الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من شاء وخبط الناس خبط عشواء وركبوا متن عمياء.. وهو تلو كلام الله العلام، وثاني أدلة الأحكام
…
تم قال: وما الحق إلا فيما قاله صلى الله عليه وسلم أو عمل به أو قرره أو أشار إليه أو تفكر فيه أو خطر بباله أو هجس في خلده واستقام عليه.
فالعلم في الحقيقة هو علم السنة والكتاب، والعمل بهما في كل إياب وذهاب، ومنزلته بين العلوم منزلة الشمس بين كواكب السماء، ومزية أهله على غيرهم من العلماء مزية الرجال على النساء {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} 1.
فياله من علم مزج بدمه الحق والهدى، ونيط بعنقه الفوز بالدرجات العلى.
وقد كان الإمام محمد بن علي بن الحسين رحمه الله يقول: "إن من فقه الرجل بصيرته أو فطنته بالحديث". لقد صدق فإنه لو تأمل بالنظر العميق والفكر الدقيق، لعلم أن لكل علم خاصية تتحصل بمزاولته للنفس الإنسانية كيفية من الكيفيات الحسنة أو السيئة، وهذا العلم تعطي مزاولته صاحبه معنى الصحابة؛ لأنها في الحقيقة هي الإطلاع على جزئيات أحواله صلى الله عليه وسلم ومشاهدة أوضاعه في العبادات والعادات كلها، وعند بعد الزمان يتمكن هذا المعنى بمزاولته في مدركة المزاول، ويرتسم في خياله بحيث يصير في حكم المشاهدة والعيان، وإليه أشار القائل بقوله:
أهل الحديث هموا أهل النبي وإن
…
لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
ويروى عن بعض الصلحاء أنه قال: "أشد البواعث وأقوى الدواعي لي على تحصيل علم الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فالحاصل أن أهل الحديث - كثر الله سوادهم، ورفع عمادهم - لهم نسبة خاصة ومعرفة مخصوصة بالنبي صلى اله عليه وسلم لا يشاركهم فيها أحد من العالمين، فضلا عن الناس أجمعين؛ لأنهم الذين لا يزال يجري ذكر صفاته العليا وأحواله الكريمة وشمائله الشريفة على لسانهم". اهـ بتصرف i.
1 انظر قواعد التحديث
فضل نشر الحديث وروايته:
روى أبو داود بسنده عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى بلغه؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه"2.
2 انظر سنن أبي داود كتاب العلم فضل نشر العلم جـ 2ص 289.
قال المنذري: وأخرجه الترمذي والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه ابن ماجه من حديث عبّاد والد يحيي عن زيد بن ثابت. اهـ1.
وروي: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها".
وفيه روايات عدة لهذا الحديث.
قال سفيان بن عيينة: "ليس من أهل الحديث أحد إلا في وجهه نضرة لهذا الحديث".
يقول الإمام الخطابي:" في قوله "نضر الله " معناه: الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة، يقال بتخفيف الضاد وتثقيلها، وأجودهما التخفيف.
وفي قوله: "ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه" دليل على كراهة اختصار الحديث لمن ليس بالمتناهي في الفقه؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد قطع طريق الاستنباط والاستدلال لمعاني الكلام من طريق التفهم، وفي ضمنه وجوب التفقه والحث على استنباط معاني الحديث، واستخراج المكنون من سره". اهـ.
وقد قيل في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} 2 ليس لأهل الحديث منقبة أشرف من ذلك؛ لأنه لا إمام لهم غيره صلى الله عليه وسلم3.
وقد ورد في شرف الحديث وأصحابه، وفضل الإسناد وأربابه أخبار كثيرة؛ فمن ذلك حديث أسامة بن زبد رفعه:" بحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"، وهذا الحديث رواه من الصحابة علي وعمر وابن مسعود وابن عباس وجابر بن سمرة ومعاذ وأبو هريرة وأبو أمامة، وأورده ابن عدى من طرق كثيرة كلها ضعيفة، كما صرح به الدارقطني وأبو نعيم وابن عبد البر.
لكن يمكن أن يتقوّى بتعدد طرقه ويكون حسنا لغيره، كما جزم به العلائي.
وفيه تخصيص حملة السنة بهذه المنقبة العلية؛ لأنهم يحمون مشارع الشريعة ومتون الروايات من تحريف الغالين الذين غلوا في الدين، وتأويل الجاهلين بنقل النصوص المحكمة لرد المتشابه إليها.
قال النووي في أول تهذيبه: "وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة هذا العلم بحفظه، وعدالة ناقليه، وأن الله يوفق في كل عصر خلقا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع، وهو من أعلام النبوة، ولا يضر كون بعض الفساق يعرف شيئا من علم الحديث؛ فان الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أن غيرهم لا يعرف شيئا". اهـ.
1 انظر مختصر المنذرى ومعالم السنن للخطايى جـ 5 ص253 باب جامع في فضل العلم.
2 سورة الإسراء آية 71.
3 كذا في تدريب الراوي ص 170.