الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موانع الإرث
موانع الإرث ثلاثة: الرق والقتل واختلاف الدِّين.
فالرق: وصف يكون به الإنسان مملوكاً يباع ويوهب، ويورث ويتصرف فيه، ولا يتصرف تصرفاً مستقلاً.
وعرّفه بعضهم بأنه: عجز حكمي يقوم بالشخص بسبب الكفر.
وإنما كان الرق مانعاً من الإرث؛ لأن الله أضاف الميراث إلى مستحقه باللام الدالة على التمليك، فيكون ملكاً للوارث، والرقيق لا يملك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من باع عبداً له مال فماله للبائع إلى أن يشترطه المبتاع"1. متفق عليه. فإذا كان لا يملك لم يستحق الإرث لأنه لو ورث لكان لسيده وهو أجنبي من الميت.
والقتل: إزهاق الروح مباشرة أو تسبباً، والذي يمنع من الإرث من القتل ما كان بغير حق، بحيث يأثم بتعمده لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يرث القاتل شيئاً"2. رواه أبو داود.
1 رواه البخاري "2379" كتاب المساقاة، 17- باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل.
ومسلم "1543" كتاب البيوع، 15- باب من باع نخلا عليها ثمر.
2 رواه أبو داود "4564" كتاب الديات، باب ديات الأعضاء.
وعن عمر نحوه مرفوعاً رواه مالك في "الموطأ" وأحمد وابن ماجه.
ولأنه قد يقتل مورّثه ليتعجل إرثه منه؛ فحرم من الإرث سداً للذريعة.
ولا فرق بين أن يكون القتل عمداً أو خطأ تعميماً لسد الذريعة، ولئلا يدّعي العامد أنه قتل خطأ. وقال مالك:"يرث القاتل خطأ من تِلاد مال المقتول دون الدية". وذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" صفحة "521" ج في فتاوي النبي صلى الله عليه وسلم في الزوجين يقتل أحدهما صاحبه خطأ أنه يرث من ماله ولا يرث من ديته. ذكره ابن ماجه"1" قال ابن القيم: وبه نأخذ. انتهى.
= والنسائي "6367" كتاب الفرائض، 21- باب توريث القاتل.
وقواه البهقي "6/219، 220" بشواهده. وصححه الألباني في "الإرواء""1671" وشاهده من حديث عمر: رواه مالك "2/867/10" كتاب العقول، والنسائي "6368" كتاب الفرئض، باب توريث القاتل.
وابن ماجه "2646" كتاب الديات، 14- باب القاتل لا يرث.
وأحمد "1/46" مرسلا، إلا أحمد فوصله وفيه الحجاج وهو ضعيف.
1 رواه ابن ماجه "2736" كتاب الفرائض، 8- باب ميراث القاتل.
والدرقطني "4/72- 73/16" كتاب الفرائض والسير وغير ذلك.
ومال إلى تصحيحه.
وضعفه البوصيري والألباني، بل قال: موضوع، وابن الجوزي في "التحقيق""2/242/1661"، وعبد الحق، كما في "نصب الراية""4/330".
وقد روي عن عطاء ومجاهد وابن أبي نجيح والزهري ومحمد بن جبير وغيرهم القول بتوريث القاتل خطأ من المال دون الدية.
انظر: المصنف لابن أبي شيبة "11/358" ومصنف عبد الرزاق "9/400".
قلت: وعلى هذا القول فالظاهر أنه لا بد من قرينة ظاهرة تدل على أن القتل ليس بعمد. والله أعلم.
فأما القتل الذي لو تعمده لم يكن آثماً كقتل الصائل فلا يمنع الإرث، وكذلك القتل الحاصل بتأديب أو دواء أو نحوه؛ فإنه لا يمنع الإرث إذا كان مأذوناً فيه، ولم يحصل تعدٍّ ولا تفريط.
واختلاف الدين: أن يكون أحدهما على ملة والثاني على ملة أخرى؛ مثل أن يكون أحدهما مسلماً والثاني كافراً، أو أحدهما يهودياً والآخر نصرانياً أو لا دين له، ونحو ذلك؛ فلا توارث بينهما لانقطاع الصلة بينهما شرعاً، ولذلك قال الله تعالى لنوح عن ابنه الكافر:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} "هود: من الآية46"ولحديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "1. رواه الجماعة.
وعن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتوارث أهل ملتين شتى"2. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
1 وأخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمر في حديث كما ذكره الحافظ في التخليص "3/97".
2 رواه أبو داواد "2911" كتاب الفرائض، باب هل يرث المسلم الكافر.
والنسائي "6382، 6384" كتاب الفرائض، 6- باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك.
وأحمد "2/178"، وصححه الألباني، وابن الملقن في "الخلاصة""2/135/1744"، وقال الحافظ في "الفتح" "12/51": وسند أبي داواد إلى عمر بن شعيب صحيح.
واستثنى الأصحاب رحمهم الله من ذلك مسألتين:
إحداهما: الإرث بالولاء فلا يمنعه اختلاف الدِّين بل يرث المولى ممن له عليه ولاء وإن كان مخالفاً له في دينه.
الثانية: إذا أسلم الكافر قبل قسمة التركة فيرث من قريبه المسلم ترغيباً له في الإسلام.
كما استثنى شيخ الإسلام ابن تيمية ثلاث مسائل:
إحداها: الاختلاف بالإسلام الصحيح والنفاق، قال:"فالنفاق، لا يمنع التوارث بين المسلم والمنافق للحكم بإسلامه ظاهراً".
الثانية: المسلم يرث من قريبه الذمي ولا عكس.
الثالثة: المرتد إذا مات أو قتل على ردته ورثه قريبه المسلم.
والصواب أنه لا يستثنى من ذلك شيء، لعموم الأدلة على منع التوارث مع اختلاف الدين، ولا دليل صحيح على التخصيص، لكن المنافق إذا لم يظهر نفاقه فإننا نحكم بظاهر حاله، وهو الإسلام؛ فيرث من قريبه المسلم وبالعكس، أما إذا كان معلوم النفاق؛ فالصواب أن لا توارث بينه وبين قريبه المسلم. والله أعلم.