المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة اثنتين ومائتين وألف - تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار - جـ ٢

[الجبرتي]

الفصل: ‌سنة اثنتين ومائتين وألف

كان آخر مدة حسن باشا قلدوه كتخدا مستحفظان ولم يزل معروفا مشهورا في أعيان مصر إلى أن توفي في خامس شعبان من السنة.

ومات الأمير الجليل محمد بك الماوردي وهو مملوك سليمان اغا كتخدا الجاويشية زوج أم عبد الرحمن كتخدا وخشداشينه حسن بك الأزبكاوي الذي قتل بالمساطب كما تقدم وحسن بك المعروف بأبي كرش فكان الثلاثة أمراء يجلسون بديوان الباشا وسيدهم كتخدا الجاويشية واقف في خدمته على أقدامه ومرت له محن في تنقلاته ورحلاته إلى البلاد عندماتملك علي بك وخرج المترجم منفيا وهاربا من مصر مع من خرج وباشر الحروب باسيوط وذهب إلى الشام وغيرها لكن لم اتحقق وقائعه ولم يزل حتى حضر إلى مصر في أيام أبي الذهب وقد صار ذا شيبة وتزوج ببنت الشيخ العناني وأقام ببيتهم بسوق الخشب خاملا حتى مات في هذه السنة وكان لا بأس به وتقلد في المدد السابقة اغاوية مستحفظان ثم الصنجقية ونظارة الجامع الأزهر

ص: 40

‌سنة اثنتين ومائتين وألف

.

استهل المحرم بيوم السبت فيه عزل المحتسب وتولى آخر يسمى يوسف اغا الخربتاوي وتولى عثمان بك طبل الإسماعيلي على دجرجا وفيها انفرد إسمعيل بك الكبير في إمارة مصر وصار بيده العقد والحل والابرام والنقض واستوزر محمد اغا البارودي وجعله كتخداه واستمر إسمعيل كتخدا حسن باشا بمصر لقبض بواقي المطلوبات وسكن ببيت حسن كتخدا الجربان بباب اللوق.

وفيه قبض إسمعيل بك على الحاج سليمان بن ساسي وحبسه ببيت محمد اغا البارودي وصادره في خمسين كيسا.

وفي خامسه طلب إسمعيل بك دراهم قرضة مبلغا كبيرا فوزعوا منها

ص: 40

جانبا على تجار البن والبهار وجانبا على الذين يقرضون البن بالمرابحة للمضطرين وجانبا على نصارى القبط وعلى الأروام والشوام وعلى طوائف المغاربة بطولون والغورية وعلى المتسببين في الغلال بالسواحل والرقع وكذلك بياعو القطن والبطانة والقماش والمنجدون واليهود وغير ذلك فانزعج الناس وأغلقوا وكائل البن والغورية ودكاكين الميدان.

وفي يوم السبت خامس عشره اجتمع جملة من الطوائف المذكورة وحضروا إلى الجامع الأزهر وضجوا واستغاثوا من هذا النازل وحضر الشيخ العروسي فقاموا في وجهه وأرادوا قفل أبواب الجامع فمنعهم من ذلك فصاحوا عليه وسبوه وسحبوه بينهم إلى جهة رواق الشوام فمنع عنه المجاورون وأدخلوه إلى الرواق ودافعوا عنه الناس وقفلوا عليه باب الرواق وصحبته طائفة من المتعممين وكتبوا عرضا إلى إسمعيل بك بسبب ذلك وأرسلوه صحبة الشيخ سليمان الفيومي وانتظروه حتى رجع إليهم ومعه تذكرة من إسمعيل بك مضمونها الأمان والعفو عن الطوائف المذكورة.

وفيها أن هذا المطلوب إنما هو على سبيل القرض والسلفة من القادر على ذلك فلما قرئت عليهم التذكرة قالوا: هذه مخادعة وعندما ينفض الجمع وتفتح الدكاكين يأخذونا واحدا بعد واحد ثم قام الشيخ وركب وحوله الجم الغفير والغوغاء وبعض المجاورين يدفع الناس عنه بالعصي والعامة يصيحون عليه ويسمعونه الكلام غير اللائق إلى أن وصل إلى باب زويلة فنزل بجامع المؤيد وأرسل إلى إسمعيل بك يخبره بهذا الحال فحنق إسمعيل بك وظن أنها مفتعلة من الشيخ وأنه هو الذي أغراهم على هذه الأفعال فأجابه الرسل وحلفوا له ببراءته من ذلك وليس قصده إلا الخلاص منهم فقال: أنا ارسلت إليهم بالأمان ودعوهم ينفضوا وما أجد يطالبهم بشيء فانفضوا وتفرقوا ومضى على ذلك يوما فأرسلوا إلى أهل الصاغة والجواهرجية والنحاسين وطالبوهم بالمقرر والموزع عليهم فلم يجدوا بدا من الدفع ثم طالبوا وكالة الجلاية وتطرق الحال إلى باقي

ص: 41

الناس حتى بياعي الفسيخ ومجموع ذلك نحو اثنين وسبعين حرفة.

وفي منتصفه حضر علي كاشف من جهة قبلي وقد كان سافر بعد سفر حسن باشا برسالة إلى الأمراء القبالي وأخبر أنهم مستقرون في أماكنهم ولم يتحركوا.

وفي يوم الخميس سادس عشرينه سافر أمير القلزم بملاقاة الحاج وكان من عادته السفر في أول الشهر ولم يحضر في هذه السنة نجاب الجبل وأخذوا من بلاد أمير الحج بلدين وأخذوا أيضا بيته الذي كان سكن به فلما استقر يحيى بك بمصر أخذه وسكنه لكونه زوج بنت صالح بك وهو بيت أبيها وهو أحق به.

ثم استهل شهر صفر الخير وفيه كملت القيسارية التي عمرها إسمعيل بك بجانب السبيل الذي بسويقة لاجين فأنشأ بها أحدى وعشرين حانوتا وقهوة وجعلها مربعة الأركان وهذا السبيل من انشاء سيده إبراهيم كتخدا ولما أتمها نقل إليها سوق درب الجماميز بعد العصر وانتقل إليه الدلالون والناس والقماشون في عصرية يوم الثلاثاء ثانية ويطل سوق درب الجماميز من ذلك اليوم وليس لإسمعيل بك من المحاسن إلا نقل هذا السوق من تلك الجهة ووضعه في هذه الجهة كما لا يخفى.

وفيه اشتد العسف في الرعية بسبب طلب السلفة وتعدى الحال إلى بياع المخلل والصوفان وتضرر الفقراء من ذلك.

وفي سابعه سافر محمد باشا وإلى جدة إلى السويس.

وفي يوم السبت ثالث عشره طلع إسمعيل بك والأمراء إلى الديوان بالقلعة وأخرج قوائم مزاد البلاد التي تأخر على ملتزميها الميري فتصدر لشرائها كتخدا محمد اغا البارودي فاشترى نحو سبعين بلدا وفي الحقيقة هي راجعة إلى مخدومه يفرقها على من يشاء من أغراضه فشرع أولا في طلب الشتوي وزاد على من أخذ البلاد سنة ونصفا ثم ادعى أن حسن باشا أخذ سنة من الحلوان ودخلت في حسابه وطلب سنة ونصف أخرى وطلب المال الصيفي أيضا فعجزت الملتزمون ففعل هذه الفعلة.

ص: 42

وأخرج قوائم مزادهم إلى الديوان واستخلصها من ملتزميها.

وفي تلك الليلة حضرت جماعة من كشاف النواحي القبلية واخبروا أن الأمراء القبالي حضرو إلى أسيوط وأوائلهم تعدي منفلوط فهرب من كان هناك من الكشاف وغيرهم وحضروا إلى مصر فلما تحققت هذه الأخبار طلع في صبحها إسماعيل بك إلى الديوان واجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ فتكلم إسمعيل بك وقال يا أسيادنا يا مشايخ يا أمراء يا وجاقلية أن الجماعة القبليين نقضوا عهد السلطان وانتقلوا من أماكنهم وزحفوا على البلاد فهل الواجب قتالهم ودفعهم فقالوا نعم فقال: إن المخالفين إذا نقضوا عهد السلطان ولزم الحال إلى قتالهم يصرف على المقاتلين من العسكر من خزينة السلطان وليس هنا خزينة فكل منكم يقاتل عن نفسه فأجابه إسمعيل أفندي الخلوتي وقال ونحن أي شيء تبقى عندنا حتىنصرفه وقد صرنا كلنا شحاتين لا نملك شيئا فقال له الباشا هذا الكلام لا يناسب ولا ينبغي أنك تكسر قلوب العسكر بمثل هذاالكلام والأولى أن تقول لهم أنا وأنتم شيء واحد أن جعت جوعوا معي وأن شبعت اشبعوا معي ثم انحط الرأي بينهم على أن يكتبوا عرضا للدولة والأخبار عن نقضهم وعرضا لهم بالتحذير ثم كتبوا فرمانات لجميع الغز والأجناد الغائبين بالأرياف بالحضور وبكى إسمعيل بك بالمجلس ونهنه في بكائه ثم كتبوا مكاتبة من الباشا ومن الوجاقلية والمشايخ وأرسلوها صحبة واحد من طرف الباشا وسراج من طرف إسماعيل بك وأرسلوا إلى محمد باشا المسافر إلى جدة بالرجوع من السويس إلى مصر بأمر من الدولة.

وفي ذلك اليوم أعني يوم الحد رابع عشرة حضر جاويش الحاج من العقبة.

وفي يوم الأربع سابع عشرة نبهوا على مماليك الأمراء القبليين وكشافهم الكائنين بمصر بالاجتماع والحضور فأرسل كل من كان مستخدماص عنده جماعة من الأمراء والصناجق وغيرهم فجمعهم في مكان في بيته ومن كان غائبا في حاجة أرسلوا إليه وأحضروه فلما تكاملوا أخذوا خيولهم وأسلحتهم وأبقوهم في الترسيم وأما علي بك الدفتردار فإنه لم يسلم

ص: 43

فيمن عنده وكان منقطعا في الحريم لصداع برأسه ووجع في عينيه من مدة شهرين.

وفي يوم الجمعة كان نزول الحجاج ودخولهم إلى مصر وكانوا أغلقوا أبواب مصر وأجلسوا عليها حرسجية فلم يدخل الحجاج إلا من باب النصر فقط فتضرر الناس من الإزدحام في ذلك الباب وارتاح الحجاج في هذا العام ولم يحصل لهم تعب وزاروا الدينة الشريفة.

وفيه نزل الاغا وصحبته كتخدا الباشا وأمامهما المناداة على كل من كان مختفيا من اتباع الأمراء القبليين ومماليكهم بالظهور ويطلعوا يقابلوا الباشا وكل من ظهر عنده أجد بعد ثلاث أيام فإنه يستأهل الذي يجري عليه.

وفي صبحها يوم السبت دخل أمير الحاج غيطاس بك وصحبته المحمل.

وفيه شرع إسمعيل بك في طلب تفريدة من البلاد والقرى فجعلوا على كل بلد مائة دينار وعشرة خلاف ما يتبع ذلك من الكلف وحق الطرق وغير ذلك وعين لقبضها خازنداره وغيره.

وفي تاسع عشره قبضوا على جماعة من المماليك والأجناد وهم الذين كانوا في الترسيم وأنزلوهم في مراكب وأرسلوهم إلى ثغر اسكندرية وحبسوهم بالبرج ومنهم جماعة بأبي قير وكان علي بك توقف في تسليم المنتسبين إليه فلم يزل به إسمعيل بك حتى سلم فيهم.

وفي عشرينه قبضوا على بواقيهم وأنزلوهم المراكب أيضا وبعضهم أنزله عريانا ليس عليه سوى القميص والصديري واللباس وطاقية أو طربوش معمم عليه بمحرمة أو منديل ونحو ذلك ولم تزل الحرسجية مقيمين عل الأبواب وحصل منهم الضرر للناس والرعية والمتسببين والفلاحين الواردين من القرى بالجبن والسمن والتبن ونحو ذلك وكل من أراد العبور من باب منعوه من الدخول حتى يأخذوا منه دراهم ولو كان بنفسه

ص: 44

وفي يوم الأحد ثامن عشرينه نزل الاغا وإمامه الوالي وأوده باشة البوابة وإمامهم المناداة على جميع الالضاشات المنتسبين إلى الوجاقات بأنهم يأخذوا لهم أوراقا من أبوابهم وكل من وجد وليس معه ورقة بعد ثلاثة أيام يحصل له مزيد من الضرر وبيد المنادي فرمان من الباشا.

وفيه ركب إسمعيل بك ونزل إلى بولاق ليتفرج على شركفلك الذي صنعه وتم شغله وقد زاد في صنعته عما فعله حسن باشا بأن ركبه على عجل يجروه وزاد في اتقانه وسبك جللا كثيرة للمدافع فلما رآه أعجبه وشرع أيضا في عمل شركفلكين اثنين وجهز ذخيرة عظيمة من بقسيماط وغيره.

وفي يوم الإثنين حضر الرسول الذي كان توجه بالرسالة للأمراء القلبيين وهو الذي من طرف الباشا وصحبته آخر من طرف إسمعيل بك وعلى يدهما جوابان احدهما خطاب للباشا والثاني خطاب للمشايخ فاجتمعوا بالديوان في صبحها يوم الثلاثاء وقرأوا الجوابات وملخصها انكم نسبتونا لنقض العهد والحال أن النقض حصل منكم بتسفير أخواننا الرهائن وذهابهم مع قبطان باشا إلى الروم وما فعلتم في بيوتنا وحريمنا ولما حصل ذلك احتد البعض منا وزحفوا إلى بحري فركبنا خلفهم نردهم فلم يمتثلوا فأقمنا معهم فلما قرأوا ذلك بحضرة الجمع اقتضى الرأي كتابة مراسلة أخرى من الباشا والمشايخ وفيها الملاطفة في الخطاب والأعتذار وأرسلوها وأخذوا في الاهتمام والتشهيل.

واستهل شهر ربيع الأول بيوم الأربعاء وفي ثانيه ركب الآغا وشق الأسواق وصار يقف على الوكائل والخانات ويفتش على الالضاشات ودخل سوق خان الخليلي ونبه على إفرادهم وقال لهم: في غد أحضر في التبديل وكل من وجدته من غير ورقة جدك فعلت به وفعلت وقطعت أذنيه أو أنفه.

وفيه عزل أحمد أفندي الصفائي الروزنامجي من الروزنامة لمرضه وتقلد أحمد أفندي المعروف بأبي كلية قلفة الانبار روزنامجي عوضا عنه.

وفي سادسه ارسلوا بجوابات الرسالة الشيخ أحمد بن يونس وكتبوا

ص: 45

لهم أيضا سمهود وبرديس وزيادة على ما بأيديهم من البلاد والحال أن الجميع بأيديهم.

وفي يوم الثلاثاء حضر عابدي باشا وأسمعيل بك إلى بيت الشيخ البكري باستدعاء بسبب المولد النبوي فلما استقر بهم الجلوس التفت الباشا إلى جهة حارة النصارى وسأل عنها فقيل له أنها بيوت النصارى فأمر بهدمها وبالمناداة عليهم بالمنع من ركوب الحمير فسمعوا في المصالحة وتمت على خمسة وثلاثين ألف ريال منها على الشوام سبعة عشر ألفا وباقيها على الكتبه.

واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الجمعة فيه كتب الباشا فرمانا على موجب الفتوى ونزل به آغات مستحفظان ونادى به جهارا وكذلك التنبيه على جميع الوجاقلية باتباع أبوابهم وحضور الغائبين منهم والاستعداد للخروج.

وفي ثالثه انفق إسمعيل بك على الأمراء الصناجق وأرسل لهم الترحيله فأرسل إلى حسن بك الجداوي ثمانية عشر ألف ريال فغضب عليها وردها ووبخ محمدا كتخدا البارودي وركب مغضبا وخرج إلى نواحي العادلية فركب إليه في صبحها إسمعيل بك وعلي بك الدفتردار وصالحاه وزاد له في الدراهم حتى رضي وتكلم مع إسمعيل بك في تشديده على الرعية والالضاشات.

وفي يوم الخميس ثامنه سافر إمام الباشا وعلي كاشف من طرف إسمعيل بك بجوابات للأمراء القبليين حاصلها أما الرجوع إلى أماكنهم على موجب الاتفاق والصلح بشرط أن تدفعوا ميري البلاد التي تعديتم عليها وإلا فنحن أيضا ننقض الصلح بيننا وبينكم ثم وصل الخبر بأن إبراهيم بك ارتحل من طحطا غرة الشهر وحضر إلى المنية عند قسيمة مراد

ص: 46

بك وأن مراد بك فرق البلاد من بحري المنية على اتباعه واتباع أمراء الذين بصحبته ثم وقع التراخي في أمر التجريدة وحصل التواني والاهمال والترك وخرجت الخيول إلى المرعى.

وفي يوم الجمعة سادس عشرة نزل عابدي باشا إلى بولاق وركب إليه إسمعيل بك وبقية الأمراء وإمامه مدافع الزنبلك على الجمال فتفرج على الشركفلكات وسيروا إمامه الثلاث غلايين إلى مصر القديمة وضربوا مدافعها ثم عاد وطلع إلى القلعة.

وفي يوم الثلاثاء عزل أحمد أفندي أبو كلبة من الروزنامة وتقلدها عثمان أفندي العباسي على رشوة دفعها وضاع على أحمد أفندي ما دفعه من الرشوة.

وفي يوم الأربعاء حادي عشرينه حضر إمام الباشا وعلي كاشف وأخبرا أن إبراهيم بك حضر عند مراد بك بالمنية وأن جماعة من صناجقهم وأمرائهم وصلوا إلى بني سويف وبحريها وأنهم قالوا في الجواب: إننا تركنا لهم الجهة البحرية وأخذنا الجهة القبلية فإن قاتلونا عليها قاتلناهم وأن انكفوا عنا فلسنا واصلين إليهم ولا طالبين منهم مصر ونعقد الصلح على ذلك فيرسلوا لنا بعض المشايخ والأختيارية نتوافق معهم على أمر يحسن السكوت عليه فعملوا ديوانا اجتمع به الجميع وتحالفوا واتفقوا على إرسال جواب صحبه قاصد من طرف الباشا مضمونه أنهم يرسلون من جهتهم أميرين كبيرين فيهما الكفاءة لفصل الخطاب ليحصل معهما التوافق ونرسل صحبتهما ما أشاروا به.

وفي يوم الإثنين حضر واحد بشلي وعلى يده مكاتبات من حسن باشاخطابا إلى الباشا وأسمعيل بك وعلي بك وحسن بك ورضوان بك وأسمعيل كتخدا والشيخ البكري وأخبر بوصول عسكر ارنؤدا إلى ثغر الأسكندرية وعليهم كبير ومعه هدية إلى الأمراء.

وفي يوم الخميس طلع الأمراء إلى الديوان وتكلموا من جهة النفقة فقال قاسم بك أما أنا فلا يكفيني خمسون ألف ريال فقال له إسمعيل.

ص: 47

بك: فعلى هذا أمثالك ويحتاج حسن بك ورضوان بك وعلي بك كل واحد مائة ألف فلازم اننا نرسل إلى السلطان يرسل لكم خزائنه حتى تكفيكم فرد عليه علي بك وقال: أنا صرفت على التجريدة الأولى وشهلت أربع باشاوات والأمراء والأجناد وأنت من جملتهم وما صادرت أحدا في نصف فضة فاغتاظ إسمعيل بك وقال: اعمل كبير البلد وافعل مثل ما فعلت وأنا اعطيك المال الذي تحت يدي الذي جمعته من الناس خذه واصرفه بمعرفتك وقام من المجلس منتورا فرده الباشا واختلى به وبعلي بك وحسن بك ورضوان بك ساعة زمانيةوتشاوروا مع بعضهم ثم قاموا ونزلوا.

واستهل شهر جمادى الأولى بيوم السبت فيه حضر ططرى وبيده مرسومات فاجتمعوا بالديوان وقرأوها أحدها بطلب مشاق ويدك والثاني بسبب الجماعة القبليين أن كانوا مقيمين بالأماكن التي عينها لهم حسن باشا فلا تتعرضوا لهم وأن كانوا زحفوا وتعدوا ونقضوا فأخرجوا إليهم وقاتلوهم وأن احتجتم عساكر أرسلنا لكم والثالث مقرر لعابدي باشا على السنة الجديدة والرابع بالوصية على الفقراء وغلال الحرمين والانبار والجامكية وأمثال ذلك من الكلام الفارغ.

وفيه ورد الخبر بموت محمد باشا يكن المفصل من ولاية مصر.

وفي يوم الإثنين ثالثه حضر المرسل من الجهة القبلية وصحبته صالح اغا الوالي بجوابات حاصلها أنهم يطلبون من طحطا إلى قبلي ويطلبون حريمهم وأن يردوا لهن ما أخذوه من بلادهن وكذلك يطلبون أتباعهم ومماليكهم الذين أرسلوهم إلى الأسكندرية فإن أجيبوا إلى ذلك لا يتعدون بعدها على شيء أصلا فلما قرئت المكاتبة بحضرة الجمع في الديوان قال إسمعيل بك للباشا: لا يمكن ذلك ولا يتصور أبدا وإلا افعلوا ما بدالكم ولا علاقة لي ولا أكتب فرمانا فأني أخاف على نفسي أن زدتهم على ما أعطاهم حسن باشا ولا بد من دفعهم الميري ثم كتبوا لهم جوابا وسافر به صالح أغا المذكور وآخرمن طرف إسمعيل بك.

وفي يوم السبت ثامنه وقع بين أهل بولاق وبين العسكر معركة بسبب

ص: 48

إفسادهم وتعديهم وفسقهم مع النساء وأذية السوقة وأصحاب الحوانيت وخطفهم الأشياء بدون ثمن فاجتمع جمع من أهل بولاق وخرجوا إلى خارج البلدة يريدون الذهاب إلى الباشا يشكون ما نزل بهم من البلاء فلما علم عسكر القليونجية ذلك اجتمعوا بأسلحتهم وحضروا إليهم وقاتلوهم وأنهزم القليونجية فنزل الاغا وتلافى الأمر وأخذ بخاطر العامة وسكن الفتنة وخاطب العسكر ووبخهم على أفعالهم.

وفي يوم الإثنين سابع عشرة حضر صالح آغا بجواب وأخبر بصلح الأمراء القبليين على أن يكون لهم من اسيوط وما فوقها ويقوموا بدفع ميرى البلاد وغلالها ولا يتعدوا بعد ذلك وأنهم يطلبون اناسا من كبار الوجاقات والعلماء ليقع الصلح بأيديهم فعمل الباشا ديوانا وأحضر الأمراء والمشايخ واتفقوا على إرسال الشيخ محمد الأمير وأسمعيل أفندي الخلوتي وآخرين وسافروا في يوم الأربعاء تاسع عشره.

وفي خامس عشرينه هبت رياح عاصفة جنوبية حارة واستمرت اثني عشر يوما.

واستهل شهر جمادى الثاني بيوم الأحد فيه ورد الخبر بأن جماعة من الأمراء القبليين حضروا إلى بني سويف.

وفي ثالثه وصل الخبر بأن مراد بك حضر أيضا إلى بني سويف في نحو الأربعين فشرع المصريون في التشهيل والاهتمام وأخرجوا خيامهم ووطاقهم إلى ناحية البساتين.

وفي يوم الخميس طلع الأمراء إلى الباشا وتكلموا معه واخبروه بما ثبت عندهم من زحف الجماعة إلى بحرى وطلبوه للنزول صحبتهم فقال لهم: حتى ترجع الرسل بالجواب أو نرسل لهم جوابا آخر وننظر جوابهم فامتثلوا إلى رأيه فكتب مكتوبا مضمونه إنكم طلبتم الصلح مرارا واجبناكم بما طلبتم وأعطيناكم ما سألتم ثم بلغنا انكم زحفتم ورجعتم إلى بني سويف فما عرفنا أي شيء هذا الحال والقصد أنكم تعرفون عن قصدكم وكيفية حضوركم أن كنتم نقضتم الصلح والا لا فترجعوا إلى

ص: 49

ما حددناه لكم وما وقع عليه الاتفاق وأرسله صحبة مرسل من طرفه. وفي يوم الجمعة سحبوا الشركفلكات من بولاق وذهبوا بها إلى الوطاق. وشرع إسمعيل بك في عمل متاريس عند طراو المعصرة وكذلك في بر الجيزة وجمع البنائين والفعلة والرجال وأمر بحفر خندق وبني أبراجا من حجر وحيطانا لنصب المدافع والمتاريس في البرين.

وفي يوم الخميس ثاني عشرة حضر الشيخ محمد الأمير ومن بصحبته واخبروا أنهم تركوا إبراهيم بك ومراد بك في بني سويف وأربعة من الأمراء وهم سليمان بك الاغا وإبراهيم بك لوالي وأيوب بك الصغير وعثمان الشرقاوي بزاوية المصلوب وحاصل جوابهم أن يكن صلح فليكن كاملا ونقعد معهم بالبلد عند عيالنا ونصير كلنا اخوة ونقيم ثأرنا في ثأرهم ودمنا في دمهم وعفا الله عما سلف فإن لم يرضوا بذلك فليستعدوا للقاء وهذا آخر الجواب والسلام وأرسلوا جوابات بمعنى ذلك إلى المشايخ وعلى أنهم يسعون في الصلح أو يخرجوا لهم على الخيل كما هي عادة المصريين في الحروب.

وفي هذه الأيام حصل وقف حال وضيق في المعايش وانقطاع للطرق وعدم أمن وقوف العربان ومنع السبل وتعطيل أسباب وعسر في الأسفار برا وبحرا فاقتضى رأي الشيخ العروسي أنه يجتمع مع المشايخ ويركبون إلى الباشا ويتكلمون معه في شأن هذا الحال فاستشعر إسمعيل بك بذلك فدبج أمرا وصور حضور ططرى من الدوله وعلى يده مرسوم فأرسل الباشا في عصر يوم الجمعة للمشايخ والوجاقلية وجمعهم وقرأوا عليهم ذلك الفرمان ومضمونه الحث والأمر والتشديد على محاربة الأمراء القبالي وطردهم وابعادهم فلما فرغوا من ذلك تكلم الشيخ العروسي قال: خبرونا عن حاصل هذا الكلام فإننا لا نعرف بالتركي فأخبروه فقال: ومن المانع لكم من الخروج وقد ضاق الحال بالناس ولا يقدر أجد من الناس أن يصل إلى بحر النيل وقربه الماء بخمسة عشر نصف فضة وحضره إسمعيل بك مشتغل ببناء حيطان ومتاريس وهذه ليست طريقة

ص: 50

المصريين في الحروب بل طريقتهم المصادمة وانفصال الحرب في ساعة أما غالب أو مغلوب وأما هذا الحال فإنه يستدعي طولا وذلك يقتضي الخراب والتعطيل ووقف الحال فقال الباشا: أنا ما قلت لكم هذا الكلام أولا وثانيا هيا شهلوا أحوالكم ونبهوا على الخروج يوم الإثنين وأنا قبلكم.

وفي ليلة الإثنين حضر شخصان من الططر ودخلا من باب النصر وأظهرا انهما وصلا من الديار الرومية على طريق الشام وعلى يدهما مرسومات حاصلهما الأخبار بحضور عساكر برية وعليهم باشا كبير وذلك أيضا لا أصل ونودى في ذلك اليوم بالخروج إلى المتاريس وكل من خرج يطلع أولا إلى القلعة ويأخذ نفقة من باب مستحفظان وقدرها خمسة عشر ريالا فطلع منهم حملة وأخذوا نفقاتهم وخرجوا إلى المتاريس بالجيزة.

وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه وردت مكاتبات من الديار الحجازية واخبروا فيها بوفا الشريف سرور شريف مكة وولاية أخيه الشريف غالب.

وفي ليلة الأحد تاسع عشرينه مات إبراهيم بك قشطة صهر إسمعيل بك مطعونا.

وفيه عزل إسمعيل بك المعلم يوسف كساب الجمركي بديوان بولاق ونفاه إلى بلاد الافرنج وقيل: إنه غرقه ببحر النيل وقلد مكانه مخاييل كحيل على عشرين ألف ريال دفعها.

واستهل شهر رجب بيوم الثلاثاء

وفي كل يوم ينادي المنادى بالخروج ويهدد من تخلف واستمروا متترسين بالبرين وبعض الأمراء ناحية طرا وبعضهم بمصر القديمة في خلاعاتهم وبعضهم بالجيزة كذلك إلى أن ضاق الحال بالناس وتعطلت الأسفار وانقطع الجالب من قبلي وبحري وأرسل إسمعيل بك إلى عرب البحيرة والهنادي فحضروا بجمعهم واخلاطهم وانتشروا في الجهة الغربية من رشيد إلى الجيزة ينهبون البلاد ويأكلون الزروعات ويضربون المراكب

ص: 51

في البحر ويقتلون الناس حتى قتلوا في يوم واحد من بلد النجيلة نيفا وثلثمائة إنسان وكذلك فعل عرب الشرق والجزيرة بالبر الشرقي وكذلك رسلان وباشا النجار بالمنوفية فتعطل السير برا وبحرا ولو بالخفارة حتى أن الإنسان يخاف أن يذهب من المدينة إلى بولاق أو خارج باب النصر.

وفي يوم السبت خامسه نهب سوق انبابة وفيه قتل حمزة كاشف المعروف بالدويدار رجلا نصرانيا روميا صائغا اتهمه مع حريمه فقبض عليه وعذبه أياما وقلع عينيه واسنانه وقطع انفه وشفتيه واطرافه حتى مات بعد أن استاذن فيه حسن بك الجداوي وعندما قبض عليه أرسل حسن بك ونهب باقي حانوته من جوهر ومصاغ الناس وغير ذلك وطلق الزوجة بعد أن أراد قتلها فهربت عند الست نفيسة زوجة مراد بك.

وفي يوم الأحد أخذ إسمعيل بك فرمانا من الباشا بفردة على البلاد لسليم بك أمير الحاج ليستعين بها على الحج وقرر على كل بلدة مائة ريال وجملا.

وفي يوم الثلاثاء اجتمع الأمراء والوجاقلية والمشايخ بقصر العيني فأظهر لهم إسمعيل بك الفرمان وعرفهم احتياج الحال لذلك فقام الاختيارية وأغلظوا عليه ومانعوا في ذلك.

وفي يوم الخميس سابع عشرة وصل نحو الألف من عسكر الارنؤد إلى ساحل بولاق وعليهم كبير يسمى إسمعيل باشا فخرج إسمعيل بك وحسن بك وعلي بك ورضوان بك لملاقاته ومدوا له سماطا عند مكان الحلي القديم.

وفي يوم الجمعة ثامن عشرة امطرت السماء من بعد الفجر إلى العشاء واطبق الغيم قبل الغروب وأرعد رعدا قويا وابرق برقا ساطعا ثم خرجت فرتونة نكباء شرقية شمالية واستمر البرق والمطر يتسلسل غالب الليل وكان ذلك سابع عشر برمودة وخامس عشر نيسان وخامس درجة من برج الثور فسبحان الفعال لما يريد

ص: 52

وفي يوم الأحد عشرينه كان عيد النصارى وفيه تقررت الفرد المذكورة وسافر لقبضها سليم بك امين الحج ولم يفد من قيام الوجاقلية وسعيهم في أبطالها شيء فإنهم لما عارضوا في ذلك فتح عليهم طلب المساعدة وليس بأيدي الملتزمين شيء يدفعونه فقال: إذا كان كذلك فاننا نقبضها من البلاد فلم يسعهم إلا الاجابة.

وفي يوم الإثنين حضر إلى ثغر بولاق اغا اسود وعلى يده مقرر لعابدي باشا وخلعه لشريف مكة فطلع عابدي باشا إلى القلعة وعمل ديوانا في يوم الثلاثاء واجتمع الأمراء والمشايخ والقاضي وقرأوا المقرر ووصل صحبة الاغا المذكور ألف قرش رومي أرسلها حضرة السلطان تفرق على طلبه العلم بالأزهر ويقرأون له صحيح البخاري ويدعون له بالنصر.

وفي يوم الأربعاء قتل إسمعيل باشا كبير الارنؤد رئيس عسكره وكان يخشاه ويخاف من سطوته قيل أنه أراد أن يأخذ العسكر ويذهب بهم إلى الأمراء القبليين رغبة في كثرة عطائهم فطالبه بنفقة وألح عليه وقال له: إن لم تعطهم هربوا حيث شاؤوا فحضر عنده وفاوضه في ذلك فلاطفه وأكرمه واختلى به وأغتاله وقطع رأسه وألقاها من الشباك لجماعته.

وفي يوم الجمعة كتبوا قائمة أسماء المجاورين والطلبة وأخبروا الباشا أن الألف قرش لا تكفي طائفة من المجاورين فزادها ثلاثة آلاف قرش من عنده فوزعوها بحسب الحال أعلى وأوسط وآدنى فخص الأعلى عشرون قرشا والأوسط عشرة والادنى أربعة وكذلك طوائف الاروقة بحسب الكثرة والقلة ثم أحضروا اجزاء البخاري وقرأوا وصادف ذلك زيادة أمر الطاعون والكروب المختلفة.

وفي يوم الإثنين ثامن عشرينه توفي صاحبنا حسن أفندي قلفة الغربية وتقلد عوضه صهره مصطفى أفندي ميسو كاتب اليومية.

وفيه توفي أيضا خليل أفندي البغدادي الشطرنجي.

واستهل شهر شعبان بيوم الأربعاء فيه عدى بعض الأمراء بخيامهم إلى البر الغربي ثم رجعوا في ثانيه ثم عدى البعض ورجع البعض وكل

ص: 53

ذلك أيهامات بالسفر وتمويهات من إسمعيل بك وفي الحقيقة قصده عدم الحركة وضاقت أنفس المقيمين بالمتاريس وقلقوا من طول المدة وتفرق غالبهم ودخلوا المدينة.

وفي خامسه حضر إلى مصر رجل هندي قيل أنه وزير سلطان الهند حيدر بك وكان قد ذهب إلى اسلامبول بهدية إلى السلطان عبد الحميد ومن جملتها منبر وقبلة مصنوعان من العود الفاقلي صنعة بديعة وهما قطع مفصلات يجمعها شناكل وأغربة من فضة وذهب وسرير يسع ستة انفار وطائران يتكلمان باللغة الهندية خلاف الببغا المشهور وأنه طلب منه امداد يستعين على حرب أعدائه الانكليز المجاورين لبلاده فأعطاه مرسومات إلى الجهات بالأذن لمن يسير معه فسار إلى الأسكندرية ثم حضر إلى مصر وسكن ببولاق وهو رجل كالمقعد يجلس على كرسي من فضة ويحمل على الأعناق وقد مات العساكر التي كانت معه ويريد اتخاذ غيرها من أي جنس كان وكل من دخل فيهم برسم الخدمة وسموه بعلامة في جبهته لا تزول فنفرت الناس من ذلك وملابسهم مثل ملابس الافرنج وأكثرها من شيث هندي مقمطة على أجسامهم وعلى رأسهم شقات افرنجية.

وفي ليلة الجمعة سابع عشره خرج الأمراء بعد الغروب وأشيع وصول القبليين وهجومهم على المتاريس.

وفي صبحها حصلت زعجة وضجة وهرب الناس من القرافتين ونودى بالخروج فلم يخرج أجد ثم برد هذا الأمر.

وفي تلك الليلة ضربوا اعناق خمسة أشخاص من اتباع الشرطة يقال لهم: البصاصون وسبب ذلك أنهم أخذوا عمله واخفوها من حاكمهم واختصوا بها دونه ولم يشركوه معهم.

وفي سابع عشرينه مات محمد اغا مستحفظان المعروف بالمتيم.

وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة الكبرى وكان المنكسف منها نحو الثلاثة أرباع وأظلم الجو إلا يسيرا ثم انجلى ذلك عن الزوال

ص: 54

واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة ووافق ذلك أول بؤنة القبطي.

وفي ثالثه قلدوا إسمعيل بك خازندار إسمعيل بك الذي كان زوجه باحدى زوجات أحمد كتخدا المجنون أغات مستحفظان وقلدوا خازندار حسن بك الجداوي واليا عوضا عن إسمعيل اغا الجزايرلي لعزله.

وفي ثاني عشرة حضر إبراهيم كاشف من اسلامبول وكان إسمعيل بك ارسله بهدية إلى الدولة فأوصلها ورجع إلى مصر بجوابات القبول وأنه لما وصل إلى اسلامبول وجد حسن باشا نزل إلى المراكب مسافرا إلى بلاد الموسقو وبينه وبين اسلامبول نحو أربع ساعات فذهب إليه وقابله ورجع معه في شكتربة إلى اسلامبول وطلع الهدية بحضرته وقد كان أشيع هناك بأن إبراهيم بك ومراد بك دخلا إلى مصر وخرج من فيها وحصل هناك هرج عظيم بسبب ذلك فلما وصل إبراهيم كاشف هذا بالهدية حصل عندهم اطمئنان وتحققوا منه عدم صحة ذلك الخبر.

وفي رابع عشرينه نهب العرب قافلة التجار والحجاج الواصلة من السويس وفيها شيء كثير جدا من أموال التجار والحجاج ونهب فيها للتجار خاصة ستة آلاف جمل ما بين قماش وبهار وبن وأقمشة وبضائع وذلك خلاف أمتعة الحجاج وسلبوهم حتى ملابس أبدانهم وأسروا النساء وأخذوا ما عليهن ثم باعوهن لآصحابهن عرايا وحصل لكثير من الناس وغالب التجار الضرر الزائد ومنهم من كان جميع ماله بهذه القافلة فذهب جميعه ورجع عريانا أو قتل وترك مرميا.

وفي خامس عشرينه وقع بين طائف المغاربة الحجاج النازلين بشاطىء النيل ببولاق بين عسكر القليونجية مقاتلة وسبب ذلك أن المغاربة نظروا بالقرب منهم جماعة من القليونجية المتقيدين بقليون إسمعيل بك ومعهم نساء يتعاطون المنكرات الشرعية فكلمهم المغاربة ونهوهم عن فعل القبيح وخصوصا في مثل هذا الشهر أو أنهم يتباعدون عنهم فضربوا عليهم طبنجات فثار عليهم المغاربة فهرب الفليونجية إلى مراكبهم فنط المغاربة خلفهم واشتبكوا معهم ومسكوا من مسكوه وذبحوا من ذبحوه

ص: 55

ورموه إلى البحر وقطعوا حبال المراكب ورموا صواريها وحصلت زعجة في بولاق تلك الليلة وأغلقوا الدكاكين وقتل من القليونجية نحو العشرين ومن المغاربة دون ذلك فلما بلغ إسمعيل بك ذلك اغتاظ وأرسل إلى المغاربة يأمرهم بالانتقال من مكانهم فانتقلوا إلى القاهرة وسكنوا بالخانات فلما كان ثاني يوم نزل الاغا والوالي وناديا في الأسواق على المغاربة الحجاج بالخروج من المدينة إلى ناحية العادلية ولا يقيموا بالبلد وكل من آواهم يستأهل ما يجري عليه فامتنعوا من الخروج وقالوا: كيف نخرج إلى العادلية ونموت فيها عطشا وذهب منهم طائفة إلى إسمعيل كتخدا حسن باشا فأرسل إلى إسمعيل بك بالروضة يترجى عنده فيهم فامتنع ولم يقبل الشفاعة وحلف أن كل من مكث منهم بعد ثلاثة أيام قتله فتجمعوا أحزابا واشتروا أسلحة وذهب منهم طائفة إلى الشيخ العروسي والشيخ محمد بن الجوهري فتكلموا مع إسمعيل بك فنادى عليهم بالأمان.

وفي أواخره ورد خبر من دمياط بأن النصارى أخذوا من على ثغر دمياط اثني عشر مركبا.

واستهل شهر شوال بيوم السبت في رابعه حضر سليم بك من سرحته وفي خامسه أرسل الآغا بعض اتباعه بطلب شخصين من عسكر القليونجية من ناحية بين السوربن بسبب شكوى رفعت إليه فيهما فضرب احدهما أجد المعينين فقتله فقبضوا عليه ورموا عنقه أيضا بجانبه.

وفيه حضر طائفة العربان الذين نهبوا القافلة إلى مصر وهم من العيايدة وقابلوا إسمعيل بك وصالحوه على مال وكذلك الباشا واتفقوا على شيل ذخيرة أمير الحاج وخلع عليهم ولما نهبت القافلة اجتمع الأكابر والتجار وذهبوا إلى إسمعيل بك وشكوا إليه ما نزل بهم فوبخهم وأظهر الشماتة فيهم وصارت يده ترتعش الغيظ وخرجوا من بين يديه آيسين والحاضرون يلطفون له القول ويأخذون بخاطره وهو لا ينجلي عنه الغيظ.

وفي يوم السبت ثامنه نزلوا بكسوة الكعبة من القلعة إلى المشهد الحسيني على العادة

ص: 56

وفي ليلة الثلاثاء حادي عشره في ثالث ساعة من الليل حصلت زعجة عظيمة وركب جميع الأمراء وخرجوا إلى المتاريس وأشيع أن الأمراء القبليين عدوا إلى جهة الشرق وركب الوالي والأغا وساروا يفتحون الدروب بالعتالات ويخرجون الأجناد من بيوتهم إلى العرضي وباتوا بقية الليل في كركبة عظيمة وأصبح الناس هايجين والمناداة متتابعة على الناس والالضاشات والأجناد والعسكر بالخروج وظن الناس هجوم القبليين ودخولهم المدينة فلما كان أواخر النهار حصلت سكتة وأصبحت القضية باردة وظهران بعضهم عدي إلى الشرق وقصدوا الهجوم على المتاريس في غفلة من الليل فسبق العين بالخبر فوقع ما ذكر فلما حصل ذلك رجعوا إلى بياضة وشرعوا في بناء متاريس ثم تركوا ذلك وترفعوا إلى فوق ولم يزل المصريون مقيمين بطرا ما عدا إسمعيل بك فإنه رجع بعد يومين لأجل تشهيل الحاج.

ثم استهل شهر القعدة بيوم الإثنين في ذلك اليوم رسموا بنفي سليمان بك الشابوري إلى المنصورة وتقاسموا بلاده.

وفيه رجع الأمراء من المتاريس إلى مصر القديمة كما كانوا ولم يبق بها إلا المرابطون قبل ذلك.

وفي يوم الثلاثاء ثار جماعة الشرام وبعض المغاربة بالأزهر على الشيخ العروسي بسبب الجراية وقفلوا في وجهه باب الجامع وهو خارج يريد الذهاب بعد كلام وصياح ومنعوه من الخروج فرجع إلى رواق المغاربة وجلس به إلى الغروب ثم تخلص منهم وركب إلى بيته ولم يفتحوا الجامع وأصبحوا فخرجوا إلى السوق وأمروا الناس بغلق الدكاكين وذهب الشيخ إلى إسمعيل بك وتكلم معه فقال له أنت الذي تأمرهم بذلك وتريدون تحريك الفتن علينا ومنكم أناس يذهبون إلى أخصامنا ويعودون فتبرأ من ذلك فلم يقبل وذهب أيضا وصحبته بعض المتعممين إلى الباشا بحضرة إسمعيل بك فقال الباشا مثل ذلك وطلب الذين يثيرون الفتن من المجاورين ليؤد بهم وينفيهم فمانعوا في ذلك ثم

ص: 57

ذهبوا إلى علي بك الدفتردار وهو الناظر على الجامع فتلا في القضية وصالح إسمعيل بك واجروا لهم الأخبار بعد مشقة وكلام من جنس ماتقدم وامتنع الشيخ العروسي من دخول الجامع أياما وقرأ درسه بالصالحية.

وفي يوم الأحد رابع عشره الموافق لثالث عشر مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وركب الباشا في صبحها وكسر سد الخليج.

وفي عشرينه انفتح سد ترعة مويس فأحضر إسمعيل بك عمر كاشف الشعراوي وهو الذي كان تكفل بها لأنه كاشف الشرقية ولامه ونسبه للتقصير في تمكينها والزمه بسدها فاعتذر بعدم الأمكان وخصوصا وقد عزل من المنصب وأعوانه صاروا مع الكاشف الجديد فاغتاظ منه وأمر بقتله فاستجار برضوان كتخدا مستحفظان فشفع فيه واخذه عنده وسعى في جريمته وصالح عليه.

شهر الحجة في غرته حضر قليونان روميان إلى بحر النيل ببولاق يشتمل أحدهما على أجد وعشرين مدفعا والثاني أقل منه اشتراهما إسمعيل بك.

وفيه زاد سعر الغلة ضعف الثمن بسبب انقطاع الجالب.

وفي رابع عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني وتشاوروا في خروج تجريدة وشاع الخبر بزحف القبليين.

وفي يوم الأربعاء سادس عشرة عمل الباشا ديوانا بقصر العيني جمع به سائر الأمراء والوجاقلية والمشايخ بسبب شخص الجي حضر بمكاتبات من قرال الموسقو ولحضوره نبأ ينبغي ذكره كما نقل إلينا وهو أن قرال الموسقو لما بلغه حركة العثمنلي في ابتداء الأمر على مصر أرسل مكاتبة إلى أمراء مصر على يد القنصل المقيم بثغر سكندرية يحذرهم من ذلك ويحضهم على تحصين الثغر ومنع حسن باشا من العبور فحضر القنصل إلى مصر واختلى بهم واطلعهم على ذلك فأهملوه ولم يلتفتوا إليه ورجع من غير رد جواب وورد حسن باشا فعند ذلك انتبهوا وطلبوا القنصل فلم يجدوه وجرى ما جرى وخرجوا إلى قبلي وكاتبوا القنصل فأعاد

ص: 58

الرسالة إلى قراله وركب هجانا واجتمع بهم ورجع وصادف وقوع الواقعة بالمنشية في السنة الماضية وكانت الهزيمة على المصريين وشاع الخبر في الجهات بعودهم وقد كان أرسل لنجدتهم عسكرا من قبله ومراكب ومكاتبات صحبة هذا الالجي فحضر إلى ثغر دمياط في أواخر رمضان فرأى انعكاس الأمر فعربد بالثغر وأخذ عدة نقاير كما ذكر ورجع إلى مرساه أقام بها وكاتب قراله وعرفه صورة الحال وأن من بمصر الآن من جنسهم أيضا وأن العثمنلي لم يزل مقهورا معهم فأجمع رأيه على مكاتبة المستقرين وإمدادهم فكتب إليهم وأرسلها صحبة هذاالالجي وحضر إلى دمياط وأنقذ الخبر سرا بوصوله وطلب الحضور بنفسه فاعلموا الباشا بذلك سرا وأرسلوا إليه بالحضور فلما وصل إلى شلقان خرج إليه إسمعيل بك في تطريدة كان لم يشعر به أجد وأعد له منزلا ببولاق وحضر به ليلا وأنزله بذلك القناق ثم اجتمع به صحبة علي بك وحسن بك ورضوان بك وقرأوا المكاتبات بينهم فوصل إليهم عند ذلك جماعة من اتباع الباشا وطلبوا ذلك الالجي عند الباشا وذلك باشارة خفية بينهم وبين الباشا فركبوا معه إلى قصر العيني وأرسل الباشا في تلك الليلة التنابيه لحضور الديوان في صبحها فلما تكاملوا أخرج الباشا تلك المراسلات وقرئت في المجلس والترجمان يفسرها بالعربي وملخصها خطاب إلى الأمراء المصرية أنه بلغنا صنع بن عثمان الخائن الغدار معكم ووقوع الفتن فيكم وقصده أن بعضكم يقتل بعضا ثم لا يبقى على من يبقى منكم ويملك بلادكم ويفعل بها عوائده من الظلم والجور والخراب فإنه لا يضع قدمه في قطر إلا ويعمه الدمار الخراب فتيقظوا لأنفسكم واطردوا من حل ببلادكم من العثمانية وارفعوا بنديرتنا واختاروا لكم رؤساء منكم وحصنوا ثغوركم وامنعوا من يصل اليكم منهم إلا من كان بسبب التجارة ولا تخشوه في شيء فنحن نكفيكم مؤنته وانصبوا من طرفكم حكاما بالبلاد الشامية كما كانت في السابق ويكون لنا أمر بلاد الساحل والواصل لكم كذا وكذا مركبا وبها كذا من العسكر والمقاتلين وعندنا من المال والرجال

ص: 59

ما تطلبون وزيادة على ما تظنون فلما قرىء ذلك اتفقوا على إرسالها إلى الدولة فأرسلت في ذلك اليوم صحبة مكاتبة من الباشا والأمراء وانزلوا ذلك الالبي في مكان بالقلعة مكرما.

وفي يوم الإثنين وجهوا خمسة من المراكب الرومية إلى جهة قبلي وابقوا اثنين وأرسلوا بها عثمان بك طبل الإسماعيلي وعساكر رومية والله أعلم وانقضت هذه السنة.

من مات في هذه السنة ممن له ذكر.

مات الإمام العلامة أجد المتصدرين واوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري ولد بالجدية في سنة 1128 وهي قرية قرب رشيد وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى افقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي أخذ عنهم الفنون بالاتقان ومهر فيها حتى عد من الأعيان ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصور طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر وله مؤلفات وتقييدات وحواش وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضا وينزل إلى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها أياما ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة إلى حضوره ولا يثقون إلا بقوله ثم يرجع إلى مصر بما اجتمع لديه من الارز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله إلى قابل مع الحشمة والعفة توفي بعد أن تعلل أشهرا في أواخر شهر ذي الحجة وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد.

ص: 60

حافل ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر اعده لنفسه رحمه الله تعالى.

ومات الإمام العالم العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر إلى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الأستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوي وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما أمره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الاتباع واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس وأطعم الطعام واستعمل مكارم الاخلاق ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام وتردد إلى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالامارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني فلما استبد بالأمر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد فزادت شهرته ونفذت احكامه وقضاياه واتخذ سكنا على بركة جناق أيضا ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والافتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الافتاء وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر المبيضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للافتاء بعد القائهم دروس الفقه ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم

ص: 61

عدم قبول الرشا والجعالات فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير واجتمع المترجم بالشيخ صادومه المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزه لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات إلى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينه الشيخ المترجم من أجله ولم يتمكن من أيذائهما في حياة سيده فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والافتاء وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي وانكسف باله وخمد مشعال ظهروه بين أقرانه إلا قليلا حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول ونسيت القضية وبطل أمر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالأول ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهورا وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته اعراب الآجرومية وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والانصاف أوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الأقران.

ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي اصله من الصحراء من عمالة الجزائر دخل مصر صغيرا فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون وأذن له في التدريس فصار يقرىء الطلبة في رواقهم وراج أمره لفصاحته وجوده حفظه وتميز في الفضائل وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة واجتمع بالشيخ أبي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعادا إلى مصر وكان يحسن الثناء على المشار إليه واشتهر أمره وصارت له في

ص: 62

الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه وبعد موت شيخه عظم أمره حتى اشير له بالمشيخة في الرواق وتعصب له جماعة فلم يتم له الأمر ونزل له السيد عمر أفندي الأسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين وكان محجاجا عظيم المراس يتقي شره توفي ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله.

ومات الإمام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الأزهري نشأ بالجامع الأزهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الاشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي ومهر وانجب وصار من الفضلاء المعدودين ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وافاد ولازم حضور شيخا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد وكان مهذبا في نفسه متواضعا مقتصدا في ملبسه ومأكله عفوفا قانعا خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته ولم يزل منقطعا للعلم والإفادة ليلا ونهارا مقبلا على شأنه حتى توفي رحمه تعالى حادي عشر شعبان مطعونا.

ومات العلامة الأديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد ابن علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم إلى مصر سنة أحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وابي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والادب وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات وتزوج وتزيا بزي أولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن توفي رحمة الله في يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة.

ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي ورغب في صناعة

ص: 63

تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الأسطى أحمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق أستاذه وادرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملونة والرسم والجداول والاطباع وغير ذلك وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان أفندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الاوضاع ودودا مشفقا عفوفا صالحا ملازما على الاذكار والأوراد مواطبا على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفا وشتاء سفرا وحضرا حتى لاحت عليه أنوار الأسم الشريف وظهرت فيه أسراره وروحانيته وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية وتلقن عنه الذكر والاسم الأول وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ ولم يزل مقبلا على شأنه قانعا بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها إلى أن وافاه الحمام وتوفي سابع شهر القعدة من السنة بعد أن تعلل أشهرا رحمه الله وعوضنا فيه خيرا فإنه كان بي رؤوفا وعلي شفوقا ولا يصبر عني يوما كاملا مع حسن العشرة والمودة والمحبة لا لغرض من الاغراض ولم أر بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة وهم الشيخ صالح وهو الكبير وأحمد بدوي والشيخ صالح المذكور هو الآن عمدة مباشري الأوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله وأعانه على وقته.

ومات أيضا الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد اخونا في الله خليل أفندي البغدادي ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها مال وثروة عظيمة وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة فلما وصل الطاغية طهماز إلى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه

ص: 64

بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته وخرج أهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوهم وفيهم المترجم وكان إذ ذاك أصغر اخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار إلى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه وجود الخط على الانيس والضيائي والكشري ومهر فيه وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أجد مع الخفة والسرعة وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أجد الرخين ولم أر من ناقلة بالكامل إلا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته العيان والأكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الأعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة ويأوي إلى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالاشرفية وبآخرة عاشر الأمير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج وأغدق عليه ووالاه بالبر فراج حاله واشترى كتبا وواسى اخوانه وكان كريم النفس جدا يجود وما لديه قليل ولا يبقى على درهم ولا دينار ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه وعبه دائما ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأكل منها ويفرق في مروره على الأطفال والفقراء والكلاب وكان بشوشا ضحوك السن دائما منشرحا يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها اينما كان ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الأحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية ويحب سماع الألحان واجتماع الإخوان ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه فلقد كانت افاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله

ص: 65

ومات الجناب الاوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الاريب السيد إبراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد امين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد امين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان إمام والده وتدرج في معرفة الأقلام والكتابة فلما توفي والده تولى مكانه أخوه الأكبر يوسف في كتابة قلم الشهر فلما شاخ وكبر سلمه إلى اخيه المترجم فسار فيه احسن سير واقتنى كتبا نفيسة وتمهر في غرائب الفنون وأخذ طريق الشاذلية والاحزاب والاذكار على الشيخ محمد كشك وكان يبره ويلاحظه بمراعاته وانتسب إليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيرا من الأجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالازبكية في مواسم النيل وكان مهيبا وجيها ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحا بالعطاء متوكلا توفي صبح يوم الأربعاء غاية شهر شعبان بعد أن تعلل سبعة أيام وجهز وصلي عليه بمصلى شيخون ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن أفندي وقاسم أفندي ابقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما واصلح لنا ولهم الأيام.

ومات الإمام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الأصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد أجد أعيان العلماء النجباء الفضلاء تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول وألف وأفاد وكان إنسانا حسنا جميل الاخلاق مهذب النفس متواضعا مشهورا بالعلم والفضل والصلاح لم يزل مقبلا على شأنه محبوبا للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله.

ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم أنيس الجليس والنادرة الرئيس حسن أفندي بن محمد أفندي المعروف بالزامك قلف الغربية ومن له في ابناء جنسه أحسن منقبة ومزية تربى في حجر والده ومهر

ص: 66

في صناعته ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده وعاشر أرباب الفضائل واللطفاء وصار منزله منهلا للواردين ومربعا للوافدين فيتلقى من يرد إليه بالبشر والطلاقة ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به أدنى علاقة فاشتهر ذكره وعظم أمره وورد إليه الخاص والعام حتى أمراء الالوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة قطعنا معه أوقاتا كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة وفي هذا العام قصد الحج إلى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والاشغال واشترى الخيش وأدوات الأحمال فوافاه الحمام وارتحل إلى دار السلام بسلام وذلك في أواخر رجب بالطاعون رحمه الله.

ومات أيضا الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الأمير أحمد أفندي الروزنامجي المعروف بالصفائي تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر إسمعيل أفندي فكان لها أهلا وسار فيها سيرا حسنا بشهامة وصرامة ورياسة وكان يحفظ القرآن حفظا جيدا وحضر في الفقه والمعقول على أشياخ الوقت قبل ذلك وكان يحفظ متن الألفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيرا من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية فتراه أميرا مع الأمراء ورئيسا مع الرؤساء وعالما مع العلماء وكاتبا مع الكتاب وولداه سليمان أفندي المتوفي سنة ثمان وتسعين وعثمان أفندي المتوفي بعده في الفصل سنة خمس ومائتين ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين اعقب سليمان محمد أفندي وتوفي في سنة ست عشرة وهو مقتبل الشبيبه وحسن أفندي الموجود الآن وأعقب عثمان أحمد وهو موجود أيضا إلا أنه بعيد الشبه من أبيه وعمه وأولاد عمه وجده وجدته وأما ابن عمه حسن أفندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه أحمد أفندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام

ص: 67

في المنصب دون الشهرين ومات أحمد أفندي فسمى عثمان أفندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على أحمد أفندي أبو كلبة ما دفعه في الهباء وكانت وفاة أحمد أفندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة.

ومات العمدة المفرد والنجيب الاوحد محمد أفندي كاتب الرزق الأحباسية وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها واتقنوا أمرها وكان محمد أفندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من اراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت إليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة وكان على قدم الخير والصلاح مقتصدا في معيشته قانعا بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب ويركب دائما الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع إلى الديوان مع السكون والحشمة وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل أياما وتوفي إلى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حموده أفندي فسار كاسلافه سيرا حسنا وقام بأعباء الوظيفة حسا ومعنى إلا أنه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها وهكذا عادة الدنيا.

ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والأفعال المرضية والسجايا المنيفة والأخلاق الشريفة السيد السند حامي الاقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة تولى الأحكام وعمره نحو احدى عشرة سنة وكانت مدة ولايته قريبا من أربع عشرة سنة وساس الأحكام احسن سياسة وسار فيها بعدالة ورآسة وأمن تلك الاقطار أمنا لا مزيد عليه ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الأمور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الأمور الكلية

ص: 68