فضربوا شنكا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وإمامه كبار العساكر بزينتهم ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل إلى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكا وسواريخ.
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وإمامه المنادى وبيده فرمان من الباشا ينادى به على الرعية بالأمن والأمان والبيع والشراء.
وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الإبراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحرى فطلب أمانا وحضر إلى مصر.
وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية إلى الأزبكية وسكن ببيت البكرى حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب
إلى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك ورجع إلى الأزبكية.
وفيه فتحوا طلب مال الميرى من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الأسباب وعدم الأمن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل إليه إلا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والأجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم أن الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الأمر بعد ذلك على طلب نصف مال الميرى من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذى تأخر على المفلسين وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا: من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والأجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الأسوار لا يجسرون على الخروج إليهم وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدا ووصل سعر الأدرب القمح أن وجد خمسة عشر ريالا.
وفي يوم الأحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا إلى البلدة وأزعجوا كثيرا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعد ما أخرجوهم منها وأخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى.
وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد اغا المحتسب وكذلك عزلوا على آغا الشعراوى وقلدوا الزعامة لشخص آخر من اتباع الباشا وقلدوا آخر آغات مستحفظان.
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت إلى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم دخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم
لا يخرجون البهم من المتاريس واستمروا على ذلك إلى يوم الأحد سابع عشرينه.
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر واشيع ترفع المصرلية إلى فوق ووقع بين العربان اختلاف واشاعوا نصرتهم على المصرلية وأنهم قتلوا منهم أمراء وكشافا ومماليك وغير ذلك.
وفي ذلك اليوم شنقوا شخصا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحين ولم يكن لهما ذنب قيل: إنه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا: إنكم تأخذونه إلى المحاربين وكان شيئا قليلا.
وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغورى ومعهم نحو ثلاثين نفرا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة أشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الأحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لأنه شامي وليس بارنؤدى ولا انكشارى فقتلوه بالازبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله أعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث.
وأما من مات فيها ممن له ذكر.
فمات الفقيه العلامة والتحرير الفهامة الشيخ أحمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناجي والصبان والفرماوى وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع إلى كتاب الاجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف ولم يزل ملازما للشيخ عبد الرحمن
ملازمة كلية وسافر صحبته إلى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته إلى مصر ولم يزل ملازما له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى إليه بجميع كتبه واستقر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الافتاء واعتمدوا اجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له اتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم إليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر اشهرا ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة والبسه كلهبر سارى عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب يصحبه قائمقام في موكب إلى المحكمة وفوضوا إليه أمر النواب بالاقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك إلى أن رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاض بالقرعة فلم تقم إلا على المترجم فتولاه أيضا وخلعوا عليه وركب مثل الأول إلى المحكمة واستمر بها إلى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والأفتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله.
ومات الشيخ الإمام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوى ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح واقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والافادة ولما وردت ولاية
جدة لمحمد باشا توسون طلب إنسانا معروفا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه إليه وأكرمه واساه واحبه وأخذه صحبته إلى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله.
ومات الرئيس المبجل المهذب محمد أفندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد أفندى كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبا للناس.
مشهور بالذوق وحسن الأخلاق مهذبا في نفسه متواضعا يسعى في حوائج اخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعا بحاله مترفها في مآكله وملبسه واقتنى كتبا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الاحباب ويدير عليهم سلاف انسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الأحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله إلى الحرمين وعزم على الإقامة هناك فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه وأغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الإقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة إلى مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله.
ومات الأمير حسين بك الذى عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الألفي وكان يعرف أولا بكاشف الشرقية لأنه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد الباس قوى الجنان قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الأسود ولما أجمعوا على خيانة الألفي واتباعه قال لهم إبراهيم بك: الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فإن امكنكم ذلك وإلا فلا تفعلوا شيئا فلم يزالوا يدبرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على الصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش أنه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما
لاقى الحجاج وأمير الحاج صالح بك رجع صحبتهم إلى الشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تأمر المترجم في ستة عشر صنجقا المتأمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت اوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر.
ومات الأمير رضوان كتخدا إبراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه واعتقه وجعله جوخداره وكان يعرف أولا برضوان الجوخدار واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت إسمعيل بك وأتباعه إلى مصر ارخى لحيته وتقلد كتخدائية أستاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدى بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها إلى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الأمراء والأعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته أرباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه إليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الأمور وإذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الإرسال إليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وادخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به إلى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين اقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الأمارة فأباها واستمر على حالته معدودا في أرباب الرياسة وتأتي الأمراء إلى
داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الأمراء وحصروا إبراهيم بك ببيته في ثاني يوم هاربا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الأحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب وأخذوا ما في جيوبه ثم أحضروا له تابوتا وحملوه فيه إلى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فإنه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرا وحضرا يافعا وكهلا فلم ار ما يشينه في دينه غفوفا طاهر الذيل وقورا محتشما فصيح اللسان حسن الرأى قليل الفضول جيد النظر.
ومات العمدة الشريف السيد إبراهيم أفندى الروزنامجي وهو ابن اخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفي سنة سبع ومائتين وألف واصلهم روميون الجنس وكان في الأصل جربجيا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان أفندى العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقا يريد العود إليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل إليه سواه فلم تساعده الاقدار لشدة مراسه وسأل إبراهيم بك عن شخص من أهل بيت المتوفي فذكر له السيد إبراهيم المرقوم وخموله وعدم تحمله لاعباء ذلك المنصب فقال: لا بد من ذلك قطعا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول إلى اوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الأمور بالرفق والسير الحسن واشترى دارا عظيمة بدرب الاغوات وسكنها واستمر على ذلك إلى أن ورد الفرنساوية إلى مصر فخرج من خرج هاربا إلى الشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الأربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله تعالى