المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب فيمن أكل ثم خرج سفرا - تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفرة بعد الفجر

[ناصر الدين الألباني]

الفصل: ‌ باب فيمن أكل ثم خرج سفرا

‌مدخل

سبق أن علق الأستاذ الشيخ ناصر الدين الألباني بكلمة على فتوى في هذه المجلة حول هذا الموضوع فبين أن من السنة أن يفطر الصائم في بيته قبل مبارحته وقد وردتنا من الأستاذ الشيخ عبد الله بن محمد الهرري - بواسطة الأستاذ الشيخ حمدي الجويجاني - كلمة ذكر فيها أن بعض القراء عرض عليه تلك الكلمة فرآها مستندة إلى حديث ضعيف وأطلعنا الأستاذ الألباني على كلمة الأستاذ الهرري فأيد ما ذهب إليه من قبل بكلمة جديدة فننشر الكلمتين فيما يلي:

ص: 5

1 -

قال الأستاذ الهرري:

"في جامع الترمذي:‌

‌ باب فيمن أكل ثم خرج سفرا

.

حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا وقد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلت: سنة قال: سنة ثم.

ص: 5

ركب.

حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا محمد بن جعفر حدثني زيد بن أسلم حدثني محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان فذكر نحوه.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير مدني ثقة وهو أخو إسماعيل بن جعفر وعبد الله بن جعفر هو ابن أبي نجيح والد علي بن المديني وكان يحيى بن معين يضعفه وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث وقال: للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وليس له أن يقصر حتى يخرج من جدار المدينة أو القرية وهو قول إسحق.

فهذا التحسين من الترمذي مردود فقد ضعف هذا الحديث حافظان أحدهما من المتقدمين والآخر من المتأخرين:

ص: 6

الأول: هو الحافظ الناقد أبو حاتم الرازي قال ابنه الحافظ عبد الرحمن في "العلل""ص 240" ما نصه:

"سألت أبي عن حديث رواه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فوجده قد رحلت راحلته ولبس ثياب السفر فدعا بطعام فأكل فقلنا: سنة قال: ليس بسنة.

ورواه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب أنه أتى أنس بن مالك فذكر الحديث قال: فقلت: سنة قال: سنة قال أبي حديث الدراوردي أصح" أهـ.

فهذا هو كما هو ظاهر صريح في أن رواية الترمذي مرجوحة وأن الراجح رواية النفي.

والثاني: فهو الحافظ العراقي زين الدين عبد الرحيم شيخ.

ص: 7

الحافظ ابن حجر قال في شرحه على الترمذي: "يوجد في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة نسخة خطية برقم 168".

حديث أنس هذا انفرد بإخراجه الترمذي وحسنه لمتابعة محمد بن جعفر لعبد الله بن جعفر وإلا فعبد الله ضعيف كما حكى المصنف تضعيفه عن ابن معين فإنه قال فيه: ليس بشيء وقال فيه أبو حاتم الرازي: منكر الحديث جدا وقال فيه النسائي: متروك الحديث وقال الفلاس: ضعيف الحديث وقال فيه الدارقطني: كثير المناكير وقال أبو حاتم: كان يهم في الأخبار فيأتي بها مقلوبة ويخطئ في الآثار حتى كأنها مقلوبة وقال ابن عدي: عامة أحاديثه لا يتابعه عليه أحد وهو مع ضعفه ممن يكتب حديثه قال صاحب الميزان: وهو متفق على ضعفه. أهـ.

قال: وإن الترمذي إنما حسن الحديث لكون عبد الله بن جعفر لم ينفرد به بل تابعه عليه محمد بن جعفر بن أبي كثير.

ص: 8

المدني وهو ثقة كما قال الترمذي.

إذا تقرر هذا فهنا أمر يجب التنبيه عليه فمحل الحجة من الحديث كون أنس قال فيه إنه سنة وحكم الصحابي على "أمر" بأنه سنة يكون حكمه حكم الحديث المرفوع على ما هو مقرر في علوم الحديث والأصول وهذه اللفظة إنما رواها على الجزم عبد الله بن جعفر وهو متفق على ضعفه كما تقدم.

وأما طريق محمد بن جعفر فلم يسق الترمذي لفظها وإنما قال فذكر نحوه وهذا لا يقتضي أنه بلفظه كما هو مقرر في علوم الحديث.

ثم فتشنا عن لفظ رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير فوجدناه لم يجزم بهذه اللفظة كما جزم بها عبد الله بن جعفر رواه كذلك إسماعيل بن إسحق القاضي في كتاب "الصيام".

قال: حدثنا عيسى بن مينا قال: حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن ابن المنكدر عن محمد بن كعب.

ص: 9

قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا فأكل فقلت: سنة؟ فلا أحسبه إلا قال: نعم.

فهذا لفظ رواية محمد بن جعفر وقد شك بعض رواته في هذه اللفظة وهو عمدة الاحتجاج ولكن قد رواها الدارقطني في سننه عن أبي بكر النيسابوري عن إسماعيل بن إسحق بن سهل عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر فذكره ولم يشك في هذه اللفظة بل قال: فقلت: سنة قال: نعم.

قال ابن العربي: حديث أنس صحيح لم يقل به إلا أحمد بن حنبل.

قلت: اختلف فيه على بن سعيد بن أبي مريم فقال إسماعيل بن إسحق عنه ما تقدم وخالف يحيى بن أيوب العلاف فجعل القصة في الإفطار يوم الشك لا إرادة السفر.

كذلك رواه الطبراني في المعجم الأوسط قال: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا.

ص: 10

محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال: دخلت على أنس بن مالك عند العصر يوم يشكون وأنا أريد أن أسلم عليه فدعا بطعام فأكل فقلت: هذا الذي صنعت سنة؟ قال: نعم.

وقد تابع سعيد بن أبي مريم على روايته على هذا الوجه خالد بن نزار رواه الطبراني أيضا في الأوسط قال: حدثنا المقدام هو ابن داود حدثنا خالد بن نزار حدثنا محمد بن جعفر فالحديث إذا اضطرب ليس بصحيح.

ثم فتشنا هل نجد أحدا تابع عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر على رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم ليقوى به أحد الروايتين فوجدنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي وهو أحد رجال الصحيح قد رواه عن زيد بن أسلم عكس رواية عبد الله بن جعفر رواه كذلك أيضا إسماعيل القاضي قال: حدثنا علي بن المديني وإبراهيم بن.

ص: 11

حمزة عن الدراوردي عن زيد بن أسلم بإسناده وقال فيه فقلت له: سنة؟ فقال: لا ثم ركب..

وهذه الطريق أقوى من طريق عبد الله بن جعفر فوجدنا الطريقين صحيحين أحدهما فيه الشك في اللفظة والأخرى عكسها وفي الطبراني حمل الحديث على معنى غير الفطر للسفر فتبين ضعف رواية إثبات كونها سنة والله أعلم.

وهذه المسألة قد اختلف العلماء فيها على أقوال:

أحدها: وهو قول أكثر أهل العلم أن من أصبح صائما ثم سافر فليس له أن يفطر ذلك اليوم البتة لا قبل الشروع في السفر ولا بعده وهو قول إبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وأبي ثور.

والثاني: أنه له الفطر إذا خرج وبرز عن البيوت وهو قول أحمد بن حنبل وروى عن عبد الله بن عمر والشعبي.

ص: 12

واحتج بعضهم على جواز الفطر بالحديث الصحيح في خروجه صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى مكة وأنه صام حتى بلغ الكديد ثم أفطر. وفي رواية حتى بلغ كراع الغميم فتوهم من استدل بهذا أن الكديد والكراع بقرب المدينة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بالمدينة صائما ثم بلغهما في بقية يومه فأفطر فالاستدلال بهذا الحديث على ذلك باطل.

والثالث: إن له الفطر إذا وضع رجله في الرحل وبه قال داود وحكاه ابن عبد البر عن إسحق وهو مخالف لما حكاه الترمذي عنه من أن له الفطر في بيته قبل أن يخرج إلا أن يحمل على أنه وضع رجله في الرحل وهو في بيته ثم أكل قبل أن يخرج وحديث أنس مخالف له في أنه دعا بطعامه فأكل ثم ركب والله أعلم.

والرابع: أن له الفطر في بيته يوم يريد أن يخرج وهو قول أنس والحسن البصري فيما روى عنه وقد حكاه المصنف عن.

ص: 13

ابن راهويه كما تقدم قال ابن عبد البر: "واتفقوا في الذي يريد السفر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية إنما يكون مسافرا بالنهوض في سفره". انتهى كلام العراقي.

وأخرج البخاري عن ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف من المسلمين يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد فأفطر وأفطروا.

قال الحافظ ابن حجر: لو نوى الصوم وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فهل له أن يفطر في ذلك النهار؟ منعه الجمهور قال أحمد وإسحق بالجواز واختاره المزني محتجا بهذا الحديث فقيل له قال كذلك ظنا منه أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي خرج فيه من المدينة. وليس كذلك فإن بين المدينة والكديد عدة أيام وكذلك لا حجة للمخالف في حديث أبي بصرة الغفاري الذي رواه أحمد وأبو داود من طريق عبيد بن جبير قال: ركبت.

ص: 14

مع أبي بصرة الغفاري في سفينة بالفسطاط في رمضان فدفع ثم قرب غداءه ثم قال: اقترب فقلت ألست ترى البيوت؟ فقال: أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل. لأمرين:

الأول: أنه لا يكفي على المعتمد في صحة الحديث سكوت أبي داود على ما يرويه في سننه بل لابد من النظر فيه وذلك من وظيفة الحافظ لما تقرر في علوم الحديث من اشتراط الحفظ في إدراك الصحيح والسقيم من الحديث كما صرح به الحاكم في معرفة علوم الحديث وأما دعوى هذا المخالف لأهلية ذلك لنفسه فليست إلا دعوى فارغة.

الثاني: لو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنه خرج بعد الصبح فركب ثم أكل فيحتمل أنه خرج من بيته قبل الفجر وركب السفينة فجاز له الأكل كما هو مذهب الجمهور أن من خرج قبل الفجر جاز له الأكل في نفس ذلك النهار بخلاف من خرج بعد الفجر فإنه ليس له أن يفطر في.

ص: 15

ذلك النهار إلا فيما بعده.

ويقرب ما وجهنا به حديثه هذا قول الراوي ثم قرب غداءه والغداء في اللغة ما يؤكل أول النهار بخلاف ما تعورف اليوم في اللغة العامية من إطلاق الغداء على ما يؤكل وسط النهار قبيل الظهر أو بعده فإن هذا عرف حادث ففي "القاموس": الغداء طعام الغدوة وتغدى أكل أول النهار وفيه: الغدوة: البكرة أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. والله أعلم".

ص: 16